أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض الأسدي - تكرار فولتير،دراسة أولية في النظرية الأجتماعية الوردية















المزيد.....

تكرار فولتير،دراسة أولية في النظرية الأجتماعية الوردية


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 1433 - 2006 / 1 / 17 - 07:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عندما اندلعت الثورة الفرنسية عام 1789 كان فولتير الفيلسوف والكاتب المسرحي الساخر الفرنسي, قد قضى, لكنّ مؤرخي الثورة الفرنسية القدامى والمحدثون عدّوا السيرة والنتاج االفكري والأدبي الزاخر الذي ولده فولتير عاملا أساسيا من عوامل النهضة الفكرية الفرنسية التي مهدت إلى الثورة بعد ذلك. فكان فولتير احد أسباب الثورة على نحو غير مباشر.
الثورة الفرنسية التي هزت "الإستكانة" الاوربية من الاعماق. ثمّ أنطلقت فيما بعد لتدكّ حصون العالم الأوربي القديم في عصر المداخن. فولتير واحد من اولئك الذين وضعوا أسس العالم الحديث على الرغم من النتائج السلبية الكبرى التي آلت إليها الثورة الفرنسية, وما نتج عنها من آلام كبيرة لما تزل آثارها ماثلة في أحداث التاريخ في النكوص لأعظم ثورات الإنسانية الحديثة.
فولتير من أهم المدمرين لأسس العالم القديم في فرنسا. وهو من أشد المعجبين بالنظام السياسي الإنكليزي حتى انه وضع كتابا دعاه ب(القاموس الفلسفي) أوجز فيه محاسن النظام البرلماني في انكلترا، واظهر معالم الحياة الدستورية فيها بدءا من الثورة الجليلة Glorious Revolution عام 1688. وكان فولتير قد هرب إلى انكلترا من بطش النظام الملكي الفرنسي بعد ان أعلن صراحة - كما هي عادته وسخريته اللاذعة - عن معارضة لأسلوب فرنسا في الحياة، وفكر ملوكها الهزيل المتعلق بالسلطة الذي عرف به لويس الرابع عشر بمقولته الشهيرة: أنا الدولة، الدولة انا. انا الحق الألهي!؛ تلك النظرية الغريبة( الحق الآلهي) التي دمرها مونتسكيو ضمنا, من قبل, في كتابه الشهير (روح القوانين) الذي أصبح فيما بعد انجيلا للحركات الديمقراطية في عموم اوربا وحتى يومنا هذا في جميع أنحاء العالم؛ حيث أكد مونتسكيو ولأول مرة في التاريخ مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. ليعقب فولتير بعد ذلك عملا مهما، فوضع كتابا بعنوان "رسائل عن الإنكليز" يوجز فيه طريقة الحياة الإنكليزية، وإعلان قطيعته التامة مع النظام الملكي الفرنسي المطلق الذي لم يعد يتلاءم وروح العصر الناهض في فرنسا.
رأى عديد من مؤرخي الفكر ونقاده أن فولتير كان سطحيا غاضبا في نقده للحياة والمجتمع الفرنسيين. وان ملاحظاته عن طبيعة نظام الحكم وسخريته منه كان هو الابلغ من كلّ فلسفته؛ ولذلك فإن ما اورده من افكار هي "سطحية" ولا تمسّ مضمون الاشياء غالبا. كانت القدرة الفائقة لفولتير تكمن في نقده للنظام الكنسي الكاثوليكي خاصة بأعتباره من اهم معالم " إستكانة" المجتمع الفرنسي, وقبوله بواقعه المرير, وإلى تحول الكنيسة الراعية للمؤمنين إلى إقطاعيات كبيرة تسهم بمقدار كبير في الإبقاء على الإستغلال والظلم للفلاحين الفقراء.
ويبدو هذا الرأي -على العموم- متعجلا بعض الشيء، وهو لا ينظر بعين ثاقبة إلى طبيعة المرحلة التاريخية التي عاش فيها فولتير، والظروف التي كانت تحيط بفرنسا وقتذاك. فشروط نمو الفكر التنويري تتطلب إلى حدّ بعيد ظهور نقد صارخ ولاذع، ومبتذل أحيانا، من أجل الخروج من قمقم المدخنة القديمة. فصورة فولتير، قصير القامة، الدميم، المتحلل، زير النساء الذي يتخذ من المسرح وسيلة لهدم بنى المجتمع المتهاوي تتكرر كثيرا في مجتمعات النهضة الاولية وفي هيئات مختلفة قاسمها المشترك: رفض القائم والكشف عن قبحه.
وصورة فولتير تتكرر في المجتمع العراقي الخارج من حقب الظلام في عقد الثلاثينات من القرن العشرين على النحو ذاته تقريبا، حيث بدأت التكونات الفكرية الأولى لتكرار فولتير في العراق ممثلة هذه المرة بالدكتور على الوردي عالم الاجتماع العراقي المعروف.
كان المفكر الإجتماعي الوردي احد تلك الصور المتكررة عن فولتير في العراق.. وقد مثل علامة بارزة للمعارضة الصامتة طوال العهد العسكرتاري الذي عاش فيه. فلم يكن ثمة احد يدلنا على الدكتور الوردي، فقد كان الوحيد الذي لما يزل يضع (السدارة) على رأسه - وهي طاقية للرأس صممها الملك غازي منذ عام1939- وسط جامعة بغداد. كانت السدارة بالنسبة للوردي رمزا دائما للوطنية العراقية، ودلالة على مرحلة ثقافية واجتماعية سابقة برع كثيرا في أستكناه مضامينها.
بقي الوردي يضع السدارة على رأسه صيفا وشتاء. أما عندما كان يدعوه تلاميذه إلى نادي كلية الآداب فقد كان يلبي الدعوة عن طيب خاطر، إذ كان الأستاذ الجامعي الوحيد - تقريبا- الذي يحضر للجلوس مع طلبته في ناديهم بنوع من الحميمية النادرة.
ولم يكن حضور الوردي إلى أي محفل سواء كان صغيرا ام كبيرا مناسبة عادية، فقد دأب مفكرنا العراقي على أن تكون له (قفشاته) الخاصة، وتساؤلاته في تلك المحافل المختلفة. ظهر ذلك جليا في حضوره مع الفنانة الرائقة، عفيفة أسكندر، في حفلة خاصة بالعام الدراسي الجديد؛ وبأعتبارها صاحبة اجمل صوت عراقي حاد الطبقة، والحائزة على جائزة مسابقة اجمل ساقين باريسيين في عقد الخمسينات..
ومن الجدير بالذكر، أن عفيفة الرائعة كانت من قراء الوردي الدائميين كما صرحت بذلك، حيث أنتشى الوردي لهذه الكلمة طربا، أكثر من أي أطراء سمعه من قبل.. فقال مداعبا: "عفوفه" هذه شهادة احسن من دكتوراه اميركا!!" كما ان مزحاته الصغيرة كانت مميزة، وآنية، كأي بغدادي متمرس بالنكتة الكرخية، و هي تكشف غالبا نوعا من المستور والخفي في الشخصية العراقية. فما ان يسأل عن ولادة الشخص حتى تنهال عليه سلسسلة من الاسئلة المباشرة الجديدة عن أصله وفصله وعائلته ومدينته. ومن الغريب حقا ان يكون الوردي على أطلاع في العشائر والمدن العراقيتين يحسده عليه كبار شيوخها ونسابتها في الوقت نفسه.
مارس الوردي البغدادي (القح) مهنة (العطارة) مع والده. كانت طبيعة المواد التي يتعامل فيها قد منحته تعددية الطبيعة, إلى جانب تعدد طلبات الزبائن واختلاف حاجاتهم, والصبر عليهم طويلا إلى درجة لا يحسنها غير العطارين المتمرسين. كما انها مهنة تتطلب في الوقت نفسه قدرة على إقناع الزبون لا تتوافر في أية مهنة لبائع آخر. وعرف الوردي كلّ أنواع الطب الشعبي. وكان يتمثله احيانا للمزحة في احاديثه، فلم يكن يعول عليه كثيرا، مثلا: أنت تحتاج إلى "كمون" وانت إلى "حبة حلوة" و أنتِ إلى "جوزة بوه" ألخ.. ولم تفارق مهنة العطارة الوردي في بحوثه العلمية، ونظرته الدائبة إلى البحث في أغوار الشخصية العراقية وأستجلاء غوامضها. كان الرجل ما يزال مدققا، وما يزال حريصا على أنتقاء عباراته، وما يزال رائقا أيضا كعطّار بغدادي أصيل.
العطارة كمهنة للوردي مارسها كروح قائمة فيه، وهي لم تفارقه قط طوال حياته؛ فميزته في التحري عن الاشخاص، والنظر مليا إلى وجوههم، والتدقيق في كلماتهم؛ وعبارته الاثيرة : من أي ( ولاية ) أنت؟ تعرف - أنت! - تستقي عراقيتك من أية عين؟ كردي أنت او تركماني أنت او شروقي؟ الشروقية ليست سبة! أبويا؛ هذه مجرد صفة؛ جهة.
يعرف الوردي جميع مدن العراق وتاريخها الحديث. وربما يعرف تفاصيل دقيقة عن أحياء تلك المدن أيضا. ولا ادري هل ان هذه الميزة ناتجة عن زياراته لتلك المدن البعيدة، كما كان عليه حال مؤرخ العراق الكبير السيد عبد الرزاق الحسني الذي جابها على قدميه، ام هي معارف خاصة به؟؟ لكن الوردي كان يرى مدن العر اق وقراه وقصباته بعين عالم الاجتماع وليس المؤرخ. وهو ملمّ بكل اثنيات العراقيين تقريبا. ورغم ذلك لم يستخدم تلك المعرفة- كما أرى على نحو كبير- في الكشف عن تاريخ العراقيين الاجتماعي الاعمق والأكثر إثارة بالنسبة لهم ولغيرهم هذه الأيام بعد ان أصبح العراق على كلّ لسان في العالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه. هاهو العراق ملك الجهات الاربع من جديد.
ومن هنا، فإن من أهم النقدات إلى سفره الطويل(ملامح اجتماعية في تاريخ العراق الحديث) هو سيطرة التاريخ (كحوادث متسلسلة) على الوردي، وعدم اللجؤ إلى تدوين التاريخ الاجتماعي بحدّ ذاته، مما أفقد ذلك العمل إمكانية كبيرة في تميزه عن البحوث التاريخية البحتة.
وبقيت نظرية الدكتور الوردي الاجتماعية في تفسير الشخصية العراقية من أهم النظريات على مدى أكثر من ربع قرن. لكن التغييرات التي طرأت على هذه الشخصية في السنوات الاخيرة تدعونا بالطبع إلى إعادة النظر في مدى علمية تلك النظرية العامة وملامستها للشخصية العراقية في الوقت الحاضر.
بقيت نظرية الوردي الاجتماعية "خلدونية " في منهجيته النهائية، على الرغم من انه حاول ان ينأى بها بهذا المقدار أو ذاك عن ذلك. فصراع البداوة والحضارة هو المحور الاساس لنظرة الوردي. وفي السني الاخيرة من عمله العلمي حاول إضافة عوامل جديدة مما يؤكد حركية النظرية الوردية في الشخصية العراقية وعدم جمودها من قبله.
بقيت (أمبيريقية) الوردي محددة تستند إلى التحدّر الاجتماعي، والأحصاء، والتفحّص الشخصي القائم على الخبرة والملاحظة الخاصة، والحدس إلى حدّ بعيد. اما المحللون الغربيون فقد أفادوا كثيرا من نظرية الوردي التي كشفت خط البداية في فهم الشخصية والمجتمع العراقيين. ومن ثمّ سوف تمهد الطريق لفهم طبيعة الدولة التي يريدها العراقيون؟ ولا شكّ بان تأسيس مجلس الحكم وظهور نظام المحاصصات السياسية المبني على الاثنية وغيرها من المفاهيم الواردة حاليا في السياسة الاميركية، تعود إلى (سؤ الفهم) لطبيعة الشخصية العراقية، وليس إلى التعمق بمنهجية الوردي العلمية.
ومن الغريب ان صدام حينما سئل ذات مرة من صحفية اميركية بعد عام 1991 عما إذا كان قد قرأ نظرية الوردي ورأيه فيها؟ وفي الشخصية والمجتمع العراقيين، لم يحر جوابا.. وربما تهرب من الإجابة بطريقة غير لبقة كعادته. بالطبع كان صدام يظن نفسه (أعلم) العراقيين بالشخصية والمجتمع العراقيين، فمن يكون الوردي إذن؟! ولذلك لم يشر له في جوابه من قريب أو بعيد. كانت (نظرية صدام في التقريب والإبعاد) في الشخصية العراقية تختلف تماما عن نظرية الوردي وهي تكمن بالدرجة الاساس في عاملين أساسيين:
1ـ أعتماد توليف القلوب من خلال المال في(شراء الولاء) وهو أسلوب قديم تمتدّ جذوره إلى طبقة(المؤلفة قلوبهم) من أمثال أبي سفيان وغيره من أشراف قريش. ثمّ (العطاء) الذي مارسه الخلفاء الامويين والعباسيين في ضبط المقاتلة، وما تبعه من توسيع لمفهوم ديوان الجند.. وبقاء ذلك الاسلوب قائما في الدولة العثمانية متمثلا بالاقطاع (العسكري) -هذه المرة- الذي كان يظهر بادق صوره في العهود المملوكية(الدوشرمه).
وكان النظام السابق في العراق يرى في المال محركا رئيسا للشخصية العراقية حتى وصل به الامر في العقد الاخير من حكمه إلى منح رواتب شهرية تبلغ(50000 ألف دينار) شهريا إلى عضو الفرقة، وهو أدنى تنظيم (قيادي) في الحزب الحاكم، ويتصاعد الراتب هندسيا بارتفاع المنصب الحزبي حتى يبلغ الملايين لدى امناء سر الفروع.. فضلا عن تزويدهم بسيارات خاصة من مستوى عضو شعبه وهو الاعلى من عضو فرقة - أسوة بضباط الجيش المتطوعين - مع العلم ان راتب الموظف البسيط في الدولة العراقية يبلغ(3000 دينار) أي بنسبة 6% من راتب اصغر حزبي في سلم الإدارة البعثية.
2ـ ترسيخ الأنقسامية الجهوية: وتعد أمتدادا لروحية التقريب بالمال من خلال التقريب بالجهة( الطائفة + المنطقة + التحدّر العشائري) حيث كان النظام السابق يولي تلك السياسة جلّ اهتمامه منذ تسلمه السلطة عام 1968 وحتى سقوطه في 2003 وتعود تلك النظرة إلى طبيعة التكوين العشائري والطائفي للنخبة الحاكمة آنذاك.
وبغض النظر عن مدى صحة (النظرية الصدامية) الكارهة علنا لكلمة (أسوة: التي أصدر مرسوما جمهوريا بإلغائها!) في ترسّم خطى الشخصية العراقية والتعامل معها، إلا أنها تعكس أيضا مدى النكوص الفكري والثقافي للنخبة الحاكمة، واعتمادها على المثل والقيم الاجتماعية القديمة المتداولة منذ العهود العثمانية.. والدليل على الفشل الذريع لتلك النظرة المسطحة للشخصية العراقية، هو تخلي اقرب المحيطين بالنظام عن الدفاع عنه، حينما غزت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق في نيسان عام 2003 حيث لم تقاوم حتى تلك المجاميع المقربة جدا من النظام.. وفي الوقت نفسه، فإن تلك السياسة المعززة بالعنف الجماعي والتهميش والأقصاء والتغييب على الهوية قد اتت اكلها في الحفاظ على وجود النظام لأطول مدة ممكنة، وفشلت معظم المحاولات لأسقاطه داخليا.
كان من الصعب على الدكتور علي الوردي المعارض للسياسة الصدامية الذي بقي محافظا على مواقفه الرافضة للنظام حتى اليوم الاخير من حياته، ان يحدد مجمل المتغيرات في الشخصية العراقية في ظل النظام العسكرتاري العراقي 1958- 2003 ومن هنا فإن نظرية الدكتور الوردي هي بنت العهد الملكي إلى حدّ بعيد. ولا يمكن عدّها وسيلة لفهم طبيعة الشخصية العراقية بعد ذلك. وإن قسما كبيرا مما شخصه الوردي كان قد أستمر في مكونات تلك الشخصية وحدد سلوكها اليومي. لكن مثلا وقيما جديدة وغريبة قد دخلت قاموسها في الوقت نفسه في العهد العسكرتاري ألغت كثيرا من الاعتبارات التي شخصها الوردي في تكوين تلك الشخصية.
كان المفكر الوردي عقلا نقديا عراقيا يشبه إلى حدّ ما العقل الفولتيري في الكشف عن عيوب مجتمعه. وحضر الوردي في مختلف المجالات التي مارسها المجتمع العراقي وخاصة في مجال الادب. يمكننا أن نجد ذلك واضحا في كتابه (وعاظ السلاطين) و(مهزلة العقل البشري) وغيرهما من الكتابات شبه الفولتيرية الساخرة. لكن الوردي على الرغم من عدم إلتزامه الديني الواضح.. لم يستطع ان يواجه (تابوات) المتدينين الاسلامويين بأي حال من الاحوال. فكان المسكوت عنه يمثل هامشا كبيرا جدا وخاصة في العهد العسكرتاري. يعود تفسير ذلك إلى طبيعة قوة المنظومة الدينية الشرقية، وحماية العسكرتاريا لها بأعتبارها من عوامل الضبط الاجتماعي الاساسية للانضباط السياسي الشامل. وعلى الرغم من أنها لم تقف مكتوفة الايدي بأزاء القوى الدينية المتمردة عليها على العموم لكنها مارست حماية واضحة للثوابت الخاصة بها. فضلا عن ان تلك القوى الدينية كانت تعدّ نفسها (فوق النقد) دائما في مختلف مفاصلها ومدارسها. كما ان فولتير العراق لم يواجه النظام العسكرتاري السابق إلا بالصمت غالبا. لكنه- رغم ذلك- سجّل موقفا مشرفا حينما رفض تكريم "عدي" النجل الاكبر للطاغية صدام في الايام الاخيرة من حياته ليوثق موقفا نادر الوقوع..
ساعد التاريخ العراقي الحديث الوردي على صياغة نظريته التفسيرية للمجتمع العراقي في النصف الاول من القرن العشرين. وإذا كانت الظروف قد حالت دون تطوير تلك النظرية او وضع بديل عنها في النصف الثاني من القرن العشرين بسبب طبيعة النظام السياسي السابق الذي حول الدراسات الاجتماعية العراقية إلى (قضية امنية!) يفاد منها (العدو) الخارجي والداخلي. وفي الواقع أن النظام كان يعد تلك الدراسات الميدانية كشفا سافرا وحيا لطبيعته العدوانية, وخاصة حينما تكون معززة بالدراسات الميدانية.
هذه السياسة لم تكن وليدة مدة الحرب الداخلية في الشمال 1974 -1980 أو الحروب الخارجية 1980-2003على أية حال، بل تعود جذورها إلى بداية تسلم البعثيين الحكم في إنقلاب عام 1968 حيث تمّ تهميش قسم الاجتماع في كلية الآداب - جامعة بغداد بقوة واضحة. ولم ينشأ اي قسم علم اجتماع آخر في جامعات العراق الاخرى؛ بل ان خريجيه كانوا يجدون صعوبات بينة في تعيينهم سواء في دوائر السجون او الإرشاد التربوي.. وقد قدم ذلك الوضع المستقبلي لخريجي (علم الاجتماع) مشكلة إدارية كبيرة مما قلل من الإقبال على الدراسة فيه وتهميش دور الدراسات الاجتماعية عموما وأقتصارها على الجوانب النظرية البحتة.
ومن الصعب ان نجد الوردي قد توقف عند حدود معينة في نقده الاجتماعي، او أنه قد كرس نفسه لدراسة مر حلة اجتماعية بعينها، على الرغم من ان تحليله للشخصية العراقية قد أعتمد على معطيات النصف الاول من القرن العشرين. ولا شك بان عائلة الوردي او تلامذته ماتزال تحتفظ بمخطوطات حول رؤيته للمجتمع العراقي- حسبما أعلم - للمدة 1958 وحتى وفاته في منتصف التسعينات، حيث كان الاقبال على كتب علي الوردي مستنسخة على أشده اكثر من أية مرحلة اخرى. ويعود تفسير ذلك من وجهة نظري، ليس للعمق الذي جاءت به تلك الدراسات السريعة التي تقترب من روح الصحافة؛ بل إلى الرغبة المحمومة للنخب العراقية المتعلمة التي عاشت ظروف الحصار 1990-2003 وبحثها عن أستيضاح مكونات ومكنونات الشخصية العراقية.
لم يؤسس استاذنا الوردي نظرية اجتماعية متكاملة من حيث الرؤية العلمية، وهي مسألة طبيعية في العلوم الاجتماعية. وترك الباب مفتوحا على مصراعيه، في أكثر من مجال لمن يأتي بعده باحثا ومنقبا في الشخصية والمجتمع والدولة في العراق. ولعلّ في المخطوطات التي خلفها الوردي - إن وجدت - ما يشفي صدور بعض محبيه ومنتقديه على حدّ سواء. وتكمن أهمية الوردي - كما هو فولتير- في كمّ التساؤلات الكثيرة التي أثارها حول طبيعة المجتمع والشخصية العراقيين أكثر من اجاباته العلمية وتحليلاته في هذا الشأن. مما يتطلب جهودا لمواصلة بحوثه على نطاق أوسع.



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض الأسدي - تكرار فولتير،دراسة أولية في النظرية الأجتماعية الوردية