أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - ما هي الصورة ؟















المزيد.....

ما هي الصورة ؟


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 5877 - 2018 / 5 / 19 - 15:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الفكر الفلسفي لم ينتظر العصور الحديثة ليكتشف علاقة العمل الفني بالصورة والخيال، عكس ما يعتقد بعض الذين يمارسون الفكرالشعري مثل صاحبنا الصادق النيهوم، رغم براعته في الإنشاء، والذي في دراسته عن "الكلمة والصورة"، يعلن عن إكتشافه الخطير وهو أن الكلمة وحدها غير قادرة على خلق النص الشعري، وأنه لا بد من اللجوء إلى خلق الصورة المناسبة التي لها القدرة على التأثير في القاريء "لا توجد كلمات ذات ظلال، ولكن يوجد إستعمال خاص للكلمات بحيث تكتب ظلالا". ولكنه مع ذلك لم يستطع أن يحدد ماهية هذه الصورة ولا طبيعتها، ويربطها عشوائيا بالفكر " فالصورة رغم تماسكها الطبيعي ورغم تجردها، لا يمكن أن تكون غير قابلة للفهم، باعتبارها فكرة إنسانية، وقد أتجهت لدراستها داخل هذا الحد، وافترضت أنها لابد أن تتحدد داخل ذهن الفنان - وعبر تجاربه وموقفه - بثلاثة حدود" وهذه الحدود هي المكان والأثر والحقيقة. وهنا نرى أن النيهوم يعتبر الصورة كشيء يتحدد في المكان ويمكن أن يترك أثرا، ويعود بنا إلى فكرة أدونيس التي ذكرناها سابقا، بأن اللغة خاصية ينصهر فيها الفكر والشعر "بحيث يبدو الفكر أنه يتصاعد من الشعر، كما تتصاعد من الوردة رائحتها". وتتمثل هذه الخاصية بطبيعة الحال في "البنية المجازية للتعبير" بالنسبة لأدونيس وبـ"الصورة" بالنسبة للنيهوم، بحيث تصبح الصورة مجرد تركيب لغوي يتواجد في الذهن بهدف خلق الإنطباع الذي ينشده الفنان. وهذا الإستعمال الخاص للكلمات وللغة هو ما يسمى بالشعر والفن عموما، وهذه الحقيقة كانت مطروحة في كل الساحات الفلسفية والفكرية والفنية منذ بدأ الإنسان في رسم الخطوط بالحجر أو بالفحم على سطح الصخور في الصحراء الأفريقية وعلى جدران المغارات في أوربا. الخيال هو المدخل الوحيد لللإنسان لعالم الإنسانية، أو المخرج الوحيد للإنسان من العالم الميت ليتحرر من عالم الطبيعة الجامد، والشاهد الوحيد على إمكانية إيجاد المعنى وربما المبرر لمواصلة رحلة الحياة العبثية حتى نهايتها. ولا شك أنه في حضن الدراسات الفينومينولوجية، تطور وترسخ مفهوم الصورة في شكله النهائي، بالذات عند جان بول سارتر في دراسته عن الخيال والمخيلة. وقد استند سارتر على فكر هوسرل، وطور نظريته عن الصورة ونقاها من بقايا المثالية العالقة بها وخلص الصورة نهائيا من التشيء. فقد وضع هوسرل أسس الفينومينولوجيا وأدرك أن الوعي هو قصدية مطلقة، ولا يوجد أي شيء داخله، فالوعي لا يمتلك صورًا ذهنية بل هو مقصور على الفعل والقصدية. فكل وعي هو وعي بشيء ما، فعل يستهدف شيئًا ما في الخارج، فهو خروج عن الذات باتجاه الموضوعات، وبالتالي وضع "الشجرة" المادية الحقيقية هناك في الخارج في مكانها الحقيقي في المكان والزمان ونفاها بعيدا عن "الوعي" كما يقول سارتر. الصورة بالنسبة لسارتر لا توجد في الذهن ولا في المخيلة ولا في العقل ولا في الخيال ولا في أي مكان آخر، الصورة في الحقيقة لا توجد على الإطلاق، لأنها ليست مادة، وليست شيئا ماديا وإنما "فعل" يستهدف موضوعا يقصده بواسطة المخيلة. ذلك أن مجال الصورة هو الخيال وليس الإدراك أو التصور أو الفكر، والخيال هو نوع من الوعي وليس خاصية أو مَلكَة سيكولوجية، يسميها La conscience imageante أي الوعي المتخيل. لقد رأينا أنه يمكن تصنيف الصور "خارجيا" إلى صور ثابتة وصور متحركة، صور مادية وصور ذهنية، وأنه يوجد المئات من أنواع الصور المختلفة، من الصور الشعرية إلى الرسم إلى التصوير الفوتوغرافي إلى السينما والأحلام والهلوسة إلخ، فإن سارتر يرجع جميع أنواع الصور هذه إلى مصدر واحد وهو الوضع أو السلوك المتخيل attitude imageante. الصورة بالنسبة لسارتر هي "فعل يهدف ويقصد في جسمانيته موضوعا غائبا أو غير موجودا، من خلال محتوى مادي أو نفسي والذي لا يعطي نفسه كما هو حقا، ولكن كممثل متطابق أو متناظر représentant analogique للموضوع المقصود وهو ما يطلق علية إسم analogon. نعرف ان سارتر يميز بين ثلاثة أنواع أو لحظات من الوعي : الوعي الدلالي، المتعلق باللغة والدلالات اللغوية والتصور Conception ou la conscience de signification، ثم وعي العالم والأشياء الكائنة أي الإدراك la perception ou conscience perceptive، وأخيرا الوعي المتعلق بكل ما هو غائب ولا وجود حقيقي له أي الخيال L imagination ou la conscience imageante. الوعي الدلالي لا يموضع ما يهدفه فهو وعي غير مموضع non positionnel، بمعنى أننا عندما نقرأ على باب أحد المكاتب لافتة مكتوب عليها " مكتب نائب المدير" فإن وعينا بهذه اللافتة لا يموضع أي شيء، بينما الوعي المتخيل فإنه يموضع هدفه أو موضوعه خارج العالم الحقيقي الملموس كشيء لا واقعي وغير حقيقي irréel، وذلك بعكس الوعي الإدراكي الذي يضع الشيء المدرك ويعينه في مجال الواقع كشيء يوجد حقيقة في الزمان والمكان يمكن أن يلمسه ويعاينه من جميع الجوانب. وهكذا نرى أن التصور أو الوعي الدلالي يعين موضوعه على خلفية فارغة، بينما الإدراك يحيط بموضوعه لحما ودما كما يقال في ماديته وجسمانيته الحاضرة في العالم، فإن الوعي الخيالي يرتكز على "مادة" غريبة تسمى الأنالوغون analogon، والتي يمكن أن تكون من طبيعة بسيشيكية psychique مثل الحركة والعواطف واللغة الداخلية وتكون الصور الذهنية، أو من طبيعة مادية physique كلوحة أو تمثال أوصورة فوتوغرافية، فيما يخص الصور المادية، أي الصور التي لها سند مادي تظهر عليه. بالتالي فإن الوعي ليس وعاء حاويًا للصور ولا للذكريات ولا لأي شيء آخر. فالأمر المتخيّل ليس هو الأمر المدرك وليس هو المتصور، إنها طرق مختلفة لاستهداف نفس الموضوع. ويمكن الإستعانة بافلاطون مرة أخرى والرجوع إلى قصة الأسرة الثلاثة، فهناك السرير المدرك المادي، الذي يصنعه الحرفي والذي ننام عليه، ثم السرير المتخيل والذي رسمه الفنان بالخطوط والألوان والذي يمثل "صورة image" السرير، ثم هناك "فكرة" السرير المجردة، والتي يعتبرها إفلاطون هي السرير الأكثر حقيقية. وهكذا يمكن للوعي أن يعي نفس الموضوع بثلاثة زوايا مختلفة، وهو المنطلق الذي أوحى لجوزيف كوسوت Joseph Kosuth بعمله الكراسي الثلاثة One and Three Chairs والذي سندرسه لاحقا.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة .. أين تقع غزة؟
- هذا ليس غليونا
- الفن أفيون الشعوب
- الفنان والقرد
- أول مايو وثورة الفقراء
- إيروس والحب الإفلاطوني
- سرير الله وسرير النجار
- الله والفنان
- أسرار العمل الفني
- أسطورة الرمز في القرآن
- القرآن بين الإيمان والإسلام
- كزينوفان والله الواحد
- بداية اللوغوس
- اللغة المقدسة
- الله بين الشعر والفلسفة
- معنى الدلالة ودلالة المعنى
- العقل اللولبي
- رسالة إلى المواطن الليبي
- الإغتصاب والعنف تجاه النساء
- موت النبي


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - ما هي الصورة ؟