أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلدون عبدالله مراد - فرار














المزيد.....

فرار


خلدون عبدالله مراد

الحوار المتمدن-العدد: 4960 - 2015 / 10 / 19 - 08:03
المحور: الادب والفن
    


عندما فرّ المحاربُ من المعركة لم يعد إلى وطنه...
لم يكن لديه أمٌ لتحتضنهُ ... أو لعلها ماتت مع من ماتوا
لم يكن لديه زوجة لتحبهُ ... أو لعلها تُعدُ طعام الغداء
لم يكن لديه أطفالاً يخشون عليه ... أو لعلهم يلعبون ولا يسألون
لم يكن لديه منزلاً يأويه ... أو كان ولكن زنزانة

أشرك في فراره الذكريات... حتى الحقير منها ... وحتى .. وحتى....
وها هو الآن في هذا الركن البعيد يشلح ذكرياته – أمام المارة- على حبل الغسيل , علّ الشمس تنقيها , علّ الكون يعريها , علّ الريحْ.
أدركتهُ السنون في غفلةٍ من أمرهِ , فعاد للذكريات يستنميها ( وكَم يحلو في حدائق العراة المسير!)
ها هو الآن يداعب الشهور المؤجرة , يلاطف العقود المؤخرة, ليكتشف بعد فرارِ الأمنيات كم يكبر - مع الأيام- المستحيل !
عندما فر المحارب من المعركة , جمع كل ما لا يحتاجه : الطعام والشراب لكنهُ نسيَ في لحظة الحصاد شهادة الميلاد.
لم يكنْ يعرفه أحد أو حتى لم يعرف هو من يكون.
في رحلة الفرار, بدأت الأطعمة بالتساقط , تعثر بجثة, قلبها عثر على شهادة ميلاد ...
عثر على تذكرة عبور, عثر على عنوان ... عثرعلى وطن... وبدأ - في طين التاريخ - السباحة.

أخبرني اليوم أنه قد غيّر تاريخه مرتين ... وها هو الآن يفكر في الثالثة . ظننتُ لوهلة أنه بالحب والحرب فقط يتغير التاريخ ...
لكنه أقنعني اليوم بأشياء مختلفة عندما قال:
"- أنًّ التاريخ ملكنا , نحن الأبطال ونحن الرواة ونحن المؤرخون....
لا تصدق يا بني ما كتبوا في التاريخ, فإذا سطّره المنتصرون كتبوا الزيف وإذا سطّره المهزومون كتبوا النفاق."
أسقط بكلماته تلك كل الكتب التي قرأت وكل...
عندما فر المحارب من المعركة ... خلع كل الأوسمة... و طمس وشمٌ كان ينادي بالبطولة (باطل) ووشمٌ كان ينادي بالعشق.
خشي أن تكشفه الأوسمة , فيعيدوه إلى حيث لا يريد ...
خشي أن يعرفه العامة فينبذوه...
أشعل لفافة تبغه الثالثة وأكمل حديثه:
"- عندما جُرِحتُ يا ولدي لم يسعفْني أحد, تركوني مرمي في الأدغال . كانت الأوامر واضحة: الشهادة أو النصر.
وبما أننا - في تلك الجبال- منقطعون عن الأخبار , لم نكن نعلمُ أنحنُ المنتصرون أمْ نحنُ الخاسرون؟
وجدتُ نفسي مرمي في دمائي ... حملتُ ذراعي وانطلقت ... خالفتُ الأوامر ...
لم تعد تعنيني الشهادة ... لم يعد يعنيني النصر ... أردتُ الحياة .
أمضيتُ عمري أُنفذ الأوامر , قتلتُ هذا وسحقتُ ذاك .... أنقذتُ هذا وأسعفتُ ذاك...
وعندما أُصبت لم يعد يعرفني أحد.
كانت الجثثُ - يا ولدي - تملأ المكان وكان الجرحى ... لم أعرف أحد لم أعرف من معنا ومن معهم ....
غيّرتُ اتجاهي عشرين مرة (في ساحة الوغى لا تنفعك بوصلة ولا خريطة وطن, ما ينفعك خريطة نجاة...)
فهنا نارٌ وهناك دخان وهنا صوتٌ وهناك صمت والخوف مزروعٌ في كل الأرجاء."
عندما فر المحارب من المعركة ... رسم طريق الرحيل لم يرسم طريق العودة ...
كانت عيناه تحلقان بالأزمنة وكانت ذاكرته تصطدم بالمستحيل... جنّد الكلاب خلفه وفر ...
"- صدّقني يا ولدي لا أسرع من رجلٍ يطارده كلب
أتعلمُ يا ولدي؟ ستعانقك الشطآن في أول رحيل و ستلتهم ماضيك وتلوكه, لكن لن تبتلعهُ ....
ما ضينا مرٌّ يا ولدي
قابلتُ عشرينَ شاطئاً لكن لا جدوى , كنتُ مرمياً بين نعال الأعراب و( المستاحون )
انتشلتني - في قمة يأسي - أنثى .
صدقني يا ولدي وحدها النساء تعرفُ من أين تُاكلُ الكتف.
وضعتني على الطريق الخطأ و سلتني بين الأشياء."

عندما فرّ المحارب من المعركة ... سجّلوا اسمه على كل النوافذ و المصارف وعلقوا صوره على كلِّ الأجهزة...
كان ذلك قبل ثلاثين نكبة ... وها هم الآن يصطادون أسماءً تشبهُ أسمهُ وصوراً تشبهه ... فهل سيعود؟؟






#خلدون_عبدالله_مراد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤتمر


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلدون عبدالله مراد - فرار