أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس منعثر - شكسبير.. درسٌ لابدّ منه














المزيد.....

شكسبير.. درسٌ لابدّ منه


عباس منعثر
شاعر وكاتب مسرحي عراقي

(Abbas Amnathar)


الحوار المتمدن-العدد: 4971 - 2015 / 10 / 31 - 11:53
المحور: الادب والفن
    


شكسبير درس لابد منه

لن يكون الحديث عن الشك؛ تركنا ذلك لديكارت. لو كان شكسبير ذو الشاربين هو ما نقصد بهذه المفردة او أي شخص آخر، فلن يغير ذلك من ان السونيتات المذهلة او التراجيديات المسرحية تبقى واحدة من اهم مناهل الخيال عمقا وتأثيرا.

الحكي ينبغي ان تسنده الادلة. لنأخذ مثالا من الذاكرة. يأتي هوارشيو في مستهل مسرحية هملت بصحبة آخرين كي يتأكدوا من ظهور شبح غريب. كان هناك رجال يحرسون وبينهم وبين القادم كلمة سر. يتساءل احدهم: كيف كانت ليلتك؟ يجيب الاخر: لم يتحرك فأر. قد يبدو الحوار عاديا جدا. لكن العادي ليس عاديا ان نظرت اليه من زاوية غير عادية. كان بالامكان الاجابة على السؤال: كانت ليلتي هادئة. وهنا يكمن بالضبط الفرق الاساسي بين المهارة وبين التدوين. جملة (لم يتحرك فأر) تلّخص كل العبقرية الشكسبيرية. فمن جهة اولى تخبرنا بطريقة غير متوقعة، بطريقة شعرية عن حدث عادي، ومن جهة ثانية تنبهنا الى عنصر الصورة في الاخبار، ومن جهة ثالثة تعدد الدلالات. كيف؟ لنختبر ما يمكن استنباطه من العبارة البسيطة العادية: لم يتحرك فأر.

اولا: يريد المتحدث أن يبرهن على سعة خياله. لأنه ببساطة يتمايز عن الفرد العادي الذي يجيب عن سؤال عادي باجابة عادية.
ثانيا: يحاول هذا الشخص ان يعطي انطباعا عاما عن ان الجموع واسعة الثقافة والخيال بحيث انها تنطق بالشعري حتى في اشد حالاتها يومية؛ بل و رسمية.
ثالثا: اراد المتحدث ان يعطي صورة قاهرة لهدوء الليلة.. اذ ان فأرا لم يتحرك.
رابعا: اراد المتحدث ان يمتدح يقظته الشخصية حينما اشار انه لو تحرك فأر لكان رصد تحركه.. بمعنى انه جندي موثوق منه لحماية المملكة.
خامسا: وهو ما يتعلق بالبنية الاسطورية للمسرحية: برغم هذا الهدوء، ثمة مصائب ستقع قريبا.

ياخذك شكسبير في جملته، تضيع بين تراكيبه، وعليك أن تنقب. إذا لم تتسلح بعدة رصينة لن تنال سوى اصغر السمك على الشاطئ؛ اما اذا توغلت الى قلب النهر فثمة مستويات ستنزل فيها ملتقطا الدرر حتى تغرق. مع شكسبير لا بد ان تغرق. هذه شروطه الاساسية: الغرق. عليك ان تسلم القياد الى غير ثقافتك، الى غير لغتك، الى غير تقصيك المعنى المحدد الموصول اليه استنادا الى الثنائية كلمة= معنى. مع شكسبير هناك حلقة وسط: التركيب. بدءً، هناك تعرجات من التركيبات الثنائية، ثم الثلاثية ثم الرباعية؛ وعليك ان تكون ذا نفس طويل كي تصل الى اخر الخيط ولم تختنق بعد. من الطبيعي أن تمرّ معه بعدم القابلية على استلام الوهج كاملا. سيصيبك شيء من العمى المؤقت؛ بازدراء الفخامة، باحتقار الاكتمال. ستجده فائضا كل هذا التراكم؛ وكأنك أمام وجبة ألذ ما فيها دهونها التي لم يعتد جسمك على امتصاص كمها المضاعف. سيعلقك شكسبير طويلا. فما ان تطمئن انك على وشك ان تصل الى ذيل المعنى حتى يتمدد توقعك. ولن تتوقف: هو سيل عارم كل موجة فيه اعلى من سابقتها، فكيف توقف اللحظة إذن؟! الكلمة حارس يسلمك الى الحارس الذي يليه مقيدا بالاستمرارية: كرة الثلج هذه لن تتركك الا وقد مزقتك في اسفل الوادي الى تساؤلات.
استياءً من الضخامة، لنتوجه الى البساطة. لن يغريك كثيرا قاموسه المعجمي المتكون من (20000 الف) كلمة، في حين عاش عمالقة كبار على ما لا يتجاوز الـ(6000) آلاف؛ ولن تعطي بالا الى الالفين كلمة التي اضافها الى قاموس الانكليزية بضمنها ضمائر وافعال، ولا الامثال التي يستخدمها العالم انطلاقا من عباراته، ولا أنه يتمطى على الشفاه يوميا لعشرات المرات، ولا أن يقدم عرض لمسرحياته كل يوم تقريبا. ما يغريك حقا انه توغل الى اعماق لم تسبر، وعبر عنها بلغة لا تبلى، وأنتج أسئلة خالدة تجاوزت العرق والجنس واللون الى أرحب آفاق الانسانية. ما يغريك تلك الطبقات اللامحدودة، مثل بيت تظن أنه يتكون من غرفتين، فإذا بكل غرفة تنفتح على ما لا يحصى من الابواب التي تنفتح بدورها على جبال وبحار وصحارى.

أخلاقياً، تسحبك صرامة الجملة الشكسبيرية الى وجوب وضع ذاتك في غربال، تسقط من خلاله أناك. انت مع شكسبير بلا أنا. لو حضرت ومعك هذه الانا الاجتماعية او الادبية سيبدو لك وقحا متعالما متعاليا أجوف. ولو اجبرتك الانا الشكسبيرية على الذوبان فيها لتفتحت لك الاخلاق: وضاعة انسانية قاهرة تسوقك الى النبل الكامل. اكبر درس اخلاقي يعطيه التركيب الشكسبيري اللغوي لا الفحوى الاخلاقية: هو التواضع. انت امام هذا الهرم العملاق عليك ان تخلع نعليك وأناك معا.. يجب ان تنحني لا لأن باب الدخول الى محرابه واطئ بل لانه من الشساعة بحيث يطاطئ رأسك عند الدخول مع ظنه انه يحاول الارتفاع. المعمار الشكسبيري على ضخامته يصاغر الفرد الداخل اليه. وكما يحدث في كنيسة شاهقة السقوف، كثيرة الرسوم والتصاوير، عديدة الزوايا، يصدمك الكل المتكامل نتيجة فداحة التفاصيل.
وبذلك، يمكن لشكسبير أن يعمل فيك ويتحقق. حينها فقط ستنحني لك اللغة، ويسجد الخيال.






#عباس_منعثر (هاشتاغ)       Abbas_Amnathar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسم المولود
- مسرحية هو الذي رأى
- في هذه الاثناء - نص مسرحي
- قراءة في مسرحية (واقع خرافي) لعلي عبد النبي الزيدي
- ليالي عيد الميلاد
- عقيل علي ... الشاعر وصورته
- التكلم بصوت البير كامو
- في أروقة الفضائيات: الثقافة بصفتها مهنةً
- الكتابة عن الكتابة
- ميزان الذهب : تبادل الامكنة بين المثقف والاخر
- المثقف راهنا
- مرآة ثلاثية الابعاد


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس منعثر - شكسبير.. درسٌ لابدّ منه