أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - شكراً عم (جيليت)















المزيد.....

شكراً عم (جيليت)


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4786 - 2015 / 4 / 24 - 23:00
المحور: كتابات ساخرة
    



شكراً عم (جيليت)

كانت أيام شهر التحضيرات لامتحانات (البكلوريا) تمر علينا نحن الطلبة، ليس فقط بطيئة رتيبة مملّة، وإنما ساخنة كحرارة الطقس اللاهبة.
التحضيرات التي تسبق تلك الأمتحانات في شهر أيار، تجعل الطالب خارج سياقات حياته المعتادة، يصحو بشكل آخر ويأكل ويشرب بوقت مختلف، يُطلّق برامج تلفزيون بغداد ولا يبرح المسكن إلا ما ندر، إما لتبادل كراريس الدروس مع الزملاء أو للدراسة بتجمعات تحت أعمدة الإنارة في الشوارع، حيث يخلق كل مجموعة تلاميذ أجوائهم الخاصة ويتزاحمون أينما ينتشر النور، بينما يرسم ظل الحشرات التي هي الأخرى تتجمع حول المصباح فوق رؤوسهم ظاهرة مألوفة، فيؤدي تحركها واصطدامها بهم أو تسللها تحت ردائهم الخفيف برد فعل يُثير مشهده كافة الطلاب حين ينتفض الطالب من مكانه وكأن أفعى قد لوحت بلسانها له، فيأخذ الطلبة حينها قسط من الراحة والضحك ويتبادلون الأسئلة أو شرح وتفسير منهج الكيمياء العضوية أو حل معادلة مستقيم أو إعراب بيت شعر كان قد عصى على آخرين.
وبينما تتحرك أسلاك الكهرباء المتوازية الممتدّة بين الأعمدة وتتراقص عند هبوب نسمة نتعطش لها، يكون بعض الزملاء قد استغرق بنوم عميق وبأحلام تتناقض وأحلام يقظته !

وإذا كنا نحن الأولاد ندرس دون صمت، فهناك وخلف الجدران على سطوح البيوت وفي حدائقها تستغرق البنات في دراستهنّ بصمت وبتخطيط محكم، وهن سيُبلينَ لا محالة بلاءاً هو في كل الأحوال أحسن منا وسيشغلن كراسٍ في الجامعات أفضل منا... وليس باليد سوى مبادلتهن نظرات الحسد والغيرة، فهذه (المغامرة) هي الأولى للتنافس الشريف بين بنات حواء وبين بنو آدم، وهي فرصتهن لإثبات أنهن الأجدر والأحسن والأذكى وغير ذلك هباء ومجرد كلام.
وإذا كان ثمة جداول وخطط علينا وضعها، فنحن لأول مرة وعلى انفراد نقوم بها باستقلال تام، جدول للمأكل وآخر للاستحمام النوم والحلاقة وثالث وهو الأهم للمراجعة والدرس.

كانت هذه الأجواء ليست جديدة علي، فبرغم أنني أفضّل الدراسة على انفراد، لكن كنت أرى الطلبة وهم منهمكون بالدراسة في الشوارع والطرقات حتى في مسقط رأسي مدينة (بعقوبة) التي كنا قد انتقلنا منها لبغداد منذ سنة واحدة لأجل أكمال السادس العلمي ببغداد، وقد صدمت بعدم قبولي بسبب الرياضيات (المعاصرة) التي كانت تُدرس في إعدادية المنصور، فاكتفيتُ بإعدادية المأمون التي كانت إعدادية بعقوبة تفوقها بالمستوى!

... كنا كشباب وقتها حديثين على حلاقة الوجه، فلم يمضِ سوى بضعة أشهر أو سنين على ممارسة حلاقة الوجه ولمرة بالأسبوع لنعومة بشرتنا ولتناثر شُعيرات الوجه كحشائش متفرقة على أرض جافة.
ومع هذا فقد وجدتها فرصة أن أمنح بشرتي الغضة (إجازة) لشهرين حتى انتهاء الامتحانات، فنمى الشعر بوجهي واحتل مساحات غير نظامية فيه.
× × ×

في منتصف السبعينات، كانت العلاقة جيدة مع سورية لكن بحذر لعدم توافق (أيدولوجيات) شطري حزب البعث الحاكم فيهما، والعلاقة بين مد وجزر...
حضر أخوين سوريين ليعملا بشارع النهر، وفتحا مطعماً (للهمبركر) واللبن من أحد محال سوق (دلّة)، وكانت الفسحة أمام السوق تسمح لوقوف سيارات وتجمع زبائن.
كانا شابين مثقفين ذوي عيون زرقاء، الأكبر ضخم أصلع حليق الوجه، والأصغر قصير ذو شاربين شقراوين ثخينين... قالا أن عشيرتهم معروفة وذا منزلة في الشام (الصابوني).
تعرفنا ـ نحن شباب المنطقة ـ عليهما، حيث كان محل والدي هو أحد الدكاكين المجاورة لمطعمهم والمواجهة لمحل ومعمل المرحوم خليل مال الله، فصاروا من أصدقائنا، ورغم شكوك البعض بأنهم (وكلاء) أمن لكن لن يبدو عليهم ما يعكر العلاقة فيما بيننا، واستمررنا زبائن نشطون لمطعمهما الذي أسمياه (الصابوني)، وقد كتبوا على اللافتة...
AS-SABONI
فدخلنا معهم بنقاش... توصلنا بالنهاية إلى أن ترجمة الكلمات العربية المعرّفة (بأل) التي تبدأ بحروف (شمسية) يجب أن يكتب على طريقتهم أي بتكرار الحرف الأول بعد التعريف، أما الكلمات (القمرية) فيجب أن تبدأ بحرفي الـ ( أي أل) الانكليزية دوماً، فمثلاً عند ترجمة كلمتي (القمر والشمس) المعرفتين (بأل) يكون...
AL – KAMER , ASH – SHAMS
× × ×

مرت أيام وانتهت الامتحانات وعدنا للدوام في شارع النهر، وكان لا يزال المرحوم أبي مرتبطاً بالعمل بعض الصباحات بمصرف الرهون في بعقوبة، وبينما كنت في المحل في صباحٍ مشرق قبل نتائج البكلوريا، وكان والدي في البنك، اتصل زميل بالتلفون وانهمكنا في الأجوبة وفي حسابات درجات الامتحان، فوجدها أخيه الأكبر (حيدر) فرصة أن يخبرني بأنه بصدد القدوم لشارع النهر لشراء نيشان زواجه، وانه على موعد بعد قليل مع خطيبته وأهلها للمجيء والتبضع بكافة مستلزمات الخطوبة، فأخذ عنوان المحل وقال بأنهم بعد ساعة سيكونون جميعاً بضيافتي لشراء النيشان.
على الفور رتبت الأجواء لإتمام أول عملية تجارية لي بعد انقطاع وستكون الصفقة التي سأجريها بتخطيط مُحكم وفيها مكسب للمحل ومفاجأة لأبي !

كان محلنا كبقية ديكورات السبعينات، مغلف بالصاج ويترك في الخلف مساحة للقاصة وعليها جهاز هاتف ومغسلة صغيرة وسلم، يفصلها باب خشبي بنافذة صغيرة.
وبينما وَضعتُ اللمسات الأخيرة ورتبتُ (هندامي) من خلال مرآة معلقة على حائط المغسلة، لفتت نظري الشُّعيرات المتفرقة على خدودي، ووجدت أنه ليس من (الشياكة) أن استقبلهم بوجه يدل على إهمال وقد (تتفركش) صفقتي معهم لو لم يرتحْنَ الضيفات للبائع... فابتسامته برأي المثل (الصيني) هي التي تصنع منه صاحب متجر ناجح، ومن مقومات الابتسامة الجميلة، إطلالة الوجه.

إذاً... حلاقتي ستبرزها أكثر وتجعلني متكامل الصورة... فلت باب المحل الزجاجية وفي لحظات كنت سأنتهي من حلاقة وجهي ورمي آخر متعلقات ومخلفات (الفترة الدراسية المظلمة)...
وما أن أزال الموس (جيليت) الشعر من أحد جهات وجهي بسحبة واحدة، حتى أبى بل وتهشم وسط دهشتي، فالموس المصنوع من (الستانلس ستيل) قد أخذ منه القِدم ورطوبة المغسلة مأخذاً أتى على متانته وهو قابع في غلافه الورقي ليغدو رقيقاً كورقة شجرة يابسة، وأبى أخيراً القيام بـ (حش) ولو شعرة أضافية واحدة !

... في هذه اللحظات العصيبة، دق زميلي على زجاج الباب ومعه أخوه (حيدر) والخطيبة وأمهما وبعض الأخوات أو الخالات، كنت أترقبهم من خلف الباب الخشبي وقد غلفني إحراج وتردد وعدت انظر لوجهي ولا ارَ أي سبيل للظهور ما لم احلقه جيداً، في تلك الدقائق كان زميلي هو الآخر محرجاً أمام أخيه وحفنة النساء بتلك الشمس التموزية اللاهبة...
هاتفتُ جيراني (الصابوني) وطلبت أن يستقبلهم بمحله ويضيّفهم مؤقتاً، ففعل مشكوراً، ثم اتصلت بابن عمي طالباً النجدة بماكنة حلاقة جديدة، فجاء ليشاهد على ارض الواقع ما ذهب وجهي اليه، واستمرت توسلاتي ليناولني الموس الجديد، وهكذا عالجت الموقف خلال نصف ساعة زمن.
ولما خرجت لم أجد الضيوف ولا مضيفهم، فسألت أخيه ليخبرني...
ـ جو عليه صحاب وطلع معاهم.
...بعد ساعة انتظار، عاد زميلي بدون أخيه وحفنة النساء ليقول بأنهم في عجلة من أمرهم وقد وجدوا في السوق ما يلزمهم، وطلب أن (أتشكر) من صاحبي (الصابوني) لأنه قام بالواجب ورافقهم لصائغه الذي باعهم النيشان!
× × ×

من غريب الصدف، أن هذا الصديق والذي لا تزال تجمعني به صداقة وعلاقة حتى يومنا هذا، أتصل بي قبل أيام ليُخبرني أنهم بصدد شراء نيشان للابن الأصغر لأخيه (حيدر)، ويسألني إن كنت استطيع إرشاده لصائغ ابن حلال ببغداد، وأن أوصيه بهم، (بالضبط) مثلما وجهتُ جاري (الصابوني) منذ 35 سنة بأن (يرشدهم) لصائغ حين اشتروا النيشان بوقتها !

... الحمد لله على أية حال، فقد كان درس العم (جيليت) أهم وأنفع من الصفقة وربحها، فقد تعلمتُ أن أحافظ على (هندامي) والمواظبة بحلاقة ذقني، وأن أحتفظ بسيت مواسة (جيليت) تحت اليد... أحتياط !

عماد حياوي المبارك
شارع النهر ـ 1976

× منقول بتصرف...
ظهرت أول أشكال شفرات الحلاقة في فرنسا عام 1762 وكانت عبارة عن قطعة طويلة من النحاس أو الحديد، ذات شفرة حادة على أحد جوانبها، يتم شحذها بتمريرها عدة مرات على قطعة جلد مشدودة وتتطلب شخصاً آخر يقوم بعملية الحلاقة.
يعتبر الأنكليزي (ويليام صامويل هنسون)، أول من اخترع شفرة الحلاقة عام1847 وكانت مزودة بحافظة مشطية ويتطلب استخدامها معونة من شخص آخر.
في العام 1895 جَرَح مُروّج المبيعات الأمريكي (كنغ كامب جيليت) ذقنه وهو يحاول أن يحلق بنفسه، مما دعاه للتفكير باستخدام أداة أخرى يمكن للشخص استخدامها بنفسه، فخطرت له فكرة ابتكار شفرة من الفولاذ ذات حد قاطع يتم تثبيتها على قطعة حديد ليتم إستبدالها بجديدة على الدوام، فحصل بذلك على براءة اختراع.

استطاع المكانيكي (وليام نيكرسون) تطبيق فكرة (جيليت) وإنتاجها بشكل تجاري، فشرع على الفور في تأسيس أول شركة أمريكية لصناعة أدوات حلاقة آمنة في العام 1901 (جيليت كومباني) بمدينة بوسطن، إلا أنه لم يبدأ الإنتاج الفعلي وطرحه بالأسواق إلا عام 1903، ولتغزو أسواق لندن وباريس بعد عامين ومن ثم لبقية أرجاء المعمورة.
كان ترحيب شديد بمنتجات الشركة، خصوصاً حينما قامت الحرب العالمية الأولى حيث أزداد الطلب حين كان لابد من أن يعتمد الجندي على نفسه في حلاقة ذقنه، فقفزت مبيعات الشركة ووصلت ذروتها، حيث امتازت هذه الشفرات بأن يمكن استخدامها من قبل الشخص نفسه.
استمرت (جيليت) سباقة بالإضافة لصناعة الشفرات بإنتاج مراهم ومعاجين الحلاقة ثم شفرات الحلاقة المتكاملة ذات الاستخدام لمرة واحدة... ولتجني الشركة مزيد من الأرباح حتى يومنا هذا.



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حارث
- مَثار النقعِ
- ختيارية زمن الخير
- دينار... أبو العباس
- هنا شارع السعدون
- عناكب
- شادي
- طوبة كريكر
- طابع أبو الدينار
- مجرد خلخال
- دقّ الجرس
- حدث في (الفاكانسي)
- وقودات
- (الله سِتر) !
- مَن القاتل؟ ج 3
- من القاتل؟ ج 2
- مَن القاتل؟ ج 1
- لعنة الكويت
- ظاهرة البرازيلي
- صراصر... بنات عوائل


المزيد.....




- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب
- تردد قناة سبونج بوب على النايل سات …. أجدد الأفلام وأغاني ال ...
- الكشف عن القائمة القصيرة لجائزة -PublisHer-


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - شكراً عم (جيليت)