أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - بوشبور عبد الحميد بن النية عبدالاله - نظريات الاتصال التنظيمي















المزيد.....



نظريات الاتصال التنظيمي


بوشبور عبد الحميد بن النية عبدالاله

الحوار المتمدن-العدد: 5206 - 2016 / 6 / 27 - 08:45
المحور: المجتمع المدني
    


مقدمـــــــة:
لقد تعددت المداخل لدراسة موضوع الاتصال مع تعدد المدارس التنظيمية الإدارية. حيث ساهمت هذه الأخيرة في تطوير مختلف الدراسات المتعلقة بالاتصال التنظيمي، فمن اتصال نازل توجيهي ومحدود في إطار نظام مغلق إلى اتصال شامل لا يقتصر على الفضاء الداخلي للمؤسسة فحسب، بل يمتد إلى الأطراف الفاعلة في بيئتها وهذا بالنظر إلى المؤسسة كنظام مفتوح، ويمكن تصنيف دراسات الاتصال والنظريات ضمن المداخل التي عرفها الفكر الإداري:
النظريات الكلاسيكية، النظريات النيوكلاسيكية، النظريات الحديثة والنظريات المعاصرة.






















1- النظريات الكلاسيكية والاتصال التنظيمي:
تعتمد في دراستها للمنظمات على مجموعة من الافتراضات من أهمها أنها نظرت إلى الإنسان نظرة ساذجة محدودة واعتبرته كائن اقتصادي، كما نظرت للمنظمة على أنها نظام مغلق.
واستنادا إلى هذه الافتراضات عملت على تطوير أفكارها من خلال التجارب والدراسات التي أجريت داخل المنظمة.
وتضم الاتجاهات الفكرية التالية: الإدارة العلمية، التقسيم الإداري، والبيروقراطية.

1-1- نظرية الإدارة العلمية لفريديريك تايلور:
ظهرت هذه النظرية في أواخر القرن 19 على يد فريدريك تايلور وزملائه (جلبرت، جانت، إميرسون) الذين ساهموا في تطوير الإدارة بشكل علمي، بدلا من التجربة والتخمين الخطأ، لكن الأب الشرعي والروحي لهذه المدرسة هو تايلور لذا سميت بالتايلورية نسبة إليه.
حيث كان تايلور يعمل في إحدى شركات الحديد والصلب الأمريكية، وكان يلاحظ أن العمال ينتجون إنتاجا يقل عن طاقتهم الإنتاجية، كما لاحظ بأنه ليس هناك معيار واحد ومحدد للإنتاجية المتوقعة للعمال، وأنه ليس هناك علاقة واضحة وثابتة بين الإنتاج والأجور، ونتيجة لملاحظاته المكثفة والمركزة أراد الوصول إلى طرق وأساليب علمية لتحسين الأداء حيث قام بتجارب خلال سنوات، فقسم العمل إلى مجموعة عناصر، وقاس الوقت لكل عنصر، كما قام بتحليل الأعمال، ونتيجة لاهتمامه بدراسة الحركة والزمن تمكن من زيادة إنتاجية العمال مما كانت عليه قبل دراسته واستطاع أن يحقق أهدافه والتي تتمثل في زيادة الأجر، رفع الإنتاجية وتخفيض التكلفة.
وقد توصل تايلور إلى أربعة مبادئ في الإدارة العلمية:
1- إحلال التحليل العلمي والمنطقي محل التجريب والتخمين في مجال الأداء والعمل.
2- اختيار وتعليم وتدريب العاملين بطريقة علمية تحسن أدائهم، بدلا من الطريقة القديمة التي تعتمد على قيام الملاحظ لهذا الدور.
3- التعاون بين الإدارة والعمال حتى يتم تطبيق الأعمال بأسلوب علمي.
4- تقسيم العمل والمسؤولية بين الإدارة والعمال بحيث تتولى الإدارة مسؤولية التخطيط ويتولى العمال مهمة التنفيذ .
بالرغم من أن تايلور عمل على إدخال الأسلوب العلمي في الإدارة إلا أنه اهتم بعناصر الكفاية الإنتاجية وعامل الفرد على أساس أنه آلة لها مهام تؤديها دون نقاش حيث رأى أن سلوك العامل يجب أن يتلاءم مع متطلبات الوظيفة ويعاب على هذه النظرية أيضا أنها ركزت على الحافز الاقتصادي باعتباره الدافع الوحيد لتحفيز العمال وأغفلت الجانب الإنساني والحوافز المعنوية في الاتصالات الإدارية، وان الاتصالات في ظلها تأخذ طريق ذو اتجاه واحد ( مركزية اتخاذ القرار)، فهي تفصل بين وظيفتي التخطيط والتنفيذ – رئيس ومرؤوس- وبذلك قطبي الاتصال يكون مقتصر على وثائق مكتوبة عن طريق المسير، والمنفذ يستلم الأوامر دون إجراء تعديل أو استغلال خبرته.
فالإدارة العلمية تعتبر أن الاتصالات وجدت لتسهيل عملية القيادة والرقابة على المنظمة من خلال القنوات الرأسية، كما أكدت أن الاتصالات يجب أن تكون رسمية متسلسلة ومخطط لها وأهدافها القيام بالعمل وزيادة الإنتاجية.
وركزت حركة الإدارة العلمية على النواحي الميكانيكية وتجاهلت النواحي السيكولوجية والاعتبارات الإنسانية التي تحدد السلوك الإنساني في التنظيمات، ونلاحظ حليا أنها لم تتحدث عن الاتصالات إلا لكونها أسلوب رسمي من أعلى إلى أسفل بغرض توجيه المرؤوسين ولتحديد طريقة الأداء .

1-2- نظرية التقسيم الإداري لهنري فايول:
تنسب هذه النظرية إلى الفرنسي "هنري فايول"، حيث اهتمت هذه المدرسة بالأعمال الإدارية من حيث الوصف وتحليل الوظائف، وتحديد مبادئ التنظيم.
ويركز فايول في كتاباته على جانبين، مبادئ الإدارة ووظائفها، فوضع 14 مبدأ وذلك من خلال معالجته العملية الإدارية على مستوى المديرين والمنظمات وهذه المبادئ هي:
1- تقسيم العمل: حسب فايول التخصص أمر طبيعي ، أي أن كل عامل يتخصص في جزء بسيط من عملية العمل ويتقنها، ويتطلب هذا تبسيط وتحليل المهام إلى مكوناتها الأساسية ويتمخض عن هذا ارتفاع مستوى الأداء ومنه كمية الإنتاج.
2- السلطة والمسؤولية: يرى فايول بأن المسؤولية هي نتيجة طبيعية للسلطة لذا لابد في إحداث توازي بينهما، فحتى تتم المساءلة عن عمل معين لابد أن تمنح له السلطة الكافية التي تمكنه من تنفيذ عمله، وبمعنى أنه أكد على أن المسؤولية يجب أن تتساوى مع السلطة.
3- الانضباط: (النظام) ويتجلى في شكل اتفاقات تحترم وتسمح بتحديد العلاقات بين مختلف الفئات والأقسام داخل المؤسسة، ويأخذ النظام شكل قواعد وإجراءات تحكم هذه العلاقات بين مختلف المستويات التنظيمية، ولكي تحترم يجب أن تكون مدونة وواضحة.
4- وحدة الأمر: وهي أن يتلقى العامل أو الموظف التعليمات من رئيس واحد بدلا من عدة رؤساء حتى لا يكون هناك مصدر للصراعات بين الأفراد والأقسام.
5- وحدة التوجيه: وهي أن يكون هناك رئيس واحد وخطة واحدة لكل مجموعة من النشاطات ذات العلاقة بهدف واحد، وهذا يعتبر شرط ضروري لتنسيق القوى وتوحيد الجهود كما يتعلق هذا المبدأ بالعلاقات بين العاملين ورؤسائهم داخل الهيكل التنظيمي.
6- إخضاع المصلحة الفردية للمصلحة العامة: وهذا يعني أنه عند تعارض الأهداف الشخصية مع الجماعية فيجب تقديم الأهداف العامة على الخاصة.
7- تعويض أو مكافأة الأفراد: يكون على أساس الخدمات التي يقدمونها بحيث تحقق لهم الرضا الوظيفي.
8- المركزية: يتعلق هذا المبدأ بمدى تركيز السلطة في المستويات العليا للإدارة المنظمة.
9- تدرج السلطة: اعتمد فايول على هذا المبدأ في تنظيم المؤسسة وإدارتها لوضع الأسس العلمية والمنطقية لانتقال المعلومات والاتصالات من خلال المستويات المختلفة للسلطة في المؤسسة، ولكنه أدرك أن اعتماد هذا المبدأ ووحدة الأمر يؤدي عادة إلى مشاكل في عملية الاتصال مع رجال البيع، فمن الواجب أن يبحث عن رئيس مشترك وهذا الرئيس لن يكون رئيس وحدة أو قسم بل سيكون المدير العام، وهذا سيخلق عناء وجهد غير ضروري بمختلف الأطراف الإدارية وبالتالي ابتدع فايول مبدأ المعبر في الإدارة ليوضح إمكانية العبور والاتصال بين كاتب الحسابات ورجل البيع بموافقة الرئيس المباشر.
10- الترتيب: أي ترتيب المدخلات المادية والبشرية، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
11- المساواة والعدالة: أي تطبيق مختلف القواعد والقوانين والإجراءات التي تسنها المنظمة على أساس المساواة بين جميع العاملين.
12- الاستقرار الوظيفي للعاملين: وذلك بتوثيق العلاقة بين العاملين ، المديرين والمنظمة لمدة طويلة.
13- المبادرة: أي القدرة على الإبداع والابتكار وتشكل هذه الصفة مصدر قوة المنظمة في حالة ما يستطيع المدير تنميتها وتطويرها لدى مساعديه.
14- الروح الجماعية: وتعنى توحيد الجهود والعمل من خلال انسجام المصالح والأهداف وذلك عن طريق تبني سياسة وحدة الأمر وسياسة الاتصالات الشفوية.
- ولقد اقترح فايول (5) وظائف أساسية للإدارة والمديرين وهي: التخطيط، التنظيم، الأمر، التنسيق، الرقابة.
كما أكد فايول أن الوظيفة الإدارية باعتبارها العقل المدبر للمؤسسة تحتاج إلى نظام اتصالي، إذ من خلاله ترد جميع المعلومات من الوظائف الأخرى إلى الإدارة العليا، وعلى أساسها يتم إصدار التعليمات والتوجيهات إلى مختلف مراكز التنفيذ .

1-3- النظرية البيروقراطية لماكس فيبر:
يرجع نسب هذه النظرية إلى المفكر الألماني ماكس فيبر 1864- 1920 الذي يفترض أن الناس غير عقلانيين وأنهم انفعاليون في أدائهم لعملهم، مما جعل الاعتبارات الشخصية هي السائدة في العمل، وأن الاعتبارات الموضوعية والحياد والعقلانية غير واردة وغير موجودة في أداء العمل، وذلك انعكس على تفسير النموذج البيروقراطي لكيفية السيطرة على السلوك الإنساني، حيث تعتقد هذه النظرية بأن ذلك سيتم من خلال وجود نظام صارم للقواعد والإجراءات داخل المنظمة.
ولقد بنى ماكس فيبر نظريته على مجموعة من المبادئ منها:
1- التخصص وتقسيم العمل: وهو أساس الأداء الناجح للأعمال والوظائف وفيه يقسم أي عمل إلى أجزائه البسيطة بطريقة تسهل عملية الأداء والمراقبة.
2- التسلسل الرئاسي: وهو ضروري لتحديد العلاقات بين المديرين ومرؤوسيهم.
3- نظام قواعد: وهو نظام مطلوب لتحديد واجبات وحقوق العاملين.
4- نظام إجراءات: ضروري لتحديد أسلوب التصرف في ظروف العمل المختلفة.
5- نظام من العلاقات غير الشخصية: وهو أيضا مطلوب لشيوع الموضوعية والحياد في التعامل.
6- نظام ترقية العاملين: وتكون على أساس الجدارة الفنية للقيام بالعمل ولا تكون على أساس القرابة والمحاباة .
- وتتلخص إسهامات فيبر في التنظيم للاتصال في أهم خاصية لنموذجه المثالي للتنظيم البيروقراطي ألا وهي « لابد من تدوين وتوثيق كل الإجراءات الإدارية والقرارات الرسمية» بمعنى أن تكون الأوامر والتعليمات والإجراءات مكتوبة ويمكن الرجوع إليها عن الحاجة. وعليه فالاتصال حسب ماكس فيبر يرتكز على دعائم الاتصال اللفظي المكتوب فقط، إذ لا يمكن معرفة مدى استيعاب وفهم الرسائل التي توجه كتابيا من طرف الرؤساء إلى المرؤوسين، كما أنه لا يمكن تحديد مصير انشغالات وحاجات العاملين إذ سلمنا بإهمال دعائم الاتصالات غير اللفظية كالخرائط والصور وكذا الاتصالات الشفوية.
ويعاب على هذا الاتجاه أن خط الاتصالات فيه يجب أن يسير من أعلى إلى أسفل على شكل أوامر وتعليمات وتوجيهات في معظم المجالات، الشيء الذي يكون مدعاة إلى مركزية القرار في المستويات الإدارية العليا ومن ثم عدم إتاحة الفرصة لسير خط الاتصالات بشكل صاعد (من أسفل إلى أعلى)

2- النظريات النيوكلاسيكية والاتصال التنظيمي:
لقد فتحت النظريات الكلاسيكية الطريق إلى النظريات التي تلتها من بعدها في دراسة التنظيمات والمنظمات، فبالرغم من تقديمها للعديد من الإسهامات إلا أنها فشلت في عدة جوانب أخرى في دراستها ومن ثم برزت عدة نظريات أخرى استفادت من النظريات الكلاسيكية وأتت بدراسات أخرى، وفي هذا السياق سوف نتطرق إلى هذه النظريات لما لها من إسهامات وتغيرات جذرية حول نظرتها إلى التنظيمات ككل، وسنتناول كل من نظرية العلاقات الإنسانية والنظرية السلوكية ونظرية العاملين لهيرزبرغ.

2-1- نظرية العلاقات الإنسانية لإلتون مايو:
لقد جاءت مدرسة العلاقات الإنسانية بزعامة إلتون مايو(1926)، لتخطو خطوة إيجابية وتركز على الاهتمام بالعامل الإنساني، واكتشفت أهمية العلاقات النفسية الاجتماعية وكذا العلاقات غير الرسمية، كما أنها ترى أن قدرة المشرفين وتمكنهم في مجال العلاقات يمكنهم من بث روح التعاون بين العمال.
وقد تميزت مدرسة العلاقات الإنسانية بعدد من القواعد أو الأساليب التي أعدت لمساعدة المديرين في تحفيز العاملين، وترتكز هذه الأساليب على ثلاثة نشاطات إدارية رئيسية تتمثل في:
- تشجيع العاملين على المشاركة في القرارات الإدارية.
- إعادة تصميم الوظائف بطريقة توفر قدرا أكبر من التحدي لقدرات العاملين ومن المشاركة في نشاطات المنظمة.
- تحسين تدفق الاتصال بين الرؤساء والمرؤوسين.
ولقد استطاعت هذه المدرسة من خلال تجاربها أن تثبت أن للاتصالات تأثيرا قويا على العلاقات الاجتماعية والتفاعلات ورضا ودافعية الأفراد في عملهم كما أثبتت إحدى هذه التجارب أن المقابلات الشخصية بين القائد ومرؤوسيه ذات أثر واضح على إشباع حاجاتهم الاجتماعية، وعلى هذا انقلب مفهوم الاتصالات في مدرسة العلاقات الإنسانية من كونه وسيلة للتعرف على العالم الداخلي للعمل والأفراد وكوسيلة لإقناعهم بآدميتهم ورفع كفاءة العمل والرضا عنه وخلق تجانس بين الأفراد داخل التنظيم وممارسة أسلوب المشاركة والمجالس الصغيرة والإدارة من المستوى الأدنى إلى الأعلى واللجان المشتركة والاعتراف بالكرامة الإنسانية.
وتعد دراسات هاوثورن الشهيرة نقطة الانطلاق لدراسة العلاقات الإنسانية وهي دراسات كانت تهدف في البداية إلى دراسة الظروف الفيزيقية للعمل وعلاقتها بالإنتاج وتصنيف المشكلات المختلفة التي تنشأ عن مواقف العمل ثم ما لبثت أن حولت اهتمامها لدراسة العوامل النفسية والاجتماعية المحددة للسلوك التنظيمي، وبدأت بدراسة المتغيرات السلوكية في التنظيم ولكنها لم تعزلها عن السياق الذي توجد فيه والمتمثل في القواعد الرسمية والقيم المختلفة السائدة في المجتمع، كما حاولت هذه الدراسات الكشف عن العلاقة بين بعض جوانب السلوك التنظيمي مثل الدافعية والروح المعنوية وعلاقتها بالإنتاجية، وانتهت إلى تأكيد حقيقة أساسية هي تأثير الجماعات التي ينتمي إليها العمل على سلوكهم وخاصة جماعات الصداقة وغيرها من الجماعات الطوعية أو غير الرسمية.
ولقد خضعت نتائج هذه الدراسات إلى انتقادات عديدة خاصة في مجال الإنتاجية والرضا عن العمل كون أن الأساليب المؤدية إليها غير فعالة وخاصة في مجال الإشراف والاتصال.
ولكن بالرغم من الانتقادات الموجهة إليها إلا أن تدعيمها النظري والإمبريقي يكمن في إسقاط فكرة تأثير الجماعات المرجعية للعمال في سلوكاتهم على فعالية العملية الاتصالية .

2-2- النظرية السلوكية لكورت ليفين:
كان كورت ليفين من بين الباحثين البارزين في مدرسة العلاقات الإنسانية الذين تطرقوا إلى الاتصال التنظيمي، وقد كان ليفين لاجئا من ألمانيا النازية في الولايات المتحدة الأمريكية أين كان مفتونا بالقيم الديمقراطية الموجودة هناك، وكان له شغف في تطبيق علم النفس التجريبي من أجل تحسين العالم.
خلال الحرب العالمية الثانية، كان ليفين في جامعة آيوا حينما طلبت منه الحكومة الأمريكية عن البحث عن سبل لتقديم المشورة لربات البيوت ودفعهم لعدم شراء اللحوم، لأن اللحوم إبان فترة الحرب كانت قليلة الورود (قلة العرض في مقابل ارتفاع الطلب). وقد شعر ليفين آنذاك أن هناك حاجزا كبيرا يمنعه من فعل ذلك لأن المتوقع من ربات البيوت أن يشترين اللحم ويقدمنه لعائلاتهن وأصدقائهن، وآبائهن وأمهاتهن، الذين يتوقعون أن تكون ربات البيوت قد أعددنه في المنزل. افترض ليفين أنه إذا كانت ربة بيت قادرة على التحدث مع ربات البيوت أخرى حول تقليص الميول لشراء اللحوم، ستكون قادرة على التغلب على هذا الحاجز وإقناع ربات البيوت بتغيير سلوكهن. من هنا قام ليفين وزملاؤه بإجراء التجارب للتحقق من فرضيته القائلة بأن ربة بيت هي الأجدر بإقناع ربة بيت أخرى لتغيير سلوكها. وتبين بعد التجربة أن ربات البيوت اللواتي كن قادرات على الحديث عن شراء اللحوم مع ربات البيوت الأخرى كن عشر مرات أكثر عرضة لتغيير سلوكهن.
شعر ليفين أنه يمكن تطبيق نفس هذه المبادئ في المنظمة. وقد وجد أن العمال في مصنع ألبسة النوم كانوا أكثر عرضة للتقبل وسائل العمل الجديدة إذا ما أتيحت الفرصة لهم لمناقشة ذلك فيما بينهم وممارسة بعض التغييرات على وظائفهم لتتماشى مع ذلك. وقد ساعدت هذه النتائج الجديدة المنظمات على إدراك فوائد تشكيل وتنمية وتعديل المواقف الاتصالية بين جماعات العمل. وقد ساعدت أفكار ليفين في تغيير نظرة المفكرين في مجال الاتصالات التنظيمية من خلال التأكيد على أهمية التواصل بين الجماعة، كما ساعدهم على التعرف على حقيقة أن العمال يريدون أن يكون لهم صوت ودور في أداء مهامهم بدل أن تكون المهام مملاة فقط من الإدارة العليا .

2-3- نظرية العاملين لفريديريك هيرزبرغ:
تقول هذه النظرية بأن هناك مجموعتان من العوامل، المجموعة الأولى وهي التي يسميها هيرزبرغ العوامل الصحية (أي الأساسية) تشمل:
• الاستقرار الوظيفي بمعنى الشعور باستمرارية العمل وعدم التهديد بالفصل
• عدالة نظم المؤسسة
• المنزلة المناسبة وهي تشمل المركز الوظيفي والسلطات وساعات العمل ومكان العمل المحترم مثل المكتب المناسب
• الدخل المادي الكافي والمميزات وتشمل جميع ما يتقاضاه العامل من اجر ومميزات مثل العلاج والإجازات ووسيلة مواصلات وغير ذلك
• الإشراف والذاتية وتعني وجود قدر من التحكم الذاتي في كيفية أداء العمل
• العلاقات الاجتماعية الجيدة في العمل
• ظروف العمل وهي تعني ظروف العمل المناسبة من حيث وسائل الأمان وتوفر أدوات العمل والخدمات الأساسية للعاملين
حسب هذه النظرية فإن هذه العوامل ليست محفزات بل إن نقصها يعتبر عامل تثبيط ومصدر إحباط وبالعكس فإن توفيرها يجعل العامل راضيا وليس محفزا. أي أنها أشياء لابد من تلبيتها ولكنها وحدها غير كافية للتحفيز.
المجموعة الثانية
هي التي يسميها هيرزبرغ مجموعة الحوافز وتشمل:
• العمل المثير أي العمل الذي يرضي اهتمامات العامل وقدراته.
• التقدير أي التقدير من الرؤساء والزملاء.
• فرص النمو أي الشعور بوجود فرص للترقي والتطور وزيادة الدخل.
• تحمل المسئوليات أي وجود فرص لتحمل مسئوليات واتخاذ قرارات وقيادة الآخرين.
• الإنجازات وهي وجود مجال لتحقيق إنجازات وتجاوز الأداء المطلوب كما أو كيفا.
هذه العوامل هي التي تعتبر محفزة حسب هذه النظرية. بمعنى أن المجموعة الأولى (العوامل الصحية) لا تؤدي إلى تحفز ولكن نقصها يؤدي إلى عدم الرضا عن العمل أما التحفيز فيأتي من المجموعة الثانية .
ويرى هيرزبرغ أن هذه العوامل يمكن معرفتها بتطبيق الاتصالات التنظيمية ثنائية الاتجاه .

3- النظريات الحديثة وتفسيرها للاتصال التنظيمي:
انتقد المنظرون الحداثيون المدارس الكلاسيكية والنيوكلاسيكية، واعتبروا الأولى تدرس المنظمة بدون إنسانية بينما تدرس الثانية الإنسانية دون المنظمة، من هنا جاءت النظريات الحديثة لتفسر العمليات الإدارية والتنظيمية وقدمت تفسيراتها الخاصة للتنظيم والاتصال التنظيمي، وفي الموالي أهم تلك النظريات ورؤيتها للاتصال التنظيمي.

3-1- نظرية (x و y) لماك غريغور:
- يعد العالم ماك غريغور دوغلاس الذي أجرى بحوث حول الدافعية والسلوك العام للأفراد داخل منظمات الأعمال واحد من أبرز المساهمين في حركة العلاقات الإنسانية إذ قامت نظريته على افتراض منطقي يؤكد من خلالها على أن أي سلوك إداري إنما يستند على فلسفة إدارية محددة وواضحة تنطلق من فكر إداري وإطار فلسفي محدد لها، وقد أغنى هذا الاتجاه من خلال نظرية (x) و (y) التي تقومان على مجموعة من الافتراضات حول طبيعة السلوك الإنساني:
- حيث تفترض النظرية (x) أن الإنسان محدود الطموحات ويميل إلى الانقياد وأن كل ما يطمح إليه هو إشباع الحاجات الفيزيولوجية والحاجة للأمن بصرف النظر عن باقي الحاجات.
- وترى النظرية (y) أن الإنسان محب للعمل ومتطلع لتحمل المسؤولية وراغب في التفاعل من أجل التكامل الجماعي، وتمتد حاجاته إلى الحاجات الاجتماعية واحترام الذات وإثباتها إضافة إلى الحاجات المادية والفيزيولوجية والحاجة إلى الأمن.
- أما عن التجسيد النظري لاتصال المؤسسة حسب النظرية (x) نجد أن المديرين يميلون حسب معطيات هذه النظرية إلى تبني سلوكيات الاتصال التالية:
- إتباع معظم المديرين لاتجاه الاتصال النازل من أعلى إلى أدنى المستويات بالمؤسسة.
- تركيز عملية اتخاذ القرارات في أيدي فئة قليلة من مستوى الإدارة العليا.
- اقتصار اتجاه الاتصال الصاعد على صندوق الاقتراحات وشبكة الاتصال من خلال جماعات العمل غير الرسمية ونظام التجسس.
- قلة التفاعل بين العاملين إذ يأخذ التفاعل دورا ضئيلا وإن تم ذلك فسيلازمه الإحساس بالخوف وعدم الثقة.
- اقتصار الاتصال النازل على بعض الرسائل والمعلومات البسيطة وإعلان القرارات مما يخلق معه الجو المناسب لنشوء شبكة اتصالات غير رسمية بين جماعات العمل لعدم انسياب الاتصالات من خلال القنوات الملائمة.
- الاعتماد في اتخاذ القرارات على جزء غير كاف من المعلومات إلى جانب عدم وضوح هذا الجزء.

مقابل ذلك نجد أن المديرين المتمسكين بتطبيق النظرية (y) يميلون إلى تبني سلوكيات الاتصال التالية:
- تحرك وانسياب المعلومات والرسائل مع انتقالها من أعلى وأسفل عبر المؤسسة ككل من خلال جسر مفتوح للاتصالات.
- انتشار اتخاذ القرارات بين أرجاء كافة المؤسسة واعتمادها على مدخلات الأعضاء من كافة المستويات.
- استمرارية التفاعل بين العاملين مع خلق جو من الثقة والأمان.
- انسياب المعلومات من خلال قنوات الاتصال النازل من أعلى إلى أسفل ومساعدة ذلك في إشباع حاجات العاملين.
- اعتماد اتخاذ القرارات على المعلومات الكافية من كافة المستويات مما يعمل على تحسين نوعية القرارات وضمان وضوحها.
- تشجيع عملية الأثر الرجعي للمعلومات في شكل اتصال صاعد من خلال إصغاء الإدارة لوجهات نظر العاملين وتحليل المعلومات بمعرفتهم .

3-2- النظرية المعدلة لليكرت:
تنطلق هذه النظرية أساسا من التأكيد على أهمية العنصر البشري في العملية الإنتاجية وتأثير السلوك الإنساني داخل التنظيم على إنجازاته وفعالياته وتتمثل فرضيته في أن انخفاض إنتاجية بعض المنظمات يعود أساسا إلى تطبيق مبادئ التنظيم الكلاسيكي، عكس المنظمات التي تحقق إنتاجية عالية فإنها تعتمد على أفكار تنظيمية مختلفة، هذه الأفكار استفاد منها فقدم نظرية معدلة لا تنفي المساهمات السابقة وإنما عدلها وطورها بناء على أساس القضاء على الإسراف وانخفاض الإنتاجية باستخدام الأسلوب الوظيفي، تحديد معدات محددة للأداء، قياس العمل المنجز ومقارنته بالأهداف المسطرة واستخدام أساليب للرقابة كالمحاسبة التحليلية.
كما ركزت هذه النظرية على عنصر التنسيق والتجانس بين نشاطات أعضاء المنظمة من خلال التفاعل المستمر والتأثير المتبادل بينهم، هذا التفاعل يتوقف على تدفق المعلومات وشبكة الاتصال بين كل المستويات الإدارية التنظيمية وإتاحة الفرصة للالتقاء بين أعضاء المنظمة واتخاذ القرارات بناءا على استخدام المعلومات المتاحة بشكل كامل، كما تأخذ أيضا هذه النظرية بفكرة القياس المستمر للنتائج المحققة ومقارنتها بالأهداف المسطرة، هذا القياس ليس مادي فقط وإنما أيضا في شكل الآثار الناجمة عن التنظيم وتأثيره على العنصر البشري كقياس درجة الدافع للعمل لدى الفرد.
وتعتبر وظيفة الاتصالات داخل المنظمة من الشروط الأساسية لنجاح نظرية ليكرت لأنها تسمح بانتقال المعلومات بين جميع أجزاء الهيكل التنظيمي بما يسمح باتخاذ القرارات الفعالة والتي تسمح بتحقيق أهداف الجماعات ومنه أهداف المنظمة، في نفس الوقت يتجلى عنصر المشاركة في العملية الإدارية من قبل أعضاء التنظيم مما يكون الدافع على تحقيق أهداف المنظمة لارتباطها بتحقيق أهدافهم الخاصة.
كما أن تخصيص الأهمية القصوى لكل من وظيفتي الاتصال والقيادة داخل المنظمة، بمعنى الانتقال الجيد للمعلومات بين مختلف المستويات التنظيمية وفي نفس الوقت أساليب إشراف أكثر إنسانية يعطي للفرد مجال أكثر للتصرف والمبادرة .
3-3- نظرية الإدارة بالأهداف لبيتر دراكر:
وضع "بيتر دراكر" هذه النظرية بغية تعزيز المشاركة، ومن أهم مبادئه:
- يتفق الرئيس والمرؤوس على وضع الأهداف المراد تحقيقها خلال فترة معينة يعقبها تقييم للنتائج التي يتم التوصل إليها أول بأول.
- أن يعمل المرؤوس على التنسيق الدائم والاتصال بالرئيس لمشاورته وإبلاغه بما تحقق والمشكلات التي تعترض التنفيذ.
- بعد انتهاء الفترة المحددة يجتمع الرئيس والمرؤوس لتقييم ما تم إنجازه وإصلاح العقبات والمشاكل بهدف تجنبها في المرات القادمة.
- الرئيس المباشر يقوم بتقييم أداء مرؤوسيه.
ولقد استطاع دراكر تحقيق النجاح في ترويج أسلوبه معتمدا على خبرته الإعلامية عندما كان مراسلا صحفيا في إحدى المجلات البريطانية واشترط لنجاح تطبيق هذا الأسلوب في أي مؤسسة أو شركة مهما كان حجمها ما يلي:
1- أن يمنح الرئيس المباشر التفويض الكافي لمرؤوسيه لتمكينه من إنجاز الأهداف المتفق عليها ويجب أن يبتعد عن المركزية والهيمنة.
2- تشجيع المرؤوس على الإبداع والابتكار وتحمل المسؤولية.
3- تطبيق الأسلوب الديمقراطي عند تبادل الأفكار والمشاورات وبحرية تامة.
4- التحقق من دقة وعدالة تقييم الرئيس للمرؤوس.
فالإدارة بالأهداف تسعى إلى معرفة العوامل التي تعيق تحقيق الأهداف بغية اتخاذ الإجراءات المناسبة للتغلب عليها ومن ثم تقييم النتائج بصورة دورية لوضع الأهداف جديدة للمنظمة إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
ويتضح مما سبق أن أسلوب الإدارة بالأهداف يشير إلى أن أسلوب اتصال ناضج ومتطور من الاتصال بين الرئيس والمرؤوس، فالتخطيط المشترك وما يتطلبه من تغذية مستمرة وتقويم مستمر يتطلب اتصال دائم ومستمر بين الرئيس والمرؤوسين.
ولكن يعاب على هذا الأسلوب أنه مكلف من الناحية الاقتصادية بالنظر إلى الوقت الطويل الذي يحتاجه كل من الرئيس والمرؤوس في وضع الهداف إضافة إلى كمية الأوراق التي يحتاجها لكتابة الأهداف.
- ويفترض دراكر أن المعلومات اللازمة لتحديد الأهداف متوفرة بصورة مستمرة وبالنوعية المطلوبة وهو أمر يصعب تحقيقه.
- كما يفترض أن كل من الرئيس والمرؤوس لديهم كفاءة علمية وخبرة إدارية كافية لتمكينهم من وضع الأهداف بدقة تتناسب مع الإمكانيات المتوفرة في المؤسسة. ولكن هذا أمر لا يكون دائما .

3- 4- نظرية النظم:
- من رواد هذا الاتجاه (Simon, March, Katz, weick)
وقد اهتم weick بكيفية وصول المعلومات إلى المنظمة وانتقالها وتوصيلها داخل المنظمات. أما Simon& March فقد نظرا للمنظمة كعضو يعمل على فهم واستيعاب المعلومات مركزا على كيفية توصيلها ونقلها وأمر طبيعي أن المنظمة المنفتحة بين أجزائها وبين بيئتها، يسهل عليها انسياب المعلومات وتحقيق التغذية، كما يمكنها التكيف مع المتغيرات الخارجية وتطوير أدائها وتحقيق أعلى درجات الرضا الوظيفي.
ويمكن تعريف الاتصال ضمن هذه النظرية بأنه تبادل للرسائل والمعاني بين المنظمة وبين بيئتها كما هو بين الشبكة الداخلية لأنظمتها الفرعية.
والاتصال هو الغراء الذي يمسك المنظمة ببعضها ويحقق الانسجام والتوافق بين أجزائها.
ونظرية النظم المفتوحة اهتمت بالتكيف، كما أشار " كان وكانز" بأن الاتصال لا يمكن فهمه على أنه عملية نقل رسائل المرسل والمستقبل ولكن يمكن فهمه بارتباطه مع النظام الاجتماعي الذي يظهر فيه.
فالاتصال خلال النظام الاجتماعي يعتبر صعبا ولكن " لبن" و " كوروين" و "موناهات" حذروا من زيادة المخاطر في الاتصال بين الأنظمة الاجتماعية حيث أن الناس من فئات اجتماعية مختلفة لم يتعلموا فقط التكيف مع المادة والوقت ولكنهم من لغات مختلفة وتنشئة مختلفة إضافة إلى اختلاف الرسائل والمعنويات فالاتصال الحر مع بعض الناس يعاق بالعرق والفئة الاجتماعية الخاصة به وهذه الأشياء يمكن أن تؤثر على إضافة المعاني في المجتمعات المختلفة فالمدرسة الحديثة والتي أخذت فكرة النظم عرفت المنظمة بأنها عبارة عن المراحل أو الوظائف المهيكلة التي يتصل فيها الأفراد ببعضهم البعض من أجل أهداف معينة وهذا التعريف يتضمن أن:
- أن المنظمات يوجد بها أفراد معنيين وبصفة دائمة.
- أن هؤلاء الأفراد يتصلون دائما مع بعضهم من أجل تحقيق أولا أهداف المنظمة وأهدافهم الشخصية التي من أجلها انضموا إلى المنظمة فإن لم تشبع المنظمة أهداف الأفراد إلى حد معقول سوف يصبح بقائها ونموها أمر مشكوك فيه.
- اتصال الأفراد في المنظمة مع بعضهم البعض لا يتم عشوائيا بل بشكل منظم يأخذ شكل تنظيمي وهذا ما يقصده به «الهيكلة».
- جميع الأفراد في المنظمة لديهم أهداف وأغراض، وهو يتوقعون أن إشراكهم في المنظمة سوف يحقق لهم هذه الأهداف.
------------------------ هذا التعريف يعبر عن المنظمة بجميع أشكالها، وينطبق على المنظمات الصغيرة وحتى الكبيرة مثل شركات البترول والوزارات.........فهي تضم مجموعة من الأفراد يتصلون اتصالا متبادلا مع البعض، وهذا الاتصال يأخذ شكل أو تنظيم معين وعادة ما يترتب عن هذا الاتصال المتبادل تحقيق أهداف الأفراد من انضمامهم للمنظمة وفي نفس الوقت تحقيق أهداف المنظمة .

4- النظريات المعاصرة والاتصال التنظيمي:
يبقى الاتصال التنظيمي محورا هاما من المحاور التي تطرقت لها النظريات المعاصرة في التنظيم، وذلك مرجعه لدور الاتصال التنظيمي في تسيير المنظمات مهما كان حجمها، كما أن التقدم التكنولوجي والتغيرات التنظيمية ساهمت في زيادة هذا الاهتمام، وكذلك تطور النظريات السوسيولوجية في مجال دراسة التنظيم. وفيما يلي سيتم عرض وجهة نظر بعض النظريات المعاصرة لقضية الاتصال التنظيمي.

4-1- الاتجاه التفسيري: نظرية التشكيل:
يعتبر "Weick"، "Poole" و"McPhee" و "Anthony Giddens" من أهم الباحثين المتبنين لنظرية التشكيل والاتجاه التفسيري بصفة عامة.
يضيف أنصار هذا الاتجاه البعد التفسيري لنظرية النظم، لكنهم يعطون للمبادئ الأساسية للنظم (بأن أجزاء النظام مترابطة فيما بينها) وجهة نظر جديدة من خلال نظرية التشكيل وتطبيقها في الحياة التنظيمية. فنظرية النظم تعتبر المنظمة مجموعة من الوحدات تم تنظيمها هيراركيا لتشكيل النظام الكلي. أما نظرية التشكيل فتعتبر النظام مجموعة من الممارسات الإنسانية التي يتم فهمها على أساس كونها محددة لأنماط النشاط التي لها معنى للفاعلين. وهكذا، فإن النظام التنظيمي ليس هو قسم العمليات، وقسم التسويق، وقسم المحاسبة وغيرها. وإنما النظام هو ذلك الكل المركب من أنماط الممارسات التنظيمية التي توجه المنظمة (مثل طريقة التعامل مع الإجازات المرضية، طريقة معالجة طلبات الشراء، طريقة إجراء الاجتماعات، ...). وبالتالي فإن مصطلح "هيكل" في نظرية التشكيل لا يتم استخدامه بالمعنى التقليدي للتسلسل هرمي. بدلا من ذلك، فالهيكل يشير إلى العلاقات المتبادلة بين الممارسات التنظيمية.
من خلال الاستناد لمفاهيم نظرية التشكيل حول النظام والهيكل المبني على الممارسات، وتحديدها لهذه الممارسات على أنها الأنماط ذات المعنى، يمكننا أن نرى كيف تعكس نظرية التشكيل التوجه التفسيري للبنى الاجتماعية للتجمعات الإنسانية. وقد أعاد كل من Poole and McPhee هذا التركيز الى اهتمامات الباحثين في ستينات القرن الماضي الذين رأوا أن التوجه النفس-اجتماعي في دراسة الاتصال التنظيمي لم يعط المجال الكافي لظهور الأثر الجمعي. إذ يعتقد الباحثان أن الاتجاه النفس-اجتماعي يرى أن البناء التنظيمي يحد من ديناميكية الاتصال المعبر عنه بسلوك الفاعلين بينما يتجاهل حقيقة أن تلك البنى نفسها من وضع الفاعلين بذاتهم.
وقد انتبه الباحثون في الاتصال التنظيمي بعد ذلك الى دراسات المنظر البريطاني أنتوني غيدنز "Anthony Giddens" في كتابه "تشكيل المجتمع" الى وجهة نظره فيما يتعلق بالنقاش الذي يدور حول ثنائية (الهيكلة / الفعل)، إذ يرى غيدنز أن تلك الثنائية لا تجمعها الازدواجية كما يرى بعض الباحثين وانما التكامل والثنائية، فالأفراد لا يشكلون الهيكل بلا فعل ولا يقومون بفعل دون هيكلة، من هنا يقدم غيدنز رؤيته للهيكل على أنه في نفس الوقت وسيط ونتيجة.
وقد طبق الباحثون وجهة نظر غيدنز فيما يتعلق بدراسة الاتصال التنظيمي، ففي عام 1980 قدم "Poole" و"McPhee" دراستهما الموسومة بـ" A theory of structuration: The perspective of Anthony Giddens and its relevance for contemporary communication research"
التي تحدثا فيها عن الاتصال التنظيمي في هذه المقاربة مبينان على أن عملية الاتصال التنظيمي عبارة عن سلوك جمعي متواصل الإنتاج وإعادة الإنتاج من طرف أعضاء المنظمة.
ويربط هذا الاتجاه الاتصال التنظيمي بالبيئة التنظيمية ويطرح رؤيته لهذا المفهوم على أنه مجموعة من الألفاظ والعبارات المشتركة بين أعضاء المنظمة والتي تستعمل لوصف كل نشاطاتها، وتتراكم هذه العبارات في البيئة المركزية أين يبدأ الأفراد بتبنيها واستخلاص معانيها لزيادة فهمهم للمنظمة، ومن ثم يتطور هذا التبني الى البيئة الخاصة لعملهم أين تقوم هذه العبارات بتسيير سلوكيات وأفعال هؤلاء الأفراد في مواقف خاصة بنشاطهم.
وفي نفس السياق يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الاتصال التنظيمي يبرز في ثلاث بؤر من التشكيل: التصور والتطبيق والتلقي. وهاته البؤر تكون في ثلاث مراكز من المنظمة، التصور على مستوى الإدارة العليا والتطبيق على مستوى الإدارة الوسطى والتلقي على مستوى الإدارة الإشرافية، ويتم عبر هذه المراكز تحديد أعضاء المنظمة وكذا تحديد آليات التنسيق والعمل والتموضع داخل المنظمة .

4-2- اتجاه ما بعد الحداثة: النظرية النسوية:
ظهر هذا الاتجاه في تسعينات القرن الماضي، ويمثل هذا الاتجاه العديد من المقاربات التي توحدت فيما بعد لتشكل هذا الاتجاه وهذه النظرة الخاصة، وقد قامت هذه النظرية بدراسة الاتصال التنظيمي من عدة أبعاد تعود كلها لخلفيات سوسيوثقافية خاصة. وتقوم هذه النظرية على أن الاتصال التنظيمي بين الموظفين تختلف عن الاتصال بين الموظفات، لكن المجتمع بصيغته الذكورية أثر على المنظمات كذلك ودفعها لطرح نظام واحد للاتصال لا يفرق بين الجنسين وفي بعض الأحيان يكون منحازا للموظفين أكثر من الموظفات. وتقول "Karen Lee Ashcraft" إحدى الباحثات في الاتصال التنظيمي من جانب النظرية النسوية أن إلغاء دور الجنس في عملية الاتصال التنظيمي وجعلها محايدة أثر كثيرا على فعاليتها داخل المنظمة، إذ أن الواقع المجتمعي وتصورات المجتمع وثقافته تلعب دورا في الاتصال التنظيمي حتى ولو لم تقر النظريات السابقة بذلك. وتشير الباحثة الى أن الاتصال التنظيمي، مثله مثل أنظمة الترقية والحوافز والعطل وغيرها، تحكمه الافتراضات المسبقة للجنس في المجتمع والمنظمة بصفة خاصة لأن هذه الأخيرة ما هي الا حيز صغير من المجتمع يلعب أفرادها نفس الدور الذي يلعبونه خارج هذا الحيز.
وتطرح هذه النظرية بعض الأحكام المتعلقة بالاتصال التنظيمي والتي جاءت على ثنائيات حسب المجتمع، فالاتصال التنظيمي تحكمه ثنائية كبيرة هي (ذكر/ أنثى) حسب هذه النظرية، وهذه الثنائية تمثل الرمز الثنائي للمجتمع مثلما يوجد الرمز (0/1) في الحاسوب، فمع الثنائية تلك تتحكم في الاتصال التنظيمي ثنائيات لها علاقة مباشرة بتلك الثنائية والتي من بينها ثنائية (عقل/ جسد) التي تطغى على الجانب المادي واللامادي لعملية الاتصال التنظيمي. ومن بين الثنائيات الكبرى كذلك هي ثنائية قيم (الذكورة / الأنوثة) في عملية الاتصال التنظيمي والتي يرى أصحاب هذا الاتجاه أنها تنبع من النظرية البيروقراطية في التنظيم والتي تمثل خلفية القيم الذكورية حسب المجتمع في قيم الرشد والعقلنة وغيرها. من هذا المبدأ تبدأ عملية تشخيص المهمة حسب الجنس بدل عملية المشاركة التي لا تجزئ المهام الى مهام ذكورية وأخرى أنثوية ومن بينها مهام عملية الاتصال التنظيمي.
ومن بين الثنائيات التي طرحتها هذه النظرية والتي ترى أنها تتحكم في عملية الاتصال من مبدأ الثنائية الكبرى هي ثنائية (عمل/ إدارة)، والتي تقسم عملية الاتصال الى اتصال صاعد واتصال نازل يضيع بينها الكثير من المعاني والمعلومات وكذا روح المشاركة، وتنبع من هاته الثنائية كذلك ثنائية (سبب/ فعل) والتي أوجدتها الهيراركية ذات القطب الواحد والتي تؤثر كثيرا على عملية اتخاذ القرارات على جميع المستويات.
ومن بين الثنائيات المؤثرة على الاتصال التنظيمي حسب هذا الاتجاه توجد ثنائية (منطقي/ عاطفي) والتي تصدر من المجتمع ويتم تضخيمها في الهيكل التنظيمي والاتصال التنظيمي بصفة خاصة والتي تعطي الجانب الذكوري الأفضلية أثناء صياغة الرسالة الاتصالية. كما أن الباحثين في هذا الاتجاه انتقدوا ثنائية أخرى مؤثرة على الاتصال التنظيمي وهي ثنائية (القائد/ الأتباع)، إذ يرى أصحاب هذا الاتجاه أن عملية الاتصال التنظيمي تنظر الى الأتباع بنظرة "نسوية" وتعطي الجانب الذكوري للقائد، حتى أن الرسالة الاتصالية الفعالة ينسبها أعضاء التنظيم للرجولة والرسالة الاتصالية ضعيفة الفعالية الى النسوية. بل حتى في ثنائية (قطاع عام/ قطاع خاص) أين يرى المجتمع على أن القطاع العام تحكمه الدولة (أنثى أو كما يقول الجزائريون الأم أو البقرة الحلوب مثلا على سوناطراك) والقطاع الخاص يحكمه رجال الأعمال .

4-3- المدرسة الموقفية:
تفترض هذه النظرية أنه ليس هناك طريقة واحدة مثلى لأداء العمل أو للإدارة، وأن هناك طرقا عديدة لذلك، ويسند ذلك على نوع العمل والأفراد والظروف المحيطة، حيث أن كل منظمة تحتاج أن تراعي المناخ والبيئة الذي تعمل فيه، وتحتاج المنظمة الواحدة إلى تطبيق جميع المفاهيم التنظيمية طبقا لطبيعة عناصر إدارتها البشرية المختلفة، ويمكن الوصول إلى مناخ مفضل عن طريق استخدام اتصالات جيدة، ولا يتم ذلك إلا إذا سادت المنظمة روح التفاهم والتعامل الأخلاقي ونمو الاتصال مع الآخرين، ووجود اتصالات جيدة يمكن أفراد المنظمة في الإدارات المختلفة من التفاعل والتعامل من أجل الارتقاء بمستوى المنظمة.
وقد تطور هذا الاتجاه منذ بداية السبعينات من القرن العشرين بعد تعدد الدراسات والأبحاث، ومما دعت إليه هذه النظرية هو وجوب تطبيق المبادئ والمفاهيم الإدارية بشكل يتلازم مع الظروف التي تمر بها المنظمة، بمعنى أنه يجب اختيار المنهج الذي تلاءم وطبيعة المرحلة والحالة التي تمر بها المنظمة. وعليه فإن النظرية الموقفية تعتمد اعتمادا كبيرا على وجود مناخ مريح وجيد بين جميع الإدارات في التنظيم الإداري .
4-4- نظرية المعلومات:
تقدم بعض المساهمات في نظرية الاتصالات، فهي ترى أن الاتصال عبارة عن مجموعة الأنشطة الخاصة باستقبال المعلومات، وترميزها، وتخزينها، وتحليلها، واستعادتها، وعرضها، على هذا فإن هناك اهتماما خاصا بتحويل المعلومات من شكلها الوصفي التقليدي (في شكل أحاديث أو تقارير ...) إلى رموز معينة مثل تلك المستخدمة في المكتبات، كما تهتم بتحويل البيانات محل الاتصال من شكلها الوصفي إلى شكل رياضي أو إحصائي، مما يسهل معالجتها بصورة أسرع .

5- المداخل السبعة الراهنة لدراسة الاتصالات التنظيمية:
قديما كانوا يتساءلون إذا ما سقطت شجرة وسط الغابة ولم يكن هناك أحد بقربها هل سيحدث صوت لسقوطها؟ نفس السؤال يطرحه الباحثون في الاتصال التنظيمي، إذا كانت كل هيكلة الاتصال واضحة ولكن المتلقي لم يفهم مغزى الرسالة هل يمكن القول أن الاتصال التنظيمي حدث بالفعل؟ من هذا المنطلق جاءت النماذج الحديثة في الاتصال والتي تركز على معنى عملية الاتصال والاتصال التنظيمي بصفة خاصة.
هناك من المنظرين من يرى أن المعنى يصيغه المرسل ثم يفك المستقبل شيفرة الرسالة ليفهم المعنى، لكن بعض المنظرين يرون أن المعنى يبنيه كل من المرسل والمستقبل أثناء عملية التفاعل الاتصالي، أما بعض المنظرين فيرون أن المعنى موجود في القناة التي تحمل كل المعلومات بين المتفاعلين وذلك عبر الرموز التي تتطور وتتراكم عبر الاتصال. من هنا يجب على من يدرس الاتصال التنظيمي أن يدرك ما هي المداخل السبعة الراهنة التي تعنى بهذا المفهوم، والفقرات الموالية تقدم عموميات حول هاته المداخل من السيبرنيطيقي الى المدخل البلاغي.

5-1- المدخل السيبرنيطيقي:
يبدأ المنظرون في المدخل السيبرنيطيقي من افتراض أن المنظمة هي نظام يتكون من العديد من الأجزاء المترابطة. فمثلا يوجد في المنظمة كبار المسؤولين التنفيذيين الذين يتخذون القرارات والمدراء الذين يضعون القرارات قيد التنفيذ وإدارة الموارد البشرية التي تحدد الأفراد المسؤولين عن تنفيذ القرارات وخلية الاتصال التي تعلن عن القرارات والمسؤولين عن تنفيذها وأقسام المحاسبة والتجهيزات والصيانة وغيرهم ممن يوفرون الموارد اللازمة لتنفيذ القرارات وأخيرا الموظفون والعمال المسؤولون عن تحقيق القرارات على الأرض.
وبالتالي فإن كل جزء مرتبط بالآخر وعليه الاتصال به، من هنا جاء المدخل السيبرنيطيقي الذي يرى في الاتصال التنظيمي على أنه عملية "معالجة المعلومات" بين تلك الأجزاء. ولا يقف هذا المدخل عند عملية المعالجة وطرق ذلك، وإنما يدرس الآليات التي تساعد النظام على تكييف نفسه، ذلك أن السيبرنيطيقية مقاربة تدرس كيفية تنظيم النظام لنفسه بنفسه.
من هذا المنطلق يرى أصحاب هذا المدخل أن حلقات التغذية الراجعة هي المسؤولة عن ذلك التنظيم عبر ربط كل جزء من أجزاء النظام في شبكة واحدة مكونة من شبكات فرعية. ففي المثال السابق يجب على المدراء تلقي تغذية راجعة من قسم الموارد البشرية حول قائمة الأفراد الذين هم بصدد تنفيذ القرارات الصادرة، وقسم الموارد البشرية يجب عليه تلقي تغذية راجعة من أقسام المحاسبة والصيانة والتجهيزات عن الموارد المقدمة للأفراد وكذا مدى تنفيذ هؤلاء الأفراد للقرارات ونسبة إنجاز المشروع وهكذا.
كما أن تكييف النظام بنفسه غير كاف، إذ يجب توفر معلومات حول المدخلات اللازمة من البيئة التي تنشط فيها المنظمة مثل جهات التمويل والتجهيز وغيرها، وكل تلك المعلومات يجب على النظام معالجتها داخليا حتى يستمر في التقدم وذلك من خلال الاتصال التنظيمي .

5-2- المدخل الفينومينولوجي:
ينطلق المدخل الفينومينولوجي في دراسة الاتصال التنظيمي من مبدأ أن المعنى يأتي مباشرة من معايشة ظاهرة معينة، ففي المثال السابق حول القرارات التنظيمية لا يمكن للباحث أن يفهم المعنى من الاتصال التنظيمي حتى يعيش بل ويشارك في كل لحظة من العملية ابتداء من صدور القرار وحتى تنفيذه.
وحتى يستطيع الباحث معرفة الهدف من الاتصال التنظيمي يجب عليه تحليل المعنى لغويا والتعبير عنه ومن ثم إعادة بناء التحليل في ضوء تجارب جديدة، من هنا تأتي أهمية الحوار في الاتجاه الفينومينولوجي، وفي المثال السابق يجب على الباحث محاورة كل فرد مسؤول عن عملية اتخاذ وتنفيذ القرارات، ومن ثم ربط نتائج ذلك الحوار مع خبرات أخرى في الاتصال التنظيمي لنفس المواقف .



5-3- المدخل النفس-اجتماعي:
يرى رواد هذا المدخل أن الاتصال عبارة عن عملية يقوم بموجبها فرد واحد (أو مجموعة من الافراد) بمحاولات تحفيز معنى في ذهن فرد آخر (أو مجموعة من الأفراد) من خلال استخدام الرسائل اللفظية أو/ وغير اللفظية، أي ينطلق رواد هذا المدخل من مبدأ أن لكل ذهنه وطريقة تفكيره وطريقة تعبيره، وبالتالي كل فرد هو المسير والمسيطر الوحيد على الكيفية التي يريد بها التعبير عما في ذهنه.
ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الاتصال التنظيمي هو نية فرد في تغيير نية فرد آخر، وهذا المفهوم يطرح إشكالية في أوساط المداخل الأخرى، فحين يرى هذا المدخل الأهمية المحورية للفردانية في عملية الاتصال التنظيمي يرى مثلا رواد مدخل ما بعد الحداثة أن تاريخ الفرد ومجتمعه يحددان طبيعة فعل الفردانية التي تقوم عليها تحليلات المدخل النفس-اجتماعي. وبينما يرى أصحاب هذا الاتجاه أن معنى الاتصال التنظيمي يكمن في دوافع الفرد يرى أصحاب الاتجاه السوسيوثقافي (الذي سيتم التطرق اليه بعد الفقرات الموالية) يرى أن المعنى ينتج من التفاعل.
وبالعودة الى المثال السابق عن عملية صنع القرارات وتنفيذها يرى أنصار هذا المدخل أن معنى الاتصال يوجد في ذهن كل فرد، فكبار المسؤولين التنفيذيين قاموا بإصدار القرارات بكل وعي ونية لتغيير وعي المدراء حول ما يجب الوصول اليه، والمدراء قاموا بإبلاغ إدارة الموارد البشرية لتغيير نيتهم الى القرار وهكذا. وهنا تبرز المقاربة السيكولوجية في هذا الطرح، إذ أن الباحث لن يستطيع معرفة معنى الاتصال التنظيمي الا إذا قام بمعرفة اتجاهات ودوافع ونوايا كل فرد مسؤول عن العملية الاتصالية .

5-4- المدخل السوسيوثقافي:
في المدخل النفس-اجتماعي يكمن معنى الاتصال في الفرد بعينه، أما في المدخل السوسيوثقافي فإن معنى العملية الاتصالية يكمن في تفاعل الأفراد مع بعضهم في موقف اجتماعي معين يتميز بالواقعية المدركة من الطرفين. ويرى جورج هيربرت ميد، مؤسس هذا المدخل، أن الأفراد لا يعون هوياتهم إلا عن طريق اتصالهم بغيرهم، بينما يربط بعض رواد هذا المدخل الاتصال بالسوسيودراما مثل ارفينغ هوفمان.
واستنادا لهذه الافتراضات يرى رواد هذا المدخل الى العملية الاتصالية على أنها تستعمل من طرف الأفراد من أجل إنتاج ومن ثم إعادة إنتاج أنماط مستقرة من النظم الاجتماعية. من هنا يتضح أن الباحثين في هذا الاتجاه يسعون لمعرفة كيفية تشكل الثقافة التنظيمية من خلال الاتصال التنظيمي. وبالعودة الى المثال السابق فإن عملية صنع القرارات وتنفيذها في المنظمة تخضع لثقافة تنظيمية مميزة يعلمها الأفراد المنتمون لتلك المنظمة، فمثلا خلية الإعلام بالمنظمة أدرى بكيفية صياغة الرسالة الاتصالية التي يمكنها أن توصل أفكار إدارة الموارد البشرية الى العمال والموظفين وما هي القناة الأنجع لتحقيق ذلك.
إن الثقافة التنظيمية تستمر وتنمو عن طريق الاتصال التنظيمي الذي يحدد الممارسات والحوارات اليومية لأفراد المنظمة والتي تتم باستخدام لغة داخلية قد لا يفهمها من هو خارج عن المنظمة، لأنها تحمل معاني وقيم مشفرة بين الزملاء يرسلونها غنية بالأفكار والسمات الثقافية عند البداية ومن ثم تتراجع تلك القيم والمعاني والأفكار الى العقل الباطني للعمال الذين سيستعملون تلك العبارات في المرة القادمة دون وعي بذلك الثراء الثقافي لأنهم تعودوا عليها وانطبعت معانيها في أذهانهم، بينما يجدها الغريب عن المنظمة أو المنتمي حديثا لها أحاديث غير مفهومة تستوجب البحث والاستفسار عن مصدرها ومعناها الأول .

5-5- المدخل السيمانطيقي:
يمكن تلخيص نظرة هذا المدخل للاتصال التنظيمي في المثل القائل "لا يوجد دخان من دون نار"، وبما أن السيمانطيقا علم يدرس الدلالات فإن الدخان دلالة على وجود النار. وتشارلز بيرس مؤسس هذا المدخل يركز على دراسة المعاني والدلالات وراء النواتج، مثل حفرة الرصاصة كدلالة على اطلاق النار والرعد كدلالة على اقتراب العاصفة.
وينظر هذا المدخل للاتصال التنظيمي على أنه عملية التبادل البين-ذاتية بوساطة علامات خاصة. أي بعبارات أخرى هو عملية تبادل المعاني بين طرفين، وكل طرف يتلقى دلالات عن المعنى الذي يريد الطرف الآخر إيصاله سواء كانت تلك الدلالة عبارة عن كلمات أو صور أو غيرها.
وبالعودة للمثال السابق فإن إصدار القرارات دلالة على السلطة وتنفيذ القرارات دلالة على التسيير الجيد واختيار الأفراد المسؤولين عن التنفيذ دلالة على التنسيق وهكذا. وفي هذا المدخل من دراسة الاتصال التنظيمي تصبح المنظمات عبارة عن دلالات، فمثلا المؤسسات الحكومية دلالة عن البيروقراطية وشركة أبل مثلا دلالة عن التكنولوجيا العالية وشركة مرسيديس دلالة على الرفاهية وهلم تباعا .

5-6- المدخل النقدي:
بأخذ المثال السابق يمكن تفسير مقاربة هذا المدخل. بعد تنفيذ القرارات التنظيمية يأتي الباحث ليقيم مدى فعالية العملية الاتصالية، فيرى ما إذا كانت العملية مثلما تصورها كبار المسؤولين التنفيذيين أو غير ذلك. ويبدأ بالتساؤل "ماذا أراد المسؤول بذلك القرار؟ ولماذا اختار المدير تلك الخطة التنفيذية دون غيرها؟ وكيف عرفت إدارة الموارد البشرية من الأكفأ بتنفيذ القرار؟ ومن قال أن مصلحة الإعلام اختارت أفضل القنوات لإعلام المصالح الأخرى؟..." وهنا يظهر المبدأ الذي تعتمده الطريقة النقدية في دراسة الاتصال التنظيمي.
ينتقد هذا المدخل كل مرحلة من مراحل الاتصال التنظيمي محاولا بذلك إعطاء رؤية جديدة لتلك العملية، فقد تستخدم المنظمة أيديولوجية معينة في الاتصال معتبرة أنها الأفضل، لكن الباحثون في هذا المدخل يقدمون طرقا أخرى وبدائل من خلال نقدهم للعملية قد تستفيد منها المنظمة في تفعيل عملية الاتصال التنظيمي. وبالتالي فإن من المهم لرواد هذا الاتجاه أن يأتوا برؤية جديدة ممتزجة بين النظري والعملي، لأن النقد النظري دون بدائل قابلة للتطبيق وناجحة غير كاف بالنسبة للمنظمة، وكذلك فإن نقد الميدان دون اللجوء الى جانب نظري قد يفقد الباحث مصداقيته ولن تستفيد المنظمة من مدخله النقدي الذي أتى به .

5-7- المدخل البلاغي:
ومع أن هذا المدخل جديد، إلا أن أصوله أقدم من المداخل الأخرى. فبالعودة الى اليونان القديمة، كان السفسطائيون يستغلون الاتصال لكسب منافع لهم، وذلك عبر استخدام صيغ بلاغية تفحم المستمع وتجعله يتقبل أي فكرة يأتي بها المتحدث، وهنا جاء أرسطو وأقام دعائم الديمقراطية حتى لا تضيع حقوق الناس وتذهب الى من لهم البلاغة وحسن استدراج عقول الناس بالكلام. من هذا المنطلق جاء المدخل البلاغي لتحليل الرسالة تحليلا عميقا وكيف أن المعنى الذي يريده البليغ (المرسل) يستطيع أن يصل الى المتلقي (المستقبل) وكيف يتناقشان من أجل إيجاد قاعدة مشتركة للتفاهم.
وتفصل الدراسات البلاغية للاتصال التنظيمي بين البلاغة الداخلية والبلاغة الخارجية، فالأولى تتعلق بالمساهمين والثانية بالعمال. وقد قسمت "Mary Hoffman" و"Debra Ford" البلاغة الخارجية الى أربعة أنواع: المسؤولة عن بناء وتطوير صورة المنظمة، المسؤولة عن إدارة القضايا، المسؤولة عن إدارة المخاطر والمسؤولة عن إدارة الأزمات؛ أما البلاغة الداخلية فهي مسؤولة عن ضبط الموظفين ضمن القيم التنظيمية وتحفيزهم على العمل.
ويملك هذا المدخل العديد من الأساليب لتحسين الاتصال التنظيمي، ومنهم الطريقة الكلاسيكية لأرسطو أين يجب على المرسل أن يبني حججا دامغة ثم يقوم بترتيبها وعرضها بأسلوب جيد ثم يقوم بإرسالها عبر قناة مناسبة لتصل الى المستقبل وتترسخ في ذهنه، أما الطريقة الحديثة فتعتمد على أساليب الحوار والإقناع المعاصرة .

خاتمة:
تتميز النظريات المهتمة بالاتصال التنظيمي بالتراكمية، فكل نظرية جاءت على نقائص النظرية التي قبلها. وهذا ما عزز الرصيد المعرفي للاتصالات التنظيمية وأعطاها روحا متجددة جعلت المنظمات تسعى الى تطويرها مهما كانت الإيديولوجيات المطبقة لديها. والملاحظ أن كل نظريات التنظيم قد أعطت دورا محوريا لهذه العملية في نمو وتطور المنظمة وكذا في تشكيل ثقافتها التنظيمية وصورتها الذهنية في البيئة التي تنشط فيها.
وبتعدد النظريات والمداخل تعددت كذلك النماذج المتبعة للاتصال التنظيمي، فالنظريات الكلاسيكية قدمت نماذج خطية وهرمية وفقا لرؤيتها للهيكل التنظيمي، والنظريات النيو كلاسيكية أبرزت الجانب الإنساني في العملية، بعدها جاءت النظريات الحديثة التي أعطت أبعاد مختلفة للعملية ونوهت على أهميتها، لتأتي النظريات المعاصرة وتعطي قفزة جديدة للدراسة في هذا المجال. هذا وقد توسع البحث في عملية الاتصال التنظيمي مع تنوع المداخل النظرية التي تعكس كل منها جانبا مهما من جوانب الاتصال التنظيمي الذي يمثل بحق عصب الحياة للمنظمة.

قائمة المراجع:
1- المراجع العربية:
1-1- الكتب:
1. أحمد ماهر: السلوك التنظيمي، مدخل بناء المهارات، الدار الجامعية، القاهرة، مصر، 2000.
2. محمد قاسم القريوتي: مبادئ الإدارة، النظريات والعمليات والوظائف، دار الشروق، عمان، الأردن، ط3، 1993.
3. ناصر محمد العديلي: السلوك الإنساني والتنظيمي، معهد الإدارة الوطنية للبحوث، الرياض، 1995.
4. قباري محمد إسماعيل: علم الاجتماع الإداري، دار المعارف، الإسكندرية، مصر، 1981.


1-2- المذكرات:
1. بن داود العربي: فعالية الاتصال التنظيمي في المؤسسة العمومية الجزائرية: مذكرة لنيل شهادة ماجستيير في علم الاجتماع تخصص تنمية الموارد البشرية، تحت إشراف الدكتور صالح بن نوار، جامعة منتوري قسنطينة، منشورة، 2007- 2008.
2. رماش صبرينة: الفعالية الاتصالية في المؤسسة الاقتصادية الجزائرية، رسالة مقدمة لنيل درجة دكتوراه في علم الاجتماع، تخصص تنمية وتسيير الموارد البشرية، تحت إشراف الأستاذ الدكتور فضيل دليو، جامعة منتوري قسنطينة، 2008- 2009، منشورة.
3. فرحاتي لويزة: الاتصال الرسمي وعلاقته بالحوافز المعنوية. دراسة حالة مطاحن الأوراس – باتنة -، بحث مقدم لنيل شهادة ماجستير في تنظيم الموارد البشرية، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر.
1-3- محاضرة:
بلمولاي بدرالدين: محاضرات مقياس الاتصال التنظيمي لطلبة العلاقات العامة سنة ثالثة، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر، 2013 – 2014.
1-4- موقع الكتروني:
http://www.hrdiscussion.com/hr63220.html

2- المراجع الأجنبية:
2-1- كتاب:
Jason S. Wrench, & Narissra Punyanunt-Carter, “An Introduction to Organizational Communication”, Creative Commons, California, USA, 2012.
2-2- مقال:
Herzberg, Frederick. "One more time: how do you motivate employees?." New York: The Leader Manager (1986): 433-448.








#بوشبور_عبد_الحميد_بن_النية_عبدالاله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...
- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - بوشبور عبد الحميد بن النية عبدالاله - نظريات الاتصال التنظيمي