حكماء الماضي هم أطفال اليوم

المجتبى الوائلي

الحوار المتمدن-العدد: 4963 - 2015 / 10 / 22 - 15:24
المحور: كتابات ساخرة
    

عندما كان طولنا لا يتجاوز المتر، وبسن صغيرة، كان فضولنا الطفولي يدفعنا للسؤال عن كل مشهد طبيعي أو صناعي يمر أمامنا. كانت أسئلتنا الغزيرة تحرج حتى الكبار أحياناً، لكون معارفهم أقل سعة من فضولنا. عدم توفر الأجوبة قد يخلق من عقول الأطفال حاضنة دافئة للأفكار الخيالية. فينتهي بنا الأمر ونحن نعتقد بأن الأشجار تستطيع التكلم، وحتى المشي والرقص. ونرى بأن الشمس والقمر زوجين يطارد أحدهما الآخر حولنا. وأن قوس قزح ما هو إلّا جسر يصعد نحو السماء وطرفه الآخر في مكان ما من الأرض نحلم بالوصول اليه من أجل الصعود. وقد نتخيل السماء على أنها سقف يغطي عالمنا، يملئه سكان من مخلوقات خيالية جميلة، وربما وحوشٌ أيضاً. وفي الليل ستكون السماء مليئة بمصابيح معلقة كما نعلق الثريا في سقوف منازلنا.


كل ما حدث الآن هو نسج فرضيات لتفسير العالم حولنا. أدمغتنا في مرحلة الطفولة ستكون مدفوعة بفضولنا نحو المعرفة لإيجاد إجابة لكل تساؤل يخطر على بالنا، فترانا نخرج بإجابات خيالية لتفسير العالم من حولنا، والتي سيتم تصحيحها خطوة بعد أخرى بمجرد دخولنا الى المدرسة، أو معاملة أولياء أمورنا لنا كأشخاص بذكاء يسمح لنا بفهم الإجابات الحقيقية. فنكتشف أن الأشجار كائنات حية لا غير، لا تستطيع الكلام أو الحركة. وأن الشمس أكبر من القمر بأضعاف كثيرة، وهي مركز مجموعتنا ومصدر طاقتنا. في الحين الذي يتخذ فيه القمر الصغير من الأرض مركز له، ويعكس ضوء الشمس على كوكبنا. وما قوس قزح سوى تحلل لضوء الشمس بواسطة قطرات المياه الموجودة في السماء. والفضاء أوسع بكثير من أن يكون مجرد سقف لنا.

لم يكن لنا أن نصحح كل فرضياتنا الخاطئة حول العالم الذي حولنا من دون العلم، فبمجرد دخولنا الى المدرسة، بدأنا نحسن من معارفنا حول الكون، وبدأنا نزيل من غشاوة حواسنا الخمسة، لنستعيض عنها ببيانات وملاحظات تم الحصول عليها بواسطة رياضيات متقدمة وتكنلوجيا متطورة.


تخيل الآن عزيزي القارئ، ما الذي كان سيؤول اليه الأمر لولا دخولك المدرسة وأنت طفل؟ أو بشكل أدق، ما الذي كان سيحصل من دون وجود المدارس والتقدم العلمي الذي ستتعلمه بين كتبها أصلاً؟ كنت ستخرج بالتأكيد بتفسيرات خيالية لميكانيكية عمل الطبيعة، حيث هنالك وجود للعمالقة ذوي العين الواحدة، والتنانين التي تسكن السماء، والأحصنة الطائرة..الخ. ولن يكون عالمك مختلفاً أبداً عما كان عليه قبل ألف سنة، أو ألفين أو أربعة! لا يمكننا أن نلوم من كان حياً قبل عدة قرون لأنه وضع مفاهيم خاطئة عن الكون وميكانيكية عمله، وذلك لأنه قد عمل بما توفر لديه من وسائل ومعارف. من علينا لومه هو من يعيش في عصر يهيمن عليه المنهج العلمي، وتتوفر لديه كل وسائل تحصيل المعارف، ومع ذلك لا يزال يؤمن بمصباح علاء الدين السحري!

#المجتبى_الوائلي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات