الحراك الشعبي في الريف الواقع والمآلات

محمد أيت بود

الحوار المتمدن-العدد: 5526 - 2017 / 5 / 20 - 20:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الحراك الشعبي في الريف الواقع والمآلات


محمد أيت بود

واقع الأزمة :

كيف نقرأ ظاهرة حراك الريف بموضوعية ؟ كيف نتعاطى مع هذه الاٍحتجاجات الشعبية التي انطلقت شرارتها منذ مقتل بائع السمك محسن فكري الى اليوم ، أي حوالي 7 أشهر بدون الاٍنجرار الى الأحكام المسبقة والاطروحات الأيديولوجية ، هل نستطيع أن نرصد هذا الحراك الشعبي كظاهرة اجتماعية متوسلين بمناهج العلوم الاٍجتماعية ؟ والتي تدعو الى النظر الى الظواهر الاٍجتماعية على أنها أشياء ، وفصل الذات عن الموضوع ؟ هل يسعفنا المنهج الوضعي لأوجست كونت واٍميل دوركايم في دراسة هذه الظاهرة الاٍجتماعية ؟ قد لا يبدو هذا التمرين العلمي سهلا للوهلة الأولى .
في البداية لابد من طرح هذا التساؤل ؛ هل يحق لنا أن نصف مايقع في الحسيمة ومنطقة الريف عموما من احتجاجات : " حراكا شعبيا " : ماهي أسباب " الحراك " ومطالبه ؟
هل هو ناتج عن الاٍحتقان الاٍجتماعي طويل الأمد في منطقة الريف والذي له جذور تاريخية بعضها معروف والبعض الآخر غير معروف ؟ أم أنه نتاج واقع الصدمة على اٍثر مقتل بائع السمك محسن فكري بتلك الطريقة المعلومة ؟
هذه بعض الأسئلة التي ارتأيت أنه لابد من طرحها في البداية على سبيل الاٍستهلال ، والتي أراها ضرورية كمقدمة من أجل تناول الموضوع بموضوعية البحث العلمي المتجرد ، ماهو معلوم كواقع هو أن حادثة بائع السمك محسن فكري في شاحنة النفايات بطريقة غير لائقة قد أثرت في ساكنة مدينة الحسيمة ومنطقة الريف ، بحكم كونه ينتمي الى مدينة اٍمزورن التابعة اٍداريا لاٍقليم الحسيمة ، ثم في عموم المغاربة ؛ لأن قتل أي شخص بتلك الطريقة البشعة من شأنه أن يثير عواطف الناس في كل بقاع العالم : ( أورد بعض شهود عيان في العديد من المنابر الاٍعلامية ووسائل التواصل الاٍجتماعي على أنهم سمعوا شخصا لم يتبينوا ملامحه في ظلمة المساء يقول " طحن مو " ) بمعنى أنه هو الذي أعطى الأوامر بتشغيل آلة طحن النفايات ....، هذا الحادث كانت له تداعيات مختلفة ومعقدة ( اجتماعية – سياسية – قانونية ...الخ ) ، وخرج الناس في مدينة الحسيمة من أجل استنكار ما وقع ، وتعاطف معهم الناس في كل المدن المغربية ، ثم تدخلت الدولة في شخص وزير الداخلية من أجل تهدئة الأوضاع والوقوف بعين المكان على ملابسات الحادث ، وقام بزيارة أسرة الضحية ، وأعطيت الأوامر من أجل فتح تحقيق شامل في الموضوع تحت اٍشراف النيابة العامة ،
وبالرغم من المجهودات االتي بذلتها الدولة من أجل اٍقناع المواطنين في تلك المنطقة بأنها تتجاوب مع مطالبهم اٍلا أن الاٍحتجاجات لم تتوقف منذ ذلك الحين ، كما أن الملك ترأس بنفسه بمدينة تطوان في 17 أكتوبر 2015 على اٍطلاق برنامج التنمية المجالية لاٍقليم الحسيمة ( 2015- 2019 ) ، والذي أطلق عليه اسم :" الحسيمة منارة المتوسط " يتضمن مشاريع اجتماعية وثقافية واقتصادية كبرى ، غير أن الاٍحتجاجات لم تستحضر هذه النقلة النوعية في تعاطي أعلى سلطة في البلاد مع المعضلة التنموية في المنطقة ، ربما لعدم وثوقها في طريقة تعاطي المسؤولين المحليين مع توجهات وبرامج الملك ، أو لشعورهم بالتلكؤ وعدم الاٍسراع في تنفيذ الخطة بالدقة والجودة والفعالية والسرعة المطلوبة من طرف الفاعلين المحليين والسلطات المحلية .......ويكفى حادث مقتل بائع السمك ليخرج الناس الى الشارع من أجل الاٍحتجاج وتحولت المظاهرات الى ما صار يطلق عليه في الاٍعلام الورقي والاٍلكتروني : " حراك شعبي سلمي " منظم يتزعمه بعض الفاعلين الميدانيين الذين لا يعرف انتماؤهم الأيديولوجي : {(خاصة مع استعمال بعضهم وهو " المدعو الزفزافي " للأحاديث النبوية والآيات القرآنية والوقائع التاريخية ذات البعد الديني ؛ مثل حوادث الصحابة وأقوالهم وسلوكاتهم ( عمر بن الخطاب على سبيل المثال لا الحصر ) أثناء التجمعات الخطابية التي تنظم في المدينة ويحشد اليها الناس ويتجمهرون في شكل حلقة ، مع أن نوعية الشرائح الاٍجتماعية التي تحضر في تلك التجمعات غير معروفة ، هل تتكون من الطلبة ؟ المتعلمين ؟ المثقفين ؟ العمال والأجراء ؟ الشرائح الاٍجتماعية المنتمية الوسط الحضري ؟ أم الوسط القروي ؟ المسيسون أم غير المسيسين ، بمعنى المنتمون الى الأحزاب السياسية والجماعات الدينية ....الخ ،
: يكون أحد المتزعمين الميدانيين في الوسط ( وهو في أغلب الأحيان المدعو :" الزفزافي " ) وهو يلقي خطابا سياسيا يستعمل آليات الاٍقناع والحجاج البلاغية من أجل الاٍستمالة والاٍقناع بشكل يوحي بالحلقيات الجامعية )} هل هي على سبيل الاٍستنئناس انطلاقا من اقتناعه الشخصي بكون الاٍسلام يصلح للحكم بشكل يريد أن يوصل رسائل الى من يهمه الأمر على أن الحكم اٍنطلاقا من المرجعية الاٍسلامية يستلزم الوفاء لسسلوكات معينة في استحضار للبعد الرمزي الديني للاٍسلام في الدولة المغربية كدولة اٍسلامية يحكمها أمير المؤمنين ؟ أو رغبة منه في استمالة الناس البسطاء في اتساق مع قناعاتهم الشخصية ذات الخلفية الدينية واقناعهم بحدوى الاٍنخراط في " الحراك " الذي وحده ينشد الصالح العام ؟ أم لدواعي أيديلوجية غير معروفة ؟ هذا التساؤل لابد من الوقوف عنده مطولا ، مع أن الملاحظ أن الخطيب يمزج أثناء خطاباته بين اللغة الأمازيغية ( فرع تاريفيت ) والدارجة المغربية واللغة العربية الفصحى ، ولم يتطرق قط لكون النضال الذي يقوده هو من أجل نشدان دمقرطة النظام السياسي الحاكم في المغرب أو أن الهدف من الحراك هو دعوة النظام للاٍستجابة للمطالب التي يقول عنها اٍنها مشروعة ، من منظور الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي قوامها المواطنة وحقوق الانسان ، هذه المفردات نجد أنها غائبة كليا في خطاب المدعو " الزفزافي " كتمزعم لما يسمى : " الحراك الشعبي في الريف " بل نلاحظ أنه تمت الاٍستعاضة عن مفردات الدولة الحديثة بمفردات تمتح من القاموس الديني والمخيال الجمعي الاٍسلامي حول الفترة الذهبية لحكم الخلفاء الراشدين ، وهذا القاموس تستعمله الجماعات الدينية أيضا ، فهل يمكن القول بأن المدعو " الزفزافي " ينشط في اٍحدى الجماعات الدينية المعروفة ؟ ( الاٍصلاح والتجديد – العدل والاٍحسان ....مثلا ) ؟
كما لوحظ كذلك أن المتظاهرين يحملون الى جانب الأعلام الأمازيغية علما يقال على أنه علم " الجمهورية الريفية " وهذا مؤشر نوعي على أهداف الحراك المضمرة وغير المعلنة والتي يمكن القول عنها أنها تدل على وعي جمعي محلي باتجاه مآلات مفترضة لها جذور تاريخية معروفة ، بدون التسرع في اٍطلاق أحكام الدعوة الى الحكم الذاتي أو الاٍنفصال عليها ، ، ويحملون كذلك لافتة تحمل قولة تنسب للزعيم عبد الكريم الخطابي مفادها : " هل أنتم حكومة أم عصابة ؟ " وما يمكن الاٍشارة اليه هو ضبابية هذا الشعار ، فاٍذا كان المتزعمون للحراك يتكلمون كثيرا عن النظام المغربي بكلمة : " المخزن " وهو لفظ عام له حمولة تاريخية وأيديولوجية سلبية تدل على النظام السياسي المغربي في عنفوانه بجميع مؤسساته بمافيها الحكومة طبعا ، فلماذا استحضار قولة من هذا الطراز في هذه الظروف بالضبط ، والكل يعلم أن صلاحيات الحكومة محدودة جدا في مثل هذه الملفات الشائكة ؟
لقد تطورت الاٍحتجاجات ضد مقتل محسن فكري لتتحول الى " حراك شعبي سلمي" 7 أشهر . دام لحد الان زهاء
وهو يتبنى مطالب اجتماعية وثقافية ورياضية واقتصادية ، الكل يتفق على وصفها ب: " المطالب المشروعة " والتي في شق منها لها علاقة مباشرة بتنظيم الصيد البحري والميناء في المدينة ومحاربة كل أشكال الريع والفساد في هذا القطاع . ومن ضمن مطالب الحراك مطالب حقوقية تتمثل في تقديم المتورطين في مقتل محسن فكري الى العدالة والذهاب بالتحقيقات الى أبعد مدى والاٍفراج عن نتائج التحقيقات في أقرب وقت ، وضرورة التحقيق في عبارة ّ طحن مو " ومعاقبة المتلفظ بها أيا كان ، والكشف عن حقيقة ملف " الشهداء " الخمس في ملف البنك الشعبي خلال أحداث 20 فبراير 2011 ، ومطالب قانونية تتمثل في اٍلغاء ظهير 381-58-1 الذي يعتبر اقليم الحسيمة منطقة عسكرية وتعويضه بظهير يعلن اٍقليم الحسيمة منطقة منكوبة ، مع اٍرفاق العبارة بوصف : { مطلب استعجالي }.
مآلات الأزمة :
لابد من أجل محاولة اٍنجاز دراسة علمية لهذه الاٍحتجاجات كظاهرة الاٍجتماعية ومحاولة مقاربة الموضوع بشكل موضوعي ، من الوقوف على وجهات النظر المختلفة والمتباينة ودراستها ، سواء وجهات نظر المشاركين في " الحراك " ووجهات نظر " الفاعلين الأساسيين في الحراك " ووجهات نظر السلطة كذلك والتي ليست كلها وجهات نظر متجانسة ومتناسقة بل يخترقها الكثير من التناقض والتباين والاٍختلاف ، وهو مالم يتم القيام به في هذا المقال ، بحيث يتطلب الأمر التنقل بين جميع الفاعلين السياسيين والاٍجتماعيين والناشطين الميدانيين من أجل فهم مايجري بشكل حقيقي بعيدا عن الأحكام المسبقة والأطروحات الأيديولوجية من كلا الطرفين سواء من جانب متزعمي الحراك أو من طرف ممثلي السلطة ، غير أن ما يظهر من خلال تعاطي الدولة مع " الأزمة " يتراوح بين منطق التهدئة والمقاربة الأمنية ، وكأن الدولة في حالة ذهول وعدم القدرة على الحسم في موضوع هي تعرف مسبقا حساسيته المحلية والوطنية والاٍقليمة ، لكنها لحد الآن لم تسعى الى فتح حوار مع قادة الحراك من أجل معرفة المغزى الحقيقي الذي تنطوي عليه تحركاتهم ، بدون التسرع في اٍطلاق بعض الأحكام من قبيل أنهم أناس مأجورون ولهم أجندات خارجية ، ونزوعات انفصالية ...الخ ، والكل يعلم أن رواسب الماضي حاضرة بقوة في هذا الملف ، لابد من القول على أن قراءة متأنية تاريخية وواقعية كما أن استعمال المنهج المقارن ، يمكن أن تسعفا في استخلاص بعض العبر والدروس ، فتجاهل السلطات الجزائرية لمطالب " الحراك الشعبي " بمنطقة القبائل أدى تطور الشكل النضالي في تلك المنطقة من الشكل التقليدي " الجمعيات " نحو شكل أكثر تنظيما وتوسعا " التنسيقيات " ثم الى حركة الحكم الذاتي للقبائل
.RDK وأخير الجمهورية الديمقراطية القبائلية MAK
، فهل يمكن القول عل أن الدولة أو النظام السياسي في المغرب بحكم كونه ليس بحاجة الى افتعال أزمات ذات بعد جهوي يمكن أن تتحول الى نزوعات انفصالية ، خاصة وهو يكتوي بمآلات مشكل الصحراء ذي الطابع الاٍنفصالي ؟ ملزم باٍيجاد مقاربة ناجعة تنطلق ممها هو سياسي بالدرجة الأولى ، بعيدا عن المقاربات الأمنية الأحادية النظرة ، تستحضر البعد الجهوي التنموي والتراكمات المتحققة في مجال حقوق الانسان وكذلك السعي الى التعاطي مع " الأزمة " بمنطق الاٍنصات وروح الديمقراطية . وهل سيشهد هذا الملف في الأيام المقبلة حلحلة انطلاقا من تفعيل المقاربة السياسية ، بعيدا عن المقاربات الأمنية أحادية النظرة ؟

#محمد_أيت_بود (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات