أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد الرباحي - المؤتمر الوطني الرابع للاشتراكي الموحد والتطلع إلى ممارسة السياسة بالعلم















المزيد.....



المؤتمر الوطني الرابع للاشتراكي الموحد والتطلع إلى ممارسة السياسة بالعلم


محمد الرباحي

الحوار المتمدن-العدد: 5762 - 2018 / 1 / 19 - 14:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


لقراءة الأرضيات المقدمة للمؤتمر الرابع للاشتراكي الموحد بالمغرب استعنت بمنهجية تحليل الخطاب السياسي و تقنيات تحليل المضمون . وإذ لا يسمح المجال بالتوسع في التحديد الاصطلاحي لهاتين المنهجيتين اللتين تأكدت علميتهما مع تطور البحوث و الدراسات الأكاديمية ، فإنه ينبغي التذكير بأنه من المفترض في كل خطاب سياسي أصيل أن ينتج مقولاته الخاصة ، في انسجام مع خلفيته الإيديولوجية ، وباستحضار الواقع و تحولاته . حيث إن قوة و أصالة خطاب سياسي تكمن في قوة و أصالة المقولات و الموضوعات التي ينتجها.(1)
و باختصار شديد، ومن خلال تحليل مضمون الأرضيات الثلاث المقدمة للمؤتمر الرابع للاشتراكي الموحد تبرز بجلاء أربع مقولات أصيلة تخترق الأرضيات المقدمة؛ والتي هي نفسها يمكن إدراجها تحت مقولة مركزية كبرى هي: (العلم؛ أو ممارسة السياسة بالعلم):
1ـ علم الماركسية : الفهم المتطور للاشتراكية الذي يقبض على الجوهري و العلمي في الاشتراكية العلمية (الجدل و الفكر النقدي).
2 – علم الإدارة و التخطيط : التدبير العقلاني للتنظيم الحزبي.
3 – علم الانتقال الديمقراطي : يتم توظيف هذا المفهوم و العديد من توابعه ووحداته الملحقة التي تشترك أو تتقاطع معه دلاليا.
4 – الديمقراطية الداخلية و التربية على الديمقراطية :
التحليل :
لن ندعي أننا في هذه العجالة قد قمنا بتحليل مضمون الأرضيات بالصرامة المنهجية التي يفترضها تحليل مضمون الخطاب السياسي ، كما تعودنا على ذلك في الدراسات الأكاديمية، لعدة اعتبارات، ربما أهمها أننا لم نتوصل بالصياغات النهائية للوثائق إلا منذ يومين. لكن ذلك لا يمنع من التمرين على هذه المقاربة العلمية التي تتغيا الموضوعية في تحليل مضمون الخطاب. وبالتالي فإننا اعتمدنا هذا التمرين من وجهة نظر بيداغوجية في المقام الأول.
جذاذات التحليل الكمي للمضمون (نماذج):
1 – نموذج 1 : أرضية الأفق الجديد :
الترميز أو التيمة وحدة التسجيل وحدة التحليل أو المقطع النصي الصفحة
علم الماركسية التجديد و التطور هوية يسارية متجددة؛مستوعبة للتطورات 1
علم الإدارة النجاعة و الفعالية الحزب الذي يستطيع الجمع بين المبدئية و النزاهة...والنجاعة و الفعالية 4
علم الانتقال الديمقراطي الانتقال الديمقراطي تدقيق مفهوم و مساطر الانتقال الديمقراطي 6
علم الماركسية رفض الدوغمائية ...التحليل الملموس للواقع الملموس 7
علم الماركسية نقد الستالينية ...التجربة السيئة لما سمي بالنظام الاشتراكي 12
علم الماركسية مناهضة النيوليبرالية الاشتراكية،اليوم هي رفض منطق السوق المتوحش والوجه الفوضوي للعولمة 17
علم الانتقال الديمقراطي الملكية البرلمانية بما أنه لا بديل عن الديمقراطية،فلا بديل في نظام ملكي وراثي عن الملكي البرلمانية 19
علم الإدارة الفعالية ...الجمع بين الفعالية و المبادئ 69
علم الانتقال الديمقراطي مفهوم الانتقال نحن مطالبون بتوضيح و تدقيق مفهوم الانتقال 71
علم الإدارة الزمن،التدبير،التخطيط إعادة الاعتبار لعنصر الزمن في التدبير و التخطيط 86

2- نموذج 2 : أرضية اليسار المواطن و المناصفة:
الترميز أو التيمة وحدة التسجيل وحدة التحليل أو المقطع النصي الصفحة
علم الانتقال الديمقراطي الملكية البرلمانية النضال من أجل ملكية برلمانية... 2
الديمقراطية الداخلية نقد عقلية التوافق تمدد عقلية التوافق حد التناقض مع الديمقراطية الشفافة 4
علم الماركسية التطور ...في أفق اشتراكية القرن 21 5
علم الماركسية نقد الدوغمائية ...النقد الذي وجه لمفهوم الانعكاس الآلي للواقع على الفكر 17
علم الإدارة هندسة القرار السياسي صناعة القرار السياسي في الحياة الحزبية عمل تنظيمي 33
الديمقراطية الداخلية العدالة التنظيمية اليسار المنادي بالعدالة الاجتماعية،مفترض فيه أن ينادي بالعدالة التنظيمية 33
الديمقراطية الداخلية ديمقراطية داخلية من أجل ديمقراطية داخلية تعاقدية وليست توافقية 34
علم الإدارة التخطيط - الزمن الاستناد إلى برامج تنظيمية قابلة للتخطيط في الزمان و المكان 37
علم الماركسية نقد الدوغما بقي كلاسيكيو الاقتباس الميكانيكي للثورة يلوكون مقولة العنف الثوري 101
علم الماركسية التحليل الملموس للواقع الملموس إن القول باليسار المجتمعي ليس رغبة بل واقع 102

نموذج 3 : أرضية التغيير الديمقراطي :
الترميز أو التيمة وحدة التسجيل وحدة التحليل أو المقطع النصي الصفحة
علم الإدارة التقييم غياب النقد و التقييم و المحاسبة 1
علم الإدارة التقييم عدد من قادتنا يهربون من التقييم 1
علم الإدارة التنظيم تطوير قدراتنا التنظيمية 1
علم الإدارة التنظيم عقد ندوة وطنية للتنظيم 2
علم الإدارة التدبير الحزب يكرر نفسه و يدور في نفس الدوائر 2
علم الإدارة التدبير يغوص في نفس المشاكل ونفس آليات التدبير 2
علم الإدارة التدبير الحزب كرر نفسه ثقافيا و تنظيميا 3
الديمقراطية الداخلية الديمقراطية الداخلية الديمقراطية الداخلية للحزب 3
علم الإدارة التواصل ضيق فضاءات التواصل 8
علم الإدارة الملكية البرلمانية النضال من أجل دستور الملكية البرلمانية

فاعلية التكرار:
اعتمدنا في إحصاء الوحدات المعجمية لحصر تكرارها على المفردات أو المصطلحات التي تشكل توابع أو لواحق لكل مقولة من المقولات المحددة أعلاه. و ذلك على الشكل التالي:
1ـ علم الإدارة و التخطيط: تخطيط،هدف،إنجاز،تقييم،تقويم،تدبير،زمن،تتبع،محاسبة،مردودية،تكوين،تواصل...
2ـ علم الماركسية: دياليكتيك،نقد،تطور،تجديد،نسبية،تحليل ملموس لواقع ملموس،دوغمائية،أورتذوكسية...
3ـ علم الانتقال الديمقراطي: انتقال ديمقراطي،ملكية برلمانية،ديمقراطية،حقوق الإنسان،تعاقد،تحول ديمقراطي...
4ـ الديمقراطية الداخلية: توافقات،ديمقراطية داخلية،محاصصة،اقتراع سري،حرية الترشيح،حرية التصويت...
المجموع أرضية التغيير الديمقراطي أرضية اليسار المواطن و المناصفة أرضية الأفق الجديد الترميز أو الوحدة المعجمية
النسبة التكرار النسبة التكرار النسبة التكرار
210 0,47 1 40,47 85 59,04 124 علم الانتقال الديمقراطي
119 0,84 1 49,57 59 41,17 49 علم الماركسية
69 21,73 15 37,68 26 40,57 28 علم الإدارة
77 6,49 5 72,72 56 20,77 16 الديمقراطية الداخلية والتربية على الديمقراطية و حقوق الإنسان

لن نقوم بالمقارنة بين النتائج المحصل عليها لعدة اعتبارات موضوعية؛ أولها ؛ أن ذلك لم يكن هدفنا منذ البداية. لأن ما يعنينا بالدرجة الأولى هو الجديد الذي يضيفه الاشتراكي الموحد للمشهد السياسي المغربي؛ ثانيها ؛ أنه لا تصح المقارنة بين أرضيات تتفاوت أحجامها اعتمادا على فاعلية التكرار، إذ لا يعقل أن تتم مقارنة أرضية من 112 صفحة بأخرى لا يتجاوز عدد صفحاتها الثمانية. وثالثها ؛ أن هذه القراءة أقرت منذ البداية بأنها لا تتوفر على الصرامة المنهجية التي تمكن من المقارنة العادلة بسبب ضيق الوقت.
ما يهمنا هو الإضافة النوعية ؛ أو ما يعبر عنها في أدبيات تحليل الخطاب السياسي بأصالة مقولات الخطاب السياسي ؛التي يقدمها الاشتراكي الموحد داخل المشهد السياسي المغربي و الإقليمي و العالمي. و التي تتركز في مقولة مركزية كبرى عنوانها : "ممارسة السياسة بالعلم" . وهو ما يحدد قوة الخطاب السياسي لهذا الحزب. وبالتالي ينبغي أن ينصب جزء من النقاش على هذه المقولات التي يطمح مناضلو الاشتراكي الموحد إلى تأصيلها في المشهد السياسي.
أولا ؛علم الماركسية:
منذ البداية ، يشير إنجلز إلى أن الاشتراكية تحولت إلى علم باكتشاف المفهوم المادي للتاريخ و نظرية فائض القيمة التي فضحت النظام الرأسمالي، وإن هذا العلم (الماركسية) يحتاج إلى تطوير باستمرار. لأن المنهج الماركسي شأنه شأن المنهج العلمي يتعارض مع الحقيقة المطلقة النهائية. وهذا هو جوهر (الدياليكتيك) باعتباره "علم القوانين العامة لحركة و تطور الطبيعة و المجتمع الإنساني و الفكر". فخاصية النسبية في اليقين العلمي؛ هي الخاصية الأساسية لأي معرفة علمية، و النظرية التي تستحق صفة (العلمية) ، هي النظرية القابلة فرضياتها للضحد والتكذيب. و إلا تحولت إلى مطلق ثم إلى دوغما جديدة.(2)
ومن ذلك فإن الماركسية كعلم ، ليست يقينا نهائيا و كاملا ؛ بل قد كان للجمود النظري آثار مدمرة على علميتها في الفترة الستالينية. ولو أن نظرية المعرفة الماركسية ؛خارج السور الحديدي الستاليني؛ كانت في حالة تجدد وتطور؛ بل وازدهار . أسهم فيه مثقفون عضويون و مفكرون و فلاسفة وعلماء اقتصاد ماركسيون .نذكر منهم :( غرامشي و لوكاش و ألتوسير و فلاسفة فرانكفورت..وباران و توماس منتش و سويزي و سمير أمين.....وغيرهم).(3)
لقد أصبح الدياليكتيك (نقطة القوة في النظرية الماركسية) معطلا بعد الصراع بين ستالين و تروتسكي حول شرعية وراثة الماركسيةـاللينينية بعد وفاة لينين في حين أن لينين نفسه كان دائما يقول : "إننا لا نعتبر نظرية ماركس كشيء كامل و مقدس؛ بل على العكس، نحن مقتنعون أن ماركس قد وضع فقط أحجار الزاوية للعلم الذي على الاشتراكيين أن يطوروه في كل الاتجاهات حتى لا يتأخروا عن تطور الحياة ".(4)
الخلاصة أنه لم يكن لا ستالين و لا تروتسكي جدليين، لأن التأويل الذي تشبث به كل منهما، لما سماه كل واحد منهما بالماركسية-اللينينية اتسم بالنصية وتجاهل روح الجدل المادي. حتى بات ما أطلقا عليه الماركسيةـاللينينية؛ بعد وفاة لينين ( ؟) نصوصا مقدسة لا تاريخية . وكل من انخرط تحت لواء أحدهما اعتبر باقي الاشتراكيين الآخرين تحريفيين (=مرتدين بتعبير أصوليين آخرين) .(5)
بعد سقوط التجربة الستالينية؛ التي سميت الماركسية-اللينينية بعد وفاة لينين (؟) أصدر فوكوياما (نهاية التاريخ) بدعم كبير من الليبرالية المتوحشة؛ الذي جزم فيه بأن النظام الرأسمالي يشكل نهاية التاريخ؛ فرد عليه جاك ديريدا: "إن ماركس الستاليني ، الذي تطور إلى نموذج سوفياتي بيروقراطي هو الذي مات و انتهى. أما ماركس الفيلسوف و المفكر فما زال حيا بيننا".(6)
مما تقدم ، وعندما تعلن اشتراكية القرن 21 عن التشبث بالهوية الاشتراكية المتجددة، فذلك اقتناعا بأن الماركسية ليست بناءا نظريا جاهزا مطلقا، بل هي فكر تاريخي نسبي. وتأسيسا على ذلك يفهم الربط الخلاق و المبدع بين التشبث بالاشتراكية و الخيار الديمقراطي المعترف بالديمقراطية السياسية،وحقوق الإنسان ...و بفضل هذه الرؤية النقدية للماركسيةـاللينينية (كما فرضت على عهد ستالين) فإن اشتراكيي القرن الواحد و العشرين متيقنون من إفلاس السعي إلى إقامة المجتمع الاشتراكي على قاعدة الحزب الطليعى الثوري،أو حزب الطبقة العاملة ، أو ما كان يسمى بالنخبة الثورية الأكثر وعيا،أو ما تلا ذلك من الاعتقاد بأن "العنف مولد للتاريخ" أو بناء "القواعد الحمراء المتحركة" أو "بناء الحزب الثوري تحت نيران العدو"... إذ أنه في زمن ازدهار الديمقراطية فإن الكلمة الفصل هي للجماهير التي ستختار من يقودها، وذلك عبر الآلية الديمقراطية الأكثر إجرائية لحد الآن ألا وهي الانتخابات.(7)
علمية الماركسية في نسبيتها:

إذا كانت الأرضيات تقر بأن الماركسية قد شكلت نقطة تحول كبرى في تاريخ الفكر الاشتراكي بتحليلها ونقدها العلمي لأسس النظام الرأسمالي ،و باعتماد المنهج الجدلي وعلوم ومعارف العصر. فما يشكل نقطة القوة و القيمة المضافة هو اعتبار الأرضيات المقدمة للمؤتمر الرابع؛ أن الماركسية كعلم، أو ؛ على الأصح ؛ بإرجاع الطابع العلمي للاشتراكية ، من خلال التأكيد على أنها ليست بناء نظريا جاهزا مطلقا ؛ بل هي فكر تاريخي نسبي، وأن النسبية هي ما يحدد علميتها ، و بالتالي فهي بهذه الخاصيات العلمية/التاريخية خاضعة للتجديد و التطوير الدائمين. وبذلك فإن الجوهري ؛في تقديري؛ والذي ينبغي أن يسطر عليه هو هذا الفهم العلمي للماركسية وليس التشبث بالأصول و النصوص بعقلية دوغمائية أرثوذوكسية، تشبث الأعمى بعكازه المنخور. (8)
إن إعطاء الأهمية للنظرة النسبية ، و التحليل الملموس للواقع الملموس ،هو الشيء الذي يجعل هذا الاجتهاد بعيدا عن الجمود و الإطلاقية في الفكر والممارسة . ويجعله يتمثل الماركسية بحمولتها الجدلية/النقدية التي في الحقيقة هي سر قوتها. والقبض على الجوهري في النظرية الماركسية (الجدل و الفكر النقدي) هو الذي مكن من نقد التجربة التاريخية للاشتراكية البيروقراطية .

الاشتراكية سيرورة إبداعية متواصلة:
في التجربة التاريخية للماركسيةـاللينينية كما فرضها ستالين تمت التضحية بالقاعدة الاجتماعية للمشروع الحداثي الديمقراطي في الكولاكات و مراكز إعادة التربية( ؟ ) نتيجة الخطأ القاتل الذي وقعت فيه التجربة التوتاليتارية/الستالينية عندما فصلت بين الاشتراكية وبين الديمقراطية و حقوق الإنسان و اعتبرتهما بدعة أو خدعة بورجوازية ؟ فاعتمدت مقولات دوغمائية جاهزة من قبيل: دكتاتورية البروليتاريا و الحزب الطليعي الثوري الوحيد وحزب الطبقة العاملة بقيادة النخبة الأكثر وعيا ، والاستيلاء على السلطة عن طريق العنف الثوري، ولا شيء غير العنف الثوري. في تناقض جوهري مع روح الديمقراطية بمضمونها الحقوقي المتواضع عليها كونيا.
ومن ثمة ، فإلى جانب العمال والفلاحين والطلبة... فإن رهان اليسارالجديد ؛راهنا؛ معقود على قوى اجتماعية أخرى صاعدة منسجمة مع عصرها ؛ عصر الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان...(9) (الحركات الحقوقية والنسائية والبيئية و مناهضة العولمة...).
ما أختم به هذه العجالة المقتضبة لمأساة التقوقع الديماغوجي نص للمفكر الراحل جورج طرابيشي ، من كتابه "هرطقات" : " ما حدث قط أن قدست الأنتلجنسيا نصا كما قدست النص الماركسي-اللينيني. ولم يحدث قط أن قدمت طبقة المثقفين شهداء في سبيل نص مقدس كما قدمت الأنتلجنسيا المتمركسة. والمفارقة أن الطبقة المثقفة دفعت ثمنا غاليا لديانتها الماركسية، ليس في دار الكفر الرأسمالية فحسب ، بل كذلك في دار الإيمان الاشتراكية. فليس من إيديولوجيا اضطهدت منتجيها و حراس عقيدتها من المثقفين كما فعلت الماركسية في كل مكان أمكنها فيه أن تغدو ديانة رسمية للدولة ".(10)
ثانيا ؛ علم لانتقال الديمقراطي:
لقد شكلت قضية "الانتقال الديمقراطي" أو "عملية الدمقرطة" مبحثا رئيسا في علم السياسة منذ النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية ظهر عدد كبير من الكتب والدراسات والتقارير التي تناولت هذه القضية على مستويات مختلفة: نظرية وتطبيقية، كمية وكيفية، دراسات حالة ودراسات مقارنة. وطرحت أدبيات "الانتقال الديمقراطي" العديد من المفاهيم والمقولات النظرية والمداخل المنهجية والتحليلية لمقاربة هذه الظاهرة. كما اهتمت بفحص ومناقشة طائفة واسعة من القضايا والمتغيرات ذات الصلة بعملية الانتقال سواء من حيث مدخلاتها (الأسباب)، أو أنماطها (طرق الانتقال)، أو مخرجاتها (طبيعة النظم السياسية في مرحلة ما بعد الانتقال وقد جاء هذا التراكم الأكاديمي الضخم مقترنا بما سُمي بـ"الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي"، والتي انطلقت منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين من جنوب أوروبا (البرتغال، إسبانيا، اليونان)، ثم امتدت خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات لتشمل العديد من بلدان أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وشرق ووسط أوربا، فيما بقي العالم العربي يُنظر إليه على أنه يمثل "استثناءً" ضمن هذه الموجة. بل حتى على المستوى الأكاديمي وعلى الرغم من وجود طفرة هائلة في الأدبيات المتعلقة بظاهرة الانتقال الديمقراطي على المستوى العالمي، ووجود مراكز بحثية ودوريات عالمية متخصصة في دراسة قضايا الديمقراطية والانتقال الديمقراطي في مناطق مختلفة من العالم، إلا أن الكتابات العربية التي اهتمت بالتأصيل لهذه الظاهرة ودراستها سواء على المستوى النظري، أو على مستوى الدراسة المقارنة وعلى الرغم من وجود طفرة هائلة في الأدبيات المتعلقة بظاهرة الانتقال الديمقراطي على المستوى العالمي، ووجود مراكز بحثية ودوريات عالمية متخصصة في دراسة قضايا الديمقراطية والانتقال الديمقراطي في مناطق مختلفة من العالم، إلا أن الكتابات العربية التي اهتمت بالتأصيل لهذه الظاهرة ودراستها سواء على المستوى النظري أو على مستوى الدراسة المقارنة ظلت بصفة عامة قليلة إن لم تكن نادرة. (11)
مفهوم "الانتقال الديمقراطي " :
يشير مفهوم "الانتقال الديمقراطي" في أوسع معانيه إلى العمليات والتفاعلات المرتبطة بالانتقال أو التحول من صيغة نظام حكم غير ديمقراطي إلى صيغة نظام حكم ديمقراطي.(12)
ويحيل مفهوم "الانتقال الديمقراطي " على تعدد تجارب الشعوب في الانتقال إلى الديمقراطية (عبر ثورة شعبية، تحرير، حرب أهلية، انقلاب، تعاقد،تدخل خارجي..) حسب خصوصيات كل شعب وموازين القوى المتدافعة داخله، وحسب الظروف التاريخية المحيطة بانتقاله الديمقراطي، ومدى استعداد نخبه لقيادة الجماهير نحو الانتقال الديمقراطي. ومن جهة أخرى يحيل مضمون مفهوم " الانتقال الديمقراطي" على كونية مفهوم الديمقراطية نفسه كما نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي مؤداه حكم الشعب نفسه بنفسه بواسطة ممثليه الحقيقيين المنتخَبين انتخابا حرا ونزيها.(13)
في طرق الانتقال إلى الحكم الديمقراطي:
حسب الدراسات المقارنة في مبحث الانتقال الديمقراطي؛ كفرع أساس من العلوم السياسية الحديثة فإن الانتقال الديمقراطي يمكن أن يتم من أعلى، أي بمبادرة من النخبة الحاكمة في النظام غير الديمقراطي أو؛ على الأقل؛ الجناح الإصلاحي فيها، أو من أسفل بواسطة قوى المعارضة المدعومة بتأييد شعبي واسع، أو من خلال المساومة والتفاوض بين النخبة الحاكمة والقوى المعارضة لها المتطلعة لبناء ديمقراطية حقيقية.(14)
إذا كانت عملية الانتقال إلى الحكم الديمقراطي تحدث نتيجة عوامل عديدة، داخلية وخارجية، يتفاوت تأثيرها من حالة إلى أخرى، فإن طبيعة الفاعلين السياسيين وميزان القوة النسبي بينهم هو الذى يحدد في الغالب طريقة أو أسلوب الانتقال. ومع التسليم بصعوبة تصنيف طرق الانتقال إلى الحكم الديمقراطي نظراً لتعددها وتداخلها، فإنه من واقع خبرات وتجارب الدول التي شهدت انتقالا ديمقراطيا خلصت بعض الدراسات إلى بلورة أربعة طرق رئيسة للانتقال الديمقراطي تختلف مسمياتها من باحث إلى آخر، وهي: الانتقال من أعلى، أي الذي تقوده النخبة الحاكمة أو الجناح الإصلاحي فيها. والانتقال من أسفل، وهو الذي تقوده قوى المعارضة على أثر انهيار النظام الحاكم أو إطاحته من خلال انتفاضة أو ثورة شعبية. والانتقال من خلال التفاوض والمساومة بين الحكم وقوى المعارضة. أوالانتقال الناجم عن تدخل عسكري خارجي.(15)
الانتقال من أعلى:
هو انتقال تقوده وتهندسه القيادة السياسية أو الجناح الإصلاحي في النخبة الحاكمة. أي أنه انتقال يتم من داخل النظام القائم. وعادة ما تبدأ عملية الانتقال عندما تتوفر عوامل وأسباب موضوعية تؤثر سلبا على شرعية السلطة، وتخلق لدى النخبة الحاكمة قناعة مفادها أن كلفة الانفتاح والتحول الديمقراطي أقل من كلفة الاستمرار في الممارسات التسلطية. وفي بعض الحالات كان للجناح الإصلاحي داخل النخبة الحاكمة دور كبير في عملية الانتقال.(16)
ومع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة وجود تباينات بين تجارب الدول التي شهدت انتقالا ديمقراطيا من أعلى، فإنه يمكن القول: إن عملية الانتقال طبقا لهذا المسلك غالبا ما تتم بإحداث تحول تدريجي للنظام السياسي عبر مراحل متعددة ومتداخلة، تبدأ بالتحرك على طريق الانفتاح السياسي، ويكون ذلك مقدمة للانتقال الديمقراطي. وقد تأتي بعد ذلك مرحلة أخرى تتمثل في ترسيخ الديمقراطية. وبصفة عامة ، فإنه في ظل حالات الانتقال الديمقراطي من أعلى غالبا ما يكون ميزان القوى لصالح النخبة الحاكمة، فيما تتسم قوى المعارضة بالضعف، ومن ثم محدودية القدرة على التأثير في إدارة عملية الانتقال. ومن بين الدول التي شهدت انتقالا ديمقراطيا من أعلى: إسبانيا والبرازيل. (17)
الانتقال من أسفل:
يأخذ هذا النمط للانتقال شكلين رئيسيين. أولهما، الانتقال نتيجة لتكثيف الضغوط على النظام الحاكم من خلال التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي تقودها وتشارك فيها قوى المعارضة الديمقراطية، بحيث تجبر النظام في نهاية المطاف على تقديم تنازلات، تفتح الطريق للانتقال الديمقراطي على غرار ما حدث في كل من الفلبين وكوريا الجنوبية والمكسيك وثانيهما، الانتقال الذى تقوده قوى المعارضة على أثر انهيار النظام غير الديمقراطي أو إطاحته بواسطة انتفاضة أو ثورة شعبية. ففي أعقاب ذلك تبدأ مرحلة تأسيس نظام ديمقراطي جديد يحل محله
وبصفة عامة، يعكس هذا النمط من الانتقال حدوث خلل كبير في ميزان القوى بين الحكم وقوى المعارضة لصالح الأخيرة، وبخاصة في حالة انهيار شرعية السلطة، وتصدع النخبة الحاكمة، وتخلى الجيش عن مساندة النظام التسلطي، ووجود تأييد شعبي واسع للمعارضة. وعادة ما تتوافق قوى وأحزاب المعارضة على خطوات وإجراءات لتأسيس نظام ديمقراطي على أنقاض النظام التسلطي. وقد حدث الانتقال وفقا لهذا النمط في بلدان عديدة من بينها: البرتغال واليونان والأرجنتين ورومانيا.(18)
الانتقال من خلال التفاوض بين النخبة الحاكمة وقوى المعارضة:
يحدث الانتقال هنا على أرضية اتفاق أو تعاقد بين النخبة الحاكمة وقوى المعارضة. وغالبا ما يأتى ذلك كمحصلة لوجود نوع من التوازن النسبي في ميزان القوى بين الطرفين، فالنخبة الحاكمة تصل إلى قناعة مفادها أنها غير قادرة على الاستمرار في السياسات المغلقة والممارسات القمعية بسبب الضغوط الداخلية والخارجية، وأن كلفة الانفتاح السياسي والانتقال إلى صيغة ما لنظام ديمقراطي ضمن اتفاق مع المعارضة يضمن بعض مصالحها -أي النخبة الحاكمة- هي أقل من كلفة الاستمرار في السياسات غير الديمقراطية
وعلى الطرف المقابل، تبدو قوى المعارضة غير قادرة على إطاحة النظام، وبالتالي تجد أنه لا بديل أمامها غير التفاوض والمساومة مع النخبة الحاكمة من أجل الانتقال إلى الديمقراطية. ويُلاحظ أن المفاوضات والمساومات بين الجانبين جرت في كثير من الحالات على خلفية تظاهرات واحتجاجات شعبية حركتها قوى المعارضة، وممارسات قمعية من جانب السلطة. وقد حدث هذا النمط من الانتقال في بلدان عديدة منها: بولندا وجنوب أفريقيا والسلفادور ونيكاراجوا.(19)
الانتقال من خلال التدخل العسكري الخارجي
غالبا ما ارتبط هذا النمط من الانتقال بحروب وصراعات، تؤثر فيها وتحكمها مصالح وتوازنات داخلية وإقليمية ودولية. وهو يحدث في حالة رفض النظام الحاكم للتغيير، وعدم بروز جناح إصلاحي داخله، وعجز قوى المعارضة عن تحديه وإطاحته بسبب ضعفها وهشاشتها نتيجة لسياساته القمعية. وفى ظل هذا الوضع لا يكون هناك من بديل لإطاحته والانتقال إلى نظام ديمقراطي سوى التدخل العسكري الخارجي الذي يمكن أن تقوم به دولة واحدة على نحو ما فعلت الولايات المتحدة الأميركية في كل من غرينادا وبنما في ثمانينيات القرن الماضي، أو تحالف يضم مجموعة من الدول على غرار الحرب التي قادتها واشنطن بمشاركة دول أخرى ضد أفغانستان في عام 2001، وضد العراق في عام 2003
وعادة ما يحدث التدخل العسكري الخارجي لأسباب وذرائع مختلفة منها إلحاق الهزيمة بنظام ديكتاتوري، والتدخل لأسباب إنسانية، ووضع حد لحرب أهلية طاحنة...إلخ. ويُلاحظ أنه في غالبية حالات التدخل العسكري الخارجي لم يكن هدف تأسيس نظام ديمقراطي هو الهدف الرئيس أو المبدئي، بل كانت هناك أهداف ومصالح أخرى . وإذا كان الانتقال الديمقراطي من خلال التدخل العسكري الخارجي قد نجح في بعض الحالات كما هو الحال في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، فإنه فشل في حالات أخرى كثيرة أحدثها أفغانستان والعراق. وقد اهتمت دراسات عديدة بتفسير ظاهرة فشل التدخل العسكري الأجنبي في تحقيق الانتقال الديمقراطي في عديد من الدول.(20)
وبصفة عامة فقد أكدت خبرات وتجارب الانتقال الديمقراطي على أن طريقة الانتقال تؤثر على نوعية أو طبيعة النظام الديمقراطي الوليد، وعلى فرص واحتمالات استمراره وترسخه في مرحلة ما بعد الانتقال، حيث أن الانتقال السلس والسلمي الذي يتم بمبادرة من النخبة الحاكمة، أو من خلال التفاوض بين الحكم والمعارضة، أو بعيد إطاحة النظام بواسطة انتفاضة أو ثورة شعبية سلمية غالبا ما يكون مصحوبا بدرجة أعلى من الديمقراطية، وفرص أفضل لاستمرار وترسخ النظام الديمقراطي الناشئ. وبالمقابل، فإن الانتقال العنيف يكون في الغالب مقرونا بدرجات أدنى من الديمقراطية، وفرص أقل لاستمرارية النظام الديمقراطي واستقراره، بل إنه تزداد في مثل هذه الحالة احتمالات الارتداد إلى شكل من أشكال التسلطية، أو وقوع البلاد في صراع داخلي أو حرب أهلية. أما الانتقال الناجم عن التدخل العسكري الخارجي فقد نجح في حالات قليلة جدا،عند نهاية الحرب العالمية الثانية وفشل في أغلب الحالات الحديثة.(21)


الحالة المغربية ،أسئلة تطرح نفسها:
يطرح الحديث عن مسألة الانتقال الديمقراطي بالمغرب إشكالات بالغة التعقيد، من قبيل: كيف يمكن مقاربة الخصوصي دون المساس بجوهر الكوني ؟ وعند اعتبار الخصوصي ألا يتضمن ذلك إفراغ الكوني من محتواه؟ كما يطرح إشكالا اخر مرتبطا بالانتقال الديمقراطي بالمغرب أكثر تعقيدا ، جوهره السؤال الإشكالي التالي: "هل الانتقال الديمقراطي يعني اختزاله فقط للانتقال إلى الحكم الديمقراطي / اقتسام السلطة. وبالتالي التركيز ؛فقط ؛على قمة الهرم السياسي، والاكتفاء بطرح القضايا ذات الطبيعة الدستورية والسياسية المحض؟الشيء الذي يتفرع عنه سؤال إشكالي آخر مرتبط به ، فحواه؛ هل يصح الحديث عن حكم ديمقراطي في ظل مجتمع غير ديمقراطي؟ (22)
وقبل ذلك، هل يمكن للحكم الديمقراطي أن يقوم في مجتمع غير ديمقراطي، أم نطرح الانتقال إلى الحكم الديمقراطي بالموازاة والتزامن مع الانتقال إلى المجتمع الديمقراطي، الشيء الذي يطرح إشكالات إضافية أكثر تعقيدا، متعلقة أساسا ـ بدمقرطة البنى الأساسية للمجتمع (الاقتصاد ،وتوزيع الثروة الوطنية، الأسرة، المعرفة، الثقافة واللغة والصحة والشغل وعلاقات الإنتاج...)؟
بالإضافة إلى ذلك ، تطرح إشكالات أخرى على مستوى تجاور بعض المصطلحات والمفاهيم مع مفهوم الانتقال الديمقراطي، من قبيل: ما علاقة الانتقال الديمقراطي بالإصلاح؟ ثم بالتناوب.. فهل يمكن أن نقرن بين الإصلاحات والتناوب كما عرفها المغرب وبين الانتقال الديمقراطي؟ هل يمكن أن نعتبرما سمي بالإصلاحات الدستورية السابقة، وغيرها، والتناوب التوافقي، واستقطاب بعض النخب المعارضة، ومدونة الأسرة.. مؤشرات على أننا دخلنا عهد الانتقال الديمقراطي؟ مستحضرين ، أن معظم (الإصلاحات الدستورية) أدت إلى المزيد من تكريس المظاهر غير الديمقراطية خاصة فيما يتعلق بموضوعة فصل السلط وتعويم العمل النيابي الحقيقي وتعطيله، وتضخيم هيمنة الدولة...)؟(23)
و(الإصلاحات )المتوالية لنظام التعليم ،هل أدت إلى دمقرطته أم إلى الإمعان في نخبويته وصولا إلى الإجهاز عليه ؟ ونفس التساؤلات يمكن طرحها حول إصلاح قانون الصحافة، ومدونة الشغل، ومدونة الأسرة، والحريات العامة، وقانون الأحزاب، وقانون الإضراب، وقانون.الإرهاب، والمجالس الاستشارية وغيرها...
وأخيرا ما سمي بالتناوب التوافقي (الأول، أما الثاني فلا يعنيني لأنه ببساطة حادثة سير في طريق الانتقال الديمقراطي) ، هل يمكن اعتبار ما أقدم عليه الأستاذ اليوسفي عند التعاقد السري الانفرادي مع الملك الراحل مظهرا من مظاهر الديمقراطية، وانه خطوة نحو الانتقال الديمقراطي السلمي الهادف، وأن الغاية تبرر الوسيلة، بالرغم من أن الديمقراطية فضاء عمومي علني يحتاج إلى الكثير من الضوء ولا يحتمل الدهاليز المعتمة؟(24)
وتطرح على مستوى الثقافة السياسية السائدة إشكالات أخرى أكثر عمقا، أفلا تعتبر الدولة المغربية بحمولتها المخزنية وارثة بامتياز لترات الدولة الأوليغارشية ما قبل الحداثية ، هذا التراث الذي يكرس ثقافيا وسياسياً . فكرة استخلاف الله على الأرض، وبالتالي شرعنة ممارسة وصاية مقدسة على عقل الرعية ووجدانها، دينها ودنياها" . وتبعا لذلك ألا يتوقف مجتمعنا ثقافيا وسياسيا في تلك المنعطف التاريخي السحيق الذي يفصل العصور الوسطى عن عصر الأنوار والحداثة وبالتالي الديمقراطية .لذلك يطرح السؤال الأكثر تعقيدا ؛ هل يستقيم الحديث عن الانتقال الديمقراطي .دون جهد تنويري عسير ومضن وطويل النفس، يقوم على تقليص مساحة المقدس، وتحرير العقل عن طريق نشر العلم و المعرفة العقلانية التحريرية، والتخلص من الأحكام المسبقة و التمثلات والمعتقدات المؤسسة على مختلف أشكال السلط الدوغمائية التي تكبل عقل الإنسان المغربي وتمارس عليه أعتى أشكال الوصاية؟(25)
هذا في الوقت الذي نلحظ فيه تناميا مضطردا للارتداد الأصولي بمختلف تلاوينه، باعتباره نكوصا إلى القرون الوسطى وما قبلها، ومناهضته لكل ما هو عقلاني و حداثي، بتواطؤ مع المخزن (أو جزء نافذ منه على الأقل)، خاصة و أن التاريخ يعلمنا أن تحالف الفقهاء والسلطة كان عبر تاريخ الدولة في الغرب الإسلامي؛ وسيما المغربي.؛ ضد كل ما هو عقلاني تنويري (محن ابن رشد،ابن خلدون، ابن الخطيب...)

إشكال أخر مرتبط بالانتقال الديمقراطي، يمكن تحديده في النظام العائلي المغربي ووضعية المرأة المغربية والشباب المغربي، فهل يستقيم الحديث عن الانتقال الديمقراطي في ظل سيادة نمط العائلة البطريركية ودونية نصف المجتمع وإقصاء الشباب؟ وهل يمكن لمن تراجع مرعوبا عن إدماج المرأة في
خطة التنمية، الذي يعتبر حدا أدنى في دمقرطة الأسرة المغربية .ومن تحاشى المطالبة بخفض سن التصويت؛ أن يكون قادرا على قيادة المجتمع إلى الانتقال الديمقراطي دون تلقي إشارة الضوء الأخضر من الدولة (مدونة الأسرة وتخفيض سن التصويت هما مبادرتان للدولة).(26)
وإذا كان محتوى ومضمون الديمقراطية هو حقوق الإنسان في شموليتها المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية... باعتبار أن الديمقراطية كل غير قابل للتجزيء، هل يصح الحديث عن انتقال ديمقراطي عندما يتم الالتفاف على حقوق الإنسان، وتجزيئها بانتقائية تراعي خصوصية وهمية.(27)
وهل يستساغ الحديث عن الانتقال الديمقراطي ونحن لم نطو بعد ؛ بعدالة وكرامة ؛ الصفحة المعتمة للانتهاكات الجسيمة الحقوق الإنسان بالمغرب، ولازلنا لم نتأكد بما فيه الكفاية أن الذي حدث لن يتكرر أبدا، وانه لن يبقى في أنفسنا شيء من حتاها ؟ (28)
وعلى المستوى الدستوري كيف يمكن مقاربة مفهوم الانتقال الديمقراطي في غياب دستور ديمقراطي، وفي ظل دساتير ممنوحة تمعن في خرق مبدأ فصل السلط الذي هو أهم مظهر من مظاهر الديمقراطية السياسية، في الوقت الذي تلتف الدساتير الممنوحة على الحقوق الأساسية للمواطن، كالحق في الحياة، وحق الأمان الشخصي وحق اللجوء السياسي، وحق الضمان الاجتماعي، وحقوق الصحة والسكن والبيئة...(29)
وإذا كانت الديمقراطية ، كما هو متعارف عليها كونيا ضد حكم الامتيازات والطبقات، فكيف يتم الانتقال الديمقراطي في ظل نظام للامتلاك العقاري شبيه بالإقطاع، خاصة في العالم القروي، حيث نصف السكان المغاربة يشتغلون بالزراعة وفي وضع شبيه بالأقنان، وفي ظل اقتصاد الريع واستفحال الفساد؟
وهل يمكن الانتقال الديمقراطي دون مساهمة الشباب؟ هل سيقوم به الكهول والشيوخ وحدهما في الوقت الذي يتم فيه الإمعان في إقصاء الشباب وإبعادهم عن الممارسة السياسية ومواقع القرار من جهة، أو عن طريق التمييع أو التضبيع أو القهر من جهة أخرى، مع استحضار تراجع التربية السياسية الموازية في
الأحزاب والجمعيات والجامعة... مع الإجهاز التام على نقابات الطلبة والتلاميذ؟
وفي ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، وارتفاع معدلات البطالة، ووجود نصف الشعب المغربي تحت عتبة الفقر (مليونان منهم لا يستطيعون التوفر حتى على زليفة حريرة حسب تصريح مستشارة الملك الراحلة ، والانتشار الفظيع للأمية واهتراء البنى التحتية وانتشار المدن العشوائية، واستفحال الفساد على جميع الأصعدة ... هل يصح الحديث . مع هذا ـ عن الانتقال الديمقراطي؟
هل يصح الحديث عن الانتقال نحو الديمقراطية والمخزن لم يتنازل عن إستراتيجيته في احتكار تدبير المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية.. وحتى الثقافية، وفي استمراره في التحكم في الإعلام والانتخابات وأخيرا الاقتصاد ، حيث تم تعويض التدخل المباشر بإعادة الضبط القانوني لهذه المجالات والاعتماد على الوساطات والزبائن من الأعيان الجدد (قانون الصحافة الجديد، قانون الإرهاب، مدونة الانتخابات، التقطيع الانتخابي، إطلاق يد الأعيان الجدد، استئصال أو إضعاف أو تهميش من هو جذري الإطارات السياسية والحقوقية واستقطاب النزوعات الانتهازية...) وذلك في ظل الشروط السياسية المعروفة لما بعد دستور96 و 2011 (التناوب التوافقي، تضخيم وزارات السيادة التدخل في الأحزاب (حزب الاستقلال، ومؤخرا العدالة والتنمية) تدبير الانشقاقات (منظمة العمل، التقدم والاشتراكية..) أو الانحياز للقيادات الموالية في أحزاب أخرى (الاتحاد الاشتراكي...) خلق أحزاب إدارية جديدة ومدها بإمكانات مالية مهولة (البام)...(30)
ومن جانب آخر (على طريقة سيء الذكر المعاكس) ألا يمكن اعتبار بعض المؤشرات وترويج بعض المفاهيم والقيام ببعض المبادرات، وبعض المعطيات مؤشرات على توجه الجزء المتنور من الدولة (على الأقل)، ونضج المطالب الشعبية للانتقال نحو الديمقراطية؟ ألا يمكن اعتبار تنامي حركة المجتمع المدني على جميع الأصعدة، والحركة الحقوقية بالمغرب، وحركة المعطلين، وحركات مناهضة الفساد وتبذير المال والملك العامين، والرغبة في توحيد جهود اليساريين والتقدميين والديمقراطيين، وتوجه الشبيبة الحزبية نحو المطالبة بالإصلاحات السياسية والدستورية، وتنامي الحركة النسائية وحركة المطالبة بالديمقراطية الثقافية واللغوية.مؤشرات على ارتفاع مد النزوع نحو الديمقراطية من طرف المجتمع ونخبه المتنورة؟
كما ألا يمكن اعتبار المدونة الجديدة للأسرة، وتخفيض سن التصويت، وإرادة حل معضلة الانتهاكات الجسيمة الحقوق الإنسان (المصالحة والإنصاف)، وتشكيل المجلس الأعلى السمعي البصري، وعدم التدخل المباشر في الانتـخابات، ومتابعة بعض ملفات الفساد، و ما سمي بالزلزال السياسي...والتركيز على الخطب السياسية الرسمية على مقولة "المجتمع الحداثي الديمقراطي" ، واستقطاب بعض الفعاليات المعارضة وترويج مفاهيم حداثية من قبيل ؛ المفهوم الجديد للسلطة، والمجتمع المتضامن، ودولة الحق والقانون. مؤشرات على رغبة جزء من الدولة، على الأقل في الاتجاه فعلا نحو الديمقراطية؟
من خلال طرح هذه الإشكالات وغيرها التي يطرحها مفهوم "الانتقال الديمقراطي" ندعو لخلق مرصد للانتقال يعتمد المنهج العلمي الملائم، القائم على الوصف والتكميم للبيانات والمعطيات / الأحداث السياسية، و ترميزها من أجل التأويل والتفسير، وبالتالي إصدار الحكم على سيرورتنا التاريخية بأنها فعلا سيرورة للانتقال الديمقراطي أم لا؟
وكأمثلة على ذلك، فإنه ؛ مثلا ؛يمكن اعتبار أن: حجز جريدة أو منعها. اعتقال صحافي : اختطاف أو اعتقال تحكمي ـ قمع مظاهرة سلمية . التعذيب في مخفر، محاكمة غير عادلة. قمع حرية التجول، نزع ملكية دون سند قانوني ،حرمان من حق من حقوق المواطنة، خرق لحق من حقوق الإنسان ، تزوير انتخابات، التأثير على ناخبين ، تعطيل سلطة القضاء، رشوة ،التستر على مجرم أو منتهك لحقوق الإنسان ، عزل أو نقل تعسفي لموظفين بسبب أرائهم ، شطط في استعمال السلطة ،عدم الاستجابة لحكم قضائي، الحصول على امتياز أو ريع ، عدم المصادقة على مواثيق وعهود دولية حقوقية ،خرق حق نقابي...
وكذلك (على طريقة المعاكس سيء الذكر )؛ العفو عن معتقلين سياسيين . حرية التعبير،حرية التجول ضمان الحق في محاكمة عادلة، ضمان استقلال القضاء . نزاهة الانتخابات. حماية المواطن من التعرض للشطط. المساواة أمام القانون.. وغير ذلك مؤشرات على أننا أبعد ما نكون عن سيرورة الانتقال الديمقراطي، أو نحن على الطريق الصحيح. وبالعلم و المناهج الوصفية الإحصائية.

ثالثا ؛علم الإدارة و التخطيط ؛من أجل عقلنة التنظيم الحزبي وهندسة القرار السياسي

من أجل العمل على تخليص العمل السياسي من الممارسة التقليدية التي تطغى عليها العفوية والعاطفية والرومانسية والصدفة والعشوائية وعبادة الكاريزم...
ومن أجل تجاوز هذه السلبيات يتم اقتراح الاستناد إلى نظرية العمليات والأنظمة، ونظرية التواصل وعلوم الإدارة.. Management من أجل تدبير عقلاني حداثي للتنظيم الحزبي، وهندسة العمليات التنظيمية على أسس عقلانية.(31)

أصول تحديث المنظمات:
إن جذور المنحى التحديثي في تنظيم المؤسسات والهيآت والتنظيمات، يعود إلى حركة النهضة الصناعية، التي استهدفت عقلنة العمل والإنتاج وتطوير مردودية المقاولات والزيادة في فعالية العمال
وكفاءاتهم، خاصة في بداية القرن العشرين في الولايات المتحدة. ونظرا لما حققه هذا التنظيم العقلاني من نجاح في النهوض بالمقاولات، فقد عرف تطبيقات هامة في الإدارة (الإدارة بالأهداف) وفي
الميدان التعليم (التعليم بالأهداف) وفي المجال التربوي عموما ...وذلك بسحب نموذج المقاولة والإنتاج الصناعي وتطبيق مقارباته ومفاهيمه على تدبير المؤسسات والمنظمات( بالفهم السوسيولوجي)،و التي هي أساسا مفاهيم اقتصادية وصناعية.
وبالإضافة إلى سحب مفاهيم الاقتصاد والصناعة على تسيير و تدبير التنظيمات من قبل مفاهيم الفعالية Efficacité:، النجاعة Efficience المردودية Rendement ،الإنتاجية Productivité ....فقد تمت استعارة مفاهيم اخرى من المجال العسكري الذي برهن عن نجاعة جهازه المفاهيمي خلال الحربين العالميتين، من قبيل مفاهيم :الاستراتيجية، الخطة، الهدف، الضبط ،الانضباط ،الدعم. ..).
ومن خلال استعارة مفاهيم هذين المجالين (الصناعي والعسكري) تم إدخال ما يمكن تسميته بعقلية التدبير والتسيير إلى تدبير المؤسسات والمنظمات والهيآت والتنظيمات...
في علوم الإدارة والتخطيط هناك عدة أساليب للتدمير والتسيير. يمكن أن تميز فيها بين الأساليب العقلانية والأساليب العشوائية.
ويندرج تحت يافطة الاساليب العقلانية:
- الإدارة بالأهداف Management par objectifs
- الإدارة بالأهداف والنتائج :Management par objectifs et résultats
- الإدارة بالتفويض :Management par délégation
ويمكن أن ندرج تحت يافطة الأساليب العشوائية :
- الإدارة بالكوارث: Management par catastrophe
- الإدارة بالأزمات : Management par crises
- الإدارة برد الفعل : Management par réaction
ولتوضيح الفرق بين الأسلوبين (العقلاني والعشوائي) ستتطرق فقط إلى نوعين من أساليب الإدارة. يمثل احدهما الأسلوب العقلاني، والآخر الأسلوب العشوائي.
أ- الإدارة بالأهداف: Management par objectifs
تتطلب الإدارة بالأهداف تنظيما محكما، وتحديد ماهية العمل الذي ستنجزه أجهزة التنظيم في ضوء الأهداف المحددة والمعلن عنها والتي من أجلها خلق التنظيم نفسه. بحيث تكون الأهداف من المحددة للتخطيط والتنظيم والتنفيذ ،والتقويم بمقارنة النتائج المحصل عليها ومدى مطابقتها للأهداف المعلن عنها.
والخلاصة أن الإدارة بالأهداف هي في وضع التخطيط الدقيق والمحكم الذي يستحضر إشراطات الواقع لبلوغ الأهداف المسطرة، مع استحضار الإمكانات المادية والبشرية المتوفرة التي تتيح تحقيق الأهداف المسطرة.
ب- الإدارة بالكوارث : Management par catastrophes
هو نوع من التدبير يسود فيه تنظيم مختل النظام، وينعدم فيه التخطيط أو يتم التخطيط في غياب بلورة وصوغ أهداف محددة واضحة ،أو دون الأخذ بعين الاعتبار الموارد المادية والبشرية، أو في
غياب ميزانية ، أو عند تخصيص ميزانية في ظل أهداف فضفاضة عائمة أو غير قارة؛ متغيرة حسب الظروف أو حسب مزاج القيادة المكلفة بالتسيير المالي أو إصدار القرارات.
وتنظيم كهذا، يغلب عليه الاشتغال بالجزئيات وتغيب عنه النظرة الشمولية /النسقية، ويتقوقع في تفاصيل تفاصيل التخطيط وتهرب منه الأهداف التي كان يروم تحقيقها، وتسوده عقلية اجترار مشاكل كل الماضي في كل محطة من محطاته، وبذلك لا ينتبه إلى معطيات الحاضر، ولا يستشرف المستقبل. وينام في العسل ، فلا يصحو إلا بالكارثة . وعندما تقع الكارثة فإنه يجمد كل شيء، ويتخلى عن كل أدواره، ليستنفر كل طاقاته و قواه ، ليبددها في تطويق الكارثة . فإذا ما اجتازه ترتبت عن آثارها مشاكل جديدة يجترها من جديد، ويضخمها ويهول منها، دون تحليل علمي لأسبابها ، إلى أن يستفيق على كارثة أو كوارث أخرى.
نستنتج من خلال هذه المقارنة الوجيزة أن الإدارة بالأهداف هوالأسلوب الكفيل بالتدبير العقلاني للتنظيمات، وهو الأسلوب الذي يحدد بوضوح ودقة الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، ويضع التخطيط
المحكم لبلوغها، باعتبار الجدولة الزمنية والموارد البشرية والمادية
و باعتماد التقويم المستمر للنتائج، وانتهاج أسلوب الارتداد: feed-back للتصحيح المستمر لكل الاختلالات الطارئة.
ومن ثمة حيوية الإدارة بالأهداف ؛ التي هي إدارة علمية بالأساس؛ إدارة قائمة على التوقع و التخطيط و التنظيم و التقييم و الفيدباك و البرمجة و المحاسباتية ، والمسؤولية على أساس الكفاءة، و أنظمة التواصل. (32)

وظائف التدبير العقلاني :
_1وظيفة التخطيط :أي؛ وضوح الأهداف في صيغ معبر عنها بدقة لا تحتمل الاختلاف في تأويلها. لتبين للمناضلين الإنجاز الذي سيقومون به لكي يبرهنوا (لذواتهم أولا) على أنهم بلغوا الهدف المنشود، وكذا اختيار الوسائل لتحقيق الأهداف ، وتقييمها (إذ لامعنى لأهداف سياسية وتنظيمية إذا لم تكن وسائل تحقيقها وتقويمها متوفرة)، فالعمل على توضيح الأهداف السياسية والتنظيمية مسالة جوهرية، وذلك حتى يتم الوضوح التام في التواصل السياسي والتنظيمي، وذلك لان السياسية عملية تواصلية بالأساس، تشتمل على كل العناصر التواصلية(مرسل، رسالة، قناة، مستقبل عملية ترميز؛ويمكن أن يكون هناك تشويش على الرسالة) لذلك فهي تحتاج إلى كثير من الوضوح. هذا فضلا عن ان وضوح الأهداف وتحديدها بدقة يمكن من
1ـ تسهيل البرمجة وخلق الانسجام بين مكونات التنظيم وهيآته، حيث تصبح الأهداف السياسية والتنظيمية الواضحة دليل القياديين والمناضلين عند وضعهم للبرامج وتخطيطهم للأنشطة السياسية، كما أن التصريح المبدئي بالنتائج المرغوب فيها يعتبر مرتكزا أساسيا لحدوث الانسجام بين جميع مكونات التنظيم.
. 2تسهيل التواصل : إذ أن الوضوح في الأهداف يسهل التواصل بين مختلف المكونات و الهيآت ، حيث إن الأهداف الواضحة هي ما يجمع المناضلين ويوحدهم في عمل مشترك، وبالتالي تصبح هذه الأهداف الواضحة عبارة عن ميثاق لجميع المناضلين(قيادة و قواعد) حيث يعرف جيدا كل طرف ما هو مطلوب منه بالتحديد.
3. ضبط عملية التقويم : إذ أن الأهداف الواضحة تشكل معايير للتقويم ،وبالتالي تمكن من التصحيح المستمر والناجع للاختلالات الطارئة .
وحتى يكون التخطيط محكما يجب أن يتوفر على معايير يمكن إجمالها كما يلي:
معيار الانسجام: أي؛ انسجام الأهداف مع الأدوات والوسائل والآليات والموارد المادية والبشرية، وانسجام الأهداف المحلية مع الأهداف الجهوية والوطنية.
معيار الملاءمة : أي؛ توافق أهداف التعليم مع تطلعات المجتمع
وحاجاته ومتطلبات تقدمه ونمائه، وتلاؤم الأنشطة والممارسات مع الأهداف المسطرة، كما تقتضي الملاءمة الأخذ بعين الاعتبار الواقع المجتمعي والانطلاق منه.
معيار القابلية للإنجاز: ويتعلق الأمر بمدى واقعية البرنامج السياسي، والإمكانات الفعلية للتنفيذ، إذ يعد البرنامج السياسي قابلا للإنجاز والتطبيق، عندما تكون الأهداف قابلة للتحقيق، والموارد البشرية والمادية لإنجازه متوفرة، وعملية التصور والتخطيط محكمة.
معيار المقبولية: أي؛ قبول الأغلبية للبرنامج السياسي والتنظيمي في تصوره والتخطيط له وتنفيذه وتقويمه.
معيار الفعالية: ويتعلق الأمر بمدى فعالية الآليات المعتمدة لتنفيذ البرنامج، ونجاعتها في تحقيق الأهداف المحددة والوصول إلى النتائج المتوقعة، إذ أن فعالية برامج تتمثل في الضبط الدقيق للمهام وتحديد المسؤوليات وتوزيع الأدوار، ووضع جدولة زمنية لمراحل التنفيذ والتتبع والتقويم وتحديد الأهداف وأجرأتها
معيار النجاعة: أي؛ مدى إسهام الآليات والإجراءات في تحسين وتطوير تدبير الموارد البشرية والمادية وحسن استثمارها
معيار القابلية للتقويم والتصحيح: أي؛ قابلية الأهداف السياسية التنظيمية المحددة للخضوع لآليات المراقبة . والتتبع التقويمي في مختلف مراحل الممارسة بدءا من مرحلة التصور وصولا إلى مرحلة
التقويم نفسها، مرورا بمرحلتي الإعداد و التنفيذ بكل إجراءاتهما. و كذا قابلية الأهداف نفسها للخضوع للإجراءات التصحيحية التي يكشف التقويم و التتبع عن ضرورة إدخالها .
ب ـ وظيفة التنظيم :
هي عملية اختيار و تصنيف و تركيب الوسائل و الأدوات ...وترتبط عملية التنظيم؛ أساسا؛بعملية التخطيط. إذ أن التنظيم يعني البحث عن العلاقات بين العناصر والأدوات والوسائل إذ لا يكفي تحديد
الأهداف وتوفير الوسائل والأدوات إذا لم يتم من خلالها إنتاج علاقات و وظائف منظمة .وللتنظيم مبادائ أساسية، يمكن إجمالها فيما يلي:
الوظيفية : تحدد وظيفة كل عنصر وأداة ووسيلة.
العلائقية : تحديد العلاقة بين العناصر والأدوات والوسائل.
العضوية : ارتباط العناصر فيما بينها وتأثير بعضها على البعض.
الكلية : النظرة الشمولية لكلية العناصر المكونة للبرنامج السياسي / التنظيمي والتفاعلات الموجودة بينها.(33)
ج ـ وظيفة التقويم : Evaluation
هي عملية التشخيص والقياس والحكم، وكذا الضبط والتصحيح. وللتقويِم كما هو معروف وظيفتان رئيستان:
ـ يسمح بالحصول على مؤشرات عن مدى تحقيق الأهداف.
ـ الحصول على معطيات تتيح إمكانية الارتداد feed-back :والتعديل : régulation
وللقيام بهاتين الوظيفتين الرئيستين بشكل ناجع، يجب ان يتسم التقويم : أولا؛ بالشمولية ، بحيث يتناول كل العناصر (الأهداف، الوسائل.الموارد البشرية ) وثانيا؛ بالاستمرارية، بحيث يجب أن يكون التقويم في كل المحطات.
وتتفرع عن الوظيفتين الرئيستين للتقويم وظائف أخرى يمكن إجمالها فيما يلي:
وظيفة التشخيص :Diagnostic لمعرفة ثغرات الإنجاز ،وتقصي مواطن الضعف.
وظيفة الإخبار: حيث يجب ان يخبر التقويم عن الوضعية خلال مراحل الإنجاز والتنفيذ من حيث تفاهم الأعضاء وانسجامهم واستيعابهم للأهداف ومدى توفر الوسائل والأدوات.
وظيفة الفحص : Vérification عملية التأكد من مدى تحقق النتائج المرغوب فيها.
وظيفة التتبع:Suivi وقفات للتقويم وجرد النتائج المرحلية، قصد معرفة التقدم الحاصل في إنجاز البرنامج السياسي / التنظيمي وتعديله نحو الأهداف المسطرة.
وظيفة التعديل : التمكن من تعديل عمليات التنفيذ وتوجيهها نحو تحقيق الأهداف المسطرة، والقدرة على إحداث التعديلات المناسبة للظروف الطارئة.(34)
عقلنة التنظيم السياسي :
كمحاولة للأجرأة يمكن القول بان عقلنة التنظيم السياسي تعني الانطلاق من أهداف واضحة ومن تصريحات محددة، والسعي إلى تحقيقها بدقة وأمانة، ومن ثمة تفيد العقلنة بالدرجة الأولى تحديد الأهداف السياسية / التنظيمية، وبالدرجة الثانية ترشيد النشاط السياسي بحيث تنسجم آلياته وأدواته وأساليبه مع الأهداف الموضوعة التي يجب أن تكون من الشفافية بحيث تحمل نفس المعنى عند جميع المناضلين ولا يختلف اثنان على تأويلها.
أما الفعالية في السياسة فتقاس بالمردودية على أساس التأثير في المشهد السياسي ، والتأثير في المجتمع (الاستقطاب)...كما تعني الفعالية السياسية؛ أن يحدد التنظيم ما يريد أن يصل إليه، ويعرف ما إذا كان من الممكن تحقيق الأهداف السياسية/ التنظيمية أم لا. وما هي الأساليب والأدوات الضرورية التي تمكن من تحقيق الأهداف، وان تعرف القيادة والقاعدة ما هو مطلوب من كل منهما، وما يتعين عمله بالضبط.
5ـ هندسة العمليات التنظيمية:
إن المشاكل التنظيمية في الأحزاب السياسية، وغيرها من عموم التنظيمات (النقابية و الجمعوية و المهنية تتعلق ؛أساسا؛ بالتنفيذ وطرائق العمل وأساليب الإنجاز. وتجاوز هذه المشاكل المشتركة بين عموم التنظيمات يمكن أن يتم عن طريق انتهاج أساليب علمية وتقنية تندرج فيما أصبح يصطلح عليه
بهندسة القرار، أو التخطيط المنهجي للقرار، والذي يشمل خمسة مكونات أساسية:
)التدبير):( Gestion التكوين، formation ) (التواصل Communication )، ( التنشيط : Animation) ،(التقويم: Evaluation ) (35). وهي المكونات التي يمكن اقتراح تعميق النقاش فيها في جلسات المؤتمر.

الديمقراطية الداخلية و التربية على الديمقراطية و حقوق الإنسان:

تشهد فضاءات الحزب جدلا ساخنا حول مسطرة المؤتمر بين رأيين مختلفين؛ أحدهما متشبث بالمكتسبات التي حققها الاشتراكي الموحد في مجال الديمقراطية الداخلية التي كانت محط إعجاب وتقدير بل وحتى تأثير إيجابي في جملة من التنظيمات التي تتوخى تكريس الديمقراطية الداخلية،ورأي آخر منتصر للتوافقات المبرمة بين بعض (زعامات) المكونات السابقة، بحجة تقدير ظرفية التأسيس واحتواء المشاكل والاختلاف ؟ رغم أنه قد مر أكثر من عقد على الاندماج الثاني ؟
إن الديمقراطية الداخلية من القضايا المبدئية والتوجهات الكبرى للاشتراكي الموحد والتراكمات الديمقراطية لمناضليه،و مكوناته السابقة قد حسمتها منذ زمان . فضلا عن أن ذلك يطرح جملة من الإشكالات التنظيمية والحقوقية و حتى التربوية،حيث تطرح جملة من الأسئلة الشائكة نفسها على المتتبع للمسار الذي تدفع إليه بعض هذه الزعامات، بتراجعها المكتسبات الديمقراطية التي راكمها مناضلو الاشتراكي الموحد بتجاوزهم للجن الترشيح والمحاصصة وتكريسهم لحقوق مكتسبة تتعلق بحرية الترشيح وسرية الاقتراع ؟
مقررات وتوجهات المرجعية المشتركة:
بالعودة إلى مقررات وتوجهات المؤتمر الوطني الاندماجي الثاني و المتضمنة في الوثيقة التي اصطلح عليها مناضلو الاشتراكي ب"وثيقة الأمل" باعتبارها ميثاقا ومرجعا توجيهيا مشتركا، وتكثيفا للعناصر الجوهرية للمشروع السياسي والتنظيمي للحزب الاشتراكي الموحد، والتزاما نضاليا أمام الرأي العام الذي يدعوه إلى متابعته ومساءلته ونقده على أساسها(وثيقة الأمل؛2005 ؛ص:4) ، نجد ما يلي:
1- يلتزم الحزب الاشتراكي الموحد بالعمل على"بناء حزب اشتركي كبير حداثي ومنفتح،يقوم على قواعد الديمقراطية الداخلية،ويعمل بآلية التيارات..." (وثيقة الأمل؛ص:13).
2- يسمح بتعدد التيارات داخل الحزب وبتعدد الوثائق و الأرضيات ولوائح الترشيح لعضوية الأجهزة الحزبية.(مدونة السلوك؛وثيقة الأمل؛ض:16 ).
3- ضمان شروط الديمقراطية وممارسة الحق في الاختلاف وتعني ضمان حق كافة الآراء والتيارات...(القواعد التنظيمية الكبرى؛وثيقة الأمل؛ص:20 ).
4- الدفاع عن حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا ومناهضة جميع الخروقات التي تطالها من طرف الدولة أو الأفراد أو الجماعات،ونشر مبادئها وتربية المواطنات والمواطنين عليها.(الفصل5 من القانون الأساسي للحزب).
5- إشاعة وتنمية الثقافة الديمقراطية والتربية على مبادئها والتعريف بالحقوق والحريات الديمقراطية والحد من خرقها و انتهاكها.(القانون الأساسي؛الفصل5).
6- يطبق الحزب قواعد الديمقراطية الداخلية والشفافية وتخليق الحياة الحزبية كآلية لتدبير الشأن الحزبي وتنظيم العلاقات بين المناضلين وبين مختلف الأجهزة الحزبية ،ومحاربة كل أشكال الفساد والاستبداد بالرأي والمسؤولية.(الفصل7 من الفانون الأساسي).
7- ترتكز الهيكلة التنظيمية للحزب على مبادئ الديمقراطية الداخلية كما يحددها القانون الداخلي... (الفصل8 من القانون الأساسي).
8- يمكن أن تتشكل داخل الحزب تيارات سياسية من خلال التفاعلات الديمقراطية داخله ويحدد القانون الداخلي معايير تشكلها وحقوقها وواجباتها،بما فيها تمثيليتها داخل الأجهزة.(الفصل9 من القانون الأساسي).
9- من شروط الانخراط في الحزب:"المصادقة على القانون الأساسي والداخلي ومدونة السلوك للحزب والاقتناع ببرنامجه".(الفصل10 من القانون الأساسي).
10- يتشكل المجلس الوطني في جزئه المنتخب من:"منتخبين في المؤتمر الوطني بالتصويت الفردي السري، واللائحي النسبي بالنسبة للتيارات...(البند2 من الفصل12 من القانون الأساسي).
11- حتى بالنسبة لمرشحي الحزب للانتخابات البرلمانية والجماعية ينص البند 7 من الفصل 12 بعبارة صريحة وواضحة على أنه "يتم اختيار المرشحات والمرشحين من طرف أعضاء الحزب داخل دوائرهم الانتخابية على أساس الترشيح الفردي والاقتراع السري.."(كذا).
12- لا يمكن – حسب الفصل15 من القانون الأساسي- تغيير مقتضيات هذا القانون إلا في المؤتمر الوطني.
ولأن مناضلي الاشتراكي الموحد عبروا من خلال مؤتمرهم الاندماجي عن تمسكهم الواعي والمعقلن بالحريات الأساسية للإنسان والدفاع عنها في إطار المعايير الكونية؛ فالأجدر والأحرى أن يفرضوا احترامها داخل الأداة السياسية التي بنوها من أجل تحقيق ذلك؛ لأن من شان التخلي والتنازل عن ذلك أن يفقد العمل الحزبي من مضمونه التغييري، ويجرده من أبعاده المواطناتية والديمقراطية.فما هي المكتسبات الحقوقية التي صرح والتزم مناضلو الاشتراكي الموحد في وثيقتهم المرجعية المشتركة ؛ "وثيقة الأمل" ؛ بأنهم سيناضلون من أجل إشاعتها في المجتمع والدولة،وقبل ذلك داخل الأداة السياسية و التنظيمية التي ستمكنهم من ذلك؟
حقوق الإنسان والمشاركة السياسية
من خلال تصفح سريع لوثائق الهيئات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان سواء منها المكتوبة أو المنشورة عبر الانترنيت نجد أن الانتخابات ترتبط بحقوق الإنسان في المبدأ والتفصيل والممارسة. فإذا كانت الشعوب إحدى الركائز الأساسية لحقوق الإنسان التي أكد عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، حيث جاء في المادة 21 أنه "لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يُختارون بحرية.". وإن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.
وأكدت الفقرة 2 من المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية للمواطن حق المواطن في أن يَنتخب ويُنتخب في انتخابات نزيهة تجري بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، بما يضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
وبذلك فإن مبدأ سرية الاقتراع أمر أساس لدى القيام بهذه العملية ، وذلك تحت طائلة الشك في صدقية هذا الاقتراع ومدى سريته وشفافيته. وهذا ما أكدّت عليه المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "...إن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم. ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام، وعلى قدم المساواة بين الناخبين، وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت".
ونصت الفقرة (ب) من المادة (25) للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حق المواطن في أن ينتخب ويًنتخب في انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
ولهذا يعتبر التصويت السري الأساس في اعتبار الانتخابات حرة ونزيهة وقد أشار مشروع المبادئ العامة بشأن الحرية وعدم التمييز في الحقوق السياسية وجوب أن يكون بإمكان كل ناخب التصويت بأسلوب لا سبيل فيه إلى كشف الطريقة التي صوت أو ينوي التصويت بها، وان لا يرغم على الكشف عن حيثيات ذلك وألا يحاول أحد الحصول من أي ناخب، بشكل مباشر أو غير مباشر، على أي معلومات عن عملية تصويته.

هذا ونصت كافة الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، على ضرورة ضمان الحرية وذلك بإجراء الانتخابات في مناخ حر و ديمقراطي، وفي أجواء خالية من الخوف، ولذا يتطلب توفير الثقة لدى المواطنين وعدم تعرضهم للخوف أو التنكيل نتيجة اختياراتهم..
الشيء الذي جعل القانون الدولي يفرض واجبات معينة على الدول وعلى سلطات الانتخابات بشأن إدارة الانتخابات. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية وغير ذلك من المعاهدات الدولية تضع شرطين أساسين للانتخابات الديمقراطية: (1) الاقتراع الشامل والمتكافئ، و(2) الاقتراع السري. تعزز بصورة إضافية المواثيق الدولية التي تحرم التمييز المستند إلى الجنس أو العرق، والحق بالمشاركة في بالانتخابات على أساس "الاقتراع الشامل والمتكافئ". لكن لكي تكون الانتخابات "حرة ونزيهة" يجب أن تلبي عدداً من المعايير الأخرى. نذكر منها:
لكي تكون عملية الانتخابات "حرة"، يجب أن يتمتع المواطنون بحق وفرصة الاختيار. يجب تأمين حرية التجمع، والاجتماع، والتحرك والكلام، لكل من المرشحين، والأحزاب، والناخبين، ووسائل الإعلام، والمراقبين، وغيرهم. يجب أن تكون البيئة السياسية متحررة من الترهيب. تُشكّل مثل هذه الحريات شرطاً مسبقاً أساسياً لإجراء انتخابات ذات معنى.
ولكي تكون الانتخابات "نزيهة" يجب أن يكون التصويت فيها صادقاً، وأن تتم عملية تعداد الأصوات وإدارتها بدون تزوير أو تلاعب، وان تقوم بها سلطات انتخابية غير متحيزة. يجب أن تتوفر لجميع الأفراد فرص التقدم إلى الانتخابات، ويجب أن يتم بسرعة وعدالة حل النزاعات والشكاوى المرتبطة بالانتخابات، قبل وبعد يوم إجراء الانتخابات.و تفرض النزاهة أيضاً وجود "ملعب متساوٍ"؛ وعلى وجه التخصيص، عدم حدوث سوء استعمال "الموارد العامة في الحملات الانتخابية، ويجب أن يتوفر لكافة المرشحين فرصة ملائمة للاتصال بالناخبين، وكسب تأييدهم، ويشمل ذلك إتاحة الوصول المتساوي إلى الإعلام.
ومع تزايد الاهتمام العالمي بالانتخابات منذ التسعينات من القرن الماضي، حاول عدد من المنظمات الدولية وضع تعريف أفضل للانتخابات "الحرة والنزيهة"، أو لشرح المكونات العديدة لهذا المعيار. فعلى سبيل المثال، وضعت وثيقة كوبنهاكن الصادرة العام 1990 عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) معايير للانتخابات في الدول الخمس والخمسين الأعضاء في المنظمة. وباتباع المعايير الدولية الثابتة، طلبت معايير منظمة الأمن والتعاون في أوروبا من الدول الأعضاء فيها إجراء انتخابات حرة في فترات معقولة، وضمان التصويت الشامل والمتكافئ، والتأكد من الاقتراع بطريقة الاقتراع السري. تذهب وثيقة كوبنهاغن إلى ابعد من ذلك عندما تفرض على الدول الأعضاء السماح بالتنافس الحر على كافة المقاعد في جزء واحد على الأقل من المجلس التشريعي القومي، والتأكد من التعداد والإبلاغ بصدق عن نتيجة التصويت، واحترام حقوق المواطنين في السعي لإشغال مراكز سياسية والتأكد من أن القانون العام والسياسة العامة في البلد يسمحان بتوفير بيئة حرة للحملات الانتخابية، وضمان الوصول غير المقيد إلى وسائل الإعلام، وتأمين تنصيب المرشحين الذين نالوا العدد المطلوب من الأصوات في مراكزهم السياسية. في العام 1994 تبنى الاتحاد البرلماني بصورة رسمية "الإعلان حول معايير الانتخابات الحرة والنزيهة"، الذي أعلن مجموعة واسعة من حقوق المواطنين، والمرشحين، والأحزاب، والدول حسب ما تدعو إليه الحاجة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
في العام 2000، أقرّت بصورة محددة لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، كرد على الدول التي يحكمها حزب واحد، والتي تدعي إجراء انتخابات ديمقراطية، بحق التصويت في "عملية حرة ... مفتوحة أمام أحزاب متعددة". تعكس هذه البيانات الإجماع الدولي حول معنى "انتخابات حرة ونزيهة"، "وتوضح بمجموعها أنه ينبغي توفر الكثير من الشروط لكي تكون الانتخابات ديمقراطية.
الانتخابات الحرة والنزيهة والرصد الدولي لعملية الانتخابات:
هناك إجماع كبير حول القواعد الدولية التي تحكم مشروعية الانتخابات المتفق عليها من خلال المعايير العملية المساعدة للحكم على ما إذا كانت الانتخابات حرة ونزيهة. ونظراً للتوسع الهائل في عمليات الرصد الدولية ؛منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي؛تم تطوير مجموعة من المعايير العملية التي تقاس بموجبها الانتخابات المؤقتة في العالم الحقيقي، حاول عدد من المنظمات الدولية توسيع نطاق المعايير الأساسية لتشمل شروطاً مثل "المساواة" ، "الشفافية" و"المساءلة". يتطلب مبدأ المساواة أن يُعطى لصوت كل مواطن ثقل معادل لثقل صوت كل مواطن آخر. ولأجل أن تكون شفافة، يجب أن يكون لعملية الانتخابات إجراءات يمكن التكهن بها، وأن تكون لها نتائج منشورة وان تضمن عدم التزوير. وقد تتطلب المساءلة أن يتم تنصيب الذين تم انتخابهم في مراكزهم الرسمية والاعتراف بمسؤولياتهم تجاه مجموعة الناخبين. كما صممت دول أخرى قوائم تحقق مفصلة بدرجة عالية لشروط الانتخابات الحرة والنزيهة.
والخلاصة أن كافة الوثائق والإعلانات والاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان تنص على العديد من المعايير الدولية التي تضمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة ونذكر منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ومشروع المبادئ العامة بشأن الحرية وعدم التمييز في مسألة الحقوق السياسية، وقرار لجنة حقوق الإنسان حول زيادة فعالية الانتخابات الدورية النزيهة، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان …واستنادا لهذه الوثائق فقد صنف مركز حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هذه الحقوق على النحو التالي :
أولا : إرادة الشعب
ثانيا : تأمين الحرية
ثالثا : تأمين الحقوق الأساسية التالية :
أ- حرية الرأي والتعبير
ب - حرية التجمع السلمي
ج- حرية تكوين الجمعيات / الأحزاب
رابعا : استقلالية السلطة القضائية
خامسا : مبدأ عدم التمييز
سادسا : الاقتراع السري
سابعا : الاقتراع العام المتساوي
ثامنا : الاقتراع الدوري الاقتراع السري
توليفة للحق والحرية والمساواة والاستقلالية وأخلاقية القانون:
لما كانت "غاية كل تجمع سياسي هي الحفاظ على حقوق الإنسان الطبيعية التي لا يمكن إلغاؤها"(إعلان 1791؛المادة2) فإن موضوع الحرية كان و لا يزال موضوعا مركزيا في كل تفكير أو ممارسة سياسيين، وهكذا فإعلان الحقوق (منذ 1791 ) يتضمن مبادئ حقوقية متنوعة جدا؛ لكن الحرية والمساواة تبقيان الفكرتين الأساسيتين فيه؛ إذ إنهما توجزان جميع الحقوق الأخرى للإنسان والمواطن(غريتويسن)، إذ الحرية كحق أساس يتفرع عنه حرية التصويت وحرية الرأي والتعبير وحرية التفكير؛كما أن التعامل بمرجعية المساواة كمبدأ يمثل أساس الحقوق والواجبات وأساس الكرامة الإنسانية .والحق يعتمد على الحرية ؛حرية المرء في أن يفعل فعلا أو يمتنع عنه (هوبز) .والواجب والحق صنوان يتولدان من أم واحدة هي الحرية (كوزان)؛لأن الحرية هي ذلك الممكن الذي يتحقق عبر الفعل ، و بالتالي فان السلوك الإنساني هو تجسيد للحرية ، من منطلق أن"استقلالية الإرادة تشكل المبدأ الوحيد لكل القوانين الأخلاقية والواجبات الملائمة لها(كانط)؛فالحرية هي شرط وسبب وجود القانون الأخلاقي،كما أن القانون الأخلاقي هو الطريق نحو الحرية وشرط معرفتها(كانط).
وإذا كان الحق ليس إلا وجوب احترام كل فرد ككيان إنساني،فإن ذلك يستلزم أن الحق هو ما يحد من حرية كل واحد؛حيث تبدأ حرية الآخر؛وبذلك فالحق ليس إلا احترام كل فرد ومعاملته كماهية حرة ؛ بحيث لا أستطيع أن أجعل حريتي هدفي إلا إذا جعلت حرية الآخرين هدفي أيضا.والحق هو ما يجعل وجود الإرادة حرة؛ بل "الحق هو الحرية"(هيغل)إذ الحق يظل وثيق الارتباط بالحرية(كانط).
يربط كانط استقلالية الشخص بمسالة الكرامة ولذلك يعتبر بأن الاستقلالية هي مبدأ الكرامة الطبيعة الإنسانية وكل طبيعة عاقلة؛فاستقلالية الإرادة هو المبدأ الأسمى للأخلاقية" الحق هو مجموع الشروط التي يمكن للإرادة الفردية لكل واحد منا أن تتآلف في إطارها تبعا لقوانين كلية(كانط).إن شرط الحرية هو تحققها،فهي ليست مضمونة،ولا شيء يضمنها،فحرية الناس لم تكن أبدا مضمونة بواسطة القوانين…إن الضمان الوحيد للحرية هو الحرية" (فوكو).كماالتاريخ الطويل للفكرة الديمقراطية يفيدنا أن الأمر يتعلق بأسبقية كرونولوجية وأولوية عقلانية للحرية/استقلالية على الحرية/مشاركة (G.Bordeau ladémocratir p :18)



ليس"القانون العام هو مجموع القواعد التي يخضع لها أفراد يتمتعون بحقوق ويتفاوتون فيما بينهم؛بحيث يكون لأحدهم الحق في التعبير وعلى الآخرين واجب الخضوع؛فكل الإرادات هي إرادات فردية؛ولا فضل لإرادة على أخرى؛لا تفاوت بين الإرادات ؛إنما سواسية"(مونتسكيو).إذ الفرد قيمة بحد ذاته مرتكزا على المساواة في حريته وحقوقه مع الأفراد الآخرين،مما يعني أن السلطة ينبغي أن تشكل أداة لخدمة هذا الفرد،وتمكينه من الاستفادة الفعلية على قدم المساواة من جميع الحريات والحقوق"(سعيد زيدان؛1974 ؛ص:175 ).وبالتالي فإن المناضل" كفرد وبحكم انه شخص عاقل وحر،ينبغي أن يعتبر كمركز لكافة المبادرات والمسؤوليات"(J.P Bizeau 1993 p :517) .
خلاصتان:
أولا- إن الحرية لا تتحقق ألا حيث يوجد الجمع العام(=المؤتمر)؛وحيث لا يعلو أحد فوق القانون الذي سنه ليظل التمسك بالحرية والاستقلالية رهانا أساسيا ؛ واستتباعا لذلك فإن المؤتمر هو صاحب الحق: sujet du droit ، والسمة الواصفة لهذا الحق هي ما نصطلح عليه قي أدبياتنا "المؤتمر سيد نفسه" إذ أن شرط الحرية هو تحققها،فهي ليست مضمونة، ولا شيء يضمنها،فحرية الناس لم تكن أبدا مضمونة بواسطة القوانين…إن الضمان الوحيد للحرية هو الحريةّ"(فوكو) وممارستها لن تكون إلا في ظل صاحب الحق ؛لأنه تبث بالفعل واقعية ما ذهب إليه فوكو ؛حيث لا شيء يضمن الحرية سوى ممارستها. إلا أنه من وجهة نظر التحليل النفسي و"لأجل ترسيخ الحقوق لا بد من تحقيق شرط سيكولوجي واحد هو إن يكون الجمع العام(=المؤتمر) مستقرا وثابتا ّفي المسائل المبدئية الجوهرية و التوجهات الكبرى التي تتطلب الإجماع (فرويد).
وهكذا فإن نحن استلهمنا نظرية العقد الاجتماعي (كما بلورها روسو وكما تطورت مع المفكرين السياسيين لاحقا) فان القانون الأساسي للمؤتمر يعتبر نص التعاقد الذي حصل عليه الإجماع من طرف المؤتمرين ؛ وبالتالي فإن أقل تعديل فيه خارج المؤتمر يبطله ويجعله لا أثر ولا نتيجة له. إذ من خلال القانون الأساسي( أو العقد بتعبير روسو) فقد تمت المساواة بين جميع المناضلين وأعلنت حقوقهم وحرياتهم ،وبالتالي ليس من حق أي أحد أو جهاز أدنى من المؤتمر أن يسن قوانين أو تشريعات أو مساطر من شأنها أن تمس بجوهر الحقوق والحريات والمساواة كما تم التعاقد عليها خلال المؤتمر .
وبالتالي فانه لا ينبغي أن تتسبب هيمنة منطق التوافقات في ضرب الإجماع الذي حصل على إثر التعاقد في المؤتمر الاندماجي الثاني، والذي من شأنه أن يحرم المناضلين من ممارسة موقف جماعي متحد من قضية الديمقراطية الداخلية واحترام حقوق المناضلين بمرجعية حقوق الإنسان خلال الانتخابات داخل المؤتمر.
وإذا كان القانون الأساسي(=العقد) قد حسم يناء الموقف الموحد للمناضلين من قضية الديمقراطية الداخلية واحترام الحريات و حقوق المناضلين وساوى بينهم فإنه لا داعي للاستعلاء على المناضلين واعتبارهم بالضرورة والإكراه توابع:sujets لأرضية من الأرضيات . والمطلوب هو التعامل مع الحق والحرية والمساواة باعتبارها كلا لا يتجزأ ، وان نحترم حقوق المناضلين وألا نسكت عن أي إجراء يهضم حقوقهم . إذ أن هيمنة التوافقات على حساب الديمقراطية الداخلية وحرية المناضلين؛ المعبر عنها في سيادية المؤتمر يجعل الأمور محسومة قيل انعقاد المؤتمر،أو حسب التعبير الطريف لأحد المؤرخين "يجعل التاريخ مكتوبا قبل وقوعه" ،وهو ما يتعارض مع التعددية بل يكرس تعددية زائفة أو مغشوشة.
حق المشاركة السياسية يعني- بالأساس -حرية التصويت والترشيح وتحمل المسؤولية ومراقبة كافة مراحل العملية الانتخابية ؛ إذ أن حق الانتماء للجمعيات السياسية أو النقابية ما هو إلا حق تمهيدي ؛أما حق المشاركة بالترشيح والتصويت والمراقبة هو جوهر العملية السياسية القائمة على الانتخاب؛ ومن ثمة فإن الحقوق السياسية حين ينم تكثيفها تعني بالدرجة الأولى حق الترشيح وحق التصويت.وهكذا فإن "الديمقراطية لا تستقيم بدون توفر المواطن/المناضل على إمكانيات تسمح له بأن يكون ناخبا ومنتخبا"(محمد وقيدي؛1997؛ص:82).
لا يمكن تحقق الديمقراطية الداخلية دون احترام حقوق جميع المؤتمرين في الترشيح و الانتخاب؛ وذلك لأن كل أشكال الحقوق تضمن ذلك؛ سواء حق الناس:droit des gens الحق الوضعي:droit positif؛أو الحق المكتوب:droit inscrit؛أو الحق العرفي:droit cotumier
طرفة عين: حتى على المستوى المدرسي تنص المادة37 من النظام الداخلي للمؤسسات التعليمية على أن "انتخاب المندوبين تتم بواسطة الاقتراع السري " وتفسر المادة40 إجراء هذه الانتخابات بهذا الشكل(=السري) بأنها تمرين إعدادي لممارسة الديمقراطية.



#محمد_الرباحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد الرباحي - المؤتمر الوطني الرابع للاشتراكي الموحد والتطلع إلى ممارسة السياسة بالعلم