أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين كركوش - العشيرة منزوعة الدسم















المزيد.....

العشيرة منزوعة الدسم


حسين كركوش

الحوار المتمدن-العدد: 5199 - 2016 / 6 / 20 - 16:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد 2003 شاهدت السياسي العراقي د. أحمد الجلبي يتحدث عن شجرة العائلة ويسهب في الحديث عن انتمائه العشائري ، ذاكرا أسم قبيلته. ومثله تحدث الأستاذ عدنان الباججي عن انتمائه العشائري.
وبالتأكيد ، لا أشك بقوليهما فهما الأعرف بنسبيهما.
لكني أسأل : هل كان الجلبي والباججي ليتحدثا عن الانتماء العشائري قبل عام 2003 ؟
هل يؤمن الاثنان بالتقاليد و الأعراف والعادات و السنن العشائرية ويطبقان ما فيها ؟

اختياري للجلبي والباججي ، من بين كثيرين ، ليس عشوائيا. اخترتهما لأنهما يحملان أفكارا ليبرالية ، و ينتميان لعائلات حضرية بغدادية اقترنت أسمائها ببناء الدولة العراقية الحديثة والمشاركة في حكوماتها طوال العهد الملكي. وحتى اللقب العائلي عند كليهما لا علاقة له بأسماء العشائر وإنما بالمهنة وبالمنزلة الاجتماعية. ولا أعتقد أنهما ، على الأقل بسبب تواجدهما خارج العراق ، دخلا في حياتهما مضيفا عشائريا. وأظن لو أنهما سمعا قبل عام 2003 بكلمات (العطوة والنَهَوَة و الفخذ والفندة و ذاب جرش والفصلية والكوامة وكسر العصا ) وغيرها من مصطلحات و مفردات القاموس العشائري لاعتبروها أُحجيات صعبة أو نكات.

إذن ، كيف نفسر حديثهم عن العشيرة و شجرة العائلة والانتماء العشائري ؟
لا يوجد غير تفسير واحد هو ، مواكبة التيار العشائري العارم الذي جعل الجميع يسيرون معه ، بما في ذلك داخل أوساط ليبرالية وماركسية ، ودفع حتى عراقيين من أصول فارسية وتركية يضيفون لأسمائهم ألقابا عشائرية عربية ليركبوا الموجة.

ولست بحاجة أن أوكد أن ما أقوله لا يعني أن يتنصل أحدنا عن أهله وأقربائه وعشيرته. أنا أتحدث عن منظومتين من القيم تختلف أحدهما عن الأخرى.

والأمور لم تتوقف عند الحديث عن الانتماء العشائري. فقد بتنا نرى وزراء و برلمانيين وسياسيين وأكاديميين ومثقفين يهدد أحدهما الآخر بمقاضاته عشائريا عند وقوع خلاف بينهم.

أما سياسيا ، فأضحت العشائر ، ولأول مرة في تاريخها ، تعقد (مؤتمرات) خاصة بها داخل فنادق فارهة في العاصمة ، يتسابق على رعايتها أو افتتاح جلساتها مسؤولون حكوميون كبار وقادة أحزاب. وصار قادة سياسيون يتوددون لرجال العشائر ويؤسسون لهم مجالس (اسناد). وهذه أمور لم تحدث حتى في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي عندما كانت العشائر في أوج قوتها.

استنادا على هذه المعطيات المُستَجَدة يدور كلام عن ترييف (المدينة) العراقية. ويذهب بعض من أصحاب هذا الرأي إلى أبعد من ( الترييف ) ، ويستنتجون أن المجتمع العراقي يعيش (ردَّة) ثقافية ، أو ثورة ثقافية مضادة للقيم الحَضَرَية المدينية الليبرالية المنفتحة ، لصالح القيم الريفية العشائرية المحافظة.
وهناك رأي آخر يقول أصحابه أن هذا الذي يحدث ليس سوى عودة المجتمع العراقي الحَضَرَي ( الضال ) إلى أحضان عاداته وتقاليده الأصيلة التي تنكر لها طويلا ، بعد عملية ( تغريب ) تعرض لها منذ بداية القرن الماضي.
وفي مقابل هذين الرأيين يوجد من يرى أن هذه ظاهرة طبيعية ومتوقعة الحدوث ، بل لا بد أن تحدث ، بسبب الغياب شبه الكامل للدولة ومؤسساتها ، وهي ظاهرة مؤقتة ستتراجع و تختفي باختفاء مسبباتها. فالمدينة مدينة والريف ريف ، والفرق بينهما كبير ، حتى في بلد ريعي زراعي مثل العراق.

فأي من هذه الآراء على صواب ؟
هنا نطرح سؤالين.
1/ هل أن هذه الظاهرة تعتبر ، حقا ، مؤشرا على حدوث انقلاب ثقافي أو تحول بنيوي جذري في ذهنية وتفكير وسلوك المجتمع الحَضَري المديني باتجاه رفض منظومة قيمه السائدة ، واستبدالها بمنظومة القيم العشائرية ، بعد أن أكتشف أن منظومة قيمه المدينية شاخت كثيرا و لم تعد صالحة ؟
وبشكل أكثر تحديدا وتلخيصا ، أطرح السؤال التالي : هل يوجد هذه الأيام كثير من سكان المدن العراقية ، من النساء والرجال ، من أوساط متعلمة وحتى غير متعلمة ، يقبلن ويقبلون بالأعراف وبالسنن العشائرية ، كزواج الكصة بكصة أو الفصلية أو النَهَوَة ؟
2/ هل أن ما يغري سكان المدن العراقية هذه الأيام ويحرصون على تبنيه و يريدون الالتزام به و يرغبون في تطبيقه هو ، منظومة القيم العشائرية لذاتها ؟ أم أن ما يغريهم هو ، (خدمات) العشيرة دون منظومتها القيمية ، أي أنهم يحتاجون العشيرة كجهة تدافع عنهم و تقدم لهم خدماتها ( الأمنية) ، بسبب الفراغ الأمني الذي خلقه غياب الدولة.

شخصيا ، أرى أن ما نجده الآن في مدن العراق الكبرى ، وخصوصا العاصمة بغداد ، هو العشيرة كجهة تنظيمية. و وجودها بهذا الشكل (إيجابي) بدون شك.
العشيرة نجحت في سد الفراغ الذي حدث بسبب عجز الدولة عن أداء واجباتها ، حتى البسيطة منها. أي أن العشيرة حاضرة هذه الأيام ، كجهة قضائية تبت في مشاكل مجتمعية كان يفترض أن تبت بها الدولة.

و من جانب آخر ، فأن العشيرة حاضرة كشركة حماية أمنية ، مثلها مثل شركات الحماية الخاصة في الغرب ، أو كشركات التأمين على الحياة : أنتَ رجل بالغ سن الرشد وتريد الحفاظ على حياتك وحمايتك ؟ إذن عليك أن تدفع اشتراك سنوي (الودي) ، لقاء الدفاع عنك في حال تعرضك لمكروه أو لحادث.
بمعنى آخر أن هذا الحضور للعشيرة لا يعني التقبل الحماسي من قبل سكان المدن للسنن العشائرية. و حتى العشيرة الناشطة الآن ليست هي العشيرة التقليدية.

العشيرة الحاضرة هذه الأيام (داخل المدينة) العراقية هي العشيرة (منزوعة الدسم ). أي العشيرة بدون (شيوخ) ، بدون (مضيف) ، بدون منظومتها القيمية ونمط عيشها.
(شيوخ) العشائر الذين نراهم هذه الأيام والذين يتكاثرون بطريقة انشطارية داخل المدن ليسوا ( شيوخ) و لا تربطهم صلة بشيوخ العشائر التقليدين غير نوعية الملابس التي يرتدونها. والأغلبية منهم ربما لم يدخل مضيفا في حياته. وبعض من هولاء لا يرتدون الزي العشائري إلا عند الحاجة (عدّة شغل). أما بقية الوقت فيقضونه في ممارسة حرفهم و وظائفهم : حدادون ، نجارون ، أصحاب ورش صناعية ، أطباء ، مهندسون ، برلمانيون ، وزراء ، ضباط كبار ... الخ.

وحتى الزي العشائري تحول إلى موضة هجينية تُعرَض بطريقة استعراضية كاريكاتورية. فبدأنا نشاهد (شيخ) عشيرة أو (أمير) يرتدي (قمصلة) جلدية من آخر الصرعات العالمية وتحتها دشداشة وفوقها عقال وغترة ، ويرطن بمفردات سياسية ، ويطالب (باستهزاء طبعا) أن تصبح أغنية المطربة ساجدة عبيد نشيدا وطنيا للدولة العراقية !!

أما أخلاق العشيرة ، فعلينا أن نعرف أولا ما هي أخلاق العشيرة ؟ هي الكرم والنخوة وإجارة الملهوف ( الدّخيل) بدون معرفة هويته الشخصية ، والمضيف المفتوح على الدوام لاستقبال كل من يدخله ، واستقلالية القرار ، بعيدا عن استجداء رضا الحكومة ، و ذوبان الفرد داخل الجماعة حد الانصهار.
هذه الأخلاق ظهرت منذ أن ظهرت القبيلة. و هي لم تظهر برغبة مزاجية أو بمحض مصادفة ، وإنما خرجت من رحم البيئة الصحراوية أو القروية لكي تلائم وتلبي شروط العيش فيها. وهي لم تُخلَق للبيئة المدينية الحَضَرية لأنها ، ببساطة ، لا تلائمها.
فعلى سبيل المثال ، من المستحيل أن تجد داخل المدن من يترك باب بيته مشرعا لاستقبال كل من يريد الدخول إليه ، مثلما ( المضيف ) العشائري.
نعم ، قد تجد ( براني) أو ( ديوانية) في بعض بيوت المدينة. لكن هذه الأماكن التي أصبح أسمها لاحقا (صالون ) أو غرفة استقبال ، ( تستقبل) الضيوف وفق أتيكيت وضوابط ، أي ليست مشرعة الباب يدخل لها من يريد ، كما المضيف العشائري.
(الديوانية) تستقبل الضيوف وفقا لضوابط ولشروط المدينة. وهي ضوابط حافظ عليها الإسلام وعززها ، لأنه هو نفسه دين حَضَرَي : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها. النور : 27). ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ألَّا أن يُؤذَنَ لكم. الأحزاب : 53). ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم. الحجرات : 4 ، 5).
وفكرة طلب الأذن قبل الدخول للمنزل والانتظار حتى يخرج صاحب المنزل ليست لها علاقة بأخلاقيات المضيف ، وإنما بأخلاق منازل المدينة ، وليست لها علاقة بالجماعة وإنما بالفرد. إنها تؤكد على أهمية الفرد وليس الجماعة ، وتهتم باحترام (خصوصية) الفرد.
فكرة الاستئذان هي طَلاق بائن بين عالم الخيمة أو القرية ، الجماعي ، المفتوح ، المشاع للجميع ، وبين عالم المدينة الخاص المُنغلق على أسراره. ( خصص الباحث العراقي د. فالح مهدي كتابا كاملا ، ورائدا في مجال اختصاصه ، لدراسة نمط العمارة الإسلامية وعنونه : " الخضوع السني والإحباط الشيعي ، نقد العقل الدائري").
فكرة الاستئذان أو فلسفة الاستئذان كانت منذ البداية حاضرة في ذهن مهندسي العمارة الإسلامية ، عند بنائهم البيوت داخل المدن الإسلامية. وهي وراء الاهتمام بباب المنزل داخل المدن : حجمه ، زخرفته ، نوع الخشب الذي يصنع منه ، العَتَبة التي توضع أمامه ويتوقف عندها زائر البيت ليمنح من في الداخل فرصة لأن يرتبوا أمورهم قبل دخوله عليهم ، وخصوصا النساء. و مع ظهور الباب ظهرت المطرقة المثبتة على الباب ، قبل استبدالها بالجرص الكهربائي المثبت حاليا على أبواب الدور في المدينة ، وهي على أي حال بيوت مسَّورة ومُقفلَة ، بالضد من خيام الصحراء أو بيوت القرى منزوعة الأبواب و المشرعة على الدوام.
هذه ليست تفاصيل ثانوية ، إنما قيم عمرانية تعكس وتجسد القيم الأخلاقية لمجتمع المدينة ، وسلوكيات أفراده وممارساتهم ونمط حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية ، التي تختلف كثيرا ، بل تتناقض مع تلك التي نجدها عند أبناء القبائل والأعراب في القرية أو الصحراء.



#حسين_كركوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل المجتمع العراقي عشائري أولا و حَضَرَي ثانيا أم العكس ؟
- جماهير التيار الصدري : الفتات المبعثَر على موائد أثرياء الشي ...
- ( لي سان كيلوت ) : نار الثورة الفرنسية و رمادها
- عراقيون مظهرهم تقدمي و أفكارهم رجعية
- ماذا يحدث بالضبط للتحالف الوطني هذه الأيام ؟
- هل يكتب العراقيون معاهدة ويستفاليا جديدة خاصة بهم ؟
- هل تصح المقارنة بين مقتدى الصدر وبين المرشح للرئاسة الأميركي ...
- حكام آل سعود يعيشون هذه الأيام في رعب وتنتظرهم أيام عصيبة
- روحاني يؤكد أن إيران تقاتل في العراق دفاعا عن مصالحها القومي ...
- الأزمة التي تتعمق في العراق: السبب في (السايبا) وليس في سائق ...
- (الهمج الرعاع) في العراق يحولون حياة النخب السياسية والدينية ...
- العراق في غرفة الإنعاش والعبادي يروي نكات عن التكنوقراط
- مَن يتذكر (رجل من العراق) أسمه وصفي طاهر ؟
- أصبحت (مقاتل) الشيعة العراقيين في زمن حكم الشيعة تُبث على ال ...
- - أنفسنا السنة - لكن - لعن الله الواثق - !
- طوفان الدم والجثث المتعفنة وخيبات الأباء في قصائد سيغفريد سا ...
- الشاعر الإنكليزي العراقي الأصل سيغفريد ساسون
- لماذا لا يخاف الفاسدون وناهبو المال العام في العراق من التظا ...
- المستقبل العراقي يفر نحو (العمة) ميركل هربا من جحيم الماضي و ...
- دولة الحُسينية وحُسينية الدولة


المزيد.....




- سلاف فواخرجي تدفع المشاهدين للترقب في -مال القبان- بـ -أداء ...
- الطيران الإسرائيلي يدمر منزلا في جنوب لبنان (فيديو + صور)
- رئيس الموساد غادر الدوحة ومعه أسماء الرهائن الـ50 الذين ينتظ ...
- مجلس الأمن السيبراني الإماراتي يحذّر من تقنيات -التزييف العم ...
- -متلازمة هافانا- تزداد غموضا بعد فحص أدمغة المصابين بها
- ناشط إفريقي يحرق جواز سفره الفرنسي (فيديو)
- -أجيد طهي البورش أيضا-... سيمونيان تسخر من تقرير لـ-انديبندت ...
- صورة جديدة لـ -مذنب الشيطان- قبل ظهوره في سماء الليل هذا الش ...
- السيسي يهنئ بوتين بفوزه في الانتخابات الرئاسية
- الفريق أول البحري ألكسندر مويسييف يتولى رسميا منصب قائد القو ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين كركوش - العشيرة منزوعة الدسم