أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - 8 مارس الثورية - المعلمة النسائية البروليتارية كلارا زتكين















المزيد.....


المعلمة النسائية البروليتارية كلارا زتكين


8 مارس الثورية

الحوار المتمدن-العدد: 5371 - 2016 / 12 / 14 - 18:18
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


بقدر ما أنجب الفكر الاشتراكي الثوري معلمين برولتاريين من أمثال ماركس و انجلز و لينين، فقد أنجب أيضا معلمات بروليتاريات بصمن الفكر الاشتراكي الثوري ببصمات لا تنمحي، و على رأس هؤلاء المعلمات، المعلمة النسائية البروليتارية كلارا زتكين.
كان ميلاد كلارا في 5 يوليوز 1857 تحت اسم كلارا إسنيربسيمنس في منطقة الساكس، كان أبوها معلم قرية فتوجهت بدورها إلى التعليم في " المدرسة العليا للبنات" في مدينة لبتزيغ.
خالطت كلارا منذ منتصف 1870 الحركات النسائية، حيث شاركت في العديد من نقاشات "الجمعية العامة للنساء الألمانيات"، ثم بدأت تلتحق بالحركة الاشتراكية .
في سنة 1878 نجحت كلارا بتفوق في امتحان المدرسة العليا، لكن رغم حبها الكبير لمهنة التدريس فلم يكن أكبر من حبها للفكر الاشتراكي، حيث ستختار الانتماء إلى الأفكار الاشتراكية التي كانت تتطور بارتباط مع النمو الصناعي لألمانيا في عهد بيسمارك.
لا يمكن الحديث عن كلارا زتكين دون ربطه بمواطنها أوغست بيبيل الذي لعب دورا بالغا في فكرها، و أيضا لا يمكن الحديث عن أوغست بيبيل دون ربطه بكتابه "المرأة و الاشتراكية" الذي تأثرت به كلارا أيما تأثر، فما هو السياق الذي يندرج فيه هذا الكتاب، و ما تأثير الأفكار الواردة فيه على كلارا ؟
في سياق الحملة الشوفينية التي انتشرت في ألمانيا على إثر الحرب الألمانية – الفرنسية لسنة 1870 ، تعرضت الحركة الاشتراكية الألمانية لحملة قمع واسعة مست حتى ممثلي الحزب الاشتراكي داخل البرلمان . في هذا المناخ سيتم اعتقال أوغست بيبيل الذي سيقضي ثلاث سنوات في السجن بتهمة إهانة " صاحب الجلالة" و خلال تواجده في السجن قام بيبيل بتأليف كتابه : "المرأة و الاشتراكية"، الكتاب الذي لعب دورا كبيرا في تغيير وعي الملايين من الناس.
طبع هذا الكتاب بسويسرا، و نظرا للرقابة المناهضة للاشتراكية في ألمانيا، فقد دخلت آلاف النسخ منه إلى ألمانيا بغلاف مزيف تحت عنوان: "تقارير مدراء المقاولات"، و قد عرف الكتاب نجاحا باهرا و منقطع النظير.
كانت الحركة الاشتراكية تعرف مواجهة كبيرة مع الرأسماليين و الدولة الرجعية البسماركية، و ما كان على الحركة العمالية أن تتخلى عن نصفها الآخر في تلك المعركة الحاسمة، و كان على بيبيل أن يواجه الأحكام المسبقة المنتشرة آنذاك حول المرأة حتى في صفوف الطبقة العاملة.
في المؤتمر الأول للأممية الأولى، الذي انعقد بجنيف سنة 1866 حاول أنصار" برودون" استصدار قرار من الأممية يمنع عمل النساء، إذ بحسب هؤلاء فإن المكان الطبيعي للمرأة هو المطبخ و مهنتها الطبيعية هي الأمومة، بل إن العاملات أنفسهن كن تحت تأثير هذه العقليات المتخلفة، حيث كانت لا زالت قيود الماضي تنيخ بكلكلها على النساء، فقد كانت العاملات الشابات يضعن كل أملهن في زواج يبعدهن عن العمل في المانفاكتورات و لو أدى ذلك بهن إلى العودة للمطبخ.
قام بيبيل في كتابه السابق الذكر بوضع المسألة النسائية في سياق السيرورة الاجتماعية التاريخية، بدراسة موثقة حول الاضطهاد الذي عانت منه النساء عبر التاريخ، مبينا العلاقة الوثيقة القائمة بين المسألة النسائية و المسألة الاجتماعية، بين تحرر النساء و التحرر الشامل للمجتمع من قانون الربح، و يقول بيبيل في هذا الصدد:
"في المجتمع الجديد ستكون المرأة اجتماعيا و اقتصاديا مستقلة بشكل شامل، لن تكون خاضعة و لو قليلا للسيطرة و الاستغلال، ستكون حرة تجاه الرجل، ستكون مساوية له و متحكمة في مصيرها، ستتلقى نفس التربية كالرجل باستثناء الجوانب التي تعرف تميزا بين الجنسين، و هي تعيش في ظروف طبيعية يمكن أن تطور كل قواها و قدراتها الجسمانية و الفكرية، ستختار رغباتها بشكل أحسن، و كذلك ميولاتها و استعداداتها، ستعمل في نفس ظروف الرجل ...
و لاختيار شريكها في الحب ستكون حرة كما الرجل، و تكون لها مبادرة المغازلة مثل الرجل، و لا تدخل في علاقة إلا بأخذ عواطفها بعين الاعتبار" (المرجع : المرأة و الاشتراكية) .
لقد كان لهذه السطور أثر بالغ في تلك المرحلة.
كرمت كلارا مرارا عمل بيبيل باعتباره أحد الرواد الأوائل في هذا المجال، و قد سعت للتعرف عليه شخصيا، و قد كان لها شرف ذلك. تحت تأثير هذه الأفكار ستولد كلارا الاشتراكية و المناضلة النسائية.
في 1878 قطعت كلارا علاقتها مع عائلتها و انخرطت في الحزب الاشتراكي الألماني(س.ا.ب)، و هو النسخة الأولى للحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني، الذي قام بسمارك بمنعه في نفس السنة، و قد شاركت كلارا في الاجتماعات الاشتراكية السرية و ستتعرف على الثوري الروسي أوسيب زتكين ( مناضل شعبوي مطرود من روسيا، ستقوم السلطات الألمانية باعتقاله و طرده سنة 1890). كما سيتم طرد كلارا من ساكس نحو زيوريخ السويسرية حيث ستلتحق بأوسيب سنة 1892 في باريس، حيث عاشا هناك في فقر مذقع في المقاطعة الثالثة عشرة، و قد نتج عن زواجهما ابنان هما مكسيم و كونستانتان.
كانت كلارا تشتغل محررة في جريدة الحزب المسماة " الاشتراكي الديموقراطي"، و بالرغم من أن كلارا لم تكن متزوجة بشكل رسمي فقد تبنت اسم رفيقها و حافظت عليه حتى الموت.
كان أوسيب سكرتيرا لأول مجموعة عمالية روسية في الخارج خاصة في باريس، و كان مع كلارا يحرران مراسلات موجهة للصحافة الاشتراكية الألمانية، و خلال هذه الحقبة تعرفا على لويز ميشيل ( إحدى قائدات كومونة باريس) و كذلك جول غيسد و بول لافارغ زوج لورا ابنة ماركس.
لم يدم العمر طويلا بأوسيب زتكين إذ نخر داء السل جسمه و توفي سنة 1889.
كل هذه الظروف التي أحاطت بكلارا و الأحداث التي عاشتها، جعلت منها منظرة الحركة النسائية البروليتارية التي لا يشق لها غبار، و قد بدا ذلك منذ مساهمتها في تهيئ المؤتمر العمالي الدولي في يوليوز 1889، و هو المؤتمر الذي تولدت عنه الأممية الثانية حيث قدمت كلارا تقريرا عن أوضاع العاملات في ظل الرأسمالية، و ألقت أول خطاب في حياتها، و مما جاء في هذا الخطاب:

" بالنضال يدا في يد مع العمال الاشتراكيين، تظهر النساء استعدادا تهن لكل التضحيات و مجهودات النضال وبنفس الدرجة هن مستعدات، و باستحقاق لانتزاع حقوقهن بعد الانتصار".

كانت تدخلات كلارا حاسمة في قرار الأممية الثانية الذي دعا الاشتراكيين في كل البلدان إلى إشراك النساء في النضال الطبقي، و سنة بعد ذلك أدمج برنامج الحزب الاشتراكي الديموقراطي المسمى برنامج "إيرفورت" مطلب المساواة الاقتصادية و السياسية و القانونية للمرأة.
هكذا و في سن 32 سنة أصبحت كلارا قائدة سياسية من حجم أممي و منظرة للقضايا النسائية.
كانت ألمانيا تاريخيا تخضع لنظام دكتاتوري ( حكم بسمارك) و قد قام هذا الأخير بمنع الحزب الاشتراكي الديموقراطي بعدما أصدر قانونا مناهضا للاشتراكية ( القانون الاستثنائي ضد الاشتراكيين وضع قيد التنفيذ من قبل حكومة بسمارك سنة 1878 )، و عندما قام أوغست بيبيل و ولهام لبنيخت ( أب كارل لبنيخت القائد الاشتراكي الذي تم اغتياله على يد خونة الحزب الاشتراكي الديموقراطي إلى جانب روزا لوكسمبورغ ) بتنظيم العمل السري، قامت النساء بدور كبير، و انخرطن بشكل واسع في الصراع الطبقي، و خضن الإضرابات الكبرى لسنوات الثمانينات للقرن 19. هكذا و في 1889 على إثر الإضرابات العامة الكبيرة للعمال، اضطر الحكم الرجعي الألماني إلى إلغاء القانون المناهض للاشتراكية، و في سياق هذه الأحداث عادت كلارا من منفاها إلى ألمانيا بصحبة ابنيها.
في سنة 1892 صدر العدد الأول من مجلة "المساواة"، أول جريدة نسائية سياسية، و ظلت كذلك لمدة طويلة على مستوى أوربا، و من مقرها بستوتغارت كانت كلارا هي رئيسة تحريرها، و استمرت في تنشيطها إلى حدود 1917، بحيث لعبت دورا كبيرا في نشر أفكارها، و قد جمعت المجلة بين الطابع النظري و التشهير بأوضاع النساء البرولتاريات. في مؤتمر "غوتا" سنة 1875 تبنى الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني مشروع قرار قدمته كلارا. و في غشت 1907 سيتم انتخابها كمسؤولة للسكرتارية الأممية للنساء، و قد قامت بعمل جبار من أجل أن يتبنى مؤتمر الأممية الاشتراكية قرارا يدعو:
"... كل الأحزاب الاشتراكية لكل البلدان واجب النضال المستميت من أجل إعطاء حق الاقتراع العام للنساء"

في سنة 1899 تزوجت كلارا بالرسام فردريك زندل الذي ظلت معه إلى حدود 1928 مع حفاظها على لقب زتكين.
و في باريس ستشارك كلارا بنشاط كبير في تأسيس الأممية الثانية سنة 1889، خلاله طالبت بالمساواة الشاملة في الحقوق المهنية و الاجتماعية للمرأة، و كذا مشاركتها النشيطة في النضالات الطبقية.
كان نضال كلارا زتكين المستميت حول حقوق النساء قد جعلها تنتزع ثقة 56 مندوبة من 14 دولة المجتمعة في ستوتغارت بألمانيا، بالتعاون مع المؤتمر الاشتراكي الأممي العام و ذلك بانتخابها رئيسة للسكرتارية الأممية للنساء الاشتراكيات في سنة 1907 و قد كان من مقررات المؤتمر:
- إنشاء مكتب نسائي أممي مهمته توثيق العلاقات بين التنظيمات العمالية النسائية في مختلف الأقطار.
- الاعتراف بصحيفة"فلايشهايت"( المساواة) التي كان يصدرها الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني، و كانت تديرها كلارا زتكين كصحيفة ناطقة باسم "المكتب النسائي الأممي".
في هذه السنة ستبلغ حركة المرأة العاملة درجة من الاتساع، ستسمح بعقد أول مؤتمر أممي للنساء في مدينة ستوتغارت الألمانية بالتعاون مع المؤتمر الاشتراكي الأممي العام.
لأن قضية المرأة تسكنها بشكل قوي، فقد قررت كلارا ألا تنهي حياتها بدون تتويج لهذا النضال، و ذلك بانتزاع الاعتراف بأحقية المرأة في المساواة و التحرر، لذلك لا يمكن الحديث عن كلارا دون الوقوف عند 8 مارس الذي أضحى اليوم العالمي للمرأة.
خلال الندوة الأممية الثانية للنساء الاشتراكيات المجتمعات في كوبنهاغن بتاريخ 8 مارس 1910، اقترحت كلارا خلق يوم عالمي للنساء كيوم للتظاهر للنضال من أجل الحق في الانتخاب، المساواة بين الجنسين و الاشتراكية.
هكذا، و ابتداءا من 8 مارس 1911 تم إحياء اليوم العالمي في أمريكا لينتشر في ما بعد في بلدان أوربا والعالم، كما أنه في هذه السنة تظاهرت مليون امرأة في النمسا-هنغاريا، الدانمارك، سويسرا و ألمانيا، ثم عرفت السنوات التالية تظاهرات أخرى في كل من فرنسا و هولندا و السويد، و في 8 مارس 1914 طالبت النساء الألمانيات بالحق في الانتخاب (انظر( ي) مقالة روزا لوكسمبورغ :"الصراع الطبقي و حق النساء في التصويت")
و لم يصبح يوم 8 مارس تقليدا مستقرا و دائما إلا ابتداءا من سنة 1917 مع الإضراب الذي شنته النساء العاملات في روسيا بمدينة سان بترسبورغ الروسية، و في 8 مارس 1918 اتحذ لينين العظيم قرار اعتبار 8 مارس يوما للنساء، وفي 1924 تم الاحتفال به في الصين ثم في الجمهوريات الشعبية لأوربا الشرقية سنة 1946 قبل أن يتم ترسيمه في 8 مارس 1977 باعتباره اليوم العالمي للمرأة من طرف الأمم المتحدة.
ككل الاشتراكيين الديموقراطيين الثوريين اعتبرت كلارا الحرب العالمية الأولى حربا امبريالية، حربا استعمارية لتقاسم الأسواق لا تهم الشعوب، و من خلال تحاليلها و ممارستها الماركسية و حزمها في المواقف الطبقية ضد الرأسمالية و الامبريالية، كانت كلارا تحتل موقعا متميزا داخل الجناح الثوري اليساري للحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني، إلى جانب القائدة الثورية الشهيدة روزا لوكسمبورغ التي كانت صديقتها، و قد واجهت كلارا بشدة الاتجاه الشوفيني داخل الحزب بقيادة نوسكه ( و هو وزير داخلية الحكومة الاشتراكية الديموقراطية في جمهورية فيمارن و كان المسؤول التاريخي إلى جانب فردريتش إلبرت على اغتيال القياديين الشيوعيين البارزان روزا لوكسمبورغ و كارل ليبنيخت).
و في المؤتمر الاشتراكي الأممي بمدينة بال بسويسرا في نونبر 1912، توجهت كلارا بنداء لنساء العالم للنضال ضد الحرب الامبريالية.
عرفت كلارا بمعارضتها للحرب الإمبريالية الأولى، فقامت بفضح و التشهير بموقف الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي وافق على دخول ألمانيا الحرب، حيث قامت في هذا الشأن بمراسلة العديد من الجرائد في البلدان المحايدة.
قامت كلارا زتكين في دجنبر 1914 بتأسيس " "عصبة السبارتاكيين" و ذلك بمعية روزا لوكسمبورغ و كارل ليبنيخت و بول ليفي و إرنست مايير و ليو جويغيش و فرانتس مهرينغ و آخرين.
و في مارس 1915، تسللت سرا عن طريق هولندا للدخول إلى سويسرا و بالضبط إلى مدينة بيرن، لتترأس الندوة الأممية للنساء الاشتراكيات، حيث تأكد معارضة النساء للحرب، و عند عودتها إلى ألمانيا تعرضت للتهديد و تم اعتقالها لتلتحق بالسجن الذي سبق و أن التحقت به روزا لوكسمبورغ منذ سنة.
و لأن كلارا كان لها الريادة كامرأة في كثير من المحطات النضالية فكرا و ممارسة ، فقد كانت من مؤسسات الحزب الشيوعي الألماني، فبعد مجمل الأحداث التي عرفتها ألمانيا و منها مقتل روزا لوكسمبورغ و كارل ليبنيخت و فشل الانتفاضة العمالية سنة 1918، و بعد القمع الذي تعرضت له حركة "عصبة السبارتاكيين"، و بعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917 و نشوء الأممية الشيوعية الثالثة، و بالضبط في سنة 1920 التحقت كلارا بإرنست تلمان و إرنست تولير و والتر أولبرايخت بالحزب الشيوعي الألماني الذي أصبحت إحدى قاداته باعتبارها عضوا في المكتب المركزي إلى حدود 1924 و عضوة اللجنة المركزية منذ 1927 إلى غاية 1929.
مكنت الثورة البرجوازية الألمانية في نونبر 1918 ( جمهورية فيمار)، الحركة النسائية من تحقيق مطلب حق النساء في الانتخاب أي ينتخبن( بفتح الياء) و ينتخبن ( برفع الياء) و هو مكسب للنساء كان من نتائجه ان انتخبت كلارا كممثلة للحزب الشيوعي الألماني في انتخابات الرايشتخ سنة 1920، و ظلت تنتخب تباعا خلال المدة التي استمرت فيها جمهورية فيمار.
لأن روسيا البلد الذي ستتحقق فيه أفكار و مطامح كلارا زتكين بفضل الثورة البلشفية سنة 1917، فقد حرصت على أن تتعرف على لينين زعيم هذه الثورة، بعد أن كانت قد تعرفت على انجلز في المؤتمر العمالي الاشتراكي الأممي بزيوريخ سنة 1893، و قد تعرفت على لينين و التقته لأول مرة في مؤتمر ستوتغارت حيث كانت شهرتها قد طفقت الآفاق.
لقد كانت سلطة كلارا داخل الحركة العمالية الاشتراكية كبيرة لحد أن لينين طلب منها سنة 1920 المساعدة من أجل خلق حركة نسائية أممية قوية، و قد دارت بين لينين و كلارا نقاشات طويلة في مكتبه بالكرملين، حيث خالفت كلارا لينين في العديد من المواقف حول المرأة ( انظر ( ي) كتابها في هذا المجال).
مرة أخرى تكون كلارا زتكين في الصفوف الأولى، فقد أصبحت قائدة من قيادات الأممية الشيوعية الثالثة في سن الستين، حيث الإرادة ما زالت قوية و الجسم ما زال قادرا و الفكر ما زال متقدا، أصبحت كلارا عضوة في الحزب الشيوعي الألماني و عضوة في اللجنة التنفيذية للأممية الثالثة في موسكو منذ 1921 إلى غاية 1923، و كلفتها اللجنة التنفيذية للأممية الثالثة سنة 1920 بحضور المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الفرنسي، و تمكنت من الحضور رغم أن كل الأجهزة القمعية قد وضعت في حالة استنفار لمنعها من دخول فرنسا، و لتحقيق نفس المهمة بمدينة ميلان الإيطالية تم التحايل على الأجهزة القمعية من أجل تسهيل دخولها إلى إيطاليا، حيث قام الشيوعيون بتوجيه البوليس نحو اتجاهات مغلوطة فاستطاعت الدخول إلى إيطاليا بشعر مستعار، و قد نجحت في المهمة التي حضرت إلى إيطاليا من أجلها (حضور المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الإيطالي).
ومن المهام الكثيرة التي اضطلعت بها كلارا، قيادتها للسكرتارية النسائية للأممية الثالثة، و قامت بتسيير دورية "الأممية الشيوعية النسائية"، و تجدر الإشارة إلى أن كلارا كانت من المقربات للروسية البلشفية ألكسندرا كولونتاي في الأممية الثالثة.
إن مسيرة كلارا النضالية طويلة لا تتوقف، فلم تترك مجالا من المجالات التي يمكن أن تساهم فيه بفكرها و نضاليتها إلا ولجته، ففي دجنبر من سنة 1929، و بالضبط من داخل "جمعية البلاشفة القدامى" (جمعية روسية للمساعدة و التضامن الدولي مع مقاتلي الثورة)، تم إطلاق فكرة تأسيس " الإسعاف الأحمر الدولي"، حيث تبنت الأممية الثالثة هذا النداء، فتأسست على إثر ذلك مجموعة من الفروع الوطنية، وقد اجتمعت الجمعيات الوطنية و انتخبت لجنة تنفيذية من بين أعضائها و مسؤوليها كلارا زتكين التي أصبحت رئيسة لها بعد وفاة رئيسها الأول جوليان مارشيوسكي ابتداءا من 1925.
كما كانت كلارا ضد الحرب الإمبريالية الأولى، باعتبارها حربا امبريالية، فقد كانت أيضا ضد الفاشية التي استفاضت في تحليل طبيعتها و نتائجها و خطورتها، وكانت كلارا من الأوائل الذين قدموا تحليلا واضحا لطبيعة الفاشية و لقواعدها الجماهيرية انطلاقا من تجربة إيطاليا و من علاماتها الأولى في ألمانيا، و ذلك عشر سنوات قبل ديميتروف ( قائد شيوعي بلغاري و عضو بارز في المكتب التنفيذي للأممية الثالثة) و بذلك كانت من الأوائل الذين دافعوا عن استراتيجية و تكتيك " الجبهة الوحيدة "داخل الأممية الشيوعية من أجل مواجهة الزحف الفاشي و النازي.
كل المحطات التي مرت منها كلارا عبر مسيرتها الطويلة في النضال فكرا و ممارسة لا يمكن إلا أن تثير الإعجاب و التقدير اتجاه هذه المرأة الشامخة، لكن وقوفها ذات يوم على منصة البرلمان الألماني خطيبة مفوهة و هي بصحة في غاية الاعتلال يجعلك تقول : أي امرأة أنت يا كلارا ؟
فبعد تعرضها لعملية نزع " الجلالة" و برجلين متجمدتين مصابتين بالغنغرينا إضافة إلى داء السل القديم الذي عاودها مرة أخرى و قد نخر رئتيها، امرأة منهكة صحيا لكن العقل ما زال صاحيا و متقدا، و جذوة الذكاء ما زالت مشتعلة، و باعتبارها عميدة البرلمان الألماني، ستلقي خلال غشت 1932 خطاب الافتتاح، خاصة وأن الزحف النازي يتقدم و لابد أن تقول كلمتها، كلمة الشيوعيين و موقفهم من النازية.
ففي سياق شروط تاريخية، استطاع النازيون بقيادة هتلر من تحقيق الفوز في الانتخابات بنسبة %38، و حين كانت الجلسة الأولى للبرلمان الجديد تنعقد يوم 30 غشت 1932 ، و حيث كان البرلمانيون النازيون بألبستهم العسكرية و أيديهم الممدودة ( علامة تحية نازية) يحيون غورينغ ( أحد أعمدة النظام النازي، حكم عليه بالإعدام بعد الحرب العالمية الثانية) الذي سيتم انتخابه رئيسا للرايخشتخ , قامت امرأة في عمر يناهز 75 سنة، عمياء تقريبا تصعد ببطئ إلى المنصة بمساعدة شخصين، و بصوت بدأ منخفضا، ثم ما لبث أن ارتفع، ألقت نداءا طويلا لمحاربة الهتليرية، حيث قالت:

"إن ما يجب فعله و قبل كل شيء هو القضاء على الفاشية، التي تريد تصفية التظاهرات الطبقية
للعمال بالدم و الحديد، إن ضرورة الساعة هي " الجبهة الوحيدة" لكل العمال من أجل صد الفاشية".

هذه المرأة الصلبة الشجاعة، الجريئة و الناذرة كان اسمها ببساطة كلارا زتكين، و سيذكر لها التاريخ كل هذه المواقف الشجاعة و الجريئة رغم انتشار التحريفية و ربيبتها الحركات و الأنظمة المعادية للشيوعية، و إن التاريخ لا يكون أمامه سوى الانحناء لهذه المرأة، كما أن مهمة كل شيوعي حقيقي إنصاف هذه المناضلة الشيوعية الفذة.
بعد اضطرارها إلى الفرار من ألمانيا بعد وصول النازيين إلى الحكم، و بعد منع الحزب الشيوعي الألماني، وصلت كلارا إلى موسكو منهوكة القوى، و بعد أسابيع من ذلك، و بالضبط في يوم 20 يونيو 1933 عن سن تناهز 75 سنة، و في مكان قرب موسكو فقدت الحركة الشيوعية العالمية و الحركة النسائية البروليتارية الاشتراكية أحد أبرز قادتها التاريخيين : كلارا زتكين، و قد دفنت بجوار حائط الكرملين في الساحة الحمراء.
لقد حاولنا من خلال هذه الأسطر تكريم هذه المناضلة الفذة و الناذرة التي كانت وراء مبادرة جعل 8 مارس يوما عالميا للمرأة، و ذلك إحياءا للذاكرة الشيوعية الثورية التي يحاول التحريفيون القدامى و الجدد و أعداء الفكر الاشتراكي و الشيوعي طمسها و محاولة تمييع الاحتفال بهذا اليوم، الذي هو أصلا يوم النضال من أجل تحرر المرأة و من أجل الاشتراكية.
ضدا على هذا التمييع و التزييف للتاريخ، على المناضلين و المناضلات الماركسيات اللينينيات أن يعدن له أفقه التحرري الثوري، بداية بالتعريف بالمعلمات الاشتراكيات البروليتاريات من أمثال كلارا زتكين، ألكسندرا كولونتاي، روزا لوكسمبورغ و سعيدة لمنبهي، و غيرهن من المناضلات الشيوعيات الثوريات.

مارس2014.
علي محمود

عن المركز الماركسي ــ اللينيني للدراسات و الأبحاث و التكوين

8 مارس الثورية

http://8mars-revo.hautetfort.com



#8_مارس_الثورية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية اللينينية و تحرر النساء
- في ذكرى استشهاد سعيدة لمنبهي


المزيد.....




- -لا لإقامة المزيد من القواعد العسكرية-: نشطاء يساريون يتظاهر ...
- زعيم اليساريين في الاتحاد الأوروبي يدعو للتفاوض لإنهاء الحرب ...
- زعيم يساري أوروبي: حان وقت التفاوض لإنهاء حرب أوكرانيا
- إصلاحُ الوزير ميراوي البيداغوجيّ تعميقٌ لأزمة الجامعة المغرب ...
- الإصلاح البيداغوجي الجامعي: نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة ال ...
- موسكو تطالب برلين بالاعتراف رسميا بحصار لينينغراد باعتباره ف ...
- تكية -خاصكي سلطان-.. ملاذ الفقراء والوافدين للاقصى منذ قرون ...
- المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ 48.. (1948ـــ 1966)
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - 8 مارس الثورية - المعلمة النسائية البروليتارية كلارا زتكين