أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد أمرير - تأملات نقدية حول التنميط الثقافي















المزيد.....

تأملات نقدية حول التنميط الثقافي


أحمد أمرير

الحوار المتمدن-العدد: 5007 - 2015 / 12 / 8 - 08:49
المحور: حقوق الانسان
    


كلما قابلت صديقي ناداني بلقبي الفايسبوكي: أبو نضال كيف حالك؟ وأردفه بالسؤال عن أم نضال ومتى يحين اللقاء والزواج ...؟ هو يعرف أنه مجرد لقب افتراضي خلافا لبعض أصدقائي الفايسبوكيين .. قبل سنة كان يحلو لي أن أوقع منشوراتي باسمي الحقيقي كاملا حينا وبلقبي الافتراضي حينا آخر ، كما كنت أتلاعب بالمزج بينهما دون أن يكون لذلك سبب على هذه الشاكلة : أحمد أمرير / أحمد أبونضال / أبو نضال / أ.أ./ أ. أبونضال ... الخ .. وحين أتأمل الأسباب التي تدفعني إلى اختيار هذا اللقب الافتراضي أجدني لا أملك تبريرا حقيقيا وأكتفي بمسوغات عفوية . لا يمكن أن يكون وراء كل التصرفات والأفعال التي نُقدِم عليها ما يكفي من الأسباب المعقولة .. أحيانا ما نقوم بشيء ما لمجرد أن نملأ فراغا وجوديا ما ... وهي فراغات وجودية كثيرة مبثوثة في طريقنا وتأملاتنا لا بد من ملئها لنستشعر بعضا من المعنى : معنى الوجود الذي يلُفّنا ومعنى لذواتنا . إنها أشبه بحُفر وخنادق نصادفها في الطريق ولا نملك سوى أن نتجاوزها بالقفز أو نبحث عن جسر خشبي ما ينتقل بنا نحو الجهة المقابلة ، أو نسلك طريقا آخر للوصول إلى مبتغانا ... وما لم نفعل ذلك سنظل ننتظر المجهول، فيتوقف بنا الوجود ويَجمُد المعنى ونضيع في متاهات الطنين : طنين السكون السحيق والقاتل ...

لكن السؤال بثقله الثقافي والأنطولوجي مُجدّدا يُطرح على مسامعي من جهات عدة : متى نرى نضال ؟ أين أم نضال ؟ إحالة منهم على ضرورة التمأسس ضمن مؤسسة الزواج عاجلا ... فتطاردني الأفواه والجباه والمقامات والكسور أينما حللت، فألوم نفسي على هذه اللعنة التي أججتها على نفسي . ترى هل كانت مثل هذه الأسئلة ستُطرح لو اكتفيت باسمي الحقيقي ...!؟ من الوهلة الأولى يمكن لي أن أجزم بغير ذلك . لا يمكن لك أن ترى طفلا صغيرا يسوق سيارة ويقرأ كتابا لأفلاطون أو يرتدي بنطلونا في مقاس أبيه .. كما لا يمكن أن ترى رجلا راشدا ينتعل حذاء ابنه الصغير وفي فمه رضاعة وسط المقهى ... الناس يحبون أن يعيشوا تبعا لمنطق أعمارهم ولكل مرحلة مقاسات وأذواق معيارية أجمعوا عليها .. ولا يكفي للمرء أن يقتصر على العيش وفق تلك المعايير بل يدفعه دافع ما ليفرض مقاساته على الآخرين المحيطين به تارة بالرعاية والتوجيه وتارة بالتأنيب وتارة بالسخرية والاستغراب والنميمة ... وتارة بالرفض . إنه بذلك يستشعر منازعته في رشده وصلاحه وكماله متى وجد إنسانا آخر يعيش خلافا لعاداته التي يشتركها مع جنسه ومرحلته العمرية ومع معتقده وبلدته ولغته ووطنه ...

فما العيب في تلك الرعاية والتوجيه والتأنيب وحتى الرفض الذي يواجهك به الناس متى خالفتهم في اللباس والاعتقاد والسياسة ومختلف أوجه الحياة الخاصة والعامة ؟! يبدو لي أحيانا أن ذلك يمثل وسيلة احترازية وحمائية مانعة من الشتات والفوضى والضياع ... إنها الأذرع الخفية والمكانس السرية التي تحفظ كثبان الرمال والأتربة من أن تذروها الرياح وتمتد خارج المساحات المسيجة فيضطر الناس إلى كنس أطرافها وسقيها من حين لآخر لتثبت في مكانها، وأحيانا ما يتم تشجيرها لتتوزع الجذور في الأعماق وتمنع التربة من الانجراف ... وحين يقوم الناس بالخروج من دائرة الاهتمام الشخصي إلى دائرة خصوصيات الآخرين لرعايتها وتربيتها وإسنادها وردعها أو رفضها فهم لا يقومون سوى بنفس الوظيفة .. وظيفة تثبيت المجتمع والأفراد على المشترك والمتواضع عليه في اللغة والدين ونمط العيش وغير ذلك .. وقد يمتد هذا الأمر إلى الأذواق وإلى حجم اللقمة وطريقة الأكل وشكل اللباس، ويتسع إلى مستوى الدفع بالعزاب والعازبات للزواج ورفض من لم يتمأسس ضمن مؤسسة الأسرة والسخرية من المرأة غير المتزوجة ووسمها بالبايرة والتي فاتها القطار ولمز وغمز الرجل غير المتزوج ...
ذلك ما يطلق عليه بالثقافة أو منظومة العيش المشترك ومختلف أنماط العادات والتقاليد والمعتقدات ... وحين نعود بأذهاننا إلى مرحلة العيش القبلي ضمن مجموعات بدائية تبدو الصورة واضحة للعيان وتكبر عدسة الكشف عن حرص الجماعة القبلية ليحافظ كل الأفراد عن المشترك الثقافي وتتأسس لديها أنظمة عقابية لتدبير الاختلالات الداخلية والخارجية حفاظا على بقاء الجماعة ومنطق القبيلة ...
يسمح لنا هذا التدشين الجينيالوجي لمنطق التنميط الثقافي كي نطرح سؤالا أخر عن نجاعة هذه السياسة الحمائية لثقافة الجماعة والأفراد في أفق الزمن المعاصر .. نتحدث عن مرحلة يتدفق فيها الإبداع وتتداخل فيها الثقافات وتتماوج فيها الأذواق والمذاهب والأفكار والسياسات في خضم سيل من تكنولوجيا التواصل وبحار الإنتاجات والإبداعات والصناعات المختلفة ... يبدو لي أن من يحاول الإمساك بثبات الثقافة الواحدة في حيز اجتماعي معين كمن يريد أن يرتب أوراق جريدة وسط ريح عاتية ... لكن هذا التشبيه يبدو مبالغا فيه إلى حد ما ... ذلك أن هذه الريح العاتية تستدعي منا أن نتحصن في أبنية منيعة حتى لا تكشف عوراتنا جميعا فنسقط في ذات التنميط الذي نسعى الانفلات منه .. ولعل ما يسمى بالعولمة اليوم هو أحد أشكال التنميط الرأسمالي الأحادي الصارم الذي يسعى إلى محاصرة الكون ضمن قرية صغيرة تستنزفها الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات السياسية والمالية الدولية وتملي على ساكنتها ما يجب وما لا يجب عليها .. هكذا نسقط في منطق القبيلة مجددا غير أنها اليوم تحولت من مستوى الميكرو القبلي البدائي إلى الماكرو العولمي الرأسمالي ...

هل لنا أن نتصور الآن لعبة الأرجوحة ومتعة من يمتطيها ويتمايل بها ..؟ إنها اللعبة التي أفضل امتطاءها بين الثقافات والأذواق .. قد لا نمتطيها جميعا وقد يختار البعض نقطة من النقاط الفاصلة بين أطرافها القصوى، ولا ضير من ذلك. وقد يمتطيها البعض لمسافة قصيرة خشية الإحساس بالدُّوار أو الغثيان وقد يستعذبها البعض الآخر لأنها لعبته المفضلة في طفولته ... ولن نخشى من أي انفلات أو تشتت أو ضياع .. يكفي أن تكون الأٍرجوحة ثابتة في الأرض وأن حبالها متينة وكرسيها مثبت بدقة، ولندع لعبة الثقافة تتأرجح ونستمتع بها جميعا ... هناك من سيقتصر على نقطة الثبات على الأرض ويكتفي بالمشاهدة لكن لا يجوز له أن يوقف الأرجوحة ... إن حركتها وتأرجحها أشبه بالناعورة التي تدفع الماء من المنبع نحو الحقل ومثل تدفق المجاري والوديان والأنهار فيترقرق الماء ويعذب ويصفو خلافا للمستنقعات الآسنة ...
مبدأ "الأرجوحة" إذن ينسف أسس الثقافة الراكدة والثابتة والمنمطة ويجعلها تقوم على الجريان والحركة والتنوع والتجدد والإبداع ويقلب منطق القبيلة سواء في مستواها البدائي أو العولمي الرأسمالي ويؤسس منطقا جديدا يستند إلى مبدأ التنوع والتجدد الثقافي و يروم الحفاظ على الإنسان ضمن نطاق سيادة وطنية تتعدد فيها الثقافات والأذواق والأفكار والسياسيات والمعتقدات لتخدم حقوق الإنسان وتنميته ورفاهيته وتعايشه وتدفق إبداعاته وإنتاجاته ... إنه منطق فيضي متجدد كما تتجدد خلايا الإنسان كل يوم وكما تتجدد المياه في مجرى النهر في كل ثانية ويتجدد الكون بمختلف موجوداته في كل لحظة .. ولِيظلَّ الثبات حول أصل الانسان ... هذا المنطق لا يلغي المشترك ولكنه يعيد ترتيب أولوياته ووظائفه ... المشترك الأول هو الإنسان هو المقدس الأسمى الذي يجب تكريمه وتحصينه ... ثم يتم تجنيد المواضعات البشرية الأخرى بحسب أدائها خدمة الحفاظ على حرية الانسان وتقدمه ... لا يمكن إذن أن نلغي مشترك اللغة لأنه أول نسق تواصلي يضمن حق الانسان في التواصل والكلام والتعبير والابداع وأي استهانة بلغته وإلغاء لها في أنظمة التعليم والتدريس يشكل نسفا لآلية من آليات إدراكه للعالم من حوله، لذا وجب الاعتناء بها وتطويرها لترتقي إلى مستوى يدرك من خلالها واقعه ومختلف العلوم والافكار والإبداعات ... ثم تظل مشتركات الدين والسياسة والفكر والابداع ونمط العيش مشتركات أرجوحية تتماوج فيها الأذواق فتختلط حينا وتتمايز حينا آخر في ظل اللعبة السياسية التشاركية ومبادئ الاختيار الحر والاستمتاع وتقبل المخالف طالما أنها لا تهدم مشترك الإنسان وحرياته وكرامته أو مشترك السيادة الوطنية التي تحفظ الانتماء الجماعي ...



#أحمد_أمرير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استراتيجيات تحسين الخط واجتياز الامتحان بنجاح
- جرعات الأمل والسبيل إلى النجاح العمل
- إذا كان لنا وطن واحد .. فلم لا يكون تنوعنا مثل تنوع أزهاره و ...
- الفايس ... بوك facebook... : دردشة سيميائية في التسمية
- النجاح وهم يراود الأغبياء
- معا لتحرير الاسلام من التنظيمات والاحزاب الدينية
- مِن الدِّين ما قَتَل!


المزيد.....




- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...
- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد أمرير - تأملات نقدية حول التنميط الثقافي