أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيء ناصر - لقد أحَطتُ بما لم تحط به














المزيد.....

لقد أحَطتُ بما لم تحط به


فيء ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 4828 - 2015 / 6 / 5 - 08:32
المحور: الادب والفن
    


الهدهد دليلنا في تلمس الخراب

أعترف إني لن أكون منصفة حين أكتب عن معرض هناء مال الله الأخير في البارك كالري/ Park Gallery في لندن، وذلك لأن رسومات هناء مال الله في مطبوعات الأطفال (مجلتي والمزمار) اللتان كنت أحرص على إقتنائهما، جزء من طفولتي، وتخطيطات هناء مال الله بعد ذلك، هي من قادتني لتذوق الخطوط وسماكتها وتفرقها وإنحناءاتها وقابليتها على الإفصاح، حين رافقت هذه التخطيطات المواد الثقافية المنشورة في الصحف العراقية وأحياناً إستحوذت هذه التخطيطات على إهتمام القارئ أكثر مما تُرفق معه من شعر وقصة.
ثيمة المعرض الأخير المعنون ( لقد أحطتُ بما لم تحط به/ I have learned something you did not know )، هو الهدهد العاشق صاحب الأسرار بالفطرة، المبرأ من المثالية والإكتمال المغرور، هو المرشد نحو الخراب بكل تجلياته، يبدأ الخراب بنفسه فنراه في لوحات هناء تارة متشظياً وتارة منجرفاً في دوامة سوداء تتناثر منها أشلاؤه كأنه يخوض حرباً طاحنة، مع نفسه ربما أو مع جهل من لا يعرفون.
هناء تحنط الهدهد في تخطيطاتها بكل أشكاله، الحي والميت والمشتت لكي تتمثل فكرة النجاة، كما لو إن الجسد الخاوي للحيوان المحنط منتهي الصلاحية يمثل الخواء الذي يترافق مع الإحساس بالذنب من قبل الهارب من جحيم بلاده للنجاة بنفسه وبفنه، هناء مال الله ترسم الهدهد المتشظي بإلحاح مذهبي كي تمسح عن روحها غبار الخراب، كأن لوحاتها بورتريت ذاتي مهما كان نوع التشخيص داخل إطار اللوحة.

سكونية التقليد أو مجاراة الصرعات الفنية الحديثة
تستعيض هناء مال الله عن الحمامة وغصن الزيتون كرمز عالمي للسلام بالهدهد و قناني زيت الزيتون المعبأ، كرمز للنجاة من دمار الحروب وعالم اليوم الإستهلاكي. لوحاتها توغل بسؤال عن غموض الهدهد هل هو عارف أم ضائع؟ هو سؤالها لنفسها أولا ولمتلقيها ثانياً.
الهدهد الذي له قدرة عجيبة في طلب الماء والكشف عن تواجده تحت الأرض، فإذا رفرف على موضع عُرف إن فيه ماءا،ً لكن للهدهد في هذه اللوحات، رحلة نحو نفسه، ماؤه الذي يطلبه هو يقينه الذاتي، يفني نفسه بخرابه وتيهه، كأنه ما صار عارفاً حتى تاه في العجز وغرق في بحار الحيرة. هدهد هناء مال الله له نظرة رغم إنه بلا عينين، نظرة تمر من فوقنا وتتجاوزنا غارقة في ذاتها ومليئة بالكارثة، الهدهد الذي أنقذ نبي الله من رحلة التيه هو نفسه تائه ومشتت والذي يدل الناس على الماء هو نفسه عطش ولا يستطيع الشرب كأنه قائد ينتصر لكنه ينتحر من شدة إنهزامه الداخلي.
الهدهد شاهد وإستعاضة عن يوميات الحرب، تارة نراه يتشظى بفعل دوامة سوداء كدخان يعقب إنفجاراً ما، وتارة نراه يحمل رأسه الذي هو عبارة عن شبكة تشبه راداراً ما تحاول إصطياد ذبذبات الفضاء مثلا، حينما سألت الفنانة عن معنى الشبكة بدل رأس الطائر ذو النتوءات المروحية الجميلة أجابتني بأنها تجرب على ثيمة الهدهد فنياً، هل أصدقها وأنا أرى الإنسان المعاصر أسير ذبذبات الأقمار الصناعية، الموبايل والانترنت وغيرها من وسائل التكنلوجيا التي صيرتنا جميعاً أسارى؟
تقول هناء مال الله عن ثيمة الخراب في معرضها الأخير: " إن مفهوم الخراب كان جزءا رئيسياً من تجربتي الحياتية والفنية في العراق، والذي كنت أقترب منه محلياً كمفهوم لصيق بجغرافية معينة (العراق) ميسوبوتاميا، وكأنه قدر مستدير التعاقب على العراق ولا يمكن الفرار، او الخلاص منه، بدأت أعيشه كمفهوم عالمي بعد خروجي من العراق، وإستقراري في مدينة عالمية رأسمالية مثل لندن، حيث معاملتنا كأدوات، او بالأحرى وقود لإدامة وضعنا في خانة هوامش مجتمع العولمة الرأسمالي، واعتقد ان للفن العالمي المعاصر الان وتسويقه دورا كبيرا في هذه اللعبة العالمية للخراب، واقصد بذلك إن ما ينتج في الفن العالمي الان ليس الا إنعكاساً صادقاً لجوهر الخراب الذي نعيشه، والذي تغذيه الرأسمالية وثقافتها التافهه مثل اميركا. هذا ما يجعلني أستشعر حافة الخراب في كل شيء أعيشه حتى وإن كان في لحظات سلام".
ستة عشر لوحة لهناء مال الله في معرضها الأخير، بلا أسماء ربما لأنها تخلص لثيمتها (الخراب) أو كأنها حلقة مستديرة تبدأ من اللوحة التي تستقبل الزائرين وإنتهاءاً باللوحة التي تودعهم. الخطوط شحيحة ومختزلة والبقع السوداء في كل اللوحات بل تتحول أحياناً الى شبكات سود تمسك كلية اللوحة داخلها، كذلك الألوان بسيطة ترابية مستمدة من الطبيعة كأنها توغل في الألوان لكي تصل الى أمصالها وينابيعها المركزة الاولى. بعض اللوحات يمكن إعتبارها لوحات تركيبة فالفنانة تُلصق ريش طبيعي لطائر ما مكان رأس الهدهد المشطور بكلا الإتجاهين وتلصق رجل بطة أيضا مكان رجل الهدهد كأن الهدهد هو كل الطيور في آن واحد.

هدنة
في لوحة (هدنة/ Truce ) تستخدم الفنانة المفردة (هدنة) كتاج فوق جمجة بشرية، كإدانة للهدنة المزيفة التي لا يجدها الانسان سوى بالموت لكن غصن زيتون ناحل ينمو بجانب جمجمة الانسان الذي يستمتع بالهدنة أخيراً.
هناء مال الله التي تحسن تقنين خطوطها وإدارة لوحتها جيداً توزع مساحات الفراغ الباهت داخل فضاء اللوحة وأحيانا يكون الفراغ هو السيد، لكنه فراغ ملغوم يجعل المتلقي يبحث عن ما وراءه. لوحات هناء مال الله في هذا المعرض تُشكّل من الموروث (اللغوي/ الميثولوجي) لطائر الهدهد مع عناصر فنية متعددة من طباعة وكولاج وتخطيط فكرتها الفنية الخالصة للوصول للتوق والانصهار الكلي في المجاهدة للتحرر والإنعتاق من الخراب والنجاة بعيدأ عن محارق الحروب والراسمالية التي تعتاش على كينونة الإنسان.







#فيء_ناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعطني متحفاً وسوف أملؤه
- عن معرض الفنان علي جبار الأخير
- أرشيف فرجينا وولف وجماعة بلومزبري
- هل من عودة أيها السندباد ؟
- ميزان لموظفي الدولة
- سعداوي يُعيد بناء الحياة الجحيمية للعراقيين... سرداً.
- الفلم السينمائي كقصيدة، برايت ستار نموذجاً
- قمرٌ واحدٌ في كل القصائد
- ريح من لامكان _الشاعرة الأمريكية انتوني فلورنس


المزيد.....




- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيء ناصر - لقد أحَطتُ بما لم تحط به