أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تامر البطراوي - رسائل إلى الرئيس - الرسالة الرابعة إستراتيجيات الوصول للتمثيل السياسي الوطني















المزيد.....


رسائل إلى الرئيس - الرسالة الرابعة إستراتيجيات الوصول للتمثيل السياسي الوطني


تامر البطراوي

الحوار المتمدن-العدد: 5177 - 2016 / 5 / 29 - 02:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رسائل إلى الرئيس
كَتَبت هذه الرسائل بِوجهة نظر لا تدعي الحقيقة وتسعى إليها ، تعرض الرأي لمن يطلبه ولا تفرضه ، تُثمن النقد لا تنتهج النصح ، رسائل موجهة لكل رئيس دولة بكل نطاق زماني أو مكاني ، كائن أو كان أو سيكون ، رسائل مهمتها تثبيت حُكم الرئيس فتثْبُت معه الدولة داعمة المجتمع ، رسائل متعددة لا أحادية الموضوع ، تدعو للفِكر حول السيادة والثقافة والفلسفة والسياسة العامة للدولة ، ذلك المصطلح المحفز لإنطباعات متباينة ما بين التحفظ والتوجس وأحياناً التحامل.. ولعل السبب في ذلك الربط الشعبوي لمصطلح السياسة بالرأي ، في حين أن الحديث عن السياسة يتسع ليشمل الفهم الموضوعي لِلأُصول النظرية لعلم السياسية وهو ما سنتناوله بالتحليل في تلك الرسائل ، المُفتَتَحة برسالة أولى حول جدلية المجتمع والدولة ، ورسالة ثانية بعنوان حدد طبيعة مجتمعك وتوافق معه ، ورسالة ثالثة بعنوان الدولة ما بين فلسفة الرؤية وسياسات المهمة ، ورسالة رابعة بعنوان إستراتيجيات الوصول للتمثيل السياسي الوطني

الرسالة الرابعة إستراتيجيات الوصول للتمثيل السياسي الوطني
البند الأول: الوصول الإستراتيجي والغير استراتيجي
بيَّنا بالرسائل السابقة أن مهمة الدولة هي الضبط والدعم ، ضبط السلوك في إطار منع الإعتداء على الحقوق ، ودعم قدرات المجتمع وفق الإمكانيات المتاحة للدولة بدءاً من الوصول إلى منافعهم الضرورية وحتى أقصى رفاهية ممكنة ، وهي مهمة لازمة وقاصرة ، لازمة لأن غياب المسؤلية عن حماية الحق تعني ضياعه ، والذي سينعكس في صورة فوضى تدهور أو بروز تورم بجسد المجتمع وإضرار بنمط حياة الأفراد ، وفي ذات الوقت هي مهمة قاصرة على الدولة ، فالدولة وحدها هي المعنية بالِتَسْيِّير الرسمي للمجتمع بإصدار وتنفيذ القواعد العامة المُلزمة ، وهي مهمة نيابية تقوم بها الدولة بالإنابة عن المجتمع لعدم اكتمال أعضاء وأطوار كائن المجتمع ، وإلى أن يصل المجتمع لدرجة من النضج والإكتمال العضوي سيظل دور الدولة النيابي دوراً لازماً قاصراً.
المهمة بشكل عام هي جهد مبذول خلال مسار للوصول إلى غاية ، ويمكننا التفريق ما بين نوعين من ذلك المسار للوصول ، الأول المسار المباشر الذي لا يواجه صعوبات ، والثاني هو المسار الإستراتيجي الغيرَ مباشرٍ ، وهو ذلك المسار الذي يواجه صعوبات فيلتف حول عقبات ويتخطى عوائق وأغوار ويختار مسارات فرعية دون غيرها ، وبذلك فالإستراتيجية صفة للجهد وشكل الحركة وليست الجهد نفسه ، فهي صفة تحرك تجاه جهة يصعب الوصول إليها ، وعند تحديد المسار الإستراتيجي لابد وأن تتمتع الحركة بشكل عام بقدر عالي من المرونة مهما اتسعت قاعدة البيانات المستقبلية ، ذلك لأن الخيارات المستقبلية للتحرك الإستراتيجي تعتمد على نتائج وردود فعل مستقبلية.
أما السياسة فهي قواعد اَلحَادي على ذلك المسار وليست سُلطته الإلزامية للركب والتي قد تمثل إحدى أدواته ، وإذا كان السير في المسار المباشر يتطلب دليلاً إرشادياً (سياسات) فإن الحاجة بالمسار الإستراتيجي أوكد ، وعادةً تتفق المجتمعات والأحزاب الممثلة لها حول الرؤى ومراحل المسارات المؤدية إليها ، ولكن الإختلاف يتأزم حول السياسات ، أو الرؤى الإرشادية العاملة الواجب اتباعها للوصول ، ومن الطبيعي أن يتطرف الخلاف إلى يمين ويسار بينهما وسط ، لإختلاف التغذية والمضمون المعرفي لأفراد المجتمع ، ومن هنا تنشأ ظاهرة التنازع السياسي بالمجتمعات حول حمل صفة التمثيل السياسي الوطني ، وهو نزاع مرتبط بالتساؤل حول صاحب الحق في منح الصفة الرسمية في تمثيل الدولة (التمثيل الوطني السياسي)؟.
وللإجابة على ذلك التساؤل لابد من التفريق ما بين فلسفتين ، الفلسفة الأولى تقوم على أن صفة التمثيل الوطني حق يمنحه الغير ، بينما الفلسفة الثانية فترى أنه حق يُكتسب ذاتياً.. الفلسفة الأولى يتفرع عنها استراتيجيتين أساسيتين ولهما مسارات استراتيجية فرعية ، وهما الإستراتيجيات الإدارية بالتعيين (إستراتيجية التعيين من خلال كيان خارجي وإستراتيجية التعيين من داخل القطاع) ، والإستراتيجيات الشعبية بالإنتخاب (وتشمل إستراتيجيات الإنتخاب العام من الشعب بعمومه أو من ممثليه أو رؤساء أحزابه ، واستراتيجيات الإنتخاب الخاص المقصور على قطاع معين أو ممثلين لذلك القطاع) ، أما الفلسفة الثانية فيتفرع عنها أربع استراتيجيات وهي: الإستراتيجيات الإدارية بالترقي (وتشمل استراتيجيات الترقي العلمي والزمني والمهاري) ، واستراتيجيات الأنساب (وتشمل استراتيجيات إرث السلطة لقرابة مباشرة أو غير مباشرة) ، واستراتيجيات الصدام (وتشمل استراتيجيات القوة العسكرية والقوة الإستعمارية والقوة الثورية) ، واستراتيجيات المِلكية المالية (وتشمل إستراتيجيات الحق للمِلك والحق في المِلك).
وهنا يتبادر التساؤل ما هي الآثار المترتبة على اتباع فلسفة ما حول صاحب الحق في منح التمثيل الوطني واستراتيجية وصول تابعة لها؟ ، الأثر المباشر العام لإتباع استراتيجية معينة هو أن يصبح الوصول لتمثيل الدولة هو حِكر على فئة معينة (البوابة الإستراتيجية للوصول) ، أما الأثر الغير مباشر هو توجيه الجانب الأكبر من منافع الدولة نحو تلك الفئة (جماعة المصلحة) على حساب الفئات الأخرى ، مما يؤدي إلى اختلال توازن هيكل تدفق المنافع نحو المجتمع وتأزم التنازع السياسي ، لتكون جماعات المصلحة دولاً مستقلة استقلال نسبي عن المجتمع الوطني بعمومه ، وحول هذا المعنى سيلي التفصيل.
البند الثاني: قراءة نقدية لإستراتيجيات الوصول
الفلسفة القائمة على الشراكة العمومية لأفراد المجتمع في مِلك الوطن ، وأنهم فقط من لهم حق منح صفة تمثيل الدولة من خلال إستراتيجية إختيار الأغلبية هي استراتيجية الإنتخاب العام ، وهي الإستراتيجية التي ستؤدي إلى تكوين مملكة العاطفة الشعبية أياً كانت صفة تلك الأغلبية الشعبية أغنياء أم فقراء ، دَينين أو غير دَينين عُلماء أم جاهلين.. فاختيار المجتمع لشخص الرئيس لن يكون سِوى اختيار عاطفي ، للشخص الذي استطاع أن يحظى بعاطفة التأييد والولاء للشرائح الأكبر من الجماهير ، مملكة العاطفة الشعبية لا تضمن وصول الأكثر كفاءة ولكن تضمن وصول الأكثر ثراءاً من الدعم المجتمعي ، فالجماهير لا تختار على أساس فحص المقومات العِلمية والخبرات التراكمية والمهارات العَمَلية وإنما اختيار عاطفي من الدرجة الأولى ، في مملكة العاطفة الشعبية ستتوجه المنافع نحو الجماعات العريضة من المجتمع والتي قد تصل لحد التدليل على حساب أولويات تنموية أخرى وأقليات غير شعبية ، سواء أكانت تلك المنافع اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية ، وإذا ما طبقنا هذه الإستراتيجية على التمثيل القطاعي للدولة (انتخاب وزراء الدولة) فإن الإختيار العاطفي قد يترتب عليه إضرار بمصلحة القطاع نفسه ، وهنا تظهر إستراتيجية الإنتخاب القطاعي كبديل عن إستراتيجية الإنتخاب العام ، وفي استراتيجية الإنتخاب القطاعي يصبح أصحاب المصالح المباشرة لهذا القطاع بشقيه العام والخاص هم فقط من لهم حق انتخاب ممثل الدولة لهذا القطاع ، فهم الأكثر دراية بالقطاع والقادرون على التحديد الممثل الأمثل وفق منطق عملي ، ويعاب على تلك الإستراتيجية أنه إذا قصدنا بأصحاب المصالح مُقدموا الخدمات فإن هيكل المنافع سيتوجه تجاههم دون المستفيدين ، أما إذا قصدنا مقدموا الخدمات والمستفيدين معاً فإن الأمر سيشمل المجتمع بأكمله وسنعود إلى نقطة التي بدأنا منها وهي إستراتيجية الإنتخاب العام ، كما يمكن أن يوجه نقد إلى إستراتيجية الإنتخاب العام هو طول وتعقد الإجراءات والتكاليف الباهظة ، ففي ظل تخلف التكنولوجيا المعاصرة عن أداء انتخاب عام بتقنية حديثة (إلى أن تتبنى الدولة تطوير تكنولوجيا مواتية) ، فإن الإجراءات التقليدية المعقدة ستكون هي البديل بطول فتراتها وتكاليفها الباهظة ، مما يجعل من إستراتيجية إنتخاب رؤساء الأحزاب بديلاً مناسباً ، بحيث يمثل رئيس الحزب رأي أفراد حزبه ، ليمثل رؤساء الأحزاب في مجموعهم مجموع آراء جميع الأفراد بالمجتمع المنتميين لِلأحزاب ، وفي هذه الحالة يمكن أن يُمثل رئيس مجلس النواب أو وكيل عن المجلس رأي باقي الأفراد من المجتمع الغير منتميين لأحزاب ، وبهذه الإستراتيجية يمكن من خلال إجتماع رؤساء الأحزاب ورئيس مجلس النواب تعيين أو عزل ممثلي الدولة من خلال إجراء تصويت بسيط يعقد خلال جلسة واحدة يقوم فيه كل رئيس حزب بالتصويت وفقاً للوزن النسبي للحزب الذي يمثله من مجموع مجتمع الناخبين ، ويُشترط لنجاح تلك الإستراتيجية حرية تكوين وإنشاء الأحزاب وانتقال الأفراد بينها بدون أي قيود وبغير مرجعية للدولة ، وإنما بتوثيق شهادة من الدولة (ويفضل أن تتم إلكترونياً) ، إلا أن هذه الإستراتيجية يُمكن أن يوجه إليها نقد بأن اتباعها سوف يؤدي إلى تكوين مملكة لرجال الأعمال ، فإذا فرضنا أن الرئاسة تخلت عن العمل السياسي واتزمت الحياد السياسي ، وألقت بأعباء العمل السياسي في ملعب الأحزاب ليقوم رؤساء الأحزاب مجتمعين ووكيل مجلس الشعب ممثلاً نسبة الأفراد غير المنتميين إلى أحزاب بالتصويت على تعيين وعزل الوزراء ، في هذه الحالة تخرج الرئاسة تماماً من دائرة اللوم السياسي ، لينتقل صراع الإستقطاب بين الأحزاب ، في هذه الحالة ستظهر رؤس الأموال المُراهنة على الأحزاب الأسرع في سباق الإستحواذ ، لتصبح الأحزاب الأداة السياسية الفعالة في أيدي رجال الأعمال لتعيين وتفصيل وزارء المصلحة ، لتسهيل مصالح شخصية لرجال الأعمال قد تكون غير مشروعة غالباً بالتحايل على القانون ، فتصبح الدولة وفقاً لتلك الإستراتيجية أداة تخدم القلة على حساب الفئات الشعبية (أثرها عكس الإستراتيجية الشعبية السابقة) ، وهنا يظهر رأي آخر يدعو إلى حصر حق منح صفة التمثيل العام على القطاع العام سواء من داخل القطاع نفسه أو من هيئة عامة خارجية تتبع الدولة ، وذلك باتباع إستراتيجة التعيين الداخلي ، ووفقاً لهذه الإستراتيجية فإن تعيين ممثلي الدولة لقطاع معين (الوزراء) سيقتصر على القطاع القطاع العام نفسه ، من خلال هيئة عليا داخل الوزارة لتعيين الوزير أو الوزير وكبار موظفي الدولة لهذا القطاع ، تقوم بالإعلان وتتلقى وتفحص الطلبات ومن ثم تتخذ قراراها بتعيين ممثلي الدولة ، وإذا كانت تلك الإستراتيجية تضمن التناغم السياسي بالقطاع والرقابة على القدر المقبول من المقومات العلمية والخبرات العملية والمهارات التخصصية المتعلقة بالقطاع ، فإننا سننتقل إلى دولة المَمَالك المغلقة ، فمن المحتمل أن تتحول تلك القطاعات إلى ممالك مغلقة على القائمين بها وعوائلهم وذوي القدرة على الإختراق بنفوذهم المالي ، وهنا يُقدم رأي آخر بديل عن التعيين من خلال الوزارة نفسها وهو تحويل الوزارة إلى منظمة ، بحيث تتحول وزارة الدولة لقطاع معين إلى منظمة تُدير ذلك القطاع ، تضم جمعية عامة من أصحاب المصالح والفاعلين بالقطاع ، ويتبعها مجلس أعلى يضُم في عضويته رؤساء أصحاب المصالح والفاعلين بالقطاع ينتخبون فيما بينهم أمين ، ويتبعه مجلس تنفيذي يتولى تطبيق قرارات الجمعية العامة ، وبالرغم من أن تلك الإستراتيجية تضمن لنا القرار الرشيد والتناغم السياسي ، إلا أن تبني تلك الإستراتيجية سيؤدي إلى إشكالية المملكة المُقيدة ، فلو فرضنا أن الوزارت ستتحول إلى منظمات يتبعها جمعية عامة ومجلس أعلى ومجلس تنفيذي تابع لها ، فإن الإشكالية التي ستقابلنا هي تطويل وتعقيد سلسلة إجراءات اتخاذ القرار وتنفيذه ، فإلى أن تتفق الجمعية العليا على رأي ثم تتخذ قرار ثم تُحيله إلى مجلس تنفيذي سيمر وقت طويل بشكل لا يتناسب مع معدلات التنمية المنشودة ، مما قد يؤدي إلى عرقلة مسيرة التنمية أو على الأقل تفويتها ، وهنا تبرز إستراتيجية التعيين من الخارج كإستراتيجية تتلافى الإشكاليات السابقة ، فلو اعتبرنا أن نظام الإنتخاب العام لا يأتي بالأكفأ ، والإنتخاب الخاص يأتي بأصحاب مصالح ، وتفويض القطاع نفسه في اختيار الأكفأ يعزل المجتمع عن المشاركة ويقصرها على عائلات بعينها ، فإن التعيين من الخارج من خلال جهة عُليا مستقلة عن ذلك القطاع لممثل يتمتع بمسوغات موضوعية قد تتلافى تلك الإشكاليات ، إلا أن تلك الإستراتيجية لا تسلم من النقد هي الأخرى ، حيث يوجه إليها انتقاد أن التعيين المباشر للأكفأ لا يضمن استعمال كفائته لتبعيته المباشرة لصاحب سُلطة التعيين والعزل محدود الدراية بذلك القطاع ، ليصبح المُعَيَن أشبه بمتحدث رسمي.
وفي مقابل الفلسفة القائلة بأن تمثيل الدولة يأتي من الخارج لكونه حق يمنحه الغير ، تأتي في المقابل الفلسفة القائلة بأنه حق يكتسبه الشخص بذاته ، وأقرب استراتيجيات تلك الفلسلفة للفلسفة الأولى استراتيجية اكتساب الحق بالترقي ، والتي تتفرع إلى استراتيجة اكتساب الحق بالترقي الأيديولوجي أو العلمي أو الترقي الزمني الوظيفي أو الترقي المهاري ، وفقاً للإستراتيجية الأولى استراتيجية اكتساب الحق بالترقي الأيديولوجي يُصبح الزعماء الأيديولوجيين سواء أكانت تلك الأيديولوجية دينية أو عشائرية أو غير ذلك ، هم أصحاب الحق في التمثيل العام وتسيير المجتمع ، وهي الإستراتيجية الشائعة بالمجتمعات البدائية والأيديولوجية المتطرفة ، وإن كانت تلك الإستراتيجية تحظى بثراء سياسي وطاقة اتباع واستجابة أعلى من غيرها ، إلا أن عواقبها كارثية بتكوين الدولة الدينية ، فتسيير المجتمع بأيديولوجية غير علمية لا يعني سوى السير نحو هاوية التخلف ، ومن هنا تأتي إستراتيجية اكتساب حق التمثيل بالترقي العلمي ، كبديل مناقض للأولى ، باعتبار أن العلم مِنظار الرؤية وأداة الحركة الصحيحة ، وتقوم هذه الإستراتيجية على أن الأَوْلى بالتمثيل من استطاع أن يصل إلى أعلى الدرجات العلمية ، وهي الإستراتيجية المطبقة بالأكاديميات والمراكز العلمية ، وإن كانت تلك الإستراتيجية تضمن الإدارة بالعلم والذي هو أهم مقومات الحياة إلا أن العلم وحده لا يكفي ، فهذه الإستراتيجية ستقودنا إلى تَصدير نجوم مُنظرين للعلم وبنفس الوقت مفتقدين لمهارات التحرك التنفيذي والعديد من الخبرات الواقعية الضرورية ، فنظرية العلم في أساسها تخدم ظواهر مجرده وغير تطبيقية ، بينما الوظائف الإدارية ترتبط بشكل كبير بالخبرات العملية والمهارية ، والتي تطرحها استراتيجية اكتساب الحق بالترقي الزمني والوظيفي ، وهي الإستراتيجية المتبعة في تقلد الوظائف الإدارية في الدولة ، وبالرغم من أن الترقية بناءاً على طول الفترة في العمل الإداري تضمن قدراً جيداً من الخبرات العملية المتعلقة بالقطاع وادارته ، إلا أن هذه الإستراتيجية تقودنا إلى دولة المُسِنْيِن والتي لا يصعب الإعتماد عليها بشكل عام ، ففي كثير من الأحوال يكون المديرين والواصلين بالترقي مفتقدين للعديد من المهارات اللازمة والضرورية للإدارة الفعالة والمسايرة العصرية ، مما سيحصر الإدارة بمشاكل الطابع التقليدي والبيروقراطية وبطء الحركة ، ولذلك تطرح استراتيجية اكتساب الحق بالترقي المهاري بديلاً لهما ، ففي هذه الإستراتيجية لا يصبح لمتغيرات الخلفية الأيديولوجية ولا الدرجة العلمية أو الزمن الوظيفي دوراً في تحديد المُمَثل ، وإنما يتم تحديده بُناءً على تقييم موضوع مهارته العملية المتعلقة بإدارة القطاع بُناءاً على دلائل غير محصورة ، وبالرغم من كونها استراتيجية أكثر وجاهة من الناحية النظرية ، إلا أن الإشكالية التي توجه لها أن البَون المهاري ما بين الرأس والجسد لن يؤدي إلى تحرك فعال في الحقيقة ، وأن التحرك الفعال يرتبط بقدر كبير من التناسب ما بين الرأس والجسد.
كانت تلك الإستراتيجيات الفرعية السابقة والمتفرعة عن إستراتيجية اكتساب الحق بالترقي هي أقرب الإستراتيجيات للفلسفة الأولى ، أما سائر الإستراتيجيات المتعلقة بفلسفة اكتساب حق التمثيل الوطني ذاتياً فتتضح بها خصائص تلك الفلسفة بشكل أوكد ، حيث تطرح استراتيجية حق اكتساب تمثيل الدولة بالإرث حلاً لعدة اشكاليات ، أهمها التنازع الحزبي حول التمثيل الوطني وتحقيق قدر كبير من الإستقرار السياسي ، والتغلب على إشكالية ضعف الدراية بالفنون الإدارية العامة ، حيث أن نشأة الوريث بكنف الإدارة السابقة يُكسبه الموهبة الإدارية وخبايا العمل مُنذ الصِغر ، إلا أن الإشكالية الفادحة وفق إستراتيجيات الأنساب هي احتكار حق التمثيل الوطني على فئة محدودة ، وغياب تام لحق المجتمع في تقرير المصير ، وتكريس دور الدولة نحو فئة ضيقة من المجتمع دون سائر فئات المجتمع ، هذه الإستراتيجية عادة ما تنتهي باستراتيجيات الصدام ، وهي فلسفة اكتساب الحق ذاتياً بالقوة ، والتي تتفرع إلى اكتساب حق التمثيل بالقوة العسكرية المحلية ، واستراتيجية حق التمثيل بالقوة الإستعمارية الخارجية ، واستراتيجية حق التمثيل بالقوة الثورية الداخلية ، ومن أهم مميزات استراتيجيات الصدام ضمان القدرة على الأداء لتوافر عنصر القوة ، بينما من أبرز عيوبها النزيف المجتمعي الداخلي ، يتبقى نوع أخير من تلك الإستراتيجيات القائمة على اكتساب حق التمثيل ذاتياً ، وهي استراتيجيات حق التمثيل للمِلكية المالية ، ويتفرع عنها استراتيجية التمثيل للحق في المِلك ، وهي الإستراتيجية القائمة على أن من يَمْلُك الشئ له الحق في إدارته وتمثيله ، وهي استراتيجية الملوك والإقطاعيين وأيضاً رجال الأعمال ، إلا أنها لا تتناسب مع المجتمعات التي يملك أفراداها بمجموعهم أرض الوطن ، واستراتيجية التمثيل للمِلك وهي الإستراتيجية التي تقوم على أن الأكثر مِلكاً وثراءاً بشكل عام أحق بتمثيل الكل ، فهو الأقدر بثرائه على الإدارة والتسيير ، وثرائه دالاً على كفائته ونجاحه ، وهي عادة ما تكون مناسبة لمجتمعات التجار ورجال الأعمال والمجتمعات البدائية ، إلا أنها قد لا تتناسب مع المجتمعات المعاصرة والتي يتم التمثيل بها بُناءً على عدة معايير موضوعية تختلف في طبيعتها عن قدر الإستحواذ المالي.
والآن عليك أيها الرئيس بصفتك رأس ممثلي الدولة تصميم الإستراتيجية المُثلى للوصول إلى تمثيل الدولة ، بما يتحقق معها ثبات واستقرار الدولة وديمومة الدفع التنموي لمهام المجتمع ، الإستراتيجية المثلى للوصول يجب أن تجمع ما بين عدالة الفرصة وعدم احتكار الحق السياسي لضمان الإستقرار وهي الأفكار التي تدعمها الإستراتيجات الشعبية ، بالإضافة إلى ضمان الوحدة السياسية للقطاع داخلياً وضمن الهيكل الإداري الكلي للدولة لتلافي الإشكاليات الإدارية ، وهو الأمر الذي يدعمه إستراتيجيات التعيين ، ومكافحة المحاباة لإضرارها بالمناخ السياسي العام ، والتي تشوب الإستراتيجات الإدارية بالتعيين ، وضمان الكفاءة والتي تدعمها الإستراتيجيات الإدارية بالترقي وفقاً لمؤشرات الأداء ، ودعم عامل الخبرة لضمان الملائة المعرفية والتي تضمنها إستراتيجيات الإدارية بالترقي الزمني ، وتعزيز الموهبة التي تُثري الإدارة ، والتي تدعمها إستراتيجيات الإرث ، وأخيراً ضمان القدرة التنفيذية والتي تضمنها إستراتيجيات الصدام ، إستراتيجية الوصول المُثلى قد لا تكون بالضرورة مساراً واحداً بل قد تتألف من مزيج إستراتيجي يضمن توافر المعايير المثلى للوصول بما يتناسب مع طبيعة المجتمع المحلية والطابع المعاصر للمجتمع الدولي.



#تامر_البطراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل إلى الرئيس - الرسالة الثالثة الدولة ما بين فلسفة الرؤي ...
- رسائل إلى الرئيس - الرسالة الثانية حدد طبيعة مجتمعك وتوافق م ...
- رسائل إلى الرئيس - الرسالة الأولى جدلية المجتمع والدولة


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تامر البطراوي - رسائل إلى الرئيس - الرسالة الرابعة إستراتيجيات الوصول للتمثيل السياسي الوطني