أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الجبار السعودي - فرشاة حامد .. أنامل حامد !














المزيد.....

فرشاة حامد .. أنامل حامد !


عبد الجبار السعودي

الحوار المتمدن-العدد: 1346 - 2005 / 10 / 13 - 10:23
المحور: الادب والفن
    


لو قــُــدّر لكل الفنون أن تحيـــــا وتعيش وتنتعش في قلوب الناس .. في موسيقاها والأنغام التي تخاطب الروح المتعبة وأنينهـــا ، وفي فرح الألوان ومعانيها وهي تغازل النظرات والعقول ، وفي رقصٍ الأجساد في لهو ٍ ومرح ٍ وهي تنادي العشاق والمحرومين معاً !
لو قـُـدّر لصور الموهوبين وحركاتهم وإيماءاتهم فوق خشبات المسارح وهي تداعبُ أسماع المتعطشين لحلو الكلام .. أن تعلو ، دون خوف ٍ أو رعبٍ من عيون الرقيب !
لو قدّر للأيادي الماهرة أن تتحدى الصخرَ والفولاذ وتصنع أجساداً حية ً كما خطها ( جواد سليم ) وصحبه الخالدين !
لو قــُد ّر لـ ( سعيد أفندي )* أن يحيا من جديد و يعتلي منصة الفائزين في مهرجان ( كان ) السينمائي ويقلب رأس السمكة ِ طازجاً ، لا عفنــــاً في رائحته !
لو قــُد ّر لكل هذا وذاك في دولة تحترم الإنسان وبني البشر نساءً و رجالاً وتنهض بالعقول والموهبة وحركة الأجساد والفرشاة والألوان والموسيقى ومعانيها ولا تهين كرامة كل مبدع عطش ٍ وتشبعه المذلة والهوان ، لكان ليومنا هذا الذي نعيشهُ طعمـــاً ولونـــــاً ونكهة لا تضاهيها كل مذاقات الدنيا وجنائنها .. وتسمو بها أرواح الصغار والكبــــار معاً صبية وفتيانــاً ، ولكان لفرشاة ( حامد ) حكاية ً أخرى ، غير تلك التي بها إنتهت !
كما هو وغيره من رياحين الوطن ونبعه ِ ، سيــق َ إبن الجنوب البار والبصرة الفيحاء والوطن المبتلى عنوة الى حيث الموت الزؤام و جيف الضحايا القتلى ومهانة الأحياء وقسوة عيشهم وحيث المآتم و دموع الباكيات الناحبات !
ســـيق َ حامد الى مجهول ٍ حيث لا يدري ، ولا نحن معه ندري ! وكيف سيؤول قادم الأيام ، وحيث كل هذه الدماء التي تسيل ! وعيون التراب والطين المسحوق من زمن بابل وما سبقه من أيام سومر وأحاديثها والأساطير الخالدة وما خطه الأجداد المنسيون وكتاباتهم المسمارية .. و روح العصر الجديد الذي سحقته ولا تزال بقسوة عُقب العسكر الحديدية وأوامرهم وأحلامهم وغطرستهم الجنونيــــة التي لا حدّ لها !
وكما نهضتْ أولى تلك الأحرف التي أصبحت تأريخاً وحضارة تتباهى بها الإنسانية ليومنا هذا وتتحدث عن وطن الرافدين الذي خط ّ الكتابة و رموزها ، نهضت فرشة حامد من قعر الماء الساكن بالألوان ، لتداعب سطوح الأقمشة البيضاء المؤطرة بالخشب و لترسم خطوطـــــاً وألوانــــا مشوهة .. نزفت منها روح الساكنين في الوطن الجريح .. ونزفت منها و بها روح حامد المرتعبة والخائفة !
لكَ أن تأتي أيها الجندي ( المرقم ........ ) الى دهاليز القصور المرمرية .. وحيث ( الزاهي بعصره ) و ( المؤمن بالله ونصره ) يقف أمامك ضاحكاً .. منتشيــــاً بأوسمة النصر على شعبه المدحور منذ شباط الأسود .. وليومنا هذا !
وقفت َ يا حامـــد ، وأنت الحالم والضاحك والمغدور من قسوة الطاغي وقانون حياته وحلمه الجنوني و سفاهته و صفاقته ، لكي تخط أناملك السمراويتان ونظرات عيونك و ريشتك المرتعبة .. صوراً مشوهة لا ملامح لها ولا طعماً ولا شغفـاً في قلوب المحرومين والمنكوبين بنار الحروب التي أنت وغيرك وقودها المشتعلة ! وما أن أنتهى المشهد الأول و تلاه المشهد الثاني ، وما توالى من مشاهد محزنة و باكية إمتلأت بها قصور الطاغية وساحاته وإمتدت صورها الدامية والمرعبة من أقصى الشمال وحتى جنوب الفاو و حيث أشجار الحنـــّاء ، حتى كنت وسط الشارع المليئ أنينــــاً وعذابات ودموع ، لكي تبكي معهم على نزيف و نواح الوطن المنكوب والحزين والمثخن بالجراح .. ينظر اليك الطغـــاة بعيون الرقيب والحسيب والمتوعد بالشر ، بدلاً من أن تكون فرشاتك وعبقرية ما أنتجه خيالك الخصب وثراء عائلتك الفني محط تقدير و رعاية ، ليس لك وحسب ، بل للوطن الذي أنجبك وعشت فيه !
وكما يبست ثمار النخيل وجفت عروقها وأحرقت جذوعها بنيران القذائف والشظايا ، وكما هربت الطيور المهاجرة من أهوار وبطائح العراق التي إنتقم منها الطغاة بحثاً عن بقعة ما تحط فيها ، وكما سكتت أنامل العازفين وشح ّ النطق بعذب الكلام وحلاوته وطربه ، جفت فرشاة رسمك و روحك المعطاء يا حامد و رحت تبحث وتلهث سريعاً في فوضى الجوع الذي يلف الوطن وأحلام أبناءه المشروعة في الرفاهية والعيش الكريم والرغيد . ولأن حلمك وأحلام من حولك هي دوماً ضحايا ما أنتجته الحروب الرعناء وعلاقات السوق وطمع الكبار وجشعهم من أجل حفنة دولارات ، فقد خذلتك الأيام وضاقت بك سبل العيش ولقمته الكريمة وأنت في مقتبل عمرك وحياتك اللاهثة نحو بيت سعيد ! وسقطتَ .. وكان يوم الرحيل عنا قاسياً ، مؤلمــــاً ، كعذاباتنا التي بها نعيش و نودّع من حين لآخر حبيب هنا ومبدع هناك ! رحلت عنا وتركت لنا ذكريات عن صحبة وضحكة كنــــا نقرأها في عيونك الوادعة ! وإن ْ بكينـــــاك حينــــاً و صمتنــــا مرغمين ، فإننـــــا لن ننسى أحلامك التي لو قــُدّر لها أن تنمو وتنضج وتتحقق في وطن معافى ، لكانت فرشاتك وأناملك ستحكي لنا عن عصر جديد تضاهي به عبقرية دافنشي و أنجلـــو و رامبرانت و فان خوخ و رافاييــــل و آبـــــل وفرانشيسكو دي جويــــا وغيرهم من مبدعي فنون الرسم وخطوطه وألوانه والذين يحفظ التأريخ لهم إبداعاتهم و كنوز ما تركوه لنــــا وللبشرية قاطبة ، ولكانت ساحات الوطن الغنـــّاء تشهد لك كل هذا العشق للألـــــوان و زهوهـــــا ومعانيها !
نحن لا نبكي غيابك عنا وحسب ، بل عذاباتك ومعها عذابات الوطن ! وأقسى ما في رحيلك يا صاحبي .. أن تجف الفرشاة والأنامل المبدعة الى الأبد !
----------------
* حامد جميل عزيز الفنان العراقي المندائي الذي غيبه الموت في 8 إكتوبر الجاري 2005 في أرض الوطن بعد معاناة من مرض عضال وشظف العيش عن عمر يناهز ( 41 ) الواحدة والأربعين عاماً .
* سعيد أفندي إشارة للفيلم العراقي الذي يحمل نفس الأسم والذي أنتج وعرض عام 1957 وقام ببطولته الفنان يوسف العاني وفنانة الشعب الراحلة ( زينب ) .


بصرة – أهـــــوار في إكتوبر 2005











#عبد_الجبار_السعودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ويستمر القتل ُوالخطفُ المتعمد للصابئة المندائيين !
- ممارسات مدمرة .. يدفع ثمنها الشعب والوطن
- ضحك على الذقون
- وعند كوبا .. بلسم ٌ للجراح


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الجبار السعودي - فرشاة حامد .. أنامل حامد !