أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تجمع اليسار الماركسي في سورية - طريق اليسار - العدد 72















المزيد.....



طريق اليسار - العدد 72


تجمع اليسار الماركسي في سورية

الحوار المتمدن-العدد: 4822 - 2015 / 5 / 30 - 10:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



طريق اليســـــار
جريدة سياسية يصدرها تجمع اليسار الماركسي في سورية / تيم /
* العدد 72 ـ أيار / مايو 2015 - [email protected] E-M: *


* الافتتاحية *
محركات الأزمة السورية

حصل استعصاء سوري بعد قليل من نشوب (الحراك السوري المعارض)البادىء من درعا يوم 18آذار/مارس2011،تمثل بعدم قدرة النظام على هزيمة الحراك،كماحصل في أحداث1979-1982ضد(جماعة الاخوان المسلمين)،وبعدم قدرة (الحراك المعارض) على هزيمة النظام من جهة أخرى،وثالثاًبعدم قدرتهما على الوصول إلى تسوية .هذا الاستعصاء أنشأ شيء اسمه (الأزمة السورية).حتى يوم18آب/أغسطس2011عندما طالب باراك أوباما الرئيس السوري بالتنحي كانت الأزمة السورية ضمن الإطار المحلي .لوحظ في ذلك الشهر انتقال أنقرة إلى القطيعة أيضاً،مثل واشنطن،مع دمشق،وكذلك الرياض والدوحة،فيماكانت باريس قد سبقتهم جميعاً منذ تموز/يوليو.
في أيلول/سبتمبر2011طرحت مسودة ل(المبادرة العربية)جرى تبنيها من قبل مجلس وزراء خارجية الجامعة يوم2تشرين ثاني/نوفمبر. في22كانون ثاني/يناير2012جرى طرح ل(المبادرة العربية الثانية)،وفيها نص على "تفويض رئيس الجمهورية نائبه الأول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية" فيماكانت المبادرة الأولى تقول ب"تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية برئاسة رئيس حكومة يكون مقبولاً من قوى المعارضة ..وتعمل مع الرئيس".كان الفيتو الروسي- الصيني في مجلس الأمن الدولي بنيويورك يوم4تشرين أول/أوكتوبر2011قد أعطى ملامح أولى عن تدويل الأزمة السورية وعن ملامح الجدار الذي سيرتطم فيه (التعريب) قبل أن يؤدي الفيتو الروسي- الصيني الثاني يوم 4شباط/فبراير2012ضد مبادرة22يناير المحمولة إلى نيويورك إلى موت التعريب.كانت خطة كوفي عنان،المتبناة في البيان الرئاسي لمجلس الأمن يوم21آذار/مارس2012 والقرارين2042و2043بنيسان/إبريل،اعلاناً عن بدء (التدويل)،ثم ليتكرس هذا في (بيان جنيف1)الناتج يوم30حزيران/يونيو2012عن اجتماع ( مجموعة العمل من أجل سورية) من دون حضور السوريين،ومن دون حضور طرفين فاعلين على الصعيد الاقليمي في الأزمة السورية ،أي ايران والسعودية،مع غياب ملفت لمصر.
أوحى هذا المجرى بين درعا18آذار/مارس2011وجنيف30حزيران/يونيو2012بأن(سورنة)و(تعريب)الأزمة قد تم تخطيهما من قبل (التدويل).كان فشل(السورنة)ناتجاً عن فشل السوريين في التلاقي على (تسوية) أوعن عدم قدرة أحد الطرفين بالنزاع على حسمه لصالحه.لم يستطع (التعريب) العوم في بحر الأزمة السورية مادامت موسكو قد ألقت بثقلها منذ الفيتو الأول ومادامت أنقرة وطهران قد أثبتا فاعلية استقطابية في الأزمة السورية فاقت كل الأطراف العربية الأخرى في بحر العام2011.لم يستطع (الاقليمي)اطلاق رصاصة الرحمة على (التعريب)بل كان هذا عبر موسكو في مجلس الأمن بنيويورك يوم4شباط/فبراير2012،وإن كانت فاعلية(الاقليمي) الراجحة في الأزمة بالقياس للأطراف العربية الفاعلة قد ساعدت الروس في ذلك.في شهر نيسان/إبريل2012قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف،أثناء اجتماع مع وفد(هيئة التنسيق) في العاصمة الروسية،بأن "روسيا تدافع عن موسكو في دمشق".
هنا،كان(بيان جنيف1)إطاراً وضع فيه سقف الأزمة السورية وحدودها ومآلاتها،وهو عملياً كان حصيلة فعلية للتوازن الأميركي- الروسي التي نجحت موسكو لأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة1947-1989في تحصيله أمام واشنطن في أزمة كانت مكثفاً كبيراً للعوامل الدولية والاقليمية.لم تكن محركات تنفيذ(بيان جنيف1)قائمة آنذاك،بل وضعت فيه المحددات والسقوف والمآلاتفقط،ليكون أقرب إلى اعلان نوايا أميركي- روسي ،أوتفاهمثنائي،تجاهأزمة"ما".ربما كان هذا ناتجاً عندهما عن احساس بعقابيل هذه الأزمة إن تطورت في مسارات غير مرغوبة من قبلهما،ومن الأرجح في هذا الصدد بأن (بيان جنيف1)،في مقاصده وفي طريقة صياغته الملتبسة،هو أقرب إلى (القرار242)،الصادر عن مجلس الأمن الدولي يوم22تشرين ثاني1967،لتنظيم عملية تسوية الصراع العربي- الاسرائيلي بعد أشهر قليلة من حرب 1967 ،حيث أنشأ حالة أسماها محمد حسنين هيكل عام1972ب"اللاسلم واللاحرب"،وليتم كسر هذا عبر حرب1973 التي كانت تحريكية للتسوية عبر توازنات جديدة ولكنها لم تكن كافية للوصول إلى تسوية شاملة.رغم هذا ظل العرب والاسرائيليون ومازالوا بعد مايقارب نصف القرن من الزمن تحت سقف القرار242.في صيف2012لم يحظى (بيان جنيف1)سوى بقبول النظام السوري ولم يكن أحد من المعارضين قابلاً به سوى(هيئة التنسيق).رفضته كل الأطراف الاقليمية الفاعلة على اختلاف مواقعها .لجأ أغلب المعارضين السوريون إلى تشجيع أوتبني أوممارسة خيار (العنف المعارض).لم يتم تفعيل (بيان جنيف1)نتيجة انزياحات محلية سورية أواقليمية بل عبر لقاء موسكو يوم7أيار/مايو2013بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي.كان ملفتاً للنظر أن حل (أزمة الكيماوي السوري)قد أتى عبر الثنائية الأميركية- الروسية وأن هذا قد قاد بعد أسبوعين إلى القرار2118يوم27أيلول/سبتمبر2013الذي مزج بين (الكيماوي)و(بيان جنيف1)الذي وضع نصه الكامل كملحق بالقرار.أعطى القرار2118طريقاً نحو(جنيف2)ولكن لم تتم الدعوة إلى (جنيف2)إلابيوم25تشرين ثاني/نوفمبر2013أي في اليوم التالي لتوقيع اتفاق الإطار المؤقت حول (النووي الايراني)بين مجموعة5+1وطهران.تمت الدعوة لايران ولكنها تلكأت بسبب رفضها نص الدعوة "المبنية على القبول بنص بيان جنيف1".كان واضحاً أن (جنيف2)مرفوعاً برافعة دولية عندما انعقد يوم22كانون ثاني2014كماأن موته كان أيضاً بسبب دولي تمثل بالتصادم الأميركي – الروسي الحاصل منذ يوم21شباط/فبراير2014عندما جرى اسقاط الرئيس الأوكراني يانوكيفيتش الموالي لموسكو من قبل قوى محلية موالية للغرب الأميركي- الأوروبي حيث قادت الأزمة الأوكرانية إلى تجميد مسار موسكو 7أيار2013الذي قاد إلى (جنيف2).
خلال أربعة عشر شهراً وضع(بيان جنيف1)في الثلاجة.تم تحريك النار تحت طنجرته في الفترة الواقعة بعد اتفاقية لوزان الموقعة يوم2نيسان/إبريل2015من قبل مجموعة5+1مع طهران التي تمثل إطاراً يوضع في آلية تنفيذية نهائية بحد زمني سقفه يوم30حزيران/يونيو2015.نص الدعوة الموجهة من السيد دي مستورا إلى الأطراف السورية إلى (مشاورات جنيف) في شهر أيار/مايو2015من أجل "تفعيل بيان جنيف وتوضيح عناصره الأساسية"تحمل تاريخ20نيسان/إبريل2015أي بعد ثمانية عشر يوماً من اتفاقية لوزان.من الأرجح أن السيد دي مستورا لايشتغل فقط بوحي (لوزان) في مشاورات جنيف بل وأيضاً العنصر الروسي الذي يبدو أنه اقتنع بأن الطريق إلى جنيف 3 لايمر عبر موسكو1وموسكو2. هنا لايمكن فصل يمن مابعد26آذار/مارس2015،والتوافق المستجد بين الرياض وأنقرة،عن اللوحة الكلية لمشاورات جنيف.
السؤال:هل كل هذا يشكل محركات كافية لتحريك الأزمة السورية نحو الحل في جنيف3عبر بيان جنيف1،أم لا؟..........


الملف الماركسي:
في الذكرى 28(18أيار1987)لاستشهاد مهدي عامل

مهدي عامل

الدكتور حسن عبد الله حمدان المعروف باسم مهدي عامل (ولد في بيروت عام 1936) ابن بلدة حاروف الجنوبية قضاء النبطية. متزوج من إيفلين بران، وله ثلاثة أولاد: كريم وياسمين ورضا.
تلقى علومه في مدرسة المقاصد في بيروت وأنهى فيها المرحلة الثانوية.
نال شهادة الليسانس والدكتوراه في الفلسفة من جامعة ليون، فرنسا. درًس مادة الفلسفة بدار المعلمين بقسنطينة (الجزائر)، ثم في ثانوية صيدا الرسمية للبنات (لبنان). انتقل بعدها إلى الجامعة اللبنانية معهد العلوم الاجتماعية كأستاذ متفرغ في مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات.
كان عضوا "بارزا" في اتحاد الكتّاب اللبنانيين والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي، ورابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية. انتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني عام 1960، وانتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب في المؤتمر الخامس عام 1987.
في الثامن عشر من أيار عام 1987 اغتيل في أحد شوارع بيروت، وهو في طريقه إلى جامعته الجامعة اللبنانية معهد العلوم الاجتماعية الفرع الأول، حيث كان يدرس فيها مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات. من أقواله "لست مهزوما ما دمت تقاوم". وعلى إثر اغتيال مهدي عامل أعلن يوم التاسع عشر من أيار من كل عام "يوم الانتصار لحرية الكلمة والبحث العلمي".
نشأته و حياته
هو مفكر ومناضل شيوعي ولد في بيروت عام 1936 من بلدة حاروف قضاء النبطية.اسمه الحقيقي حسن عبدالله حمدان. في العام 1955 انهى مرحلة الدراسة الثانوية من مدرسة المقاصد في بيروت، سافر إلى فرنسا في عام 1956 ونال من جامعة ليون شهادتي الاجازة والدكتوراه في الفلسفة .وفي العام 1960 انتسب إلى صفوف الحزب الشيوعي اللبناني[1].في عام 1963 سافر إلى الجزائر واشتغل لمدة اربع سنوات في التعليم في دار المعلمين بمدينة القسطنطنية، وكتب بالفرنسية عدة مقالات نشرت في مجلة “الثورة الأفريقية” الصادرة في الجزائر .في عام 1968 درّس مادة الفلسفة في ثانوية صيدا الرسمية للبنات وبقي في عمله هذا إلى ان انتقل عام 1976 إلى الجامعة اللبنانية-معهد العلوم الاجتماعية، ليدرّس فيها مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات .ولقد كانت بداية حسن حمدان في مجلة “الطريق” تحت اسم مهدي عامل، الذي اصبح يُعرف به فيما بعد.[1]
تعتبر هذه الفترة (1968-1976) من الفترات المهمة في حياة حسن حمدان، حيث بدأ فيها ممارسة مشروعه الفكري والكتابة باللغة العربية، في وطنه، لدراسة واقعه الاجتماعي دراسة علمية وتمييز كونية قوانين الماركسية فيه، لتبدأ، بحسب حسن حمدان، «صيرورة الفكر العربي فكرًا علميًا» مبتعدًا عن القولبة وتكرار المقولات الجاهزة. ولقد ادرك خطورة ما يقوم به بقوله[1] :

انها لمخاطرة كبرى ان يفكر الواحد منا واقعه باللغة العربية

أعماله
- أصدر مهدي عامل عام1972 كتابه الاول “مقدمات نظرية لدراسة اثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني”. وقسّمه إلى قسمين: القسم الاول “في التناقض” والقسم الثاني “في نمط الانتاج الكولونيالي” الذي صدر عام 1976. وتكمن اهمية هذا الكتاب في ان مهدي بحث فيه في مجال جديد في الفكر الماركسي،وهناك جزء ثالث من الكتاب بعنوان “في تمرحل التاريخ” و الذى استشهد قبل أن يكمله.
- في عام1974، صدر كتابه “ازمة الحضارة العربية ام ازمة البرجوازيات العربية”، وفيه انتقد اعمال الندوة الفكرية التي عقدت في الكويت تحت عنوان أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي
- مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في عام1979، صدر كتابه “النظرية في الممارسة السياسية، بحث في اسباب الحرب الاهلية في لبنان”
[2] - و في عام1980، صدر كتابه “مدخل إلى نقض الفكر الطائفي-القضية الفلسطينية في ايديولوجية البرجوازيةاللبنانية”، عرض فيه المفاهيم الاساسية التي تكوّن ايديولوجية البرجوازية اللبنانية، وانتقدها من موقع نقيض لها، هو موقع الطبقة العاملة، مظهرًا بنقده البعد السياسي الذي تغيّبه ايديولوجية البرجوازية في نظرتها إلى القضية الفلسطينية.[1]
- في عام 1984 صدر ديوانه شعره الثاني “فضاء النون” تحت اسم هلال بن زيتون. وفي عام 1985 صدر كتابه “في علمية الفكر الخلدوني” وهو عبارة عن تمرين، بحسب قوله، لقراءة نص تراثي بفكر مادي علمي. وفي العام نفسه صدر له ايضًا كتاب بعنوان”هل القلب للشرق والعقل للغرب-ماركس في استشراق ادوارد سعيد” الوارد في كتاب “الاستشراق” في “ماركس وعلاقته بالفكر الاستشراقي وبالشرق الاسيوي”.
- في عام 1986 صدر كتابه “في الدولة الطائفية” الذي حلل فيه طبيعة النظام السياسي-الطائفي القائم في لبنان، بهدف كشف الصراع الطبقي الذي تحجبه الايديولوجية الطائفية بمظهر طائفي، لتؤيد الانتماء للطائفة لا للوطن، لتأييد النظام السياسي-الطائفي واعادة انتاجه.[1]
- بعد استشهاد مهدي عامل جُمعت مقالاته وكتاباته التربوية والتعليمية التي كتبها من 1968 _الى 1973ونُشرت في عام 1991 في كتاب بعنوان” في قضايا التربية والسياسة التعليمية”، حلل فيها الآلية السياسية التعليمية للدولة، في لبنان، التي تعمل من خلالها على ضرب التعليم الرسمي وتعميق الانتماء الطائفي لاعادة انتاج النظام السياسي-الطبقي-الطائفي.
مؤلفاته
من مؤلفات مهدي عامل:
• مقدمات نظرية: لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني. 1972 الطبعة الأولى، 1986 الطبعة الخامسة.
• أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية. الطبعة الأولى 1974، الطبعة الثالثة 1989.
• النظرية في الممارسة السياسية. بحث في أسباب الحرب الاهلية. الطبعة الأولى 1979. الثالثة 1989.
• مدخل إلى نقض الفكر الطائفي - القضية الفلسطينية في ايديولوجية البرجوازية اللبنانية. الطبعة الأولى 1980. الطبعة الثالثة 1989.
• هل القلب للشرق والعقل للغرب. الطبعة الأولى 1985. الطبعة الثالثة 1990.
• في علمية الفكر الخلدوني. الطبعة الأولى 1985. الطبعة الثالثة 1990.
• في الدولة الطائفية. الطبعة الأولى 1986.
• نقد الفكر اليومي. الطبعة الأولى 1988. لم ينتهِ.
• في تمرحل التاريخ، الطبعة الأولى، 2001.
له العديد من المساهمات النظرية المنشورة والتي ستنشر ضمن الاعمال الكاملة.
• في الشعر:
• تقاسيم على الزمان، الطبعة الأولى 1974.
• فضاء النون، الطبعة الأولى 1984.

الشهيد مهدي عامل الذى أرعب الظلاميين بفكره ومواقفه
رمضان الصباغ
الحوار المتمدن-العدد: 2337 - 2008 / 7 / 9 - 10:51
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


إذا كان الكاتب الحقيقي ، هو الناقد لعصره ومجتمعه ليرتقي هذا المجتمع سلّم التقدم ، ويتجاوز التخلف والركود 0 والكتاب والمفكرون العظام هم الذين وضعوا هذا المفهوم نصب أعينهم ، وعملوا من أجله ، ودفعوا كل نفيس وغال من أجل ذلك 0

ولكننا في عالمنا العربي نجد هذا المفهوم مجرّما ، فالخطوط الحمراء كثيرة ، وسقف الحرية قد انخفض إلى حدّ بعيد في كثير من البلدان العربية ، فحرية التعبير ، والنقد ، والتفكير العلمي جميعها من العادات المكروهة ، بل وفي كثير من الأحيان تستوجب العقاب ، الذي يصل إلى قصف الأقلام ، والزجّ في السجون ، وتنتهي بالاغتيال 0

والذي يواجه حرية الفكر ليس فقط رجال السياسة ، أو الحكام ، بل لقد أعطي رجال الدين ، والمتطرفون الأصوليون أنفسهم الحق في التفتيش في ضمائر الكتاب والمفكرين ، وتأويل النصوص كما يحلو لهم ، والفهم السطحي والظاهري ، دون التعمق والبحث في بنية العمل الفني أو الفكري ، وتسابقوا في العدوان على حرية التفكير ، سواء بالتحريض لدي العامة على المفكرين ، أو تحريض السلطات ضدهم ، وفي أحيان كثيرة ينفذون ما يرغبون بأيديهم ، ورشّاشاتهم وخناجرهم ، وبأدواتهم التي ورثوها عن العصور الوسطي 0 فكانت النتيجة هذا السيل من دماء المفكرين والكتّاب أصحاب الرأي الحر 0

وفي مثل هذه الأيام ، وبالتحديد في 18 مايو ( آيار ) 1987 استشهد في شارع الجزائر في بيروت المناضل والمفكر "مهدي عامل" الاسم الحركي
لـ "حسن حمدان" أستاذ الفلسفة بالجامعة اللبنانية

ولقد ولد مهدي عامل في بيروت عام 1936 ، وتلقي علومه في مدرسة المقاصد في بيروت ، ثم نال شهادة الليسانس والدكتوراه في الفلسفة من جامعة ليون بباريس 0 وكان عضواً بارزاً في اتحاد الكتاب اللبنانيين والمجلس الثقافي للبنان 0 انتسب إلى الحزب الشيوعي عام 1960 وانتخب عضواً بالجنة المركزية عام 1987 عام استشهاده 0

لماذا اغتالت أيدي الجهل والتطرف والطائفية ( مهدي عامل ) ؟
لقد فعلت ذلك لأنها لا تملك القدرة على الحوار مع التفكير العلمي ، ولا تقوي على المواجهة الحقيقية مع فكر مهدي عامل ، وأنها بفهمها المتخلف للتراث والدين ( الذي تحتمي به لتمرير أفكارها المتخلفة ، والرجعية ) تري في حرية التعبير ، والتفكير العلمي نهايتها ، ولذا فإنها تتستر وراء فهم سطحي للنصوص ، وتقوم بعمليات التصفية الجسدية والاغتيالات أملا في الإبقاء على سيطرتها على عقول الجهلاء 0

لقد كان "مهدي عامل" مفكراً رأي في القلم سلاحاً للدفاع عن الحرية ومواجهة القوي الظلامية التي بدت كخفافيش الليل في أتون الحرب الأهلية اللبنانية 0 فانتقد الطائفية ، وشرّح وحللّ بنيتها 0 فقد رأي أن الطائفية ليست كيانا بل هي علاقة سياسية محددة بحركة معينة من الصراع الطبقي ، ومحكومة بشروط تاريخية خاصة 0 وإذا كانت البورجوازية اللبنانية مصرّة على أن يكون الصراع الاجتماعي صراعاً طائفيا 0 فإنه يؤكد على أن الطائفية هي أساس علاقة التبعية بالإمبريالية ولذا فإن النضال ضد الإمبريالية يجب أن يلتحم أيضاً بالنضال ضد الطائفية 0 فالطوائف ليست وحدات اجتماعية بل هي علاقات سياسية تحددّها حركة معينة من الصراع الاجتماعي 0 كما أن الطوائف ليست طوائف بذاتها بل بالدولة ، ورأي أيضاً أن النظام السياسي اللبناني نظام ديكتاتورية مقنّعة ، واستمراره مرتبط بكونه كذلك ، وإلا فقد شرعيته 0 والديمقراطية الطائفية فاشيّة طائفية 0 ولذا فإن نقيض الفاشية في لبنان ، هو نقيض الطائفية 0 وأن قوى التغيير هي قوى المقاومة ضد الإمبريالية العالمية ، والاحتلال الصهيوني ، أما قوي التأييد الطائفي فهي نفسها قوي التعاون مع العدو الصهيوني 0 وقد رأي أن طائفية هذه الدولة ليست ضرورة طائفية بل هي ضرورة طبقية 0

لقد كانت مقولات ( مهدي عامل ) في توصيف البنية الطائفية والدولة الطائفية بالغة الغني وذات أهمية استثنائية في فهم المسالة اللبنانية – على حد تعبير ( مسعود ضاهر ) 0 وقد كان النقد العلمي والصارم للطائفية والنظام الطائفي في لبنان ، وكشف غطاء التيارات الدينية التي تكرس هذه الطائفية ، هو السبب في استشهاده على أيدي حرّاس الظلام ، وقوي التخلف في لبنان.

وقد كان يؤكد باستمرار على أن الفكر العلمي فكر كوني ، ولا يصح فيه القول بأنه شرقي أو غربي أو شمالي أو جنوبي ، إلا عند من ليس له من العلم سوي الجهل به ، بالتالي العداء له 0 ليس مثل هذا الفكر الظلامي وريث التراث ، حتى لو ادّعي ذلك 0

فالفكر العلمي هو الركيزة الأساسية للتقدم ، والقول – عن جهل – بالأفكار المستوردة ، إنما يؤكد عنصرية وتخلف القائلين بذلك ، فالتاريخ يكذب ذلك والواقع أيضاً 00

وإذا كان فكر مهدي عامل علميا ، فهو أيضاً فكر نقدي ، وكان نقده – كما يري "كريم مروّه" ، رفيق دربه – ( يطاول الوقائع القائمة ، ولا يستثني حتى مشاريع التغيير ، بما في ذلك المشروع الاشتراكي ذاته الذي كان ينتمي إلى مرجعيته الفكرية - الماركسية )

لقد كان لا يكف عن طرح الأسئلة ، ولا يكف عن محاولة التوصّل إلى الأجوبة التي تنطوي أيضاً على أسئلة وإشكاليات جديدة 0 وكان يرى أن الركون إلى البداهة ، هو النقيض الأساسي لعملية إنتاج النظرية – ويضيف (محمد دكروب ) في كلمته في الندوة الفكرية التي نظمها مركز البحوث العربية عن مهدي عامل فيما بين ( 27 – 29 ) مايو 1988 بمقرة بالقاهرة: (00 في مسيرتنا الفكرية والشخصية هذه ، مع مهدي ، وعبر سجالنا المتواصل والخصب هذا ، كنا نكتشف أن هذا المفكر الكبير والطفل الحبيب المحرض والمستفز والودود ، البسيط ، حتى الشفافية ، والمعقد حتى درجة الغليان الداخلي والمكبوت 000 وكنا نكتشف أن تحديداته الصارمة نفسها كانت تنقلنا ، بهدوء ، ولكن باستمرار ، إلى التخلص التدريجي من الاستخدام العشوائي وغير الدقيق للمصطلحات والمفاهيم ، وإلى التخفيف ما هو جاهز من الأفكار والصياغات 00 رجل يتقن تحريك الفكر ، وتفتيح العيون) 0

وفي إطار نقده لمقولات "إدوارد سعيد" في الاستشراق ، نجده يؤكد على أن الفكر الثوري لا يستطيع أن يقبل النظام البنيوي المغلق لنفيه للتناقض وعدم قبوله للفكر الطبقي ووضعه المفاهيم في نظام بنائي واحد 0 كما أنتقد القول بثنائية الشرق والغرب أو الأنا والآخر لأن هذه الثنائيات – في رأيه – تمنع الفهم الحقيقي للواقع 0

وقد طرح أيضا في كتاباته مفهوم نمط الإنتاج الكولنيالي والذي حظي بمناقشات عدة من الباحثين وأثار جدلا عميقا ، وحواراً خصباً بين فصائل اليسار 0 وناقش الأبحاث التي قدمت في ندوة الكويت ( 1974 ) حول أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي وناقش أفكار زكي نجيب محمود ، ونقولا زيادة ، وأنور عبد الملك كما ناقش آراء فؤاد زكريا حول سؤال النهضة التي لم تحدث في العالم العربي لتخلّف العقل العربي 0 وانتقد الآراء التي تكرّس للماضي 0 ورأي أنه حتى إذا بقيت في الحاضر بعض عناصر الماضي فيتم ذلك في إطار مختلف 0 فإسلام ابن رشد ليس هو إسلام حسن البنا أو سيد قطب 0 كما انتقد "أدونيس" الذي كان يري الغزالي نموذجاً للفكر العربي 0

وإذا كانت علاقات الإنتاج القديمة لا تزال قائمة ، وأن الفكر التقليدي مازال هو الأكثر حضورا الآن ، فإن بنية النظام الحالي بنية قمعية ، وأن الفكر العربي السائد فكر اتباعي ، ويرفض الإبداع 0

وقد كانت حياة مهدي عامل حافلة بالإنتاج الفكري والحوار ، وكانت أفكاره دائما تطرح العديد من الأسئلة ، وتجيب عن تساؤلات يطرحها الواقع ، سواء في لبنان أو العالم العربي ، فمن نظرية الثورة ، إلى التناقض ونمط الإنتاج الكولونيالي ، إلى الخوض في مجال التربية والتعليم والمناهج الدراسية ، ونقد الطائفية ، والعلاقة بين النظرية والواقع ، ومواجهة الأفكار السلفية وتسليط الضوء ونقد آراء إدوارد سعيد في "الاستشراق" وانتهاء بكتابة الشعر: ( تقاسيم على الزمان ) ، و ( فضاء النون )

لقد كان مهدي عامل غير مبال بالتهديدات التي جاءته محددة بأنه سوف يكون الهدف الثاني بعد المفكر الكبير" حسين مروّة " (1908 ، 1987) الذي اغتيل في فراشه في فبراير 1987 0 لم يعبأ للتحذيرات ، وظل ظل يمارس حياته العادية كأن شيئا لم يحدث ، فجاءته الرصاصات من سيارة ، وهو في طريقه إلى معهد العلوم الاجتماعية للقاء طلابه سائرا على قدميه 00 وكانت أصابع الاتهام تشير إلى التطرف الإسلامي ( أمل – وحزب الله ) ولم يكن مهدي عامل آخر الشهداء فقد تلاه آخرون من المفكرين العلمانيين والعقلانيين الذين ضاقت بهم خفافيش الظلام 0
------------------------------------------------------







سعدون هليل
الحوار المتمدن-العدد: 3222 - 2010 / 12 / 21 - 19:47
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق

النظرية والممارسة في فكر مهدي عامل
ندوة فكرية


حين اسكتت الرصاصة قلم المفكر والفيلسوف وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني الدكتور (حسن حمدان) المعروف ككاتب ومناضل باسم (مهدي عامل) الذي اغتيل في ايار 1987 برصاص الأرهاب السلفي في بيروت، ويأتي اغتياله امتداداً لموجة الاغتيالات، كما حصل للباحث والناقد المعروف (حسين مروة) ود. (فرج فودة) وغيرهم الكثير من العراق والجزائر.
إن مهدي عامل كان بمثابة (غرامشي عربي) حيث يقول: "اما إن يكون المثقف ثورياً او لا يكون" لقد مات لأنه اصغى الى متطلبات العقل، لأنه رفع صوته متصدياً لجنون المتعصبين الفتاك، مات من اجل تحطيم أحادية التفكير، مهدي فيلسوف ماركسي له مؤلفات عديدة ف الفكر النظري والتحليلي المكرس لمشكلات الديمقراطية والرقي الاجتماعي، كما في ميدان الحضارة الأسلامية. وبوصفه مفكراً منتجاً، فقد كان فكره العميق في مجال التاريخ السياسي والثقافي والشعر، ويحتل د. مهدي مكانة مرموقة في الفكر العربي المعاصر.
نظم مركز البحوث العربية في مصر ندوة حول الفكر والممارسة عند مهدي عامل، ناقشت عرشين بحثاً حول محاور اساسية هي:
أ- في قضايا التراث العلمي العربي.
ب- في الفكر النظري
ج- الفكر في الممارسة - ازمة البرجوازيات العربية.
د- الفكر في الممارسة - حول الطائفية
شارك في القسم الاول: الاستاذ محمود أمين العالم ببحثه المعنون: "نظرية الثورة عند مهدي عامل وأدواتها المعرفية" كان فكر مهدي عامل، لا مجرد ابداع نظري ثوري، بل كان كذلك ممارسة حية فاعلة، في التزامه بحزبه الثوري، الحزب الشيوعي اللبناني، وفي اندماجه بأوسع الجماهير توعية وشحذاً لنضالها الوطني والاجتماعي ولأنه كذلك قتلوا رجل الفكر والفعل، آملين إن يقتلوا بهذا فكر الرجل ودلالة فعله -ولكن.. هيهات لهم ذلك؟ وحركة التاريخ كما يقول مهدي عامل ليست استمراراً او تواصلاً او تتابعاً بل هي حركة تقطع تترابط فيها أنماط الإنتاج في قفزاتها البنيوية من نمط الى آخر، يؤكد مهدي عامل منذ البدايات الاولى لكتاباته وخاصة كتابه"أزمة الحضارة العربية ام أزمة البرجوازيات العربية" حتى كتاباته الأخيرة عن ابن خلدون والطائفية والحرب اللبنانية يؤكد على التفريق بين الواقع والفكر. لان الفكر لا يصل الى الواقع كما يقول مهدي عامل إلا بانتاجه لمفاهيم النظرية عن طريق نقد للمفاهيم المتكونة فهي عملية النقد هذه يتكشف الواقع في بيئته النظرية. ويؤكد محمود أمين العالم فمهدي عامل هو: "المفكر العربي الوحيد الذي حاول إن يبني ظرية علمية متكاملة للثورة العربية، بل للثورة في البلاد المتخلفة عامة".
اما الناقدة الدكتورة يمنى العيد، لقد ناضل مهدي لنقض مقولات ترسخت في ثقافتنا العربية: في كتاباتنا الأدبية، والفلسفية، والسياسية، بما فيها أحياناً الكتابات الماركسية. مقولات بدت بالوهم، تقدمية، او علمية ثورية، لكنها تتكشف في نهاية تحليله لها، ككتابات تنتمي الى ايديولوجية البرجوازية الكولونيالية، وتدعم، من ثم عن وعي او غير وعي، سلطتها على حساب الفهم الثوري لعملية التغيير الثقافي والتحرر الوطني. وتتطرق الباحثة د. يمنى الى أهم المفاهيم النظرية التي قامت بها فلسفة مهدي عامل الفكرية الماركسية هي: مفهوم الحركة الانتباذية، ومفهوم الحركة الانجذابية للصراع الطبقي، او التناقضات الاجتماعية. ثم مفهوم التفاوت البنيوي، ومفهوم التفاوت التطوري.
لقد قام مهدي عامل بهذه الممارسة الشاملة الدؤوبة. قام بها على المستوى الفكري النظري كباحث ماركسي، يصل الى العام والكوني، وينتج او يعيد انتاج قوانينه العامة من المنطلق الخاص في تميزه. وقام بها على المستوى النضالي العملي كملتزم بمهمات العمل الثوري فكان بذك صورة فكرية نضالية هائلة الاضاءة لمسألة العلاقة بين الفكر والواقع.
لقد قيل لمهدي انك متأثر بألتوسير، مهدي لا ينكر ذلط، لكنه يحيل قارئه من جديد الى كتاباته، او الى كتابه "في التناقض" عله يرى النقد والاختلاف،وها نحن نقرأه من جديد، نتوقف عند هذا الاختلاف لنسمعه يقول بأن "حرية التنقل في شروط تاريخية محددة، بين المستويات البنيوية الاجتماعية ليست للتناقض الرئيسي المسيطر في تطور هذه البنية بل لمظاهره" وتمضي الناقدة يمنى بقولها إن مهدي كان مبدعا، مثقفاً واسع الثقافة ومدافعاً عن الفكر المبدع، من حرية التعبير، عن ثقافة ثورية كانت شهادته لكن، سيبقى الخيط يضيء عتمة الواقع وسيبقى النور يجلو صدأ الفكر.
ويتطرق الدكتور فيصل دراج: عن الحزب والنظرية في فكر مهدي عامل بين الحزب والنظرية في مفاهيم مهدي، علاقة تقترب من حدود التماهي.ينتج الحزب النظرية ويكون وجودها شرطاً لوجود الحزب ويمارس الحزب النظرية وتكون الممارسة شرطاً لاختيار النظرية وتطورها. يقول مهدي: "فالوصول الى الاشتراكية لا يكون إلا بحل مشكلات أي تناقضات فعلية يطرحها دوماً وبشكل متميز تطور حركة الصراعات الطبقية في بنية اجتماعية معينة. من هنا أتى الارتباط الضروري للمارسة النظرية بهذه الحركة المحددة من الصراعات الطبقية. ومن هنا أيضاً اتت الضرورة في إن تكون الممارسة النظرية، في تميزها بالذات كممارسة نظرية، ممارسة حزبية".
ويعتقد د. فيصل دراج قائلاً: "اذا رجعنا الى سطور كثيرة في كتاب مهدي يمكن ان نقول إن النظرية الوحيدة التي تجد في تكوينها الطبقي بالذات القوة الثورية على نقد ايديولوجيا الدولة، هي نظرية الحزب الشيوعي، حزب الطبقة العاملة، لأن الطبقة العاملة اكثر الطبقات الاجتماعية ثورية على الاطلاق".
النظرية التي تتكئ على قوة ثورية هي، اذن، نظرية ثورية، وهذا البعد الذي يميز الماركسية عما عداها، لا يقوم فقط في المرجع الخارجي، بالمعنى النسبي للكلمة، انما يقوم ايضا في المنطق الداخلي للماركسية نها معرفة نقدية شاملة، وبعيدة عن كل مرجع معياري.
ودراج يتفق مع مهدي في الاساسيات الجوهرية المنظورة وخاصة في طريقة تناوله الأوضاع الطبقية العربية العامة.
وفي هذا الفصل نقرأ: "الفكر التربوي عند مهدي عامل" للدكتورة خيرية قدوح" تقدم الباحثة عن أهم الجوانب التربوية والاجتماعية، من اجل اقامة حكم وطني ديمقراطي- وانتاج ثقافة وطنية، وديمقراطية التعليم، او فتح ابوابه واسعة امام جميع ابناء الجماهير الكادحة. في محاولته. وتقول الباحثة : لقد قدم لنا حسن حمدان انتاجاً فكرياً غزيراً في التربية والاجتماع فكان رائداً في فكره كما في ممارساته التربوية والاجتماعية التي كانت دائماً متسقة مع طروحاته.
وتناول الباحث د. احمد صادق سعد -حول العلاقة بين نمطي الانتاج الكونيالي الاسيوي- والاستاذ صلاح العمروسي قدم بحث حول نظرية نمط الانتاج الكونيالي". اما د. عصام الخفاجي كتب عن مساهمة في البحث عن هويتنا: حول نمط الانتاج الكونيالي".
ثم قدم الدكتور رفعت السعيد بحثاً بعنوان "في الرد على مفهوم نمط الانتاج الكونيالي" وتناول الاستاذ شريف يونس وعادل العمري بحثاً بعنوان "تناقضات مفهوم: "نمط الانتاج الكونيالي" والبحث الأخير كان للدكتور احمد هني بعنوان "نمط الانتاج والتدرجات الاجتماعية. مقال في التصنيع والبرجوازية الوطنية".
ونقرأ في القسم الثاني للباحث الاقتصادي د. فوزي منصور بحثاً بعنوان "في اشكاليات الورة العربية" تناول الباحث مناقشة كاتب "أزمة الحضارة العربية ام ازمة البرجوازيات العربية" يقول قرأت له عبارة جعلت تتردد كثيرا باشكال مختلفة في صفحات الكتاب "إن كل نقد ليديولوجية طبقة معينة بالضرورة باطل، إن كان نقداً في موقعها الطبقي نفسه، أي من زاوية نظرها الطبقية" يقول الباحث ذكرتني هذه العبارة بعبارة أرددها كثيرا كلما تأملت ما يدور في مصر وموقف اقسام واسعة من اليسار منه: "إن كل نقد لممارسات البرجوازية هو بالضرورة وعم لها إن كان هذا النقد ينطلق من مواقع البرجوازية الفكرية" وقد كان مهدي عامل مصيباً كل الصواب عندما وضح إن ازمة المجتمعات العربية هي ازمة الطبقة المسيطرة منها، أي ازمة سيطرتها الطبقية.
وقدم المفكر هادي العلوي بحثه المعنون: "قراءة مهدي عامل ضرورة سياسية ومعرفية" تناول فيه، ضرورة قراءته ففي شقاء الكثير مما يعانون. يؤكد هادي إن ماثرة مهدي عامل لها جناحانن معرفي وسياسي، وينهض على هذين مجمل ما كتبه حيث تتوحد المعرفة بالسياسة او الفلسفة بالايديولوجيا لتوفير مثال طري على الطريقة التي يمكن بها للماركسية ان تتأيض في الذهن العربي.. فالماركسية بما هي فلسفة تغيير قد تمظهرت في الحياة كفكر مناضل وجذبت لها بذلك جمهوراً لم يسبق للفلسفة إن وصلت اليه بعد إن ظلت طريقة تفكير خالص للخاصة من المفكرين لكن الماركسية ارادت إن تكون لعامة الناس حينما اعطت الفيلسوف مهمة جديدة هي تغيير العالم.
ثم قدم الدكتور مسعود ظاهر بحثاً بعنوان "مهدي عامل رائد التجديد النظري عن "الطائفية" و"الدولة الطائفية" في لبنان، يقول الباحث لم يكن مهدي عامل مثقفاً ماركسياً فحسب، بل حرص على تجديد الفكر المادي في الوطن العربي بشكل لم تسبقه اليه كثيرة من المثقفين الثوريين العرب. فاللغة عند مهدي عامل لم تكن محايدة، والكلمة لديه لم تكن تحتمل عدة معان ملتبسة كنتاج للقصور النظري الذي تختفي وراءها. لفتة "نظام مرصوص من المفاهيم" على حد تعبير احد ناقديه). وشارك الاستاذ سيد عبدالعال واحمد كامل عواد: ببحث مشترك بعنوان (اسهام في الحوار حول ادبيات مهدي عامل)
اما القسم الثالث بعنوان (الفلسفة بين العلم والتراث) شارك فيه الدكتور حسن حنفي ببحثه المعنون (النظرية ام الواقع) دراسة في اولويات فكر مهدي عامل وكتب الدكتور صلاح قنصوه عن (المشروع العلمي والنقد الفلسفي ف التراث الماركسي) اما بحث المفكر والفيلسوف د. صادق جلال العظم بعنوان (دفاعاً عن التقدم) يقول فيه: إذا كان التقدم مفهوماً برجوازياً فهذا يعني مباشرة أن التخلف الذي نعاني منه أيما معاناة هو مفهوم برجوازي ليس إلا لان التقدم لا يفهم إلا نسبة إلى شيء آخر اسمه التخلف او التأخر او الانحطاط والعكس بالعكس ويؤكد الباحث صادق جلال ظهرت تيارات في الفكر العربي المعاصر تميل إلى القول بأن التقدم الذي حدث وحصل في العالم الحديث هو تقدم زائف ومرفوض او الادعاء بأن هذا التقدم لم يحدث ابداً والبشرية لا تعيش اليوم غلا جاهلية القرن الواحد والعشرين او إن هذا التقدم يبقى سطحياً ولا يتناول الا الجوانب المادية من حياة المتقدمين ولذلك باستطاعة المتخلفين مثلنا اكتساب مقوماته واللحاق بمن سيقودهم بشيء من الجهود المكثفة والترميمات اللازمة والإصلاحات العادية لا اكثر.
أما بحث الدكتورة أمينة رشيد وهي مقررة الندوة كتبت عن النص الآخر في نقد مهدي عامل لادوارد سعيد تقول الباحثة ان كتاب مهدي (ماركس في استشراق ادوارد سعيد) يستهدف غرضين 1- نقد النظام المعرفي البنائي لادوارد سعيد 2- ؟؟؟؟؟؟؟ فكر البرجوازية العربية التابعة التي تأثرت بالنظام نفسه. والفكر الثوري لا يستطيع ان يقبل النظام البنيوي المغلق اولاً لنفيه التناقض، فقد راينا كيف انه لا يمكن للفرد الاعتراض على النظام والتحول إلى التشرد واللجوء إلى الشعر، الصورة التخيل، خارج لغة واتساق المعرفة التي هي سائدة اولاً تكون رقي النظام البنيوي).
وكتب الاستاذ عصام فوزي حول المادية التاريخية بين الاستشراق وتأويل النصوص ويشير الابحاث إلا ان ادوارد سعيد من اوائل من تصدوا للتحليل الدقيق والمستفيض للفكر الاستشراقي مستخدما في ذلك المفاهيم والادوات المنهجية للفكر الفوكوي البنيوي وكان لغياب مفهوم الايديولوجيا في تحليله للاستشراق أثره في اعتبار كل النصوص الغربية التي تتعلق بالشرق نصوصاً استشراقية ويعتقد عصام لقد كان كتاب ادوارد سعيد (الاستشراق) موضوعاً لنقد دقيق وعلمي من الرفيق مهدي عامل في مؤلفه (ماركس استشراق ادوارد سعيد).
اما القسم الرابع كان بعنوان (المفكر والشاعر) كتب الدكتور سعيد البحراوي حول قناعات وحقيقة واحدة (قراءة في قصائد حسن حملان المدعو (مهدي عامل).
وفي القسم الخامس ختام الندوة وتم فيه عرض للمناقشات للدكتور عصام فوزي، والبيان الختامي للندوة، وكلمة ختامية للدكتور فؤاد مرسي جاء فيها ( ان الواقع العربي في أزمة فلا بد من ان يتجه تفكيرنا إلى كيفية إخراجه من هذه اللازمة وان الماركسيين العرب قادرون على هذا، وان لكل منا الحق في أن يفكر بحرية بلا قيود او وسائط وبدون ؟؟؟؟؟؟؟ أي فكر. اعتقد إن هذا اللقاء ضرب مثلاً فذاً في حرية إبداء الآراء وأكد على استعداد الماركسيين والشيوعيين المصريين لإثارة القضايا بجرأة وهذا أنموذج نفتخر به.
--------------------------------------------
الخميس 11 مايو 2006
http://elaph.com/ElaphWeb/ElaphGuys/2006/5/147543.htm
مهدي عامل..قصة إغتيال
ربيع ديركي

في الثامن عشر من أيار عام 1987 أغتيل في أحد شوارع بيروت الوطنية ، في تلك الفترة ، مهدي عامل ( حسن حمدان ) وهو في طريقه الى جامعته _ الجامعة اللبنانية معهد العلوم الاجتماعية الفرع الأول_ حيث كان يدرس فيها مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات. أغتيل في بيروت الوطنية من كتب ، ومارس ما كتبه، " لست مهزوما ما دمت تقاوم " . أغتيل مهدي عامل بكاتم للصوت محشو برصاصات الحقد و الجهل والظلامية. ظلامية قوى لا تعرف الا طريقة واحدة للرد على كل فكر ومفكر ديمقراطي علماني وطني ..وهي الإغتيال . وعلى أثر اغتيال مهدي عامل أعلن يوم التاسع عشر من أيار من كل عام " يوم الانتصار لحرية الكلمة والبحث العلمي ".وباغتياله أصبح مهدي عامل، رغما عنه، أحد أصغر شهداء الفكر في العالم العربي، فهو من مواليد عام 1936 . نحن جيل لم يعرف مهدي عامل الا عبر كتبه، والتعرف على مهدي عامل عبر كتاباته مشقة حيث الاصطدام بجمل طويلة وتكرار الفكرة الواحدة في أماكن مختلفة اضافة الى لغة صارمة بدقتها ومصطلحات جديدة.بعد الاصطدام بهكذا نص لابد من أخذ قسط من الراحة لشخذ الفكر في محاولة للوقوع على مقاربة فهم مشروع مهدي عامل الفكري. بعد محاولات عديدة ممتعة وسنوات وسنوات من قراءة نتاج مهدي عامل الفكري – ومازال فعل القراءة مستمرا –نتيجتها مقاربة مازالت في بدايتها للوقوع على مشروعه الفكري الذي كرس من أجله وقته ودفع ثمنه حياته . سنوات وسنوات من القراءة ومعاودتها يتضح عبرها أن الجمل الطويلة هدفها اعطاء المسألة المبحوثة حقها، وأن تكرار الفكرة الواحدة في أماكن مختلفة يعني استنفاذ وعرض معانيها الممكنة بالتحليل، واللغة الصارمة بدقتها تعكس صرامة ودقة المشروع الفكري. اما المصطلحات فتعكس تحفر مهدي عامل في تحليل الواقع الاجتماعي لنحت مصطلحاته، فكان مشروعه الفكري صدم مفاهيم الفكر الماركسي بواقع متميز، أي تمييز كونية القوانين الماركسية لانتاج فكر ماركسي علمي، لأنه من هنا تبدأ، بحسب مهدي عامل ، " صيرورة الفكر العربي فكرا علميا، بتوسط القضية الأساسية التي تحقق تلك الصيرورة " والتي هي بصياغتها العاملية " ما هو الشكل ، أو بالأحرى ما هي الأشكال المحددة التي تتميز فيها حركة القوانين التاريخية الكونية في الحركة التاريخية للمجتمعات العربية المعاصرة ". وبذلك حلق مهدي عامل ماوراء الصواب والخطأ بمشروعه الفكري لتمييز كونية القوانين الماركسية. وبمشروعه الفكري هذا ثار مهدي عامل على ما هو قائم، وثورته ثورتان، ثورة على الفكر البرجوازي المسيطروثورة على التمركس، أي ثورة على تطبيق ما هو متكون على ما هو متميز . وبثورته المزدوجة وضع مهدي أسس نقد القائم بشكليه البرجوازي والماركسي ، وأساسه أنه لايمكن للنقد الا أن يكون ماركسيا بالمعنى المذكور أعلاه فكان التزامه بالمنهج المادي الماركسي في انتاج مشروعه الفكري الذي انتقد في جانب منه تقيؤ مفاهيم وقوانين متكونة في تمارين انشائية لاتنتج فكرا ماركسا علميا ولاتقدم للواقع أسس نقده .هنا كان تجاوز الصواب والخطأ في مشروع مهدي عامل الفكري، وهنا أيضا كانت المخاطرة التي أدركها منذ البدء بقوله :" انها لمخاطرة كبرى أن يفكر الواحد منا واقعه باللغة العربية "، والمخاطرة بلغت ذروتها باغتيال مهدي عامل وهو في أوج نتاجه الفكري . تسع عشرة عاما على اغتيال مهدي عامل تخللتها أحداث وتغيرات كبيرة كانت ذروتها في تسعينيات القرن الماضي انهيار التجربة الاشتراكية المحققة، وكان نصيبنا منها نحن جيل الشباب الذي لم يعرف مهدي عامل الا عبر كتاباته أن شهدنا بعض من شاركه في حلم التغيير ينقلب على تنظيراته للحلم وينقل قلمه من موقع الدفاع عن الحلم عن الممكن الى موقع الرذله والتبرؤ ، شبه اليومي ، منه. فماذا يمكننا القول عن انقلاب المنقلبين ؟. هل نتمنى العودة الى الوراء الى ما قبل اغتيال مهدي عامل بمركبة تسير بسرعة الضوء لنعرف منه رأيه بالمنقلبن على الحلم وعلى الممكن ؟ . كلا ، فنحن لسنا بحاجة الى مهدي عامل جديد ولا مهدي يقبل أخذ ما أنتجه كما هو دون نقد ونقاش، بل نحن بحاجة لادراك أن تحقيق الحلم بالممكن لا يتحقق بفكر يومي أساسه التماثل، بل يتحقق بفكر أساسه الاختلاف. والاختلاف لايؤسسه من يبدل موقعه بحسب تبدل الحدث اليومي، انه فكر ينتج انتاجا قاعدته السير في زمن الممكن ضد القائم والتحديق فيه " بعين الفكر العلمي " لنر " الواضح في الآتي ، يستقدمه الحاضر بمنطق تناقضاته " دون أن يعني ذلك تكرار تحديقات مهدي عامل بل للتعلم منه كيف يمكن للفكر أن ينتج وكيف يمكن للمثقف أن يكون عاملا بأدوات انتاجه لا أن يكون متقلبا بين المواقع خادما للسلطان القائم .
-----------------------------------------------
مهدي عامل رفع قدر المجتمع وانتقد الفكر القومي والديني معاً

(عبد الحاج )،نشر في 23/02/2014، جريدة "العرب" العدد: 9478، ص(8)

اغتال حزب الله في حملة واسعة، كلاً من مهدي عامل وحسين مروة وعدداً كبيراً من قادة الحراك اليساري اللبناني، الذين كانوا في واقع الأمر غالبية شيعية، وتم تنظيف الساحة من المفكرين لحساب تقدّم وبروز قيادات دينية للمجتمع الشيعي اللبناني، وحول اغتيال مهدي عامل قالت ماري الدبس نائب أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني شهدت علاقة اليسار اللبناني بحزب الله تحولات كبيرة :” قبل عشرين عاما، شن حزب الله حربا بلا هوادة ضد الشيوعيين، أعتقد أن الاتجاه السلفي الإسلامي الممثل بوجه خاص بحزب الدعوة الحزب السلفي بقواعده في العراق وإيران، ليست شيعية وحسب، بل ذات أغلبية شيعية وكان يرى في الحزب الشيوعي نقيضه في كل شيء، وكان يسعى لإلغاء كل فكرة عن العلمانية والانفتاح وفلسفة مغايرة الخ، بدأت العلاقات متوترة للغاية ووصل حزب الله حد اغتيال العديد من رفاقنا، وبوجه خاص مثقفين وأطرا جامعية، قتلوا على سبيل المثال مهدي عامل وحسين مروة، ونشبت معارك صغيرة سواء في بيروت أو في البقاع الغربي، في مناطق عديدة، حيث كان ميزان القوى يتيح قضاء طرف على آخر، ساعد ذلك أيضا ميل سوريا الى استئصال شيوعيي المقاومة الوطنية، كان ثمة تفاهم ما بين القوى السورية وحزب الله وقوى أخرى أيضا. كنا ملاحقين، وكان ثمة رفاق ذهبوا للقيام بعمليات مقاومة واغتيلوا وأطلقت عليهم النار من الخلف”.
المقاومة بالفكر
كتب اليساريون اجتهاداتهم بأساليب متعددة، اقترب بعضها من نثر الحياة، وآثر بعض آخر لغة من خشب، وعدوا، في الحالين، بمدينة تنصف الأحياء، وترد الاعتبار إلى أموات جمعوا بين الأحلام والخيبة.
لكن الدكتور حسن عبدالله حمدان المعروف باسم “مهدي عامل”، أراد أسلوباً خاصاً به، يوحّد بين العلم والإيمان، قبل اغتياله في الثامن عشر من أيار العام 1987 في أحد شوارع بيروت وهو في طريقه إلى الجامعة اللبنانية، حيث كان يدرس مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات في معهد العلوم الاجتماعية، بعد حصوله على شهادتي الليسانس والدكتوراه في الفلسفة من جامعة ليون الفرنسية.
مارس بنفسه ما طالب به الناس.. «لستَ مهزوماً ما دمتَ تقاوم».. فاغتاله الظلام
لبنان القديم الزاخر بالفكر
كان مهدي عامل عضوا “بارزا” في اتحاد الكتّاب اللبنانيين والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي، ورابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية. وانتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني في العام 1960، وانتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب في المؤتمر الخامس عام 1987.
وتعتبر أواخر الستينات وحتى منتصف السبعينات من الفترات المهمة في حياة مهدي عامل، حيث بدأ فيها التأسيس لمشروعه الفكري والكتابة باللغة العربية، ودراسة واقعه الاجتماعي في ضوء المنهج المادي الماركسي- اللينيني وتمييز كونية قوانينه، لتبدأ بحسب مهدي عامل “صيرورة الفكر العربي فكراً علمياً”، مبتعداً عن القولبة وتكرار المقولات المتكونة، ومنذ البداية أدرك مهدي خطورة ما يقوم به بقوله: “إنها لمخاطرة كبرى أن يفكر الواحد منا في واقعه باللغة العربية”.
وعبر المسار المتحرّر، والتحرري، توصّل مهدي عامل إلى صياغة العديد من مفاهيمه ومقولاته المختلفة عن، والمتخالفة مع، الثوابت الفكرية في الحركة الشيوعية العربية، ولكنه إذ يصل إلى صياغة مفهوم ما، أو قناعة معرفية محددة يندفع إلى حد الافتراض أن هذه الصيغات هي وحدها الصحيحة، فيدافع عنها بمنطق متماسك جدا، صارم جدّا، وممعن جدا في تشدده، فكتب عن “نمط الإنتاج الكولونيالي”، الذي يعيد إنتاج أنظمة تعترف بمصالح الكون كله ولا تعترف بمصالح شعوبها، وعن “أزمة الحضارة العربية”، التي هي من أزمة أنظمة مستقرة ألغت معنى الأزمة ووطّدت الركود.
المثقف العضوي ومجتمعه
وفي منتصف الثمانينات، حين كانت قوى التحرر سائرة إلى الغرق، آثر مهدي أن يوازن بين النظرية والتبشير، وأن يجعل من “المثقف العضوي” مثقفاً رسولياً يرفع ألوية الخلاص ويموت في الطريق، مارس خياراً أخلاقياً أقنعه، وهو المغترب البريء المعزول، إنه مدعوم من جماهير واسعة تسير إلى النصر الأخير.
وفي كتابه الأخير “نقد الفكر اليومي”، الذي لم يتح له الموت إكماله، صورة عن إيمانية مطلقة، يفصح عنها السياق قبل الأسلوب، ذلك أنه أكد انتصار الفكر الماركسي حين كان يقترب من هزيمة كاسحة. ساوت الإيمانية بين النظرية والانتصار، وساوى العقل الانتصاري بين النظرية والمنتمي إليها، كما لو كان الحق قد تشخصن في النظرية والمناضل معاً، ولهذا أخذت النظرية على قلمه صفات متعددة، فهي: “الفكر المناضل، اليانع أبداً، اليقظ الدائم، لا يتخاذل حين يفاجأ (….) يؤكد ضرورة الفكر العلمي في أن يكون ثورياً، وضرورة الحركة الثورية في أن تكون علمية”.
يحلل مهدي عامل “الفكر المادي” متحدثاً عن “الجرأة” و”الإصغاء”، كما لو كان الفكر المادي لا يفصح عن خصوبته إلا عند مفكّر يتمتع بالجرأة ويجيد الإصغاء، يصدر السبب الثاني عن “روح العصر”، التي هي من روح “الفكر المادي”، أو صورة عن “الفكر العلمي”، الذي هو قوام الزمن الحديث. نقرأ: “هو العصر وهذي حداثته، أن تعمّ فيه انهيارات الكهانة والقداسة والسيادة”.
كتب مهدي عامل عن فلسفة “عصر الثورات”، الذي هزم عصراً آخر، وهي المعرفة الدقيقة التي تبصر في أفق الحاضر مدينة فاضلة: “سرْ في الزمن الثوري وحدّق فيه بعين الفكر العلمي، ترى الواضح في الآتي، يستقدمه الحاضر بمنطق تناقضاته”.
اليقين الثوري
ولاحظ مهدي، في كتابه، “النظرية في الممارسة الثورية”، أن حركة التحرر الوطني في العالم العربي، من حيث هي حركة ممارسة الجماهير العربية كفاحها، في هدف قطعِ علاقةِ التبعية البنيوية بها، تعاني أزمة مزمنة، هي أزمة قيادتها الطبقية البرجوازيةَ المتجدّدة، وهي في الوقت نفسه أزمةُ القوى الاجتماعية والسياسية النقيض، العاجزة إلى الآن، في ممارستها الصراع الطبقي، عن فرض نفسها كقيادة ثورية بديل من تلك القيادة البرجوازية. ولمزيد من الدقة، إن أزمة حركة التحرر الوطني العربية كامنة في واقع أن البرجوازية التي تقودها ليست في مكانها الطبيعي، بسبب موقعها الطبقي في علاقات الإنتاج الكولونيالية، في حين أن ثمة حاجة قصوى لإحداث تحويل ثوري في علاقات الإنتاج تلك، يتناقض مع واقع قيادة تلك الحركة. ويُنحي مهدي باللائمة، في سياق نقده هذا، على الأيديولوجية “القومية”، التي تمارس فيها البورجوازيةُ الكولونيالية مأزقها الطبقي، في قيادة حركة التحرر الوطني “بحيث تظهر كأنها تمارس الصراع ضد الإمبريالية، فيما هي تمارس، في الواقع، في علاقة تساومها بالإمبريالية، الصراع الطبقي ضد القوى المعادية للإمبريالية، مقيمة هكذا تعارضا لا وجود له بين الصراع الطبقي والصراع الوطني، وساعية لإظهار نقيضها الثوري، أي الطبقة العاملة، بمظهر المعادي للقضية الوطنية، أو غير المعني بها، مع ما يفضي إليه ذلك من منع التلاقي الطبيعي بين جماهير البرجوازية الصغيرة والطبقة العاملة”.
تلك الطبقة في نظر مهدي عامل، عجزت عن الجمع بين مهام التحرر القومي ومهام التحرر الاجتماعي، وعن اعتماد خط بروليتاري حقيقي يتحاشى الفصل بين تلك المهام، ويسعى أصحابه ليصبح هو خط حركة التحرر الوطني ككل، بما هي تحالف لأوسع الجماهير الشعبية، يضم، إلى الطبقة العاملة، الجماهير الواسعة للبرجوازية الصغيرة العربية، بوجه أخص، ولتصبح الطبقةُ العاملة في موقع الهيمنة السياسية في تلك الحركة، وتتجاوز أزمتها بوصفها النقيض الثوري المفترض داخلها.
مرة أخرى، يؤكد مهدي تصوره للدور القيادي الثوري المفترض أن تتمكن الطبقة العاملة العربية من الاضطلاع به، بحيث يسهُل هكذا أداء المهام الوطنية الديمقراطية لحركة التحرر العربية، ومن ضمنها تحرر الشعب الفلسطيني، في تداخل وثيق مع الاضطلاع بالمهام الاجتماعية، بما هي تطرح التحويل لعلاقات الإنتاج الرأسمالي الكولونيالية وبناء الاشتراكية. وهو يجزم بأن هذا الانعطاف العميق في الحركة المذكورة لا بد من أن يمر بامتلاك الطبقة العاملة استقلالها السياسي، إذ هي لا تكون ” النقيض الثوري للبرجوازية إلا بمقدار ما تتكوّن في مثل هذه القوة المستقلة. فاستقلالها السياسي هو الذي يجعل منها الطبقة المهيمنة النقيض”.
لاحظ مهدي عامل، أن حركة التحرر الوطني في العالم العربي، من حيث هي حركة ممارسة الجماهير العربية كفاحها تعاني أزمة مزمنة، هي أزمة قيادتها الطبقية البرجوازيةَ المتجدّدة، وأزمةُ القوى الاجتماعية والسياسية العاجزة عن فرض نفسها كقيادة ثورية
استقلال الطبقة العاملة ومسألة التعليم
وهو استقلال يتوقف على وجود “حزبها الثوري”، وقيادته نضالها، في نهج سياسي صحيح، فالحزب، بحسب مهدي، ليس التنظيم الثوري للطبقة العاملة وحسب، أي أنه ليس هذه الطبقة نفسها كطبقةٍ منظمة ثوريا وحسب، بل هو بالتحديد، أداة وصولها إلى موقع الهيمنة الطبقية في السلطة، وكانت كتابات مهدي عامل التربوية، التعليمية من أولى اقتحاماته الفكرية في مجابهة الواقع اللبناني بعد عودته إليه من فرنسا ومن الجزائر أواخر الستينات، وكان تدريسه لمادة الفلسفة، إلى جانب متابعته اليومية الحية لبعض مظاهر النظام التعليمي في لبنان، من الدوافع المباشرة لتلك الاسهامات المتميزة وهو ما تميز به إنتاج مهدي اللاحق، الفلسفي منه بخاصة، والفكري بعامة.
شهدت تلك الفترة تفاقماً حاداً لأزمة السياسة التعليمية القائمة في لبنان، رافقه نمو متصاعد للحركة المطلبية الشعبية للتلامذة والطلاب وللمعلمين والأساتذة، وكشف المنهج الذي اتبعه مهدي عامل، من موقعه، في تحليله لآلية السياسة التعليمية للدولة في لبنان، عن صرامة هذا المنهج وعلى رهافة أدواته التي عمل على صقلها كما الفولاذ، والتي كان حريصاً على تأكيد ضرورة تميز تلك الأدوات بتميز الحقل الاجتماعي الذي تتصدى لتحليله، وكشف ذلك المنهج عدداً من علامات الطريق أمام كل من كانت قضايا التربية والتعليم ومستقبلها من اهتماماته. وعلامات الطريق هذه أكدت إرهاصات الحرب الأهلية أهميتها، كما زادتها أهمية حروب السنوات الست عشرة، ولا تزال تؤكدها سنوات السلم الأهلي القائم حالياً.
اغتيل مهدي عامل المولود في بيروت في العام 1936، برصاصات ما زالت حتى اليوم تغتال بصيغ مختلفة ما أراده مهدي من حزبٍ ثوريٍ، وممارسة سياسية طبقية مستقلة وفكرٍ نقدي تفتح الدرب أمام خطوة الانتقال من مجتمع أنظمة القمع والاغتراب والسلعية والأزمات الدورية إلى مجتمع الأنظمة الإنسانية الحرة الديموقراطية.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
فيسبوكيات:
------------------------

أنس الأسعد
عن المئوية التي لنا:

I.
كانت ثورة تركيا الفتاة 1908, ثورة "شباب" و"اعتدال" هي الأخرى, قبل أن تتحوّل لأعتى فاشية عسكرية في مطلع القرن العشرين. ولو أن المبالغة بالثناء عليها, لم ترق كثيراً للينين؛ فهي لم توقظ سواد الناس, برأيه.
قبل الانقلاب على عبدالحميد بعام واحد, تمّ تشكيل جبهة "غزل قومي" جمعتْ الاتحاد والترقي, مع طاشناق تزتيون, إلى قوميين عرب, بالإضافة لجمعية فوضوية صغيرة بزعامة الأمير صباح الدين تدعى جمعية التشبث الشخصي وعدم المركزية. أساس هذه الجبهة هو مبدأ تقرير المصير والاستقلال في نطاق الامبراطورية. لكن الآمال العربية بدأت تخيب, مع انتخابات مجلس المبعوثين, لدرجة حاول فيها عبدالحميد نفسه الاستثمار بهذه الخيبة, وكاد ينجح بالتعاون مع حزب الأحرار المعادي للفتاة. قبل أن يضع الجيش حدّاً لطموحاته, ويخلعه نهائياً 1909.
عند هذا الحد, ستتلاشى تلك الجبهة, وسينتهي عصر الجمعيات التي تتخذ من الإخاء العربي_ التركي اسماً لها, وستأتلف القوى المعارضة للفتاة في تجمع الحرية والائتلاف, وترفع شعارات كردستان للأكراد, أرمينيا للأرمن, البلاد العربية للعرب. وسيصير للجمعيات أسماء ذات دلالة قومية صرفة (القحطانية ردّاً على الطورانية, والعربية الفتاة ردّاً على فتاتهم, أو ذات طابع سري عسكري مثل جمعية العهد).
II.
بالرغم من أن وتيرة الحرب العالمية الأولى حسمت خيار النُّخب النهضوية والسياسية العربية بشكل فج. الخيار الأول هو الدفاع عن امتيازات العهد العثماني بلغتها الإقطاعية, وبالتالي تبني أيديولوجيا الدولة في الخلافة والجهاد المقدس (مع ألمانيا ضد الحلفاء). مثّل هذا الموقف سليم الأطرش حليف العثمانيين في مراسلاته الشديدة اللهجة مع قريبه سلطان الأطرش ساخراً من اشتراك الأخير بجيش "علبة العطارة", أي جيش الشريف حسين.
أمّا شكيب أرسلان فكتب مقالة بالألمانية صبّ جام غضبه فيها, على الحركة النضالية التي جمعت سلطان الأطرش بنسيب البكري. وأقل حدّة من أرسلان كان عبدالرحمن الشهبندر, فقد حاول تلبية المطالب العربية في نطاق الامبراطورية العثمانية. في حين حزم محمد كُرْدعلي, المدافع الشرس عن الدولة والخلافة, حقائبه, وهرب إلى مصر حيث سيلتقي غريمه القديم يحيى الأطرش (عدو الدولة بتوصيف أرسلان). ويفرطوها حبيّة.
بينما ستشهد مصر بدورها, هجرة معاكسة, إذ يحزم الخديوي عباس الثاني, حقائبه, هو الآخر, ويلتحق بالمعسكر العثماني في الأستانة. الأمر الذي دفع بريطانيا لخلعه, وتولية أحد عملائها, (من خارج أسرة محمد علي), مكانه.
بالنسبة للخيار الثاني, الأكثر تفريطاً, والأقل مسؤولية, كان تعليق الآمال بشكل مطلق على تدخل غربي يضع لبنان وسوريا تحت احتلال فرنسي مثل (الجمعية الإصلاحية, وجمعية النهضة). فتمّ حظرهما.
III.
بعثَ فيصل بن الحسين برقيته الشهيرة, إلى نسيب البكري, ذات الكلمات الثلاث, "أرسل الحصان الأشقر" (حزيران 1916), من هنا... وبدأ الجيش التركي الرابع, المرابط بالمنطقة, بقيادة الضابط الألماني ليمان فون ساندرس, بالتقهقر أمام ضربات الحلفاء... من هنا.
وفي ذروة وصل بها الصراع القومي, ضد أولاد جنكيز (بتوصيف فيصل) إلى أشده, حاول سازنوف (وزير خارجية روسيا القيصرية) أن يقدّم اقتراحاً أشبه بالمسخ, عن إمكانية جديدة لتحالف قومي, يتولى فيها جلّاد النهضويين العرب, في السادس من أيار, أي جمال باشا السفاح (ما غيرو) سلطنة عربية من 6 ولايات, مقابل أن يفتح الجبهة للحلفاء. فأرسل الاتحاديون, رداً على هذا, شخصين لاغتيال جمال في بيروت. لكنه علم بهم قبل وصولهم, ولما وصلوا أعدمهم. إلا أنّ الفكرة بقيت محفّزة, لمخيلة أنور باشا, فعمل على توسيع الاقتراح بضم مصر إلى الدّق.
بالعودة إلينا كعرب فإنّ تهويم الثورة, كان أثقل منْ جعْلِنا نلتفت نحو تهويم التحالف. ولم نتخفف من ذلك إلا مع اندلاع الثورة البلشفية, وكشفها (من خلال نداء 3ديسمبر الموجّه إلى كادحي روسيا والمسلمين) اتفاقية سايكس بيكو التي أنهت حلم الدولة العربية المستقلة. فتمّ التهديد بالردّ على الاتفاقيات, بعقد صلح عربي مع تركيا (حل إجرائي سريع), لكن الوقت كان قد تأخر, وما يسمى بالامبراطورية انتهت إلى غير رجعة.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------

مقالات:

عن «يسار النُّصرة» و «يسار النِّظام» وعن اليسار في سوريا

ثائر ديب

جريدة "السفير"-1352015

ما الذي يدفع أحداً هذه الأيام إلى الكلام على اليسار في أيّ مكان، فما بالك بالكلام عليه في سوريا؟ ما الذي يدفع أحداً إلى الاهتمام بجماعةٍ هامشية عجوز، لم يتجاوز جمهورها بضعة آلاف من «المتثاقفين» في أيّ يوم من الخمسين عاماً الماضية، وتبدو وخطابها اليوم كأنّها قادمة من كوكبٍ آخر وعصرٍ مغاير؟
ما يدفعني إلى ذلك، الآن تحديداً، أربعة أمور:
الأول، هو أنَّ الخطّ التاريخي لليسار السوري، خطّ التغيير الوطني الديموقراطي، برغم كلّ ثقوبه التي تركها القمع والتخلّف مفتوحةً على وسعها، هو خطّ الثورة في سوريا. وقد رأينا الى الآن ما يكفي ويزيد من تبعات تراجعه وغيابه، بدءاً بانحراف الحراك صوب سياسات الهوية الطائفية، مروراً بالخضوع لقوى العنف السلفي التكفيري، وصولاً إلى الارتباط بأجندات خارجية هي أجندات أعتى أعداء الشعوب وثوراتها إقليمياً ودولياً، حتى ليكاد يصحّ القول أن لا ثورة ولا تغيير في سوريا إن لم يكن خطّهما هو هذا الخطّ.
الثاني، هو أنّ اليسار السوري الوطني الديموقراطي، على تواضع حضوره، كان الوحيد الذي وقفت سرديته، خصوصاً في السنوات الأربع الماضية، إزاء سردية النظام كما إزاء سرديات ليبرالية وتكفيرية تدّعي مناصبته العداء لكنها تكاد تتطابق مع روايته، إذ ترى، مثلها، أنَّ ما يجري مؤامرة، وأنَّ للطائفية فيها الدور الأساس، وأنَّ النظام والدولة متطابقان تمام التطابق، وأنَّ الحلّ العنيف هو الحلّ، واستجلاب التدخل الخارجي مباح ومبرَّر؛ فلا يكاد يختلف هذان الطرفان في شيء عدا الطائفة التي يُعلى شأنها والجهة الخارجية التي يُستجلَب تدخلها.
ربما كان الأهمّ في سردية اليسار السوري هذه هو حسن تقديره موازين القوى في سوريا منذ بداية العام 2011، واتجاهاتها المحتملة ومخاطرها، وما تتيحه من أشكال نضالية تواكب انطلاقة الحضور الشعبي وتتفادى حرفه باتجاهات رديئة على يد قوى ليست نقيضة للنظام في الحقيقة ولو عارضته. وجوهر رؤية اليسار هنا هو أنَّ الخلاص من الاستبداد الفاسد إمّا أن يكون خلاصاً وطنياً ديموقراطياً أو لا يكون؛ وأنّ ميزان القوى وطبيعة النظام يقتضيان أن يكون هذا الخلاص سيرورة متصاعدة تتلاقى فيها المقاومة المدنية السلمية والعمل السياسي، والعفوية والوعي، وحماسة الشباب وخبرة الشيوخ، في جولات متلاحقة تحتمل الفشل والتراجع لا بسبب قوة الطرف الآخر فحسب، بل أيضاً درءاً للمخاطر الأسوأ التي رأينا كيف دُفعَ بلدنا على سكّتها بكلّ توحشّ وبفقدان للبصيرة لا تجده سوى لدى أنظمة القتل والأغرار ذوي البلادة العقلية والمجرمين السياسيين.
ثالثُ ما يدفع إلى الكلام على اليسار في سوريا هو ما يبديه خصومه حياله من خشية واعتبار لخطره المحتمل، وإلا فما سبب القمع الرهيب المتواصل على مدى عقود لبضع مئات من الطلبة والمثقفين؟ ولماذا يُخطَف اليوم أمثال عبد العزيز الخيّر ورجاء الناصر؟ ولماذا الخوف من التفاوض مع القوى الوطنية الديموقراطية وتخريب كل محاولة على هذا الصعيد؟ كما أنَّ ما يدفع إلى الكلام على اليسار، من جهة أخرى، هو ما كان قد أُعطي له من وزن في بداية الانتفاضة في جميع الكيانات السياسية التي تأسست لتواكب الحراك، من «هيئة التنسيق»، اليسارية في مجملها، إلى «المجلس الوطني» و»الائتلاف»، حيث ترأس يساريون سابقون دورات عديدة لهذه الكيانات وكان لهم فيها دور ووزن راجحين، قبل وفي أثناء استكمالهم هناك وفي غير مكان مسيرة التحول إلى ما أدعوه «يسار النُّصرة».
لا أقصد بـ «يسار النُّصرة» و «يسار النِّظام» كيانات تقف إلى يسار «جبهة النُّصرة» أو إلى يسار النّظام، بل أقصد يساراً لصاحبته النّصرة أو لصاحبه النظام، يساراً لهما، خاصاً بهما و «تبعهما»، بعلمهما أم بغيره. و «يسار النّظام» قديم ومعروف، توطّن في جبهته «الوطنية التقدمية» منذ الأزل، وتماهى معه منذ اعتباره نظاماً سائراً في طريق «التطور اللارأسمالي» في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، حين كان هذا النظام يخطو خطوات واسعة في طريق أسوأ أنواع التطور الرأسمالي الطفيلي المشوّه والمتخلف، وصولاً إلى اعتباره قلعة ممانعة الإمبريالية في العقود اللاحقة، حين كان يواصل قمعه الوطنيين والديموقراطيين وكبته الحريات الأساسية على نحو كفيل بأن يحدث شرخاً أكيداً في أيّ ممانعة أو مقاومة، ويودي بها.
«يسار النُّصرة» قديم ومعروف أيضاً، بعكس ما قد يتوقع المرء للوهلة الأولى. هو «يسار النُّصرة» قبل أن توجد النُّصرة. كان يسارها بالقوّة، كما يُقال في الفلسفة، قبل أن يصير يسارها بالفعل. ويكاد يكفي لتوصيفه أن نقول إنه مقلوب «يسار النّظام» ووجه عملته الآخر. ولا نحتاج إلى أكثر من تحديد أعداء النّظام في كلّ فترة كي نعلم قائمة الذين هم محطّ إعجاب «يسار النُّصرة» وحلفاؤه في تلك الفترة: صدّام حسين الذي اعتبره هؤلاء «حارس البوابة الشرقية» وغضّوا البصر عن كلّ قمعه الوحشي؛ الجيوش الأميركية المحتلة أو المستعدة للاحتلال باعتبارها «صفراً استعمارياً» مفضّلاً على الاستبداد الداخلي وأسهل مقاومةً لا نعرف كيف؛ ممالك النفط وإماراته؛ عرفات وميشال عون حين كانا خصمين للنظام والانقلاب حيالهما بانقلاب مواقفهما من النظام؛ قوى الانعزال اللبناني.. إلى آخر هذه القائمة العجيبة التي ثمّة بوادر لافتة أنها قد تنتهي عند بعضهم بإسرائيل.
مع ثورات «الربيع العربي»، وخصوصاً مع بداية تعثّرها وقمعها المفرط، بدأ «يسار النّصرة» هذا عملية تحوّله من يسارها بالقوة إلى يسارها بالفعل: لم يلاق الحراك العفوي السوري في 2011 ببرامج وإستراتيجيات وتكتيكات تأخذ في حسبانها الوضع وتوازن القوى والأخطار المحتملة، بل لاقاه بأردأ أنواع الشعبوية التي تعزف على آلام القتل الوحشي وجراحه، وراح يبيع المنتفضين شعاراته الفارغة كأنها شعاراتهم بعدما مررها إليهم هو وحلفاؤه الإسلاميون من وراء الكواليس ثم تبنّوها على أنّها مطالب الشعب الذي لا سبيل إلى رفض ما يريد. بدا الأمر آنذاك كأنّه فرصة لا تتكرر، نقتنصها ولو خرب العالم. وحين صعب اقتناص الفرصة، فضّل هذا «اليسار» لا العنف المعارض فحسب، بل قسمة الجيش والعلَم والبلد، والتدخل الخارجي، والطائفية.. حجّته في كلّ ذلك لا تتعدّى حجج «الفهم الشائع» أو ما يُدعى «الحسّ العام» الذي كثيراً ما يكون انعداماً تاماً لكلّ حسّ.
مع ازدياد القمع وتسيّد حركات إرهابية تكفيرية ليس «داعش» و «النصرة» سوى مثاليها الأبرز، كشف «يسار النصرة» هذا عن وجه ظلاميّ عبثي رهيب، لا يكتفي بتبرير الإرهاب، بل توجّهه الطائفي وفكرة عجيبة في سذاجتها مفادها أنّ «داعش» و «النصرة» أداة التاريخ في إنفاذ خططه، وأنهما، مثل الاحتلال الأجنبي في التوهّم السخيف المدعو «نظرية الصفر الاستعماري»، يسهل الخلاص منهما أكثر من النظام المستبد. ولا يكاد «يسار النصرة» هذا يتلمس رأسه ويتحسس خطر مثل هذه القوى، إذ تمارس حياله تهميشاً أو قمعاً وخطفاً لا يزال الغموض يكتنفهما، حتى يعود سريعاً إلى اعتبار كلّ أرض يستولي عليها هذا الإرهاب التكفيري أرضاً محررةً، واعتبار ما يقوم به هو الثورة التي يرى أنها لا تزال مستمرة مهما تكن قيادتها وطبيعة قواها وأهدافها. ومع خروج معظم «يسار النصرة» من البلد، وانعدام دوره تماماً، تبقى «معجزته» التي لا بدّ من تسجيلها باسمه هي تلك الطائفية العنصرية بالغة التسطيح والغباء التي تستسهل الكلام على جماعات بشرية كاملة مدحاً أو قدحاً، ولا تتردد في الإشارة إلى كتل مصمتة لها سيكولوجيتها الجمعية، ومن الممكن إبادتها أو إدخالها جنان الخلد، الأمر الذي لم يقل النازيون أو يفعلوا ما يتعدّاه كثيراً.
كي لا يبدو الأمر كما لو أننا نتكلم على أشباح وهلام، فإنّ الكتلة الأساسية لـ «يسار النُّصرة» بنزوعه النازي المستجد تبقى في إطار «المجلس الوطني» و «الائتلاف»، خصوصاً «حزب الشعب» (جماعة رياض الترك) والأطراف القريبة منه في «إعلان دمشق» و «حركة إحياء المجتمع المدني»، ومن انضافَ إليهم من «متلبرلي» «حزب العمل الشيوعي» الذين لم يبينوا عن أيّ شيء يؤكّد أدنى معرفة جدّية بالليبرالية، ولا كلام في أفواههم إلا على الطوائف (بدلاً من «الطبقات» أيام الماركسية)، وبضعة آحاد من الشيوعيين الرسميين السابقين (أعضاء برلمان ومستشارين اقتصاديين للنظام وكتبة مداومين في جرائده...) نبتت فجأة لا ثوريتهم فحسب، بل طائفيتهم أيضاً، واستعدادهم للإخلال بكل ثوابت وطنية لطالما قدّموها على مقتضيات الديموقراطية والعدالة الاجتماعية. وينضاف إلى هؤلاء جميعاً عدد مما دُعي «شباب الحراك»، كانوا الأميز بانعدام الخبرة والمعرفة وكثرة الزعيق وسرعة الهروب والاستعداد لبيع أرواحهم لكل من يشتري، وكذلك ثلّة من الكتبة الجاهزين للكتابة أنّى تشاء وكيف تشاء، لم يعد في عقولهم وعلى أفواههم سوى الطوائف تتشكل وتتصارع بحسب مشيئتهم التي يحسبونها الواقع.
رابع، وآخر، ما يدعو إلى الكلام على اليسار هو المستقبل. فكما تبيّن أنَّ لا حياة لــ «ربيع» فعلي من دون أجندة وطنية ديموقراطية ويسارية للتحرر السياسي والاجتماعي والاقتصادي، كذلك لا سبيل إلى إنقاذ البلد، أو ما تبقى منه، من دون اقتراحات اليسار، الغائب الأكبر.
هل بقي ثمة يسار سوري، وطني ديموقراطي، يقترح ويلتم،ّ ويعاود دفع الصخرة؟...........
----------------------------------------------------------------

"الأخبار"
العدد ٢٥٩٠ الجمعة ١٥ أيار ٢٠١٥
برنارد شو على رصيف الحلبونة: الحرب تعلن موت الكتاب
سناء إبراهيم

دمشق | يحدثنا أحد المترجمين السوريين ممن تبقّوا في البلد، عن حادثة جرت في عام 2004، عندما جاء عسكري إلى منزله ليسلّمه مذكرة تبليغ للحضور إلى فرع فلسطين في البرامكة. العسكري كما وصفه المترجم شاب لطيف وخجول. جلس العسكري في غرفة المكتبة، وعلى الحائط المقابل تماماً لمكان جلوسه، وقع نظره على صورة لكارل ماركس كانت قد علّقت أعلى المكتبة. يقول المترجم:
سألني الشاب: مين هاد؟ أجبته: هاد كاتب.
أردف قائلاً: هاد كبير، ما هيك؟ ليستطرد: من وين هاد الكاتب؟
أجبته: من ألمانيا. سألني مرّة أخرى: ألمانيا هي بعيدة ما؟ أجبته بهزّة من رأسي، نعم.
شرب العسكري قهوته، واستأذنني الذهاب، وقبل أن يصل عتبة الباب: التفت إليّ قائلاً: ممكن أسالك سؤال: ليش كل اللي بيستدعوهن على الفرع عندن كتب؟
بعد سطوة زائر الفجر على مقتني الكتب والقرّاء، وبعد اعتبار القراءة تهمة، جاءت الحرب المجنونة لتسطو على الكتب والمكتبات، ليخترق الرصاص صفحات الكتب ويغتال أبطال الرواية. باتت حال الكتب كحال الناس، تعاني الموت والاكتئاب والعزلة. مكتبات ضخمة ضاعت تحت الركام، لم يلتفت إلى حزن أبطالها سوى مؤلفيها ومن يقتنيها.
القرآن يدير ظهره للإنجيل
حدّثنا المترجم زياد الملا (مترجم بليخانوف) عن مكتبته التي ضاع معظمها كمن يحتضر: هناك في القابون حيث كنت أسكن، كنت سعيداً في مكتبتي التي كانت مكاناً لطعامي وشرابي ونومي ودراستي وترجمتي. كنت أستمتع بالنظر إليها، أملأ عينيّ بعناوينها. لم يرسم الواقع لي صورة سيّئة عن الوضع رغم التحذيرات المتواصلة التي تدعوني إلى بيع المنزل والخروج. تمسكت بالبقاء، إلى أن خرجت مجبراً تحت القصف الذي طال في ما بعد المنزل وأحاله إلى ركام.
نسأله، ماذا حلّ بالكتب؟ حوّلوها إلى سجّادة غطّت أرض الغرفة. بعد ثلاثة أيام على القصف عدت لأتفقد المنزل. أخبرني الجيران أن البيت تم تعفيشه (سرقته) قبل أن ينال منه القصف. يقول زياد: وجدت كتباً منها مفتوحة على الأرض تفرقع ضحكاتها، كتب أخرى كانت مغلقة تنتحب وتبكي، إلى جانبها كتب غطّت وجهها بكتب أخرى. في الزاوية المقابلة أدار القرآن ظهره للإنجيل، وكذلك فعل الإنجيل، وقد فتح كل منهما صفحاته باتجاه السماء. يبدو الكتابين كما لو كانا في حالة خصومة، تماماً كما هي حال أتباعهما الآن على الأرض. المقدّس الذي أشعل الحرب لم يشغل اهتمام أحد سوى أرضية الغرفة.
موت الخجل...
ما لم تسطُ عليه الأزمة سطا عليه موت الخجل. على رصيف الحلبونة (البرامكة ـ دمشق)، وجدت على الصفحة الأولى من أحد الكتب إهداءً بتوقيع الفنان الراحل هاني الروماني، جاء فيه: «من هاني الروماني إلى الصديق العزيز... أهدي هذا الكتاب». الكتاب الذي من المفترض أن يكون في مكتبة المهدى إليه، بات مكانه على رصيف الكتب التي تباع بأثمان رخيصة. في الاستفسار عن الموضوع، أخبرنا بائع الكتب أن ابنة الصديق المهدى إليه قد باعته الكتاب من ضمن مجموعة من الكتب تعود لوالدها، مع تكتّم شديد أصرّ عليه البائع، من دون أن نعلم ما السبب أو ما العائد الذي ستجنيه فيما لو كان السبب مادياً.
جورج برنارد شو، الكاتب والمسرحي الانكليزي (1856 - 1950)، كان قد تعرّض للموقف ذاته عندما توجه الى إحدى المكتبات التي تبيع كتباً مستعملة، فوقع نظره على كتاب يحوي بعض مسرحياته القديمة، وعندما فتحه هاله أن يرى النسخة التي كان قد أهداها إلى صديق له، وكتب عليها بخطّ يده: «إلى من قدّر الكلمة الحرة حق قدرها، إلى الصديق العزيز مع أحرّ تحيات برنارد شو». فما كان من «شو» إلا أن اشترى النسخة مجدداً وكتب تحت الإهداء الأول: «جورج برنارد شو يجدّد تحياته الحارة إلى الصديق العزيز الذي يقدّر الكلمة حق قدرها»، وأرسل النسخة بالبريد المضمون إلى ذلك الصديق.
نبيل الملحم سينقذ (ميرسول)
فيما لو دخل أحد الفصائل المسلحة منزله في المستقبل وخيّره ما بين الثلاّجة والمكتبة، يقول الروائي السوري نبيل الملحم، حتماً سأختار الثلاّجة؛ فالثلاّجة بالنسبة إلى الملحم أهم من مكتبته التي تضم 10 آلاف كتاب. نسأله، لو أتيح لك أن تنقذ كتاباً واحداً، ما هو الكتاب الذي ستنقذه؟ يجيب: «مكتبتي عبء عليّ، تزعجني رائحتها، هي فقط جزء من ماضيّ، لا أحب أن أبدّد الماضي، لكنني سأنقذ «ميرسول»، بطل ألبير كامو في رواية الغريب، وما السبب؟ «لأنه يشبهني»، يجيب. وبماذا يمكن أن تحتفظ أو تنقذ من مكتبتك أيضاً؟
ــ أنقذ هادي العلوي. لماذا؟ لأنني «أخو قحبة».
يغضب كي يستريح
إذن تعالوا الى أصل الحكاية: كان الباحث هادي العلوي يعاني من الربو، وكانت لديه عادة أن يطلب من أصدقائه أن يحكوا له شيئاً يجعله ينفعل، فالانفعال يسبّب له يسراً في التنفس، والأصدقاء ما كانوا يتأخرون عن نجدته بالقصص المستفزّة. الكاتب نبيل الملحم صديق العلوي، روى لنا كيف جعل هادي يغضب عندما قال له «يا أخو حسن العلوي»، وكان معروفاً عن هادي أنه لا يحب أخيه، وبينهما عداوة كبيرة، فما إن سمع اسم أخيه، حتى غضب وأطلق سيلاً من الشتائم لصديقه، بما فيها «انت أخو القحبة».
الملّوحي... باع كتبه وأبطاله
يسترجع المترجم زياد الملا بعضاً من ذكرياته مع الشاعر السوري عبد المعين الملوحي (1917 ـ 2006). كيف كان يعتني بمكتبته، وينظر إليها كما لو أنها قطعة من روحه، فيعدّل من هندامها ويحسّن من مظهرها. وحده كان يرى التفاصيل الصغيرة التي لا يمكن للآخرين أن يلاحظوها. يروي لنا صديقه الملاّ قائلاً: في إحدى المرّات جلست في مكتبته، وكانت تضم 14 ألف كتاب. نظر الملوحي إلى رفوف المكتبة وقال فجأة: «الله يرضى عليك، هداك الكتاب كأنه مقدّم شوي، أعده قليلاً ليصبح في موازاة الكتاب الأحمر». وكيف كانت النهاية؟ النهاية كانت أن انزاح الأحمر عن الأخضر إلى الأبد. فقد باع الملوحي مكتبته قبل وفاته بـ4 ملايين ليرة، وكانت تساوي في ذلك الوقت أكثر من 10 ملايين، ووزع العائد على أولاده. ضاعت المكتبة ومعها تاهت روح الشاعر صاحب القصيدة الأشهر في هجاء الإله: أبهيرتي خرف الإله ومات من زمن بعيد
فعلام تعبده البهائم في الركوع وفي السجود؟
مات الملوحي بحسرته، وها هو زياد الملاّ وقد أضاع مكتبته لا يطلب سوى استعادة كتاب واحد من ترجماته، الجزء الثاني من ترجمة الأعمال الكاملة لـ بليخانوف.
يقول له نبيل الملحم: «المجموعة كاملة عندي، تعال وخذها، وحين أهمس له: عن جد؟ يجيبني:
فليأخذ الكارثة عن ظهري».

----------------------------------------------------------------------------------------------------
مقابلة:
"الأخبار"
العدد ٢٥٨٦ الاثنين ١١ أيار ٢٠١٥
مقابلة | خالد حدادة: الحزب «مش ختيار» وقد أترشّح لدورة ثالثة

لا تواصل مع ائتلاف آل سعود ولا قطيعة مع النظام في سوريا
حلم العودة إلى لعب دور في الحياة السياسية لا يُفارق ورثة «السنديانة الحمراء» الذين تعرضوا لانتكاسات عدة. شيوعيون سابقون وحاليون ما زالوا يعتبرون الحزب الشيوعي حبل خلاصهم، إلا أنهم ينتظرون موقفاً حاسماً من قيادتهم ينسجم مع القضايا التي احتضنها الحزب. فما هو موقف الأمين العام للحزب خالد حدادة من هذه القضايا؟
ليا القزي
.
الأعلام الشيوعية المرتفعة على أبنية حيّ الوتوات في بيروت تدلّ على مقر الحزب الشيوعي. يجلس شابان مقابل المركز، واثنان آخران على المدخل، يسأل أحدهما عن هوية الزائر، فيما يتولى الثاني إيصاله إلى باب المصعد: «الطابق السابع». الأصوات عالية والنقاشات محتدمة بسبب انعقاد مؤتمر ضم قرابة عشرين حزباً يسارياً من العالم العربي لمناقشة الحرب على اليمن. «أين هو الرفيق خالد؟»، لا أحد يسمع. بعد محاولات عدّة يأتي الجواب: «الطابق السادس». لكل زاوية من زوايا المبنى حكاية وذكرى. تشعر بأهمية المكان وأنت تتنقل بين درجات الطوابق الجميلة ببساطتها والغنية بتاريخها.
يجلس الأمين العام للحزب خالد حدادة في مكتبه تحيط به الكتب ويقابله العلم الشيوعي. مثل العديد من «الرفاق»، يحمل حقيبة يد جانبية. يبدأ الحديث بتأكيد موقع الحزب وموقفه: «لا مساومة على القضية الفلسطينية وبالعداء لمشروعي أميركا وآل سعود. ولكن لدينا ملاحظات على المشاريع المقابلة التي بدفعها نحو الصراع المذهبي، تلاقي بشكل أو بآخر المشروع الأميركي. لذلك ندعو إلى خيار بديل منطقه عروبي تقدمي تكون فيه مصر، بغير صيغتها الحالية، في مواجهة الاستقطاب السعودي».
بنبرة صوت هادئة يعترف حدادة بـ«وجود أزمة في حزبنا أسوة بباقي حركات اليسار العالمي». انطلاقاً من هذه الفكرة، يُقوّم الحزب الذي انتقل إلى موقع متواضع «بسبب النجاح الجزئي للمشروع الأميركي بتحويل الصراع العربي ــــ الإسرائيلي إلى صراع ذي طابع مذهبي». هو مدرك لحجم قدراته، «رغم ذلك قدمنا خلال حرب تموز 11 شهيداً في المواجهات المباشرة». يؤمن الرجل بأن «الخطر الإرهابي شرقاً يشبه الخطر الإسرائيلي جنوباً»، لذلك دور الحزب هو أن يكون «ظهير الجيش اللبناني في دفاعه عن الحدود، بإمكاناتنا المتواضعة والذاتية». كذلك إن الحزبيين في البقاع «يلعبون دوراً أساسياً في التواصل بين عرسال ومحيطها من أجل إفشال المواجهة المذهبية وتدعيم الصمود الشعبي». هذا هو دور «الشيوعي» الذي ليس بارزاً كقوى فاعلة «ولكن نعمل أكثر من قدراتنا».
كانت للحزب الشيوعي «وقفات عزّ» كثيرة، إلا أنه بعد تراكم الأزمات يبدو وحيداً شعبياً. يوضح حدادة أن التأثير على الرأي العام يكون تراكمياً، رافضاً فرضية فشل الخطاب السياسي «ومع ذلك مستعدون لمناقشته. عدم تفاعل الناس معنا يدل على عمق الأزمة اللبنانية». يلقي حدادة باللوم على «السياسة الأميركية التي بدلت أوليات الشعوب، فباتت تهتم بأمنها ووجودها». يخاف من انهيار النظام اللبناني: «الحوار الفولكلوري بين حزب الله وتيار المستقبل لن يمنع ذلك، ولكن الانهيار مجمد لأن للقوى السياسية معارك في أماكن أخرى». سهام «الرفيق الأمين العام» تصيب فريقي 8 و14 آذار «اللذين يختلفان على الموقف من بنيامين نتنياهو ويتفقان على حنا غريب، رغم أن هذه الصيغة سقطت بشكل عام». انطلاقاً من هنا يوضح: «نحن لسنا أبداً طرفاً ثالثاً»، هناك طرف أول «مكون من أعضاء الحكومة، ونحن الطرف الثاني الذي يحمل هموم الناس». من معكم؟ «لا أحد». حزب الله هو، بالنسبة إلى حدادة، مكون من الطرف الأول. في ما خص العلاقة بيننا، «كل منا يُدرك نقاط التلاقي والاختلاف». لم تكن هناك نية لتوقيع وثيقة تفاهم، «لكننا حاولنا توسيع نطاق التقاطع ليطاول القضايا الاجتماعية. للأسف، يعطي حزب الله أولوية لموقعه الطائفي لمواجهة إسرائيل... ولكن لا يستخف أحد بالتلاقي حول القضية الوطنية... انتقال حزب الله لمقارعة العدو الإسرائيلي كان كافياً لنسج علاقة معه».

8 و14 آذار يختلفان على الموقف من نتنياهو ويتفقان
على حنا غريب!
يناقض حدادة نفسه حين يقول إنه لا يُشارك في المقاومة «لأنه لا إمكانية لنشارك باستقلالية ووفق برنامجنا»، وهو الذي صرح عن سقوط 11 شهيداً في حرب الـ33 يوماً. التلاقي حول المسألة الوطنية لا يلغي النقاط الخلافية مع حزب الله، وهي «مشاركته في القتال في سوريا. لم يعد بإمكانه التراجع بعد أن أصبح جزءاً من المشروع الإقليمي، نفهمه لكن لا نوافق عليه».
سوريّاً، يشير «الأمين العام» إلى «علاقة وثيقة بهيئة التنسيق الوطنية والمنبر الديمقراطي وجبهة التحرير والتغيير ومجموعة من المثقفين المستقلين الديمقراطيين... وطبعاً لا تواصل مع ائتلاف آل سعود». أما بالنسبة إلى النظام السوري، «فلا يوجد قطيعة معه. لا مشكلة لدينا في إيصال ملاحظاتنا. الأولوية محصورة حالياً في وحدة وبناء سوريا الديمقراطية والاستجابة لمطالب الناس».
بعيداً عن المواقف السياسية، يستعد «الشيوعي» لتنظيم مؤتمره الحادي عشر الذي تأخر عقده ثلاث سنوات. هذه النقطة هي «نكتة» بالنسبة إلى حدادة لأنها «نادرة المرات التي عُقد المؤتمر في موعده». السبب هو «طريقة عقد المؤتمرات. نحن نريد أن نناقش قضايا الكون كل أربع سنوات. ما خلص، متفقين اننا اشتراكيون»، يروي ساخراً.
يريد حدادة من المؤتمر أن يبحث في كيفية «إعادة تنظيم الحركة اليسارية بما يتيح للشيوعيين التواجد أكثر في صلب قضايا شعوبهم». يقول ان النقاش ينطلق من أن «التناقض مع الإمبريالية يجب مواجهته بمشروعنا، مهما بدا انعزالياً. يريدنا بعض الشيوعيين والذين يدورون في فلكنا الالتحاق بغيرنا عبر اتهامنا بالحياد». منذ مُدة انطلقت مبادرات لإعادة لمّ شمل الشيوعيين، «لأن كل رفيق يغادر هو خسارة ولكن في النهاية هناك حزب وتاريخ». انتقادات كثيرة تطاول «الأمين العام» المُتهم بالرغبة في التجديد لنفسه لولاية ثالثة. يبتسم وهو يستشهد بالنظام الداخلي «الذي لا يتيح لي التجديد. أما اذا عُدلّ (في المؤتمر) فسأفكر بإمكانية الترشح من عدمها».
الحزب الشيوعي تعرض للعديد من الانتكاسات، مضُافة إليها الظروف العالمية التي أدت إلى تراجعه على كافة الصعد. قد لا يكون المؤتمر هو الترياق، ولكن حدادة يعول عليه للخروج من الأزمة: «الحزب مش ختيار والشباب هم أساس القرار فيه. سيكون لنا دور في المستقبل».
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
حتى نلتقي .....
زنوبيا ..
يا سورية خاتمة " الربيع العربي " ( مشروع الشرق الأوسط الكبير )
* الشيخ *


أن تختاري موتك
أو تُسحقي بين
مطرقة القرون الوسطى
وسندان طغاة القرن
**
أن تُسحق أشلاءك
أو تُقطّع أويُتجر بها
أن تُحرق ،
لا فرق ..
**
ما دام سادة مشروع الشرق الأوسط الكبير ، وزبانيتهم ، ووكلاءهم ، وعملاءهم ، ومريدوهم ، وأذنابهم ، وعبيدهم ، وكل الهوام في فضائهم يضعون اللمسات الأخيرة على خاتمة المشروع تحت عنوان ” الربيع العربي ”.














تجمع اليسار الماركسي " تيم "

تجمع لأحزاب وتنظيمات ماركسية . صدرت وثيقته الـتأسيسية في 20 نيسان2007.
يضم (تيم) في عضويته:
1- حزب العمل الشيوعي في سوريا .
2- الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي .
3- الحزب اليساري الكردي في سوريا .
4- هيئة الشيوعيين السوريين .
الموقع الفرعي لتجمع اليسار في الحوار المتمدن:
htt://www.ahewar.org/m.asp?i=1715








للاطلاع على صفحة الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي على الفيسبوك على الرابط التالي:
https://www.facebook.com/pages/الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي/1509678585952833



#تجمع_اليسار_الماركسي_في_سورية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طريق اليسار - العدد 71
- طريق اليسار - العدد 70
- طريق اليسار - العدد 69
- طريق اليسار - العدد 68
- طريق اليسار - العدد 67
- طريق اليسار - العدد 66
- طريق اليسار - العدد 65
- طريق اليسار - العدد 64 أيلول / سبتمبر 2014
- طريق اليسار - العدد 63
- طريق اليسار - العدد 62 تموز / يوليو 2014
- طريق اليسار - العدد 61
- طريق اليسار - العدد 60 أيار / مايو 2014
- بيان توضيحي من الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي
- من أجل اللقاء التشاوري للمعارضة السورية في القاهرة
- تقرير سياسي لدورة المجلس المركزي المنعقدة بتاريخ14-1532014
- طريق اليسار - العدد 59 نيسان / أبريل 2014
- طريق اليسار - العدد 58
- طريق اليسار -العدد 57
- طريق اليسار - العدد 56 كانون ثاني / يناير 2014
- طريق اليسار - العدد 55


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تجمع اليسار الماركسي في سورية - طريق اليسار - العدد 72