أثر الواقع على القرآن

طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5544 - 2017 / 6 / 7 - 16:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

أثرالوقع على القرآن
طلعت رضوان
يعتقد المؤمنون بالإسلام أنّ آيات القرآن نزلتْ على محمد منعزلة عن سياقها الاجتماعى على أرض الواقع، أى أنّ النص سابق للواقع، بينما أمهات كتب التراث العربى/ الإسلامى، وخاصة كتب (تفسيرالقرآن) تؤكد العكس، أى أنّ الواقع هوالذى صاغ النص القرآنى، أوأنّ النص القرآنى جاء تلبية للواقع. ومن هنا جاءتْ أهمية الكتب التراثية التى تعرّضتْ لباب (أسباب نزول الآيات)
ومن بين الأمثلة العديدة آية ((فمن كان منكم مريضًـا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أوصدقة أونـُـسك)) (البقرة/196) عن هذه الآية قال (كعب بن عـُـجرة) ((والذى نفسى بيده لفىّ نزلتْ هذه الآية. وقال: كنا مع النبى بالحديبية ونحن مُـحـْـرِمون وقد حـَـصـَـرَنا المشركون. وكانت لى وفرة فجعلتْ الهوام تساقط على وجهى. فمرّ بى النبى وقال: كأنّ هوام رأسك تؤذيك؟ فقلتُ : نعم . فقال : فاحلق . ثم نزلتْ الآية (سنن الترمذى- هيئة الكتاب المصرية- طبعة عام2017- ج3- ص100) وفى الشرح أنه نتيجة الهوام والحشرات فى رأس (كعب بن عجرة) وعلى وجهه فإنه لم يؤد فريضة صيام رمضان، فنزلتْ الآية لتشرح له ما عليه (من فدية) وخيـّـرته بين ثلاثة اختيارات.
وأعتقد أنّ كتب تفسيرالقرآن وأسباب النزول تؤكد العلاقة العضوية بين الواقع والكثيرمن الآيات التى ردّتْ على الأسئلة الموّجـّـة للنبى، مثل ((يسألونك ماذا ينفقون)) و((يسألونك عن الشهرالحرام)) و((يسألونك عن الخمر والميسر)) و((يسألونك عن اليتامى)) و((يسألونك عن المحيض)) وهى أسئلة شديدة السذاجة والبداهة، وقد تعرّفتْ شعوب عديدة على معالجتها دون انتظارالوحى. فآية التيمم عالجتْ شـُـح الماء فى الجزيرة العربية. وماذا يحدث فى حالة (الغائط) وملامسة النساء فيكون البديل التيمم. وروتْ كتب التراث تفاصيل أسباب نزول الآية رقم6من سورة المائدة (البخارى- حديث رقم334كمثال)
وتوجد آيات نزلتْ بالتوافق مع رغبات البعض مثل الحديث المروى عن عمربن الخطاب قال: وافقنى ربى فى ثلاث، فقلتُ يا رسول الله لواتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلتْ ((واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)) وآية الحجاب قلتُ: يا رسول الله لوأمرتَ نساءك أنْ يحتجبن، فإنه يـُـكلــّـمهنّ البر والفاجر، فنزلتْ آية الحجاب. واجتمع نساء النبى فى الغيرة عليه فقلتُ لهنّ: من عسى ربه أنْ طلقكنّ أنْ يـُـبدلنه أزواجـًـا خيرًا منكنّ، فنزلتْ آية الحجاب (حديث رقم402) وهذا الحديث ورد فى أمهات الكتب التراثية، ولكن ماورد فى صحيح البخارى جاء مبتورًا، حيث ذكرآخرون أمثال النسائى وابن ماجة وأنس بن مالك، أنّ (الله) وافق عمر فى مواقف أخرى، فمثلا عندما نزلتْ آية ((ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين)) قال عمر((تبارك الله أحسن الخالقين)) فنزلتْ ((فتبارك الله أحسن الخالقين)) (المؤمنون/ 14) وتوجد آية خامسة نزلتْ على لسان عمر، ذكرتفاصيلها ابن جريروآخرون أنّ يهوديًا لقى عمرفقال: إنّ جبريل الذى يذكرصاحبكم عدولنا. فقال عمر((من كان عدوًا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال، فإنّ الله عدوللكافرين)) (البقرة/98) وأسهب السيوطى فى ذكرتفاصيل تلك الواقعة، وأهم ماذكره أنّ عمرقال ((ثم أتيتُ النبى وأنا أريد أنْ أخبره، فلما لقيته قال: ألا أخبرك بآيات نزلتْ علىّ؟ فقال عمر: بلى يا رسول الله فقرأ ((من كان عدوًا لجبريل..إلخ)) فقال عمر: يا رسول الله. والله ماقمتُ من عند اليهودى إلاّ إليك لأخبرك بما قالوا لى، وقلتُ لهم فوجدتُ الله قد سبقنى)) (المصدر: أسباب النزول للواحدى النيسابورى ص17، 18)
أما أهم واقعة حدث فيها التوافق التام بين (الله) وعمر، فهى الواقعة التى عالجتْ موضوع أسرى غزوة بدر، حيث استشارالنبى أبا بكر، فأشارعليه بالرفق بهم مع أخذ الفدية منهم، بينما رأى عمرضرورة ضرب أعناقهم، تجاهل النبى رأى عمروأخذ رأى أبى بكر، واستلم (الفدية) من أهالى الأسرى ثم أطلق سراحهم، ثم كانت المُـفاجأة التى أسعدتْ عمر، حيث استجابتْ السماء لرأيه وأيـّـدتْ موقفه من ضرورة قتل الأسرى. وفى حديث عن ابن عمرقال فيه: استشارالرسول فى الأسرى فقال أبوبكر: هم قومك وعشيرتك، فخلّ سبيلهم. واستشارعمر فقال: اقتلهم، ففاداهم رسول الله. فنزلتْ ((ماكان للنبى أنْ يكون له أسرى حتى يــُـثخن فى الأرض تــُـريدون عرض الدنيا والله يـُـريد الآخرة)) (الأنفال/ 67) وذكرالفخرالرازى الحديث بشىء من التطويل وجاء فيه ((فقام عمروقال للرسول: كذبوك (أى الأسرى) وأخرجوك فاضرب أعناقهم، فإنّ هؤلاء أئمة الكفر. وإنّ الله أغناك عن الفداء، فمكــّـن عليًا من عقيل وحمزة من العباس، ومكــّـن من فلان فينتسب له فنضرب أعناقهم)) وكان تعليق الراحل الجليل خليل عبد الكريم على موقف عمربأنْ كتب ((ولاندرى كيف يـُـواجه الإمام على عقيل وأسرته لوقتله؟ وكيف يـُـصبح موقف حمزة من أم الفضل (زوجة العباس) وأولادها منه لونفــّـذ مشورة عمر، وقتل أخاه الذى أفزعته تلك المشورة فقال لصاحبها (أى لعمر) أتأمرنى أنْ أقتل العباس؟ فقال عمر: ويلٌ لعمرثكلته أمه)) (المصدر: التفسيرالكبير- الفخرالرازى– المجلد السابع– ج 14– ص 538، 539) ونقل القرطبى ذات الحديث. وكان عمريقول ((كان الاثخان فى القتل أحب إلىّ)) (النيسابورى– نقلاعن خليل عبد الكريم فى كتابه "النص المؤسس ومجتمعه"– السفرالأول– دارالمحروسة– عام 2002- ص 236، 237)
وعن فلان عن فلان عن ابن عباس قال: انطلق النبى فى طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبرالسماء، وأرسلتْ عليهم الشُـهب فرجعتْ الشياطين إلى قومهم. فقالوا ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبرالسماء)) والحديث طويل جدًا وانتهى بأنّ الجن قالوا (إنــّـا سمعنا قرآنــًـا عجبًا، يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نــُـشرك بربنا أحدًا)) (سورة الجن/ 1، 2) فأنزل الله تلك الآية على نبيه والتى تبدأ ب ((قل أوحى إلىّ أنه استمع نفرمن الجن..إلخ)) وإذا كان هذا الحديث عالج مسألة (أسباب النزول) فإنه أكــّـد– فى ذات الوقت– على البـُـعد الميتافيزيقى فى علاقة (الشياطين) بالسماء، وأنّ الشياطين هى التى حالتْ بين الجن وخبرالسماء.
وعن فلان عن فلان عن جابربن عبد الله قال: بينما نحن نصلى مع النبى، أقبلتْ عــِـير(أى جمال أوغيرها) تحمل طعامًا، فالتفتوا إليها حتى مابقى مع النبى إلاّ اثنا عشررجلا، فنزلتْ آية ((وإذا رأوا تجارة أولهوًا انفضوا إليها وتركوك قائمًـا)) (حديث رقم 936- والآية وردتْ فى سورة الجمعة/11) وذلك الحديث كشف عن 1- أنه لولا انصراف الناس عن الصلاة وتركوا النبى وهوقائم يـُـصلى، لما نزلتْ الآية. 2- أنّ الآية وصفتْ (واقعة حقيقة حدثتْ بالفعل) 3- أنّ الذين تركوا الصلاة تصرّفوا تصرفــًـا انحازوا فيه للواقع (المادى) أى أنهم كانوا مع مصلحتهم فى الحياة الدنيا، ولم يهتموا بثواب (الآخرة) لوأنهم صبروا حتى تمام الصــلاة 4- أنْ الآية ذكرتْ أنهم كانوا ينصرفون عن الصلاة إذا ((رأوا لهوًا)) أى ليست التجارة فقط .
وحيث أنّ الأمثلة عديدة وكلها تؤكد أنّ الآيات التى اشتبكتْ مع الواقع لم تكن (سابقة التجهيز) وإنما كانت استجابة لوقائع (أرضية) لذلك يكره الأصوليون باب أسباب النزول ويـُـطالبون بتنقيتها وهوطلب عسيرتنفيذه بعد الثورة التكنولوجية.
***

#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات