أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - الياس شاهين - كارل ماركس- فريدريك إنجلز















المزيد.....



كارل ماركس- فريدريك إنجلز


الياس شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 2120 - 2007 / 12 / 5 - 12:06
المحور: الارشيف الماركسي
    


ولد كارل ماركس (Karl Marx) في مدينة ترير(Trier)، إحدى المدن الألمانية القريبة من الحدود الفرنسية، في عائلة متوسطة حيث عمل والده محاميا.
درس ماركس القانون والفلسفة والتاريخ في جامعات بون، برلين ويينا. ودار موضوع رسالة الدكتوراه حول فلسفة الطبيعة عند كل من ابيقورس وديموقريطس. بعد انتهاء دراسته في سنة 1841 عرض عليه التدريس في جامعة بون. لكنه اختار طريقاً أخرى لحياته حيث اشترك في تحرير إحدى الصحف الراديكالية لمدة قصيرة. لكن الرقابة البروسية(1) أغلقت الصحيفة ولاحقت السلطات محرريها. نتيجة لذلك هاجر ماركس إلى باريس سنة 1843.
أحدثت فلسفة هيجل (Hegel) ثورة فكرية في دول ألمانيا بعد موته (1832)، واعتبر ماركس في فترة حياته المبكرة من الهيجليين (أتباع هيجل). من ناحية ثانية، أولى ماركس اهتماماً خاصاً لدراسة النظريات الاقتصادية كنظرية آدم سميث (Adam Smith). وخلال قراءة ماركس لآثار هيجل الفلسفية كتب ملاحظات وتعليقات جمعت فيما بعد.
واصلت السلطات البروسية ملاحقة المعارضة الراديكالية في باريس بتعاون وبتنسيق مع فرنسا، وأدى ذلك إلى طرد الكثير من المهاجرين الألمان. وكان ماركس من بين المطرودين، فترك باريس وتوجه إلى بروكسل سنة 1845.
وخلال إقامته في بروكسل زار ماركس إنجلز. وكان لقيام "رابطة الشيوعيين" سنة 1847 على الصعيد العملي، وإصدار "البيان الشيوعي" سنة 1848 على الصعيد الفكري، أهمية خاصة في حياة ماركس.
كان اثر ثورة 1848 في بلدان أوروبا المختلفة على ماركس عميقاً. كذلك يمكن القول عن اثر موت كومونة باريس(2) (1871) فيما بعد. فكل دارس للنظرية الثورية عند ماركس لا يستطيع إهمال مؤلفات ماركس حول هذين الحدثين كـ "الثامن عشر من برومير" (1851) و"الحرب الأهلية في فرنسا" (1871).
كرس ماركس حياته للدراسات الاقتصادية إلى جانب نشاطه السياسي. فقد أتم "نقد الاقتصاد السياسي" في 1857. وفيما بعد بدأ ماركس بالعمل على وضع الأسس العريضة لكتابه المشهور "رأس المال". وكانت الفكرة الأساسية دراسة الموضوع في ثلاثة مجلدات. وصدر المجلد الأول 1867. غير ان نشاطه السياسي ضمن اتصالاته المستمرة مع مختلف الأحزاب والتنظيمات الاشتراكية في مختلف بلدان أوروبا منعه من مواصلة مشروعه الفكري. وفي 1878 بدأ بكتابة المجلد الثاني، لكنه لم يتم. أما المجلد الثالث فبقي فكرة لم تتم.
أما كتابات ماركس السياسية بعد 1849 فهي كثيرة ومتعددة. ولا يمكننا هنا ذكرها، فهي تحتاج لصفحات عديدة. ويمكن القول انها عبرت عن مواقف ماركس من المؤتمرات وبرامج الأحزاب الاشتراكية في بلدان أوروبا. والقسم الآخر مراسلات شخصية، لا سيما مع صديق حياته إنجلز.
 
فريدريك إنجلز (1820-1895)
فريدريك إنجلز (Frederick Engels) مفكر وكاتب ألماني المولد. كان من الهيجليين الجدد (الجناح اليساري)، هاجر إلى بريطانيا، وتعرف هناك إلى أوضاع الطبقة العاملة التي أصبحت تشكل له موضوع اهتمام كبير، خاصة وانه كان منذ وجوده في ألمانيا يهتم بقضايا تبديل العلاقات الاجتماعية السائدة، واصبح من الاشتراكيين.
في عام 1844 التقى بماركس في باريس، وقامت بينهما علاقة متينة قائمة على الصداقة الشخصية، وعلى الاشتراك في الأفكار والتوجهات السياسية. وقاما بتأليف عدد من المؤلفات بشكل مشترك، كان اشهرها وأوسعها انتشارا "البيان الشيوعي" الذي صاغ إنجلز مسودته. كما كان بينها "الأيديولوجية الألمانية" و"العائلة المقدسة". وقد ألّف إنجلز بشكل منفرد كتبا منها: "لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية"، و"ضد دوهرنج"، و"أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة".
وعمل إنجلز مع ماركس من أجل تفعيل الرابطة الشيوعية، وتحويلها إلى حزب ثوري للبروليتاريا.
 
كارل ماركس: رأس المال (نقد الاقتصاد السياسي)
الكتاب الأول: عملية إنتاج الرأسمالالقسم السابع: عملية تراكم رأس المالالفصل الرابع والعشرون: ما يسمى بالتراكم الأولي6- منشأ الرأسمالي الصناعيان منشأ الرأسمالي الصناعي(3) لم يمض في مسار تدريجي كالذي تميز به منشأ المزارع. ولا ريب في ان بعض صغار معلمي الطوائف الحرفية، إضافة إلى عدد اكبر من صغار الحرفيين المستقلين، بل حتى العمال المأجورين، قد تحولوا إلى رأسماليين صغار، ثم تحولوا، بتوسيع نطاق استغلال العمل المأجور تدريجياً، وتوسيع تراكم رأس المال بالمقابل، إلى رأسماليين san phrase (بدون تحفظات). في عهد طفولة الإنتاج الرأسمالي، كانت الأمور تجري في الغالب كما في عهد طفولة مدن القرون الوسطى، حيث كانت مسألة أي من الأقنان الهاربين ينبغي ان يكون رب عمل وأيهم يكون خادماً، تُبَت، عادةً، حسب تاريخ فرار القِن من سيده، أيهم اقدم وأيهم احدث عهداً بالفرار. بيد ان هذه الطريقة البطيئة بطء السلحفاة لم تكن تتناسب، بأية صورة، مع المتطلبات التجارية للسوق العالمية الجديدة التي خلقتها الاكتشافات العظمى في نهاية القرن الخامس عشر. ان العصور الوسطى خلفت شكلين متميزين من رأس المال، نضجا في اكثر التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية تبايناً، وكان يعتبران، قبل حلول حقبة الأسلوب الرأسمالي للإنتاج، بمثابة رأسمال على العموم، وهما رأس المال الربوي، ورأس المال التجاري.
"في الوقت الحاضر، تذهب ثروة المجتمع كلها إلى يد الرأسمالي أولا... فيدفع إلى مالك الأرض ريعه، وإلى العامل أجره، وإلى جباة الضرائب والعشور ما يطلبون، ويحتفظ من الناتج السنوي الذي يخلقه العمل بقسم كبير، بل بالقسم الأكبر الذي يتنامى باستمرار. ويمكن القول الآن ان الرأسمالي هو أول من يملك كل الثروة الاجتماعية، رغم انه لا يوجد قانون يضمن له الحق في هذه الملكية... وهذا التحول في ميدان الملكية قد تحقق بفعل اخذ الفائدة المئوية عن رأس المال... وليس من الغريب في شيء ان جميع المشرعين في أوروبا سعوا لمنع ذلك بالقوانين المضادة للربا... ان سلطة الرأسماليين على مجمل ثروة البلاد تؤلف ثورة كاملة في حق الملكية، فبأي قانون، أو بأي سلسلة قوانين تحققت هذه الثورة؟"(4)
كان حرياً بالمؤلف ان يعرف ان الثورات لا تصنعها القوانين أبداً.
لقد كان النظام الإقطاعي في الريف، ونظام الطوائف الحرفية في المدن، يمنعان رأس المال النقدي، الذي نشأ عن طريق الربا والتجارة، من التحول إلى رأسمال صناعي(5). وتلاشت هذه الأغلال بانحلال زمر الخدم الأتباع للإقطاعي، وبانتزاع ملكية سكان الريف وطرد قسم منهم. لقد انبثقت المانيفاكتورات الجديدة في مرافئ التصدير البحرية أو في نقاط على البر الداخلي، بعيداً عن سيطرة المدن القديمة وأنظمة طوائفها الحرفية. من هنا منشأ الصراع الضاري الذي خاضته corporate towns (مدن الطوائف الحرفية) في إنكلترا ضد هذه المنابت الجديدة الصناعة.
ان اكتشاف مناجم الذهب والفضة في أمريكا، واقتلاع سكانها الأصليين من مواطنهم واستعبادهم ودفنهم أحياء في المناجم، وبدايات غزو ونهب الهند الشرقية(6)، وتحويل إفريقيا إلى ساحة محمية لصيد ذوي البشرة السوداء، ان ذلك كله يميز فجر عهد الإنتاج الرأسمالي. ان هذه العمليات الرغيدة هي العناصر الرئيسية للتراكم الأولي. ثم جاءت في أعقابها، الحرب التجارية التي خاضتها الأمم الأوروبية جاعلة الكرة الأرضية ساحتها. فقد اندلعت بانفصال هولندا عن أسبانيا، واتخذت أبعاداً هائلة في حرب إنكلترا ضد اليعاقبة(7)، وما تزال مستعرة في حروب "الأفيون" ضد الصين، وهلم جراً.
وتتوزع مختلف عناصر التراكم الأولي، في تسلسل زمني متعاقب إلى هذا الحد أو ذاك، بين مختلف البلدان، وبخاصة أسبانيا والبرتغال وهولندا وفرنسا وإنكلترا. وقد اندمجت في إنكلترا، نحو أواخر القرن السابع عشر، في مجموع منتظم يشمل معاً نظام المستعمرات، ونظام الاقتراض الحكومي، ونظام الضرائب الحديث، ونظام الحماية الجمركية. واعتمدت هذه الطرائق، في جانب منها، على العنف الوحشي، كالنظام الاستعماري مثلاً. ولكنها جميعاً تستخدم سلطة الدولة، أي العنف المنظم والمركز في المجتمع، بغية إنماء عملية تحويل الأسلوب الإقطاعي للإنتاج إلى أسلوب رأسمالي، وتقليص مراحله الانتقالية. ان العنف هو قابلة كل مجتمع قديم يحمل في أحشائه مجتمعاً جديداً. ان العنف هو، ذاته، قوة اقتصادية.
وبصدد النظام الاستعماري المسيحي، يقول و. هاوويت، وهو الذي اتخذ من المسيحية اختصاصاً له:
"ان الأعمال الوحشية والفظائع البشعة التي ارتكبتها ما يسمى بالعروق المسيحية، في مختلف أرجاء المعمورة، وضد جميع الشعوب التي استطاعت ان تخضعها لسلطانها، لا مثيل لها عند أي عرق آخر، مهما بلغ به العنف والجهل، ومهما بلغ من القسوة والوقاحة، في أي عصر من عصور التاريخ."(8)
ان تاريخ الاقتصاد الاستعماري الهولندي، وهولندا هي نموذج البلد الرأسمالي في القرن السابع عشر، "يعرض للأنظار صورة لا مثيل لها من الخيانة والرشاوى والمذابح والسفالة"(9). ولا أدل على ذلك من أسلوبهم في سرقة البشر في جزيرة سيليب للحصول على عبيد لأجل جزيرة جاوا. وكان يجري تدريب لصوص البشر خصيصا لهذا الغرض. وكان هذا اللص، والمترجم والبائع، هم المشاركين الرئيسيين في هذه التجارة، وكان الأمراء المحليون هم الباعة الرئيسيين. وكان الفتيان المسروقون يرزحون في زنزانات سرية في سيليب، حتى يبلغون السن المناسبة لشحنهم في سفن نقل العبيد. وقد ورد في أحد التقارير الرسمية:
"ان مدينة ماكاسار وحدها، على سبيل المثال، ملأى بسجون سرية، وأحدها أفظع من الآخر، تغص بالمنكوبين، ضحايا الجشع والاستبداد، وهم مثقلون بالقيود، بعد ان انتزعوا من أهلهم عنوة".
ومن اجل الاستيلاء على ملقة، عمد الهولنديون إلى رشوة حاكمها البرتغالي. وقد فتح لهم هذا أبواب المدينة عام 1641. فهرعوا إلى منزله في الحال وقتلوه غيلة، لكي "يتقشفوا" في دفع ثمن الخيانة البالغ 21.875 جنيهاً. وما ان تطأ أقدامهم أرضاً، حتى يحل بها الخراب ويقل سكانها. لقد كان (عدد) سكان بانيوفانغي، إحدى مقاطعات جاوا، يناهز 80 ألف نسمة عام 1750، اما عام 1811 فلم يبق منهم سوى 8 آلاف. ما الطف هذه التجارة!
لقد حصلت شركة الهند الشرقية الإنكليزية، كما هو معروف، إلى جانب السلطة السياسية لحكم الهند الشرقية، على الاحتكار المطلق لتجارة الشاي، إضافة إلى احتكار التجارة مع الصين عموماً، واحتكار نقل البضائع من أوروبا واليها. ولكن الملاحة قرب سواحل الهند وبين الجزر، وكذلك التجارة داخل الهند، كانتا احتكاراً مقصوراً على كبار موظفي الشركة. وكان احتكار الملح والأفيون والتامول وغير ذلك من السلع مصدر ثراء لا ينضب. وكان الموظفون ذاتهم يقررون الأسعار، وينهبون الهنود التعساء على هواهم. وكان الحاكم العام يشارك في هذه التجارة الخاصة. وكان المقربون إليه يحظون بالعقود وفق شروط تتيح لهم، خيراً من السيمائيين، ان يصنعوا الذهب من العدم. وكانت ثروات طائلة تنبت كالفطر في نهار واحد، بينما يمضي التراكم الأولي قدماً دون تسليف شلن واحد. وتزخر محاكمة "وارن هاستغس" بحالات من هذا النوع. إليكم مثالاً واحداً منها: كان عقد الأفيون قد رسا على شخص يدعى ساليفان لحظة سفره في مهمة رسمية إلى منطقة نائية في الهند تبعد كثيراً عن مناطق زراعة الأفيون. فباع ساليفان عقده إلى آخر يدعى "بين" بمبلغ 40 ألف جنيه إسترليني، فباعه "بين" بدوره لقاء 60 ألف جنيه في اليوم ذاته. اما آخر من اشترى العقد ونفذه فقد أعلن انه حقق، بعد كل هذا، مكسباً ضخماً. واستناداً إلى إحدى الوثائق التي رفعت إلى البرلمان، أرغمت الشركة وموظفوها، بين أعوام 1757 - 1766، الهنود على تقديم هدايا تبلغ قيمتها 6 ملايين جنيه. وقد دبر الإنكليز، في عامي 1769 و 1770، مجاعة مفتعلة عن طريق شراء محصول الرز كله، رافضين بيعه ثانية الا بأسعار خيالية(10).
وكانت معاملة السكان الأصليين، بالطبع، افظع ما يكون في المستعمرات الزراعية المكرسة لتجارة التصدير فقط، مثل الهند الغربية، وكذلك في البلدان الغنية والمكتظة بالسكان، مثل المكسيك والهند الشرقية، التي وقعت في براثن النهب. غير ان الطابع المسيحي للتراكم الأولي تجلى حتى في المستعمرات بالمعنى الدقيق للكلمة. ان بيوريتانيي نيوانكلند، أطهار البروتستانتية الرزينة هؤلاء، قرروا في Assembly (جمعيتهم التشريعية) عام 1703، تقديم مكافأة مقدارها 40 جنيهاً عن سلخ فروة رأس كل هندي احمر، وعن كل أسير من الهنود الحمر، وفي عام 1720 ارتفعت مكافأة فروة الرأس المسلوخة إلى 100 جنيه؛ اما في عام 1744، وبعد ان اعتبرت إحدى القبائل في منطقة خليج ماساشوسيتس متمردة، وضعت الأسعار التالية: فروة رأس ذكر عمره 12 عاماً فما فوق تساوي 100 جنيه بالعملة الجديدة، أسير من الرجال 105 جنيهات، أسيرة من النساء أو طفل 55 جنيهاً، فروة رأس امرأة أو فروة رأس طفل 50 جنيهاً! وبعد عدة عقود من السنين اخذ النظام الاستعماري ثأره من أحفاد أولئك pilgrim fathers (الأجداد الحجاج) الورعين، الذين باتوا بدورهم متمردين. فبرشوة من الإنكليز وبتأليب منهم فتك بهم الهنود الحمر بالفؤوس. وأعلن البرلمان البريطاني ان الكلاب الدموية وسلخ فروة الرأس "وسائل وضعها الرب والطبيعة بين يديه".
لقد انضج النظام الاستعماري نمو التجارة والملاحة. وغدت "الشركات الاحتكارية"، على حد تعبير لوثر، رافعات جبارة لتركز رأس المال. وضمنت المستعمرات سوقاً للتصريف بالنسبة للمانيفاكتوارت الناشئة بسرعة، اما احتكار السوق هذا فقد ضمن مضاعفة التراكم. ان الكنوز المنتزعة من خارج أوروبا، بالسطو السافر، واستعباد السكان المحليين وقتلهم، تدفقت على البلد الأم وتحولت فيه إلى رأسمال. وقد بلغت هولندا التي كانت السباقة إلى تطوير النظام الاستعماري تطويراً كاملاً، ذروة عظمتها التجارية عام 1648.
"كانت هولندا تحتكر، لوحدها تقريباً، تجارة الهند الشرقية، والتبادل التجاري بين جنوب غربي أوروبا وشمالها الشرقي. وكانت مصائد أسماكها، وملاحتها، ومانيفاكتوراتها تفوق ما يملكه أي بلد آخر منها. ولربما كان إجمالي رأسمال هذه الجمهورية اكبر من رؤوس أموال بقية بلدان أوروبا مجتمعة".
وينسى غوليخ، كاتب هذه الأسطر، ان يضيف بأن الجماهير الشعبية في هولندا كانت، في عام 1648 تعاني من العمل المفرط، والفقر، والقمع الوحشي، اكثر مما كانت تعانيه الجماهير الشعبية في بقية بلدان أوروبا مجتمعة.
ان الهيمنة الصناعية في يومنا هذا تجر معها الهيمنة التجارية. اما في عهد المانيفاكتورة، بالمعنى الدقيق للكلمة، فقد كانت الهيمنة التجارية، بعكس ذلك، هي التي تمنح التفوق الصناعي. ومن هنا جاء ذلك الدور الحاسم الذي لعبه النظام الاستعماري آنذاك. فقد كان هو "الإله الغريب" الذي صعد المحراب ووقف إلى جانب آلهة أوروبا القدامى، ورماهم جميعاً ذات نهار جميل برفسة واحدة إلى قارعة الطريق. وأعلن النظام الاستعماري ان كسب المغانم هو الهدف النهائي والوحيد للبشرية.
ان نظام الائتمان العمومي، أي ديون الدولة الذي نجد براعمه في جنوا والبندقية منذ القرون الوسطى، قد استحوذ على أوروبا بأسرها، في المرحلة المانيفاكتورية. وكان النظام الاستعماري، بتجارته البحرية وحروبه التجارية، بمثابة دفيئة لنظام الائتمان ذاك. وهكذا ضرب جذوره في هولندا في بادئ الأمر. ان دين الدولة، أي نزع الملكية في صالح الدولة، سواء كانت استبدادية، ام دستورية، ام جمهورية، هو ما يَسِمُ الحقبة الرأسمالية بميسمه. والجزء الوحيد مما يسمى بالثروة الوطنية الذي يُعتبر فعلاً ملكاً جماعياً للشعوب المعاصرة هو ديون دولها(11). لذلك فان المذهب الحديث القائل بأن شعباً من الشعوب يزداد ثراء بقدر ما يكون دينه اكبر هو مذهب منطقي تماماً. ويغدو الائتمان العمومي العقيدة التي يعتنقها رأس المال. وبنشوء مديونية الدولة، يغدو الإخلال بالثقة في دين الدولة لا التجديف على الروح القدس، خطيئة لا تغتفر.
ان الدين العمومي يصبح واحداً من أقوى الروافع الجبارة للتراكم الأولى. فهو يمنح النقود العاقر، كما لو بلمسة عصا سحرية، القدرة على الإنجاب، ويحولها بذلك إلى رأسمال، قاضياً على أية حاجة لتعرضها إلى المتاعب والأخطار الملازمة لتوظيفها في الصناعة، أو حتى في أعمال الربا. ان دائني الدولة، لا يعطون شيئاً في الواقع، فالمبالغ التي يفرضونها تتحول إلى سندات دين حكومية، يسيرة التداول، تظل تعمل بين أيديهم مثلما تعمل النقود الفعلية تماماً. ولكن، عدا عن خلق طبقة من الريعيين (renters) المتكاسلين، وعدا عن الثروة المرتجلة التي يجنيها الماليون الذين يلعبون دور الوسيط بين الحكومة والأمة، وكذلك عدا عن متعهدي جباية الضرائب، والتجار، والصناعيين الخاصين، الذي يذهب إليهم جزء كبير من كل قرض حكومي كرأسمال يهبط من السماء، عدا عن ذلك كله فان دين الدولة أدى إلى نشوء الشركات المساهمة، والمتاجرة بالأوراق المالية من كل نوع، والمضاربة بها، وباختصار نشوء المقامرة في البورصة والطغمة المصرفية المعاصرة.
ان البنوك الكبرى، التي توشحت بألقاب وطنية، لم تكن منذ ولادتها سوى شركات من المضاربين الخاصين الذين قدموا المساعدة للحكومات؛ وكان بمقدورهم ان يسلفوها نقوداً بفضل الامتيازات التي حظوا بها. لذا لم يكن ثمة معيار لقياس تراكم ديون الدولة أدق من الارتفاع المتعاقب لأسهم هذه البنوك، التي يرجع تاريخ ازدهارها إلى تأسيس بنك إنكلترا (عام 1694). لقد ابتدأ بنك إنكلترا عمله بإقراض الحكومة بفائدة مقدارها 8، وكان مخولاً من البرلمان، في الوقت نفسه، بسك العملة من هذا الرأسمال عينه الذي كان يقرضه ثانية إلى الجمهور بصيغة البنكنوت. وأجيز البنك ان يستخدم هذه البنكنوت لخصم الكمبيالات وتقديم السلف على البضائع، وشراء المعادن الثمينة. ولم يمض وقت طويل حتى غدت هذه النقود الائتمانية، التي أصدرها البنك بنفسه، العملة التي يقدم بها بنك إنكلترا القروض إلى الدولة، ويدفع بها، بالنيابة عن الدولة، الفائدة المئوية عن ديون الدولة. ولم يكن البنك يعطي بهذه اليد ليأخذ اكثر بكثير باليد الأخرى فحسب، بل ظل، حتى وهو يقبض، الدائن الأبدي للامة حتى استيفاء آخر شلن مسلف. وبالتدريج اصبح، بالضرورة، خازن الكنوز المعدنية في البلاد، ومركز الجاذبية لكل عمليات الائتمان التجاري. وعندما توقف سكان إنكلترا عن إحراق الساحرات، بدأوا يشنقون مزوري البنكنوت. اما أي انطباع ولده لدى أهل ذلك العهد الظهور المباغت لهذا النسل من طغمة المصرفيين، والماليين، والريعيين، والسماسرة، ومضاربي الأسهم وذئاب البورصة... الخ، فذلك ما تبينه مؤلفات ذلك العهد، مثل كتابات بولينغبروك(12).
ومع ديون الدولة، ظهر نظام الائتمان العالمي، الذي غالباً ما يعتبر مصدراً من مصادر التراكم الأولى الخفية عند هذا الشعب أو ذاك. هكذا نجد ان دناءات نظام النهب لمدينة البندقية شكلت ركيزة خفية من هذا النوع لنمو ثروة الرأسمال في هولندا، التي اقترضت من البندقية، الآخذة في الانهيار، مبالغ كبيرة من النقد. وكذلك كان أمر العلاقة بين هولندا وإنكلترا. ففي مطلع القرن الثامن عشر، تخلفت المانيفاكتوارات الهولندية عن مانيفاكتوارت إنكلترا كثيراً، وكفت هولندا عن ان تتبوأ مركز الأمة السائدة في التجارة والصناعة. وهكذا اصبح إقراض رساميل ضخمة، وبخاصة لمنافستها الجبارة إنكلترا، أحد اتجاهات الأعمال الرئيسية بالنسبة لها بين أعوام 1701 و 1776. وقد نشأت مثل هذه العلاقات اليوم بين إنكلترا والولايات المتحدة فان كثيرا من الرساميل العاملة اليوم في الولايات المتحدة، دون ان تحمل شهادة ميلاد، ليست الا دماء الأطفال التي تحولت، بالأمس فقط، إلى رأسمال في إنكلترا.
وبما ان ديون الدولة ترتكز على دخولها، التي ينبغي ان تغطي مدفوعات الفوائد المئوية السنوية وسواها من المدفوعات، فقد اصبح نظام الضرائب الحديث التكملة الضرورية لنظام قروض الدولة، ان القروض تتيح للحكومة ان تغطي النفقات الاستثنائية دون ان تجعل دافع الضرائب يشعر بكل عبثها فوراً، ولكنها تقضي في آخر المطاف بزيادة الضرائب. ومن جهة أخرى فان زيادة الضرائب بسبب تنامي الديون المستمر، ترغم الحكومة، دوماً، على اللجوء المتكرر إلى أخذ قروض أخرى فأخرى لتغطية النفقات الاستثنائية الجديدة. وبالتالي فان نظام المالية المعاصر، الذي يرتكز محوره على الضرائب المفروضة على اكثر وسائل المعيشة ضرورة ( مما يرفع أسعارها) يضم في أحشائه جنين تنامي الضرائب التلقائي. ان فرض الضرائب الفاحشة، ليس استثناء عابراً، بل هو بالأحرى القاعدة المبدئية. ففي هولندا، حيث ترسخ هذا النظام أولاً، قام الوطني الكبير "دي ويت" بتمجيده في مؤلفه "المبادئ" بوصفه افضل طريقة تجعل العامل المأجور مذعناً، مقتصداً، مثابراً، صبوراً على العمل المفرط. الا ان الأثر المدمر الذي يخلفه نظام المالية المعاصر على وضع العمال المأجورين لا يهمنا، هنا، قدر اهتمامنا بالنزع القسري، الناجم عنه، لملكية الفلاحين، والحرفيين، وباختصار جميع عناصر البرجوازية الصغيرة. وليس ثمة اثنان يختلفان بهذا الخصوص حتى بين الاقتصاديين البرجوازيين. ان فِعلَ نظام المالية في نزع الملكية يشتد اكثر بفضل نظام الحماية الجمركية، الذي يؤلف بدوره أحد أقسامه المكونة.
ان الدور الكبير الذي يلعبه الدين العمومي ونظام المالية المطابق له، في تحويل الثروة إلى رأسمال، ونزع ملكية الجماهير، قاد كثيراً من الكتاب، مثل كوبيت ودبلداي وآخرين، إلى ان يروا فيهما، بصورة خاطئة، السبب الأول لبؤس الشعوب المعاصرة.
لقد كان نظام الحماية الجمركية وسيلة مصطنعة لخلق الصناعيين، وانتزاع ملكية الشغيلة المستقلين، وتحويل وسائل الإنتاج والمعيشة الوطنية إلى رأسمال، واختزال فترة الانتقال من الأسلوب القديم للإنتاج إلى الأسلوب الحديث بصورة قسرية. لقد مزقت الدول الأوروبية بعضها البعض إرباً بسبب براءة هذا الاختراع، وما ان دخلت في خدمة فرسان الكسب، حتى لم تعد تكتفي، تحقيقاً لهذه الغاية، بسرقة شعوبها هي، بصورة غير مباشرة عن طريق رسوم الحماية الجمركية، وبصورة مباشرة عن طريق مكافآت التصدير.. الخ بل افتعلت بالقوة، جميع الصناعات في البلدان المجاورة التابعة لها، كما فعلت إنكلترا، مثلاً، بصناعة الصوف الايرلندية. ولقد جرت هذه العملية في القارة الأوروبية ببساطة اكبر، إقتداء بمثال كولبير. فقد تدفق جزء كبير من رأس المال الأولى هنا، إلى الصناعيين من خزينة الدولة مباشرة.
فهتف ميرابو قائلا: لماذا تذهبون بعيداً بحثاً عن سبب ازدهار مانيفاكتورات ساكسونيا قبل حرب السبع سنوات؟ يكفيكم ان تنظروا إلى المائة وثمانين مليوناً من دين الدولة"(13).
النظام الاستعماري، الديون العمومية، نير الضرائب، الحماية الجمركية، الحروب التجارية، وما شاكل ذلك. هذه هي النبتات التي أنتجتها مرحلة المانيفاكتورة الحقيقية، والتي نمت نمواً عملاقاً خلال عهد طفولة الصناعة الكبيرة. ويقترن ميلاد هذه الأخيرة بخطف الأطفال الواسع النطاق على طريقة هيرودس. وعلى غرار الأسطول الملكي، تجند المصانع عمالها بالإكراه. ومهما كانت لا مبالاة السير ف. م. ايدن إزاء أهوال انتزاع أراضى السكان الزراعيين ابتداء من الثلث الأخير للقرن الخامس عشر حتى أيامه في أواخر القرن الثامن عشر، ومهما كان رضاه وابتهاجه بهذه العملية "الضرورية" لإقامة الزراعة الرأسمالية وإقامة "التناسب الصحيح بين الأراضي المحروثة والمراعي"_ إلا ان حتى السير ايدن لا يسمو إلى مثل هذا الفهم للضرورة الاقتصادية القائلة بسرقة الأطفال واستعبادهم بغية تحويل الإنتاج المانيفاكتوري إلى إنتاج فابريكي، وإقامة التناسب الصحيح بين رأس المال وقوة العمل. يقول ايدن:
"لعل ما يستحق استرعاء انتباه الجمهور هو مسألة هل ان الصناعة التي تعمد، لكي تعمل بنجاح، إلى خطف الأطفال المساكين من الأكواخ ومأوى العمل، إلى تشغيلهم على دفعات متناوبة خلال القسم الأعظم من الليل فتسلبهم الراحة التي يحتاجونها اكثر من غيرهم، رغم انها لازمة للجميع، و إلى خلط أعداد كبيرة من الجنسين، ومن أعمار وميول مختلفة، في كومة واحدة مما يؤدي، بالضرورة، إلى استشراء التهتك والفسوق إقتداء بالنماذج السيئة، هل ان مثل هذه الصناعة تستطيع ان تزيد مبلغ السعادة الوطنية والفردية؟"(14)ويقول فيلدن "في ديربيشاير وتوتنغهامشاير، وبخاصة في لانكشاير، استخدمت الماكينات المخترعة حديثاً في فبارك كبيرة شيدت على ضفاف الجداول القادرة على تدوير العجلة المائية. واقتضت الحاجة، بغتة، آلافاً من الأيدي العاملة في هذه العاملة في هذه الأماكن القصية عن المدن، كانت لانكشاير، بوجه خاص، الضئيلة السكان والمجدبة نسبياً آنذاك، في حاجة ماسة إلى السكان اكثر من أي شيء آخر. ولما كانت الحاجة إلى أنامل الأطفال الصغيرة، البارعة، هي الأشد، فسرعان ما أصبحت عادة اخذ متمرنين (!) من مختلف مأوي العمل في ابرشيات لندن وبرمنغهام، وغيرهما. وسيقت إلى الشمال آلاف وآلاف من هذه المخلوقات اليافعة، سيئة الطالع، التي تتراوح أعمارها بين 7 إلى 13 أو 14 عاماً. وجرت العادة ان يتكفل "رب العمل" (أي سارق الأطفال) باكساء المتمرنين وإطعامهم وإيوائهم في "بيت المتمرنين"، قرب الفابريكة؛ وجرى تعيين مراقبين للإشراف على العمل، وكانت مصلحة هؤلاء تكمن في ان يرغموا الأطفال على العمل إلى أقصى حد، لان أجرهم كان يتوقف على كمية العمل التي يعتصرونها من الأطفال. كانت قسوة المعاملة عاقبة طبيعية. وفي الكثير من الدوائر الصناعية، وبوجه خاص، في لانكشاير، ثمة قساوات تقطع انياط القلب، تمارس إزاء هذه المخلوقات الوديعة، التي لا نصير لها، بعد ان وضعت في عهدة رب العمل الصناعي. لقد كانت تنهك بالعمل المفرط إلى شفا الموت... وكانت تجلد، وتقيد بالأغلال، وتسام اشد ألوان العذاب تفنناً... وكانت تساق إلى العمل بالسياط بينما هي تتضور جوعاً... وفي بعض الأحيان كانت تدفع حتى إلى الانتحار!.. ان الوديان الرومانتيكية الجميلة في ديربيشاير ونوتنغهامشاير ولانكشاير، المحجوبة عن أية مراقبة من جانب المجتمع، قد تحولت إلى قفر موحش تمارس فيه جرائم التعذيب، وكثير من جرائم القتل!.. كان الصناعيون يجنون أرباحاً لا حدود لها، فبدءوا يمارسون العمل الليلي، أي انهم يدفعون وجبة من العمال للعمل طول الليل محل وجبة العمال التي أنهكت من العمل طوال النهار. وكانت الوجبة النهارية تأوي إلى الأسرة التي تركتها الوجبة الليلية تواً، و vice versa (والعكس بالعكس). وثمة تقليد شائع في لانكشاير يقضي بألا تدع الأسرة تبرد".(15)
وبتطور الإنتاج الرأسمالي خلال المرحلة المانيفاكتورية، فقد الرأي العام في أوروبا آخر نقطة من الحياة والضمير. وصارت الأمم تتفاخر، في وقاحة، بكل عمل شائن يخدمها كوسيلة للتراكم الرأسمالي. لنقرأ مثلاً، تاريخ التجارة الساذج، للرجل المستقيم أ. اندرسون. انه يصدح بالمديح لما يسميه انتصار البراعة السياسية الإنكليزية، لان إنكلترا، عند عقد صلح "أوترخت"، انتزعت من أسبانيا، بموجب معاهدة اسينتو، امتياز المتاجرة بالزنوج بين إفريقيا وأمريكا الأسبانية، بعد ان كانت هذه المتاجرة محصورة حتى ذلك الحين بين إفريقيا والهند الغربية الإنكليزية. ونالت إنكلترا بذلك الحق في تزويد أمريكا الأسبانية بــ 4800 زنجي سنوياً حتى عام 1743. وقد أضفى ذلك ستاراً رسمياً، في الوقت نفسه، لإخفاء تجارة التهريب البريطانية. وسمنت ليفربول من تجارة العبيد. وكانت تلك وسيلتها لتحقيق التراكم الأولى. وما يزال "أعيان" ليفربول، حتى يومنا هذا، بمثابة بنداروس يمدح تجارة العبيد التي (راجع مؤلف ايكن الصادر في 1795 الذي استشهدنا به من قبل) "تحول روح المبادرة التجارية إلى ولع وتنشئ البحارة الجسورين وتحمل أرباحاً عظيمة". وقد استخدمت ليفربول في تجارة العبيد 15 سفينة عام 1730 و53 عام 1751، و74 عام 1760، و96 عام 1770، و132 عام 1792.
وبينما أدخلت صناعة القطن عبودية الأطفال في إنكلترا، فإنها أعطت الولايات المتحدة دافعاً يحفز تحويل الاقتصاد العبودي الذي كان يتسم من قبل بطابع أبوي، بهذا القدر أو ذاك، إلى نظام استغلالي تجاري. وعموماً، ان العبودية المموهة للعمال المأجورين في أوروبا كانت بحاجة إلى العبودية sans phrase (بدون تحفظات) في العالم الجديد، كقاعدة ارتكاز(16).
لقد Tantae molis erat (اقتضى الأمر مثل هذا المجهود) كي تولد "القوانين الطبيعية الأزلية" للأسلوب الرأسمالي للإنتاج، وتتحقق عملية فصل العمال عن شروط عملهم، وتتحول وسائل الإنتاج والمعيشة الاجتماعية إلى رأسمال في هذا القطب، وتتحول جماهير السكان في القطب المعاكس من عمال مأجورين، إلى "فقراء عاملين" أحرار؛ هذا النتاج العجيب الذي اصطنعه التاريخ الحديث (17). وإذا كانت النقود، حسب قول اوجيه (18)، "تجيء إلى الدنيا وعلى خدها لطخة دم بالولادة"، فان رأس المال يولد وهو ينزف دماً وقذارة، من جميع مسامه، من رأسه وحتى أخمص قدميه (19).
 
7- الميل التاريخي للتراكم الرأسماليإذن، ما هو فحوى التراكم الأولى لرأس المال، أي منشؤه التاريخي؟ فبما ان هذا التراكم ليس تحولاً مباشراً للعبيد الأرقاء والأقنان إلى عمال مأجورين، وليس بالتالي مجرد تبدل في الشكل، فانه لا يعني سوى انتزاع ملكية المنتخبين المباشرين، أي انحلال الملكية الخاصة القائمة على العمل الشخصي لمالكها.
ان الملكية الخاصة، بوصفها نقيض الملكية الاجتماعية الجماعية، لا توجد الا حيث تكون وسائل العمل والشروط الخارجية للعمل ملكاً لأفراد خاصين. بيد ان طابع الملكية الخاصة هذا يختلف تبعاً لكون هؤلاء الأفراد شغيلة أم غير شغيلة. ان التلاوين التي لا تحصى والتي نراها في الملكية الخاصة لأول وهلة، لا تعكس غير الأوضاع الوسيطة الواقعة بين هذين القطبين المتضادين.
ان ملكية الشغيل الخاصة لوسائل إنتاجه هي قاعدة الإنتاج الصغير، والإنتاج الصغير بدوره، هو الشرط الضروري لتطور الإنتاج الاجتماعي والشخصية الفردية الحرة للشغيل نفسه. وبالطبع فان أسلوب الإنتاج هذا كان قائماً في ظل العبودية والقنانة وغيرهما من أشكال التبعية الشخصية. ولكنه لا يزدهر، ولا يطلق العنان لكامل طاقاته، ولا يبلغ شكله الكلاسيكي الوافي، الا حيثما يكون الشغيل هو المالك الخاص الحر لشروط عمله الخاصة التي يستخدمها بنفسه، حيث يكون الفلاح مالكاً للأرض التي يزرعها، والحرفي للأدوات التي يستخدمها استخدام القنان الحاذق لأداته.
ويفترض أسلوب الإنتاج هذا، سلفاً، تجزؤ الأرض ووسائل الإنتاج الأخرى. انه يستبعد تركز وسائل الإنتاج هذه، كما يستبعد التعاون وتقسيم العمل في نطاق عملية الإنتاج الواحدة، وسيطرة المجتمع على الطبيعة وتنظيمها اجتماعياً، والتطور الحر للقوى المنتجة الاجتماعية. انه لا يتلاءم الا مع الحدود البدائية الضيقة للإنتاج والمجتمع. والسعي لتخليده يعني كما يقول بيكور بصواب السعي إلى "تعميم المستوى المتوسط بمرسوم". ولكنه يولد، عند مرحلة معينة من تطوره، الوسائل المادية لفنائه هو. ومنذ تلك اللحظة، تبدأ تضطرم في أحشاء المجتمع قوى جديدة ومشاعر جديدة تحس أنها مقيدة بأسلوب الإنتاج هذا. ويقتضي الأمر تدميره، فيدمر. ان تدميره، تحويل وسائل الإنتاج الفردية والمبعثرة إلى وسائل إنتاج اجتماعية مركزة اجتماعياً، وبالتالي تحويل الملكية القزمة للكثرة إلى ملكية عملاقة للقلة، وانتزاع الأرض ووسائل المعيشة وأدوات العمل من الجماهير الشعبية الواسعة، ان هذا الانتزاع المرعب، المؤلم، لملكية الجماهير الشعبية يؤلف المقدمة في تاريخ رأس المال. وينطوي هذا التاريخ على طائفة من الطرائق القسرية، التي لم نعرض منها سوى الطرائق الصانعة لحقبات كاملة، مثل طرائق التراكم الأولى لرأس المال. ان انتزاع ملكية المنتجين المباشرين قد تم بأكثر الأشكال الوحشية قسوة، وبدافع أحط الأهواء وأكثرها مقتاً ودناءة وسُعاراً. ان الملكية الخاصة المكتسبة بعمل مالكها، أي المرتكزة، ان جاز القول، على اندماج الشغيل الفردي المستقل، بأدوات ووسائل عمله، تُزاح من قبل الملكية الخاصة الرأسمالية، التي تقوم على استغلال قوة عمل الغير، الحرة شكلياً(20).
وما ان تكون عملية التحول هذه قد فسخت المجتمع القديم، بدرجة كافية، من حيث السعة والعمق، وما ان يتحول الشغيلة إلى بروليتاريين، ووسائل عملهم إلى رأسمال، وما ان يقف الأسلوب الرأسمالي للإنتاج على قدميه هو، حتى نجد شكلاً جديداً لمواصلة إضفاء الطابع الاجتماعي على العمل ومواصلة تحويل الأرض ووسائل الإنتاج الأخرى إلى وسائل إنتاج مُستمرة اجتماعياً، أي وسائل إنتاج جماعية، وبالتالي لمواصلة انتزاع ملكية المالكين الخاصين. فذلك الذي ينبغي انتزاع ملكيته الآن لم يعد الشغيل الذي يعمل لأجل نفسه بنفسه، بل الرأسمالي الذي يستغل كثيرين من العمال.
ان انتزاع الملكية هذا يتحقق بفعل القوانين الملازمة للإنتاج الرأسمالي نفسه عن طريق تمركز رؤوس الأموال. فالرأسمالي الواحد يقضي على الكثير من أقرانه. وإلى جانب هذا التمركز، أي انتزاع حفنة من الرأسماليين لملكية الكثيرين منهم، يتطور التطبيق التكنيكي الواعي للعلم، والاستثمار المنهجي للأرض، وتحول وسائل العمل إلى وسائل عمل غير قابلة للاستخدام الا بصورة مشتركة، والتوفير في وسائل الإنتاج كافة باستعمالها كوسائل إنتاج لعمل اجتماعي مركب، وإشراك الشعوب كلها في شبكة السوق العالمية، ويتطور كذلك الطابع العالمي للنظام الرأسمالي. وإلى جانب التناقص المستمر لعدد أساطين رأس المال، الذين يغتصبون ويحتكرون كل مزايا عملية التحول هذه، يتسع نطاق البؤس، والاضطهاد، والاسترقاق، والانحطاط، والاستغلال؛ ولكن ينمو في الوقت نفسه عصيان الطبقة العاملة، الطبقة التي يتزايد عددها باستمرار والتي تتعلم وتتحد وتتنظم بفعل آلية عملية الإنتاج الرأسمالي ذاتها. ان احتكار رأس المال يغدو قيداً لأسلوب الإنتاج الذي نما معه وبه. وان تمركز وسائل الإنتاج وجعل العمل اجتماعياً يبلغان ذلك الحد بحيث يأخذان بالتنافر مع إطارهما الرأسمالي. فينفجر هذا الإطار. وتدق ساعة نهاية الملكية الرأسمالية الخاصة. ويجري انتزاع ملكية منتزعي الملكية.
ان الأسلوب الرأسمالي للتملك الناجم عن الأسلوب الرأسمالي للإنتاج، وبالتالي الملكية الرأسمالية الخاصة، هما أول نفي للملكية الخاصة الفردية القائمة على عمل الفرد بالذات. ولكن ا لانتاج الرأسمالي يولد، بحتمية قانون طبيعي عملية من عمليات الطبيعة، ما ينفيه هو نفسه. وهذا نفي النفي. انه لا يعيد الملكية الخاصة، بل الملكية الفردية على أساس إنجازات الحقبة الرأسمالية: أي على أساس التعاون والحيازة المشتركة للأرض ولوسائل الإنتاج التي أنتجها العمل نفسه.
ان تحول الملكية الخاصة المبعثرة، القائمة على عمل مالكيها إلى ملكية رأسمالية خاصة، هو بالطبع عملية أبطأ وأطول واصعب واشق، بما لا يقاس، من تحول الملكية الرأسمالية الخاصة، التي ترتكز واقعياً على عملية الإنتاج الاجتماعية، إلى ملكية اجتماعية. ففي الحالة الأولى كان الأمر يتعلق بقيام حفنة من الغاصبين بانتزاع ملكية الجماهير الشعبية، اما في الحالة الثانية فالمقصود قيام الجماهير الشعبية بانتزاع ملكية حفنة من الغاصبين(21).
ترجمة: فالح عبد الجبار وآخرون
 
كارل ماركس وفريدريك إنجلز: مختارات من "البيان الشيوعي"
1. البرجوازيون والبروليتاريون(22)إن تاريخ جميع المجتمعات(23) إلى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ النضال بين الطبقات.
فالحر والعبد، والنبيل والعامي، والسيد الإقطاعي والقن، والمعلم(24) والصانع، أي بالاختصار المضطهِدون والمضطهَدون، كانوا في تعارض دائم، وكانت بينهم حرب مستمرة تارة ظاهرة وتارة مستترة، حرب كانت تنتهي دائما إما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره واما بانهيار الطبقتين المتصارعتين معا.
وخلال العهود التاريخية السابقة نجد المجتمع في كل مكان تقريبا، مقسما إلى فئات أو مراتب متسلسلة، والأوضاع الاجتماعية على درجات متفاوتة. ففي روما القديمة نجد النبلاء، ثم الفرسان، ثم العامة، ثم الأرقاء؛ في القرون الوسطى نجد الإقطاعيين الأسياد، ثم الإقطاعيين الأتباع، ثم المعلمين، ثم الصناع، ثم الأقنان، ونجد داخل كل طبقة تقريبا من هذه الطبقات مراتب ودرجات خاصة.
أما المجتمع البرجوازي الحديث الذي ولد من أحشاء المجتمع الإقطاعي، فانه لم يقض على التناقضات بين الطبقات، بل أقام طبقات جديدة وظروفا جديدة للاضطهاد وأشكالا جديدة للنضال، بدلا من القديمة.
الا ان الذي يميز عصرنا الحاضر، عصر البرجوازية هو انه جعل التناقضات الطبقية اكثر بساطة: فان المجتمع آخذ في الانقسام اكثر فأكثر، إلى معسكرين فسيحين متعاديين، إلى طبقتين كبيرتين، متعارضتين، هما البرجوازية والبروليتاريا.
فمن أقنان القرون الوسطى نشأ السكان الأحرار في المدن الأولى؛ ومن هذه المرتبة من سكان المدن خرجت أولى عناصر البرجوازية.
ثم كان اكتشاف أمريكا والطريق البحري حول شواطئ إفريقيا الذي قدم للبرجوازية الصاعدة ميدانا جديدا للعمل. فان أسواق الهند والصين واستعمار أميركا والتبادل مع المستعمرات وتعدد وسائل التبادل وتدفق البضائع بوجه عام، كل هذه الأمور دفعت التجارة والملاحة والصناعة إلى الأمام بقوة لم تكن معروفة إلى ذلك الحين، فأمنت بذلك نموا سريعا للعنصر الثوري في المجتمع الإقطاعي الآخذ في الانحلال.
ولم يعد في استطاعة أسلوب الإنتاج الصناعي القديم، الإقطاعي أو الحرفي، ان يلبي الحاجات التي كانت تزداد مع افتتاح الأسواق الجديدة، فحلت المانيفاكتورة محله، وأخذت المرتبة أو الفئة الصناعية المتوسطة مكان المعلمين، واختفى تقسيم العمل بين طوائف الحرف المختلفة أمام تقسيم العمل في قلب الورشة نفسها.
الا ان الأسواق كانت تتسع وتتعاظم دون انقطاع، والطلب يزداد باستمرار، فأصبحت المانيفاكتورة نفسها غير وافية بالحاجة. وعندئذ احدث البخار والآلة انقلابا ثوريا في الإنتاج الصناعي، وحلت الصناعة الكبرى الحديثة محل المانيفاكتورة، وأخلت الفئة الصناعية المتوسطة الميدان لرجال الصناعة أصحاب الملايين، لقواد الجيوش الصناعية الحقيقية أي لبرجوازيي العصر الحاضر.
وخلقت الصناعة الكبرى السوق العالمية التي هيأها اكتشاف أمريكا. وأدت السوق العالمية إلى تطور التجارة والملاحة والمواصلات البرية بصورة هائلة. ثم عاد هذا التطور فأدى بدوره إلى توسيع الصناعة؛ وكلما كانت الصناعة والتجارة والملاحة والسكك الحديدية تتقدم وتنمو، كانت البرجوازية كذلك تنمو وتتعاظم، وتضاعف رساميلها وتدفع إلى الوراء جميع الطبقات التي خلفتها القرون الوسطى.
فالبرجوازية المعاصرة نفسها، كما نرى، هي نتيجة تطور طويل وسلسة من الثورات في أساليب الإنتاج والتبادل. وكانت كل مرحلة من مراحل التطور التي مرت بها البرجوازية يرافقها رقي سياسي مناسب تحرزه هذه الطبقة. فقد كانت البرجوازية في بادئ الأمر فئة أو مرتبة مضطهَدة تحت عسف الإقطاعيين واستبدادهم، ثم كانت رابطة مسلحة تدبر نفسها بنفسها في الكومونة(25)، هنا جمهورية مدينية مستقلة، وهناك فئة ثالثة ضمن المملكة تدفع الجزية للملك، ثم في عهد المانيفاكتورة كانت البرجوازية قوة توازن رجحان قوة النبلاء في الممالك ذات الحكم المقيد أو المطلق وحجر الزاوية للممالك الكبرى بوجه عام، وأخيرا منذ ان توطدت الصناعة الكبرى وتأسست السوق العالمية استولت البرجوازية على كل السلطة السياسية في الدولة التمثيلية الحديثة. فالحكومة الحديثة ليست سوى لجنة إدارية تدير الشؤون العامة للطبقة البرجوازية بأسرها.
لقد لعبت البرجوازية في التاريخ دورا ثوريا للغاية. فحيثما استولت البرجوازية على السلطة سحقت تحت أقدامها جميع العلاقات الإقطاعية والبطركية(26) والعاطفية، وحطمت دون رأفة الصلات المزخرفة التي كانت في عهد الإقطاعية تربط الإنسان "بسادته الطبيعيين" ولم تُبقِ على صلة بين الإنسان والإنسان إلا صلة المصلحة الجافة والدفع الجاف "نقدا وعدا". وأغرقت الحمية الدينية وحماسة الفرسان ورقة البرجوازية الصغيرة في مياه الحساب الجليدية المشبعة بالأنانية، وجعلت من الكرامة الشخصية مجرد قيمة تبادل لا أقل ولا أكثر، وقضت على الحريات الجمة، المكتسبة والممنوحة، وأحلت محلها حرية التجارة وحدها، هذه الحرية القاسية التي لا تشفق و لا ترحم. فهي، بالاختصار، استعاضت عن الاستثمار المقنع بالأوهام الدينية والسياسية باستثمار مكشوف شائن مباشر فظيع.
وانتزعت البرجوازية عن المهن والأعمال التي كانت تعتبر إلى ذلك العهد محترمة مقدسة، كل بهائها ورونقها وقداستها، وأدخلت الطبيب ورجل القانون والكاهن والشاعر والعالم في عداد الشغيلة المأجورين في خدمتها.
ومزقت البرجوازية الحجاب العاطفي الذي كان مسدلا على العلاقات العائلية وأحالتها إلى علاقات مالية بحتة.
وبينت البرجوازية كيف ان الكسل والخمول في القرون الوسطى كانا التتمة الطبيعية لذلك المظهر الفظ للقوة الجسمانية التي تعجب بها الرجعية أيّما إعجاب. والبرجوازية هي أول من أظهر ما يستطيع إبداعه النشاط الإنساني، فقد خلقت عجائب من الفن تختلف كل الاختلاف عن أهرامات مصر والأقنية الرومانية والكنائس الغوطية، وقادت حملات لا تشابه في شيء هجرات الشعوب والحروب الصليبية.
ان البرجوازية لا تعيش الا إذا أدخلت تغييرات ثورية مستمرة على أدوات الإنتاج، وبالتالي على علاقات الإنتاج، أي على العلاقات الاجتماعية بأسرها. وبعكس ذلك، كانت المحافظة على أسلوب الإنتاج القديم، الشرط الأول لحياة الطبقات الصناعية السالفة. فهذا الانقلاب المتتابع في الإنتاج، وهذا التزعزع الدائم في كل العلاقات الاجتماعية وهذا التحرك المستمر وانعدام الاطمئنان على الدوام، كل ذلك يميز عهد البرجوازية عن كل العهود السالفة؛ فإن كل العلاقات الاجتماعية التقليدية الجامدة، وما يحيط بها من مواكب المعتقدات والأفكار، التي كانت قديما محترمة مقدسة، تنحل وتندثر؛ اما التي تحل محلها فتشيخ ويتقادم عهدها قبل ان يصلب عودها. وكل ما كان تقليديا ثابتا يطير ويتبدد كالدخان، وكل ما كان مقدسا يعامل باحتقار وازدراء ويضطر الناس في النهاية إلى النظر إلى ظروف معيشتهم وعلاقاتهم المتبادلة بعيون يقظة لا تغشاها الأوهام.
وبدافع الحاجة الدائمة إلى أسواق جديدة تنطلق البرجوازية إلى جميع أنحاء الكرة الأرضية. فينبغي لها ان تدخل وتتغلغل في كل مكان، وتوطد دعائمها في كل مكان، وتقيم الصلات في كل مكان.
وباستمرار السوق العالمية تصبغ البرجوازية الإنتاج والاستهلاك في كل الأقطار بصبغة كوسموبوليتية. وتنزع من الصناعة أساسها الوطني، بين يأس الرجعيين وقنوطهم، فتنقرض الصناعات الوطنية التقليدية القديمة أو تواصل انقراضها يوما بعد يوم. وتحل محلها صناعات جديدة يصبح إدخالها وتعميمها مسألة حيوية لكل الأمم المتمدنة، صناعات لم تعد تستعمل المواد الأولية المحلية وحسب، بل أيضا المواد الأولية الآتية من أبعد مناطق العالم ولا تستهلك منتجاتها في داخل البلاد نفسها فحسب، بل أيضا في جميع أنحاء المعمورة. وبدلا عن الحاجات القديمة التي كانت تكفيها المنتجات الوطنية، تتولد حاجات جديدة تتطلب لكفايتها منتجات أقصى الأقطار ومختلف المناخات. ومكان الانعزال المحلي والوطني السابق والاكتفاء الذاتي، تقوم بين الأمم صلات شاملة وتصبح الأمم متعلقة بعضها ببعض في كل الميادين، وما يقال عن الإنتاج المادي ينطبق أيضا على الإنتاج الفكري. فثمار النشاط الفكري عند كل أمة تصبح ملكا مشتركا لجميع الأمم. ويصبح من المستحيل اكثر فأكثر على أية أمة ان تظل محصورة في افقها الضيق ومكتفية به. ويتألف من مجموع الآداب القومية والمحلية أدب عالمي واحد.
وتجر البرجوازية إلى تيار المدنية كل الأمم، حتى اشدها همجية، تبعا لسرعة تحسين جميع أدوات الإنتاج وتسهيل وسائل المواصلات إلى ما لا حد له. فان رخص منتجاتها هو في يدهها بمثابة مدفعية ثقيلة تقتحم وتخرق كل ما هنالك من أسوار صينية، وتنحني أمامها رؤوس اشد البرابرة عداءً وكرها للأجانب. وتجبر البرجوازية كل الأمم، تحت طائلة الموت، على ان تقبل الأسلوب البرجوازي في الإنتاج وان تدخل إلى ديارها المدنية المزعومة، أي ان تصبح برجوازية. فهي، بالاختصار، تخلق عالما على صورتها ومثالها.
وقد أخضعت البرجوازية الريف للمدينة، وأنشأت المدن الكبرى وزادت سكان المدن زيادة هائلة بالنسبة لسكان الأرياف، وانتزعت بذلك قسما كبيرا من السكان من بلادة الحياة القروية. وكما انها أخضعت الريف للمدينة، كذلك أخضعت البلدان الهمجية ونصف الهمجية للبلدان المتمدنة، الأمم الفلاحية، للأمم البرجوازية، الشرق للغرب.
وتقضي البرجوازية اكثر فأكثر على تبعثر وسائل الإنتاج والملكية والسكان. وقد كدست السكان ومركزت وسائل الإنتاج وحصرت الملكية في أيدي أفراد قلائل. وكانت النتيجة المحتومة لهذه التغييرات نشوء التمركز السياسي. فالمقاطعات المستقلة التي كانت العلاقات بينها تكاد تكون علاقات اتحادية، والتي كانت لها مصالح وقوانين وحكومات وتعرفات جمركية مختلفة، إنما جمعت كلها ودمجت في أمة واحدة مع حكومة واحدة، وقوانين واحدة، ومصلحة طبقية قومية واحدة، وراء حاجز جمركي واحد.
وخلقت البرجوازية، منذ تسلطها الذي لم يكد يمضي عليه قرن واحد، قوى منتجة تفوق في عددها وعظمتها كل ما صنعته الأجيال السالفة مجتمعة. فان إخضاع قوى الطبيعة، واستخدام الآلات وتطبيق الكيمياء في الصناعة والزراعة، ثم الملاحة البخارية والسكك الحديدية والتلغراف الكهربائي، وهذه القارات الكاملة التي كانت بورا فأخصبت، وهذه الأنهار والترع التي أصلحت وراحت البواخر تمخر عبابها، وهذه الكتل البشرية التي كأنما قذفتها من بطن الأرض قوة سحرية. أي عصر سالف وأي جيل مضى كان يحلم بان مثل هذه القوى المنتجة العظيمة كامنة في قلب العمل الاجتماعي!
وهكذا تبين لنا ان وسائل الإنتاج والتبادل، التي قامت البرجوازية على أساسها، قد نشأت داخل المجتمع الإقطاعي ثم، لما بلغت هذه الوسائل حداً معيناً من التقدم والرقي، لم تعد الظروف التي كان المجتمع الاقطاعي ينتج ويبادل ضمنها، لم يعد التنظيم الإقطاعي للزراعة والصناعة، أي بكلمة واحدة، لم تعد العلاقات الإقطاعية للملكية تتفق مع القوى المنتجة في ملء تقدمها، بل أصبحت تعرقل الإنتاج عوضا عن تطويره، ثم تحولت إلى قيود تكبله، وأصبح من الواجب تحطيم هذه القيود، فحطمت.
وحلت محلها المزاحمة الحرة، يرافقها نظام اجتماعي وسياسي يناسبها، وقامت معها السيطرة الاقتصادية والسياسية للطبقة البرجوازية. وتجري الآن أمام عيوننا حركة مماثلة لهذه. فان علاقات الإنتاج والتبادل البرجوازية وعلاقات الملكية البرجوازية، أي كل هذا المجتمع البرجوازي الحديث الذي خلق وسائل الإنتاج والتبادل العظيمة الهائلة صار يشبه الساحر الذي لا يدري كيف يقمع ويخضع القوى الجهنمية التي أطلقها من عقالها بتعاويذه. فليس تاريخ الصناعة والتجارة منذ بضع عشرات السنين سوى تاريخ تمرد القوى المنتجة الحديثة على علاقات الإنتاج الحديثة، على علاقات الملكية التي يقوم عليها وجود البرجوازية وسيطرتها. ويكفي ذكر الأزمات التجارية التي تقع بصورة دورية وتهدد اكثر فأكثر وجود المجتمع البرجوازي بأسره. فكل أزمة من الأزمات التجارية لا تكتفي بإتلاف كمية من المنتجات المصنوعة الجاهزة بل تقضي أيضا على قسم كبير من القوى المنتجة القائمة نفسها. وفي زمن الأزمة ينقض على المجتمع وباء لم يكن ليعتبر في جميع العهود السابقة سوى خرافة غير معقولة، هذا الوباء، هو فيض الإنتاج. فيرتد المجتمع فجأة إلى الوراء نحو الحالة الهمجية حتى ليخيل للمرء ان هنالك مجاعة أو حربا طاحنة شاملة تقطع عن المجتمع وسائل معيشته وموارد رزقه، وكأنما الصناعة والتجارة أتى عليها الخراب والدمار. ولم ذلك؟ ذلك لأنه اصبح في المجتمع كثير من المدنية، وكثير من وسائل العيش، وكثير من الصناعة والتجارة. ولم تعد القوى المنتجة الموجودة تحت تصرف المجتمع تساعد على نمو علاقات الملكية البرجوازية وتقدمها، بل بالعكس؛ فــقد أصبحت هذه القوى عظيمة جدا بالنسبة لهذه العلاقات البرجوازية التي أضحت عائقا في سبيل تقدمها وتوسعها. وكلما شرعت القوى المنتجة تتغلب على هذا العائق رمت المجتمع البرجوازي بأسره في الاضطراب والاختلال وهددت وجود الملكية البرجوازية بالزوال. لقد أصبحت العلاقات البرجوازية أضيق من ان تستوعب الثروات الناشئة في قلبها. فكيف تتغلب البرجوازية على هذه الأزمات؟ تتغلب بالتدمير القسري لمقدار من القوى المنتجة من جهة، وبالاستيلاء على أسواق جديدة وزيادة استثمار الأسواق القديمة من جهة أخرى. بماذا إذن؟ بتحضير أزمات اعم وأهول، وتقليل الوسائل التي يمكن تلافي هذه الأزمات بها.
فالأسلحة التي استخدمتها البرجوازية للقضاء على الإقطاعية ترتد اليوم إلى صدر البرجوازية نفسها.
ولكن البرجوازية لم تصنع فقط الأسلحة التي سوف تقتلها، بل أخرجت أيضا الرجال الذين سيستعملون هذه الأسلحة ضدها؛ وهم العمال العصريون، أو البروليتاريون. تبعا لتطور البرجوازية، أي لتطور الرأسمال، تتطور البروليتاريا، طبقة العمال العصريين الذين لا يعيشون الا إذا وجدوا عملا، ولا يجدونه الا إذا كان عملهم هذا ينمي الرأسمال. وهؤلاء العمال المجبرون على بيع أنفسهم بالمفرق هم بضاعة، هم مادة تجارية كغيرها، ولذا يعانون كل تقلبات المزاحمة وكل تموجات السوق.
ونتيجة لاتساع استعمال الآلات ولتقسيم العمل، فقد عمل البروليتاريين كل صبغة شخصية، وأضاع بذلك كل جاذب بالنسبة للعامل، وأصبح العامل عبارة عن ملحق بسيط للآلة لا يطلب منه الا القيام بعملية بسيطة رتيبة سهلة التلقين. وبذلك أصبح ما يكلفه العامل اليوم هو تقريبا ما تكلفه وسائل المعيشة اللازمة للاحتفاظ بحياته وتخليد نوعه. الا ان ثمن العمل كثمن كل بضاعة يساوي تكاليف إنتاجه. إذن كلما أصبح العمل باعثا على الاشمئزاز، هبت الأجور. وفوق ذلك ينمو، مع نمو استخدام الآلة وتقسيم العمل، مجموع الجهد المصروف في العمل، إما بزيادة ساعات العمل، واما بزيادة الجهد المطلوب في مدة معينة من الزمن، أو بتعاظم سرعة حركة الآلات، الخ...
إن الصناعة الحديثة حولت ورشة المعلم الحرفي البطريركي الصغيرة إلى مصنع كبير للرأسمالي الصناعي، وأخذت جماهير العمال المتكدسين في هذا المصنع يخضعون لتنظيم أشبه بالتنظيم العسكري. فهم جنود الصناعة البسيطون الخاضعون لسلسلة كاملة من كبار الضباط وصغارهم كأنهم في جيش عسكري. وهم ليسوا عبيد الطبقة البــرجوازية والدولة البرجوازية فحسب، بل هم أيضا في كل يوم وكل ساعة عبيد للآلة وللمناظر ولاسيما للبرجوازي، صاحب المعمل نفسه. وكلما تبين بصراحة ان الربح هو الهدف الوحيد لكل هذا الاستبداد، ازداد هذا الاستبداد خساسة وقبحا وإثارة للسخط والحفيظة.
وكلما قل تطلب العمل اليدوي للمهارة والقوة، أي كلما ترقت الصناعة الحديثة، استعيض عن عمل الرجال بعمل النساء والأولاد. ولا تبقى للفروق في الجنس أو السن أهمية اجتماعية بالنسبة للطبقة العاملة، فليس ثمة سوى أدوات للعمل تتغير كلفتها حسب العمر والجنس.
ومتى انتهى العامل من مقاساة استثمار صاحب المعمل، وتقاضى أخيرا آجرته، يصبح فريسة لعناصر أخرى من البرجوازية: مالك البيت والحانوتي والمرابي، الخ... أما صغار الصناعيين والتجار وأصحاب الإيرادات والحرفيون والفلاحون، أي الشرائح السفلى من الطبقة المتوسطة، فيتدهورون إلى صفوف البروليتاريا، وذلك لان رساميلهم الضعيفة لا تسمح لهم باستعمال أساليب الصناعة الكبرى، فينحدرون ويهلكون في مزاحمتهم لكبار الرأسماليين، ولأن مهارتهم المهنية تفقد قيمتها وأهميتها تجاه أساليب الإنتاج الجديدة، وعلى هذه الصورة تجند البروليتاريا من كل طبقات السكان.
وتمر البروليتاريا في تطورها بمراحل مختلفة، ويبدأ نضالها ضد البرجوازية منذ نشأتها.
يقوم بالنضال، بادئ الأمر، عمال فرادى منعزلون، ثم يتكاتف عمال معمل واحد، ثم يضم النضال كل عمال الفرع الصناعي الواحد في محلة واحدة ضد البرجوازي الذي يستثمرهم بصورة مباشرة. ولا يكتفي العمال بتوجيه ضرباتهم إلى علاقات الإنتاج البرجوازية، بل يوجهونها أيضا إلى أدوات الإنتاج نفسها، فيتلفون البضائع الأجنبية التي تزاحمهم، ويحطمون الآلات ويحرقون المصانع ويسعون بالقوة إلى استعادة الوضع المضاع الذي كان يتمتع به العامل في القرون الوسطى.
وفي هذه المرحلة يكون العمال عبارة عن جماهير مبعثرة في البلاد تفتتها المزاحمة. وإذا اتفق ان ضم العمال صفوفهم في جموع متراصة، فلا يكون ذلك في هذه المرحلة نتيجة لوحدتهم الخاصة بهم، بل نتيجة لوحدة البرجوازية التي ينبغي لها، لكي تبلغ مراميها السياسية، ان تحرك البروليتاريا بأسرها، وهي ما تزال تملك القدرة على ذلك. وفي هذه المرحلة لا يحارب البروليتاريون أعداءهم بل أعداء أعدائهم، أي بقايا الحكم الملكي المطلق وكبار أصحاب الأراضي والبرجوازيين غير الصناعيين وصغار البرجوازيين. وهكذا تكون الحركة التاريخية كلها متمركزة في أيدي البرجوازية، وكل انتصار في هذه الظروف، يكون انتصارا للبرجوازية.
الا ان الصناعة، عندما تتقدم وتنمو، لا تضخم عدد البروليتاريين فقط، بل تمركزهم أيضا وتضمهم في جماهير أوسع وأعظم فتنمو قدرتهم ويدركون مدى هذه القوة. وتتساوى يوما فيوما مصالح البروليتاريين وظروف معيشتهم، تبعا لما تقوم به الآلة من محو كل فرق في العمل ومن إنزال الأجرة في كل مكان تقريبا إلى مستوى متماثل في انخفاضه. ونظرا لتفاقم التزاحم فيما بين البرجوازيين، وما ينتج عن ذلك من أزمات تجارية، تصبح أجور العمال يوما بعد يوم أكثر تقلبا وأقل استقرارا؛ ويؤدي إتقان الآلات باستمرار وبسرعة متزايدة على الدوام إلى جعل مستوى حياة العمال أكثر فاكثر غير مضمون؛ وتصطبغ المصادمات الفردية بين العامل والبرجوازي، شيئا فشيئا، بصبغة المصادمات بين طبقتين. ويبدأ العمال في تأليف الجمعيات ضد البرجوازيين من أجل الدفاع عن أجورهم. ويتقدمون في هذا السبيل ويؤلفون جمعيات دائمة لكي يؤمنوا وسائل العيش لأنفسهم في حال وقوع اصطدامات؛ وهنا وهناك ينفجر النضال بشكل انتفاضة سافرة.
وقد ينتصر العمال أحيانا، ولكن انتصارهم يكون قصير الأمد. والنتيجة الحقيقية لنضالهم هي هذا التضامن المتعاظم بين جميع العمال، لا ذلك النجاح المباشر الوقتي. وهذا التضامن المتعاظم يسهله نمو وسائل المواصلات التي تخلقها الصناعة الكبرى والتي تسمح للعمال، في مختلف الجهات والمناطق، باتصال بعضهم البعض. ويكفي هذا الاتصال بين العمال لتحويل النضالات المحلية المتعددة ذات الصبغة المتماثلة في كل مكان، إلى نضال طبقي هو نضال سياسي. والاتحاد الذي كان سكان المدن في القرون الوسطى يقضون قرونا لتحقيقه نظرا لطرقهم الوعرة الابتدائية، تحققه البروليتاريا الحديثة خلال بضع سنين فقط بفضل السكك الحديدية.
الا ان انتظام البروليتاريا في طبقة، وبالتالي، في حزب سياسي، يحطمه بصورة مستمرة تزاحم العمال فيما بينهم. ولكن هذا الانتظام لا يختفي حتى يعود فيولد من جديد، وهو دائما أشد قوة وأكثر صلابة وأقوى بأسا، ويستفيد من الانقاسامات بين شرائح البرجوازيين، فيجرهم على جعل بعض مصالح الطبقة العاملة مشروعة معترفا بها قانونيا، مثل قانون جعل مدة يوم العمل عشر ساعات في إنكلترا.
أن المصادمات التي تقع في المجتمع القديم تساعد بصورة عامة، وبشتى الصور والأشكال، على تطور البروليتاريا وتقدمها. فان البرجوازية تعيش في حالة حرب مستمرة، في بادئ الأمر، ضد الأرستقراطية، ثم ضد تلك الجماعات من البرجوازية نفسها التي تتناقض مصالحها مع رقي الصناعة، وبصورة دائمة ضد برجوازية الأقطار الأجنبية جميعا. وترى البرجوازية نفسها مضطرة، في كل ميادين النضال هذه، إلى الالتجاء للبروليتاريا وطلب معونتها، فتجرها بذلك إلى مضمار الحركة السياسية. وهكذا تقدم البرجوازية بيدها إلى البروليتاريين عناصر ثقافتها، أي أنها تسلمهم السلاح الذي سيحاربونها به.
أضف إلى كل ذلك ما رأيناه من ان جماعات كاملة من الطبقة السائدة تتدهور، بنتيجة تطور الصناعة وتقدمها، إلى صفوف طبقة البروليتاريا، أو تكون على الأقل مهددة في ظروف معيشتها وشروط حياتها. وهذه الجماعات تحمل كذلك إلى البروليتاريا عددا عديدا من عناصر الثقافة.
وأخيرا، عندما يقترب نضال الطبقات من الساعة الحاسمة الفاصلة، يتخذ انحلال الطبقة السائدة والمجتمع القديم بأسره طابعا يبلغ من حدته وعنفه ان جزءا صغيرا من هذه الطبقة السائدة نفسها ينفصل عنها وينضم إلى الطبقة الثورية، إلى الطبقة التي تحمل في قلبها المستقبل. وكما انتقل فيما مضى قسم من النبلاء إلى جانب البرجوازية، كذلك في أيامنا هذه ينتقل قسم من البرجوازية إلى جانب البروليتاريا، أي بالضبط القسم المؤلف من البرجوازيين المفكرين الذين تمكنوا من الإحاطة بمجموع الحركة التاريخية وفهمها بصورة نظرية.
وليس بين جميع الــطبقات التي تقف الآن أمام البرجوازية وجها لوجه الا طبقة ثورية حقا، هي البروليتاريا. فان جميع الطبقات الأخرى تنحط وتهلك مع نمو الصناعة الكبرى، اما البروليتاريا فهي على العكس من ذلك، أخص منتجات هذه الصناعة.
ان الفئات المتوسطة، من صغار الصناعيين وصغار التجار والحرفيين والفلاحين، تحارب البرجوازية من أجل الحفاظ على وجودها بوصفها فئات متوسطة. فهي ليست إذن ثورية، بل محافظة، واكثر من محافظة أيضا، أنها رجعية، فهي تطلب ان يرجع التاريخ القهقرى ويسير دولاب التطور إلى الوراء. وإذا كنا نراها تقوم بأعمال ثورية، فما ذاك الا لخوفها من ان تتدهور إلى صفوف البروليتاريا، وهي إذ ذاك تدافع عن مصالحها المقبلة، لا عن مصالحها الحالية، وهي تتخلى عن وجهة نظرها الخاصة لتتخذ لنفسها وجهة نظر البروليتاريا.
أما اللومبن بروليتاريا(27)، هذه الحشرات الجامدة، حثالة أدنى شرائح المجتمع القديم، فقد تجرهم ثورة البروليتاريا إلى الحركة، ولكن ظروف معيشتهم وأوضاع حياتهم تجعلهم أكثر استعدادا لبيع أنفسهم لأجل المكائد الرجعية.
ان ظروف معيشة المجتمع القديم قد اضمحلت ولم يبق لها اثر في ظروف معيشة البروليتاريا. فالبروليتاري محروم من الملكية، وليست هناك أية صفة مشتركة بين علاقاته العائلية وعلاقات العائلة البرجوازية. والعمل الصناعي الحديث الذي يضم في طياته استعباد العامل من قبل الرأسمال، قد جرد العامل، سواء في إنكلترا أو فرنسا أو أميركا أو ألمانيا، من كل صبغة وطنية. وما القوانين والقواعد الأخلاقية والأديان بالنسبة إليه الا أوهام برجوازية تستتر خلفها مصالح برجوازية.
ان كل الطبقات التي كانت تستولي على السلطة فيما مضى، كانت تحاول تثبيت أوضاعها المكتسبة بإخضاع المجتمع بأسره للشروط والظروف التي تضمن أسلوب التملك الخاص بها. ولا تستطيع البروليتاريا الاستيلاء على القوى المنتجة الاجتماعية الا بهدم أسلوب التملك الخاص بها حاليا، وبالتالي يُهدم كل أسلوب للتملك مرعي الإجراء إلى يومنا هذا. ولا تملك البروليتاريا شيئا خاصا بها حتى تصونه وتحميه فعليها إذن ان تهدم كل ما كان يحمي ويضمن الملكية الخاصة.
وكانت الحركات إلى يومنا هذا، كلها قامت بها اقليات أو جرت في مصلحة الاقليات. اما حركة البروليتاريا فهي حركة قائمة بذاتها للأكثرية الساحقة في سبيل مصلحة الأكثرية الساحقة. والبروليتاريا، التي هي طبقة سفلى في المجتمع الحالي، لا يمكنها ان تهب وتقوم عودها الا إذا نسفت كل الطبقات المتراكبة فوقها والتي تؤلف المجتمع الرسمي.
ان نضال البروليتاريا ضد البرجوازية ليس في أساسه نضالا وطنيا، ولكنه يتخذ مع ذلك هذا الشكل في بادئ الأمر. إذ لا حاجة للقول ان على البروليتاريا في كل قطر من الأقطار ان تقضي قبل كل شيء على برجوازيتها الخاصة. اننا، إذ وصفنا مراحل تطور البروليتاريا، بخطوطها الكبرى، قد تتبعنا في الوقت نفسه تاريخ الحرب الأهلية، المستترة إلى حد ما والتي لا تنفك تأكل المجتمع وتنحره حتى الساعة التي تنفجر فيها هذه الحرب بشكل ثورة علنية، وتؤسس البروليتاريا سيطرتها بعد القضاء على البرجوازية بالشدة والعنف. ان كل المجتمعات السالفة قامت، كما رأينا، على التناحر بين الطبقات المضطِهدة والمضطهَدة. ولكن لأجل اضطهاد طبقة ما ينبغي على الأقل ان يكون في الاستطاعة تأمين شروط معيشية لها تمكنها من الحياة تحت وطأة الاستعباد والاضطهاد. فقد كان القن في عهد القنانة يتوصل لان يصبح عضوا في إحدى الكومونات؛ وكذلك البرجوازي الصغير، حتى تحت أشد أنواع الاستبداد الإقطاعي، كان يتوصل إلى مرتبة البرجوازي. اما العامل في عصرنا فهو على عكس ذلك تماما؛ فعوضا عن ان يرتفع ويرقى مع رقي الصناعة، لا ينفك يهوى في انحطاط، إلى ان ينزل إلى مستوى هو أدنى وأحط من شروط حياة طبقته نفسها. ويسقط العامل في مهاوي الفاقة، ويزداد الفقر والإملاق بسرعة تفوق سرعة ازدياد السكان ونمو الثروة. فمن البيّن إذن ان البرجوازية لا يبقى بوسعها ان تقوم بدورها كطبقة حاكمة وان تفرض على المجتمع بأسره شروط حياة طبقتها كقانون أعلى. انها لم تعد تستطيع ان تسود، إذ لم يعد في إمكانها ان تؤمن لعبدها حتى معيشة تتلائم مع عبوديته، وهي مجبرة على ان تدعه ينحط إلى درجة يصبح معها من واجبها هي ان تطعمه بدلا من ان تطعم نفسها بواسطته. فلم يعد من الممكن ان يحيا المجتمع تحت سيادتها وسيطرتها، أي بعبارة أخرى اصبح وجود البرجوازية منذ الآن فصاعدا غير متلائم مع وجود المجتمع.
ان الشرط الأساسي للوجود والسيادة بالنسبة للطبقة البرجوازية هو تكديس الثروة في أيدي بعض الأفراد وتكوين الرأسمال وإنماؤه. وشرط وجود الرأسمال هو العمل المأجور، والعمل المأجور يرتكز، بصورة مطلقة، على تزاحم العمال فيما بينهم. ورقي الصناعة الذي ليست البرجوازية الا خادما منفعلا له ومقسورا على خدمته يستعيض عن انعزال العمال الناتج عن تزاحمهم، باتحاد ثوري بواسطة الجمعيات. وهكذا ينتزع تقدم الصناعة الكبرى من تحت أقدام البرجوازية نفس الأسس التي شادت عليها إنتاجها وتملكها. ان البرجوازية تنتج قبل كل شيء حفاري قبرها، فسقوطها وانتصار البروليتاريا كلاهما أمر محتوم لا مناص منه.
 
البروليتاريون والشيوعيونما هو موقف الشيوعيين بالنسبة إلى مجموع البروليتاريا؟
إن الشيوعيين لا يؤلفون حزباً خاصاً معارضاً لأحزاب العمال الأخرى. وليست لهم مصالح منفصلة عن مصالح البروليتاريا بمجموعها.
وهم لا يدعون إلى مبادئ خاصة يريدون تكييف الحركة البروليتارية في قالبها.
إن الشيوعيين لا يتميزون عن بقية الأحزاب البروليتارية الا في نقطتين هما :
1. في النضالات التي يقوم بها البروليتاريون من مختلف الأمم، يضع الشيوعيون في المقدمة المصالح العامة، المستقلة عن القومية الشاملة لمجموع البروليتاريا، ويذودون عنها.
2. في مختلف مراحل التطور التي يمر بها النضال بين البروليتاريين والبرجوازيين يمثل الشيوعيون دائما مصالح الحركة بكاملها.
فالشيوعيون هم إذن، من الناحية العملية، احزم فريق من أحزاب العمال في جميع البلدان واشدها عزيمة، الفريق الذي يدفع إلى الأمام كل الفرق الأخرى. وهم من الوجهة النظرية يمتازون عن بقية البروليتاريين بإدراك واضح لظروف حركة البروليتاريا وسيرها ونتائجها العامة.
أما هدف الشيوعيين المباشر فهو الهدف نفسه الذي ترمي إليه جميع الأحزاب البروليتارية الأخرى، أي تنظيم البروليتاريين في طبقة وهدم سيادة البرجوازية واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسة.
ومفهومات الشيوعيين النظرية لا ترتكز مطلقاً على أفكار أو مبادئ اكتشفها أو اخترعها مصلح من مصلحي العالم.
فما هي سوى التعبير الإجمالي عن الظروف الواقعية لنضال طبقي موجود ولحركة تاريخية تتطور من ذاتها أمام عيوننا. وليس هدم علاقات الملكية القائمة أمراً يلازم الشيوعية وحدها.
فقد كابدت جميع علاقات الملكية تغييرات تاريخية متتابعة وتعاقب تاريخي مستمر.
فالثورة الفرنسية مثلاً قضت على الملكية الإقطاعية لمصلحة الملكية البرجوازية.
فليس الذي يميز الشيوعية هو محو الملكية بصورة عامة، بل هو محو الملكية البرجوازية.
غير ان الملكية الخاصة في الوقت الحاضر، أي الملكية البرجوازية، هي آخر وأكمل تعبير عن أسلوب الإنتاج والتملك، المبني عل تناحرات الطبقات واستثمار بعض الناس لبعضهم الآخر. وعلى هذا، باستطاعة الشيوعيين ان يلخصوا نظريتهم بهذا الصدد في هذه الصيغة الوحيدة وهي القضاء على الملكية الخاصة. ويأخذون علينا، نحن الشيوعيين، أننا نريد محو الملكية المكتسبة شخصياً بالعمل، هذه الملكية التي يصرحون انها أساس كل حرية وكل نشاط وكل استقلال فردي. الملكية، ثمرة العمل والكفاءة! هل تعنون بذلك هذا الشكل من الملكية، السابق للملكية البرجوازية، أي ملكية البرجوازي الصغير والفلاح الصغير؟ ان كانت هذه هي الملكية التي تعنونها، فليس لنا، نحن الشيوعيين، ان نمحوها ونزيلها، لان رقي الصناعة قد محاها أو يمحوها يوماً بعد يوم.
أم تعنون، يا ترى، الملكية الخاصة البرجوازية الحالية؟
ولكن هل يخلق العمل المأجور، عمل البروليتاري، ملكية للبروليتاري؟ كلا بل هو يخلق الرأسمال، أي الملكية التي تستثمر العمل المأجور، والتي لا يمكن ان تنمو الا بشرط ان تنتج أيضا وأيضاً عملاً مأجوراً لتستثمره من جديد. فالملكية في شكلها الحالي تتحرك بين هذين الطرفين المتناقضين: الرأسمال والعمل المأجور. فلنبحث كلاً من طرفي هذا التناقض.
ان كون المرء رأسمالياً يعني أنه لا يشغل في الإنتاج مركزاً شخصياً فحسب، بل كذلك مركزاً اجتماعياً. الرأسمال هو نتاج جماعي، فهو لا يمكن ان يدار ويشغل الا بجهود متظافرة يبذلها كثير من الأفراد، بل هو في آخر التحليل لا يدار ويشغل الا بالجهود المشتركة لجميع أعضاء المجتمع.
فليس الرأسمال قوة شخصية إذن، بل هو قوة اجتماعية. وعليه، إذا تحول الرأسمال إلى ملك مشترك يخص جميع أعضاء المجتمع، فلا يكون معنى ذلك ان ملكية شخصية قد تحولت إلى ملكية اجتماعية، بل كل ما هنالك ان الصفة الاجتماعية للملكية تكون قد تغيرت، أي ان الملكية تفقد صفتها الطبقية.
ولننتقل الآن إلى العمل المأجور.
إن الثمن المتوسط الذي يشترى به العمل المأجور، هو الحد الأدنى للأجرة، أي مجموع وسائل المعيشة اللازمة للعامل لكي يعيش كعامل. وينتج من ذلك ان ما يستملكه العامل المأجور بجهده وكده لا يساوي أو يكاد الا ما يلزمه بالضرورة للاحتفاظ بوجوده الهزيل وللإبقاء على نوعه. فنحن لا نريد أبداً ولا بشكل من الأشكال، محو هذا التملك الشخصي لمنتجات العمل الضرورية مباشرة لحفظ الحياة البشرية وتكثيرها، فان هذا التملك لا يترك اقل فائض يتسلط المرء بواسطته على عمل غيره. أما ما نريد محوه فهو أسلوب التملك الكئيب المظلم الذي يجعل العامل لا يحيا الا لأجل إنماء الرأسمال، ولا يحيا الا بمقدار ما تتطلبه مصالح الطبقة السائدة فقط.
في المجتمع البرجوازي ليس العمل الحي الا وسيلة لإنماء العمل المتراكم. اما في المجتمع الشيوعي فليس العمل المتراكم الا وسيلة لتفريج حياة الشغيلة وإغنائها وترفيهها.
وهكذا، في المجتمع البرجوازي: الماضي يسيطر على الحاضر. وفي المجتمع الشيوعي: الحاضر يسيطر على الماضي. في المجتمع البرجوازي الرأسمال مستقل وشخصي في حين ان الفرد الذي يعمل تابع لغيره ومحروم من شخصيته.
فهدم هذه الحالة تعيبه وتشجبه البرجوازية وتزعم انه هدم للشخصية والحرية! وهي على حق فيما تزعم، لأن هذا الهدم هو في الحقيقة هدم للشخصية البرجوازية وللاستقلال البرجوازي وللحرية البرجوازية.
انهم يعنون بالحرية، في إطار علاقات الإنتاج البرجوازية الحالية، حرية التجارة، حرية الشراء والبيع.
ولكن إذا تلاشت التجارة، تلاشت التجارة الحرة أيضاً. غير ان جميع الكلمات الضخمة التي ترددها برجوازيتنا عن حرية التجارة وكل تصلفها وانتفاخها وغطرستها حول الحريات، لا معنى لها الا إذا قوبلت بالتجارة المقيدة والبرجوازي المستعبد في القرون الوسطى، ولا يبقى لها أقل معنى أو دلالة عندما تدور المسألة حول ما ترمي إليه الشيوعية من إزالة التجارة وعلاقات الإنتاج البرجوازية والبرجوازية نفسها.
يهولكم ويروعكم اننا نريد محو الملكية الخاصة! ولكن في مجتمعكم هذا ذاته تسعة أعشار أعضائه محرومون من أية ملكية خاصة، وإذا كانت هذه الملكية موجودة فلأن هؤلاء الأعشار التسعة محرومة منها. فأنتم تأخذون علينا إذن اننا نريد محو شكل للملكية، شرط وجوده ان تكون الأكثرية الساحقة محرومة من كل ملكية.
أي بكلمة، تتهمونا بأننا نريد محو ملكيتكم انتم. وحقاً هذا الذي نريد.
وما ان يغدو من المستحيل ان يتحول العمل إلى رأسمال ونقد وريع عقاري، أي إلى قوة اجتماعية قابلة للاحتكار، أو بعبارة أخرى، ما ان يصبح من المستحيل ان تتحول الملكية الفردية إلى ملكية برجوازية، حتى تزأرون وتصيحون بأن الفرد قد أُمحى وأُبيد.
فأنتم تعترفون إذن انكم، عندما تتكلمون عن الفرد، لا تعنون بكلامكم الا البرجوازي، أي المالك البرجوازي. وبالفعل ان هذا الفرد يجب ان يُباد ويُمحى نهائياً.
ان الشيوعية لا تسلب أحداً القدرة على تملك منتجات اجتماعية، انها لا تنزع سوى القدرة على استعباد عمل الغير بواسطة هذا التملك.
ويعترضون علينا بقولهم: ان محو الملكية الخاصة يؤدي إلى توقف كل نشاط و إلى انتشار كسل يعم العالم بأسره.
لو كان ذلك كذلك، لكان المجتمع البرجوازي قد سقط منذ أمد طويل في بؤرة الكسل والخمول، ما دام الذين يشتغلون في هذا المجتمع لا يمتلكون، والذين يمتلكون لا يشتغلون. وهكذا يؤول كل اعتراضهم إلى تكرار ممل للحقيقة التالية وهي: حيث لا يبقى الرأسمال، لا يبقى عمل مأجور.
وجميع التهم الموجهة إلى الأسلوب الشيوعي في إنتاج واستملاك المنتجات المادية وجهت إلى إنتاج واستملاك منتجات العمل الفكري أيضاً، فكما ان زوال الملكية الطبقية يعادل بالنسبة للبرجوازي زوال كل إنتاج، كذلك زوال الثقافة الطبقية يعني بالنسبة إليه زوال كل ثقافة.
غير ان هذه الثقافة التي يبكي البرجوازي وينتحب على فقدها، ما هي عند الأكثرية الساحقة الا تدريباً على عمل مثل الآلة.
ولكن لا فائدة من مماحكتكم لنا، إذا كان قصدكم من ذلك ان تطبقوا على محو الملكية البرجوازية معيار مفهوماتكم البرجوازية عن الحرية والثقافة والحق، الخ... ان أفكاركم نفسها ناتجة عن علاقات الإنتاج البرجوازية وعلاقات الملكية البرجوازية، كما ان الحق لديكم ليس الا إرادة طبقتكم محطوطة بشكل قانون، هذه الإرادة التي تحدد فحواها ومبناها ظروف الحياة المادية لطبقتكم.
ان مفهوماتكم المغرضة تدفعكم إلى جعل العلاقات الاجتماعية المتولدة عما تختصون به من علاقات الإنتاج وعلاقات الملكية، هذه العلاقات التاريخية التي يمحوها سير الإنتاج نفسه، قوانين طبيعية وعقلية، خالدة أبدية. ولستم منفردين بهذه المفهومات، بل سبقتكم إليها كل الطبقات السائدة التي زالت اليوم. ولكن ما تقبلونه وتقرونه بالنسبة للملكية القديمة، ما تقبلونه وتقرونه فيما يتعلق بالملكية الإقطاعية، لم يعد في إمكانكم ان تقبلوه بالنسبة للملكية البرجوازية.
هدم العائلة حتى أشد الراديكاليين تطرفاً تسخطهم نية الشيوعيين هذه، الفاضحة المرذولة.
ولكن، على أية قاعدة ترتكز العائلة البرجوازية في الوقت الحاضر؟ انها ترتكز على الرأسمال والربح الفردي. وهي، بكامل كيانها وتمام بنيانها، ليست موجودة الا عند البرجوازية. ولكن تتمتها هي الإلغاء القسري للعائلة بالنسبة للبروليتاري، ثم البغاء العلني.
ان العائلة البرجوازية تضمحل طبعاً باضمحلال تتمتها هذه. وكلتاهما، العائلة البرجوازية وتتمتها، تتلاشيان بتلاشي الرأسمال.
أتأخذون علينا اننا نريد القضاء على استثمار الأبناء من قبل أهلهم وذويهم؟ ان كان ذلك فنحن نعترف بهذه الجريمة.
وتزعمون اننا نحطم اقدس الأواصر والصلات بالاستعاضة عن التربية في العائلة بالتربية في المجتمع.
ولكن تربيتكم انتم، أليس المجتمع أيضاً هو الذي يحددها؟ أليست تحددها العلاقات الاجتماعية التي تربون فيها أولادكم؟ الا يحددها تدخل المجتمع بصورة مباشرة أو غير مباشرة بواسطة المدرسة، الخ..؟ ان تدخل المجتمع في التربية ليس من ابتكار الشيوعيين. فكل ما يفعله الشيوعيون انهم يغيرون طبيعة التربية ويحورون صفتها وشكلها وينتزعونها من تأثير الطبقة السائدة ونفوذها.
ان تشدق البرجوازيين الفارغ عن العائلة والتربية وعن الأواصر والصلات العذبة بين الآباء الأولاد، أصبحت تقز منه النفس اكثر فأكثر، إذ ان الصناعة الكبرى تهدم كل صلة عائلية عند البروليتاريا وتحول الأولاد إلى مواد تجارية بسيطة وأدوات عمل بحتة.
والآن اسمعوا البرجوازية تصيح من كل جانب: "انكم أيها الشيوعيون تريدون إشاعة المرأة ".
ليست امرأة البرجوازي عنده سوى أداة إنتاج بسيطة، وهو يسمع ان أدوات الإنتاج يجب ان تكون مشتركة، فيستنتج من ذلك بالطبع ان النساء أنفسهن سوف يسري عليهن ذلك.
ولا يدخل في وهم البرجوازي ان المسألة هي على العكس تماماً، واننا نريد إعطاء المرأة دوراً غير هذا الدور الذي تقوم به الآن كأداة إنتاج بسيطة.
ولشد ما يضحكنا هذا الذعر فوق الأخلاقي الذي توحيه إلى البرجوازيين إشاعة النساء الرسمية التي يزعمون ان الشيوعيين يدعون إليها. ليست بالشيوعيين حاجة إلى إدخال إشاعة النساء، فهي تقريباً كانت دائماً موجودة.
ولا يكتفي البرجوازيون بأن تكون تحت تصرفهم نساء البروليتاريين وبناتهم، هذا عدا البغاء الرسمي، بل يجدون لذة خاصة في إغواء بعضهم لنساء بعض.
ليس الزواج البرجوازي في الحقيقة والواقع سوى إشاعة النساء المتزوجات. فقصارى ما يمكن ان يتهم به الشيوعيون إذن هو انهم يريدون، كما يزعم، الاستعاضة عن إشاعة النساء المستترة بالرياء والمغطاة بالمداجاة، بإشاعة صريحة رسمية. ولكن من البديهي والواضح ان محو علاقات الإنتاج الحالية يؤدي، بطبيعة الحال، إلى محو إشاعة النساء التي تنجم منها، أي ان البغاء، سواء كان رسميا أم غير رسمي، يضمحل ويزول.
ويتهمون الشيوعيين، عدا ذلك، بالرغبة في إلغاء الوطن والقومية. ليس للعمال وطن، فليس في الاستطاعة إذن سلبهم ما لا يملكون. وبما ان على البروليتاريا ان تستولي أولا على السلطة السياسية، وان ترتفع إلى وضع الطبقة التي تمثل الأمة، وان تصبح هي الأمة، فهي لا تزال بعد إذن وطنية، ولكن ليس بالمعنى البرجوازي لهذه الكلمة.
وها هي الفواصل الوطنية والتناقضات بين الشعوب تزول يوما بعد يوم تبعا لتطور البرجوازية، وحرية التجارة، والسوق العالمية، وتشابه الإنتاج الصناعي وشروط المعيشة الناجمة عن ذلك. وعندما تستولي البرولتاريا على الحكم تعجل في إزالتها. ان تضافر الجهود، في الأقطار المتمدنة على الأقل، هو أحد الشروط الأولية لتحرر البروليتاريا. أزيلوا استثمار الإنسان للإنسان، تزيلوا استثمار أمة لأخرى.
وعندما يزول تناحر الطبقات في قلب كل أمة يزول في الوقت نفسه العداء والحقد بين الأمم. أما التهم الأخرى الموجهة إلى الشيوعية من وجهات نظر دينية وفلسفية، وبوجه عام، من وجهات نظر أيديولوجية، فهي لا تستحق بحثا عميقا مستفيضا.
إذ هــل يحتاج المرء إلى تعمق كبير ليدرك ان نظرات الناس ومفهوماتهم وتصوراتهم، أو بالاختصار إدراكهم، يتغير مع كل تغيير يطرأ على ظروف حياتهم وعلاقتهم الاجتماعية وشروط معيشتهم الاجتماعية؟
وهلا يبرهن تاريخ الأفكار على ان الإنتاج الفكري يتبدل ويتحور مع تبدل الإنتاج المادي وتحوره؟ فالأفكار والآراء السائدة في عهد من العهود لم تكن سوى أفكار الطبقة السائدة وآرائها. وحينما يتحدثون عن أفكار تؤثر تأثيرا ثوريا في مجتمع بأسره، إنما يعبرون في الحقيقة عن هذا الواقع وهو انه تشكلت في قلب المجتمع القديم عناصر مجتمع جديد، وان انحلال الأفكار القديمة يسير جنبا إلى جنب مع انحلال ظروف المعيشة القديمة.
فحينما كان العالم القديم على أعتاب السقوط والزوال، انتصر الدين المسيحي على الأديان الأخرى القديمة. وحينما تركت الأفكار المسيحية محلها في القرن الثامن عشر لأفكار الرقي الجديدة، كان المجتمع الإقطاعي يقوم إذ ذاك بمعركته الأخيرة ضد البرجوازية التي كانت حينذاك ثورية. ولم يكن ظهور الأفكار القائلة بحرية المعتقد والحرية الدينية الا إيذانا بسيطرة المزاحمة الحرة في ميدان العقائد.
وقد يقولون: "نعم، ان الأفكار الدينية والأخلاقية والفلسفية والسياسية والحقوقية وما إليها قد طرأ عليها التعديل خلال التطور التاريخي، ولكن الدين والأخلاق والفلسفة والسياسة والحقوق كانت مع ذلك تحافظ دائما على بقائها خلال هذا التحول المستمر. وهنالك فوق ذلك حقائق أبدية، مثل الحرية والعدالة، الخ... وهي واحدة مشتركة في جميع مراحل التطور الاجتماعي. اما الشيوعية فهي تلغي الحقائق الأبدية، تلغي الدين والأخلاق عوضا عن تجديدها؛ فهي تناقض إذن كل التطور التاريخي السابق ".
ففيم تتلخص هذه التهمة؟ ان تاريخ كل مجتمع حتى الآن قائم على التناحر بين الطبقات. وقد اتخذ التناحر أشكالا مختلفة حسب العهود. ولكن مهما كان الشكل الذي اتخذه هذا التناحر، فقد كان هنالك دائما شيء (مشترك) بين جميع العصور السالفة، وهو استثمار قسم من المجتمع لقسم آخر منه. فلا غرابة إذن في ان نرى الإدراك الاجتماعي في جميع العصور، رغم كل اختلاف وكل تنوع، يتطور ضمن أشكال مشتركة معينة، أشكال للإدراك لن تنحل تماما الا بزوال التناحر بين الطبقات زوالا تاما.
ان الثورة الشيوعية تقطع من الأساس كل رابطة مع علاقات الملكية التقليدية؛ فلا عجب إذن ان هي قطعت بحزم أيضا، أثناء تطورها، كل رابطة مع الأفكار والآراء التقليدية. ولكن لندع الآن جانبا ما تبديه البرجوازية من الاعتراضات على الشيوعية.
ان الخطوة الأولى في ثورة العمال هي، كما رأينا، تحول البروليتاريا إلى طبقة سائدة والظفر بالديمقراطية. وستستخدم البروليتاريا سيادتها السياسية لأجل انتزاع الرأسمال من البرجوازية شيئا فشيئا، ومركزة جميع أدوات الإنتاج في أيدي الدولة، أي في أيدي البروليتاريا المنظمة في طبقة سائدة، وزيادة كمية القوى المنتجة وإنمائها بأسرع ما يمكن.
ولا يتم ذلك طبعا في بادئ الأمر الا بخرق حق التملك وعلاقات الإنتاج البرجوازية بالشدة والعنف، أي باتخاذ تدابير تتراءى من الوجهة الاقتصادية غير كافية ولا مأمونة البقاء، ولكنها تتعاظم وتتجاوز نفسها بنفسها خلال الحركة وتكون ضرورية لا غنى عنها كوسيلة لقلب أسلوب الإنتاج بأسره.
وستختلف هذه التدابير، طبعا، في مختلف الأقطار. غير أنه يمكن تطبيق التدابير التالية، بصورة عامة تقريبا في اكثر البلاد تقدما ورقيا:
1. نزع الملكية العقارية وتخصيص الريع العقاري لتغطية نفقات الدولة.
2. إلغاء الوراثة.
3. فرض ضرائب متصاعدة جدا.
4. مصادرة أملاك جميع المهاجرين والعصاة.
5. مركزة التسليف كله في يد الدولة بواسطة مصرف وطني رأسماله للدولة ويتمتع باحتكار تام مطلق.
6. مركزة جميع وسائل النقل في يد الدولة.
7. تكثير المصانع التابعة للدولة وأدوات الإنتاج وإصلاح الأراضي البور وتحسين الأراضي المزروعة حسب منهاج عام.
8. جعل العمل إجباريا للجميع على السواء وتنظيم جيوش صناعية، وذلك لأجل الزراعة على الخصوص.
9. الجمع بين العمل الزراعي والصناعي واتخاذ التدابير المؤدية تدريجيا إلى محو الفرق ببن المدينة والريف.
10. جعل التربية عامة ومجانية لجميع الأولاد ومنع تشغيل الأحداث في المصانع كما يجري اليوم، والجمع بين التربية وبين الإنتاج المادي، الخ...
وما ان تختفي الفوارق الطبقية وتزول خلال سير التطور، ويصبح كل الإنتاج متمركزا في يد جمعية واسعة تشمل الأمة بأسرها، حتى تفقد السلطة العامة صبغتها السياسية. إذ ان السلطة السياسية بالمعنى الصحيح هي العنف المنظم لطبقة من اجل اضطهاد طبقة أخرى. فإذا كانت البروليتاريا، في نضالها ضد البرجوازية، تبني نفسها حتما في طبقة، وإذا كانت تجعل نفسها بواسطة الثورة طبقة سائدة، ثم بصفتها طبقة سائدة، تهدم بالعنف والشدة علاقات الإنتاج القديمة، فانها بهدمها علاقات الإنتاج القديمة تهدم في الوقت نفسه ظروف وجود التناقض والتناحر بين الطبقات وتهدم الطبقات بصورة عامة، وبذلك تهدم أيضا سيادتها ذاتها من حيث هي طبقة.
وعلى أنقاض المجتمع البرجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يبرز مجتمع جديد تكون حرية التطور والتقدم لكل عضو فيه شرطا لحرية التطور والتقدم لجميع الأعضاء.
ترجمة: الياس شاهين
 
 
--------------------------------------------------------------------------------
(1) بروسيا: دولة قديمة كانت تقع في شمال ألمانيا على ساحل بحر البلطيق.
(2) كومونة باريس: أول حكومة "اشتراكية" في التاريخ. وهي عبارة عن حكومة تألفت في باريس من الاشتراكيين واليساريين ردا على محاولة المجلس الوطني (البرلمان) وضع دستور جديد كان من الممكن ان يعود بالبلاد إلى النظام الملكي. ودار صراع دموي بين مؤيدي الكومونة ومؤيدي النظام السابق لها راح ضحيته زهاء عشرون ألفا.
(3) نستخدم تعبير "الصناعي" كصفة متميزة بالتضاد عن "الزراعي". أما بمعناه كمقولة اقتصادية، فان المزارع هو رأسمالي صناعي شأنه شأن صاحب الفابريكة.
(4)"The Natural and Artificial Rights of Property Contrasted" London 1832, P. 98-99
ان مؤلف هذا الكتاب الغفل هو: ت. هودسكين.
(5) حتى في عام 1794، أرسل صغار المعلمين من صانعي الأقمشة الصوفية في ليدز، وفداً إلى البرلمان يحمل التماساً بتشريع قانون يحظر على أي تاجر ان يصبح صناعياً.
(6) الهند الشرقية: إندونيسيا.
(7) اليعاقبة: أعضاء أكبر جمعية سياسية ثورية حكمت أثناء الثورة الفرنسية. من أشهر زعمائهم وأكثرهم نفوذا كان روبسبير.
(8) William Howitt. "Colonization and Christianity. A Popular History of the Treatment of the Natives by the Europeans in all their Colonies". London, 1838, p.9
وبشأن معاملة العبيد، ثمة معطيات وفيرة في مؤلف
Charles Comte."Traite de Legislation", Brussels, 1837.
وينبغي ان يدرس المرء هذا البحث دراسة تفصيلية ليرى إلام يحول البرجوازي نفسه وإلام يحول عماله، حيثما يستطيع بلا حرج، ان يحول العالم على صورته.
(9)Thomas Stamford Raffles late Lieute. Gov. of that island. "The History of Java" London, 1817.
(10) في عام 1866 قضى اكثر من مليون هندي نحبه جوعاً في مقاطعة اوريسا وحدها. ومع ذلك، كانت كل الجهود تبذل لإغناء خزينة الحكومة في الهند برفع أسعار بيع وسائل المعيشة إلى الشعب المتضور جوعاً.
(11) يشير وليم كوبيت إلى ان جميع المؤسسات العمومية في إنكلترا ويسمها بالمؤسسات "الملكية"، أما دين الحكومة فيسميه على سبيل التعويض الدين "الوطني" (National debt).
(12) "لو اجتاح التتر أوروبا اليوم، فسيتطلب الأمر كبير عناء، كي نفهمهم ما هو دور الرجل المالي عندنا" (Montesquieu. "Esprit des Lois", ed. Londres, 1769, t. IV, p. 33).
(13) Mirabeau، المرجع المذكور، المجلد 6، ص 101.
(14) Eden، The State of the Poor ، الكتاب الثاني، الفصل الأول، ص 421.
(15) John Fielden، لعنة نظام الفبارك، ص 5 و 6. وبصدد البشاعات المقترفة في بداية عهد الفبارك، راجع Dr. Aikin، وكذلك Gisborne "Inquiry into the Duties of Men", 1795, v. II.- عندما نقلت الآلة البخارية الفبارك من مساقط المياه الريفية النائية إلى المدن، وجد الرأسمال المولع "بالتقشف"، ان اليد العاملة الطفولية جاهزة في متناول يده، وان لا حاجة له إلى جلب عبيد من مأوى العمل عنوة. وحين عرض السير روبرت بيل (والد "وزير الأدب") على البرلمان مسودة قانون لحماية الأطفال، عام 1815، أعلن فرنسيس هورنر (النجم المنير في "لجنة السبائك" وصديق ريكاردو الحميم) في مجلس العموم قائلا: "يعرف الجميع انه جرى مؤخراً عرض زمرة، ان جاز استخدام هذه الكلمة، من هؤلاء الأطفال للبيع سوية مع الممتلكات المنقولة لأحد المفلسين، وبيعت بالمزاد العلني كجزء من ممتلكاته. وقبل عامين (في 1813) أحيلت قضية بالغة الشناعة إلى "محكمة المقعد الملكي"، تدور عن عدد من هؤلاء الأولاد، الذين أعطتهم إحدى الابرشيات للعمل كمتمرنين عند صناعي من لندن، تنازل عن الأولاد لصناعي آخر، ثم وجدهم بعض الأخيار على شفا الموت جوعاً (absolute famine). واطلع على قضية افظع من هذه عندما كان يعمل في لجنة تحقيق برلمانية... فقبل سنوات قلائل، أبرمت أبرشية من أبرشيات لندن اتفاقاً مع صناعي من لانكشاير تعهد فيها بأخذ طفل معتوه مع كل عشرين طفلاً سليماً".
(16) في عام 1790، كان هناك عشرة عبيد أرقاء، مقابل رجل حر واحد في الهند الغربية الإنكليزية، و14 عبداً رقيقاً مقابل حر واحد في الهند الغربية الفرنسية، و23 مقابل واحد في الهند الغربية الهولندية
(Henry Brougham. "An Inquiry into the Colonial Policy of the European Powers" Edinburgh, 1803, v. II. p. 74).
(17) نجد ان عبارة "Labouring poor" ("الفقراء العاملون") ترد في القوانين الإنكليزية منذ ان اكتسبت طبقة العمال المأجورين مقاييس تلفت الانتباه. ويستخدم هذا التعبير تمييزاً له عن "idle poor" ("الفقراء المتعطلين") والشحاذين ومن إليهم، ومن جهة، وتمييزاً له عن الطير الذي لم ينتف ريشه بعد، أي الشغيلة، الذين لا يزالون مالكين بعد، لوسائل العمل الخاصة بهم، من جهة أخرى. وانتقل تعبير "labouring poor" من دفاتر القانون إلى الاقتصاد السياسي، وقد أورثه كولبيير، وج. تشايلد، الخ.، إلى آدم سميث وايدن. بعد هذا يمكن للمرء ان يحكم لي bonne foi (حسن نية) ادموند بورك هذا "execrable political cantmonger"("المنافق السياسي البغيض")، الذي وصف تعبير "labouring poor" بأنه "execrable political cant" ("نفاق سياسي يغيض"). ان هذا المتملق الذليل، الذي قام بدور الرومانتيكي المناهض للثورة الفرنسية، لحساب الطغمة المالية الإنكليزية التي كانت تدفع له، مثلما قام بدور الليبرالي المناهض للطغمة الإنكليزية، لحساب المستعمرات الأمريكية الشمالية التي كانت تدفع له، أيام بدء الاضطرابات في أمريكا. اما في الواقع فقد كان برجوازياً مبتذلا تماماً. "ان قوانين التجارة هي قوانين الطبيعة وبالتالي فهي قوانين الرب.
(E. Bruke. "Thoughts and Details on Scarcity", ed. London, 1800, p. 31, 32).
لا عجب اذن، وهو الوفي لقوانين الرب والطبيعة، ان يبيع نفسه دوماً في افضل الاسواق! ومن الممكن ان نجد صورة جيدة عن الادموند بورك هذا، ايام عهده الليبرالي، في كتابات تاكر. لقد كان تاكر كاهناً وعضواً في حزب المحافظين (التوري)، وفيما عدا ذلك كان رجلا جديراً بالاحترام، واقتصادياً بارعاً. وازاء اللامبدئية الشائنة التي تسود في زمننا هذا، وتؤمن ايماناً مبجلا بــ "قوانين التجارة"، فان واجبنا الملزم يقضي بان نسم بميسم العار، دون كلل، جميع الذين من طراز بورك، الذين لا يتميزون عن اخلافهم بشيء عدا الموهبة!
(18) Marie Augier. "Du Credit Public".
(19) تقول مجلة "Quarterly Reviewer"، "ان رأس المال يتحاشى الضجة والمنازعات، فهو يتسم بالوجل، وهذا القول صحيح لكنه لا يعرض الحقيقة كلها. ان رأس المال يرعبه انعدام الربح، أو الربح الضئيل جداً مثلما قالوا فيما مضى ان الطبيعة تمقت الفراغ. وان ربحاً مناسباً يجعل رأس المال جريئاً، و10 في المئة تدفعه لأن يعمل في أي مجال، و20 في المئة تزيد اندفاعه وتوقه، و50 في المئة تجعله طائشاً متهوراً، و100 في المئة تجعله يدوس بالاقدام كل القوانين البشرية، وعند 300 في المئة لن يتورع عن ارتكاب أية جريمة، أو خوض أية مخاطرة، حتى لو عرضت مالكه إلى حبل المشنقة. واذا كانت الضجة والمنازعات تأتيه بالربح، راح يشجعها جميعاً بطيب خاطر. وقد قدم التهريب وتجارة العبيد البرهان على كل ما نقول هنا" T. J. Dunning، المرجع المذكور، ص 35و36).
(20) "لقد بلغنا وضعاً جديداً تماماً بالنسبة إلى المجتمع... فنحن نسعى إلى فصل كل نوع من الملكية عن كل نوع من العمل"
Sismondi. "Nouveaux Principes de IEconomie Politique". t.II (Paris, 1827), p. 434
(21) "ان رقي الصناعة الذي ليست البرجوازية الا خادماً منفعلا له ومقسوراً على خدمته يستعيض عن انعزال العمال الناتج عن تزاحمهم، باتحاد ثوري بواسطة الجمعيات. وهكذا ينتزع تقدم الصناعة الكبرى من تحت اقدام البرجوازية نفس الاسس التي شادت عليها نظام انتاجها وتملكها. ان البرجوازية تنتج قبل كل شيء حفاري قبرها، فسقوطها وانتصار البروليتاريا كلاهما امر محتوم لا مناص منه... وليس بين جميع الطبقات التي تقف الآن امام البرجوازية وجهاً لوجه الا طبقة واحدة ثورية حقاً، هي البروليتاريا. فان جميع الطبقات الاخرى تنحط وتهلك مع نمو الصناعة الكبرى، اما البروليتاريا فهي، على العكس من ذلك، اخص منتجات هذه الصناعة. ان الفئات المتوسطة، من صغار الصناعيين والباعة بالمفرق والحرفيين والفلاحين، تحارب البرجوازية من اجل الحفاظ على وجودها بوصفها فئات متوسطة. فهي ليست اذن ثورية، بل محافظة، واكثر من محافظة ايضاً، انها رجعية، فهي تطلب ان يرجع التاريخ القهقرى ويسير دولاب التطور إلى الوراء" (كارل ماركس وفريدريك انجلز. "بيان الحزب الشيوعي"، لندن، 1848).
(22) نعني بالبرجوازية طبقة الرأسماليين المعاصرين، مالكي وسائل الإنتاج الاجتماعي الذين يستخدمون العمل المأجور. ونعني بالبروليتاريا طبقة العمال الأجراء المعاصرين الذين لا يملكون أية وسائل إنتاج فيضطرون بالتالي إلى بيع قوة عملهم لكي يعيشوا. ( ملاحظة إنجلز للطبعة الإنجليزية عام 1888)
(يستخدم مصطلح "برجوازي" على وجهين: إما للدلالة على طبقة الرأسماليين، كما ورد أعلاه؛ وإما للدلالة على مجتمع المدينية التي نشأت كتجمعات حول المصانع أثناء وبعد الثورة الصناعية.)
(23) وعلى الأصح التاريخ المكتوب كله: ففي عام 1847 كان تاريخ النظام الاجتماعي الذي سبق كل تاريخ مكــتوب، أي عهد ما قبل التاريخ، مجهولا تقريبا. وبعدئذ اكتشف هاكستهاوزن في روسيا الملكية المشاعية للأرض، وبرهن مورير ان هذه الملكية المشاعية كانت الأساس الاجتماعي الذي انطلق منه تاريخيا تطور جميع القبائل الجرمانية، ثم تبين شيئا فشيئا ان المشاعة الريفية مع التملك الجماعي للأرض كانت في الماضي أو تؤلف الآن الشكل البدائي للمجتمع في كل مكان من الهند إلى أيرلندا. وأخيرا اتضح تماما التنظيم الداخلي لهذا المجتمع الشيوعي البدائي بما فيه من ميزات أساسية، عقب اكتشاف مورغان الذي بيّن الطبيعة الحقيقية للعائلة البدائية الأولى ومكانها من العشيرة. وبانحلال هذه المشاعة البدائية يبدأ انقسام المجتمع إلى طبقات متمايزة تصبح في آخر الأمر متناحرة. وقد حاولت تتبع سير هذا الانحلال في كتابي "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة". ( ملاحظة إنجلز للطبعة الإنجليزية سنة 1888).
(24) المعلم : عضو كامل الحقوق في الحرفة، معلم في داخل المشغل لا رئيسه. ( ملاحظة إنجلز للطبعة الإنكليزية سنة 1888).
(25) "الكومونة": هكذا كانت تسمى في فرنسا المدن الناشئة حتى قبل ان تنتزع من مالكيها وأسيادها الإقطاعيين الإدارة المحلية الذاتية والحقوق السياسية " للفئة الثالثة ". وبوجه عام، أخذت إنكلترا هنا نموذجا لتطور البرجوازية الاقتصادي وأخذت فرنسا نموذجا لتطور البرجوازية السياسي.( ملاحظة إنجلز للطبعة الإنكليزية عام 1888).
الكومونة: هكذا كان سكان المدن في إيطاليا وفرنسا يسمون مجموعتهم المدينية، فور انتزاعهم أو شرائهم من سادتهم الإقطاعيين حقوقهم الأولية في الإدارة الذاتية. ( ملاحظة إنجلز للطبعة الألمانية عام 1890).
(26) البطركية: نظرية ترى ان السلطة السياسية تنجم عن، أو تشتق من "حكومة المنزل".
(27) حثالة البروليتاريا، الرعاع.



#الياس_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...


المزيد.....

- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى
- تحديث.تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ
- تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - الياس شاهين - كارل ماركس- فريدريك إنجلز