|
قراءة مختصرة لفيلم -جوع كلبك- للمخرج المغربي هشام العسري
غسان المرابط
الحوار المتمدن-العدد: 5098 - 2016 / 3 / 9 - 20:49
المحور:
الادب والفن
يستمر المخرج الشاب هشام العسري في خلق الجدل بتخصيص فيلمه الجديد لأحد أشهر رموز القمع بالنظام المغربي السابق، بعدسة تجريبية و قصة تخلط الحقيقة بالمتخيَّل.
"جوع كلبك"، عنوان الشريط، مستوحى من مثل مغربي يضرب في ضرورة معاملة الوضعاء و الأتباع بحقارة إن أراد الشخص منهم مزيدا من الولاء و التبعية، "جوع كلبك يتبعك". و لست أدري من الموصوف هنا بالكلب، أهو الشعب المقهور المقموع المحروم من أبسط متطلبات العيش الكريم، أم هو بطل الفيلم الذي يسبح في مستنقع الولاء و الطاعة للنظام رغم ما طاله منه من أذى، أم هي الصحافة الرديئة التي تبحث عن السبق و التشويق دونا عن المبادئ؟
دون مقدمات أو أعذار، و قبل جينيريك البداية، يقتحمُ الشاشةَ وجهُ امرأة كادحة حرقته الشمس و أوهنه الضنك، تشكي و تتذمر ساخطة على حال البلاد و العباد، منهية هجاءها (أو رثاءها) ب "عاش الملك". هذه الشهادة العفوية تظهر مدى السخط و الغضب و الاحتقان لدى الأوساط الشعبية، و تهيئ المشاهد لمناخ الشريط و أحداثه. القصة ترسم مصيرا بديلا لوزير الداخلية المغربي السابق الذي حكم المغرب بقبضة من حديد إبان سنوات الرصاص، حيث ساد القمع و الإرهاب السياسي بما فيه من اعتقالات و محاكمات صورية و تعذيب و إخفاء قسري و اغتيالات. هذا الوزير الذي أعفي من مهامه عقب تولي الملك محمد السادس الحكم، مات بباريس سنة 2007. و هذا ما يتجاوزه الشريط، فالبصري في "جوع كلبك"، لم يغادر المغرب لفرنسا و لم يقتله السرطان، بل فرض عليه النظام إقامة جبرية، و حكم عليه أن ينهي أيامه منسيا ذليلا. و دون سابق إنذار، يقرر البصري الخروج من صمته، و إجراء مقابلة صحفية هي الأولى في تاريخه. يستعين المخرج بممثلين بعضهم متمرس و الآخر مبتدئ. فدور إدريس البصري يلعبه الممثل بنعيسى الجيراري الذي ألفه الجمهور المغربي في أدوار تلفزية كوميدية؛ و الحق يقال أنه تقمص شخصية البصري ببراعة، فوظف خبرته لتشخيص البؤس و الوهن و بقايا سلطة. أما دور المحاورة، فأسند للفنانة المخضرمة لطيفة أحرار، التي جسدت بإتقان شخصية صحفية تبحث عن السبق الصحفي لا غير بعدما كانت فيما مضى ذات شأن عظيم. و تطوف بهذين البطلين ثلة من الوجوه الشابة المتمكنة من قبيل عادل أباتراب، جليلة تلمسي، فهد بنشمسي و فدوى الطالب. لعل أكثر ما يميز الشريط هو الإخراج: فالكاميرا غالبا ما تتحرك بفوضوية مقتفية أثر الأبطال فيما يشبه الfound footage لتعكس مدى الارتباك و الخوف اللذان يطبعان المناخ؛ و التأطير قليلا ما يخضع للقواعد المتعارف عليها، فيجد المشاهد نفسه أمام لوحات غريبة مزعجة (تارة تجمع الممثلين كلهم، و تارة تحذفهم من الإطار فنكتفي بالاستماع لحواراتهم كما لو كنا نتلصص عليهم)؛ و التوضيب يقفز من مشهد سريع لآخر بالعرض البطيء دون أعذار. هذا بالإضافة للموسيقى التصويرية التي تمزج بين إيقاعات الروك و الطرب المغربي العتيق و ضوضاء شوارع الدار البيضاء، في خليط هو أقرب للموسيقى الصناعية في بداياتها.
نحن أمام فيلم لا يأبه لقوانين السينما، يتمرد على مسلمات السرد المصور، و يشتت أفق انتظار المشاهدين باستفزاز مستمر. قد لا يعجب الكثيرين، ففيه من التحدي و التجديد ما يرهق العين، لكن صراحته و عفويته كفيلتان بتحقيق نشوة التلقي.
"جوع كلبك" شريط شجاع و مميز، تجريبي و طلائعي، مدروس و عفوي، عابث و ملتزم. إنه تجربة سينمائية فريدة تستحق الثناء.
#غسان_المرابط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة مختصرة لفيلم -حُب- (Love) للمخرج الفرنسي Gaspar Noé
المزيد.....
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|