الإنسان الراسخ

أحمد سعدي عطاالله

الحوار المتمدن-العدد: 5055 - 2016 / 1 / 25 - 07:35
المحور: المجتمع المدني
    

الإنسان الراسخ
==========
القناعاتُ الشخصيةُ الراسخةُ لا تُبنى على انتماءاتٍ عرقيةٍ أو مذهبية أو اثنيةٍ ، بل تتخلقُ من قراءاتٍ معمقةٍ للواقع الذي نعيشه ، وتنبني على تماثلاتٍ للواقع والتاريخ ، وبنظرةِ الخوفِ من الأخطارِ المحدقةِ على الإنسانيةِ في المستقبلِ الذي يبدو قاتماً على وجود الإنسان في هذا الكون..
صحيحٌ أن جزءاً من تلك القناعات مؤسسٌ على بعدٍ ذاتيٍ ، ومستندٌ على إطاراتٍ دلاليةٍ انسانيةٍ ، تشكلُ اللغةُ والعرقُ واللونُ والديانةُ والطائفةُ أبعادَه مختلفةَ الأضلاع. لكن يجب أن لا تنسينا تلك الأبعاد أنها تفاصيل جزئيةٌ في حياةِ الكلِ الانساني ، ذلك عينُ الحقيقةِ التي يجب أن تُشكل عليها القناعاتُ الانسانيةُ الراسخة.
إن ذلك يعدُ نظرةً واقعية إنسانية مقارنةً بفكرةٍ مثاليةٍ مطلقةٍ مغلفةٍ بالماورائية ، كما أنها تشكلُ بعداً أساسياً ضدَ التكمن وراء جدرِ الاثنيةِ والطائفةِ الضيقتين .
ذلك هو الموقفُ الشخصيُ الإنساني الذي يعتبرُ الأنسنةَ منطلقاً لكل أفكارِه وتصرفاتِه تجاه الغير ، بلا تطرفٍ لهذه أو تلك من الأفكار ، رافضاً من حيثُ المبدأ أيَ تعدٍ على الإنسان كموضوعٍ وكوجودٍ حي ، أو حتى الإنسان من حيث هو مادة للتاريخِ ، أو وجودٍ ايكولوجيٍ في حكمِ المندثر.
على ذلك يمكن أن تؤسسَ القناعةُ الراسخةُ لدينا كبشرٍ نشتركُ في كثيرٍ من ثنايا الوجودِ وتفاصيل التاريخِ والأديانِ، وكذلك نشتركُ في المآلاتِ والنهايات.
إن التسامحَ والتجاوزَ والعفو هي صفاتٌ إنسانيةٌ قيميةٌ عليا ، تبدو صعبةَ التحقق في واقعِنا العربي والفلسطيني ، لكنها بالتأكيد تساعدنا على تجاوزِ الكثيرِ من الخلافاتِ والاختلافاتِ الجذريةِ ، والمختلقةِ كواقعٍ سياسيٍ لا نستطيعُ الفكاكَ منه ومن شرورِه وانعكاساتِه على حياةِ مجتمعاتنا .
هذه هي قناعتي
يقول أحدُهم : كيف يمكن أن نقفَ على مسافةٍ واحدةٍ بين جميع هذه الرؤى المتصارعةِ والافكارِ الهوجاءِ المتناقضة ؟
هي صعبةٌ وتكادُ تشكلُ عقبةً كأداءَ أمامنا ، وربما تخلقُ لنا عداواتٍ من الجميعِ وتبعدُنا عن أي طرفٍ قد يساندُنا وسطَ هذا الزحامِ الذي بالكاد نسيرُ فيه . لكن على الأقل تحفظُ لك تلك المسافةُ انسانيتَك ومرجعيتَك الأخلاقيةَ والثقافيةَ في الحياة ، وربما لن تحصل على التقدير والتبجيل في الحين والآن ، لكنك بالتأكيد ستشكلُ بعداً متميزاً عن الحاقدين المنتفعين ، الذين يتلذذون على الانكفاءِ والانغلاق .
سيشكلُ الغبنُ والضيمُ جزءاً من واقعك لكنَّ التاريخَ سيكونُ حليفكَ ، والمستقبلَ ميدانُك المفضل دون هروب لأيِّ منهم .
أما هم ، فسيلعنهم التاريخُ ، ولن يكون لهم متسع في ميدان المستقبل ، ولن تستمر لذتهم في الواقع الذي يُخفتْ تألقَه حيالهم .
24-1-2016
*******************

#أحمد_سعدي_عطاالله (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات