أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمين نور - الثورة السورية و استحقاق ثوراها للحضارة بشجاعة أو الجبن و خسارة الفرصة التاريخية















المزيد.....

الثورة السورية و استحقاق ثوراها للحضارة بشجاعة أو الجبن و خسارة الفرصة التاريخية


أمين نور

الحوار المتمدن-العدد: 4941 - 2015 / 9 / 30 - 19:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ملاحظة: لربما يكون هذا الكلام موجهاً إلى السوريين بشكل مباشر, إلا أن كل العرب معنيون به أيضاً.
ستشكل الثورة السورية محور حياة السوريين لمدة مفتوحة قُضي منها حتى الآن ما يقرب الست سنوات, و عندما كان المؤيدون للنظام يتعلقون بألوهية الرئيس الأسد منذ البداية إلى اليوم, تعلق الثائرون بجسد الثورة في البداية و اعتبروها مركز تعبئتهم, ثم ما لبثوا أن تخبطوا هنا و هناك, و تعلقوا بالوجوه, و الأيديولوجيات, و العصبيات بمختلف أنواعها, حتى غطى زخم هذه الحركات على النظام الثوري الهش الذي لم يعرف التوثيق و الممارسة الرسمية إلا لمرحلة متأخرة فات عليها الآوان, هذه الثورة الذي أعترف بأنها هشة لأنها افتقدت أقل إجماع أو تعريف رسمي أو مبادئ حقة مستمرة مكتوبة على لوح محفوظ, و كل ما اقتصرت عليه كإجماع كان هتاف المظاهرات الشفوي الذي كانت تحركه العشوائية و العنفوان التظاهري و المؤثرات المحلية, و كنا آنذاك نراهن على الثقة بالإنسان الثائر و بثقافة الشرف, و يبدو أننا أخطئنا الرهان, بل كان يجب علينا أن نراهن على قانون و مبادئ مكتوبة, إنه الخطأ الذي حفظناه عن ظهر قلب كسوريين, و هو الاعتماد على ثقافة الشرف الشفوية, و التي تسود في المجتمعات التي لا قانون فيه, و تعتمد على الكيف الشخصي.
و كشباب, مرّت عليهم الثورة كما مرّت عليّ شخصياً, شعرنا بفقدان الموجه و المحرك و المبدأ الذي يدفعنا من أجل استمرار الثورة مع الزمن, و شعرنا في النهاية بعزلة في مرحلة عمرية صعبة, فلم تحدث فقط قطيعة بين الإنسان الثائر و المبادئ الثورية المحركة, ولا فقط بين المواطن و الدولة المستبدة, بل و الأخطر, حصلت قطيعة مع المجتمع و عادته, و تحديداً مع جيل الأهل السابق, الذي آثر أغلبه في البداية على التحفظ و الامتناع عن الثورة, أو تطويق حركة الشاب عن الثورة, ففقد الشاب الثقة بجيل يمنعه عن الحرية, و بالرغم من طبيعة المجتمع المحافِظة التي تعطي للأهل احتراماً و إجلالاً يقرب من العبادة, فقد سمح الشباب للأمثال الشعبية التي تسخر من الأهل بالانتشار على نمط "الجيل الذي سمح لنفسه أن يندعس تحت حذاء الأسد" أو "الجيل الذي سلّم البلد للأسد", و بهذا حصلت هوّة بين الجيلين, و ما لبثت إلا أن انعكست على المبادئ و التربية أيضاً و أضرّت بالثقة بين الجيلين, فتولدت فئة من الشباب التي انفصلت عن توجيه الأهل تماماً و ظهر طيف متدرج من الشباب المنفصلين عن التربية العائلية, و إن لم تقم الثورة بما يكفي, فقد أكمل على هذا الفعل حالة التهجير و انفصال العائلات عن بعضها, و ارتماء الشباب في بلد و الاهل في بلد آخر.. و هكذا, وجد الشاب نفسه في حالة خطيرة جداً, و هي الضياع, وجد نفسه بلا موجه, حتى من أهله, و بدا أن عليه أن يوجّه نفسه في مرحلة حساسة تتصف بالقبول السهل و الحساس للأيديولوجيات.
و حصل أن سادت الحركة الجهادية في سوريا, و التي كانت الأرض خصبةً أصلاً لوجودها, فمال كثيرٌ الشباب لها لتعبئة الفراغ الأخلاقي و الثوري معاً و وجدت تقبلاً ليس بالسهل من الثوار - و لنفس السبب و الفراغ ظهر لدينا الجهة الأخرى من الطيف و هو التيار الإلحادي- ثم صار ما صار, و دخلنا حالة الحرب الأهلية, و طغى الولاء على الإنسانية, و وقع التشرد و اللجوء و الدمار.. و غدت سوريا بلداً وكيلاً في الحرب proxy state , أي مثل فييتنام, حيث تصفي الأطراف الدولية نزاعاتها على أرضها من أجل أن تتجنب المواجهة المباشرة و تدمر ذاتها, و أصبحت أيضاً بلداً موّرداً لمن يريد أن يصدر أزمته الإسلامية, أي الإسلاميين الجهاديين, فهي اليوم وجهة الجهاديين العرب الذين استعصوا على حكوماتهم التي تريد التخلص منهم, فتسمح هذه الأخيرة لهم بالرحيل.
لم يكن هذا ما أردته عندما خرجت في المظاهرات و شاركت في الثورة بالتأكيد, إلا أنني أعلم اليوم أنني وطأت الخطوة الأولى في بحر الضياع آنذاك, و لا يهمّني من ألوم, فإن أردت لوم أحدٍ فأول ما ألوم هو الذات, ذاتنا الثورية التي خرجت دون مبادئ موجِّهة, حيث دائماً كانت المبادئ التي اعتقدنا بها مبادئ هادفة(كإسقاط النظام), إلا أننا لم نعتنق المبادئ الموجِّهة فعلاً. إن ما يهمّني هو المشكلة و إصلاحها حالياً.
أظن أنه حل لنا أن نتعلم أن نسقط طريقة التفكير الساذجة تلك, القائمة على الاعتماد على الغير, إن كانوا أهلاً أم دولاً غربية أم أمماً متحدة أم مسلمين.. و وجب علينا أن نعتمد على ذواتنا, و أن نرى السذاجة في أقصى حالاتها عندما ننادي "أين العرب؟ أين المسلمين؟ يا أمم متحدة.. يا أوباما.. يا ملك عبد الله", و كم يحزنني عندما يستمر بعض النشطاء الإعلاميين بترديد هذه الشعارات السخيفة الساذجة حتى اليوم مع كل هذا الدمار. و مع الأسف, أعلم تماماً كم تربينا كسوريين و كعرب أيضاً على مبدأ التبعية و الاعتماد على الأهل, أو الحكومة في المساعدة. و لا أقول أنه من الخطأ أن يعتمد الأطفال على آبائهم, بل أصرح أنه من الخطأ أن يستمر الاعتماد, فيبقى الطفل طفلاً طيلة عمره. و سأتوسع أكثر قليلاً في هذه المسألة لاحقاً, و أما بالنسبة للدولة, فإننا غيَّرنا(كلنا نحن العرب) معنى الدولة تماماً ليصبح علة وجودها هو إعالة الشعب و توزيع المال, لا تنظيم السياسة أو إطلاق الحريات و التحكم بها أو إظهار التنوع الطائفي أو الثقافي الطبيعي في كل مجتمع أو السماح لانتقال النظام إلى شكل أفضل, فأصبحت الدولة تعني في مجتمعاتنا كياناً جامداً واحداً لا يتغير, و غدت أنفسنا ترتعد عندما تسمع كلمة "تنوع طائفي" ناهيك عن "تنوع طائفي في السلطة" , و فقدنا كلياً معنى الدولة. فنرى في مجتمعاتنا لدينا الحكماء الغريبي الأطوار في المجتمعات العربية الذي ضمنوا بقاءهم في السلطة مقابل رشوتهم لشعوبهم المدجّنة بالمال الراضية عليهم أو/مع طبعاً قمعهم بالعسكر.
و في الحقيقة, لا يلام أحد على نبذه لنا, بل إن مشكلتنا هي مشكلتنا نحن, لا مشكلة بلاد الواق واق, و علينا نحن وحدنا أن نتحمل المسؤولية و أن نواظب العمل, و إياك ثم إياك أيها الثائر أن تقول أننا مسؤولية العالم أو مسؤولية أمريكا أو غيره. قمنا بثورة, فلنكملها, و إن أردت شعوباً أخرى أن تتحمل مسؤولية ما تقترفه أيدينا فقاتلك الله على الساعة الأولى التي خرجت بها إلى الثورة. و إن لم نكملها أو نصححها فأبصم بالعشرة أننا حمقى, و سيذكرنا التاريخ بأننا حمقى و جبناء. و لا أريد هذا.
إننا عندما بدأنا ثورة, فإننا ولّدنا لأنفسنا مسؤولية, و يبدو أننا لم نكن واعين لها, و لكن علينا أن نعي لها الآن على الأقل, هذه المسؤولية هي بناء الحضارة. إن ثرنا حقاً على النظام لإجهاضه طاقات حضارتنا, فلنري العالم, بل قبل كلشيء لنري أنفسنا كم نحن حضاريون.
نحن أمام فرصة تاريخية لن تتكرر في عمرنا, و سيلعننا أولادنا كما نلعن أبائنا إن لم نفعل ما يجب علينا فعله اليوم, لدينا الفرصة لإعادة صياغة كلشيء كما يحلو لنا, لدينا الفرصة لتعديل العادات و التقاليد المجتمعية و رفض البالية منها, و لدينا الفرصة لأول مرة للتفكير بحرية و إطلاق الإبداع و تفجير الطاقات, إن البلد بحاجة لطاقة كل فرد, و كل فرد يُقدّر بما يساهم من أجل الحضارة, فمن لا يساهم بشيء تسقط عنه صفة الإنسان, و يعامل معاملة اللاشيء أو إن أشفقنا عليه نعامله معاملة الحيوان. سوريا, ليست بلد الحضارات, نحن لم نقم بأي حضارة حتى الآن, و لا يحق لنا التفاخر بهذا, و عيب أن ننسب الحضارات السابقة على قطعة الأرض هذه إلينا, في حين أننا لم نقدم لها شيئاً من الحضارة بعد, أضف إلى أننا سأمنا من التغني بالماضي.
إن هدف الإنسان في هذه الحياة نتفق عليه جميعاً, سواءاً متدينين أم علمانيين, و هو بناء الحضارة و إعمار الإنسان و الأرض, و إن هذا الهدف هو علة الإنسان, أي لا يتحقق الإنسان إلا بتحقيقه لهذا الهدف. ولا أقصد من الحضارة بناء فندق سبعة نجوم على ميناء طرطوس, فإن خطر على بالك هذا المشهد فاعلم أنك لا تزال مُفسداً بالمادية, و أول شيء عليك فعله أن تعرف فسادك هذا و تبدأ بتغييره, إن ما أقصده بالحضارة أن نصيغ بنيتنا الفوقية الخاصة بنا أي أفكارنا الخاصة, و نعيد بناء مفهوم الدولة كما يتناسب مع مجتمعنا , لا نسخاً لصقاً من العلمانية الغربية أو محاولة لإعادة نظام سقط و خسر صراع الحضارات (أعني الخلافة), نحن أمام فرصة لنبتكر نظام دولتنا الخاصة بنا, حيث يتفق العلماني مع الإسلامي مع الملحد مع الآشوري مع الكردي, حيث التنوع هو قوة, حيث لا تخاف الطوائف من المجاهرة بنفسها, و حيث للمسلم كرامة لم يرها ولا حتى في بلاد الحرمين نفسها, و في نفس الوقت يفتخر العلوي بأنه علوي و الشيعي بأنه شيعي دون تلك الطائفيات العدائية الساقطة, و حيث يفتخر العربي بأنه يعرف تكلم الكردية. نحن بحاجة لطاقة كل فرد من تلك الطوائف و القوميات و التنوعات, و خسارة طاقة واحدة تكلفنا الكثير, ربما سنين من العمل –أو الخراب-. هذه ليست دعوة لممارسة الأخوة الأسرية أو الدينية التقليدية, بل إنها مسألة وجود و موت, إما نعيش و كلٌ يفتخر بتنوعه و يعمل من أجل بناء هذه الحضارة و المحافظة على التنوع بكل طاقته, أو نموت من الفقر و نهمش في التاريخ و تبزقنا الحضارة. إنها المسؤولية الصعبة التي وقعت على عاتقنا, لقد وقعت و حصلت و لن يفيد إنكارها أو التهرب من مسؤوليتها, و لَأَنَه أكبر شجاعة هي مواجهتها, و صدّقني عندما أقول, ماتت الشجاعة بمفهومها التقليدي منذ زمن بعيد, فليس الشجاع هو ذلك الفارس الذي اخترق صفوف العدو و قتل ما قتل منهم ثم مات, بل إن الشجاع اليوم هو من يقدم للحضارة البشرية ما يفيدها. لا يجب علينا أن نكون جبناء من مواجهة ما يمنعنا من التحضر, فليكن لدينا تنويرنا الخاص, مفهومنا الخاص للدولة, تفاهمنا الخاص مع المجتمع, بحيث نستثمر كامل طاقات العاملين. فلتكن هذه المفاهيم صادرة من أنفسنا الخاصة و فهمنا الخاص, لا تركيباً أجنبياً أو قسراً مِن مدّعي السلطة الإلهية الروحية, فبهذا نضمن وحدتنا و اتفاقنا و قدرتنا على المحافظة على دولتنا و الولاء لها بشتى الحالات, نضمن حقاً حب البلد و الوطن, لا ترديد هتافات الحب الصماء الحمقاء التي تربينا عليها و غُسل بها دماغنا. فنبنِ بذلك منظومة متكاملة حقيقية حية.
إنني أدعو السوريين لأن يفكروا قبل أن يقرروا الانتحار الحضاري, بمدى شجاعتهم لعدم الانتحار, و لإعادة برمجة الذات لتقبل هذا العالم العبثي كما هو, و نسيان الاعتماد على الغير في أمورهم, و بناء الذات المكتفية.. هل أنا شجاع كفاية لمواجهة هذا؟ أم سأكون جباناً و أهرب من هذه المسؤولية الثقيلة على كاهلي و التي لا تأتي في الحياة إلا مرة واحدة؟, إنها فرصة تاريخية و في نفس الوقت عبئ ثقيل..
نعم إنها مسؤولية ثقيلة, لكنها هي التي جعلت العظماء عظماءاً. و هذا ما يدفعني كل يوم لأن لا ألجأ إلى أوروبا, و حتى إن لجأت سأفكر دائماً في العودة لأحاول بناء الحضارة في بلدي, و تحمل المسؤولية الإنسانية التاريخية الموكلة إلي. و لا يعني هذا أنني ألوم أحداً على اللجوء, بل أتفهم تماماً دوافع هذه الحالة, إلا أنني أخاف على الإنسان و على نفسي أن لا نستحق إنسانيتنا بيدنا, و نبني حضارتنا بعرقنا, و أن نوصف إلى أبد الدهر بمواطني الدرجة الثانية الذين هربوا من بناء حضارتهم و بلدهم و رفضوا استحقاق إنسانيتهم. و لا يقتضي هذا الزجر أصحاب اللجوء المؤقت, إلا أنني سأءخذ مأخذة على من يفكر بأن لا يعود و يساهم في البناء. و مهما أخذت من مآخذ و حاضرت من محاضرات و شتمت من شتائم-فرضاً- عن من يرفض العودة, فهذا لن يقدم أو يؤخر بمن احتمى في أوروبا شيئاً, لهذا, فلا يهم كثرة الزجر و التأنيب, بل ما يهم أن لا ينسى اللاجئ واجبه اتجاه نفسه و اتجاه إنسانيته و أن يجد سبباً كافياً للعودة إلى بلاده لإعمارها. و هذا لن يتحقق إلا إذا بدأ هذا الشخص بالتفكير لوحده حيال الأمر.
و في أزمة اللجوء هذه, وقع المسلمون بمأزق تاريخي إضافي جديد-تراكمت المآزق عليكم أيها المسلمون- , و هي أن اللاجئين لا يؤمنون بشرعية الإسلاميين المحاربين في سوريا, ولا يملك الأخيرون شرعية كافية لتجعل هؤلاء اللاجئين يصبرون على انتظار الدولة الموعودة, و إن هذا يعني تراجعاً كبيراً لأسهم التيار الإسلامي السياسي أو الجهادي, و أنا هنا لا أتكلم عن الهوية الإسلامية التي لا يزال اللاجئون يفتخرون بها, بل عن التعبئة الدينية السياسية و الرأوية. و هذا يصلح أيضاً على التيار العلماني الضعيف الشعبية أصلاً, إذ أن وازع انتظار الدولة العلمانية الموعودة لم يعد صالحاً للمحافظة على صبر اللاجئين. إنها أزمة هوية, إن اللاجئ بهذا يرفض أن يكون سورياً, أو مسلماً أو عربياً .. فمن بين كل من داعش و السعودية و الإمارات و سوريا نفسها.. اختار أن يكون نمساوياً أو سويدياً, فهو فقد الأمل من سوريا و المسلمين و العرب, و تنكر لهم, و لربما حقد عليهم.
و لعل المعني بهذا الكلام المسلمون أكثر من غيرهم, و ذلك لاعتبارين, الأول تكلمنا عنه متمثلاً بعدم جدوى الإسلاميين و تيارهم السياسي, و الثاني انتشار الإلحاد و الخروج عن الدين بشكل معتبر, و أستغرب من افتخار بعض المسلمين بإسلام ثلاثة مسيحيين في ألمانيا أو مئة أفريقي أو ثلاثون عالماً أو شيئاً من هذا القبيل.. فلتُسلم أفريقيا كلها يا أخي, ماذا يظن المسلم نفسه فاعلاً إن كان مقابل كل واحد يدخل الإسلام هناك مئة يخرجون عنه! بل هناك ردات فعل عنيفة اتجاه التيار الإلحادي على نمط "عمرينو و الله معو" "الما عاجبو الدين يطلع منو و يريحنا" ! و كأن المسلمون لا يهتمون بالمسلمين, إن لم يكن على أرواحهم فعلى محافظتهم على دينهم أيضاً!. و لا تقل لي نحن ندعو كل يوم من أجل أن يفرج الله عن حالكم, فهذه حال المسلمين اليوم, إما يدعون الله تحت مكيفات منازلهم! أو داعش!
و إن ما يحزنني أشد الحزن, هي حالنا الأخلاقية, و أكاد أقسم أن لا دمار منزلي أو حييّ أو مدينتي أو بلدي ما أرقني , بل ما يؤرقني هو حالنا الأخلاقية و التربوية و التنويرية المنحطة, فبأشد حالاتنا الراهنة هذه للتربية العائلية و الاجتماعية التي تجهز الإنسان ليعيش وحده بتوازن و أخلاقية, نرى السوريين في المهجر –و أخص هنا الخليج- قد تجردوا من كثير من هذه الأسس, و بنوا أبناءهم "جيلنا الصاعد الموعود المأمول به" بدلال و ميوعة, و سمحوا لهم بالسذاجة و الصبيانية و الطفولية, و أسروهم بثقافة الاستهلاك و تبديد المال و شكر الدولة المستضيفة حد العبادة, و فعلاً, لا يزال أبناءهم أطفالاً حتى و إن كان عمرهم 25 سنة. و إن من الصعب المراهنة على السوريين أبناء المخيمات, لتردي الأوضاع المعيشية و المادية هناك(دون أن يعني ذلك أبداً فقدان الأمل منهم), و إن من الطبيعي في هذه الحال, المراهنة على سوريي المهجر المقتدري الحال في تجديد الدماء في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب. و مع الأسف, فإنهم لا يحظون بالتربية اللازمة لهذا, بل حالهم تسبب فقداناً أعمق للأمل, إنهم ينمون ليصبحوا جاهلين بالحياة, و معولين على الغير, و لا يرتقون لدرجة تحقيق الذات, مياعة و سذاجة و تصرفات أطفال و تعصب و غباء و حالة عالية من غسيل للدماغ و كره للحريات و تعصب للفئوية. حتى أحياناً هم متعصبون لحكومات بلادهم التي تأويهم أكثر من سوريتهم( بالنسبة لي أرى أن الحالتان سيئتان على حد سواء) و يحشر أنفه في أمور السعودية أكثر من أمور سوريا, و يسوق للتملق المقرف الذي يستدعي الإعياء, و بعد كل ما حصل في سوريا يعيدون الخطأ و يتملقون الملك الإله بشخصه. و أخشى القول أن هؤلاء الشباب هم نتاج عدم اهتمام جيل آبائهم بهم كما يجب, الأهل الذين اكتشفنا أنهم ضائعون مثل أو أكثر من جيلنا نحن, حيث أهمل الأهل إعلام أولادهم بمسؤولية الأخيرين التاريخية و عظمها, و سمحوا للمادية بالتهامهم, و إن وُجد شابٌ يدري بالحياة شيئاً فإن أعظم ما يصبو إليه في أوطاننا أن يملك عملاً سارياً يستطيع به أن يتزوج و يبني منزلاً, و لا تعدو طموحه أكثر من هذا. و هذا لن يبني حضارة, بل سيبني أنانية و تعصباً و يأساً و بؤساً.
أدرك تماماً أن الثورة ماتت في قلوبنا بشكل عام, و فقدت شعبيتها فعلاً, إلا أنها قد تكون دعوة لثورة أخرى, هذه المرة بمبادئ موّجهة و أهداف حضارية فاعلة. إنني بهذا أوسع معنى الثورة, فأجعل أي فعل يساهم في نهوض الحضارة ثورةً. إن تعرفنا على موقعنا كحضارة خاسرة حالياً مهم جداً, و بنفس الأهمية علينا أن نتعرف على فرصتنا بالفوز بالحضارة من جديدة متمثلة بنجاح الثورة. أتمنى أن لا نفوت فرصتنا التاريخية هذه, إن الثورة السورية بنجاحها كما تحدَثتُ بالنسبة للعرب ستكون بمثابة الثورة الفرنسية بالنسبة للغرب.



#أمين_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة توفيقية بين التيار الإلحادي و الإسلام العربي
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- عن -تأملات في الثورة الفاضلة- كتابٌ قصير لشاب صغير


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمين نور - الثورة السورية و استحقاق ثوراها للحضارة بشجاعة أو الجبن و خسارة الفرصة التاريخية