أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خليل اندراوس - ألصهيونية المسيحية - دين في خدمة العنصرية ورأسمال















المزيد.....



ألصهيونية المسيحية - دين في خدمة العنصرية ورأسمال


خليل اندراوس

الحوار المتمدن-العدد: 1463 - 2006 / 2 / 16 - 12:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


( القسم الاول )
ألهدف من نشر هذه الدراسة نابع من القناعة بضرورة إطلاع القارئ على جانب مهم جدا من الخلفية التاريخية، التي قادت الى تبني الغرب "البروتستانتي الإنجيلي" سياسات الحركة الصهيونية قبل قيام الدول وإلى الدعم المستمر واللامحدود من قبل اليمين المسيحي الحاكم في أمريكا لسياسات حكام إسرائيل، من احتلال واستيطان ودعم لا محدود، مادي ومعنوي وسياسي للمشروع العقائدي اللاهوتي الصهيوني، ليس في فلسطين فحسب بل وفي كل منطقة الشرق الأوسط .

ففلسطين بنظر الغرب المسيحي المتعصب "أرض التوراة"، "أرض الميعاد"، وما إلى ذلك من الخرافات والمصطلحات اللاهوتية التوراتية، التي عفا عليها الزمن والمستنسخة من ترانيم أخناتون وكتاب الموتى الفرعوني .

ألغرب الإستعماري الإمبريالي نظر وما يزال الى الوجود العربي ليس في فلسطين فحسب، وإنما في مختلف المشرق العربي من العراق شرقا حتى الساحل الشامي غربا ، على أنه حدث طارئ. ولذلك نجد جبوتنسكي يقول بأن هذه الضفة من الأردن لنا، والضفة الأخرى أيضا ً لنا ونجد بعض الكتب المدرسية في أوروبا تتعامل مع المشرق العربي بنظرة استعلاء، تنظر إلى العرب كغزاة فيه، ووجب من ثم "تصحيح خطأ تاريخي"، عبر تغيير الخارطة السياسية لهذه المنطقة، ومع أن الغرب الإستعماري ركز عداءه على العرب المسلمين، فإن تعامله مع العرب النصارى تعامل استعلائي، يكفي أن نذكر حصار كنيسة المهد في بيت لحم واطلاق النار عليها ومحاصرة المحتمين بداخلها، وسكوت الغرب "المسيحي" على هذا التصرف الهمجي ما هو إلا سلسلة من الادلة التي تمتد من حملات القرون الوسطى إلى يومنا هذا، عاكسة الطموح الإستعماري، في البداية الإقطاعي والآن الرأسمالي للسيطرة على المنطقة، من خلال إستغلال المفاهيم الدينية الغيبية للتاريخ.

وهناك الكثير من المنظّرين لهذه الاخلاقيات والمفاهيم التي تريد ان تكرس الصراع الديني، لتمرير مصالح راس المال الغربي في المنطقه . نذكر منهم فوكوياما صاحب نظرية نهاية التاريخ الذي يروج لانتصار المثل الغربية على غيرها من الاخلاق .

ويمتدح التحول الجاري في امريكا اللاتينية من الكاثوليكية الى المذهب البروتستانتي على أنه "ذو تأثير حميد في قضايا التنمية الاقتصادية وغيرها....."، اذكر هذه التفاصيل لكي اؤكد الارضية الايديولوجية والعقائدية من المعركة التي يخوضها، ليس العرب، مسلمين ومسيحيين فحسب، وإنما كل شعوب "العالم الثالث"، ازاء همجية الرأسمال الأمريكي والحضارة اليهو - مسيحية ونظريات نهاية التاريخ وسيطرة الحضارة الغربية عالميا .

دور المثقف في جوهرة يكمن في التأثير على الوعي الشعبي العام إيجابيا ثوريا ً، وأن يتحمل كفرد مسؤوليته في مواجهة التفكيك والتهميش الغربي تجاه شعوب العالم ككل وشعوب الشرق الأوسط تحديدا ، فنحن "ضحايا الضحايا"، فالقضية الفلسطينية ليست مجرد صراع قومي بسيط بل قضية شمولية، ولها صلة وثيقة بالمشكلة السياسية الثقافية الخاصة باللاسامية، لقد حوّل الإعلام والثقافة والحضارة الغربية اليهو – مسيحية، الشعب الفلسطيني ليكون وريث وضحية اللاسامية الأوروبية .

ولذلك وجب علينا أن ننشغل بإشكالات عصرنا الحاضر، بإشكالات مجتمعنا، ونمارس دورنا السياسي الثوري والثقافي النهضوي التنويري من منطلق الشعور بالمسؤولية الوطنية، متبرئين من أعمال المسيحية الغربية، معلنين ولاءنا لأمتنا وللقضايا العادلة لشعوب المنطقة، وولاءنا لشرقنا، فالمسيحية الحقيقية مشرقية المولد وستبقى كذلك.

علينا ان نفهم عدونا الطبقي والقومي، وان نستوعب طبيعة هذا العدو وان نتعامل معه من منطلق الفعل الجماهيري الشعبي الواعي، لمسيرة التاريخ الجدلي وليس على اساس ردود فعل فردية هنا وهناك انفعالية او بائسة ، بل من خلال وضع استراتيجية سياسية تجند الجماهير الشعبية الواسعة لنصرة قضايانا العادلة، ولإعادة التوازن في المنطقة لمصلحة شعوب المنطقة من اجل دحر العدوان الاستعماري الامبريالي الامريكي الغربي، وفرض السلام العادل على اسرائيل .
من ركائز الفكر الغربي العنصري ضد المشرق العربي الفكر الصهيوني المسيحي .

أللقاء الاول بين الصهيونية العقائدية الهرتسلية الرسمية من جهة والصهيونية المسيحية (CHRISTIAN ZIONISM ) كان عام 1896 في مكتب تيودور هرتسل، بين هرتسل والقس البريطاني المدعو وليم هتشلر (WILLIAM HENRY HECHLER ) ، وهنا يجب ان نذكر بأن وليم هتشلر اصدر كتيبا بعنوان "اعادة اليهود الى فلسطين طبقا للنبوءة" عام 1893، اي قبل صدور كتاب هرتسل "دولة اليهود" الذي صدر عام 1896.

ولكن يطرح السؤال، هل طروحات هؤلاء كان لها معنى ديني فقط ؟ .
كثيرون من معاصري هرتسل قالوا عنه بانه لم يكن متدينا ، فبعد ان ولد في بودابست في الثاني من ايار عام 1860 حصل على الاسم اليهودي زئيف (ZEEV) والاسم الهنغاري تيفادور (TIVADAR) والاسم الالماني فولف تيودور ( WOLF THEODOR ) كانت عائلة تيودور لامبالية دينيا ، وهو لدى قيامه بكتابة " دولة اليهود" لم يكن حضر الصلاة في الكنيس منذ سنوات .
وفي مؤتمراته اصر دوما على انه كان يكره التعليم الديني اليهودي . وبعد العاشرة من عمره لم يذهب الا الى مدارس عَلمانية .

ومن الجدير ذكره ، في عام 1878 انتقلت عائلة هرتسل الى فيينا، حيث واظب على دراسته في الجامعة- دراسة القانون- وهناك إنضم إلى مجموعة من الطلاب المهوّسين بروح القومية الألمانية المتطرفة التي ما لبثت أن شكلت حزبا سياسيا معاديا للسامية، هو الحزب الاجتماعي المسيحي ( CHRISTIAN SOCIAL PARTY) الذي صار زعيمه كارل لويغر(KARL LUEGER) رئيس بلدية المدينة في مرحلة لاحقة، ومن الأمور المثيرة ، في ضوء ما سيتبع كيف بقي هرتسل خلال سنوات الدراسة تلك غافلا ً عن نزعة معاداة السامية، فقد بذل جهدا كبيرا في سبيل الحصول على الاعتراف بأنه الماني الى درجه الإنتساب الى أخويه مبارزة DULLING FRATERNITY منقلباً، إلى ما يشبه الصورة الكاريكاتيرية، لنمط الشاب الألماني المتميز، ولكنه ما لبث مع كل تلك الجهود، أن اضطر إلى أن يتخد موقفا . فحين بادرت هذه المجموعة الى الإرتباط بجمعية معادية للسامية، اضطر الى الاستقالة .

فيما بعد طلب منه عام 1893 ان يدعم جمعية "محاربة معاداة السامية" في فيينا
SOCIETY TO COMBAT ANTI – SEMITISM IN –VIENNA التي اسست حديثا وضمت في عضويتها شخصيات مسيحية ويهودية ايضا ، لكنه رفض قائلا في رسالته الجوابية "يتحتم على اليهود ان يتحرروا من تلك السمات التي تجعلهم جديرين بالانتقاد"، ويتابع كلامه ليقول ان من شأن انتحال المسيحية ان يشكل الحل الامثل الشامل. ولم تكن فكرته هذه طائشة ، لقد بقي بالفعل حتى عشية تحوله الى انتحال الصهيونية، داعية متحمسا للإندماج والذوبان . فقد كتب عام 1882: ان تزاوج الاعراق الغربية مع نظيرتها المعروفة باسم الشرقية على اساس دين مشترك للدولة هو المطلوب وانه الحل العظيم .

وبعد تخرجه من مدرسة القانون بوقت غير طويل، اوضح هرتسل ان طموحاته لم تكن ذات علاقة بممارسة القانون، الذي بات حاصلا على شهادة الدكتوراه فيه. لقد كان عازما على ان يصبح باسرع وقت ممكن كاتب مقالات وكاتب مسرحيات شهيرا ، وبالغ الغنى والثراء في الوقت نفسه. وللتدرب على كتابة المقالات اصبح صحفيا في برلين اولا وفي فيينا فيما بعد .

ومع حلول عام 1889 اصبح الناقد الدرامي لصحيفة ( فيز الغماينه تسايتونغ)
( WIENER ALL GEMEINE ZEITUNG) ومؤلف مجموعتي مقالات وثلات مسرحيات جرى تمثيلها في كل من برلين وفيينا وبراغ، بل حتى في نيويورك. اما فيما يخص طموحه الثاني المتمثل بان يصبح ثريا فقد تزوج بوارثه وبات مسؤولا عن كل تركتها التي وظفها لدعم عمله الادبي وسد نفقات اسفاره. وفيما بعد أنفق الباقي على نشاطه الصهيوني الذي كانت زوجته تحتقره .

وبعد سنوات كثيرة علق الحاخام الامريكي ابا هلل سلفرABBA HILLEL SILVER بحكمه قائلا: "جاء هرتسل الى اليهودية عن طريق معاداة السامية لا من خلال الديانة اليهودية". وعندما تفجرت قضية درايفوس كان هرتسل مراسل صحيفة "نويه فرايه برسه" NEUE FREIE BRESSE في باريس. وكان شاهدا على احتفال الاذلال الشعبي للنقيب اليهودي الوحيد في هيئة الاركان العامة للجيش الفرنسي ، لم يكن هرتسل انسانا متدينا فكتب ما يلي "أعد الدين أمرا لا غنى عنه بالنسبة الى الضعفاء، فأولئك الذين يكونون ضعاف الإرادة والعقل والعواطف يجب ان يكونوا قادرين دوما على التعويل على الدين. اما الآخرون، البشر العاديون فليسوا ضعافا الا في اثناء الطفولة والشيخوخة، ويشكل الدين بالنسبة اليهم أداة تعليمية أو مصدرا للراحة .... ان الرب رمز رائع يجسد مجمعاً هائلا ً من الضرورات الأخلاقية والقانونية والحل الظاهري لجملة من الألغاز والإجابة عن جميع الاسئلة الطفولية".

في 10/3/1896 زار هرتسل القس وليم هتشلر، قسيس السفارة البريطانية في فيينا وابلغ هرتسل بترتيب موعد للقاء امير بادن، وكانت هذه الخطوة الاولى على طريق النجاح الدبلوماسي الى امتاز بها هرتسل . صلة هتشلر بالأمير مضافة الى دوره في السفارة البريطانية في فيينا، فتحت له ولهرتسل ابوابا غير عادية مكنته من دخول أعلى الأوساط الرسمية في اوروبا بما في ذلك البلاط الملكي الالماني. ومن المعروف ان وليم هتشلر والامير كانا متقاربين فلسفيا والاهم من ذلك لاهوتيا . وسرعان ما بات الامير مهتما بالنصوص الكتابية والتعليقات والخرائط والمخططات والنماذج التفصيلية لهيكل (هيكل مدينة القدس) الماضي وهيكل المستقبل التي كان هتشلر يجمعها اعدادا للكراس الذي ما لبث ان صدر عام 1893 تحت عنوان " اعادة اليهود الى فلسطين طبقا للنبوءة". "THE RESTORATION OF THE JEWS TO PALESTINE ACCORDING TO PROPHECY" ، وبتوجيه من هتشلر قام الامير ببناء مكتبة كبرى لعلم الكتاب الاخروي BIBLICAL ESCHATOLOGY والتاريخ الكتابي ( BIBLICAL HISTORY ) وعلم الآثار .

وهنا علينا ان نذكر بان خلال سني فتوة وليم هتشلر وشبابه ، اي اثناء الجيل الذي سبق تأسيس الامبراطورية الالمانية عام 1871 كانت مملكة بروسيا والمملكة المتحدة ( انجلترا) شريكتين وعلى علاقات دافئة في فلسطين ( الاراضي المقدسة). فخلال الفترة الممتدة من 1841 الى عام 1883 كانت كنيستاهما كنيسة انجلترا وكنيسه بروسيا الانغليكانية المتحدة UNITED EVANGELICAL CHURCH OF PROSSIA تتقاسمان ابرشية واحده في القدس ، وهي الفعالية البروتستانتية الوحيدة التي تعترف بها الامبراطورية العثمانية .
وهذا المشروع غير العادي يعود الى دبلوماسي ورجل كنيسة بروسي يدعى كريستين كارل يوسياز بنزن (CHRISTIAN CARL JOSING BUNSEN ) ، كان فيما مضى رئيسا للبعثة البروسية لدى الكرسي الرسولي وقد تزوج منذ عام 1807 امرأة انجليزية اسمها فرنسيس ودنغتن FRANCES WEDDINGTAN وحين علم ان الحكومة الانجليزية حصلت على امتياز غير مسبوق لبناء كنيسة بروتستانتية وافتتاح المدارس ومجمل الاجهزة التبشيرية في القدس ، اقتنع على الفور ان الرب حمّل بريطانيا، مسؤولية اعادة اليهود والاضطلاع بدور قورش الجديد . ففي رسالة وجهها الى وليم غلارستون WILLIAM GLARSTONE في الثالث من آب عام 1840 كتب كريستين بنزن يقول " من المستحيل بالتأكيد ،عدم رؤية اصبع الرب في عملية تأسيس كنيسة انجليزية وتشكيل ابرشية مهتدين مسيحيين فوق تلة القدس المقدسة " .

ولقد قام بنزن هذا بنقل هذه القناعات الى ملكه فريدريك وليم البروسي FREDERICK WILLIAM"" الذي دام حكمه بين عامي 1840 و 1861 وقد كان مسيحيا انغليكانيا وشاطر الاول حلمه في ان تصبح الكنيسة البروسية الكنيسة الانغليكانية المتحدة، (UNITED EVANGELICAL CHURCH ) (التي كان وليم هتشلر ترعرع فيها)، "منطلق وحدة عالمية شاملة يكون فيها المسيحيون الانغليكان على الاقل موحدين دون اي انحياز لضوابطهم وطقوسهم الخاصة ". كان كلا الرجلين يسعيان الى هداية اليهود واعادتهم الى اسرائيل. وهذا الطرح من قبل هؤلاء جاء قبل 50 سنة من كتاب هرتسل وطرحه باقامة دولة لليهود في فلسطين .
في عام 1841 أرسل العاهل البروسي البارون بنزن الى انجلترا ليقترح على الحكومة البريطانية تأسيس ابرشية انغليكانية للقدس تتقاسم بريطانيا وبروسيا تمويلها كما يتناوب معينون بريطانيون وبروسيون على منصب الاسقف مع دخول رجال الدين البريطانيين والبروسيين بمن فيهم الاسقف في الاخويات الانغليكانيه لهذا الغرض، وليصبحوا خاضعين لسلطة انكلترا. وكان من شأن ذلك ان يتمخض عن ظهور كنيسة وطنية NATIONAL CHURCH في فلسطين عبرية على نحو مميز على صعيدي اللغة والطقوس ولكنها حاذيةً فيما عدا ذلك حذو الانغليكانية الانجيلية
"EVANGELICAL ANGLICANISM " متمتعة بالدعم السياسي الكامل من جانب كل من بروسيا وانجلترا .
كان بنزن وثيق الصلة مع شخص اسمه انطوني اشلي كوبر ارل ستافتسبري السابع (1851-1885) الذي كان احد افراد احدى العائلات البريطانية التي تتمتع بالامتيازات، وعضوا في حزب المحافظين في مجلس العموم اكتسبه على نحو وراثي، واصبح فيما بعد لدى حصوله على اللقب عضوا في مجلس اللوردات .
وكان وليم لامب (WILLIAM LAMB ) نسيب لورد ملبورن( LORD MELBOURNE ) رئيس الوزراء خلال الجزء الاكبر من الفترة الممتدة بين عامي 1834 و1841 وهنري تمبل HENRY TEMBLE صهر لورد بالمرستون LORD BALMERSTON وزير خارجية خلال الجزء الاكبر من عقدي اربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر، ورئيس وزراه خلال الجزء الاكبر من الفترة الممتدة بين عامي 1855-1865.
(يتبع)

- - - - -

(القسم الثاني)
ومعروف أن بالمرستون هذا قد نادى في سنوات 1860 الى اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين من منطلق تمزيق المشرق العربي وخدمة مصالح انجلترا في المنطقة .
ويجدر الذكر بان ستافتسبري هذا كان يعتقد بان يوم القيامة(END OF TIMES) مقرر له ان يكون مسبوقا بالعودة الحرفية لليهود الى وطنهم .
واعترف لورد بالمرستون بانه كان معجبا بشخصية صهره ستافتسبري وتبنى وجهات نظرة في قضايا عامة كبرى .

أسس ستافتسبري وينزن معاً الإتفاق بين الحكومتين الانجليزية والالمانية إذ قام الاول بدور الوسيط لمصلحة الثاني لدى كل من رئيس اساقفة كنتربري ARCHBISHOP OF CANTERBURY ، ورئيس الوزراء بالمرستون. وقد كتب ستافتسبري يقول: "ان اهداف الابرشية ستكون سياسية ودينية" من هنا نستنتج استغلال الغيبيات الدينية وتكريسها لمصالح السياسة للغرب الرأسمالي في الشرق ، وايضا نستنتج النظرة العنصرية للغرب تجاه شعوب الشرق بما فيهم المسيحيون حيث قالوا باقامة كنيسة وطنية NATIONAL CHURCH من اليهود وكأن مسيحيي فلسطين لا ينتمون الى هذا الوطن وليسوا ابناء فلسطين وليسوا مسيحيين، لأن الاسقف الاول الذي ارسل الى القدس وهو مهاجر من بولندا الروسية ، هو حاخام سابق انتحل المسيحية عام 1825 يدعى مايكل سولومن الكسندر(MICHAEL SOLOMEN ALEKSABDAR ) وبعد تعيينه في احتفال رسمي جرى بقصر لامب LAMBETH PALACE الذي هو مقر اقامة رئيس أساقفة كنتربري، كتب ستافتسبري في مذكراته ما يلي :" كان الامر كله مدهشا ، وبالنسبة الى اولئك الذين طالما عملوا وصلوا من اجل القضية اليهودية فان رؤية تعيين يهودي اصلي بمشيئة الرب للاطلاع بمهمة احياء ابرشية القديس يعقوب (EPISCOPATE OF ST.JAMES ) واستعادة المدينة المقدسة وسائر الحقائق والبركات التي حصلنا عليها منها نحن الاميين بدت طاغية وآسرة تقريبا " .

هذا الكلام عند مراجعته رهيب وعنصري الى اقصى الحدود فكما هو معروف تواجد في القدس حينها العديد من الكنائس والابرشيات ومنها البطريركية الارثودكسية التي لم تتوقف عن الوجود في القدس مئات السنين . وكانت في القدس جالية مسيحية عربية وغير عربية كبيرة طوال الوقت فمِن مَن يريد هذا ال ستافتسبري استعادة القدس، وابرشية يعقوب دائما كانت حية في الشرق لانها مشرقية المولد ومشرقية البقاء، ملونة بلون ارض فلسطين ولون بشرة ابنائها ، وعميقة في الارض كجذور سنديانة بلادنا، ودائما خضراء كزيتون بلادنا . من يتعمق في كلام هذا " المتدين المسيحي الغربي" ير كم هو الحقد ونفي الآخر عندما لا يتطرق كليا الى مسيحيي فلسطين ابناء هذه البلاد.
ولكن فشل هذا المشروع بموت القس الكسندر عام 1845 ، ومع هذا استمر وليم هتشلر الذي كتب عام 1883 كتابا عن ابرشية القدس استمر في تبني هذا الفكر الصهيوني المسيحي ، ففي عام 1898 كتب لأحد قساوسة القدس المبشرين ما يلي : "من الطبيعي، ايها الزميل العزيز انكم تهتمون بهداية اليهود ولكن الازمان تتغير بسرعة، وبات مهما ان ننظر الى ما هو ابعد واسمى. فنحن الآن موشكون ، بفضل الحركة الصهيونية على الولوج في عصر اسرائيل المسيحي . ومن ثم فان المسألة في هذه الايام ليست مسألة فتح جميع ابواب كنائسكم امام اليهود بل بالاحرى فتح بوابات وطنهم ومسألة دعمهم في سعيهم الدؤوب لاستصلاح الارض وريها وايصال الماء اليها . وهذا كله عمل مسيحي ، يعلن عن نفس الروح القدس ايها الزميل العزيز، غير ان على العظام الجافة ان تعود الى الحياة وتتألف اولا "، من هذه المفاهيم العنصرية جاءت فكرة "أرض بلا شعب وشعب بلا أرض" .

بعد المذابح الرهيبة التي حصلت في روسيا بعد اغتيال قيصر روسيا الكسندر الثاني (2 ALEKANDER ) قام وليم هتشلر هذا مع ستافتسبري بتشكيل لجنة لجمع التبرعات من اجل اعادة توطين اللاجئين اليهود في فلسطين، بادرت اللجنة الى ايفاد هتشلر الى روسيا لدراسة الوضع . وهناك كان شديد التاثر بالحماسة لصهيون بين صفوف اليهود الروس . وفي اوروبا التقى هتشلر هذا بليون بنسكر LEON PINSKER وقرأ كتابه المنشور توا بعنوان " التحرر الذاتي "- AUTOEMANCIPATION ".

ويقول هتشلر بأنه لم يترك بنسكر إلا بعد إقناعه مستعينا بنبوءات عاموس وارميا واشعيا، بالعمل على اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين . ومهما يكن من امر فاننا نعلم بان بنسكر ما لبت ، بعد زهاء ثلاث سنوات ، ان اصبح رئيس مؤسسة احباء صهيون HOVEVEI ZION المكلفة بالعمل على توطين يهود روسيا في فلسطين ، وبعد زيارته روسيا عام 1882 واصل هتشلر هذا حواره مع الحاخامات داعيا الى دعم الصهيونية ، واعادة اعداد من الصهاينة العلمانيين الى اليهودية .

اللقاء الثاني بين هرتسل وهتشلر تم في منزل هتشلر ، ولنقرأ ما كتب هرتسل عن هذا اللقاء ! " امس الاحد بعد الظهر زرت القس هتشلر... يسكن في الطابق الرابع ، وتطل نوافذه على شيلر بلاتس SCHILLERPLATZ ، حتى في حين كنت اتسلق السلم سمعت صوت الارغن ، اما الغرفة التي دخلتها فكانت جدرانها مغطاة بالكتب من الارض الى السقف .لا شيء الا كتب BIBLES . كانت احدى نوافذ الغرفة المضيئة جدا مفتوحه تسمح لهواء الربيع الندي بالدخول، وقد اطلعني السيد هتشلر على كنوزه الكتابية ، ونشر بعد ذلك امامي صورته التخطيطية للتاريخ المقارن وخريطة فلسطين آخر الامر. انها خريطة اركان عسكرية كبيرة مؤلفة من اربع قطع غطت ارضية الغرفة كلها عندما نشرت ..... دلني على المكان الذي يجب ان يقع فيه هيكلنا الجديد وفقا لحساباته انه موقع بيت إيل! لانه مركز البلاد . اطلعني ايضا على نماذج الهيكل القديم قائلا:" لقد اعددنا الارض لكم " .

لا شك بان هذه الاقوال نموذج واضح فيما يخص الترابط بين الصهاينة السياسيين اليهود، والصهاينة المسيحيين .

بعد هذا اللقاء عمل القس هتشلر على عقد لقاء بين امير بادن والقيصر الالماني ، وفي هذا اللقاء خول امير بادن هرتسل بإبلاغ بضعة رجال جديرين بالثقة في انجلترا ان امير بادن مهتم بالمسألة .

وفي هذا اللقاء تم مناقشة مستقبل الامبراطورية العثمانية . وقد المح هرتسل الى امكانية القيام بالامر حتى دون موافقة الامبراطورية العثمانية اذا كانت انجلترا والمانيا ستعملان معا قائلا: "اذا جرى تقسيم تركيا في المستقبل المنظور فان دولة عازلة يمكن خلقها في فلسطين. غير ان من الافضل التفكير بالامر من منطلق جعل السلطان يرى الفوائد المتمثلة بتمكين نظامه من الاستمرار"، (نفس الفكرة التي طرح بالمرستون عام 1860 بخلق دولة عازلة بين المغرب والمشرق العربي في فلسطين) .

في طريق العودة من المانيا الى فيينا من هذا اللقاء في القطار حسب ما كتب هرتسل " قام هتشلر بنشر خرائط فلسطين واطنب في تلقيني الدروس . يتحتم على الحدود الشمالية ان تكون متمثلة بالجبال المواجهة لقبدونيا ، والحدود الجنوبية بقناة السويس.
اما الشعار الذي سيجري تداوله فهو " فلسطين داود وسليمان " .
وهنا لا بد ان نذكر بان كتاب سيرة حياة هرتسل ومؤرخي الحركة الصهيونية يجمعون على ان القس هتشلر كان " حليفا منذورا لهرتسل منذ بداية سيرته وهو تابعه الاول والأكثر اخلاصا" إنه "إيليا هرتسل" .

ترات "توطين اليهود في فلسطين" في بريطانيا:

قليل من اليهود الإنجليز الذين قابلهم هرتسل اثناء زياراته لإنجلترا كانوا يستطيعون ان يعيدوا جذورهم في هذا البلد ما قبل عهد كرومويل ( CROMWELL ). فقد كان كرومويل من رحب بعودة اليهود الى انجلترا اذ وضع حدا للحظر الرسمي المفروض عليهم منذ ايام الملك ادوارد الاول (EDWARD ? ) عام 1290 .

لقد أدى الكلام والنشاط الداعي الى اعادة اليهود الى فلسطين الى اثارة اهتمام كرومويل . ففي افتتاح برلمان بيربونز-BAREBONES – قال للاعضاء : اعتقد حقا ان ثمة شيئا على وشك الحدوث اننا في العتبة، انكم على حافة وعود النبوءات ... وملمحا الى سفر اشعيا (ولقد سبق وكتبت في احدى مقالاتي ان هذا السفر منسوخ عن الترانيم الفرعونية)، ربما كان الرب ، كما يظن البعض ، عازما على اعادة اليهود الى فلسطين محطتهم، من جزر البحر، وعلى تلبية تطلعاتهم وتوقعاتهم من اعماق البحر.
ولكن كان هناك ثلاث قوى اساسية ساعدت على الاندماج الناجح لليهود بالحياة الانجليزية وهي :
- التعاطف مع النزعة المثالية العبرانية كما تجلت في الكتاب، الذي هو الوثيقة الدينية الاساس لكل المسيحيين واليهود .
- الاحساس بالخجل ازاء ما تعرض له اليهود من معاناة ماضيا وحاضرا على حد سواء .
- الامل العقائدي اللاهوتي الغيبي المتقد في تحقيق النبوءة المتمثلة باعادة اليهود الى فلسطين ، وفلسطين لليهود.

الحماسة لإعادة اليهود لم تكن بأي حال من الاحوال محصورة بـ ( البيوريتانيين) من امثال كرومويل . فالانغليكان، من كل الانتماءات حتى الكثير من مشاهير العقلانيين تشاركوا في عناصر الايمان الغيبية هذه. ففي كتابه " تعليقات على رسائل القديس بولس، كتب جون لوك "يستطيع الرب ان يجمعهم في كيان واحد... وان يوفر لهم ظرفا مزدهرا في وطنهم الخاص بهم" .
اما اسحاق نيوتن فألّف كتاب بعنوان " ملاحظات حول نبوءات دانيال ورؤيا القديس يوحنا OBSERVATION UPON THE PROPHECIES OF DANIEL AND THE APOCALYPSE OF ST. JOHN
توصل فيه الى استنتاج يقول " ان امر العودة قد لا يأتي من اليهود انفسهم بل من مملكة اخرى صديقة لهم" .

ولكن النزعة الإعادية، أي إعادة اليهود الى فلسطين، بدأت حتى قبل هذا التاريخ منذ حملة نابليون الى الشرق . لقد كان هدفه تركيع البريطانيين من خلال احتلال مصر وانتزاع فلسطين وسوريا من ايدي العثمانيين ليتحكم بالطرق البحرية والمعابر المفضية الى الهند .

وبعد معركة الاهرامات الناجحة واحتلاله مصر ، بدأ نابليون زحفه للتوغل في فلسطين عام 1799 متعقبا حلم اعادة خلق امبراطورية الاسكندر المقدوني الممتدة من مصر الى الهند ويكون هو الاسكندر الجديد .


وبعد سلسلة من الانتصارات في الكثير من الاماكن الواردة في التاريخ الكتابي وخصوصا على جبل طابورحيث هزم الجيش التركي في السادس عشر من نيسان عام 1799 ، بادر نابليون الى اصدار بيانات موجهة الى ابناء جميع القوميات الخاضعة للامبراطورية يدعوهم فيها الى الإلتحاق بركبه في سبيل خلع النير العثماني . وكان احد هذه البيانات موجها الى جميع اليهود في آسيا وافريقيا .

"هبوا أيها الاسرائيليون، انهضوا ايها المنفيون ! هيا اسرعوا! اللحظة هذه قد لا تعود لآلاف السنين، اللحظة المناسبة للمطالبة باستعادة الحقوق المدنية بين سكان الكون، تلك الحقوق التي حرمتم منها على نحو شائن لألآف السنين، للمطالبة بوجودكم السياسي امة بين الامم وبالحق الطبيعي غير المحدود في عيادة يهوه وفقا لعقيدتكم ، وعلنا، حسب اقوى الاحتمالات الى الابد" .
لم يكن للاهوت اي دور في حسابات نابليون، ولذلك ويا للمفارقة يكون نابليون هو الذي فتح باب فلسطين امام البريطانيين .

(يتبع)



#خليل_اندراوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألثورة العلمية والتناقضات بين العمل والرأسمال
- حول الطائفية والعودة إلى السلفية
- علمنة التراث ودمقرطة العالم العربي
- إمبراطورية الشر - من وجهة نظر ماركسية
- بعض ملامح مملكة الحرية - مجتمع المستقبل


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خليل اندراوس - ألصهيونية المسيحية - دين في خدمة العنصرية ورأسمال