أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - آمنة محدادي - فلسفة الدين الزرادشتية















المزيد.....


فلسفة الدين الزرادشتية


آمنة محدادي

الحوار المتمدن-العدد: 4744 - 2015 / 3 / 10 - 04:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن الفكر الديني لدى الشعوب يعد من أهم المحاور التي اهتمت بها الفلسفة، وخصوصا الدينية منها، لأن الدين يمثل أحد أهم البنى الأساسية للشعوب ويميزها عن غيرها، كما أنه يحمل بعدين، روحي ومادي، ناهيك أنه موجه للعقل وللحس معا، كما أن للديانات بعدا حضاريا وتاريخيا، لذا نجد الدين موجود في الدراسات الحضارية والتاريخية. ولعل من بين الديانات التي كان لها حضور وأخذت اهتمام واسع من قبل الباحثين والمختصين؛ الديانات الشرقية نظرا لأهميتها التاريخية ، بالإضافة إلى أنه شابها الكثير من اللبس الغموض خصوصا بعد دراستها من قبل المستشرقين، لهذا أراد المشرقيين أنفسهم إظهار حقائق هاته الديانات، والتي من بينها البوذية ، الكنفشيوسية ، الزرادشتية وغيرها، فالزرادشتية كان لها وزنها في الحضارة الفارسية ، كما أنها لم تندثر فلها وجودها إلى وقتنا الحاضر . ومن خلال هذا العرض سنحاول التعرف على الديانة الزرادشتية واهم معتقداتها ، وما هي أهم معتقداتها.
يرتبط ظهور أي ديانة سواء كانت سماوية أو وضعية بجملة من المعطيات خصوصا التاريخية منها، تكون بمثابة الجذور الأولى لظهور هاته الديانة، ناهيك عن الشخصية التي يتم على يدها التأسيس لها، فتقترن باسمها كالديانة البوذية مثلا التي أسست على يد بوذا، وقس على ذلك من الديانات الأخرى. فهناك جملة من العوامل اجتمعت لتكون سببا في ظهور ديانة ما في أرض ما دون غيرها، لأن الشعوب تختلف باختلاف المناطق التي تقطنها، والثقافات التي تثقفها والأسس الاجتماعية التي تستند إليها، والعادات والتقاليد التي تحكمها، لهذا الديانات تختلف وطبيعة الشعوب الموجه لها إلا الدين الإسلامي الذي جاء عالميا. فلنشأة الزرادشتية مثلا أرضية تختص بها تميزها عن غيرها، وارتبط اسمها بشخصية "زرادشت" المؤسس الأول لهذه الديانة والأب الروحي لها . فمن هو "زرادشت" ؟ وكيف نشأت الزرادشتية معه ؟
يجرأ أكثر الباحثين على أن زرادشت قد وجد حقا وإن كانوا جميعا لا يجرؤون على القول بأن لديهم أي برهان علمي يدل على وجوده، وهم مجمعون كذلك على أنه وجد حوالي نهاية القرن الثامن قبل المسيح، وإن كان قد شذ عن هذا الإجماع الأخير شخصية الأستاذ "كليمين" الفرنسي الذي يرى أنه وجد في أوائل القرن العاشر قبل الميلاد.
الزرادشتية "Magianism" إذن هي ديانة أسسها زرادشت ترى أن العالم كصراع مستمر بين القوى الكونية المستقلة، وفي معتقدات هذه الديانة ترى أن " أهورامزدا" هو رب الخير أو الحكمة وخالق العالم المادي، "انجورامينو" هو كل الموت وروح الشر وأن الإنسان كائن حر وعليه واجب مساعدة الانتصار لـ" أهورامزدا" . وقد انتشرت هذه الديانة في إيران خصوصا بعد ثمانية قرون من موت زرادشت، وبعد أن انحسرت إلى حد ما ديانة "الماجي" المجوسية التي اقتصرت حينها على الملوك والكهنة. فاعتنقت بذلك فارس الزرادشتية وأثرت في حضارتها، وعاصرت الإسلام. ثم بقت حتى يومنا هذا تحت اسم "الديانة البارسية". لكنها عرفت في التاريخ باسم الزرادشتية، وعرفها المسلمون باسم المجوسية.
تنسب الديانة الزرادشتية إلى "زرادشت" بن "يوشارب"،الذي ظهر في زمن "كشتاسف" بن "لهراسب" الملك،وأبوه من "أذربيجان"،وأمه من "الرى". ولد عام 598 أو 599 ق م،وتوفي في 522 أو 521 ق م،وفي فترة ظهور زرادشت كان ظهور"بوذا" في الهند وظهور "كنفشيوس" في الصين،وظهور الفلاسفة الإغريق ،وتذهب الأساطير والروايات إلى الولادة غير الطبيعية لـ"زرادشت"، ويحيطونه بشيء من التقديس، وأن الله قد أكرمه واختاره . وقد روت المصادر البهلوية )الفارسية( أنه قبيل خروج "زرادشت" بلحظات انبثق نور إلهي شديد اللمعان من بيت "بوراشاسب"، فرحت له الطبيعة، ومن حولها ومن السماء سمع صوت يبشر بميلاده، في هذا الوقت وفي داخل غرفة الولادة المضاءة بالنور الإلهي خرج الطفل "زرادشت" للحياة وهو يضحك بملء فيْه.
يرى بعض المؤرخين أن زرادشت مصلح ديني جاء من ميديا وأول من دان بديانته التي بشر بها هي السلالة الاخمينية والسلالة السسانية وقد لفت حياته الأسرار ولغموض وكان لأفكاره جذور عميقة في المعتقدات الشعبية الإيرانية . ويقال أن زرادشت لما بلغ الثلاثين اتخذ حياة العزلة ، ولجأ إلى قنن الهضبة الإيرانية، بعيدا عن زحمة الحياة، وهناك اتخذ من المياه والطير والحيوان والشمس والقمر والنجوم السيارات أساتذة له يتلقى عنها أسرار الحياة فأخذ يتأمل في أسرار هذا الخالق المبدع لكل هذه الكائنات والمخلوقات، وفي هاته العزلة والتأمل اختاره الإله الأعظم "أهورامزدا" ليبلغ رسالته إلى الناس، وقد لاقى زرادشت مقاومة من الكهنة ورجال الدين، لأنه جاءهم بدين جديد يزلزل سلطانهم واتهموه بأنه يهدم دين الآباء والأجداد.
لقد عانى زرادشت كثيرا في سبيل دعوته إذ أمضي حوالي عشر سنوات دون أن يستجيب لدعوته أحد وكان أول معتنق لديانته هو ابن عمه. ودعى زرادشت الملك "كشتاسب" وكان ملكا قويا يحكم الجزء الشرقي من إيران الذي يدين بالوثنية، دعاه إلى دينه الجديد. وتحكي الأساطير الكثير من المعجزات التي أظهرها زرادشت للملك وحاشيته حتى امن به وناصر دعوته.وكان هذا الملك هو سيف هذا الدين الجديد وحاميه وظهرت طبقة الكهنة وأخذت على عاتقها وأرسلوا المبشرين بهذا الدين في البلاد المختلفة . ولما خل الدين الإسلامي بلاد فارس اعتنق معظم اتباع زرادشت الديانة الإسلامية، وبقى البعض منهم على ديانتهم، وهم الذين يذكرهم المؤرخون المسلمون باسم المجوس، وقد فر البعض منهم إلى الهند ، وظل مجوس الهند على اتصال بمجوس فارس.
هذا فيما يخص نشأة الزرادشتية بصفة عامة، ومن المؤكد أن لكل ديانة أصول ومصادر تستقي منها تعاليمها ومبادئها تكون بمثابة الأساس والمرجع الأول لهاته الديانة كالقران والسنة مثلا بالنسبة للإسلام، ونفس الشيء بالنسبة للزرادشية فهي كذلك لها مصادرها الخاصة، وهذا ما سيتضح في الطرح الموالي.
1 مصادر الديانة الزرادشتية: لا شك أن لكل ديانة مصدرها الخاص يكون هو منبع معتقداتها وتعاليمها يستند إليه كل من يعتنق هاته الديانة، فما هي أهم مصادر الديانة الزرادشتية؟
ليس لدى الباحث عن الديانة الزرادشتية إلا مصدر واحد وهو كتابها المقدس "زندافيستا"، وإن كان لم يتم جمعه حولي القرن السادس بعد المسيح قد احتوى على جزء عظيم يدعى "جاتهاياسنا" وهو الذي يرجع جميع العلماء كلام زرادشت نفسه ويرجعون تاريخه إلى القرن السابع أو العاشر كما سلف الذكر . وما ليس من كلام زرادشت من هذا القسم هو في رأي الكثرة المطلقة من رأي الباحثين يمثل الزرادشتية الأولى حق تمثيل ويصح أن يعتمد عليه في تاريخ العصر الأول من عصور هذه الديانة. وهذا القسم قد وجد مكتوبا بلغة قديمة ترجع إلى ذلك التاريخ الذي عينه العلماء.
" أفستا" الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية يتجاوز عمره ثلاثة ألاف سنة إنها موسوعة الحضارة، الثقافة ، الأخلاق، والانثربولوجيا للشعوب الآرية بل انها تشهد على عظمة روح وثقافة الشعوب الآرية حيث تمثل أقدم وثيقة تاريخية، ثقافية، دينية وقانونية مكتوبة تعكس المراسم والطقوس الدينية، الأفكار الفلسفية، الأخلاق، علم الفقه، الطب، والفلك في المجتمع البدائي الإيراني .
فقد احتفظ الزرادشتيون بإرث فكري يمثل لهم النصوص المقدسة والتي تعد من أهم مصادر دراسة الفكر الزرادشتي، وهذا ما يطلق عليه في الوقت الحاضر "الأفستا" والذي أطلق عليه المؤرخون العرب بــ"الابستاق" وهو ينقسم إلى :
أ‌- غاثها: وتعتبر الأقدم والاهم من باقي جميع أقسام "الأفستا" وذلك لانتسابها إلى زرادشت وهي عبارة عن 17 قسم يسمى "هات" أو "ها "
ب‌- يسنا: وهي الأناشيد العبادية وتقسم إلى 72 هات والتي تعتبر "غاثها" من ضمنها لكنها انفردت نظرا لأهميتها .
ت‌- يشتها: تنقسم إلى 21 يشت وهي مخصصة لعبادة الآلهة من غير "أهورامزدا" .
ث‌- ونديداد: وهي الأحكام العبادية لكل فرد وللمجتمع وهي عبارة عن 22 فصل.
ج‌- ويسبرد: وهو عبارة عن 24 فصل من الأشعار التي تمجد الخير والخلق.
ح‌- خرده أو سيتا الأدعية والأذكار: وهو عبارة عن 8 أقسام .
وهذا الكتاب المقدس لم يدون في زمن واحد بل دون في أوقات مختلفة، ولم يكن كله من وحي زرادشت لذلك يوجد فيه اختلاف كبير في أقسامه المختلفة ووضوح أفول لفكرة معينة من قسم لأخر حيث نجد أن زرادشت قد حارب الإلهة القديمة التي سبقت دعوته .
2أهم مميزات الديانة الزرادشتية ميثيولوجيا: ومن الناحية المنطقية أن لكل دين عقائده الخاصة ومميزات تخصه دون غيره ، كما أن هناك مميزات يتشارك فيها الأديان ، وهذا عائد إلى التناص في الموروث الديني حتى وان كان هذا الأخير انقلابيا وثوريا، غير انه تتخلله بعض الاستثناءات التي لابد منها وهذا عائد لطبيعة النص الديني وعلاقته بالمتدين (الإنسان) فالتجربة الدينية تختلف ليس فقط من دين إلى أخر أو من شعب إلى شعب بل تتعداها إلى ما هو ابعد من ذلك ، من إنسان إلى إنسان وعلى حد قول ابن خلدون في مقدمته "إن الطرق إلى الله بعدد أنفس الخلائق" .
ولأن الزارادشتية ليست استثناءا من كل ما سبق ذكره، فسيكون ذكر خصائصها على التوالي:
1. إن أولى ميزات الديانة الزرادشتية العالمية ، إذ ترفض هذه الديانة فكرة أن لكل شعب دينا والهاً خاصا به " فزارادشت استطاع أن يعلن في جرأة أن " أهورا مازدا" ليس إلها فارسيا فحسب وإنما اله للكون كله وأن زارادشت هو نبي الذي تلقى الوحي من هذا الإله" .
2. التوحيد ، اذ وحد زارادشت بين "مازدا" والخير وطابق بينهما ، و"أهورا مازدا" هو الروح الخيرة "الأفيستا . الزارادشتية تتأسس على فكرة الخير ، فالبوذية تأسست على الألم والمسيحية على الحب والإسلام على التوحيد .
3. الصراع ، حيث أن تاريخ العالم هو تاريخ صراع بين الله والشيطان ، أي بين " أهورا مازدا" و "أهرمان" .
4. تقديس النار ، على الرغم من أنها من الطقوس القديمة إلا أن "زارا" استخدمها في عباداته ، فالنار في الطقوس القديمة رمز للنور والقانون الكلي لله .
5. إن هذه الديانة تمتاز عن غيرها من الديانات القديمة بانها بنيت على أساس مبدأ تعميم الخير وإبادة الشر، وذلك بتقوية النوع البشري ونشر الخصوبة والعمران على سطح الأرض.
6. يرى بعض العلماء أن تأسيس الديانة الزرادشتية على فكرة الخير إذ كل الديانات الراقية قديمها وحديثها قامت على مبادئ مختلفة فالبوذية أسست على مبدأ الألم والمسيحية على مبدأ الحب والإسلامية على التوحيد .
3 نظام العبادات والتشريع عند الزرادشتيين : الزرادشتيون المعاصرون يعتقدون بأن زرادشت نبي، ويؤمنون بوجود الثواب والعقاب واليوم الأخر، مع التركيز في معتقدهم على بعض القيم الخلقية. إذ يقول المرجع الديني الأعلى للزرادشتيين في إيران، السيد "رستم شهزادي" في هذا الموضوع ما يلي: نحن نعتقد أن نبينا زرادشت كما نحن نعتقد بوحدانية الله فلا نعبد غيره، وعندما جاء زرادشت برسالته إلى البشر حاول المبادئ الأساسية الثلاثة التالية :
1- الفكر والنية الحسنة
2- القول الحسن
3- العمل الحسن
أما فيما يخص أصول الديانة الزرادشتية فهي ستة :
1- التوحيد
2- الإيمان بنبوة زرادشت
3- العمل الحسن والقول الحسن
4- بقاء الروح
5- وجود الثواب والعقاب
6- المعاد في يوم القيامة
والديانة الزرادشتية قائمة على عدة عبادات بدنية اختلفت حولها الروايات والدراسات فالصلاة مثلا فمنهم من أوردها ثلاث مرات وهناك من أورد الصلاة المأمور بها شرعا في الدين الزرادشتي، تقام خمس مرات في اليوم والليلة ويؤقت أداؤها جميعا بحركة الشمس في مداره اليومي الأولى قبل الفجر بقليل والثانية في الظهر والثالثة قبل غروب الشمس والرابعة عند الغروب والخامسة في الليل . وقبل الدخول في أي صلاة من الصلوات الخمس لابد للزرادشتي من تهيئة نفسه والاستعداد لها وذلك بغسل وجهه ويديه ورجليه مما علق به من الغبار مما يبطل الصلاة ويفقد المصلي الطهارة التي تتطلبها الشعيرة ثم عليه بعد ذلك التوجه نحو مشرق الشمس قبلة الدين واقفا بين يدي ربه بكل خشوع وتعظيم مستغرقا بكليته في تلاوة الآيات والأدعية. نجد مثلا في "الأفستا" عن الصلاة : "بكل سرور أصلي باسطا يدي نحو مازدا لتقبل الروح الخيرة ".
وتدخل النار بشكل أساسي في عبادات الزرادشتيين لأنها مصدر النور الذي يجب عليهم الاتجاه إليه لأنه قبس من نور "أهورامزدا" ويقول السيد "رستم شهزادي" عن ذلك " إن ما نفعله هو أننا نتجه للنار هو أننا نتجه للنار في بعض الأحيان باعتبارها تمثل النور الذي نعتقد بأنه انعكاس أو مظهر من مظاهر الله، فنحن في الحقيقة عندما نتوجه لعبادة الله نتجه إلى النور بأي شكل كان، ففي النهار تكون قبلتنا الشمس وفي الليل القمر أو النجوم أو أي ضياء كان ومنها النار طبعا حيث نعتقد أن نور جميع هذه الأشياء يمثل النور الإلهي .فالمهم أن نتجه لأي مصدر للنور مهما كان شكله أو حجمه كقبلة لنا نقدسها ولا نعبدها "
والهدف من العبادات الزرادشتية هو أن أفعال الإنسان توزن بعد الموت بميزان فمن رجحت حسناته سيئاته ذهب إلى الجحيم حيث ينال العقاب المناسب للجريمة، لكن ذلك لا يعني النهاية فالجحيم الأبدي في نظر الزرادشتية هي التعاليم اللاأخلاقية، لان الغرض من العقاب هو الإصلاح أمكن أن يقوم الجميع بفضل المخلص لمواجهة الحساب الأخير وعندما يصبح الجميع أنقياء في النهاية فإن الشيطان وجميع أفعاله سيتم تدميرها في الأخير .
4 الألوهية :تجتمع كل الديانات على جملة من القواعد والقوانين، و الزرادشتية واحدة منها فعند التأمل في هذا الكون نجد نوع من النظام في المخلوقات ، هي التي تجرنا لمعرفة الوجود اللامتناهي، الإله القادر على كل شيء كما تجعلنا نؤمن بوجوده .
ويؤمن الزارادشتيون بأن الحياة تعلمنا "إنه هو الموجود الأعظم والأفضل والأسمى من حيث الفضيلة والاستقامة والخير" ، ويعتقد المؤمنون بهذا الدين أن الشر ليس من خلق الله ، ف "مازدا" ليس مسؤولا عن الشرور بل تعود الشرور إلى "أهرمان" وهو المسؤول عن كل شر في هذا العالم وعن الموت والأمراض والغضب والتهم . وهذا معناه أن هناك اختلاف جوهري بينهما فالشيطان ليس إلها ، وعليه فان الإنسان عليه أن يتبع الخير أو الإرادة الخيرة التي يدعو إليها "مازدا" حتى يفوز برضى الله ويعم الخير ، أما من يتبع الشر فهو كادح في حياته .
إن هذا العالم مبني في أساسه على صراع بين الخير والشر ، فالإنسان مخير في ما يريد أتباعه فالعلاقة بين الإنسان وربه علاقة عبادة وهي مسؤولية فليس المؤمن مجبرا على اتباع طريق "مازدا" بالقوة . فبإمكانه إتباع طريق " الشيطان" لكن الحساب يكون في النهاية ، لأن الشيطان سوف ينهزم في الأخير .
- صفات الله
1) جاء في الافيستا أن الله هو نور وضياء لا يمكن وصفه، ولا مثيل له في لمعانه وإشراقه ،وهو مصدر جميع الأنوار ،لذا لا احد يراه ولكن هو بالمقابل لا تخفى عليه خافية .
2) الله واحد لا شريك له في ملكه ولا ينازعه احد فيه ولا منافس له في السيادة وهو الكمال المطلق وهو الأكبر ، والقيوم .
3) الله لا يحده الزمان ، فهو فوق الزمان وهو ألان كما عليه من قبل ، ليس له بداية او نهاية ، فهو الأول والأخر وهو قديم وأزلي وابدي .
4) هو الموجود قبل العالم ، وسيبقى بعد فناء العالم وهو الحاضر في كل شيء.
5) الله منزه عن كل صفات المشابهة للإنسان أو لخلقه.
6) لا يرمز لله برمز معين ،ولا يشار إليه بشيء مادي ولا يجوز تصويره في شكل أو هيئة ، مادية او معنوية .
هذه أبرز الصفات التي يمتاز بها "مازدا" ، والملاحظ أنها قريبة جدا من الأديان السماوية وبالأخص الدين الإسلامي إذ أن كل الصفات التي سبق ذكرها ، هي عينها صفات الله في الدين الإسلامي .
تصور عام (استخلاص) وما يمكن أن نستخلصه من خلال ما طرح سابقا ، فإن لديانة الزرادشتية تدخل ضمن الميثيولوجيا الإنسانية ، فهي إحدى الديانات التوحيدية ( مع التحفظ ) فهناك من يراها ديانة ثنوية أيضا، لهذه الديانة خصائص معينة فهي تقوم على مبدأ الخير و أساسا ، وتقوم أيضا على مبدأ الصراع بين الخير والشر بين "مازدا" و "الشيطان".
أما من أبزر خصائص الديانة الزرادشتية هي مسالة الجبر والاختيار ، إذ يعتقد "زارا" أن الإنسان مسؤولا عن اختياراته فأمامه طريقين طريق الله وطريق الشيطان ، فإما أن يكون مع الخير أو يتبع الشر إضافة إلى تقديسها للنار . ومن هذا المنطلق يتبين أن علاقة الإنسان بربه هي علاقة عبادة فهي علاقة نازلة الخالق – المخلوق ،أو المعبود – العابد ، فالشيطان هو مصدر الشر في هذا الكون ، في حين أن " مازدا" هو مصدر كل خير.
وما يمكن اللفت إليه هو أن الزرادشتية عند مقارنتها بالأديان الأخرى نجد أنها تتشابه مع الأديان السماوية خصوصا في مسالة التوحيد (الإسلامي) إضافة إلى صفات الله وتنزيه الله من كل ما يمكن أن يجعله شبيها بخلقه .
هذه الديانة أيضا لها طابع الروحي ما جعلها تعمر لقرون عدة ، غير أن هذا لا يعني أنها أهملت الجسد وإنما رفضت الزهاد والنساك تماما كما رفضت الخارجين عن طاعة الله . وهذا ما جعل نيتشه يشيد بزرادشت وجرأته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1: محمد غلاب، الفلسفة الشرقية، مطبعة البيت الاخضر، القاهرة، دط، 1938، ص 185.
2 : مصطفى حسين، المعجم الفلسفي، دار أسامة، الأردن، ط1، 2009، ص248.
3: علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعارف، القاهرة، ط9، دت، ص 191.
4: حسن نعمة، موسوعة ميثولوجيا وأساطير الشعوب لقديمة، دار الفكر البناني، بيروت، 1994، ص 63 .
5 :على عبد الفتاح المغربي، الفكر الشرقي القديم وموقف المتكلمين منه، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1996، ص44.
6 : الشفيع الماحي أحمد، زرادشت والزرادشتية، حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة الملك سعود، السعودية، العدد 21، 2001، ص ص 1718-.
7 : حسن نعمة، موسوعة ميثولوجيا وأساطير الشعوب لقديمة، ص 63.
8: على عبد الفتاح المغربي، الفكر الشرقي القديم وموقف المتكلمين منه، 45.
9: المرجع نفسه، ص 45.
10 : المرجع نفسه ، ص
11 : محمد غلاب، الفلسفة الشرقية، ص 187
12: خليل عبد الرحمن، افستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، روافد للثقافة والفنون، دمشق، ط2، 2008، ص7
13:منعم حبيب الشمري ورنا كاظم معن، الزرادشتة ثنوية أم توحيد،مجلة كلية التربية،جامعة واسط، العدد 21، ص ص 114-115.
14: المرجع نفسه، ص 115
15 : المرجع نفسه، ص 116.
16 : محمد غلاب، الفلسفة الشرقية، ص 188.
17 : الافستا، ياستا 57.
18 : جفري بارندي ، المعتقدات الدينية لدى الشعوب، تر: امام عبد الفتاح امام، عالم المعرفة، الكويت ،1992، ص 94.
19 : المرجع نفسه ، ص 92.
20 : محمد غلاب، الفلسفة الشرقية، ص 188.
21 : المرجع نفسه، ص 189.
22: جميل مدبك، موسوعة الأديان في العالم، دار كريبس انترناسيونال، بيروت، دت، ص 286.
23: المرجع نفسه، ص 286.
24: الشفيع الماحي أحمد، زرادشت والزرادشتية، مرجع سابق، ص 57.
25: الشفيع الماحي أحمد، زرادشت والزرادشتية، مرجع سابق، ص 58.
26: الافستا ، كات هايتي 28، ص 75
27: جميل مدبك، موسوعة الاديان في العالم، مرجع سابق، ص 287.
28: جفري بارندي ، المعتقدات الدينية لدى الشعوب، مرجع سابق، 96.
29: جفري بارندي ، المعتقدات الدينية لدى الشعوب، مرجع سابق، ص92.
30: المرجع نفسه، 92.
31: الشفيع الماحي أحمد، زرادشت والزرادشتية، مرجع سابق، ص ص 33-34.



#آمنة_محدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناهج وآليات نقد المنظومة الإستشراقية عند ادوارد سعيد


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - آمنة محدادي - فلسفة الدين الزرادشتية