أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - احمد الباسوسي - اضطراب قطبي من النوع المسكوت عنه (الطبيبة الحائرة)















المزيد.....

اضطراب قطبي من النوع المسكوت عنه (الطبيبة الحائرة)


احمد الباسوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4983 - 2015 / 11 / 12 - 08:19
المحور: الطب , والعلوم
    


(الطبيبة الحائرة)
مساء الاحد 2/5/2010
كنت قد التقيتها قبل عامين معها ورقة تحويل من زميلي الطبيب، شابة فارعة، بيضاء، يبدو وجهها نضرا ورائقا ومشرقا، تتمتع بجاذبية لافتة، عزباء ولم يسبق لها الزواج، تعيش حاليا مع والديها،حاصلة على بكالوريوس الطب والجراحة، وأيضاعلى الزمالة الكويتية في الطب، تعمل طبيبة بأحد المستشفيات الحكومية، كانت والدتها بصحبتها والمطلوب انجاز تقرير طبي عن حالتها حيث أن جهة عملها طلبت تحويلها للطب النفسي وعمل تقرير بشأن حالتها يوضح مدى امكانية قدرتها على العمل.
تكتم على الطلب الغريب
حاولت الاستفسار منها ووالدتها عن مبررات جهة عملها في التحويل للطب النفسي، أبديا استغرابهما أيضا من هذا الاجراء، أخبرتني أنها منتظمة جدا في عملها، تؤديه بكفاءة كبيرة، كما أن علاقتها جيدة مع زملائها ورئيسها في العمل، ولا تدري السبب الذي دفع رئيس القسم لطلب مثل هذا التقرير!. في الحقيقة استوقفني بشدة تجاهلها وامها لمسألة التحويل للطب النفسي، وطلب جهة عملها تقريرا يخص مدى كفاءتها في الاستمرار في العمل حيث لم الحظ عنهما دهشة أو استغرابا، أو حتى اعتراضا مكتوما على هذا الأمر. بل وأدهشني استقبالها ووالدتها للأمر وكأنه اعتيادي، روتيني يتعرض له أي موظف في الدولة!.
فحوصات نفسية ولا نتيجة!
أنجزت مهمتي في فحص حالتها العقلية والمزاجية من خلال الاختبارات النفسية الملائمة، لم أتوصل لشيء يحسم المسألة، خاصة مع عدم وضوح معلومات تساعد في قراءة الاداء على الاختبارات سواء عند تقييم القدرات العقلية والتي كانت مدهشة بالطبع، أو حتى على مستوى سمات الشخصية والمزاج حيث وضح المدى الكبير من القدرة لديها على الضبط الانفعال، والتماسك والاتساق في استجاباتها على المقياس، والسيطرة الواضحة على أعراض تمثل حالات مزاجية صريحة مثل الاكتئاب والنوبات الهوسية. كتبت تقريري في ذلك وطويت صفحتها.
احتجاز مفاجئ داخل الطب النفسي
والمثير للدهشة أنه بعد مرور عامين على هذا الأمر ظهرت من جديد باعتبارها مريضة منومة في جناح (36) حريم بالطب النفسي. أخبرني زميلي الطبيب المسئول عن الحالةأنها جاءت في ظرف انفعالي حاد بعد تعرضها لنوبة هوسيه حادة. طلب مني متابعتها في العلاج النفسي.
خروج سريع وعودة للعيادة
خرجت سريعا من المستشفى والتحقت بعملها وعادت مرة اخرى لمتابعة التقرير المطلوب عن حالتها بخصوص مدى كفاءتها وقدرتها على العمل. التقيتها في ذلك اليوم. حددت لها موعدا للعلاج النفسي. جاءت في موعدها المقرر سلفا بالضبط. أخبرتني أنها منتظمة في عملها بالمستشفى الحكومي، لكنها حصلت على اجازة من الرصيد في الفترة الأخيرة حينما أدخلوها المستشفى للعلاج. لم الحظ تغيرا في حالتها المزاجية، أو الانفعالية مقارنة بمقابلتي لها منذ عامين، هادئة، متوازنة، تعيش حالة مدهشة من الانكار، والاختباء. لا مجال لملاحظة توترات، أو قلق داخلي ربما تنعكس مظاهره على أنامل كفيها الدقيقين. وجدتني أسير نحو تكرار أو نسخ السيناريو الحاصل قبل عامين، ويضيع وقتي سدى. أخبرتها أن دخول المستشفى مؤكد كانت له أسبابه ، وأن لم تتعاون معي فسوف أُنهي الأمر عند هذا الحد وأعلن عدم رغبتك في التعاون.
قررت أن تهمس أخيرا
كأنها أدركت حرصي الاصيل على مساعدتها بالفعل،اضطرت أن تبوح أو تهمس ولكن على طريقتها الاختزالية قالت " كان عندي أفكار تشوشني وايد (كثير) أشعر أن تفكيري مشوش. كانت تجيني أفكار أني متزوجة. كان عندي شك أني متزوجة شخص ما. ما ادري مين هوه؟، كنت أشعر أنه يجامعني في فترات قديمة. مرة صرخت على الوالدة (تعاركت معها )، وعلى أي شيء، تغيبت عن الدوام،أخدت أجازه مرضية. فيه أفكار تقولي مثل معلومات في مخي. عمي وأبن عمي توفوا. ما زلت غير مقتنعة أنهم ماتوا على الرغم من أني ذهبت لعزى عمي. لكن ما زلت افكر أنهم احياء ". طفقت تبكي بحرقة. انفتحأمامي عالم حاولت غلق نوافذه بشتى السبل، لكن وجدتنيأمام حالة فريدة من حالات الاضطراب أحادي القطب، وهذا المرض سوف نناقش تفاصيله في الفصل الخاص بالاضطراب القطبي، لكنه مرض يتحول فيه المريضبين بين حالتي الاكتئاب والهوس، طلبت منها الهدوء، والاسترخاء على المقعد حتى هدأت واقتنعت بضرورة مواصلة العلاج النفسي بجانب العلاج الدوائي.
الوالد المخادع
التقيت والدها لاحقا، بدا رجل سبعيني، طويل. مهيب، جامد الانفعال، عريض المنكبين كما يقولون. بشرته بيضاء بلون الثلج. يحتويك بهالته وهيبته، لكن مزاجه يستوقفك قليلا. صامت معظم الوقت. جامد الوجه كل الوقت، سالته عن مشكلة ابنته مع عملها وعلاقتها بزملائها، ردد نفس الاجابات السابقة بنفس وتيرة الانفعال وغياب الدهشة " لا أعلم سبب مشكلتها مع الدوام. لكنها تذهب لعملها بانتظام. هي طبيعية جدا ". أكدت هي نفس الكلام، بل استفزت للمرة الأولى حينما أخبرتها أنها ربما تكون قد وصفت دواء خطأ لأحد مرضاها، استنفرت مشاعرها الغاضبة فجأة وقالت " لا ياد كتور شغلي الحمدلله زي الفل. ما فيش أي مشكلة في الوصفات الطبية ". استفسرت عن امكانية حدوث نوبة من تلك النوبات الهوسية في مكان عملها وبين زملاءها، نفت ذلك بشدة. كان من المنطقي أن التقي طبيبها المعالج وزميلي لكي أستفسر منه عن سبب طلب جهة عملها تقريرا يتعلق بمدى كفاءتها وقدرتها على العمل، أخبرني أنها تهيجت ذات مرة على والدتها وهددتها بالسكين، جزع الأب، كتب خطابا الى جهة عملها يطلب منهم تحويلها الى الطب النفسي للعلاج.
كشف المستور
أخيرا تم حل اللغز، وكشف المستور. تأملت منظر الرجل المهيب الصامت طول الوقت. كأنه ممنوع من اصدار استجابات انفعالية أيضا، قلت في نفسي أنها مشيئة الله، الوحيد القادر على حماية مساكين هذه العائلة. وعودة اليها ومرضها وطريق العلاج الطويل الذي ينبغي علينا ولوجه رغم التعقيدات والتشابكات، سواء تعقيدات المرض، والاسرة، وطبيعة المريضة، وهذا الكم الكبير من الانكار في داخلها نتيجة لفقدانها الثقة في عالمها الذي تعيشه .
غموض البداية والهمس الصاخب
لا نستطيع أن نحدد بدايات المرض، فلا الاسرة قابلة للتعاون، أو اصدار استجابات في اتجاه صحيح، ولا المريضة المتصالحة مع عالمها ومرضها تستطيع رؤية أن ثمة شيء خطأ حدث في بواكير صباها. أقصى ما يمكن أن تراه لا يبتعد عن ذلك التفكير المشوش الذي يملأ رأسها، وضلال الاعتقاد بانها متزوجة من شخص ما، وشعورها بأن هذا الشخص يجامعها (هلاوس حسية ). وعراكها الصاخب مع والدتها لدرجة أنها تجري وراءها شاهرة سكين المطبخ في نوبة هوسيه منفلتة وحادة، الأمر الذي أوقف عقل والدها عن العمل، وكتب خطابا الى جهة عملها يطلب تحويلها للطب النفسي بدلا من أن يتحلى بزمام المبادرة ويهرع لعلاج ابنته.
أيضا من ضمن ما طرحته المريضة من أعراض ذهانية صريحة ضلال اقحام الافكار في رأسها تقول " فيه أفكار تقولي معلومات في مخي "، وضلال الاعتقاد في وجود عمها وابنه أحياء على الرغم من وفاتهم وحضور المريضة شخصيا العزاء. نحن بصدد زملة من الاعراض الذهانية الصريحة المصاحبة للنوبة الهوسية التي تظهر أحيانا في حالات الصخب موجهة ضد أمها.
نوبة الهوس
والهوس هنا مظهر من مظاهر حالات الاضطراب القطبي ويحدث وفق مستويات متباينة متفاوتة الحدة، يصبح خلالها المريض مفعم بالطاقة والنشاط غير الطبيعيين، قليل النوم، مستثار، يظهر سلوكيات اندفاعية وخاطئة، قراراته تكون في الغالب خاطئة أو عديمة الفاعلية وتودي به الى أفكار غير واقعية بخصوص مستقبله، وفي أغلب الاحوال السيئة من النوبة الهوسية يخبر الافراد بمعتقدات شديدة التشوه عن العالم فيما يعرف بالذهان. والمريضة تعاني من كل هذه الاعراض والمشاكل والتعقيدات على الرغم من التكامل الظاهري البادي على مظهرها وشخصيتها، لكنه الواقع والطريق الطويل الذي يتحتم عليها أن تسلكه اذا أرادت أن تستمر في ذلك السباق داخل حلبة الواقع الذي يجري فيه الجميع، والا سوف تخرج بعيدا الى المجهول والظهور كثيرا في مستشفيات الامراض النفسية. ذات مساء هاتفتني،أبلغتني أن رئيس القسم انتهى من تقرير اللجنة الطبية التي كانت مشكلة لفحص مدى كفاءتها وقدرتها على ممارسة عملها كطبيبة تعالج المرضى. وأن التقرير أوصى بضرورة تحويلها الى الاعمال الادارية والابتعاد عن العمل الاكلينيكي. أبلغتها بضرورة الانتظام في برنامج العلاج الدوائي والسلوكي المعرفي لأن حدوث تحسن ملحوظ في حالتها قد يمكنها من مراجعة اللجنة الطبية مرة اخرى واعادة التقييم. واعطيتها موعدا للجلسة المقبلة لكنها للأسف خرجت ولم تعد.اختفت تماما من الظهور في العيادات وجلسات العلاج النفسي، ولم أسمع شيئا عن أخبارها بعد ذلك




















#احمد_الباسوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مزاج اكتئابي واحتراق نفسي
- كيف تحمي مؤخرتك
- - البدون - الحائر
- العجوز والحرب (قصة قصيرة)
- ممنوع عليك غلق باب الحمام
- الموكب (قصة قصيرة)
- لذة ممنوعة
- طلاق بالأمر (العلاج النفسي)
- تلاشي (قصة قصيرة)
- الصعيدي الذي قهر الفصام


المزيد.....




- «شاهد توم وجيري» استقبل الآن تردد قناة سبيس تون الجديد على ا ...
- «وحش الهواتف الذكية»….تعرف على مواصفات ومميزات هاتف vivo X10 ...
- -كلنا فلسطينيون-.. هتافات مؤيدة لغزة تصدح في أعرق جامعات فرن ...
- رابط التقديم في شركة المياه الوطنية 2024 لحملة الثانوية العا ...
- لأول مرة منذ 56 عاما.. قطار روسي يشق الصحراء عابرا إلى سيناء ...
- الصين تستأنف عملها في الفضاء بإرسال دفعة جديدة لمحطتها الفضا ...
- تعرض اليوم..الآن تابع الحلقة 156 مسلسل قيامة عثمان .. تردد ق ...
- تقارير: أدوية شائعة لفقدان الوزن -تفاجئ- الرجال بالعجز الجنس ...
- صور من الفضاء.. هذا ما فعلته إيران في قاعدة أصفهان بعد ضربها ...
- إجراء أول اختبار لدواء -ثوري- يتصدى لعدة أنواع من السرطان


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - احمد الباسوسي - اضطراب قطبي من النوع المسكوت عنه (الطبيبة الحائرة)