أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الجلالي - من نظام الإنسان إلى نظام الأشياء: قراءة في أعمال جون بودريار















المزيد.....

من نظام الإنسان إلى نظام الأشياء: قراءة في أعمال جون بودريار


محمد الجلالي

الحوار المتمدن-العدد: 5013 - 2015 / 12 / 14 - 18:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حاول جون بودريار في كتابه "نظام الأشياء"(le système des objets) وبعدها في مؤلفات أخرى أن يقدم صورة موضوعية عن واقع الإنسان المعاصر مع إبراز المخلفات التي ترتبت عن العودة القوية للأشياء واكتساحها لكل مجالات التنظيم الاجتماعي.
أكد بودريار بأن فضح واقع الإنسان المعاصر والكشف عن تناقضاته واضطراباته، يترتب عنه بالضرورة فضح التصور الديكارتي الذي رسم معالم الإنسان العاقل، ورفع شعار أن الإنسان هو المحور الأساسي لكل متغيرات الكون وجعل هدفه الاساس هو السيطرة على الطبيعة. وهو في الحقيقة الإعلان الذي رفعته الفلسفة الحديثة بأكملها .
تنطلق فلسفة الحداثة من فكرة أساسية مفادها أن الذات الإنسانية هي مصدر المعرفة والفعالية الفكرية، ومركز مرجعي للنظر والعمل، وذاتا مشاركة وفاعلة في التاريخ؛ وباختصار نصبت فلسفة الحداثة الإنسان في مركز الكون، وجعلت كل أشياء الطبيعة وموضوعات الوجود تدور حوله؛ فهي فقط متغيرات يعرف الإنسان طبيعتها وكيفية تشكلها من خلال الاستناد على دعامة الفكر فالقول مع ديكارت بــ" أنا أفكر إذن أنا موجود"(je pense donc je suis)، معناه الإيمان بأن هذا الأخير كان يسعى إلى تحقيق هدف أساسي وهو تعليم الإنسان الحديث كيفية السيطرة على الأشياء من خلال فهم واستيعاب القوانين المتحكمة فيها.
عمل جون بودريار في مقابل ذلك على مقاربة وضعية الانسان المعاصر، انطلاقا من براديغم مغاير، بحيث سعى لكي يبين لهذا الأخير)أي الإنسان( مدى خطورة التحولات المحيطة به، والتي جعلت الأشياء تتحكم فيه عن طرق آليات الإغواء والمراوغة، على اعتبار أن الانسان في المجتمعات الما بعد الصناعية محكوم بشبكة من الأشياء التي تحولت بفعل قوتها التأثيرية إلى عنصر أساسي في النظام الاجتماعي .
فقد الانسان تلك السلطة التي كانت لديه على موضوعات الطبيعة، إذ كان يستخدمها لتحقيق غاياته، وتحول إلى موضوع تستهلكه الأشياء، وتستنفذ طاقاته العقلية والبدنية. ومن تم انتقل من كائن يبحث عن القيمة الرمزية)تبادل الهبات في المجتمعات البدائية( إلى مستهلك يتعامل مع الأشياء من زاوية قيمتها المادية وفي بعدها الإستعمالي، الذي يتلاءم مع الرغبات والحاجات الثانوية التي يخلقها مجتمع الاستهلاك ويجعلها تدخل ضمن استراتيجيات وأهداف نظام الأشياء.
لم يعد الإنسان يستهلك الأشياء من منظور حاجاته البيولوجية، بل يتعامل معها من زاوية أخرى ترتبط بتحقيق الإشباع على المستوى النفسي والإجتماعي ، بهدف الحفاظ على توازن العلاقات بين الأفراد من جهة والمساهمة في إضفاء الشرعية على كل المؤسسات الساهرة على ترويج ثقافة الاستهلاك من أجل تحقيق الهدف العام لنظام الأشياء.
ويُعارض مفهوم "النظامle système " الذي يستخدمه جون بودريار في أغلب مؤلفاته توجه النزعة الإنسانية وفلسفة الذات على اعتبار أنه يقصي الاعتقاد في مفاهيم: الفكر، والحرية، والفاعلية، والتمكن في اللغة والخطاب...إلخ، ويؤكد أن كل هذه العناصر هي نتاج نسق تنصهر فيه "الأقطاب المتجاذبة والمتحاربة داخل البنية (structure) الكبرى للنظام العام للأشياء" وعلى هذا الأساس تفقد ملكات وقدرات الانسان كل قيمتها وسلطتها على مواضيع الطبيعة وتتحول إلى مجرد مفعول من مفعولات النظام.
تطورت علاقة الانسان بالشيء وأخذت منحى جديد، إلى أن أصبحت علاقة بين نسق من الأشياء أو الموضوعات والإنسان، بحيث لم يعد هذا الأخير يتحكم في الشيء بحاجته ورغبته وإدراكه. بل أصبح نظام الأشياء يهيمن على علاقة الانسان بها. أمام هذا الوضع انهار المفهوم التقليدي للحرية والحاجة والرغبة والفرد والمساواة وغيرها من المفاهيم الأخرى .
ويؤكد جون بودريار في كتابه "نظام الأشياءLe système des objets " على الدور المهم الذي تلعبه الأشياء في المجتمع المعاصر بالشكل الذي يسمح لنا بالحديث عن فلسفة جديدة لها منطلقاتها الخاصة يمكن أن نطلق عليها اسم "فلسفة الأشياءla philosophie des objets"؛ وهي فلسفة تهتم بدراسة الأشياء وتكشف عن المتغيرات المرتبطة بها؛ بحيث تضفي عليها بعدا تأثيريا مستمرا على هوية الأفراد وثقافة المجتمع، فـــ"الأشياء اليومية والمعاصرة في تكاثر متزايد لدرجة يعجز المعجم عن استيعاب أسماءها" .
تحكم الإنسان على مر العصور في الأشياء، وجعلها تدخل ضمن مخططاته وأهدافه، بحيث اعتمدها كوسائل لتحقيق التواصل والتفاعل مع أفراد المجتمع من خلال الاقدام على المشاركة في مجموعة من الطقوس التبادلية)الكولا-البوتلاتش(، وذلك عبر تداول أشياء ومنتوجات مادية تكتسي طابعا رمزيا وترتبط بالشخص الذي يتداولها في دائرة التبادل. لهذا نلاحظ أن جون بودريار في دراسته لنظام الأشياء يحاول أن يرفع من قيمة التفسير الرمزي والعلاماتي للأشياء من خلال الاستناد على الامكانات التحليلية التي تتيحها دراسات رولان بارت(Roland Barthes) وفرديناند دي سوسير (Ferdinand des Saussure)وميشيل فوكو(Michel Faucoutl). بالإضافة إلى استحضار الأبحاث الانثروبولوجية التي اهتمت بإثارة أسئلة الأبعاد الرمزية للمنتوجات المادية أثناء عملية التبادل الرمزي .
أكدت هذه الأبحاث على أن الإنسان كان يسيطر على الأشياء ويتفاعل مع الافراد من خلال تداولها•، إلا أن الوضع الحالي أدى إلى تغير نظرة الإنسان للوجود وللأشياء المحيطة به لدرجة أضحت فيها الأشياء تكتسح انطولوجيا كل غرف الذات؛ حيث أصبح الإنسان يتفاعل مع الأشياء أكثر من تفاعله الاجتماعي مع الغير.
يمكن تفسير هذا الوضع بالدور الجوهري الذي أصبحت تلعبه وسائل الإعلام وآليات الإشهار في الترويج للعديد من المنتوجات المادية التي أضحت أسطورة جديدة تحدد نمط عيش الإنسان المعاصر وتؤثر على طبيعة علاقاته مع أفراد المجتمع.
يعمل الإشهار على الرفع من قيمة الأشياء، ويبرز منافعها المادية حتى تترسخ على مستوى الوعي الجمعي للأفراد؛ فتتحول إثر ذلك من مجرد فكرة مقترحة إلى نموذج مثالي يسعى الفرد إلى محاولة تشخيصه عن طريق عملية الشراء .
تتجسد القيمة الشخصية للمشتري في نوع المنتوج الذي اشتراه سواء تعلق الأمر بشراء السراويل مثلا أو بباقات الزهور. فالرهان قائم على إتاحة الفرصة للوعي بأن يتشخصن في إطار اختلاف، والإشهار، باعتباره لغة مفهومية، يحمل كل فعاليته لهذا النظام من تسنين الأشياء، إنه الوساطة من خلالها سيخلق نظام الاستهلاك وهم تآزر القوانين الاجتماعية والسلوكات الفردية حول سنن وحيد للدلالات .
يقول جون بودريار في هذا السياق: "إن الحنين الجماعي(Collective) يعمل على تغذية المنافسة الفردية" ، وهي مفارقة لعملية انتظام أو تماثل ثقافي. وعليه فالإشهار، يبرع في هذا الإجراء التشييئي)الإنسان يتطابق مع الشيء المستهلك ويتقمصه(.
أصبح الإنسان يتحدد انطلاقا من استهلاكه لأشياء ومنتوجات معينة تحمل دلالات من شأن قراءتها أن تساهم في إزالة اللبس عن العديد من المتغيرات المرتبطة بشخصيته التي تغدو مجرد تشكيلة عضوية تتقاذفها الأشياء وترسم طريقة عيشها، فيتحول بذلك مركز حقيقة الوجود من الإنسان بأبعاده الرمزية والروحية إلى الشيء بمدلولاته المادية والاستهلاكية.
أدت هذه الوضعية إلى خلخلة مركزية الإنسان في الكون على اعتبار أن الإنسان لم يعد قيمة مركزية تتحكم في باقي الأشياء التي تنتمى إلى الهامش؛ أي لم يعد خارج الأشياء بل أصبح شيئا بين الأشياء.



#محمد_الجلالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المريض بالسيدا بين الإندماج والتهميش
- المعرفة والسلطة في تصور ميشيل فوكو
- من الفعل الإجتماعي إلى الفعل الإستهلاكي


المزيد.....




- السعودية.. 28 شخصا بالعناية المركزة بعد تسمم غذائي والسلطات ...
- مصادر توضح لـCNN ما يبحثه الوفد المصري في إسرائيل بشأن وقف إ ...
- صحيفة: بلينكن يزور إسرائيل لمناقشة اتفاق الرهائن وهجوم رفح
- بخطوات بسيطة.. كيف تحسن صحة قلبك؟
- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الجلالي - من نظام الإنسان إلى نظام الأشياء: قراءة في أعمال جون بودريار