أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامي الاخرس - فلتان أمني أم فلتان أخلاقي














المزيد.....

فلتان أمني أم فلتان أخلاقي


سامي الاخرس

الحوار المتمدن-العدد: 1474 - 2006 / 2 / 27 - 09:51
المحور: القضية الفلسطينية
    


يمسك عصاه ، رفيقته اللحظية ، ويتكأ عليها مع كل اشراقة صباح ، يتنسم عليل الهواء ،ويناجي دفء شعاع الشمس ،هذا الشيخ الذي بلغ عقده السبعين ،ولا زال صامداً متمسكاً بالمخيم ،كصمود الأمل بالأعماق ، يتجه بوجه صوب الشمس تارة مرتلاً آيات من الذكر الحكيم ،وأخري يرنم ألحان التراث القديم ، الموروث الذي لا زالت ذاكرته تحملها من عبق شجيرات البرتقال بيافا ، ونسائم الزيتون .
وباحدي الأيام جلست بجوارة أري ما يرنم بين الشفاه ،وما تكتنزه ذاكرة هذا العجوز الذي أضحي وكأنه قطعة أثرية ،نداعبها بعطف وحنان ،ونري بها أمل وعنفوان وتحدي . فسألته برأيه بما يري ويسمع من أحوال بمخيمنا ومدينتنا ، فنظر إلي فاستشعرت من حيرة عيونة العتاب وليس الإعجاب ، الاستنكار والاحتجاج ، أقوي من كل التعبيرات الأخرى ، والصرخات ، أطال السرحان والنظرات المتفحصة بعمق إلي ابتسامتي وهي تعلو الشفاه تداعب صمته ، ويجول بين جدران المخيم التي تعاقبت عليه بسنين عمرة ، وتلفظ بكلمات اسمع يا بني :
الفساد وأنتم يوميا تتغنون حزنا بالفساد ، فما تطلقون علي ما تعيشون وتحيون وسطة؟ فرددت بسرعة إنه فلتان وفساد ، فتنهد تنهيده لم أدرك مغزاها وقال : نعم فلتان ، تذكرني هذه الكلمات بالأب العزيز رحمه الله ، حينما كان يترامى لمسامعه إنني كنت أجلس بمكان ما ومر علي من هو أكبر مني سنا ،ولم أعتدل بجلوسي وأرد التحية بأدب واحترام ، يؤنبني ويقسو علي ، ولا يتوانى بضربي لو شاهدني من بعيد وأنا أري شيخ كبير لا يستطيع حمل عبء ما ولا أنهض لمساعدته بسرعة ، ويا الله لو ذهب جاري وشكي علو صوتي عليه ، كنت أعاقب أيام وأيام ، ولا يغفر لي بيسر وسهولة هذا الإثم .
وكنا نسمع الحكايات عن الفدائيين إنهم يسيطرون بالليل علي المخيم والمدينة ، ولم اسمع يوما مهرجاننا أو خطاب ، أو يتسابقون لوسائل الإعلام ، وترنيم أهازيج الفخر والاعتزاز ، كانوا يحملون بنادقهم وحبهم لفلسطين ويقاتلون عدوهم ، ولا نراهم بساعات النهار ،ولا نعرف عنهم سوي ممن يستشهد منهم أو يقع بأسر الاحتلال .
أما أنتم اليوم يا بني ، يمر عنكم من أنجبكم وأنتم تتكأون وتدخنون وبالكاد تردون التحية ، تشاهدون من هم مثلي شيوخ كبار السن يترنحون يمين وشمال ، فتتهامزون وتضحكون وتتعالي صرخات الانبساط ، يعود لكم أبنائكم الصغار يشكون من ابن الجيران فتعنفه بقوة وربما تكيل له الضرب لأنه عاد لك مضروب وليس ضارب ، وتقسم أن لا يدخل البيت إلا إذا عاد ومعه الحق من أبن الجيران ، تسمعون أنين وصرخات جيرانكم بساعات الليل فتصيبكم حالات الأعباء ، وتصرخون بأعلى صوت كفي يا رجل نريد أن ننام ، مقاتليكم يصولون ويجولون ببنادقهم في ساعات النهار يبحثون عن كاميرا هنا وهناك ، أو خطاب ومهرجان ،وهم يتلحفون الرايات متعددة الألوان ، ترنموا الأغاني والأهازيج لكل من أطلق كلمة وشعار ،وتختلقوا ألاف المبررات له لو أخطأ أو انتقده إنسان ، فأي فلتان يا بني تتحدثون . فهل أدركت ما هو الفلتان ؟
سمعت هذه الكلمات من هذا العجوز الذي يعتبر بنظر الكثيرين رحلة من الماضي ، لا يستشعر بما يدور حوله ،ولا يتعاطى مع وسائل التطور الحديثة ، ولا يتعامل بأدوات التغيير الاجتماعية التي أحدثت انقلاب بالمجتمع ،وعاداته ،وتقاليده ،وسألت نفسي لماذا نتمسك بالموروثات والعادات والتقاليد التي تتناسب مع مقاس رغباتنا ؟ ونلقي خلف ظهورنا هذه العادات والتقاليد التي شب عليها آبائنا ، وبلورت بهم التسامح والتعاضد والتراحم ، وبثت المحبة بقلوبهم ،وزرعت الخير بعيون الناس.
ووصلت كلمات الشيخ وأدركت أي فلتان نحيا نحن ، وحقيقة ما يدور في وطننا ،بأنه فعلاً فلتان ولكن ليس هذا الذي وصفناه نحن ،وتسابقنا نحلله ونشرحه ، بل هو فلتان من نوع أخر غائب عن وجدانيتنا ، أنه فلتان أخلاقي ،وغياب للضبط الاجتماعي التربوي الذي لم نعد نعتد به كقيم تحكم تصرفاتنا وتصرفات أبنائنا ، ويقاس وفقها الإنسان ، وقدرته علي التواصل والاستمرار والتعايش مع مجتمعه ،وتكون واعز بداخله لحماية البناء الاجتماعي ،والحفاظ علي كرامة الإنسان.
إذن لمس هذا الشيخ كبد الحقيقة الذي حاولنا تجاوزة والهروب من مسئوليته ،وكيل التهم هنا وهناك ،وهو الفلتان الأخلاقي الذي افتقدنا من خلاله لأسس التربية من عمق الأسرة الصغيرة ، حتى البناء الاجتماعي الكبير .... وما حدث بمدرسة الشاطئ الثانوية ،وبجامعة القدس المفتوحة برفح ،وجامعة الأزهر ، وما يحدث الآن بخان يونس وبيت حانون ، وعمليات القتل اليومية ،والاختطاف ،وهدر لكرامة الإنسان ، هو فعلا فلتان ، ولكن أي نوع من الفلتان ؟
ولكم الجواب
سامي الأخرس
25/2/2006



#سامي_الاخرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بخيت والديمقراطية الفلسطينية
- تحرر المرأة من الشعار إلي الواقع
- ومن هم غير الفاسدين
- الجبهه الشعبية لتحرير فلسطين هل اكتمل الانهيار؟


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامي الاخرس - فلتان أمني أم فلتان أخلاقي