أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - موت الحضارة وبقاء الثقافة















المزيد.....

موت الحضارة وبقاء الثقافة


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 5599 - 2017 / 8 / 2 - 21:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


موت الحضارة وبقاء الثقافة

تندثر الحضارات وتموت ولكنها تبقى "حية" في تراث الأمم، أو تظل تسري بطرق وأشكال ومستويات يصعب حصرها، لكنها تبقى تحدد على الأقل نفسية وذهنية أقوامها حتى في تلك الحالات التي يجري نفي بقاياها بمنظومة حضارية جديدة وشاملة. ومن الممكن رؤية ذلك على مثال تراث الرافدين (العراق والشام)، وتراث مصر وفارس واليونان والرومان، اي تلك الحالات التي ميزت تطورها اللاحق بانقطاع كبير عن جذورها الأولية بسبب انتقالها الخاص من المرحلة الثقافية الدينية إلى المرحلة الدينية السياسية. ومع ذلك يمكننا أن نلمح ونرى بوضوح بقايا الشخصية العراقية السورية والمصرية والفارسية واليونانية والرومانية في مختلف جوانب الحياة ونمط الذهنية والنفسية الفردية والاجتماعية. ومن ثم أثرها الخاص في تاريخ الثقافة اللاحقة، وفِي الحالة المعنية أثرها في صيرورة وتطور الثقافة الإسلامية في الخلافة، والنصرانية القروسطية في أوربا.

ففي حالة الحضارة الأوربية النصرانية القروسطية، يمكنا رؤية اثر اليونان الفلسفي في بلورة عقائد النصرانية الأولي كما هو جلي في المدرسة الإسكندرانية، ولاحقا تحول اللغة اليونانية إلى حاوية "الكتاب المقدس" للنصرانية، ثم تحول الفلاسفة إلى كهنوت، والفلسفة إلى لاهوت. في حين تحولت روما من مدينة العالم الدنيوية إلى كنيسة العالم الدينية.
في حين كان التأثير العراقي الشامي في بلورة التقاليد الثقافية والسياسية والروحية للإسلام هائلا للدرجة التي يمكننا القول معها، بأنه لولاهما لما تحول الإسلام إلى دين عالمي، وثقافته إلى ثقافة كونية. اذ لولا العراق والشام لبقي الإسلام محصورا في الجزيرة ثم تلاشى واندثر، وفي أفضل الأحوال تحول إلى دين محلي قومي أو قبلي أو جهوي. وينطبق هذا على اثر الثقافة الإيرانية القديمة في رفد الإسلام بنفح التقاليد العقلانية والأخلاقية في مختلف ميادين الثقافة الإسلامية.
وقد توصلت الثقافة الإسلامية نفسها في مجرى تطورها إلى إدراك هذه الحقيقة، بل وتحويلها إلى فضيلة. بمعنى إدراك خصوصية الأقوام في عالم الإسلام، واعتبار تنوعها رافدا حيويا بالنسبة له، أو ما ندعوه الآن بفضيلة التنوع والتعدد الثقافي. غير أنها اتخذت في عالم الإسلام الثقافي بعدين، الأول ويصب في مسار الوحدة الثقافية الكبرى ويغني مرجعياتها الثقافية المتسامية، والثاني في إبراز الفضيلة المتراكمة في الشخصية التاريخية والثقافية للأقوام والأمم. من هنا تنوع تصنيفها الذي حصل على إجماع شبه تام في علوم التاريخ والأقوام والملل والنحل (تاريخ الأديان والفلسفات). بحيث نرى الثقافة تجمع على أن ما يميز العرب هو البلاغة والبيان، والفرس فن السياسة والأدب، واليونان والرومان الفلسفة والعلوم، والصين بالصناعة والمهارة، والهند بعجائب العقل والشعوذة، والأتراك بالفروسية والقتال. وتراكمت أوصاف الأمم والأقوام الأخرى مع مجرى التطور والاحتكاك بها وامتلاك المعارف الدقيقة عنها، بحيث نراها تتدقق في تحديد الصفات الجوهرية للأقوام والشعوب مثل قولها بتميز أهل الشام بصدق اللسان، وأهل العراق بقوة العقل والوجدان، وأهل مصر بالنكتة والفكاهة، والسودان بالخفة والسذاجة، وغيرهم بالبلادة والغباء!
لقد كانت هذه الأوصاف جزء من مزاج وذوق الثقافة آنذاك ومستوى نموها، الذي جعلها مستعدة للقول بذلك دون أن تعني به استكبار قوم على آخر ولا استحقار احدهم أمام الآخرين. وهي تصورات وأحكام تتوافق مع تطور الوعي الثقافي في موقفه من النفس والآخرين، وبما يستجيب لنوعية المبادئ المتسامية أو منظومة المرجعيات الثقافية المهيمنة. فالثقافة الإسلامية آنذاك كانت محكومة بمرجعيات ثقافية متسامية، وبالتالي فان توصيفها هنا لا يخرج عن هذا الإطار باعتباره حكما ثقافيا قابلا للتغير والتبدل لكنه يحتوي بالقدر نفسه على تعميم للوقائع وتخصيص للحقائق. فقد تغيرت النسب الثقافية وأوصافها المعروضة أعلاه لكن بقاياها جلية أيضا لحد ما أو بعض منها في شخصيات الأمم والأقوام التي جرى تداولها في التوصيف والتعميم حتى الآن!
ومن الممكن رؤية نموذج آخر لهذه الحالة على مثال الثقافة الأوربية الحديثة. فالثقافة الأوربية الصاعدة بدء من القرن السادس عشر حتى العشرين قد أنتجت توصيفها المتنوع للأقوام والأمم بما كان يتوافق مع قيم ومبادئ المراحل المفصلية في طور وجودها السياسي الاقتصادي، اي بما يستجيب لنوعية المبادئ الكبرى أو منظومة المرجعيات الثقافية المهيمنة، التي أعطت للعقل والمصالح أولوية على كل شيء آخر، مع ما ترتب عليه من استعداد لقبول كل ما يستجيب لهذه المصالح على أنها أشياء وأمور معقولة ومقبولة. وقد كانت تلك وما تزال صيرورة معقدة ومتناقضة ولكنها طبيعية بالنسبة للمرحلة السياسية الاقتصادية في تطور الأمم. وذلك لان المهيمن فيها هو البحث والتجريب وفكرة الاحتمال. وهذه كلها دهاليز في البداية قبل أن تتبلط لاحقا بطرق لها حدودها العقلانية والإنسانية أيضا. ومن الممكن رؤيتها فيما أنا بصدده من قضية توصيف الشعوب والأقوام والأمم والثقافات والحضارات. اذ نرى دهاليزها في النظريات العرقية والقومية والعنصرية، وتقسيم الأمم حسب الألوان واللغات والأشكال والأحجام وما شابه ذلك. إضافة إلى هيمنة فكرة الاستعلاء والتحقير في المراحل المتأزمة لنفسية وذهنية المركزية الأوربية. ثم تطورها المعاصر، بعد قرون من معاناة ثقافية واجتماعية هائلة، وحروب دينية وقومية وعالمية دموية وقاسية، إلى نظريات إنسانية وحقوقية هي الأكثر رقيا، رغم كثرة المآخذ عليها. وهو مسار يعكس تحول الجواهر إلى أعراض، ثم زوالهما بنفيهما بما هو أرقى. انه مسار التاريخ الفعلي والطبيعة.
إن هذا الاستعراض السريع والمكثف يكشف عما في قضية التأثير الثقافي للماضي والأسلاف والموقف منه من أهمية عملية قصوى بالنسبة لوعي الذات الثقافي والقومي والتاريخي وفكرة البدائل المستقبلية. اذ أن إدراك الحالة الخاصة والمتميزة للأمم والأقوام حتى في حال انتمائها إلى قومية كبرى أو أمة كبرى يحتوي على أبعاد عملية وسياسية بما في ذلك بالنسبة للمعاصرة. فعلى سبيل المثال، يستحيل توحيد العالم الاسلامي الآن على مبادئ الإسلام القديمة ونماذج الخلافة وإمبراطورياتها. فمشروع العثمانية الجديدة على سبيل المثال، لا يقل خرافة عن "دولة الخرافة" الداعشية! وينطبق هذا على اي مشروع آخر لا يخرج عن مرجعيات الماضي أيا كان نوعها وشكلها. والشيء نفسه يمكن قوله عن وحدة العالم العربي المعاصر. فالتفكيك الطويل والعميق في مناطقه الثقافية يجعل من الصعب توحيده دفعة واحدة، من هنا طوباوية وخطورة الحركات القومية الراديكالية وخطورة برامجها العملية. وليس مصادفة أن يتعرض جميعها للفشل الشنيع.
اذ يحتوي العالم العربي حسب نظري على أربع مناطق ثقافية متميزة هي منطقة المشرق العربي، ومنطقة شبه الجزيرة العربية، ومنطقة مصر والسودان، ومنطقة المغرب الكبير، إضافة إلى منطقة خامسة محتملة تحتوي على الصومال وجزر القمر وجيبوتي ومناطق أخرى قابلة للانضمام إلى العالم العربي مع مجرى الزمن. وبالتالي فان توحيده يفترض في بداية الأمر تكامل هذه المناطق على أسس ومبادئ الفكرة السياسية الاقتصادية الحديثة في بناء الدولة والنظام السياسي والمجتمع والثقافة. وتكامل هذه المناطق يفترض تكامل الدول الحالية للعالم العربي كل لحالها بما يتطابق مع مرجعيات الفكرة السياسية الاقتصادية المشار إليها أعلاه. ولعل انطون سعادة هو أول من حدس هذه الفكرة في العالم العربي الحديث دون أن يؤسس لها بصيغة منطقية متجانسة. من هنا إساءة فهم ما كان يسعى إليه وتكالب مختلف القوى على قتله، رغم فضيلته الأسمى على كل من سواه آنذاك فيما يتعلق برؤيته العقلية والوجدانية للفكرة القومية العربية.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع الروسي من اجل شرعية الدولة في سوريا
- بوتين – لغز المستقبل الروسي
- الاستعادة الأدبية والثقافية للتراث العربي في مرحلة النهضة
- مرحلة النهضة واشكالية اللغة ووعي الذات العربي
- إرهاصات ما قبل النهضة العربية الحديثة
- قمة واطئة
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (10-10)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة(9)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (8)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (7)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (6)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة(5)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة(4)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (3)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (2)
- واقع وآفاق الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة(1-10)
- سعدي يوسف - نقد القرود، وقرود النقد!
- الخوارج – إرادة الحق والحقيقة (4)
- الخوارج – خروج الإرادة المتسامية(3)
- الخوارج – استقامة الإرادة وعنف الوجدان(2)


المزيد.....




- جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و ...
- -ورقة مساومة-.. الآلاف من المدنيين الأوكرانيين في مراكز احتج ...
- -مخبأة في إرسالية بطاطس-.. السعودية تحبط محاولة تهريب أكثر م ...
- -غزة.. غزة-.. قصيدة ألمانية تستنطق واقع الفلسطينيين وتثير ال ...
- بسبب هجومات سيبرانية.. برلين تستدعي سفيرها في موسكو للتشاور ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- بوتين للحكومة في اجتماعها الأخير: روسيا تغلبت على التحديات ا ...
- مصر.. اتحاد القبائل العربية يحذر من خطورة اجتياح رفح ويوجه ر ...
- تقرير: مصر ترفع مستوى التأهب العسكري في شمال سيناء
- بعد ساعات على استدعاء زميله البريطاني.. الخارجية الروسية تست ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - موت الحضارة وبقاء الثقافة