أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالله امين - الإيمان ومعضلة الشر















المزيد.....


الإيمان ومعضلة الشر


عبدالله امين

الحوار المتمدن-العدد: 5748 - 2018 / 1 / 5 - 20:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الإيمان ومعضلة الشر


اشتهر في الفترة الأخيرة مقال يتكلم عن الإلحاد ومشكلة الشر(يجب المرور علي المقال الأول قبل البدء في هذا المقال)، مقال يبدو جيدا من ناحية التنسيق والتماسك المنطقي للقارىءغير المتخصص ، ويبدو أنه موجه في الأصل لهذا النوع من القراء ممن يريد المزيد من اليقين لا المزيد من الشك أو البحث، بل مجرد إطفاء لشعلة التشكك. أقر أن ضغط دمي ارتفع شرطة أو اثنتين أثناء قراءة المقال، فكمية المغالطات الموجودة تصيبك بالغثيان، وهذا الرد الذي أقدمه ما هو إلاإظهار لتلك المغالطات، فأنا لا أحاول رد الحجة بالحجة، لأنه ببساطة لم تستخدم أي حجة، فقط القليل من الهراء المنمق.

من أين بدأ السؤال؟

في مطلع المقال يدعي الكاتب أن مشكلة الشر تشكلت بعد عصور التنوير، بعد وضع الإنسان كقيمة مركزية للكون، رغم أن أبسط قارىء للفلسفة يعرف أن تلك المشكلة بدأت من قديم الأزل وأن أول من صاغها هو الرائع (أبيقور)، الذي وضع أبسط صورة لمعضلة الشر، حيث تسآل:(إذا كان الإله هو العادل والمثال الأعلى للخير , فلماذا توجد الشرور؟)ثم وضع عدة اجابات محتملة للسؤال :
(يريد الإله منع الشرور ولكنه لا يقدر، وهكذا يصبح الكيان الإلهى عاجزا غير كامل القدرة – يستطيع الإله منع الشر ولكنه لا يريد، وهكذا يصبح الكيان الإلهى هو أصل الشرور فى العالم – يستطيع الإله ويريد منع الشرور وهكذا أصبحنا فى معضلة أخرى، و هى من أين تأتى الشرور؟)
بالطبع تطورت حجج المعضلة مع الوقت وعبر الأديان، لكنها تظل أول صياغة صحيحة وأول تساؤل منطقي صك عام 341 ق.م

الغرض من معضلة الشر

يعاني المؤمنون في الواقع من مشكلة واضحة مع معضلة الشر وهي توهمهم أن الغرض الأساسي من المعضلة هو نفي وجود إله، لكن على العكس من ذلك، فهي تهدف بشكل جلي إلى قول: إذا كان هناك كائن ما بالأعلى، فهو شرير، وبما أن كل القرائن تشير إلى هذا وأنتم تصرون أنه كلي الخيرية والمصدر المطلق للرحمة ذو ال99 جزء، فصفات هذا الكائن تتعارض بقوة مع الملاحظة العينية الموجودة حولنا.

معضلة الشر والإلحاد

هل فعلا - كما يدعي المقال - أن معضلة الشر هي السبب الوحيد والرئيسي للإلحاد؟ في الواقع، وبعكس الإيمان، ليس للإلحاد سبب مركزي كأن تكون ولدت على دين ابائك مثلا، فللإلحاد عدة أسباب، وعلى سبيل المثال لا الحصر: إدراك أن الكتب المقدسة ليست مقدسة، معرفة أن الكون لم يخلق في ستة أيام، إدراك أن آدم وحواء لم يكونا موجودين في الواقع، إدراك القصور الواضح في التشريعات الدينية، معرفة أن النص الديني هو ابن بار لعصره وبيئته وليس مناسبا لكل زمان ومكان. هل ترى؟ كل هذه الأسباب ليس من ضمنها معضلة الشر ! بل هي أسباب عقلية بحتة وليست أسبابا عاطفية أو وراثية كأسباب الإيمان.


الوحي الإلهي والشر

يقول الكاتب أن الله لم ينكر وجود الشر في العالم، بل يصرح بأنه خالقه، وأنا أتفق معه بشدة وسأحاول في السطور القادمة توضيح هذا الاتفاق. وبما أن الكاتب استخدم الحجج الإسلامية في الرد،فسأستخدم أنا كذلك الإسلام كمثال تنطبق عليه باقي الأديان.هل الله أخلاقي؟ هل الله كلي الرحمة؟
1-
}مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{
)التغابن-11(

2- }وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم { ( يونس – 107)

3- } وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ { (البقرة:155-157(

يطلق على هذا النوع من العلاقات مسمى (abusive relationship) أي العلاقات المؤذية، حيث يخبرك الرب هنا، بكل أريحية، أنه سوف يصيبك بخوف وجوع وسيبتليك ويرسل إليك المصائب لكن وجب عليك أن تشكره على ذلك، إنها نفس العقلية التي تطلب منك الخنوع وقت أمرك بذبح ابنك أو رميه في صحراء. وهذا بالطبع يدفعنا للتساؤل هل الله فعلاً كلي الرحمة؟ لم يقل الرسول بنفسه أن الله كلي الرحمة، بل قال فقط أنه رحيم، رحيم مثله مثلنا، دعنا نتأمل التعريفات الآتية :
1. حسب تعريف المعجم الوسيط:
الرحمة: العفو عن جان أو عن عدو. مودّة و لينا ، و شفـَقة ً و تعطّـفا.
2. حسب المعجم الغني:
الرَّحمة : نداء لالتماس المغفرة والصفح أو لاستثارة الشفقة.
3. حسب المعجم العربي المعاصر:
الرحمة: رقة القلب والمغفرة.
ولعلم الكلام أيضاً رأي في هذا :"الرحمة" انفعال خاص يعرض على القلب عند مشاهدة النقص أو الحاجة، فيندفع الإنسان إلى رفع ذلك، فعندما يشاهد الإنسان يتيماً يرتجف من البرد أو فقيراً أضناه الجوع أو مظلوماً يتلوى تحت سياط الظالمين تعرضه حالة الرقة، فيندفع لتغيير هذا الواقع، وهذه هي الرحمة.ولكن الله سبحانه ليس محلاً للحوادث - كما ثبت في علم الكلام، فإذا أطلقت هذه الكلمة على الله سبحانه أريد بها العطاء والإفاضة لرفع الحاجة، ومن هنا قيل: "خذ الغايات واترك المبادئ،" فالرحمة لها "مبدأ" وهو الوصف الانفعالي الخاص الذي يعرض على القلب و"منتهى" وهو العطاء والإفاضة، فإذا أطلق هذا الوصف على الله سبحانه أريد بهم "غايته" لا "مبدؤه" (وهكذا بالنسبة إلى الصفات الأخرى التي هي من هذا القبيل).كلام جميل لكن كله مغالطات:
أولا : الرحمة بتعريفنا هي كلا الشقين، الانفعال ثم النتيجة، فإن غاب أحد الشقين غابت الرحمة، لإنه غالبا بدون الانفعال لن تتجه إلى الغاية.
ثانيا: تحولت كلمة " كلي الرحمة هنا " لمجاز محض مجرد الحد الأول ( الصورة الحسية/المجاز أو الرمز) دون الحد الثاني (الحقيقة أو الشيء الذي يمثلها)، والمجاز المحض لا يجوز استعماله منطقياً، مجرد لغو.
يفترض أن الإله أنزل كتبا مقدسة بلغتنا لكي يكون التواصل سهلا، فعندما يقول أنه رحمن ورحيم فهو يوجه الحديث لنا، وعندما يقول: لا تكذب، لا تسرق، لا تقتل،فهو يتكلم بلغتنا، وعندما يقول ثواب وعقاب، فهو يقصدهما بمفهومنا، فلماذا نستثني الرحمة وباقي الصفات من كل هذا ؟ بالتالي يشبه الأمر أن تحاول إقناع شخص بوجود كائن حوله لا يرى إلا تحت طيف الأشعة السينية في عام 1850! وإذا كانت رحمته وعدله وحكمته لا تشبه تلك التي نعرفها، فلم اختار نفس الكلمات؟ وماذا يعني بها بالأصل؟
فهل يختلف الله كثيراً عن زيوس؟ زيوس الرحيم أحيانا، الغاضب أحيانا، البشري دائما؟

تبرير وجود الشر، شر!

1- اعتمد كاتب المقال الأول على حجة، إن دلت، فإنما تدل على أنه سطحي للغاية، مفادها " إذا كان الملحد لا يفرق بين الخير والشر فلماذا يحاسب الإله على الشر في المقام الأول؟" أو كما قال نصاً " لو كان الإلحاد حقًا، لما كان علينا أن نتوقع أن يكون الخير هو الرئيس أو الأكثر أصالة من الشر"، بل كنا سنتوقع في الحقيقة "ألا يكون هناك قِسما الخير والشر أصلًا ".يتكلم كأن الدين هو المقياس الوحيد للخير والشر! كأنه لم يكن هناك قبل الدين خير ولا شر، بل كانا سواء! وكأن الدين لم يبدأ على تقديم التضحيات البشرية مثلا، أو الحروب المقدسة وإلى آخره من الأسباب التي تدفعنا إلى التشكك في أخلاقية الدين من أصله مما يحيلنا إلى(معضلة يوثيفرو) التي سألخصها بالتساؤل الذي تطرحه وهو:]هل يكون الشيء خيراً لأن الله يقول أنه خير، أم هل يقول الله أن الشيء خير لأنه خير بالفعل؟[وبما أن المقام لا يتسع لعرض المذاهب الأخلاقية وتطورها عبر التاريخ، فيكفي إظهار أن الكاتب يزيف الحقائق ويتكلم من منظور المطلق وكأن أخلاقه هي الأخلاق الوحيدة وما دونها لا أخلاقي، رغم أن العالم بأجمعه يعرف من هو اللاأخلاقي، محترف دهس الأطفال وقتل المختلفين وتفجير الكنائس.

2- اذا كنت قد مررت بالعملية التعليمية في مصر،فأنت بالتأكيد تحفظ هاتين المعلومتين عن ظهر قلب: "حار جاف صيفا، دافئ ممطر شتاء" و " التضاد يبرز المعنى ويوضحه ويقويه ... الخ"، وللأسف يستعمل المؤمنون نفس الشيء، نفس الحجة الواهية مراراً وتكراراً لا يملون من ترديدها على مسامعنا، على الرغم من أنهم لم يفكروا لثواني فيها وإن كانوا مطلعين قليلا فسيتبعونها بـ " الخير هو قانون الكون المستقر في كل الأنساق، والشر دائمًا هو النشوز والاضطراب فالمرض هو الخروج عن العافية التي هي الأصل" أراهنك أن تذهب إلى شخص يحتضر بسبب الجوع – هناك 21 الف شخص يموت من الجوع يوميا- وتخبره أن موته ومعاناته وعذاباته مجرد نقطة سوداء في ورقة بيضاء، أخبر شخصا يتلوى ابنه الوليد أمامه من الألم والمرض أن الأصل هو الحياة لكن موت ابنه حادث عرضي في الكون، أخبر شخصا فقد أحد احبائه بالسرطان وكنتيجة تدمرت حياته تماما - كم عدد الأمثلة التي يعرفها كل شخص منا تطابق هذا النموذج؛أن معاناته مجرد خط أسود لتوضيح الأبيض لباقي البشر، هيا اذهب وأخبر كل شخص تعرض لزلزال وفقد أحبائه وممتلكاته وحياته بسبب أن الأصل هو ثبات الأرض وليس الزلزال، أخبر كل شخص تمزق أشلاءً في إعصار أو أكلت جثته الأسماك في فيضان أن الأصل هو الجو العليل وأنه فقط مثال توضيحي للشر !أخبر كل هؤلاء أن " الشر وكأنه اللبنة المحورية لقيام البناء، والتي مهما بدا فيها من العطب، فستظل شاهدة على أن هذا النقص يفسح للكمال من جهة مناظرة "ثم عد إلى هنا وأخبرني أن دينكم دين رحمة وأنه الدين الأكثر أخلاقية.

3- أما عن حجة صديقنا لمواجهة الشر المجاني : "فمعادلة رو القائلة إن الشر مجاني بصورة يقينية، بينما وجود الإله فرضية في حاجة إلى البحث، وينفي ثبوتها الشر، ستتحول عند مور إلى أن الأدلة المادية في الكون وفي التجريد العقلي قاطعة بوجود إله، وعليه، فإن مجانية الشر فرضية تحتاج إلى بحث" بالطبع فالشر المجاني يحتاج إلى بحث وتحقيق في نظر صديقنا لأنه إذا تعارض العقل مع النص فاضرب بالعقل عرض الحائط !
ألا يكفي خط أسود واحد لتوضيح معنى البياض؟ألا يكفي ضوء شمعة واحدة لتدرك وجود الظلام؟ ألا تكفي خبطة واحدة في الشتاء لإصبع قدمك الصغير في منضدة لتدرك معنى الألم والشر وبالتالي معني الخير؟ لكانت خبطة واحدة لكل إنسان كافية، لكن بالملاحظة العينية يوجد الكثير والكثير والكثير من الشر على مستوى العالم، توجد الأوباء التي أبادت شعوباً، مثلا الطاعون والحصبة والأنفلونزا الإسبانية، توجد حروب أبادت الملايين ومعظمها باسم الدين (لعله سيذكر لي الحربان العالميتان كدليل ان الدين ليس مذنب). لكن دعونا نرجع عدة خطوات للخلف، أليس الله هو الخالق لنا ولعقولنا؟ أولم يكن يستطيع بقدرته المطلقة وعلمه اللامتناهي أن يخلق عقولنا بحيث تعمل بطريقة مختلفة غير طريقة التضاد؟ لكن بالطبع تبريركم هو الوجه الآخر لعملة مكتوب عليها " إنه سادي خلقنا بتلك الطريقة ليخلق الشر أيضا ويعذبنا" تبرير عظيم أليس كذلك؟

4- لم يتطرق صديقنا إلى حرية الإرادة إلا بشكل عرضي، ربما لأنه يعرف أنه لا حرية إرادة في النصوص الإسلامية أو ربما لأنه جلى من لا يسهو. أبدأ أولا بتفنيد أشهر حججهم "معرفة إحاطة لا تقرير" أن الكائن المطلق إحاطته تقرير، فهل يمكن أن يكون في علم الله، " ككائن كلي القدرة مطلق القوة "،أنك ستدخل إلى الشارع الأيسر ثم تدخل أنت إلى الشارع الأيمن؟ هل يمكنك مخالفة معرفته؟ طبعا هذا بعكس التشبيه الوضيع القائل بأن الأب الذي يعطي ابنه المبذر المال ليس بمجرم لأنه لا يد له في إسراف الابن أو ليس الأب سبب التبذير، لكن إعطاء المال لمبذر هو جريمة، بيع السلاح لإرهابي هو أيضا جريمة، أضف إلى ذلك أن الابن قد لا يسرف في المال، فالأب لا يمارس عليه بمعرفته المحدودة أي ضغط، لكن الإله لن يسمح لك بأن تخالف علمه.
أما نقطة إذا كان الإسلام يعترف بحرية الإرادة فعلا أم لا... ، ففي موطأ مالك، وسنن أبي داود والنسائي، وغيره عن مسلم بن يَسَار، وفي لفظ عن نعيم بن ربيعة، أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية‏:‏ }وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِم ...{(‏الأعراف‏:‏ 172‏) فقال عمر‏:‏ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال‏:‏ خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال‏:‏ خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون‏‏، فقال رجل‏:‏ يا رسول الله، ففيم العمل‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏إن الله إذا خلق الرجل للجنة، استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخله به الجنة، وإذا خلق الرجل للنار، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخله به النار‏"‏‏‏.‏
وهذا حديث آخر : وفي حديث الحَكَم بن سفيان، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله قبض قبضة فقال‏:‏ إلى الجنة برحمتي، وقبض قبضة فقال‏:‏ إلى النار ولا أبالي‏"‏‏‏.

5- وإليكم بعض الآيات أيضا :
}فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ ﴿٤ابراهيم﴾
}وَلَٰكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ{ ﴿٩٣النحل﴾
}وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{ ﴿١٠٥البقرة﴾
}لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء{ ﴿٢٧٢البقرة﴾
والمفضلة لدي: }وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)الأسراء 16) والتي بكلا المعنيان المختلف عليهما سواء:] أمر[ من يأمر،أو ]أمَّرْنا[ من تأمير/ أمير،أي جعلناهم أمراء لن تفرق فعلا بالمعني والغرض واحد،أنه سبب الإفساد.فلا أعلم عن أي حرية إرادة تماما يتحدثون.
يعقب أيضا صديقنا كاتب المقال قائلا : "... يفترق [] المؤمن عن المادي؛ [] بأن الأول يفترض وجود الشر والخير في نفسه، ويؤمن بضرورة التقوى في تقويمها، في حين يرجع الثاني الأمر إلى ظروف خارجة عن ذاته يصبح معها الإنسان مجرد شيء مستقبل منعدم الحرية" إن الكلمة الوحيدة التي تصف هذا الكلام هي التدليس، أعتذر إن كانت قاسية، لكن لا يحضرني أي كلمة أخرى في اللغة العربية أنسب من هذه –أريد أن اتحدث بلغة القارئ ،لا بالمجازات المحضة والكلام المبهم – إن المؤمن بطبيعة الحال يفترض " أن الإله، ولكي يتحقق الإيمان بكونه إلهًا، لا يتصرف وفقًا للمعايير الأرضية، وإنما هو مالك يمتلك حقوقًا أوسع بكثير من حقوق المملوك ، فهو يرزق الخلق وقد يمنع عنهم، ويأمرهم وينهاهم ويبتليهم ويختبرهم بالمرض أو الموت أو الفقد أو الألم، ويعاقبهم على العصيان بما يحقق الغاية التكليفية من وجودهم " وبالطبع إن الإله هو المحدد لمعايير الشر والخير، أي أن المؤمن مجرد جهاز استقبال عديم الحرية يحركه الإله كيفما يشاء، بعكس اللاديني، المؤمن بأن الأخلاق معيار نسبي يختلف من جماعة لجماعة ومن أمة لأمة، ونتيجة لذلك فإن البشر من يحددون المناسب لكل بيئة ولكل عصر، في عملية تشبه الاصطفاء الطبيعي بشكل ما. ويوضح هذا الكلام أيضا أن الله غير أخلاقي ولا يعمل طبقاً لمنهجنا الأخلاقي،فهو يحرم علينا صفات مثل الكبر والذل وأفعال مثل الحرق بالنار لأنه يريد أن يحتفظ بها لنفسه، وما هي الضمانة على صدق وعده وهو القابض على معايير الصواب والخطأ ؟ فربما يدخل عباده المطيعين النار والعاصيين الجنة بعدما كذب عن حقيقة مصيرهم، ولربما يفعل هذا كنوع من اللهو بما أنه فعل محايد أخلاقياً ككل فعل بالنسبة للإله.

6- يقول أيضا صديقنا ابن رشد العصر الحديث : "فلو كان الخلق كلهم مطيعين عابدين حامدين لتعطل أثر كثير من الصفات العلى والأسماء الحسنى"، إذ كيف كان "سيظهر أثر صفة العفو والمغفرة والصفح والتجاوز والانتقام والعز والقهر والعدل والحكمة التي تنزل الأشياء منازلها ؟ " ألا يعلم صديقنا أن ما قاله هو " كفر بيّن " فقد قال أن الله يحتاجنا لتظهر فيه صفات مثل العفو والمغفرة، وهذا أيضا يعني أن تلك الصفات لم تكن موجودة قبل وجود البشر، ولربما خلقنا الله ليستعرض تلك الصفات علينا، ويقودنا هذا في النهاية إلى أن تلك الصفات انفعالية ،كما وضحت في نقطة سابقة، أو حادثة على وجود الله ويعتبر هذا عند العديد من الفرق الأسلامية كفر بيّن.


7- ويعقب صديقنا على العدل الإلهي المطلق قائلاً: "عدل الله لا يتعلق كما في الحس الإنساني بالنفع والضر، وإنما بوضع كل شيء في موضعه" أي أن العدل الإلهي عدل برجماتي نفعي بالدرجة الأولى لصالحه في أقوال، وفي أقوال أخرى لصالحنا ! هذا العدل الإلهي المزعوم موجه في صالحه كما وضحت في النقطة الرابعة، حيث يبدو أنه خلقنا وخلق المعاناة ليجرب قواه علينا ويختبرنا عبثاً: ".. يمثل الاختبار الفعلي للمؤمنين ضد ابتلاءات الدنيا ومقاومتها؛ إما بدفعها عند الاستطاعة أو بالصبر عليها حين العجز" وفي الواقع تلك عبثية تفوق بكثير عبثية كامو الذي قال صديقنا عنها أنها جبرية.

8- تقودنا النقطة السابقة لنقطة أخرى. يقبتس صديقنا قائلاً : "إن العالم الذي تتعطل فيه النواميس وتخترقه الملائكة لتنقذ الغزلان من خطر الحريق أو لتخفي الخراف بصورة إعجازية من أمام الأسود هو عالم معيب، والعيب فيه مماثل لحجم العيب الناتج من المعاناة والشر؛ لأنه -حسب دانيال سبايدر- سيصبح عالمًا فوضويًا تنتفي فيه العلاقات الدائمة المنتظمة بين الأحداث المتتالية ويُفتقد فيه الناموس الطبيعي المستمر، وهو ما سيمنعنا من التنبؤ بمآل حركتنا وأفعالنا" يدهشني هنا شخصية ومعتقدات من يتحدث عن عالم فوضوي تقوم فيه الأرض بإغراق كل من عليها إلا بضعة أشخاص، وينشق فيه البحر الأحمر، ويوجد فيه مسيخ دجال ويأجوج ومأجوج، عالم يوجد فيه الدعاء حيث يمكنه أن يغير القدر حتى لو كان شيئا غير منطقي، عالم يوجد فيه جيش من البشر ينتصر بمساعدة " جيش من الملائكة " ويناقض هذا القصة التي تصف أن ملاكا واحدا باستطاعته أن يرفع قرية بريشة من ريشاته ويقلبها رأساً على عقب، عالم يوجد فيه طير أبابيل ترمي بحجارة من سجيل، عالم يوجد فيه عنكبوت يمنع جيشا من قتل رجل! لكن بالطبع لأننا عقلانيين دعني أعطيك مثالا عن هذا العالم الفوضوي الذي يؤمن به صديقنا: لدينا قاصرة تبلغ من العمر 13 عاما تتواصل مع قاصرآخر يبلغ من العمر 15 عاما على موقع ما للتواصل الاجتماعي، يتفق المراهقان على اللقاء في يوم محدد، تذهب الفتاة لمكان اللقاء في الموعد فتفاجأ برجل يبلغ من العمر 50 عاما يختطفها ويغتصبها عدة مرات قبل أن يقتلها –قصة حقيقية تكررت مئات المرات – دعنا الآن ننتقل إلى سيناريو بديل، أليس الله بقادر مثلا أن يخرب حاسوب رجلنا هذا فيبعده عن الفتاة؟ أو يفصل عنه اتصال الإنترنت؟ ألم يكن الله قادرا على ان يصيب هذا الرجل بنزلة برد قوية يوم اللقاء المشهود فلا يذهب وينقذ الطفلة؟ ألا يوجد ألف ألف وألف سيناريو آخر توجد فيه الطفلة في النهاية تلهو مع أقرانها بينما يظل رجلنا محتفظا بحرية إرادته دون تدخل ملائكة أو أي فعل آخر خارق للطبيعة؟
إن إرفاق الاقتباس السابق ما هو إلا مجرد مغالطة، حصر زائف لا يسمن ولا يغني من جوع.

9- قد يخبرك صديقنا الأخلاقي هذا، المؤمن بالحكمة الكبرى، أن أحداثا مثل اجتياح المغول للعالم، الطاعون وكل الأحداث التاريخية التي أدت إلى وفيات ضخمة للبشر هي أصلا خير متستر عن علمنا القاصر وأنها أدت إلى تخفيض مستويات ثاني أكسيد الكاربون بكميات ضخمة، ومن دون هذه المآسي لكانت مليارات الأطنان من الغازات السامة تسبح بحرية الآن في غلافنا الجوي. أضف إلى هذا، أن الشخص المؤمن بـأن "ثمة خيرات لا تأتي بغير محصول الشر، فكيف تتسنّى الفضيلة مثلًا بغير المغريات والعوائق، ومن ثم بغير الشر ولو في صورة الألم والعرقلة؟" والمؤمن أيضا بقصة الخضر وموسي، سيؤمن أن تلك التضحية توازي تلك الفائدة! لكن يستحيل أن يؤمن بأنه لولا سمح الله بوجود ملك ظالم هو خلقه وشكل قلبه وحدد مصيره منذ كان في رحم أمه، ما كان الخضر مضطراً لخرق سفينة هؤلاء المساكين.


10- لدي تعليق قصيرعلى قول صديقي كاتب المقال : " لأن العالم الطوباوي (المثالي) الخالي من الشرور سيكون عالمًا أحاديًا"، "لا نقص فيه ولا نمو.. فلا حدود فيه بين المرء وأخيه"، ما يدفعنا إلى السؤال عن الجدوى من عالم تتكر فيه النُسخ بالمليارات! فعالم كهذا "هو عالم لا ظلم فيه، فلا رذيلة ولا فضيلة؛ لأن الفاضل هو الإنسان الذي يعمل الخير ولو شقي به، ويتجنب الشر ولو طاب له مثواه".إنه يصف تماما الجنة المملة، يا صديقي إن الذي يجعلنا نستطيع العيش في الجنة إلى الأبد بتلك الطريقة بمقدوره أن يجعلنا نعيش بضع سنين على الأرض في سلام وأمان دون شر!

11- أما بالنسبة لقوله أن اليوتوبيات الأفلاطونية لم تضع حسابا للشر المتأصل في الإنسان، فلابد أنه لم يفتح صفحة واحدة من جمهورية أفلاطون، حيث كان أحد أركانها تثبيت الدين لمنع أفراد الطبقة العامة (البرونزية) من الثورة على الطبقة الحاكمة (الذهبية) والحفاظ على خضوع المحاربين ( الطبقة الفضية) للطبقة الحاكمة رغم امتلاك الأول للقوة حتى لا يطمعوا في السلطة، وأنه أثناء عملية تسييس وتدجين طويلة، تصل إلى 45 عاما، حاول أفلاطون استئصال الشر من نفس الحاكم المستقبلي، ولا يكتفي بذلك، بل يضع له روادع إن طغى وهو في السلطة، وجمهورية افلاطون هي ألف باء يوتوبيات.
اختم قولي هذا قائلا : وجود الشر لا يدحضه وجود الله؛ لأن الشر هو وجه العملة الثاني من الله.






#عبدالله_امين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالله امين - الإيمان ومعضلة الشر