أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيدأحمد إبراهيم - جحيم الذات















المزيد.....

جحيم الذات


سيدأحمد إبراهيم
صحفي، قاص، وشاعر


الحوار المتمدن-العدد: 5653 - 2017 / 9 / 28 - 17:11
المحور: الادب والفن
    



لا سماء هنا ـ و بالتأكيد لا أرض ـ هنا مرقد الملكوت و معبد الأرواح الطاهرة و منتهى كل شئ ، هكذا قلت و لم أسأل نفسي : كيف أنا هنا الآن و على أي هيأة ، المشهد يجيب على أسئلتي ، حتى التي لم أسألها بعد.
كريهة هذه الرائحة و لا تطاق ، أين مصدرها؟ ربما السراويل ة لهؤلاء الناس؟ ! لا ، هم لا يرتدون سراويل داخلية ـ لا يرتدون أي شئ ـ ولا أتجرأ أنا على النظر إلى نفسي لمعرفة ما إذا كنت مرتدياً أم لا ، دعني هكذا ، ليس وقتي و ليس وقتاً لأتفحص نفسي فلا مناص من هذه الرائحة التي إعوجَْ أنفي بسببها .
الساحة تتسع لكل هذا الكم الهائل من البشر ، كل له دور هنا إلا أنا ، أشاهد فقط ، لا أرى أفقا و لا أقف على شئ ، ليس هذا هو الفراغ الذي يقولون ، فهنا الكثير من الأشياء المثيرة للتفحص ، شجرة لا تشبه الأشجار ، تقف وحيدة كأنها في إنتظار حافلة لن تأتي ، و شجرة أخرى بعيدة ، تقف كأنها تحجز الناس عن شئ عظيم ، لكن لا أحد يهتم لهما فكل الناس هنا يعلوهم الفزع. من هؤلاء المعلقون من أعضائهم التناسلية؟ لا بد أنهم زناة ، لكن ، لم يحدث هذا الآن ؟ هل قبضوا متلبسين في بيت واحد؟ مهلا ، إنهم كثيرون جداً ، كثيرون بالحد الذي لا يسعه بيت واحد ، و لا حتى عشرون بيتاً من بيوت قريةٍ على ضفة نهر صغير ، ألوان أجساهم لا حصر لها ، و بهتت أيضاً ، يبدوا أنهم أمضوا وقتاً طويلاً على هذه الحال ، ليس ممتع تأمل وجوههم الباكية ، و ليس ممكنٌ الإقتراب أكثر ، فقد إشتدت تلك الرائحة النتنة.
أنا رأيت ذلك الوجه قبل هذا ، تلك الشفاه إبتسمت لي ذات عيد و ربما شئ آخر ، تذكرت هذه المرأة ـ إنها زوجتي ـ ما الذي أتى بها إلى هنا معلقة ما هؤلاء العراة؟! لا .... لا ، لا هذه ليست إجابة جيدة ، هل يعقل أن تكون زوجتي زانية؟ ! لا أصدق هذا! ! آآآه .....سحقا ، كانت تخدعني هذه ال ....... فلتنتظر حتى أرجع إلى البيت ، لكن مهلا ، ماذا سأفعل بها؟ لن أعلقها كما هي معلقة الآن - عارية تماما - من شيئها أمام كل هذا الحشد ، إذن لم أنا منفعل؟ دعك منها فرائحة كريهة تفوح منها .
المشي في هذا المكان يحدث بأعجوبة ، فأنا أمشي من غير أن أضع قدمي على أرض ، فقط كأنه يحدث بمجرد الرغبة ، أشعر أن للسماء المختفية دور في هذا ، و لما إختفت اليوم بالذات ، ليس أنا وحدي من يسير بهذه الطريقة ، كل الناس و كل الأشياء لا تقف على شئ ، لا شك أن هذا مكان مؤقت لهذه الفوضى ، فلا يمكن لأحد أن يسكن هنا و يبني بيتاً فوق اللاأرض . لا ، ربما أنا مخطئٌ بعد ما أراه الآن ، أيعقل هذا ؟ حائط يقف في أحد أطراف المكان ؟ نعم ، هو حائط .... حائط حجري عالٍ يمتد إلى ما لانهاية ، غريب ، كأنه شئٌ من بقايا حضارة ما ، ترى هل يسكن أحد هنا ؟ مرحباً ...... هل من أحد ؟ ششش ... ثمة شخص يتحدث خلف الحائط ، بل شخصان و حوارٌ عنيفٌ يدور
ـ ليست هذه مهمتي ، أنت المسؤول عن هذا ” صوت أجش لرجلٍ صارمٍ على ما يبدو “ لقد فعلتُ ما لمْ تكن حتى أنت تتوقعه و اليوم عليك أن تفي بوعدك. الحائط يمنعني من السماع بوضوح ، سألتصق أكثر و أذني على الحائط
ـ هذا الرجل يسير بتلفتٍ كالأبله ” يقول رجلٌ بصوتٍ يصطنع الوقار “ هو ليس شخصٌ مهماً في مسرحي هذا ....
يقاطعه الصوتُ الأجشُ بنبرة مستهجنة : ياهذا ، أنت من طلبتَ مني أن أغوي زوجَتَه. ماذا ؟ هل يتحدثان عني ؟ من هما يا ترى ؟ آه لو أعرف باباً لهذا الحائط أو حتى أستطيع تسلقه ، أظنه سميك جداً ، فصوت الرجلان يأتي متقطعاً و لا أسمع إلا حين يصرخ أحدهما بوجه الآخر :
ـ إسمع ” الصوت الأجش من جديد “ نحن شريكان في هذا ، أنا أغويت الزوجة و أنت علَّمتني ذلك ، فلا تحاول أن تجرمني و تبرئ نفسك .
هذا الرجل يتحدث بعنف زائد ، أستطيع تبيّن ملامح وجهه الغاضب وهو يتحدث ، يا إلهي ، عيناه الدائرتي الشكل بلونهما الأحمر المتقد ، و عروق دماغه التي تزداد إنتفاخا مع كل كلمة يقذفها فمه مع بعض لعابه ، و ربما يرتدي معطفاً اسوداً تمنيت لو أملك مثله في الشتاء ، نبرته الحادة هي على ما يبدو طبعه الدائم ، أظن أن والده قد طرده من البيت في الثالثة عشرة من عمره عندما عرف أنه يدخِّن التبغ الملفوف ، أو أن زوجته قد تركت له المنزل عندما طلب منها شيئاً غير أخلاقي ، لا يهم ، المهم أن أعرف ماذا يعني بحديثه هذا ، أقترب من الحائط و أضع أذني.
ـ أنا لست مثلك ” يقول الرجل الآخر بثقةٍ تامةٍ و كأنه يعرف كل أسرار الواقف أمامه “ أنا أخبرتك مراراً أن الإختبار ليس سهلاً ، يحتاج البقاء هنا لأن تكون مثلي ، كل هؤلاء الناس بالخارج يدركون تماماً مالم تستطع أنت إدراكه طوال هذه المدة ، للخلود ثمن عليك أن تدفعه و إلا فكن أحد هؤلاء ، معلقاً من عضوك عارياً أو ركب أظافر نحاس و اعبث بصدرك إلى أن يدمي ، و أنت تستحق أكثر من هذا. ” قال و كأن وقاره الذي أتخيله قد تحوَّل فجأة إلى رعونة “
ـ أنت تظن أن بإمتلاكك لهذا المكان أنك تمتلك كل من هم هنا الآن؟ لن تتغير أبداً ، كنت أعرف أنك لن تفي بوعدك الذي قطعت ، و مع ذلك فعلتُ الكثير . هؤلاء الناس الضحايا ، أنا من أتيت بهم إلى هنا ، يمكنني الآن أن أرجعهم حيث كانوا ، ثم ماذا ، زوجة الرجل بالخارج ، كانت تتمتم عشقاً بإسمه و أنا معها.
ـ هو لم يعد يحتاجها بعد الآن ” قال الآخر بغضب “
ـ إسمع ، لن يطول هذا كثيرا. فانتفض الصوت بهدوءه المزيف و هو يقول ممسكاً بشئ ما :” أترى هذه ؟ “ كانت جرة سوداء صغيرة بيده اليمنى.
ـ إنها العودة ” صرخ الصوت الأجش بحزن واضح “
و فجأة ، صوت إرتطام و تهشم ، تلاه نحيب عالٍ متكسر و بكاء متواصل لرجل كأنه يجلس على ركبتيه ، و قد أصبح الآن عارياً من غير معطفٍ أسودٍ و لا ذكريات حياة أخرى تلاحقه الحائط يدفعني بعيداً ، و أشعر بدوارٍ شديد ، لا أدري بسبب الإرهاق أم بسبب ما سمعته قبل قليل ، الأصوات تعلو و الضجيج يحاصرني ، بكاء الرجل الجالس على ركبتيه ، أنين العراة المعلقين ،ضربات قلبي ، صراخي أنا من غير صوت ، حفيف الشجرتين و فحيح الأفعى السوداء التي خرجت من الحائط محدقة بي و كأني قد إنتهكتُ حرمة منزلها ، أنا أدور و المكان يدور من حولي ، أريد الخروج من هنا ..... أركض بسرعة ، أسرع ، أسرع ..... عيناي تضيقان و يتقلَّص المكانُ ليصبح أكثر إزدحاماً ، الركض حتماً أصعب من المشيْ في هذا المكان ، و أشك أنه أبطأُ كذلك ، أنقذني يا إلهي ـ أنا ضعيف ـ المكان أشبه بمخور صاخب ، أنا أخبرك ، كل الناس بدون ملابس يصرخون ، و رجلان ـ لم أرهما ـ يتحدثان عنِّي و عن زوجتي ، الأسئلة لا تتوقف عن الهجوم عليّ ، و المشهد لم يعد يجيب عليها فهو لم يعد واضحاً كما كان ، أين الباب ؟ من أين دخلتُ أنا ؟ كيف أخرج ؟ مَن الرجل الذي أغوى زوجتي ؟ لِمَ لَمْ تخبرني هي بذلك ؟ أين وضعتُ طلقات مسدسي ؟ أين مسدسي ؟آآخ ... أين السماء ؟ علها تمتلك الأجوبة ، أو تمطر لتغسل المكان ـ و ذلك أضعف الأفعال ـ فما أحتاجه أكثر من ذلك. أنا أنهارُ و تتسرب الرائحة النتنة إلى داخل رئتيَّ شيئاً فشيئاً و أختنق ، يصعب الركض عليّ و أسقطُ على وجهي بوضع عمودي مع الأرض ، ما زال رأسي يدور ، يصرخ الناس من حولي و يصرخ صوتي مكتوماً بداخلي لأغيب عن الوعي تماماً.
هذا المكان لا يحتاج إلى الوعي ، فالوعي إطار ضيق لما يسمى بالمعقول ـ وهذا غير معقول ـ ماذا لو حَمِلَتْ تلك المرأة المعلقة من ذلك الصوت الأجش و أنجبت شيئاً صغيراً ؟ حتماً سأرجعه من حيث أتى و لن يعود.
ألاحظ أني بدأت أصحو ، عينايَ تنفتحات تدريجياً لأجد نفسي راكعاً أمام وجه زوجتي المقلوب و دموعها المختلطة بكحلها الأسود و تسيل إلى أعلى حاجبيها ـ أي إلى الأسفل ـ و الغريب أنني أصبحت عارياً تماماً كما لم أكن ، أمدُّ يدي لأحررها من الشنكل المغروس بشيئها و أحملها على ذراعيَّ و> أهبط سامعاً أصوات طلقات تخترق جمجمة ما ، على الأرجح هي جمجمتي .



#سيدأحمد_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيدأحمد إبراهيم - جحيم الذات