أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ذ:سعيد الكواكبي - بيير بورديو:بناء الموضوع في علم الإجتماع















المزيد.....



بيير بورديو:بناء الموضوع في علم الإجتماع


ذ:سعيد الكواكبي

الحوار المتمدن-العدد: 4853 - 2015 / 7 / 1 - 22:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من خلال أحد ألمع كتبه الذائعة الصيت » حرفة عالم الاجتماع « الذي يساعدنا على استجلاء الخطوط العامة للمشروع المنهجي لدى " بورديو " كما أنه كتاب أساسي في الإبستمولوجية السوسيولوجية عند بورديو . و يعرض فيه للمبادئ الأساسية " العقلانية التطبيقية " في العلوم الاجتماعية و يوضح لمراحل يعتبرها على خط " غاستون باشلار " ضرورية لإنتاج المعرفة في علم الاجتماع و يلخصها في صورة موجزة " الوقائع تنتزع . تبنى تعاين "
على هذا الأساس يذهب بورديو إلى أن البحث العلمي ينتظم في الحقيقة حول موضوعات مصاغة مبنية بصورة تفقدها أية صلة بالوحدات التي يقسمها التصور الساذج . هذا يعني أنه يعتبر الموضوع السوسيولوجي موضوع مبني منتزع موضوع فارق صورته الخام ليصير موضوعا علميا أو قابلا للدراسة العلمية . فإذا رافقنا بورديو من خلال القسم الثاني من هذا الكتاب و الذي عنونه " بناء الموضوع " نجده يستحضر كل من "دي سوسور" و"كار ماركس" و" إيميل دور كايم" و" ماكس فيبر " إذ يقول سوسور: » وجهة النظر تخلق الموضوع . أي أن علما معين لا يمكن أن يتحدد بميدان من الواقع يكون مخصوصا به « و كما يلحظ " ماركس " » فإن الكلية في الخارج بوصفها كلية يتفكر بها أي ما هو في الخارج و متفكر به ، هي في الحقيقة نتاج الفكر نتاج فعل الإدراك ( ...) فالكلية كما تظهر في الذهن أي ككل متفكر به هي نتاج الدماغ المفكر الذي يستحوذ على العالم بالطريقة الوحيدة الممكنة و هي تختلف عن الاستحواذ على العالم بالفن أو الدين أو الذهنية العملية . أما الفاعل الواقعي فيبقى كما كان من قبل أي مستقلا خارج الذهن « و نجد أيضا عند " فيبر" المبدأ الأصولي نفسه و هو الذي يشكل أداة القطع مع الواقعية الساذجة إذ يقول » لا تعتبر العلاقات الواقعية بين الأشياء مبدأ لتحديد الميادين العلمية بل إن هذا المبدأ يكمن في الروابط المفهومية بين الإشكالات فلا يولد العلم الجديد إلا من حيث تطبيق طريقة جديدة على مسائل جديدة بغية فتح أفاق جديدة « و نجد بورديو يشيد كذلك بمبدأ " دوركايم " القائل بأنه » يجب اعتبار الظواهر الاجتماعية أشياء « إذ يعتبر بورديو هذا المبدأ بمثابة انقلاب نظري خلق به دوركايم موضوع علم الاجتماع وهو شبيه بالانقلاب النظري الذي أحدثه " غاليلو " و صاغ من خلاله موضوع الفزياء الحديثة على أساس نظام من العلاقات القابلة للكم ، و يشبه بورديو مبدأ دوركايم هذا القرار المنهجي الذي اتخذه " سوسور " بإعطاء الألسنية وجودها و موضوعها المخصوص عندما ميز بين اللغة و الكلام المحكي .
لم يستحضر " بورديو " هؤلاء المفكرون عشوائيا و إنما ليبين لنا بأن العلم يبني موضوعه في مواجهة الحس الشائع . و على أساس المبادئ التي تحدده كعلم . فلا شيء يقابل بديهيات الحس الشائع أكثر مما يقابلها التميز بين الموضوع الواقعي المبني مسبقا في مرتبة التصور و موضوع العلم يوصف نسقا من العلاقات المبنية بناءا مقصــودا و هادفا ، و لا يمكن حسب " بورديو " توفير شروط بناء الموضوع إلا بالتخلي عن البحث عن الموضوعات المبنية سلفا أو مقتطعة من الواقع . لأن هذه الموضوعات لا يتحقق إدعاؤها بأنها مسائل علمية إلا بقدر ما يرى فيها علماء الاجتماع مسائل علمية . لأن الإكثار من الدمج بين المؤشرات المتنزعة من التجربة السائدة لا يكفي لبناء الموضوع إذ يبقى الموضوع هنا باعتباره نتاج لسلسلة من تقسيمات الواقع . موضوعا شائعا لا يرقى إلى مرتبة الموضوع العلمي حتى و إن كان قابلا للمعالجة باستخدام التقنيات العلمية .
إلا أن عملية البناء هذه أي بناء الموضوع في علم الاجتماع التي يركز عليها " بورديو " لا تخلو كما لا تتم خارج مجموعة من العوائق التي تعترض عملية البنـــاء أو تعمل على تهديمها لهذا نجده يستعمل كما يدعو إلى استعمال الإبستمولوجيا في تناول القضايا السوسيولوجية . و يستلهم خصوصا خطاطة باشلار . و هذا ما عبر عنه في القسم الأول المعنون ب " القطع المنهجي " يدعوا إلى استخدام مجموعة من تقنيات القطع. الكفيلة بتأمين عملية بناء الموضوع مؤكدا على أهميتها الخاصة في ميدان العلوم الإنسانية .
المعرفة الاجتماعية العفوية و سلطان اللغة :
هناك صعوبة تواجه قيام علم الاجتماع تعود بالأساس حسب " بورديو " إلى التجربة العلمية و التجربة الساذجة و التعبيرات الساذجة و التعبيرات العلمية لهاتين التجربتين ، و لهذا يرى أن علم الاجتماع لا يستطيع أن يتشكل كعلم بالفعل . طالما أن الخبر الاجتماعي العفوي لم يتلق ضربة مباشرة في صميم فلسفة معرفة الفعل الإنساني التي تستند إليها . و بعبارة أخرى . ما لم يقابل المعرفة الاجتماعية العفوية أو الخبر الاجتماعي العفوي بمقاومة منتظمة تنبثق عن نظرية في المعرفة الاجتماعية تواجه انطلاقا من مبادئها افتراءات فلسفة الاجتماع البديهية . لأن المعرفة الاجتماعية العفويـة و هم أي أنها انعكاسية مرتبطة بالمشاعر و الأحاسيس و العواطف و الغرائز و غير مرتبطة بالعقل و التحليل العقلي أو أنها ليست نتيجة للبحث و النقد و التجربة و الملاحظة و المقارنة و التحليل المنطقي أو نتيجة لاستخدام مفاهيم أو طرق و مناهج علمية و هي نظرا لذلك لا تعبر عن حقيقة الأشياء و لا تعتبر علمية .
لهذا السبب نجد بورديو يحذر من المعرفة العفوية في العلوم الإنسانية و يؤكد خطرها في هذه العلوم و هو أكبر منه في العلوم الأخرى . و نظرا للفصل غير الواضح بين الرأي المتداول المشترك و الحديث العلمي و على هذا الأساس يرى بورديو أن الفصل غير الواضح في العلوم الإنسانية هو أكبر منه مثلا في العلوم الطبيعيـــــة و الفيزيائية ، و هذا راجع إلى السبب الذي يجول دون هذا الفصل ألا و هو تأثير العامية المسبقة أو الهوسات ( الافتراضات المسبقة ) لهذا يعتبر بورديو أن للتنبه المنهجي الأصولي أهمية خاصة في ميدان العلوم الإنسانية .
فلفترة من الزمن غير بعيدة كان تاريخ العلوم الإنسانية . بمثابة تاريخ للإديولوجيا و برز هذا التأثير في العلوم الإنسانية . لأن العالم الإنساني . أو عالم الاجتماع مثلا يجد نفسه متورطا في الموضوع الذي يتناوله و ذلك راجع للألفة التي تربط الإنسان بمدره الاجتماعي و التي تشكل حسب بورديو العائق المنهجي الأول أمام عالم الاجتماع نظرا لصعوبة الفصل بين الذات و الموضوع بحكم الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه .
فالوقائع الاجتماعية هي نتاج الإنسان أو من صنعه أو هي بعبارة أخرى ذات صفة إنسانية . و بعكس عالم الاجتماع فعالم الفيزياء يتناول موضوعا غير متورط فيـه مباشرة . أو هو من طبيعة مختلفة و هو لذلك يمكن أن يكون أكثر حيادية و علمية منه ، و أقل تأثيرا بالمفاهيم العامية المشركة و بالتالي يعتمد أسلوبا أقرب إلى العلم من الأسلوب الذي يعتمد عالم الاجتماع . و لدى يرى بورديو أنه كما أن العلوم الفيزيائية قد اضطرت إلى أن تقطع بحزم صلتها بالتصورات الإيحائية للمادة و للتأثر بها ، فلابد للعلوم الاجتماعية من إجراء قطيعة منهجية أصولية قادرة على التميز بين التأويل العلمي و التأويلات المصطنعة
و تبقى التحذيرات من عدوى المعرفة الاجتماعية العفوية . مجرد تعاويذ إذا لم تترافق مع جهد يؤمن للتنبه المنهجي سلاحا يتفادى به عدوى المفردات الخام التي تصيب المفاهيم و للتخلص من المفاهيم العفوية لابد لعالم الاجتماع أن يقوم بنقد دائـــــم و لا هوادة فيه للبديهيات المضللة و العمياء التي تمدنا من دون عناء بوهم المعرفة المباشرة التي توهم بأهمية المعطيات التي تقدمها إليه نظرا لكثرتها و غنائها و تشعبها ، و بعبارة أخرى فإن عالم الاجتماع لا يتخلص أبدا من الفكر الاجتماعي العفــــوي إلا بالإطراح النهجي لهذا النوع من المعرفة على محك النقد المنطقي .
و نظرا لأن تاريخ العلوم الإنسانية لا يمكن فصله عن الإيديولوجيا لطبيعة العلاقة بين العلم و موضوعه فإن عالم الاجتماع لن يجد في إرثه النظري الوسائل و المفاهيم التي قد تسمح له بأن يرفض جذريا اللغة المتداولة الشائعة بما تحتويه من مفردات عامة مشتركة ، و بعبارة أخرى بسبب هذا الإرث الإيديولوجي في الكلمات وفي و الأفكــار و لتجنب المفردات الخام أو الفاهيم المسبقة ، مدعو عالم الاجتماع إلى تطبيق تقنيات القطع ( النقد المنطقي ) على المفردات الخام و الآراء الأولية على اعتبار أن هذه المفردات تستمد بداهتها و سلطانها كما يلحظ ذلك دوركايم من الوظائف الاجتماعية التي تقوم بها . و بالتالي فسلطان هذه المفردات بالغ القوة لهذا يجب الاستعانة بكل تقنيات القطع الممكنة لإنجاز عملية القطع المنهجي التي يدعو إليها بورديو و هذا ما دعا إليه سلفه دوركايم من خلال دعوته إلى استبعاد المفاهيم المسبقة أي البناءات المسبقة الخاصة بالمعرفة الاجتماعية العفوية . و ذلك ببناء نظام من العلاقات تحدد ماهية الواقعة العلمية و هذا يعتبر بمثابة بناء نظري مؤقت يهدف قبل كل شيء إلى استبدال مفردات الفهم الشائع بمفهوم عملي أولي
فبورديو يعتبر أن الاستخدامات العلمية للغة العادية تشكل المسرب الرئيسي للتصورات الشائعة في المجتمع و على هذا الأساس فإن النقد المنطقي المعجمي للغة هو الذي يؤمن الشرط المسبق و الضروري لصياغة المفاهيم العلمية صياغة محكمة ، فالنقد المنطقي أداة لا بديل لها بالنسبة لعالم الاجتماع لأنه وسيلة يزيل بها الغشاوة الدلالية كما يقول " وليام جيمس " التي تحيط بالكلمات الأكثر شيوعا ويمكن عالم الاجتماع من كشف حقيقة الكلمات و كذا الهالة السيمانتية التي تحيط بالكلمات الأكثر استعمالا . فيحدد المعاني السطحية التي قد تشوه حديثه أو صياغته و يعمل على إبعادها ، و في حالة عدم إخضاع اللغة العادية لمحك النقد . نضطر لتأكيد كمعطيات أشياء مبنية مسبقا بواسطة اللغة المتداولة . فعالم الاجتماع ، إن لم يتلافى استخدام المفاهيم الخام فإنها تتقدم محتجبة بمظاهر الصياغة العلمية و تتمكن من شق طريقها في متن الخطاب العلمي .
إن الحذر الإبستمولوجي * الذي يتطلبه بورديو من عالم الاجتماع من أجل استخدام مفاهيم واضحة لا لبس فيها يفترض كذلك ألا يلجأ هذا الأخير إلى استخدام بعض المفاهيم و الصور ذات المصدر البيولوجي أو الميكانيكي أو الفيزيائي . أي لا يستعير المفاهيم من مدار خارج الاجتماعي و هنا يستحضر بورديو باشلار الذي بين كيف أن آلة الخياطة لم تخترع إلا حين توقف مبتكرها عن تقليد الحركات التي تقوم بها الخياطة
و يبرر بورديو موقفه بأن هذه المفاهيم تحمل في طياتها أفكارا فلسفية لا تتناسب مع الحياة الاجتماعية و هي تحبط الباحث . و تبعده عن التفسير المخصوص لها . لأنها لا تسمح بفهم الظواهر الاجتماعية التي هي من طبيعة مختلفة . فأي نوع من المفاهيـم لا يتوقف إلا مع نوع معين من الظواهر .
المفاهيم الفيزيائية و البولوجية مع الظواهر الطبيعية التي تعبر عن العلاقات بين الأشياء و المفاهيم الاجتماعية مع الظواهر الاجتماعية التي تعبر عن العلاقات مع الأفراد و الجماعات . و إذا لم يخضع الشرح لهذا المنطق فسيكون سطحيا و غير علمي
و يوضح بورديو فكرته من خلال عدة أمثلة . فمثلا . مفاهيم التوازن و القــوة و الضغط ، قد تعطي مظهرا للشرح . و إذا لم يحدد عالم الاجتماع معناها الاجتماعي الواقعي الذي يختلف في بعض الأحيان عن المعاني الفيزيائية و البيولوجية و الميكانيكية المعطاة لها ، فلا يكفي القول مثلا بأن الانفجار أو الثورة ينتج عن القمع . فهذا يعتبر نقل ميكانيكي لا يكشف الحقيقة ، و قد يخبأ مفاهيم عديدة غير واقعية ، ما يجب القيام به هو معرفة الأوضاع و السيرورات التي تؤدي إلى الانفجار أو الثورة ، و إذا كان لابد من استخدام مفهوم القمع فيجب في هذه الحالة تحديد معناه الاجتماعي أو تحديد السيرورة الاجتماعية التي تؤدي إلى حدوثه ، و لا يختلف الأمر بالنسبة إلى دراسات الانتشار الثقافي التي تعتمد على شرح خاصية ثقافية ما على نموذج بقعة الزيت ، فيجب ألا يشرح الانتشار الثقافي بطريقة ميكانيكية لا تعبر عند السيرورة الاجتماعية الحقيقية التي تؤدي إليه .
المهم بالنسبة لبورديو هو أن يستخدم عالم الاجتماع مفاهيم علمية تنتج عن تحليل علمي لها بحيث يتوضح مهناها و تتوضح الوظائف التي تقوم بها . و لا يعتبر بورديو أول من دعا إلى مواجهة المعرفة المباشرة . فهناك علماء آخرون سبقوه إلى ذلك أمثال " أوكست كونت " و " إميل دوركايم " و " كارل ماركس " فدوركايم الذي يرى أن للوقائع الاجتماعية ثباتا مخصوصا و طبيعة مستقلة عن أهواء الفرد تتفرع عنها روابط ضرورية ، و كذلك ماركس الذي لم يقصد شيئا مغايرا حين قال بأن البشر يعقد خلال الإنتاج الاجتماعي لوجودهم علاقات مقدرة ضرورية مستقلة عن آرائهم . كما أن موقف بورديو بخصوص فهم الظواهر الاجتماعية لا يتمثل في دعوته إلى استخدام مفاهيم تتوافق مع طبيعتها بقدر ما يتمثل في إخضاع المفاهيم الشائعة للنقد المنطقي .

بناء الواقعة :
بعد التوصيات الأخيرة التي عرضنا لها و المتعلقة بتطبيق تقنيات القطع مع كل العوائق الإبستمولوجية . لتأمين عملية البناء . ينتقل بورديو إلى التذكير بمبدأ إبستمولوجي أساسي يتمثل في التذكير الدائم بأن الواقع لا يأخذ المبادرة أبدا كونه لا يجيب إلا حين يسأل . و على هذا الأساس يستحضر بورديو باشلار ، الذي كان قد أرسى بتعبير أخر : » ... كون السهم المنهجي يتجه من المدرك العقلي نحو الواقع و ليس بالاتجاه المعاكس . أي من الواقع العام كما كان عليه مذهب الفلاسفة ابتداء من أرسطو وصولا إلى با يكون .... « و يعتبر بورديو أن في حالة تجاهل هذا المبدأ من طرف عالم الاجتماع سوف يدفع به إلى القيام بمقارنات غير صحيحة ، فيماثل بين وقائع أو بين عناصر لا يمكن المماثلة بينها ، و يظهر تناقضات و اختلافات الأولى به أن يظهرها كتمثلات . و يظن أن معالجته موضوعية ، و أن الخصائص التي يتكلم عنها خارجية قائمة بذاتها ، و ينفي أن تكون لمعالجته هذه صفة ذاتية .
من خلال هذا الموقف يحاول بورديو التأكيد على الطابع الذاتي للفهم فالمعطيات التي يعتبرها عالم الاجتماع أكثر موضوعية هي علاقة في الحقيقة بافتراضاته النظرية المسبقة . فهذا العالم يجدد تقريبا ما يريده من معلومات أي ما يراه مهما بالنسبة لــه . و يترك ما لا يراه مهما و يمكن أن يكون الجزاء الذي يراه غير مهم هو الجزاء الذي يمكن أن يظهر في محاولة جديدة لبناء الوقائع . و ما اعتبره مهما . لا يكون كذلك بالنسبة إلى عالم أخر .
فليس هناك أكثر خطأ من الفكرة القائلة بأن " الوقائع تتحدث عن نفسها " لهذا يعتبر بورديو أن علم الاجتماع فيما لو انطلق من مبدأ " أن الوقائع لا تتكلم " لكان أقل حساسية بالنسبة إلى التجريبين الذين يدينون استخدام النظرية في الفهم ، و بالنسبة إلى الموضوعين أيضا الذين يقولون بوجود وقائع موضوعية قائمة بذاتها خارج إرادة وعي الإنسان ، و ينتقد العلوم التي تركز على كلام الأشخاص عندما تحاول فهم الحقيقة ، فكلام الأشخاص ، مع أنه يتجنب مفاهيم الباحث ، لا يعتبر موضوعيا لأنه يرتكز إلى مفاهيم ذاتية عائدة للأشخاص أنفسهم ، و يحذر بورديو علماء الاجتماع من وهم الاعتقاد بأن الإشكالية التي يطرحونها و المفاهيم النظرية التي يستخدمونها في البحث مأخوذة من الوقائع نفسها ، و يعتبر " كماكس فيبر " أن لهذه المفاهيم و هذه الإشكالية صفة ذاتيـة ، و يرى أن ما هو ذاتي غير كاف للفهم ، فالاستماع إلى الأشخاص و تسجيل مواقفهــم و أحكامهم لا يقدم شرحا أو فهما علميا لا بالنسبة إلى الوقائع و لا بالنسبة إلى تصرفاتهم فلن يكون التحليل علميا إذا استبدل الباحث مفاهيمه المسبقة بتلك العائدة لمخبريه . لذا على الباحث ألا يكتفي ببعض الوسائل المستخدمة . و مع أن بورديو يؤكد على الطابع الذاتي للفهم فإنه كماكس فيبر لا يريده تعسفيا .
و بعد ذلك ينتقل بورديو إلى التشكيك في المنهج الموضوعي لفهم الوقائع . و في الأسئلة الحيادية ، على اعتبار أن ذلك ليس باستطاعته إخفاء ما هو ذاتي . لأن إقامة البراهين تفترض بناء مفاهيم معينة . و هذا العدم المقصود بعدم الانطلاق من مفاهيم محددة ، يخفي في الحقيقة محاولة من قبل الباحث لبناء مفاهيم . و ينعكس هذا التجاهل للانطلاق من مفاهيم نظرية سلبا على مواقف الباحث – حيث يكون معرضا لتناول إشكالية و مفاهيمه من أحاديث مستجوبية – و على منهجه و على المعلومات التي يحصل عليها . و بالتالي على النتائج التي يتوصل إليها .
يرى بورديو أن الأحاديث " اللاحقيقية " التي يحصل عليها عالم الاجتماع عن طريق الأبحاث السوسيولوجية الحديثة التي تعتمد المقايلات و الاستمارات و التي تتصف بأسئلتها الاصطناعية . أو بحيلة غياب الأسئلة . لا تشرح سوى أحد مظاهر الحقيقة . أي تبقى عاجزة عن إعطاء شرح علمي لها .
بخصوص موقف بورديو من الطرق الحديثة يبدو أن وضع المستجوبين في المقابلات أو في الاستمارات هو وضع اصطناعي لأنه يختلف عن وضعهم الحقيقي في الواقع الاجتماعي . و بسبب ذلك فأحاديثهم أمام الباحث سوف تكون اصطناعية أيضــا و غير متشابهة للواقع و حتى إن كانت تعبر عن وجهات نظرهم ، فهي ليست بالضرورة أحاديث علمية ، لأن المفاهيم العلمية لا تكون نتيجة للحياة العادية أو لتجارب شخصية بل لتجارب علمية يمكن التحقق منها و للتأكيد على صحة ذلك يمكن الإشارة إلى ما بينه " رودولف اليغلون " و " بينيانين ماتالون " بخصوص ظاهرة " الرأي " فهما يقولان مثلا بأن استطلاعات الرأي أو الأبحاث القائمة على الاستمارات لا تعبر بشكل صحيح عنهـا و ذلك لتجاوز معناها السياسي أو السوسيولوجي و اعتبارها بغير حق مجموعة من الأجوبة . الفردية ، و لتجاهل طبيعتها كنتيجة لظاهرة دينامية معقدة حيث تتداخل سيرورة من التأثير و السلطة ، حيث ليس للأفراد التأثير نفسه ، و حيث يلعب الزعماء ووسائل الاتصال دورا أساسيا ، لكن مع ذلك . يعتبر هذان المؤلفان هذا النوع من الدراسات مفيدة لتقديمه معلومات عن هذه الظاهرة في لحظة معينة و تبقى إفادة هذا النوع من البحث محدودة بنظرهما لأنه لا يسمح أبدا بتحليل الرأي كنتيجة و كعامل من دينامية اجتماعية كما لا يسمح بتوقع التصرفات ... و يشيران إلى موقف بورديو من الدراسات التي تتناول ظاهرة التصوير ، فالزيادة في استهلاك أفلام التصوير تبعـا للدخل . برأي بورديو يعود إلى نموذج مبسط للشرح يفترض وجود " رغبة " شاملة للتصوير قد لا تكبح ببساطة إلا بمداخيل غير كافية . و بالنسبة إليه ، فالتحليل " العميق " لهذه الرغبة لا يؤدي إلى فهم ممارسة التصوير التي تتغير على نحو كبير ليس فقط على صعيد الكم . من مجموعة اجتماعية إلى أخرى ، فتبعا للمجموعة التي تنتمي إليهـــا لا تتصور الأشياء نفسها و في المناسبات ذاتها و معاير " الصورة الجيدة " ستتغير مثلما تتغير طريقتنا في التصوير و في تظهير الصورة إن فهم الفروقات الاجتماعية بواسطة الاستمارة قد يعتبر وهما ، لأنه يرجع الظاهرة المدروسة إلى ما هو مشترك بين المجموعات و ليس إلى ما هو أكثر أهمية . و هذا ما يجب القيام به ، و هذا ما أقام به بورديو بالفعل و هو دراسة المجموعات المختلفة بشكل منفصل ... و يرى هذان المؤلفان أن تجاوز هذا المستوى من التحليل قد يؤدي إلى أخطاء كبيرة لحظة التحليل أو لحظة الارتكاز إلى معطيات فردية بهدف الوصول إلى استنتاجات أو تعميمــــات . و يعتبران أن الظواهر لا يمكن إرجاعها إلى بحث واحد . فمقاربات أخرى متممة هي غالبا ضرورية ، و يؤكدان على أن الظواهر الاجتماعية لا يمكن إرجاعها إلى ما يمكن استخراجه مما يقوله الأفراد عنها ، فمعلومات أخرى عن طريق مناهج مختلفة هي ضرورية .
يصل بورديو إلى نقد حالة التأرجح التي يوجد فيها علم الاجتماع بين النظرية الاجتماعية دون ركائز تجريبية و التجربة دون توجه نظري . هذا يعني أن موقفه من هذه المسألة لا يتمثل بالتجربة أو النظرية فحسب و إنما بالعلاقة الجدلية بينهما فلا تجريب بدون نظرية و لا نظرية أو بناء مفاهيم بدون تجارب و لا يمكن تجاهل أي عنصر منهما على اعتبار . أن ما من معاينة أو تجربة إلا و تحرك فرضيات معينـة . و هذا ما يعتبر اليوم أمرا مقبولا بسهولة على الرغم من وطأة التفكير التقليدي في ميدان العلم فتحديد السبيل العلمي يكون عن طريق الحوار بين الفرضية و التجربة ، حيث يضطلع الطرفين بدورين متناظرين تماما و قابلين للاستبدال ، و على هذا الأساس يرى بورديو . أن ناموس العلم الذي يأمر بالخضوع للواقعة ، يؤدي حين يؤول على أساس منطق الاستعارة الثقافية إلى نوع من الاستسلام المطلق أمام " المعطى " و لابد لنا هنا كما يقول بورديو من أن نذكر أولئك العلماء الذين يؤمنون إيمانا باطلا بما يسميه " نتشه " " بسر الإدراك بلادنس " بأن التجربة بمعنى التجربة الخام لم تلعب كما يقول " الكسندر كويري " أي دور سوى دور العائق أمام ولادة العلم الكلاسيكي
فعندما يعنون باشلار منهجه بلما لا " و يصنف تاريخ الغقل في مرتبة التفاصـل او الانقطاع الدائم ، و ينكر على العلم اليقين الذي يؤمنه ما يكتسبه نهائيا ليذكر العلم بأنه لن يتقدم إلا إذا وضع باستمرار على بساط البحث المبادئ التي تحكم أبنيته المخصوصة ... و الواقع أن حالة علم الإجتماع لا تقبل هذا النوع من الومضات النظرية التي سمحت حين أصابت بالنقد أو النفي . قلب نظرية علمية كانت تبدو مكتملة ، سمحت بظهور الهندسات اللاأوقليدية أو الفيزياء اللانيوتونية . و عالم الاجتماع مضطر أبدا إلى بذل جهود غامضة . لإحداث انقطاعات متكررة تقيه إغراءات الحس المشترك الساذج ، و الواقع أنه حين يستعيد الماضي النظري الذي يعين اختصاصه ، فإنه لن يجد نظرية علمية متكونة بل ثراتا . و على هذا الأساس يجب . أن لا نتغافل عن كون التراكم الحقيقي يفترض الإنقطاعات و عن كون التقدم النظري يفترض استيعاب المعطيات الجديدة ، أو إن اقتضى الأمر إعادة النظر بالأصول النظرية التي تضعها هذه المعطيات على المحك و بتعبير أخر . إذا كان صحيحا أن أية نظرية علمية تنطبق على المعطى بوصفها رمزا متشكلا تاريخيا و مؤقتا ، يعتبر في عصر ما بمثابة المبدأ الأسمى الذي يفصل دون إلتباس بين الحق و الباطل . فإن تاريخ إي علم يبقى دائما محكوما بالإنقطاعات . ذلك لأن عملية تدقيق أو تنقية شبكة التأويل أو فك الرموز لا تستمر أبدا إلى ما لا نهاية بل إنها تتم دوما و ببساطة من خلال استبدال شبكة معينة بشبكة أخرى .
إغواءات النبوءة في علم الاجتماع :
يذهب بورديو إلى أن علم الاجتماع على الرغم من أشواط التقدم التي قطعها فهو لا يزال يعاني من عدة مشاكل تحول بينه و بين ترسخه كعلم قائم بذاته ، و يتمثل هذا العائق الأساسي أو الخطر الرئيسي الذي يواجهه في الاتجاه نحو النبوة . كأن يجعل عالم الاجتماع من علم الاجتماع نظاما من الأجوبة الشاملة عن الأسئلة الكبرى حول الإنسـان و مصيره أو الإجابة على أمهات القضايا الخاصة بالحضارة و مستقبلها . منصبا نفسه " نبيا " يستجيب و كأنه العليم الحكيم لتساؤلات طلابه في مجال الخلاص الثقـــــافي و الحضاري و السياسي . و ذلك بتوحيد مملكة صغيرة من المفاهيم التي يريد بسط ملكه عليها . موهما الجمهور بأن كنوز علوم الإنسان و أخر ما توصلت إليه من أسرار سوف تنكشف على يده .
على هذا الأساس يعتبر بورديو. أن العلم لا يفترض به التعبير عن عقائـــد ، أو مذاهب . لأن ذلك لا يكشف الواقع أو الظواهر الاجتماعية فيه . و إنما يعمل على تغطيته و تشويهه و إبرازه على غير ما هو عليه ، و على عالم الاجتماع ألا تتحول غايته العلمية إلى غاية إيديولوجية ، أو تخطي الأهداف العلمية ، و ذلك عندما يتوجه إلى جمهور غير الاختصاصي بعلمه . بغية تحقيق مصالح و مطامح شخصية . فالعلاقة التي على عالم الاجتماع إقامتها مع جمهوره . يفترض أن تكون مبنية على أساس كشف الحقائق . لا على أساس تغليفها بغشاء من الشفافية الخداعة . فلا يتوجب على عالم الاجتماع حديثا الإكثار من مؤيديه و أنصاره من خلال طرق رخيصة غير علميــة ، أو طرق مضللة . فمن غير الجائر أن يتوجه عالم الاجتماع إلى أصحاب العقول البسطة كي يكسب رضاهم و مودتهم و تأيدهم له . لأن غايته ليست المعرفة العامية البسيطــة أو المعرفة العفوية الغامضة . إنما المعرفة العلمية التي تتجاوز المصالح الضيقة . بعد ذلك ينتقل بورديو إلى إدانة موقف غير الاختصاصين من علماء الاجتماع الذيــــن لا يركزون في أحكامهم على حقيقة التحليلات أو على ما هو علمي فيها . و يعتبر أن آراءهم التي تدعم المفاهيم المسبقة لديهم هي أراء غير علمية . و على الرغم من موقفهم هذا . فهم مضطرون لتساؤل بخصوص المعاني المختلفة في تفسير الوقائع . لأن الاختلاف لا يعبر عن صحة الموقف العلمي و يتفق كليا مع دوركايم حول ضــرورة ألا تشكل للمعرفة المشتركة أو المفاهيم المسبقة موضوعا لعلم الاجتماع . لأن دور عالم الاجتماع ليس التأكيد على أفكار غامضة و حقائق مشوشة و إنما كشف ما هو موجود في الواقع و قول ما هو جديد .
و إذا كان صحيحا كما يقول باشلار " أن على كل كيميائي أن يقاوم الخيميائي الذي يسكنه " فإن على كل عالم اجتماع أن يقاوم النبي الاجتماعي المطالب بتجسيده من قبل جمهوره . و بعبارة أخرى إذا كان باشلار يريد للكيمائي أن يحارب الكيمياء القديمــة و اللاعلمية . فنفس الشيء يقر عليه بورديو بضرورة محاربة الاتجاه التنبؤي الـــذي لا يتماشى و مقتضيات العلمية .

عائق إبستمولوجي : الطبيعة البشرية .
يرى بورديو أن مبدأ اللاوعي الذي هو الوجه الأخر لمبدأ الأولوية للعلاقات عليه أن يقود إلى الطعن في كل المحاولات التي ترمي إلى تحديد ظاهرة ثقافية ما بمعزل عن نسق العلاقات التاريخية الاجتماعية التي لا تنفك عنها .
إلا أن مفهوم الطبيعة البشرية و الذي تمت إدانته مرات عديدة يبقى مستمرا تحت أنواع من المفاهيم التي يجعل عملة رائجة أو هي بمثابة و جهه الآخر لهذا السبب يرفض بورديو التفسيرات المنتشرة في علم الاجتماع و علم النفس و المرتكزة إلى مفهوم الطبيعة البشرية على اعتبار أن الخصائص التي يدل عليها هذا المفهوم لا تشكل خصائص علمية ، فالميول و النوازع و الحوافز و الحاجات و المتطلبات الوظيفية للنظام الاجتماعي ، و الاستعدادات الفكرية إلخ ، ليست أشياء ثابتة عنــــد الإنسان . أي لا طبيعة ضرورية و أبدية بل العكس فهي تفسر كأية طاهرة ثقافية أو اجتماعية لأنها نتاج المجتمع و ليست في أصله ، فهي نتاج شروط تاريخية و اجتماعية محددة . أو زمن محدد و بالتالي لا يمكننا إدراكها و فهمها بمعزل عن الشروط التاريخية و الإجتماعيـة . و على هذا الأساس يقوم بورديو مبدأ ماركس في التحليل المتمثل في فهم الظاهرة الثقافية أو الاجتماعية انطلاقا من شروطها الاجتماعية و التاريخية . و كذلك قاعدة دوركايم التي تتطلب أن يفسر الاجتماعي بالاجتماعي و به حصرا . و يعتبر بورديو أن التفسير المستند إلى الشروط التاريخية الاجتماعية ، كما هو واضح عند ماركس لا يتنافى مع التفسير الاجتماعي للظاهرة . كما بينه دوركايم غير أنه يضع شروطا على قبوله المبدأ الثاني – أولا أن لا يكون فصل بين موضوع علم الاجتماع و موضوع العلوم الاجتماعية الأخرى كعلم التاريخ مثلا ، و ذلك نظرا نزرا للجوانب المختلفة للظاهرة الاجتماعية أو التاريخية و التي تدخل في الميادين المتنوعة للمعرفة . و من المفيد الإشارة هنا إلى موقف " جورج غورفيتش " الذي يتحدث عن الجدلية بين علم الاجتماع و العلوم الاجتماعية الأخرى ، ثانيا أن لا ندعي بإمكانية الإدراك السوسيولوجي لكل مظاهر الحقيقة ، ثالثا أن لا نتنازل عن حق استخدام المنهج الطبيعي أو النفسي طالما لم يتم التحقق بعد بواسطة التجربة من فعالية المناهج المستخدمة في الشرح السوسيولوجي .
من خلال هذا الموقف يرمي بورديو إلى التأكيد على جملة أمور منها : صفة التغير للظاهرة الثقافية مقارنة مع النظريات التي كانت تضفي صفة الثبات و الديمومة على بعض الظواهر الاجتماعية كالدولة و الرأسمالية . و تقسيم العمل . و التي تعرض لها ماركس بالنقد . ثم تأكيده على خطأ الفصل بين المواضيع الاجتماعية أو ضرورة الربط بين المظاهر المختلفة للموضوع . تم تأكيده على محدودية المناهج المستخدمة في علم الاجتماع و ضرورة التعرف على مناهج جديدة و التحقق منها . و هنا نلاحظ تقارب بين بورديو و فيبر الذي يرى صعوبة في إدراك الحقيقة نظرا لطبيعتها غير المحدودة و لقصور المناهج عن الإدراك العلمي و الدقيق .


خاتمة
إن مساهمة بورديو في إرساء و تأكيد علمية علم الاجتماع . لا يمكن أن تقاس على غرار مساهمة أسلافه ( كونت و دوركايم ) ، الذين مثلا اتجاها أساسيا في الفكر الغربي ، فمساهمتهما رغم كونها تدخل في الجانب المنهجي أو الميتودولوجي . إلا أنها ركزت على مسألة التأسيس ووضع الأساس ، إلا أن مساهمة بورديو رغم كونها لم تغفل الجوانب النظري . فإنها انصرفت إلى القضايا المنهجية ، هذه القضايا التي إذا ما أخذنا التصنيفات الحديثة لعلوم المعرفة فإنها تدخل ضمن ميدان الابستيمولوجية ونظرية المعرفة و فلسفة العلوم ، و التي شكلت . مند ميلاد علم الاجتماع ذاته ، موضوع نقاش بين المفكرين في الأوساط الفكرية الغربية ، و سيطرت على جانب مهم من كتاباتهم التي حاولوا من خلالها صياغة وجهات نظر مختلفة . و لعل النقاش أو السجال الذي هز وقعه مدرجات الجامعة الألمانية في نهاية ق 19 ، عشية ظهور أعمال فيبر خصوصا " محاولات في نظرية العلم " و مسألة التأريخ لمناهج العلوم . لشاهد أمين علــى ذلك ، و هذه الموضوعات ، ما تزال تثير التساؤلات في جوانب عديدة ، على الرغم من تطور العلم ، الذي يظهر باستمرار معارف و مكتشفات جديدة ، تساهم في حل مشكلات معرفية عديدة ، و تظهر بشكل دائم في الوقت الحاضر ، موضوعات جديدة في المنهــــج ، و نقاشات جديدة حولها ، و في هذا الإطار ، نفهم المحاولة التي قام بها بورديو و التي تعتبر من المحاولات الخلاقة ، التي سعت إلى إرساء فهم مغاير و تدشين طرائق جديدة في العمل ، و ذلك بتشييده لصرح سوسيولوجي متين ، ضمن منظور يرفض كل الأزواج الضدية ، و يخلخل الثنائيات المستديمة ، و يعمل على تقويض طريقتها في إدراك و فهم الحقيقة الاجتماعية ، و ذلك بإتباع منهجه المتميز ، الذي يقوم على الربط بين الموضوعي و الذاتي ، و عدم الفصل بينهما ، إذ لا وجود لذاتية مستقلة في فهم الواقع . كما لا وجود لموضوعية قائمة بذاتها ، فالحقيقة الاجتماعية تبعا لذلك في حالة من الصراع ، و بالتالي من التغير الدائم ، و الحقيقة الذاتية ، لا تفسر ذاتيا بل على أساس ارتباطها بالحقيقة الاجتماعية ، أي على أساس أنها جزء منها . و ما يتميز به فكر بورديو ، هو أن الذاتية التي يعيد إليها الأهمية ، لا تشكل عنصرا من الحقيقة الاجتماعية فقط ، و إنما تتصف بقدرتها على إعطاء معنى جديد للواقع و خلق مفاهيم جديدة . يقترب بورديو من فيبر حين يعيد الاعتبار للعنصر الذاتي الفردي ، و يبتعد عنه حين يربطه بالحقيقة الاجتماعية و الظروف الاجتماعية ، و يقترب من ماركس حين يربط الذاتي بالموضوعي على أساس جدلي ، و يبتعد عنه حين لا يقر بوجود حقيقة موضوعية قائمة بذاتها ، لذلك لا تعتبر مقاربته توفيقية بقدر ما تعتبر جديدة ، تدعوا لمناقشات و أبحاث و أراء جديدة ، لم يقف بورديو كما بينت في الفصل الأول على الربط بين الموضوعي و الذاتي ، بل انتقادهما ، و الدعوة إلى مجاوزتهما ، كتحقيق علمي تلغي عن طريقه السوسيولوجيا ، كل هذا التشويه القسري ، المتمثل في ثنائية الذاتية و الموضوعية ، و اختزالهما في الأنتروبولوجيا الكلية .


البيبليوغرافيا
- محمد سبيلا : حوارات في الفكر المعاصر . البيادر للنشر و التوزيع مطبعة المعارف الجديدة الرباط 1991
- محمد وقيدي : فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار – مكتبة المعارف للنشر و التوزيع
- عبد الله إبراهيم : علم الاجتماع ( السوسيولوجيا ) المركز الثقافي العربي 2001
- علي سالم منهجيات في علم الاجتماع المعاصر – دار الحمراء بيروت 1992
- بيير بورديو – باسرون – شامبوردون – حرفة عالم الاجتماع . ترجمة نظير جاهل . دار الحقيقة .
- بيير بورديو . ح . د فاكونت . أسئلة علم الاجتماع في علم الاجتماع الانعكاسي . ترجمة عبد الجليل الكور مراجعة محمد بودودو . دار توبقال
- بيير بورديو . الرمز و السلطة – ترجمة محمد سبيلا
Pierre Bourdieu . le sens pratique . e d de minute – paris 1980
- مجلة عالم الفكر . العدد 3 المجلد 3 يناير مارس 2003



#ذ:سعيد_الكواكبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- خلل -كارثي- في بنك تجاري سمح للعملاء بسحب ملايين الدولارات ع ...
- الزعيم الكوري الشمالي يشرف على مناورات مدفعية بالتزامن مع زي ...
- الاحتلال يقتحم مناطق في نابلس والخليل وقلقيلية وبيت لحم
- مقتل 20 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة
- بالصور: زعيم كوريا الشمالية يشرف على مناورات -سلاح الإبادة- ...
- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ذ:سعيد الكواكبي - بيير بورديو:بناء الموضوع في علم الإجتماع