أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي المصري - أكتوبر؛ ختاما لحرب الست سنوات -الفصل الأول















المزيد.....

أكتوبر؛ ختاما لحرب الست سنوات -الفصل الأول


سامي المصري

الحوار المتمدن-العدد: 1340 - 2005 / 10 / 7 - 11:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أجهزة الإعلام خاصة الغربية تدعو حرب يونيو عام 1967 بحرب الستة أيام تهكما على العسكرية المصرية. بل وكثيرا ما يستخدم الإعلام العربي والمصري نفس التعبير. لكن الواقع يختلف تماما عن ذلك. فلقد بدأت الحرب فعلا يوم 5 يونيو عام 1967 ولم تتوقف إلا في المعركة الفاصلة التي حسمت الأمور في معركة أكتوبر عام 1973. فإن هذه الحرب بالمقياس العلمي للحروب استمرت أكثر من ست سنوات، وختمت بنصر حقيقي لمصر.

وحتى لا نكون منحازين فعلينا أن نحتكم للتاريخ. معارك شمال أفريقيا أثناء الحرب العالمية الثانية بين إنجلترا وألمانيا بدأت بمعركة خاطفة دمر فيها رومل القوات البريطانية تماما. كانت قوات الحلفاء تتكون من ست فرق مشاة مدعمة بوحدات مدرعة ومدفعية ..الخ، بينما كانت قوات رومل تتكون من ثلاثة فرق. كان تعداد الفرقة الألمانية حوالي نصف تعداد الفرقة البريطانية في الأفراد والعتاد. قبل المعركة كان عدد المدرعات البريطانية 250 دبابة بينما كان عند الألمان 120 دبابة فقط، وانتهت المعركة بفقد بريطانيا لجميع دباباتها بينما بلغت عدد الدبابات الألمانية 150 دبابة بزيادة 30 أخذتهم من العدو. وتتابع تاريخ معارك شمال أفريقيا ليسجل خسارة فادحة مستمرة وتقهقرا في الجانب البريطاني، ونصرا ساحقا للألمان وتقدما بلغ آلاف الأميال حتى وصلوا للعالمين. عندما كسبت إنجلترا الحرب لم تحسب عليها كل المعارك الخاسرة التي بدأت بها، ولا يمكن تسمية أي معركة من المعارك الفرعية بحرب اليومين أو بحرب الثلاثة أيام كما يفعلون معنا.

أسرار حرب الست سنوات لم تكشف بعد، ولم تؤرخ بشكل علمي دقيق حتى الآن. معركة أكتوبر لم تأخذ نصيبها مما تستحق فليس من مصلحة أحد أن تظهر كل الحقيقة، لا على المستوى المحلي أو الدولي. هناك بطولات موهومة لا يريد أصحابها أن تكشفها الحقيقة فتظهر خيانتهم. وعلى المستوي الدولي ليس من مصلحة أحد أن تعلن آثار حرب أكتوبر الحقيقية. كل ما قيل عن الحرب قصاصات غير موصولة، تترك القارئ في حيرة من حقيقة ما وراء الأحداث هناك أسئلة كثيرة ليس لها إجابة حقيقية فتظهر قصة الحرب كقمم جبال جليدية غاطسة في المحيط. هناك أحداث كثيرة عاشها العسكريون لا يعرفها أحد ولم يكشف عنها بعد.

من أكثر الأمور الغامضة في حرب الست سنوات، وما قبلها وما بعدها هو الدور الروسي. وقد اتفق كتَّاب مصر الأفاضل -في كل ما كتبوا- أن يكون هذا الدور الروسي هو الجزء الغاطس تحت الماء في جبل الجليد. إن الدور الروسي بدأ قبل الحرب بمدة طويلة جدا. بدأ يوم أن أبعد خروشوف عن الحكم عام 1961. كان السبب العاشر لإبعاد خروشوف هو انه قدم مساعدات عسكرية حقيقية لمصر وكانت مؤثرة على إسرائيل بشكل فعال (نشر بجريدة الأهرام الـ 20 سبب التي أعلنها الحزب الشيوعي لإقصاء خروشوف عن الحكم). ولكن العجيب بعد ذلك أن انهالت على مصر مساعدات عسكرية روسية لم تطلبها مصر ولم تحلم بها مثل مصنع صواريخ أرض- أرض، ومصنع كامل لإنتاج الطائرات المقاتلة. إلي جانب طائرات النقل البعيدة المدى التي تحمل المدرعات، وصواريخ سام 2، وسبع طائرات قاذفات ثقيلة تطير على ارتفاعات لا تصل إليها الصواريخ. أعطتنا روسيا الكثير جدا من قطع بحرية وأرضية وجوية بعد إقصاء خروشوف، بدون مناسبة، ودون طلب، ودون وجود سبب واضح. كان الكثير من هذه المساعدات لازم لمصر حتى إذا ما قامت ثورة اليمن فلا تملك مصر أن تعتذر لعدم وجود إمكانيات، خاصة لنقل قواتها المسلحة هذه المسافات البعيدة جدا عن أرض الوطن. أما المساعدات الاستعراضية (والتي كان لها أضرارا بالغة فيما بعد) مثل مصنع الطائرات والصواريخ، وسام 2، فلم تكن إلا وسيلة ضغط لا تترك لمصر أي فرصة للاعتذار عن الدخول في محنة اليمن، خصوصا وأن العطاء كان سابقا على الثورة اليمنية، والتي ظهرت كحادث عرضي لا علاقة له بالكرم الروسي المنقطع النظير. ودخلت مصر حرب اليمن برجاء رقيق لمساندة الرفيق الروسي، مع التنبيه بأن الحرب لن تستغرق أكثر من شهور قليلة قد تصل إلى ثلاثة على الأكثر فالقوات اليمنية الضعيفة جدا لن تصمد أمام القوة العسكرية المصرية ذات الإمكانيات المهولة التي أخذتها من روسيا.

ومنذ حرب اليمن كانت روسيا هي المايسترو الذي تسلم الزمام ليحرك الأمور كما يريد ليس فقط من خلال الضغوط العسكرية والدبلوماسية الروسية بل من خلال عملاء مدربين قد أحكم وضعهم في كل مواقع القوة في مصر لتنفيذ مخطط روسي إسرائيلي مشترك. وبعد أن استنزفت وأنهكت القوي العسكرية المصرية في اليمن، في حرب عصابات غير متكافئة وممولة ببذخ علي الطرف الآخر. وبعد أن انقطع تدريب الجيش المصري لمدة خمس سنوات متوالية دفعت روسيا مصر إلى الهاوية لمواجهة إسرائيل في سيناء بجيش مهلهل. وحدثت الكارثة التي دبر الروس كل فصولها بكل إحكام.

كانت الكارثة مدبرة ليس فقط من الدبلوماسية الروسية بل من عملاء روسيا الذين زرعتهم في مواقع السيطرة على الساحة السياسية والعسكرية المصرية. كان دور العملاء والإعلام العميل هو إخفاء الدور الروسي الإسرائيلي المشترك عن الشعب ثم تقديم الخدمات للروس في عمل خياني ضد مصر. لقد كان هناك سبب واحد لقتل المشير عبد الحكيم عامر هو أن تموت معه أسرار المؤامرة الروسية ودور العملاء في تدمير مصر. ومن ذلك دور رئيس هيئة أركان حرب الذي دفع الفرقة الرابعة المدرعة لتدميرها بممر متلا، الأمر الذي كان يستوجب محاكمته. كانت الفرقة المدرعة هي القوة الأخيرة لمصر وكانت تعمل غرب القنال لتأمين القوات المنسحبة من سيناء، إلا أن الفريق محمد فوزي رئيس الأركان دفع الفرقة المدرعة يوم 8 يونيو، أي بعد صدور قرار الانسحاب من سيناء يوم 7 يونيو. دفعت الفرقة المدرعة بدون تدعيم من المشاة (خطأ تكتيكي مريع أو تآمر) لتعبر قناة السويس وحدها ثم تتقدم إلي ممر متلا الضيق لتنال حتفها في ساعات قليلة. وبتدمير الفرقة المدرعة صار الطريق إلى للقاهرة مفتوحاً أمام إسرائيل وصارت مصر كلها عارية من الحماية المسلحة. وبدلا من محاكمته أسرع الفريق فوزي يوم 9 يونيو إلي مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة بمساندة الروس، وعزل المشير عامر وحدد إقامته هو ووزير الحربية، وعزل كل قيادات الجيش الأمر الذي لم يجد معه عبد الناصر بدا من الاستقالة وإعلانه لتحمل المسئولية بكل شجاعة. وقد كان عبد الناصر معرضا لأن يحاكم أو ينال ما ناله المشير، لولا الحس الوطني المرهف الذي حرك الشعب المصر ي عن بكرة أبيه لرفض الهزيمة المدبرة من الروس وعملائهم، برفض تنحي عبد الناصر.

وكما أن الدور الروسي الاستعماري في حرب الست سنوات قد أهمل تماما ومسح من التاريخ المصري في كل ما نشر عن الحرب، فإن دور المقاومة الوطنية البطولي المضاد للاستعمار الروسي قد أسقط تماما، وتم توزيع بعض البطولات للأعمال الظاهرة جدا على الخونة. بدون المقاومة الوطنية ضد الروس لم يكن لمصر مخرجا من الكماشة الروسية الإسرائيلية التي أحكمت قبضتها حول رقبة مصر... لم يكن هناك أي أمل في التحرر منها. لقد قاد هذا الدور العملاق جمال عبد الناصر بنفسه في البداية. وقد اعتمد عبد الناصر في الأول على الفريق عبد المنعم رياض الذي تخلص منه الروس بسرعة، بقذيفة واحدة فقط من المدفعية الإسرائيلية أطلقت عند زيارته للجبهة. لقد أصابته القذيفة الوحيدة الإسرائيلية التي أطلقت ذلك اليوم بالتنسيق الكامل مع الخبراء الروس الذين لم يصب منهم أحد إذ غادروا الموقع في التوقيت المناسب. بعد أن قتل عبد المنعم رياض ظل موقعه في المقاومة الوطنية ضد الاستعمار الروسي شاغرا داخل القوات المسلحة. فعبثوا بمصر ما شاء لهم العبث تحت إشراف ومساندة العملاء.

في أواخر عام 1968 بدأت غارات العمق بعد ضرب جميع دشم الصواريخ المصرية ضربة فجائية بالطائرات الإسرائيلية. المفروض أن هذه الدشم مصممة بحيث لا يمكن تدميرها بالأسلحة التقليدية. وكان لتدمير دشم الصواريخ وقعا رهيبا في القوات المسلحة حيث أجري تحقيق دقيق لمعرفة أسباب تدمير الدشم المصممة في روسيا ومنفذة طبقا لمواصفات غاية في الدقة. وتبين من الدراسة العلمية والمعملية المتخصصة أن تصميم الدشم يحوي عيبا فنيا مقصودا يسمح بتدمير الدشمة إذا ضربت بقنابل الطائرات العادية في مكان محدد من الدشمة وبزاوية معينة. وتبين أن القوات الإسرائيلية كانت على دراية كاملة بهذا العيب المصمم لهذا الغرض!! وبتدمير دشم الصواريخ صارت مصر مفتوحة تماما لعربدة الطائرات الإسرائيلية دون وجود مقاومة. وتوقفت روسيا عن إمدادنا بأي سلاح فعال للصمود ضد غارات للعدو بطائرات الفانتوم.

وما كان يخفيه الروس من تدابير مخيفة بالتنسيق مع إسرائيل ومع العملاء الذين يتربعون في مواقع القيادة، يفوق أي قدرة واحتمال. فكان عام 1969 هو عام المفاجئات والمواجع. إسرائيل تغزو جزيرة شدوان.. إسرائيل تعد العدة لغزو الصعيد بالتنسيق مع الروس من وادي الأسيوطي الذي يصل البحر الأحمر بمدينة أسيوط... قتل محافظ البحر الأحمر بدبابات إسرائيلية.. سرقة إسرائيل لرادار البحر الأحمر... الحكم على عشرين ضابط وعسكري بالإعدام رميا بالرصاص كترضية وذبيحة مقبولة من الفريق فوزي لإرضاء الروس بعد سرقة الرادار... حوكم اللواء أحمد إسماعيل عن إهماله وحكم عليه بالطرد من القوات المسلحة بجدارة.

كان لا بد من البحث عن بطل ليشغل الموقع الشاغر لعبد المنعم رياض. ووجد عبد الناصر كل مواصفات البطل في عقيد اسمه محمد أحمد صادق فرقاه ترقية استثنائية إلى رتبة عميد وعينه رئيسا لهيئة أركان حرب، وأحال كل من هم أقدم منه بالجيش إلى المعاش ما عدا مراكز القوى الروسية الذين لا يقدر عليهم من أمثال محمد فوزي وزير الحربية. وهنا بدأ العمل الجاد لإزالة آثار العدوان. ففي يوم 4 فبراير عام 1970 تم تدمير الوحدات البحرية بإيلات، والتي كانت معدة للغزو البحري للصعيد عن طريق جزيرة شدوان ووادي الأسيوطي.

غارات العمق مع خطة غزو الصعيد كانت السبب في زيارة اليوم الواحد التي قام بها عبد الناصر لروسيا بعد مؤتمر الرباط. وكانت هناك مقايضة مكشوفة بلا حياء. أبدى الروس فيها الاستعداد لإصدار الأمر لحليفتهم إسرائيل بالتوقف عن غارات العمق، نظير أن تعطي مصر لروسيا أربعة قواعد، منها موقع بالقاهرة ومواقع على حدود مصر الشرقية والجنوبية. القوات الروسية لن تتواجد على الجبهة فهي متروكة للمصريين ليموتوا عليها. كان لنا الخيار بين أمرين كلاهما مر، فإما أن تستمر إسرائيل في خطتها لغزو الصعيد من أسيوط لأسوان والاستمرار في غارات العمق مع عدم وجود ما يمكن أن ندافع به عن مصر، أو أن تدخل روسيا بقوات متكاملة من المشاة والمدرعات والطيران والصواريخ بحجة الدفاع عن مصر. والواقع أنها قوات احتلال... لم يكن الأمر يحتمل مناقشة فلم يكن لنا الخيار الحقيقي. وافق عبد الناصر على دخول روسيا بعد أن طلب منهم أن يعطونا صواريخ للدفاع عن الجبهة وكانت روسيا قد منعت عنا تماما الصواريخ حتى تتمكن إسرائيل من ذبحنا. وافقت روسيا على أن تمدنا بالصواريخ، على أنها لا تضمن إمكان دخول هذه الصواريخ إلى المواقع بالجبهة، فإسرائيل هي التي تحكم الموقف. المهلة التي منحت لمصر 64 يوما فقط لتبنى مصر القواعد الروسية وتجهزها بالدشم وكل المتطلبات للطائرات والصواريخ. وقد تم كل شيء في الموعد إذ كنا على أحر من الجمر لوقف غارات العمق والتي كثفت جدا خلال الـ 64 يوم. الغارات الإسرائيلية لم تسمح ببناء قاعدة صواريخ مصرية واحدة بالجبهة بينما لم تعترض أي طائرة إسرائيلية العمل بالقواعد الروسية التي تم تنفيذها في الموعد كصورة من التعاون الكامل بين روسيا وإسرائيل. كانت روسيا تمد إسرائيل بكل الفنيين في جميع المجالات تحت اسم المهاجرين الروس. بمجرد وصول الوحدات العسكرية الروسية إلى مصر توقفت غارات العمق حتى قبل أن تستقر في قواعدها. عند استقرار الصواريخ الروسية على قواعدها بمطار غرب القاهرة كان أول عمل لها هو إسقاط طائرتين مصريتين!! وصرح المسئول الروسي أن الطائرتين قد اخترقتا المجال الجوي الروسي فوق القاهرة!! إسرائيل هي التي أدخلت قوات الاحتلال الروسية إلي قلب مصر بغارات العمق. وروسيا هي التي أدخلت إسرائيل لسيناء بحرب اليمن!! فكان كل منهنا يساند الآخر في ابتزاز مصر. روسيا هي أول دولة اعترفت بإسرائيل. نظام الحكم في إسرائيل اشتراكي أقرب إلى الشيوعية. بل هناك أيضا نظام الكميونات.

وفي لحظة شجاعة عندما بلغ اليأس إلى الذروة ليلتقي بقشة من الرجاء وقف عبد الناصر موجها خطابا للرئيس نيكسون من الإذاعة. الرئيس نيكسون ذلك السياسي المحنك كان يرقب كل شئ عن كسب، فالموقف ليس في مصلحة أمريكا بأي شكل. إسرائيل الحليف الأمريكي المزعوم تفتح الطريق لروسيا الشيوعية للدخول بقوات إلي أخطر موقع استراتيجي على الأرض. مصر هي مدخل إفريقيا القارة السوداء ذات الثروات. عبد الناصر أثبت قدراته القيادية النادرة والمؤثرة ليس فقط على أفريقيا بل على دول العالم الثالث كله. انتهاك روسيا لمصر يشكل كارثة للمصالح الأمريكية، خاصة أن اللوبي الصهيوني داخل أمريكا الذي يبغضه نيكسون يشجع الموقف المعادي للمصالح الأمريكية. لكل ذلك لاقي نداء عبد الناصر الذكي جدا وفي الوقت المناسب كل الترحيب من نيكسون، ونتج عن كل ذلك مبادرة روجرز.

مبادرة روجرز حققت أمرين في غاية الأهمية كان من المستحيل تحقيقهما بأي حال في ظل الاستعمار الروسي لإسرائيلي:
أولا: حققت المبادرة إيقاف إطلاق النار بعد ما يقرب من ثلاثة سنوات من الحرب الشرسة التي بلغت إلي درجات من الوحشية لم يعرفها الإنسان من قبل. بلغ حجم القصف الجوي 1100 طن من القنابل في يوم واحد فوق ميل مربع. وقد وصل هذا العنف إلي أقصى مداه بعد تمركز الروس في قواعدهم داخل مصر. معنى ذلك إن روسيا لم تكن لتترك مصر إلا جثة هامدة.
ثانيا: كانت نصوص مبادرة روجرز ظالمة جدا ومجحفة بحقوق مصر لأبعد الحدود ظاهريا. كان ذلك ضروريا حتى يمكن لإسرائيل أن تقبلها. وفعلا قبلتها بعد أن هاجم عبد الناصر المبادرة وأعلن رفضه لها مرات. لكن في اللحظة الأخيرة قبل عبد الناصر المبادرة وتم وقف إطلاق النار في نفس الليلة. كان بالمبادرة اتفاقاً سرياً بين نيكسون وعبد الناصر لم يشعر به أحد إلا بعد وقف إطلاق النار. من أهم ما تحقق بالاتفاق مع نيكسون هو دخول قواعد الصواريخ الروسية إلى جبهة القتال، هذه الصواريخ التي كانت أهم دعامة لمعركة أكتوبر عام 1973. كانت روسيا قد أعطت لمصر هذه الصواريخ كجزء من الصفقة التي بها احتلت مصر بوحداتها المسلحة. وكانت واثقة من أن إسرائيل لن تمكن مصر من دخول الصواريخ إلى الجبهة. ولكن من خلال مبادرة روجرز سمح نيكسون للصواريخ الروسية أن تدخل للجبهة خلسة.

ولم تعد خطة نيكسون- عبد الناصر بخافية فكان لا بد للروس مع إسرائيل بالقيام بعمل حاسم، وفعلا قاموا بالعمل. قتل جمال عبد الناصر بنفس السم الذي قتل به المشير. أخرج روجرز من منصبه بعد أن أفشلت إسرائيل باقي مهمته وحل مكانه هنري كسنجر. بدأت فضيحة وتر جيت.

أما على الصعيد المصري فحضر إلي مصر كل من بريجينيف وبدجورني وكوسيجن ليبكوا ويدفنوا من قتلوه. إن حضور الثلاثة معا مع إقامتهم في القاهرة لمدة أسبوع كامل يوضح عدة أمور:
1- أهمية مصر القصوى للاستعمار الروسي. فمصر مطلوبة مدمرة وميتة كأهم موقع استراتيجي وكبوابة لأفريقيا.
2- خطورة الوضع، فلقد كاد أن يفلت منهم الزمام بالتدخل الأمريكي (نيكسون) بمبادرة روجرز.
3- ضرورة إقامة نظام عميل محكم فوق مصر يضمن استمرار الوجود الروسي إلى الأبد مع اعتبار الدروس المستفادة من مبادرة عبد الناصر- نيكسون –روجرز

ولإقامة النظام الجديد بقيت القيادات السوفيتية الثلاث معا بالقاهرة لمدة أسبوع كامل. كان السادات بالنسبة للروس خائن ومستعد أن يبيع كل شئ لمن يدفع أكثر. فهو خائن لا يمكن الاعتماد عليه وحده. فلا بد من عمل هيئة لقيادة مصر من مجموعة الخونة حتى يراقب كل واحد الآخر ويفضح بعضهم بعضاً إذا لزم الأمر وذلك لضمان سلامة واستمرارية الوجود السوفيتي. علي صبري وشعراوي جمعة ومحمد فوزي وآخرون معهم أقيموا على قمة العمل السياسي والعسكري في مصر كعنصر فعال للأمن السوفيتي المسلط فوق رقبة مصر وحريتها. كان الله لكي يا مصر، فقد أعاد المستعمر إحكام قبضته عليها بقوة أكثر بعد أن كادت تفلت من براثنه.
في ضمير مصر كان القدر يخبئ لها رجلا مهذبا طيب القلب، متدينا باعتدال دون تعصب، هادئ الطبع وديعا، متوقدا حماسا وحبا صادقا لمصر. هذا الرجل هو "الفريق محمد أحمد صادق" الرجل الذي اكتشفه عبد الناصر ووضعه في موقع المسئولية العسكرية، فرحل مطمئنا بعد أن سلم الأمانة لمن هو مؤتمن ومن هو قادر على تكملة الرسالة.

تحية للبطل "الفريق محمد أحمد صادق" في ذكرى أكتوبر

التكملة بالفصل الثاني



#سامي_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهاب والقهر والتكفير والفساد في الكنيسة القبطية
- الشعب القبطي يتمزق بين شقي حجر الرحى الدولة و الكنيسة
- البابا شنودة وانتخابات الرئاسة
- انغلاق العقل القبطي في عصر البابا شنودة
- حول الأزمة الدينية في مصر : الخلل الذي كشفته وفاء


المزيد.....




- إنقاذ سلحفاة مائية ابتعدت عن البحر في السعودية (فيديو)
- القيادة الأمريكية الوسطى تعلن تدمير 7 صواريخ و3 طائرات مسيرة ...
- دراسة جدلية: لا وجود للمادة المظلمة في الكون
- المشاط مهنئا بوتين: فوزكم في الانتخابات الرئاسية يعتبر هزيمة ...
- ترامب: إن تم انتخابي -سأجمع الرئيسين الروسي الأوكراني وأخبر ...
- سيناتور أمريكي لنظام كييف: قريبا ستحصلون على سلاح فعال لتدمي ...
- 3 مشروبات شائعة تجعل بشرتك تبدو أكبر سنا
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /19.03.2024/ ...
- إفطارات الشوارع في الخرطوم عادة رمضانية تتحدى الحرب
- أكوام القمامة تهدد نازحي الخيام في رفح بالأوبئة


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي المصري - أكتوبر؛ ختاما لحرب الست سنوات -الفصل الأول