أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجواد سيد - أساطير العهد القديم وأصل الإسلام















المزيد.....


أساطير العهد القديم وأصل الإسلام


عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)


الحوار المتمدن-العدد: 5139 - 2016 / 4 / 21 - 18:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ربما يكون العهد القديم هو أخطر كتاب أنتجه العقل البشرى، وذلك لما تركه من أثر كبيرعلى الديانتين العالميتين الكبيرتين ، المسيحية والإسلام، وخاصة على الإسلام، ويتكون العهد القديم، الذى هو عبارة عن تاريخ اليهود الدينى والسياسى، من 24 كتاباً فى نسخته العبرية التى تسمى بالتناخ، وهى الحروف العبرية الأولى من كلمات، توراة وأنبياء وكتابات، حيث قسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء منفصلة، هى التوراة، وكتب الأنبياء ، والكتابات أو كتب الحكمة ، أما فى نسخته المسيحية، والتى حملت تسمية العهد القديم، تمييزاً له عن عهد المسيح الجديد أو الإنجيل، فهو مرتب فى التوراة، ثم الأسفار التاريخية، ثم أسفار الأنبياء والحكمة، وذلك فى 39 كتابأ فى النسخة البروتستينية، و 46 كتاباً فى النسخة الكاثوليكية الأكثر إكتمالا، والتى يصل فيها تاريخ إسرائيل القديم منتهاه . وقد بدأ اليهود كتابة العهد القديم بعد العودة من النفى البابلى، ومع أول المجموعات التى حررها الفرس بقيادة الكاهن عزرا، ويرجح أن عزرا هو أول من بدأ تدوين هذه الأسفاربعد العودة إلى أورشليم، وإعادة تأسيس المعبد حوالى منتصف القرن الخامس ق.م، وذلك إعتماداً على الروايات الشفوية التى إحتفظت بها الأجيال، وأيضا على بعض كتابات ومدونات قديمة، ربما ظلت فى حوزة الكهنة ورجال الدين عبر العصور، ثم أكملت الأجيال التالية بعد عزرا الأسفار وصولاً بها إلى العصر المكابى أو العصر السلوقى اليونانى، ثم أكمل مصنف النسخة الكاثوليكية التاريخ مستعيناً بتاريخ يوسفيوس- المؤرخ الرومانى اليهودى الذى عاش فى القرن الأول الميلادى وشهد حادث تدمير أورشليم - وصولاً إلى نهاية تاريخ إسرائيل القديم بحادث تدمير أورشليم سنة 70م على يد الرومان، والنسخة الكاثوليكية من العهد القديم مرتبة كالآتى:
1-سفر التكوين 2- سفر الخروج 3- سفر اللاويين 4- سفر العدد 5- سفر التثنية أو تثنية الإشتراع -6سفر يوشع 7 - سفرالقضاة 8- سفر راعوث - سفر الملوك الأول ويعرف فى النسخة البروتستينية بإسم صموئيل الأول 10-سفر الملوك الثانى ويعرف فى النسخة البروتستينية بإسم صموئيل الثانى11- سفر الملوك الثالث ويعرف فى النسخة البروتستينية بالملوك الأول12- سفر الملوك الرابع ويعرف فى النسخة البروتستينية بالملوك الثانى13- سفر أخبار الأيام الأول14- سفر أخبار الأيام الثانى15- سفر عزرا 16- سفر نحميا 17- سفر طوبيا 18- سفر يهوديت 19- سفر إستر20- سفر أيوب21- سفر المزامير22- سفر الأمثال 23 - سفر الجامعة 24- سفر نشيد الأناشيد 25- سفر الحكمة 26- سفر يشوع بن سيراخ 27- سفر أشعيا 28 - سفر أرميا29 - سفر مراثى أرميا30 - سفر نبوءة باروخ 31 - سفر حزقيال 32- سفر دانيال 33- سفر هوشع 34 -سفر يوئيل 35- سفر عاموس 36- سفرعوبديا 37- سفريونان 38 سفر ميخا 39 - سفر ناحوم40 - سفر حبقوق 41- سفر صفنيا 42- سفر حجى43 - سفر زكريا 44 - سفر ملاخى 45- سفر المكابيين الأول 46- سفر المكابيين الثانى.
ومن بين هذه الأسفار، التى تختلط فيها الحقائق التاريخية بالأساطير، كان للأسفار الخمسة الأولى، والتى تعرف بإسم أسفار موسى أو بالتوراة، وتروى قصة خلق العالم والإنسان وأصل العبرانيين وقصة إبراهيم وأبنائه إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف والهجرة إلى مصر، وقصة الخروج منها، وتشريعات موسى فى الصحراء والوصول إلى مشارف فلسطين حتى وفاة موسى بشرق الأردن قبل دخول فلسطين أو أرض كنعان، تأثيراً حاسما على الإسلام، حتى أن معظم الباحثين باتوا يعتقدون أن الإسلام فى مجمله لم يكن سوىمحاكاة لتجربة شعب إسرائيل الدينية، وموسى وتوراته بشكل خاص، مما يفسر الإهتمام البالغ بشخص موسى فى القرآن، وإستحواذه على مساحات كبيرة منه، فعلى مستوى المقاربة الشخصية بين موسى ومحمد، نجد أن شخصية الرجل القوى صاحب المعجزات، الذى يوحد قبائل متناحرة ويؤسس لهم دين ودولة واضحة، كما أن الوسيلة التى يتواصل بها كلاهما مع الخالق بواسطة الملاك الأسطورى جبريل، ثم بالإتصال المباشرهى نفس الوسيلة، أما على مستوى الروح العام للنص الدينى فى كلتا الديانتين، نجد أن الروح العام للنص التوراتى فى عنفه وعنصريته، هى نفس الروح العام للنص القرآنى، والتى تظهر أكثر ماتظهر فى وداع موسى ومحمد لشعبيهما ، إذ يقول موسى فى الإصحاحات الأخيرة من سفر تثنية الإشتراع، أثناء وداعه لشعب إسرائيل قبل وفاته مباشرة( لقد بلغت مائة وعشرين عاما من العمر اليوم، ولم أعد بمقدورى التحرك، كما أن الله قد قال أنك لن تعبر هذا الأردن، إن إلهكم سوف يعبر أمامكم وسوف يدمر هذه الشعوب أمامكم ويخضعها لكم) ثم يمضى فى التأكيد على تشريعاته وتحذيراته من العصيان . ولايختلف وداع محمد كثيراً ، والوارد تفاصيله فى سورة المائدة عن نفس ذلك الروح والسياق، إذ يقول فى الآية الثالثة منها موجهاً كلامه إلى شعبه العربى، كما وجه موسى كلامه إلى شعبه العبرى، (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتى، ورضيت لكم الإسلام دينا)، ثم يمضى فى باقى الآيات مذكراً بشريعته، التى هى نفس شريعة موسى، وبقصة موسى وشعب إسرائيل وعصيانه لموسى، حتى يصل إلى الآية الثالثة والثلاثين فيختمها بقوله( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، ذلك خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم)، وهو ختام لايقل عنفاً عن البداية التى بدأ بها موسى حجة وداعه لبنى إسرائيل.
أما بخصوص القصص التاريخى عن أصل الخليقة، والوارد فى السفر الأول من التوراة، والمعروف بإسم سفر التكوين، فهو نفسه القصص الأسطورى فى النص القرآنى، والذى نقله محمد عن التوراة، دون أن يعرف شيئا عن أصله الأسطورى العراقى القديم، مدعياً أنه وحى من عند الله، إذ نجد قصة الخلق التوراتية والمنقولة عن قصة الخلق البابلية، الواردة فى ملحمة الإله مردوك البابلية، والتى نقلها الكاتب التوراتى ونسبها إلى إلهه الواحد يهوه، والتى تفيد بأن يهوه قد خلق النظام من الفوضى المائية بعد قتل التنين تيامات، ليتولى خلق العالم بعد ذلك فى ستة أيام، هى نفسها الواردة فى الآية السابعة من سورة هود(وهو الذى خلق السماوات والأرض فى ستة أيام، وكان عرشه على الماء، ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، ولئن قلت أنكم مبعوثون من بعد الموت، ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين).
فإذا إنتقلنا إلى المرحلة الثانية من قصة الخلق، والخاصة بخلق الإنسان نفسه، نجد الكاتب التوراتى قد صاغها من أسطورتين من الأساطير السومرية، هى ملحمة آدابا، الرجل الذى رفض هدية الآلهة فطردته من الجنة، ثم أسطورة جنة ديلمون، التى حولها الكاتب التوراتى إلى جنة عدن، وجعل آدابا أو آدم يخلق فيها حواء من ضلعه، كما خلقت الآلهة نينهورساج آلهة من ضلع الإله إنكى تسمى سيدة الحياة لمعالجته من مرض ألم بهذا الجزء من جسده. وهنا أيضا نجد القرآن ينقل القصة التوراتية بحذافيرها فى الآية التاسعة عشر من سورة الأعراف تخصيصاً عن آدم(ياآدم إسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولاتقربا هذه الشجرة فتكونان من الظالمين) وفى الآية الأولى من سورة النساء عن حواء تخصيصاً(يأيها الناس إتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها - إ شارة إلى خلق حواء من آدم - وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء وإتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيباً)، ومن المعروف أن آدم سوف يعصى أمر ربه كما فعل آدابا السومرى برفضه هدية الآلهة، وأنه سوف يطرد من الجنة نتيجة لذلك، تماماً كما حدث لآدابا السومرى!!!
أما عن الجريمة الأولى على الأرض، والتى أشار فيها الكاتب التوراتى إلى الصراع البدائى بين الراعى والزراعى فى بدايات الحضارة الإنسانية، والمتمثلة فى قتل قابيل الزراعى لأخيه هابيل الراعى - والتى ستتكرر بشكل أقل عنفاً فى قصة إسحاق وعيسو إبنى إبراهيم فيما بعد - والواردة فى الإصحاحات الأولى من سفر التكوين بعد قصة آدم مباشرة، فهى أيضا منقولة بحذافيرها فى القرآن فى الآية 27 من سورة المائدة حتى الآية 30(وإتل عليهم نبأ إبنى آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين) إلى آخر الآيات.
أما عن ذرية الإنسان بعد آدم - والتى حاكى فيها الكاتب التوراتى قوائم لارسا السومرية الأسطورية التى تتحدث عن نسب زيوسدرا البطل الأصلى لقصة الطوفان السومرية - وهى (شيس بن آدم - آنوش بن شيس - قينان بن آنوش - مهلئيل بن قينان - يارد بن مهلئيل - أخنوخ بن يارد- متوشالح بن أخنوخ - لامك بن متوشالح - نوح بن لامك وأبنائه سام وحام ويافت) ووصل بها إلى قصة نوح والطوفان بعد أن حول بطل القصة الأصلى فى الأسطورة السومرية - التى تعرفنا عليها من خلال ملحمة جلجاميش - زيوسدرا السومرى أوأوتانبشتم البابلى فى النسخة البابلية إلى نوح العبرانيين وسفينته الخرافية ، فهذه الأسماء لم يعرفها محمد، ولم يذكرها فى القرآن، ربما لإنه لم يعرفها فعلاً، أو لأنه رآها غير ضرورية، حيث أن الشخصيات الرئيسية الثلاث فى ميثولوجيا النسب التوراتية هى آدم ونوح وإبراهيم وقصص هؤلاء كان يعرفها جيداً بالفعل كما سبق ذكره بشأن آدم، وكما يتضح من قصة نوح والطوفان المنقولة بحذافيرها فى سورة هود فى الآيات36 و37 على سبيل المثال (وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون)37(وإصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولاتخاطبنى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون) وإلى آخر الايات، وكما سيتضح من قصص إبراهيم بعد ذلك !!!
فإذا ما واصل الكاتب التوراتى سلسلة النسب الإنسانى الأسطورية بعد نوح ووصل بنا إلى أصل العبرانيين وقصة إيراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف والهجرة إلى مصر بعد أن رسم لنا تلك الصورة الأسطورية عن خلق العالم والإنسان قبل ظهور إبراهيم مستعينا بأساطير العراق القديم، موطنه الأصلى ،الذى تجددت معرفته به أثناء فترة السبى البابلى، فإننا نلاحظ مرة أخرى عدم معرفة محمد بسلسلة النسب التوراتية من نوح إلى إبراهيم معرفة تامة والتى يرد ذكرها فى التوراة كالآتى (أرفكشاد بن سام- قينان بن أرفكشاد- شالح بن قينان - عابر بن شالح - فالج بن عابر- أرعو بن فالج - سروج بن أرعو- ناحور بن سروج - تارح بن ناحور- إبرام بن تارح وهو إبراهيم) وأنه يشير إليها بشكل عام فى الآية 58 من سورة مريم (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا وإجتنبنا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً)، مما يؤكد الإفتراض الذى ذهبنا إليه سابقاً، وهو أنه لم يكن يعرفها أو لم يراها مهمة، خاصة فى ظل إرتباطها بتعقيدات أنساب الشعوب التوراتية.
ولكن عندما يصل إلى قصة إبراهيم وأبنائه يعود للنقل الحرفى عن التوراة مع بعض إضافات مدراشية وهى مدرسة التفسير التوراتى التى كان يتبعها يهود الحجاز، فمثلاً نجد عن إبراهيم وأبنائه فى سورة ص الآية 45، وذلك كله على سبيل المثال لا الحصر(وإذكرعبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الأيدى والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا من المصطفين)، وعن إبراهيم فى سورة إبراهيم الآية 35(وإذ قال إبراهيم رب إجعل هذا البلد آمناً وإجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام) وكذلك الآية 39( الحمدلله الذى وهب لى على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربى لسميع الدعاء)، وعن إسحاق ويعقوب فى سورة هود الآية1(فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب)، وكذلك الآية 84 فى سورة الأنعام (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدياً) وعن إسماعيل أخو إسحاق الأكبر وأمه هاجر وحادث طرد إبراهيم لهما بسبب غيرة سارة زوجته العبرانية الأثيرة فى سورة إبراهيم الآية 37( ربنا إنى أسكنت من ذريتى- يقصد إسماعيل وأمه هاجر- بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم- يقصد الكعبة- ربنا ليقيموا الصلاة فإجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)، وعن يوسف إبن يعقوب فى سورة يوسف آية رقم 1( الر تلك آيات الكتاب المبين، إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون، نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين، إذ قال يوسف لأبيه ياأبت أنى رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين، قال يابنى لاتقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين)، وعن الهجرة إلى مصر وقصة نجاح يوسف هناك فى سورة يوسف الآية رقم 55(وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض- يقصد مصر- يتبوأ فيها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولانضيع أجر المحسنين)، وهكذا وصولاً إلى شخصية موسى المحورية، ومعجزاته وتشريعاته المذكورة فى الأسفار الأربعة التالية والمنقولة أيضاً عن أساطير العراق القديم- حيث تبدو قصة طفولة موسى وحادث إلقائه فى النهر تكراراً لقصة الملك البابلى سرجون الأكدى، كما تبدو تشريعاته تكراراً لتشريعات الملك البابلى حمورابى، التى تلقاها مكتوبة على لوح من الحجر من يد الإله شمس، تماماً كما تلقى موسى تشريعاته مكتوبة بإصبع الإله يهوه – تلك المعجزات والتشريعات التى يمتلئ بها القرآن، حتى وإن بدأت تأخذ طابعاً تاريخياً مختلفاً نسبياً عن الطابع الأسطورى التام لقصص خلق العالم والإنسان وأصل العبرانيين المذكورة فى سفر التكوين، فإنها لاتنفى حقيقة أن محمد مازال ينقل عن التوراة نقل مسطرة وأن الوحى الإلهى الذى يتحدث عنه هو محض خيال!!!
وأخيراً وإذا مانظرنا إلى الشرائع فى النص التوراتى والمذكورة فى الأسفار الأربعة التالية لسفر التكوين، وهى أسفار الخروج واللاويين والعدد والإشتراع والمنسوبة إلى موسى، فسوف نجدها نفس الشرائع فى الإسلام ، والتى يمكن تلخيصها فى الختان وهو أهم رموز الطهارة والإنتماء إلى الديانة ، أحكام الصلاة فى الوضوء والركوع والسجود والتوجه نحو القبلة - القدس عند اليهود ومكةعند المسلمين - نفس شعيرة الحج إلى قبلة الديانة، ونفس صيام شهر بمناسبة الخروج من مصر عند اليهود وبمناسبة إنتصار بدر عند المسلمين، نفس عادة تقديم القرابين فى الأعياد ، نفس محرمات الطعام مع هوس خاص بتحريم أكل لحم الخنزير، نفس أحكام القصاص فى قطع يد السارق ورجم الزانية وغيرها، كالنفس بالنفس كالعين بالعين والسن بالسن المذكورة فى الإصحاح 21 من الفصل 19 من سفر الإشتراع والمنقولة يالنص فى الآية 45 من سورة المائدة(وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)، وكذلك أحكام الغزو الإسلامية الهمجية والمذكورة فى نفس السفر وفى الفصل العشرين مباشرة فى الإصحاحات من 10 إلى 14 حيث يذكر المشرع التوراتى كيف يجب أن تعرض إسرائيل على الشعوب التى تهاجمها خيار الحرب أو الإستسلام، فإذا إستسلمت قبلت منها الجزية وعاشت تحت حكمها فى خضوع، وإذا رفضت ونصرها إله إسرائيل عليها، فلابد من قتل الرجال وسبى النساء والأطفال ومصادرة الأموال، نفس إعتبار الكلب نجس والربى محرم، ونفس عادات إثبات العذرية الهمجية، أو فض البكارة ليلة الزفاف، نفس إعتبار المرأة الحرة عورة والمرأة الحائض نجسة، نفس الفكرة الساذجة عن الجنة والنار، نفس التصور العنصرى عن المكانة الخاصة لأصحاب الديانتين عند الإله، فاليهود هم شعب الله المختار، والمسلمون هم خير أمة أخرجت للناس، نفس عادات الثأر البدوية، نفس تعدد الأزواج، نفس الطلاق، نفس تمييز الرجل عن المرأة فى أن للرجل مثل حظ الإنثيين، نفس تحريم زواج أقارب الدرجة الأولى، نفس عادة المبايعة بالرئاسة بوضع اليد على اليد، نفس الحث على تحرير العبيد(من اليهود) وهذه جعلها محمد تشمل كل العبيد، لكن عمر بن الخطاب عاد بعده وجعل الحث مقتصراً على تحرير العبيد من العرب فقط مثل العادة اليهودية الأصلية ، ضرورة أن يشهد على أحكام القصاص بالقتل شاهدين أو ثلاثة ورفض الأخذ بشهادة شاهد واحد، وهذه جعلها محمد أربعة شهود ، عادة تحريم قطع الأشجار، عادة معاملة السبية بشكل حسن ومنحها شهراً لنسيان أهلها قبل الدخول بها، وهذا الشرط لم يأخذ به محمد، فى أحكام السبية وكان الدخول بها يتم فورا، عدم القصاص من الآباء فى قتل أبنائهم ، ختام الدعاء بكلمة آمين، وغير ذلك من تشريعات وعادات ثانوية كثيرة متناثرة من سفر الخروج حتى سفر التثنية، لاشئ جديد أتت به شريعة محمد كلها نقل أعمى عن التوراة، بحيث أننا وفى النهاية لن نستطيع الهرب من حقيقة أننا أمام مجرد محاكاة عمياء لتجربة شعب إسرائيل الدينية، وتجربة موسى وتوراته بشكل خاص،أما كيف حدثت تلك المحاكاة فيمكن شرح ذلك بإستعراض المشهد التاريخى العام فى شمال الجزيرة العربية وفلسطين، منذ القرن الأول الميلادى وحتى القرن السابع، أى منذ أن هاجر اليهود إلى الحجاز بعد تدمير أورشليم، وحتى ظهور محمد والإسلام!!!
أننا حتى وبدون اللجوء إلى الخيال يمكن أن ندرك أن شعبين متشابهين فى اللغة والعادات البدوية وصلة نسب قديمة لابد أن يتفاعلا وأن يتأثر بعضهما ببعض إذا ماعاشا على أرض مشتركة، وأن يكون التأثير الأكبر فى النهاية لصاحب الثقافة الأقوى، فاليهود بعقيدتهم التوحيدية وبعشرين قرناً مكتوبة من التاريخ والخبرة والمعرفة بأحوال الشرق القديم، كان لابد أن يكونوا هم الطرف الأكثر تأثيرا فى العرب البدائيين وليس العكس، وهكذا كان من الطبيعى أن يؤمن عرب الحجاز وبمرور الزمن أنهم من نسل إسماعيل فعلاً، كما أشاع جيرانهم اليهود وكما يقول مدراشهم - والذى أنشاوا له مركزاً تعليميا فى أكبر مراكز إستقرارهم فى يثرب فى الحجازعرفت بإسم دار المدراش - عن نفى أبيهم إبراهيم لأخيهم إسماعيل وأمه هاجر إلى الحجاز، ونشأة إسماعيل بين قبائل الحجاز وإنتسابه إليها ، وبصرف النظرعما إذا ماكان اليهود قد أكدوا على هذه الواقعة التاريخية كمجرد حدث عادى من أحداث تاريخهم، أو أنهم قد بالغوا فى التأكيد عليها كصلة نسب تجمعهم بالعرب كى يستطيعوا العيش بسلام بين جيرانهم البدائئين، فإن العرب قد صدقوها فعلاً، وأصبحت من مسلمات تاريخهم أيضا، بحيث أنه وعندما بدأوا يشبون عن الطوق بسبب نمو تجارتهم وخبراتهم ويتطلعون إلى نظام دينى أفضل من نظامهم الوثنى، كان من الطبيعى أن يتبعون عقيدة جدهم الأكبر إبراهيم، أبو جدهم إسماعيل، وأخو إسحاق جد جيرانهم اليهود، وهكذا نشأت بينهم دعوة الحنيفية، والتى تعنى التوحيد على دين إبراهيم والتى لم تكن فى الواقع سوى البذرة الأولى للإسلام تماما كما كان إيمان إبراهيم هو البذرة الأولى لليهودية، التى أكمل موسى أركانها بعد ذلك. هذه هى الأجواء التى ظهر فيها محمد وزملائه تجار قريش فى القرن السابع الميلادى، أجواء يهودية تماماً، حقيقة أن اليهودية كانت قد دخلت إلى جنوب الجزيرة العربية أيضا فى اليمن على يد ذى نواس الحميرى، ولكن هذه قصة مختلفة تماما، فقد إعتنق ذى نواس اليهودية وفرضها على شعبه تبعا للمثل القائل الناس على دين ملوكهم، أما يهودية الحجاز فقد إنتشرت تدريجيا، وأصبحت بمثابة ثقافة شعبية من خلال قصة إنتساب إسماعيل لأهل الحجاز، وهكذا ظهرت الحنيفية، وأصبح هناك خطوة واحدة بينها وبين الإسلام أى بين إبراهيم و موسى، وهذه الخطوة هى التى قطعها محمد، فإذا كان إيمان إبراهيم قد أصبح إيماناً مشتركاً بين العرب واليهود، وإذا كان قد ظهر من أبناء إسحاق موسى يوحدهم ويشرع لهم ويغزو بهم فلسطين، فلماذا لايظهر من أبناء إسماعيل محمد يوحدهم ويشرع لهم ويغزو بهم العالم كله وليس فلسطين فقط، وبالطبع مع مايتطلبه ذلك من توقيع إلهى بسيط بمصادرة تاريخ أبناء العم اليهود(ماكان إبراهيم يهودياً ولانصرانياً ، بل حنيفاً مسلماً، وماكان من المشركين)، وتغيير قبلة إبراهيم من أورشليم إلى مكة، والسيف للمعترضين!!!
أننا وبهذا التحليل وبرد الإسلام إلى أصله الموسوى التوراتى، ومحاكاته التامة لتجربة شعب إسرائيل الدينية، سوف نجد أنفسنا أمام أكبر سرقة فكرية حدثت فى التاريخ، تماما كماكانت الغزوات العربية التى حدثت فى أعقابها، هى أكبر سرقة مادية حدثت فى التاريخ، ولكن سيبقى سؤال أخير ألم تكن قريش - وفى ظل شيوع الثقافة اليهودية فى الحجاز- تعرف أن مايقوله محمد ليس سوى تكرار لأساطيروحكايات العهد القديم؟، بالطبع كانت تعرف وكما يقول هو نفسه فى الآية رقم 31 من سورة الأنفال( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين) فلماذا قبلت به إذن؟ قبلت به وبصرف النظر عن قوة شخصية النبى وإستخدامه للسيف بحرية تامة، فقد قبلت به لإنه كان فى صالحها فى نهاية الأمر، فمن قبائل بدائية جائعة متناحرة أعطت لها عقيدة إبراهيم وتوراة موسى دولة ودين، والأهم من ذلك أعطت لها إله يدمر الشعوب أمامها ويخضعها لهم، تماماً كما قال موسى لشعبه فى وداعه الأخير!!!
فماذا تبقى إذن من قصة الإسلام والوحى المزعوم سوى حكايات ووقائع محمد مع قومه العرب، مجرد أساطير وحكايات قديمة، منقولة عن أساطير وحكايات قديمة، والمنقولة بدورها عن أساطير وحكايات أقدم منها، آتية من أعماق طفولة البشرية فى الشرق الأدنى القديم، فهل من المنطق أن تظل القيم والتصورات البدائية التى تمثلها تفرض نفسها على واقع الإنسان بعد كل هذه الآلاف من السنين، وبعد كل ماحققه الإنسان من تطور علمى وفكرى عبر رحلة حياته الطويلة على ظهر الأرض، وكيف يعقل وقد تخلص معظم اليهود والمسيحيين- ممن عرفوا تجربة الحضارة الأوربية - من أساطير وحكايات وقيم العهد القديم، أن يظل المسلمون يعيشون على هذه الأساطير والحكايات والقيم والتصورات البدائية القديمة، التى مازلت تشعل حيانهم حرباً وخراباً، وتحرمهم نعمة الحياة المؤسسة على العلم والمعرفة، التى يعيشها العالم اليوم !!!

أهم المراجع:
1-تاريخ بنى إسرائيل- محمد عزة دروزة- المكتبة العصرية – بيروت
2-تاريخ الدولةالعربية-د.السيد عبدالعزيز سالم- دار النهضة العربية- بيروت
3-العرب فى العصور القديمة- د.لطفى عبدالوهاب - دار النهضة العربية- بيروت
4-أساطير شرق أوسطية - صموئيل هنرى هوك - ترجمة/عبدالجواد سيد عبدالجواد/مكتبة النهضة المصرية - توزيع/منشأة المعارف/الإسكندرية.
5-القرآن- مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف- المدينة المنورة
6-الكتاب المقدس- طبعة إنجليزية- مؤسسة الجيديون العالمية- سنغافورة



#عبدالجواد_سيد (هاشتاغ)       Abdelgawad_Sayed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد والقبائل والرسالة المزعومة
- صلاح الدين بين السنة والشيعة
- أنور السادات وسيد قطب ودستور الإرهاب المصرى
- هيكل بين سيد قطب وطه حسين
- الميراث الإبراهيمى وأغلال المرأة


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجواد سيد - أساطير العهد القديم وأصل الإسلام