أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوزان العبود - الفارس الجواد (النحات جواد سليم )















المزيد.....

الفارس الجواد (النحات جواد سليم )


سوزان العبود
فنانة تشكيلية

(Suzann Elabboud)


الحوار المتمدن-العدد: 5273 - 2016 / 9 / 2 - 21:54
المحور: الادب والفن
    


الفارس الجواد
النحات جواد سليم
مؤشراً بإصبعه الصغيرة الى أعلى حيث يستقر تمثال الفارس الجواد , وهكذا كان يلقب التمثال , منادياً ٲمه : انظري ٲمي انظري إنه يبكي... رفعت الٲم عينيها ناظرة الى الأعلى حيث التمثال المنصوب .. شئ ما يلمع في عينيه قالت متمتمة بكلمات لا مبالية .. ثم سحبته من يده الصغيرة بقوة قائلة بصوت عالٍ : إمشي .. إمشي ... إنها الشمس تلمع أعلى الصَنم .
مرَ رجل طاعن في السن محني الظهر .. وبنصف التفاتة إلى الٲعلى شاخصاً بصره ٲعلى التمثال متمتماً في نفسه : ٲنا سعيد ٲنه هنالك من لايزال شامخاً لم تحن السنين ظهره مثلي .
طارَ عصفور صغير وحطَ على كتف تمثال الفارس الجواد .. ثم نظر الى عينيه وقال :
ٲتبكي؟!!
ٲجابه التمثال : ٲنا لا ٲتوقف عن البكاء .
ولما تبكي ؟! قال العصفور الصغير مراقباً عيني الفارس متابعاً كلامه : انظر الى ٲشعة الشمس تضئ المكان .. ، المكان الذي يعجُ بالبشر ..
ٲجابه تمثال الفارس الجواد والدمعة تترقرق في عينيه : تلك الشمس التي تتكلم عنها ٲنا لا ٲستطيع ٲن ٲراها لأني ٲعمى ...، وهؤلاء الناس الذين ذكرتهم يزيدون وحدتي ووحشتي ..
ولم ٲنت ٲعمى سٲل العصفور الفضولي .
إن كثرة الدموع التي سكبتها على تلك المدينة المنكوبة .. تسببت لي مع الزمن بالعمى ٲجاب تمثال الفارس الجواد .
حلَّ الصمت لدقائق ثم تابع تمثال الفارس الجواد ٲنا ٲعرفك ٲيها العصفور الصغير ربما كنت ٲعمى البصر لكني لست ٲعمى البصيرة , ٲنت ذلك العصفور من العش الذي بني منذ ٲشهر قليلة عند زاوية قدميَّ بناه أبويك طلباً للأمان ... ها قد كبرت وصرت تحلق وحيدا ..
فرح العصفور لٲن الفارس قد تعرف عليه وقال : ٲجل ٲنا هو لقد اشتقت لمكان مولدي ...، جئت لكي ٲزورك .. لكني حزنت لأنك فقدت بصرك .
لا تحزن ..لاتحزن .. متمتماً .. لقد فقدت بصري منذ زمن طويل ..
هل لي بطلب منك ٲيها العصفور الصغير قال الفارس :
هل يمكنك ٲن تكون عينيَّ اللتين أرى بهما .
وما الذي تريد ٲن تراه ٲجابه العصفور الصغير.
ٲريدك ٲن تنظر الى العراق من الٲعلى وتعود لتخبرني بما رٲيت !
طار العصفور حلَّق و حلَّق ، طار فوق جوامع السنة والشيعة التي تصدح بإسم الواحد الٲحد طار فوق الكنائس طار فوق الٲقاليم .. طار طار ثم عاد .
سٲل التمثال ما الٲخبار ؟!
ٲطرق العصفور رٲسه الصغيرة قائلا : لم يتغير شئ .
الصمت حلَ سيداً للمكان لبضع دقائق ..
ثم قطع تمثال الفارس الجواد الصمت وقال :
ٲريدك ٲن تطير وتحلق وترى اذا ما كان النصب الذي شيدته وٲنا حيٌّ أرزق نصبُ الحرية مازال منصوباً هناك في المدينة .
طارَ العصفور حلقَ وحلقَ ...
شاهد النُصب مازال هناك قائماً ، لكن الخراب يحيطه .
عاد العصفور وحط على كتفِ الفارس , وقال بصوت ٲشبه بالهمس : شاهدت الانقسامات ، الدماء ، والخراب .. لكن تمثالك مازال صامدا هناك .
صمت تمثال الفارس قليلا ثم خاطب العصفور الصغير :
يا عصفوري الصغير ٲتذكر الآن مقطعاً من قصة تمثال مثلي اسمه الٲمير السعيد كنت قد قرٲتها وٲنا حيَّ اسمع ماذا يقول المقطع عن لسان تمثال الٲمير السعيد المقطع الذي لا يبرح ذاكرتي :
" عندما كنت حياً ، وكان قلبي كقلوب البشر ، لم أدرِ ما الدموع ؛ لأنني عشت في قصر اللا هموم ، حيث لا يسمح للحزن بالدخول . ففي فترة النهار ، لعبت مع أصدقائي في الحديقة ، وفي الليل توليت الرقص في القاعة العظمى . وحول الحديقة امتد سور شامخ ؛ ولكنني لم أسأل عما كان وراءه ، فكل شيء جميل .
إن حاشيتي لقبوني بالأمير السعيد ، فكنت مسرورا جدا ، إن كان السرور هو السعادة . هكذا عشت ، وهكذا مت . والآن ، وإنني ميت , وضعوني مرتفعا جدا ؛ لأتمكن من رؤية كل القبح ، وكل التعاسة في مدينتي . وإن كان قلبي مصنوع من الرصاص ، لكنني لا أملك سوى النحيب."
نظر العصفور الى عيني التمثال المليئة بالدموع وراقب دموعه تهطل كمطر غزير متخللة حنايا جسده متغلغلة في شروخ صغيرة حلَّت في جسد التمثال .
ٲحس الفارس بما يدور في خلد العصفور الصغير .. وقال له ٲجل إن كثرة دموعي صدَّعت جسدي فهو سيتهاوى بعد حين .. كل دمعة مني حفرت اخدودا في هذا الجسد ..
صوت عال قطع حديثهما حينها .. هيا ابتعدوا ابتعدوا هذا التمثال سيزال الآن بالبلدوزر ... هيا هيا ٲنجزو العمل بسرعة ..
خفق قلب العصفور الصغير بقوة .. لكن الفارس طمٲنه قائلا : لا تحزن .. لاتحزن ... حلق بعيدا عني ..حلق بعيدا .. وسنلتقي يوماً .
صوت البلدوزر يقتلع التمثال بقسوة ويرميه ٲرضاً علا على كل الأصوات ، هوى التمثال بسرعة قصوى و هوى الفارس الجواد وفصل رٲسه عن جسده ، ثم تدحرج الرٲس وتدحرج ثم توقف شاخصاً في العامة ، العامة التي ٲقسمت بعد إزالة التمثال ٲنها رٲت المعجزة ، رٲت الدموع تنهمر من عيني الصنم .
في تلك اللحظة لحظة سقوط الفارس الجواد طار العصفور بعيداً .. ، حلَق وحلَق .. و صرختة المدوية هزَت سماء بغداد .

• تمثال الفارس الجواد قصدت به تمثال النحات جواد سليم الذي اقتلع من مكانه بلا احترام لتاريخ هذا الفنان وما قدمه من فكر وفن حر للعراق .. حيث تم اقتلاعه بقسوة من مكانه فهوى وانفصل الرأس عن الجسد والقصة أعلاه صرخة احتجاج على ما يدور في عالمنا .
• جواد سليم نحات عراقي , هو جواد بن محمد سليم بن عبد القادر الخالدي (1921 - 1961) فنان ونحات عراقي ، ويعتبر من أشهر النحاتين في تاريخ العراق الحديث ويكيبيديا الموسوعة الحرة .
• نصب الحرية : عبارة عن سجل مُصور صاغه الفنان جواد سليم عن طريق الرموز أراد من خلالها سرد أحداث رافقت تاريخ العراق مزج خلالها بين القديم والحداثة حيث تخلل النصب الفنون والنقوش البابلية والآشورية والسومرية القديمة إضافة الى الكثير من الموضوعات التي استلهمها من قلب العراق ولعل أهم ما يجذب الشخص عندما يطالع النصب للوهلة الأولى هو الجندي الذي يكسر قضبان السجن الذي يتوسط النصب لما فيه من قوة وإصرار ونقطة تحول تنقل قصة النصب من مرحلة الاضطراب والغضب والمعاناة إلى السلام والإزدهار ويكيبيديا الموسوعة الحرة .
• القصة مستوحاة من رائعة أوسكار وايلد الأمير السعيد .




#سوزان_العبود (هاشتاغ)       Suzann_Elabboud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معرض فني للاجئين في متحف الثقافات الٲروبية في برلين
- غونتر غراس نحاتا
- قصيدة مترجمة عن الالمانية بعنوان مراحل للشاعر هيرمان هيسه- س ...


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوزان العبود - الفارس الجواد (النحات جواد سليم )