أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد بوزهر - نقد الإسلام السياسي من منظور ماركسي لينينيي















المزيد.....



نقد الإسلام السياسي من منظور ماركسي لينينيي


خالد بوزهر

الحوار المتمدن-العدد: 4735 - 2015 / 3 / 1 - 15:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نقد الإسلام السياسي من منظور ماركسي لينيني


ماضوية الفكر الإسلامي: بوابة الإرهاب الدموي

"لا نظلمهم عندما نقول عنهم إنهم ظلاميون، بل هم أكثر من ذلك فكر أحمق ناتج عن تحليل مقلوب لواقع مقلوب" الشهيد مهدي عامل

إن مجرد إلقاء نظرة، ولو سريعة ومقتضبة دون توضيب للصورة، أو تصويب للعبارة، على مجريات الوقائع والأحداث المتسارعة والملتهبة، وما رافقها من تطورات خطيرة، خصوصا في الآونة الأخيرة، التي تعد بحق لحظة مفصلية فارقة، ستكون لها تداعيات جيو سياسية مؤثرة إقليميا ودوليا، قد تفضي لا محالة إلى نتائج حاسمة ومصيرية، على مستقبل المنطقة العربية، وعلى مستقبل شعوبها؛ يتضح جليا، من تلك النظرة، حجم المأساة الإنسانية، وما تتكبده الجماهير الكادحة من معاناة يومية، وتعسفات ظالمة، هي في المحصلة ناجمة عن تجذر الاستبداد السياسي، وتفاقم الاستغلال الاقتصادي، المسنودين بتواتر الهيمنة الثقافية المتسلطة بمختلف أشكالها وتجلياتها من جهة، وبازدياد التبعية للإمبريالية المتغطرسة من جهة ثانية، حيث تعمق البؤس الاجتماعي، وانتشر الفساد في كافة المجالات، وعم مختلف الأصعدة والمستويات، فاتسع نطاق الهامش، وضاق الأفق بالمقابل، مما مهد الطريق سالكة لبروز تيارات ماضوية انتهت صلاحيتها التاريخية ــ إن كانت لها صلاحية، ونحن نشك في ذلك أصلا ــ وهيأ لها تربة النمو، والانتشار، والتمدد أفقيا وعموديا، على نحو غير مباشر، كما تلقت الدعم والتشجيع في السر و العلن، حسب الظروف والمتغيرات، مباشرة من لدن الماسكين بزمام السلطة، والمتنفدين اقتصاديا، لتظهر على حقيقتها كقوى ظلامية غاية في القسوة والوحشية، تتلون بتلاوين دينية مذهبية، نابعة من نرجسيتها العقائدية المتعصبة، وتتعنون بعناوين ماضوية متطرفة، تعكس نفسيتها البارانوية المشروخة، ذات الدوافع التدميرية والنزوع المرضي الدائم، إلى اقتراف جرائم بشعة في حق الإنسان والوطن والتاريخ، لا فرق بين داعش، وما سيتناسل عنها مستقبلا من دواعش، وباقي التنظيمات الأخرى التي تنتظر إشارة التحرك في الهوامش، إرضاء لغريزتها الحيوانية بشكل سادي، ينم عن حقد دفين في الصدور يكثفه الشعور الساحق بالذنب، اتجاه الذات والآخر على حد سواء؛ حيث توثق أمام عدسات الكاميرات لفنتازيا التمنطق بالأحزمة الناسفة وقيادات السيارات والحيوانات المفخخة، بل حتى الجثث يتم تلغيمها، ناهيك عن استهداف دور العبادة والمؤسسات العمومية، ذات الطبيعة الاجتماعية، كالمدارس والمستشفيات، عارضة بتباهي صفيق لمناظر التقتيل اليومي الممنهج، ولمشاهد الرجم ــ ذات الجذور التلمودية ــ وتقطيع الأطراف من خلاف، وجز الرؤوس من أمام، وسبي النساء والأطفال، والتنكيل بالعجزة والمسنين، موازاة مع مختلف أشكال التمييز العنصري، والتهجير القسري للأقليات، ومصادرة أبسط حقوقها الإنسانية، بما فيها الحق في الحياة، مع ما ينتج عن ذلك كله من تمزيق لأوصال الوطن وضرب وحدته العضوية ونسيجه الاجتماعي، على مرمى ومسمع من العالم المتحضر، بتواطؤ ضمني حينا، وصريح أحيانا، لقوى عالمية ومنظمات دولية تدعي لنفسها الديمقراطية، وترفع شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان، تحت يافطة حماية المدنيين وضمان الحريات...دون أن تحرك ساكنا، إلا عندما تستدعي أجندتها ذلك بانتقائية فجة، ومعايير مزدوجة تكيل من خلالها الكيل بمكيالين، أو لأجل البروباغندا المخصصة للدعاية الرخيصة الموجهة للاستهلاك الإعلامي المبتذل، بمفرقعات وفقاقيع دعائية غير مقنعة؛ أو لضبط إيقاع تحركها وترويضها، عندما تتخطى الخطوط الحمراء المرسومة لها في الزمان والمكان المحددين سلفا، داخل مكاتب وأروقة المخابرات، (مطلقو الجن، على شاكلة الدكتور "فيكتور فرنكشتاين" الذي خلق الوحش انطلاقا من قطع الجثث...) أو عندما تتغير التكتيكات المتبعة، وتتبدل الأولويات حسب متطلبات الإستراتيجية... وقد أصاب ماركس فعلا عندما قال:" إن للوحشية ككل شيء آخر، طريقتها التي تتغير وفقا للزمان والمكان".
إن ما يسمى الصحوة الإسلامية، التي رافقت صعود وتنامي التيارات الأصولية المتأسلمة، ووصولها إلى الحكم في أكثر من بلد بدعم من الإمبريالية، ليست في الحقيقة إلا التجلي الواضح للأزمة البنيوية، التي تعيشها البورجوازيات الهجينة في البنيات الاجتماعية الكولونيالية المأزومة، التي تتوسل كل ما يؤجل موتها المحتوم، حتى وإن كان باليا، أو تناقض مع شعاراتها الزائفة والمزعومة حول الليبرالية والحداثة ونهج العصرنة، مما يفضح انتهازيتها ويؤكد رجعيتها التي هي منها، أحد أوجه موقعها المتخلف في قسمة العمل الدولية، وذيليتها للإمبريالية، وتجد تفسيرها كذلك في الأساس المادي للبنية الاجتماعية الكولونيالية، حيث تتعايش أنماط إنتاج ما قبل رأسمالية، مع أسلوب الإنتاج الرأسمالي المشوه والمفروض قسرا، والذي يسمح بإعادة إنتاجها عبر مجموعة من الميكانيزمات الخاصة، والآليات المعقدة تعقد التكوين الاجتماعي نفسه، في تمفصلها معه ــ الأسلوب الرأسمالي ــ وتحت سيطرته وتدخله ومراقبته هو بالذات بالشكل، أو بالأحرى الأشكال التي يحددها لها؛ وما التيارات الدينية سوى أحد إفرازاتها المقيتة، فالإرهاب الديني من هذه الزاوية ينمو في بيئات قذرة متخلفة تشكل له عامل تخصيب، أما قراءاتها وتفسيراتها المتزمتة، فليست سوى تعبيرها الإيديولوجي كما ينعكس ويتبدى لوعيها الزائف، فالواقع المقلوب لا ينتج إلا وعيا مقلوبا "فبالإضافة إلى شرور العصر الحالين تبهضنا سلسلة من الشرور الموروثة الناجمة عن بقاء أنماط إنتاج بالية عفا عليها الزمن، مع ما يرافقها بالضرورة من علاقات سياسية واجتماعية تنتمي إلى عصر غابر إننا لا نعاني من الأحياء بل من الأموات أيضا فالميت يمسك بتلابيب الحي" ماركس الرأسمال ج I ص 19.
قد تختلف الأسماء والمسميات، ولكن تبقى الأهداف مشتركة ومتشابهة:
1-مواجهة أي مد ثوري ومحاصرته، وهذا ما صرح به "زيبوكنو برجنسكي" مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد جيمي كارتر، بإعلانه" السلفية الإسلامية أصبحت هي الأداة الإيديولوجية الرئيسية ضد الشيوعية"، مثلما كانت ولازالت الوهابية هي الدرع الإيديولوجي للرجعيات العربية في مواجهة حركة التحرر الوطني.
2-إقامة إمارات دينية شديدة التخلف، ممركزة الاستبداد (أمير الجماعة) على أساس طائفي، ومذهبي منغلق، تحت يافطة استعادة الخلافة الإسلامية / النموذج، وأمجادها الغابرة ــ بمقاييس عصرها ــ حيث لا تتوانى تحت ذريعة الدفاع عن الدين الإسلامي، وتطبيق شريعته، وتنزيل بنود عقيدته (خصوصا عقيدة الولاء والبراء السيئة الذكر) على أرض الواقع، تطبيقا وممارسة لمحاربة الكفر والقضاء على الردة الافتراضيين، وتصفية المخالفين في الرأي، عن ارتكاب أعمال لا إنسانية وتبرير جرائم بشعة ووحشية، بعض تلك الجماعات يرتدي لبوسا شيعية تماثل نفسها عن طريق الإبذال (تبديل الأسماء والأزياء...) بدولة الصفويين ق 17، أو دولة العبيديين الفاطمية، أو البويهيين.. إلخ ...تبعا لهواها المتحكم فيها، وانقيادا لغزواته الوهمية" فالمطلب بالتخلي عن الأوهام، هو المطلب بالتخلي عن الحالة التي تتطلب الأوهام" حسب ماركس الذي شخص حالة مشابهة للحالة التي نحن بصدد نقدها في نص رائع من كتابه 18 برومير لويس بونابرت يقول فيه:" تراهم يلجئون في وجل وسحر، إلى استحضار معطيات الماضي لتخدم مقاصدهم ويستعيرون منها الأسماء والأزياء والشعارات القتالية كي يمثلوا على مسرح التاريخ مسرحية جديدة في هذا الرداء التنكري الذي اكتسى بجلال القدم وبلغة قديمة مستعارة" أما بعضها الآخر، نزولا عند رغباته الذاتية التي تنشطها مجموعة من الفنطازمات والاستيهامات المرضية، فيتشح بوشاحات سنية، ويلبس مسوحا عثمانية، أو، ممالكية حتى... إلخ تضيق حينا وتتسع أحيانا، حسب حاجة المنعطف / النفق المظلم، الذي تسير، أو، تتخبط فيه، لا فرق؛ ووفقا للمقاس المفصل من لدن رعاتها الذين يمسكون بخيوط اللعبة جيدا، ويحركونها من وراء الستار، بما ينسجم مع الدور المطلوب منهم القيام به، وتماشيا مع المهمة المنوطة بها، على بلاط المذبح الإنساني، عبر استعادة سمجة، وأكثر دموية، لمختلف التجارب التي حكمت سابقا باسم دولة الخلافة الإسلامية، التي خالوها مثالية وذهبية ــ وهي في حقيقتها لم تكن يوما كذلك ــ لدرجة بلغت من الإسفاف مبلغا سخيفا، وصلت حد إسقاط صفة الاستبداد ودمغة الأوتوقراطية عنها، في قراءة تصالحية مع التاريخ، لا يقبلها عقل النظر إلى التاريخ عينه، منزهة إياها من وظيفتها الأساسية، كدولة طبقية ذات طبيعة استبدادية، تأسست لخدمة الأرستقراطية الحاكمة، وذلك بتجريدها من موضوعيتها التاريخية، وشروطها المادية التي بانتفائها استنفذت مبرر وجودها واستمراريتها، وبالتالي استحالة استعادتها ضمن ظروف وشروط أخرى مغايرة لها تماما في جوهرها وطبيعتها؛ إلا من بعض الاستثناءات والعوارض الهامشية العالقة، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تكون عاملا حاسما في تحقق تلك الاستعادة المستحيلة التي يرفضها الواقع لعناده الصلب، وتأبى قوانينه الصارمة المتصلبة الانصياع لمثل هذه الرغبات الذاتية، والإسقاطات النفسية المتداعية "فالتاريخ مشطوب من ذهينيتها" كما أعلن الراحل هادي العلوي، وهو ما سبق أن رسخه ابن خلدون بقوله" ومن الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام" لا تماثل، إذن، بين بنيتين مختلفتين كليا، في أشكال وجودهما ومنحى تطورهما، فلكل واحدة منهما آلياتها الداخلية الخاصة بها، وشروطها التاريخية التي تؤمن لها تشكلها، وتحدد بالتالي شكل هيكلها ومحتوى مضمونها، ونوعية مسارها، حسب قوانين التاريخ الموضوعية، لا تماثل؛ إلا بعملية ذهنية ذهانية، وقفزات سحرية، يتوهمها عقل مثالي غيبي يحاول القفز على الواقع بتجاهل حقيقته المادية، وإرجاع كل شيء، إلى جوهر كلي- ميتافيزيقي، لا يطاله التغير والتبدل، وإن تبدلت الظروف والأحوال، له القدرة والكمال بالمطلق، لأنه الحقيقة المطلقة، والخير كله، وما دونه الباطل والشر كله( بمعناه الماورائي)؛ به تتعرف الذات المغتربة، بعد جوهرتها أسطرتها، اعتمادا على منطق التماثل ذاته، على ذاتها؛ إذ تتماثل بذاتها، وينتهي الأمر بها بعد طول اغتراب، للرجوع إلى أصلها ودينها الذي، هي، منه الفرع والامتداد؛ به تحيا وتستمد سر البقاء، لتكتمل الدائرة وتنغلق على نفسها في نهاية المطاف انغلاقا محكما، لا يتسرب إليه إلا صدى الماضي المؤسطر، حتى لا تغترب من جديد في بيئة غير بيئته، بانسلاخها عن دينها وأصالتها، وماضيها المجيد كما يسوقه فهمها المغلوط، وقراءتها المشوهة للتاريخ، بشكل حدثي مناهض للعقل، أما الاختلاف فحقيقة مادية موضوعية، قائم وموجود بالفعل في صلب الواقع الفيزيقي بأشكال تاريخية متنوعة، لأنه أحد قوانينه الطبيعية والاجتماعية، ولا يمكن إلغاؤه لمجرد الرغبة في ذلك، حتى ولو كانت تحمل في طياتها أهدافا ومرامي نبيلة، وتصدر عن نزوع إنساني صادق" فمادية التاريخ أقوى من تغيبه" كما قال الشهيد المأسوف عليه مهدي عامل، كما أن الشعار الفضفاض والغامض الملامح "الإسلام هو الحل"، يبقى استجداءا بئيسا للماضي الغابر، ووسيلة شوهاء للاسترزاق السياسي من منطلق انتهازي محض، لأن الواقع شيء، والرغبة الذاتية شيء آخر، وقد عارض قطب التصوف الاجتماعي ع. القادر الجيلي / الجيلالي، هذا التوجه وأوصى بالابتعاد عنه قائلا : "لا تبع الدين بالتين، لا تبع دينك تبين السلاطين والملوك والأغنياء وأكلة الحرام، إذا أكلت بدينك اسود قلبك وكيف لا يسود وأنت تعبد الخلق ؟ يا مخذول لو كان في قلبك نور لفرقت بين الحرام والشبهة والمباح، وبين ما يسود قلبك وينوره"؛ ونادى بضرورة مواجهة سلطة الدولة، سلطة الدين، وسلطة المال، مقدما صفات الجمال على صفات الجلال، فالإسلام يمكن أن يكون حلا مؤقتا لحاجيات المؤمنين الروحية، ومتطلباتهم النفسية، بعد أن كان في بداياته الأولى عامل بناء مجتمع الدولة على أنقاض مجتمع القبيلة، ولا يمكن أن يكون الآن كغيره من الأديان، حلا، أو، مفتاحا سحريا للتناقضات الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية، لأن ذلك من اختصاص العلم.

ظلامية الفكر الإسلاموي بين السياسي والدعوي
"القوى الظلامية...تقف دوما، في كل مراحل التاريخ دون حركة التطور البشري محاولة جهدها أن تلجم قوى التطور وتشل فيها عصب الحياة والحركة كي تستبقي التاريخ في مرتكز مصالحها الخاصة رغم مناقضاتها لمصالح الشعوب، ورغم أن الشعوب هذه نفسها هي التي تصنع لتلك القوى الظلامية مصالحها بالذات" الشهيد حسين مروة.
يعتمد الخطاب الديني بشقيه السياسي والدعوي على الإطلاقية، ويقينيات أحكام القيمة التي يطمئن إليها ويضمنها في فتاواه المتخلفة، وخطبه الكهنوتية، لأنها تريحه من قلق المعرفة العلمية، وتعفيه من أسئلتها الحارقة، كونها تصب في قناة حاجاته ومستنقع أهدافه، من خلال القطع المتعسف بين تاريخية الوقائع والنصوص التراثية التي تزامنت معها، وانعكست فيها، استنادا إلى منهج خطابي يدغدغ العواطف وينوم العقول بالتغبية، مستخدما لغة بيانية تلهب حماسة الجماهير / الغوغاء، لاستدرار عطفها، طمعا في استمالتها، مستغلا ثقتها العمياء بالمقدس وفضاءاته المتعددة (مساجد، مزارات...)، وتنامي حاجاتها الروحية التي تشكل بالنسبة لها تعويضا وهميا لحاجياتها المادية، ومتطلباتها المعيشية المتنامية، وكذلك تنفيسا عن أزمتها الخانقة في ظل الاستبداد والاستغلال المكثفين، وتصريفا لعقدة الاغتراب أمام المنجزات التكنولوجية التي أوصلنا إليها العلم الحديث، وفي غياب الثقافة الديموقراطية، ومحاربة العقلانية والإبداع الحر، مع زيادة جرعة النرجسية الدينية لديها (الجماهير)، ورفع منسوب التعصب للذات وإغراقها في الهذيان الديني الذي يعني الميتا تاريخ، ليصبح المتحكم الوحيد في تفكيرها وسلوكها اليومي، مما يعطي لذلك الاتجاه الديني الذي يقف وراء هذا التجهيل الزاحف على المجتمع، إمكانيات اكبر، وفرص أكثر، ويمنحه مجالا أوسع لتدجينها والسيطرة عليها، ويسهل انقيادها وتوجيهها إلى الوجهة التي يريدها خدمة لمصالحه الضيقة ولمصالح أسياده البرجوازيين، بعد أن هيأ الأرضية اللازمة لذلك، أو ما يسميه غرامشي "الهيمنة الثقافية" للوصول إلى السلطة السياسية... وهنا تتجلى انتهازيته وتكمن خطورته وخطورة نزوعه الفاشستي بالتحديد... مستفيدا من مصادر التمويل المرصودة له، خاصة أموال البترودولار، وغنائم الحروب التي يخوضها بالوكالة، وعوائد الفيء التي يستهدف من خلالها الأفراد والمؤسسات، بالإضافة إلى فوائد تجارة الهامش وغسيل الأموال، مستعملا في نشر أفكاره الظلامية وسائط الاتصال الحديثة المتوفرة لديه، من قنوات فضائية، دور نشر، جرائد، مواقع إلكترونية...إلخ في أكبر عملية خداع وتضليل لرسملة الدين يعرفها التاريخ، وتسييد المنطق التجاري الموازي لها (فالشركات الإسلامية لتوظيف الأموال تنسجم مع التوجه الرأسمالي الطفيلي)، وذلك باختراق قطاعات اقتصادية واجتماعية ومؤسساتية مختلفة، تؤمن له الاغتناء السريع والفاحش، ضد مقاصد الدين نفسه، يفسره دفاعه المستميت عن الملكية الخاصة وتقديسها تقديس أعضائه لشيوخهم، وميل المنتسبين له من المتأسلمين الطفيلي إلى الاستهلاك واللذائذية، لترسيخ النزعة الغرائزية في أوساط الشعب، والاستفادة من ذلك في تدجينه، تساوقا مع تبخيسهم لثقافة الإنتاج، وازدراء محفزاته وتحقير قواه الاجتماعية من عمال وفلاحين.. والتعامل معهم بانتقائية، خصوصا، أولئك الذين يستجيبون لأطروحاتهم الإيديولوجية التي تشكل عامل استقطاب مهم لهم؛ كل ذلك يدور فيه بإيعاز من فتاوى الدعويين وخطب السياسيين، ويحدث تحت ذريعة نشر الدين وتوسيع نطاقه ليشمل كافة مجالات الحياة...عن طريق اجترار مقولات ضحلة،ومفاهيم أكثر فسولة وابتذالا، وبعيدة كل البعد عن واقعها التاريخي الذي تولدت فيه تلك المفاهيم في نسختها الأصلية والواقعية، قبل استنساخها ومسخها بسخام الظلامية التي خاض معها العقل المستنير صراعا مريرا، في ليل طويل تلوح من بين طياته تباشير الفجر الأولى...كيف تستقيم مفاهيم من قبل نمط الإنتاج الإسلامي الذي ليس في حقيقته إلا فقه المكاسب، أو الدولة الإسلامية؛ مع أن الدولة لا تتحدد بنوع الدين السائد فيها، بل بنمط الإنتاج الذي يحدد شكلها وطبيعتها الطبقية ؟ أو الاقتصاد الإسلامي رغم أنه مفهوم غير تاريخي وبالتالي غير علمي؟ إذ لا يكفي أن يضاف لفظ إسلامي أو إسلامية، حتى تكون له مكانة بين المفاهيم المؤسسة للمعرفة العلمية، أو يسقط ما في الذهن على الواقع، ليخضع الواقع لرغباته / نزواته...ونكتفي بهذا القدر من الأمثلة التي تتلبس فيها المقولات الجوفاء، لباس المفاهيم العلمية، بحيث لا تستقيم لأول خطوة تخطوها في مشيتها العرجاء، على درب الجهالة والانحطاط الذي لن تخرج منه إلا كمومياء محنطة في توابت اللاهوت إلى متحف التاريخ وعلى أكتاف الثورات الاجتماعية القادمة؛ مقولات تسقط صرعى أمام معول النقد العلمي والاختبار التاريخي على أرض الواقع، نتيجة التناقض الصارخ فيها: تاريخية أنماط الإنتاج وماديتها مقابل مثالية الأديان وغيبيتها، كما يمكن للدين الواحد أن يعايش / يتعايش مع عدة أنماط من الإنتاج، والعكس صحيح؛ أي، أن تتواجد عدة أديان، جنبا إلى جنب، قد تكون على نفس القدر من الندية، خلال مرحلة نمط إنتاج معين، أما الدولة فتتحدد بمدلولها الطبقي، ووظيفتها النظرية والعملية، لا بصفتها الدينية كما يتوسلها لها عقل فقهي، هو وليد نشاط إيديولوجي تلجأ إليه الطبقات الحاكمة، ذلك أن التحديد اللاهوتي للدولة جعل منها كيانا خارقا ذا طبيعة سماوية ميتافيزيقية؛ والاقتصاد بدوره على نفس المنوال، وفي ذات السياق، لا يتخذ الصبغة الدينية، حتى وإن كان الدين من الناحية الإيديولوجية مسخرا لخدمته تنظيميا في الغالب، بل يتحدد من الناحية الإنتاجية بالأساس؛ فالاقتصاد مستوى من مستويات البنية الاجتماعية وليس جوهرا خارج التاريخ...
إن تحوير الصراع الطبقي عن مجراه الحقيقي، سعيا لإبطال مفعوله في محاولة لإخفاء واقع الاستغلال القائم، وتعطيل كل فعل نضالي تحرري ذا منحى تقدمي "عبر فرض ضغط ديني متزايد على الجماهير الكادحة" حسب هادي العلوي، أي تسييد مناخ ديني عام بواسطة تقوية حاجات دينية متنامية، تكون قاعدة خلفية تتكأ عليها القوى الرجعية لتأبيد سلطتها، هي المهمة الرئيسية الموكولة لهذا التيار الديني المتأسلم، حيث يقوم بها باستحقاق وجدارة تكافئه عليهما البورجوازية ومن ورائها الإمبريالية بأعظم سخاء، وجزيل عطاء، مفسحة مجال التوسع والتمدد أمامه، لهذا نجد أن الدول والجماعات الدينية الأكثر عمالة أو استعدادا للتعامل مع الاستعمار، هي الأكثر تشددا في التعاطي مع الدين (السعودية، أفغانستان، الإخوان المسلمون، الحركة الوهابية...) لهذا فإن تحليل الخطاب الديني بمنهجية علمية، وتفكيك بنيته على ضوء المنهج المادي التاريخي أساسا، مع الاستفادة من بقية المناهج العلمية الأخرى، وقراءته باستعمال العلوم: كسوسيولوجيا الأديان، تاريخ الأديان المقارن، الانتروبولوجيا...إلخ يكشف طبيعته الرجعية، ويفضح منطلقاته الرخوة، ومسلماته الهشة، التي لا تصمد أمام مبضع النقد، إذ لا تماسك منطقي يسندها، ولا موضوعية علمية تدعمها، لضعف المرجعية التي يقوم عليها، ولأن التناقضات الصارخة تشرخ هيكله المهترء، وتعري حقيقة الأهداف التي يرمي إليها، والمكامن/ الكمائن، التي ينطوي عليها، فكل إناء بما فيه يرشح.
يعتمد الخطاب الديني على المصادر السماعية-الشفاهية (العنعنة) التي تعكس عالما بدويا متخلفا (عالم الزراعة المنفعل، عكس عالم الصناعة الفاعل) حيث يستقل اللفظ عن المعنى، ويحل محل المفهوم، انطلاقا من سند سلفي يحث على التحصيل ويستثني إنتاج العلم والمعرفة لعداءه الشديد لهما، ولإدراكه مدى الخطورة التي يشكلانها على أساساته، فمن منطلق قياس الغائب على الشاهد، ورد الفرع إلى الأصل، والبناء على الدين، وإصدار حكم القيمة على الاستثناء، يصبح النص المغلق هو السلطة المرجعية الوحيدة للفكر الظلامي الذي يغيب العقل، ويحنط اللغة في قوالب جامدة، لا فرق بين المعتدلين والمغالين فيه لأنهم جميعا لهم منطلقات واحدة ومنهجية أحادية الجانب، إضافة إلى أنهم متوافقون ابستمولوجيا، وإن اختلفوا مذهبيا، بإعطائهم الأولوية للتعبير على التفكير من خلال الانشغال بموضوعات هي نصوص وليست وقائع، ورغم كون النص ثابت والوقائع حياة متجددة وصيرورة متدفقة تقوم العلاقة بين مختلف عناصرها على الديالكتيك، وليس على الترادف والاقتران، فإن الإيديولوجية الدينية تغيب السببية المادية ولا تعترف بالقوانين، هذا الذي يصب في خانة الرؤية السحرية للعالم التي تكرس الغيب والأساطير، وترجع كل الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية...وما تسفر عنه من نتائج إلى علة واحدة وجوهر غيبي واحد هو الله، ولأنها مصابة بعقدة الأنا المتضخمة وبمرض العظمة المزمن، تقوم بشخصنة التاريخ؛ إذ تغالي في تقديس وإبراز دور الأفراد من أنبياء، ومشاييخ، وسلاطين...في تشكل التاريخ على غير حقيقته، وإظهاره بمظهر الخاضع الخنوع لمعجزات وبركة أولئك الأفراد الاستثنائيين، ويظهر اليقين الديني حاسما وقاطعا في تثبيت ذلك الاعتقاد الأعمى الذي أصبح لدى حاملي تلك الإيديولوجية من المسلمات التي لا يأتيها الشك من بين أيديها ولا من خلفها، في خلطة عجيبة ومقصودة بين الدين والفكر دون توضيح للعلاقة الملتبسة التي تجمعهما، ولا للفرق الواضح القائم بينهما.
إن أي دراسة تتناول الحركات الدينية عليها أن تذهب مباشرة إلى برامجها السياسية والاقتصادية؛ فالحكم عليها سلبا أو إيجابا، يجب أن يكون على أساس وظيفتها الاجتماعية، وموقفها من التغيير والقضايا الجماهيرية، وعلى تحليل تركيبتها الطبقية وتحديدها تحديدا علميا دقيقا، وتبيان طبيعة ارتباطاتها الداخلية والخارجية، وليس الاقتصار على أفكارها المجردة وتصوراتها الميتافيزيقية، والوقوف على علاقة الوعي الديني بشروطه الاجتماعية، لأن إنتاجه أو إعادة إنتاجه كشكل تاريخي محدد من اشكال الوعي الاجتماعي خاضع للتغير والتبدل، فالوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي الاجتماعي وليس العكس.
فانطلاقا من تعدد أشكال الوعي، يتعدد الوعي الديني كذلك، لتعدد القوى الاجتماعية المتصارعة في ميدان الصراع الطبقي، وتنازع أغلبها حق التمثيلية الدينية (الدين الرسمي، الدين الشعبي، الدين المؤسسي...كثرة التفسيرات والمذاهب والتأويلات...) وهو ما أشار إليه غرامشي" ما يوجد بشكل دوري هو تمازج متبدل للقديم والجديد، هو توازن للعلاقات الثقافية التي توافق توازن العلاقات الاجتماعية"، فالدين بشكل عام كما سلف الذكر، شكل من أشكال الوعي الاجتماعي، بل هو الشكل الأكثر تدهورا من بين اشكال التعبير الإيديولوجي كما بين ماركس؛ فهو "تعبير متدهور عن واقع متدهور" على حد قول جورج لوكاتش، وكتب انجلز بهذا الخصوص موضحا:" إن الدين هو في واقع الأمر انعكاس غير مادي في عقول الناس لقوى تسيطر عليهم في حياتهم اليومية" وبما أنه حسب غرامشي "فلسفة طفولة البشرية" فإنه يقوم على الإيمان والاعتقاد الراسخ لأنه تشكل في مرحلة تاريخية لم يعرف فيها الإنسان العلم القائم على العقل والتجربة بعد إلا في حدود ضئيلة جدا تكاد تكون دون تأثير يذكر، وعكس الدين جانبا من معاناة الإنسان، وفي ذات الوقت رفض الإنسان لتلك المعاناة في محاولته الإفلات من مخالبها، خلق عالما بديلا كتعويض له في الماوراء، وهو ما عبر عنه ماركس في كتابه: نقد فلسفة الحق عند هيغل" التعاسة الدينية هي في شطر منها تعبير عن التعاسة الواقعية وهي من جهة أخرى احتجاج على التعاسة الواقعية،" لهذا كله فإن الماركسية اللينينية لا تعادي الدين من حيث هو دين في حد ذاته، لأن الإيمان الفردي مسألة خاصة وعلاقة نفسية ذات بعد شخصي، بل عندما يتم استغلاله في فرض الاستبداد وتبرير الاستغلال، وهذا ما يحدث في الغالب مثلما برهن على ذلك ماركس في "العائلة المقدسة" عندما اعترض بشدة على آراء الهيغليين الشباب وانتقد موقفهم من الدين لما جعلوا منه عدوهم الأول والرئيسي، وهو موقف بوعي أو بدونه لإخفاء العدو الحقيقي كعدو طبقي، وأعلن مع انجلز في "الإيديولوجية الألمانية" "إن خصومنا هنا على الأرض ولا يليق أن نهرب من هذه المواجهة لنصطنع خصوما في السماء"، ولما كان الدين كذلك إيديولوجيا فهو ينطوي على مصالح طبقية ومطامع سياسية، فالقضايا الدينية، إذن، تتضمن صراعا اجتماعيا، وكل ممارسة دينية تستبطن لا شعورا سياسيا، لذا لا يمكن مصادرة فكرة المواطنة بفكرة الإيمان أو التدين مع اختلافه وتمايزه، كما لا يمكن مصادرة حق البشر في تقرير مصيرهم السياسي (نوع الحكم الذي يتلاءم مع طموحاتهم المشروعة) والاقتصادي (أسلوب نمط الإنتاج الذي يتناسب مع المرحلة التاريخية التي هم فيها) والاجتماعي (التوزيع العادل للثروة بما يضمن حقوقهم في خيرات الوطن كاملة...) لا يمكن إذن مصادرة كل ذلك بمبدأ الحاكمية لله تكريسا للاستبداد باسم الحق الإلهي، وتثبيتا للاستغلال تحت ذريعة سنة الله في خلقه، يرزق من يشاء بغير حساب، إهدارا للبعد التاريخي بالاستناد إلى نصوص تراثية منغلقة ومتزمتة (خاصة تراث المدرسة الحنبلية كما جاءت في كتابات ابن تيمية ق 14 الذي حرم المنطق والفلك والرياضيات وكفر الشيعة، المتصوفة، الفلاسفة، المعتزلة، وحتى الأشاعرة ...) ورفع تلك النصوص إلى مستوى المقدس الذي لا يقبل النقاش، فبالأحرى النقد، كما أن التيارات المتأسلمة تتجاهل الاتجاهات التقدمية في التراث ذات المنحى العقلاني- التنويري كالمعتزلة مثلا، ولوامع الفكر النقدي والفلسفي في حضارتنا العربية والإسلامية، أمثال ابن الراوندي، الرازي.. المعري الذي قال ممتدحا العقل رافعا من مكانته إلى مصاف النبوة:" أيها الغر قد خصصت بعقل / فاسألنه فكل عقل نبي" والقائل أيضا:" اثنان أهل الأرض: ذو عقل بلا دين وآخر دين لا عقل له"، كما تنتصب الاتجاهات المتعصبة لوأد كل إرهاص عقلي يقترب من مكانتها في مهده ولو تطلب ذلك اللجوء إلى استعمال العنف حتى وإن اتخذ فقط للتدليل على الغيب، وهذا مع وضحه الجابري بقوله:" فالعقل هنا مع المعتزلة وهناك مع الشافعي مجرد أداة...فهو في جميع الأحوال في خدمة الكتاب والسنة وليس بديلا عنهما" أو تقوم بتشويه وتسفيه سير شخصيات ثورية ثارت في وجه الظلم المدثر بالعبادة الدينية أمثال أبو ذر الغفاري، غيلان الدمشقي، حمدان القرمطي... ومهاجمة كل من حاول قراءة الدين قراءة معاصرة كما حصل مع طه حسين، علي عبد الرزاق، نصر حامد أبو زيد في مصر، ومحمود أحمد طه في السودان الذي تم إعدامه في عهد الديكتاتور جعفر نميري بتواطؤ مع رموز الظلامية السودانية، دون أن ننسى ما حصل عبر التاريخ من ملاحقات وتصفيات طالت أقطاب التصوف الإسلامي، خاصة الاجتماعي منه الحلاج، السهر وردي...بالإضافة إلى معاداة المنطق وكل فكر حر نقدي؛ ألم يقولوا "من تمنطق تزندق" "المنطق يقود إلى الفلسفة وما يقود إلى الكفر كفر" وتغدو مقولة الترمذي:" من أصاب في القرآن بالرأي فقد كفر" بوصلتهم نحو التكفير، ويصبح التعصب الأعمى حصانهم الجامح، لشن غارات الحرب المقدسة على الآداب والفنون بإعلان تعارضها مع العقيدة واعتبارها نتيجة تأثيرات أجنبية معادية للإسلام، باللجوء إلى حرفية النص لإثارة صراع مفتعل مع الدين، لتغييب المشاكل الحقيقية وإلهاء الشعب بقضايا هامشية وثانوية، واستغلال ذلك بانتهازية سافرة وحساسية مفرطة لتكفير المثقفين المعارضين لتوجهاتهم وتوجهات أسيادهم وإهدار دمهم: عمر بنجلون، مهدي عامل، حسين مروة، فرج فودة... واللائحة طويلة، في وقت تزداد فيه عقدتهم اتجاه المرأة وقضاياها التحريرية تضخما كلما تم إ يثار الحديث بشأنها؛ إذ تشكل الموضوع الأثير لديها، والوتر الحساس لتجنيد الأتباع الذين يوفرهم المجتمع البطريريكي وأعرافه الذكورية التي تلهب العداء القائم على التمييز الجنسي، أما عداءها للماركسية فما بعده عداء، وله أسباب وأسباب...إذ تختزلها في الإلحاد لا غير، مع أن الإنسان استقل عن الله بديكارت وليس ب ماركس كما أعلن مهدي عامل في:" نقد الفكر اليومي" ولا يتم الحديث عليها ــ الماركسية ــ إلا وهي مقرونة بالغرب على نحو تضليلي مخادع، وبشكل مقصود لا مجال لحسن النية فيه طبعا، لاستمالة الجماهير المناهضة للإمبريالية التي تتركز في الغرب بالأساس ...والتي تستعملها وتوظفها كورقة تخويف وفزاعة للضغط على الدول والشعوب حسب المعادلة التالية: إما مزيدا من التبعية أو ندفع بالحكومات الإسلامية إلى مقاليد الحكم والسلطة، إما أن تقبلوا بالأنظمة الاستبدادية أو نحرك عجلة الظلامية، وما أدراك ما الظلامية ؟! فهي مستعدة للتحالف مع الشيطان حتى.. لمحاربتها- الماركسية- ومحاربة الشيوعية وملاحقة الماركسيين مثلما حصل في أفغانستان، أند ونسيا، السودان... والأمثلة كثيرة في حين أن "نقض الماركسية للدين موقف طبقي، لا يطمح على إزالة الدين بل إلى تحطيم المجتمع الطبقي" مثلما وضح المفكر فيصل دراج، لأنها تخشى على مصالحها ومصالح من يقف وراءها والماركسية تهدف إلى الحرية الكاملة للإنسان وتحقيق كينونته، عكس الأيديولوجية الدينية التي تزيف الواقع وتشوهه، ثم تروج لفلسفة القبول بالأمر الواقع والتسليم به، وتكبل الحرية بقيود ما ورائية وترهنها بأوامر ونواهي جزافية محاولة تثبيت واقع مضى، وبالتالي تثبيت إيديولوجي لظروف وعلاقات تجاوزها الزمن وخلفها وراءه...إن خوف التيارات الدينية من الشيوعية يعكس حقيقة الخطر الذي تستشعره على مصالحها الدنيوية بالأساس، وليس على الدين الذي تدعي الدفاع عنه، وقد صدق ميخائيل نعيمة عندما قال ساخرا:" الدين الذي يخشى الشيوعية، الشيوعية أفضل منه".
يعتبر الاستبداد الديني أشد أنواع الاستبداد خطورة لأنه قائم على الوثوقية العمياء، وعلى نهج التهويل لزرع الرعب الذي تتغذى منه في النفوس، تمهيدا للإطباق على المجتمع وإخضاعه للسيطرة المطلقة؛ والديكتاتورية الدينية أخطر أنواع الديكتاتوريات لأن لها جرعة زائدة في العنف والإرهاب والتعصب، ولنا أمثلة عديدة تشهد على ذلك (إندونيسيا، أفغانستان، الصومال...إلخ) "لأن الدين بقيامه على الإيمان هو من مقومات الشخصية القمعية" حسب هادي العلوي الذي كشف عن عقدة خطيرة ناتجة عن الدين سماها "الوجدان القمعي" مؤكدا في نفس السياق "أن القمع لا يشترط الدين، فأسبابه (القمع) ودواعيه متنوعة في حين أن الدين يستدعي القمع" هناك عوامل عدة تساعد حتما على ذلك، وتزيد من تأجيج الحقد، وإقصاء الآخر بكل الوسائل الممكنة بما فيها الإرهاب المسلح لخلق حالة رعب دائم على غرار ما يحدث داخل الجامعة، بحكم طبيعة التربية التي تنتج الكراهية الدينية بالقهر والحشو والتلقين، وإعلام يقدم الجهل أكثر مما يقدم العلم والمعرفة، ويخلق أساطير وخرافات حتى ولو تعارض ذلك مع الواقع الموضوعي، ويعيد إحياء كل أشكال الاستلاب التي تشيء الإنسان وتسلعه وهو الذي يعتبر امتدادا واستطالة للطبيعة.

الدين والسياسة حدود التماس وعلاقة الالتباس:

"لقد كان الناس وسيظلون أبدا في حقل السياسة ضحايا سذج، يخدعهم الآخرون بل ويخدعون أنفسهم ما لم يتعلموا استقراء المصالح الطبقية بين أسطر الخطب والبيانات والمواعظ والدعاوى الدينية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية" لينين.

تحتم علينا المواجهة كمناضلين شيوعيين ضد القوى والاتجاهات اليمنية الرجعية، بمختلف تلاوينها ومذاهبها التي تتستر وراء الدين لتحقيق مآرب سياسية محضة، وأهدافا مادية صرفة، في إطار الصراع الطبقي الشامل والذي نسعى إلى تأجيجه في أفق حله حلا ثوريا كتناقض رئيسي يخترق البنية الاجتماعية، منه تتفرع بالضرورة باقي التناقضات الأخرى، عوض تضامنه وتساكنه الذي تعمل الطبقات الحاكمة الرجعية مسنودة بالقوى الظلامية وأيديولوجيتها الدينية على تأبيده بكل الوسائل المتاحة لها، وفي مقدمتها الدين لأنه يخدم مصلحتها بالذات، لهذا تمنع بالقمع المادي والرمزي أي نزوع تحرري يرتكز على منهج نقدي وفكر عقلاني يستند على الجماهير الشعبية ذات المصلحة الأولى والأخيرة في التغيير الجذري وإقباره في المهد، وتحاصر أي إمكانية لدراسته دراسة عملية موضوعية في إطار وحدة الظاهرة الدينية، وإن كان هناك اختلاف في الخصوصية، لأن الدين بصفة عامة له جذر واحد مشترك منه تكون بدءا من الإحيائية مرورا بالمرحلة الطوطمية.. ثم تطور بعد ذلك تبعا لنمو العامل الاجتماعي والاقتصادي عندما ظهرت قوى اجتماعية متسلطة إلى جانب أخرى طبيعية قاهرة، ومن هنا قول ماركس" صاحبت ولادة الأديان الكبرى ترسيخ دعائم الدولة تشكيل الأمم وعدائية الطبقات" إن من شأن إعمال العقل العلمي الموضوعي نقيض العواطف الوهمية الذاتية في مقاربة هذا الحقل الملغوم، وتحديد الموقف الثوري السليم منه والالتزام به والعمل على ضوءه، ارتكازا بالخصوص على الفكر الماركسي اللينيني وموقفه العلمي من الدين، أن يزعزع أركان السيطرة الطبقية للطبقات الحاكمة، ويهدد بقاءها وبقاء تحالفاتها المشبوهة.. من هنا نجدها أشد حرصا من غيرها على استغلال الدين استغلالا فاضحا في برامجها السياسية، وتطبيقاتها الاقتصادية، واختياراتها الثقافية.. التي تؤمن لها تجدد السيطرة، وتواجه بالتالي كل محاولة جريئة لرسم الحدود بين المجالين الديني والدنيوي والفصل بينهما الذي يعتبر ضروريا من منظور الصراع الطبقي وزاوية النظر فيه أولا ولأنه مسعى إنساني تقدمي ثانيا..بما يحفظ لكل منهما فضاءه الخاص به حتى لا يكتنف الاثنين معا، غموض العلاقة الملتبسة الناجمة عن تداخلهما في إطار الدولة الدينية وارتدادتها الإيديولوجية المعاصرة التي تقف بالمرصاد، لأي تحرك نضالي يستهدف نزع قناع المقدس عن المواقف السياسية والبرامج الاقتصادية الموازية لها والاجتماعية المنبثقة عنها، لأن من شأن ذلك خصوصا إذا اتخذ منحى جماهيريا شعبيا كما أسلفنا جعل أوجه الصراع المقنعة تبدو سافرة، وإظهارها على حقيقتها كصراعات طبقية بين مختلف القوى والطبقات الاجتماعية، لا كصراع بين الإيمان والكفر، أو بين الفرد والجماعة..الخ من التنويعات والتخريجات التضليلية لطمس حقيقة ذلك التناقض المحوري الذي يخترق البنية الاجتماعية في محاولة يائسة وبائسة لإلغائه، وهو المتمنع عن ذلك، وإفراغه من مضمونه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وجريا كذلك وراء تشويه باقي التناقضات الناجمة عنه وتنميطها حسب مقتضيات الصراع نفسه، وهذا ما تقوم به الطبقات الحاكمة في البنيات الاجتماعية الكولونيالية، سائرة على نهج من سبقها من القوى الطبقية التي سيطرت عبر مختلف مراحل التاريخ منذ أن انقسم الناس إلى طبقات متناحرة، وهو ما كثفه لينين في هذا النص العميق الدلالة والصارخ في ملامسته حقيقة الواقع الغني بتعقده "تحتاج كل الطبقات المضطهدة لصيانة سيطرتها إلى وظيفتين اجتماعيتين: وظيفة الجلاد ووظيفة رجل الدين، فيقمع الأول احتجاج واستنكار المضطهدين، ويواسيهم الثاني ويمجد تعاستهم وشقائهم من خلال آفاق تبقي سيطرة الطبقات أي أنه يصالحهم مع هذه السيطرة ويحرفهم عن الفعل الثوري ويحارب تصميمهم الثوري" أي أن الدين يشكل بديلا زائفا للصراع الطبقي لأن أكثر الناس بؤسا هم أشدهم حاجة إلى السلوان، وهذا ما تؤكده مقولة ماركس الشهيرة "الدين أفيون الشعوب" ويثبته قول انجلز في "أنتي دوهرينغ" الديني ليس إلا الانعكاس الخيالي في رؤوس الناس لتلك القوى الخارجية التي تتحكم بوجودهم اليومي، فهو انعكاس تتخذ فيه القوى الأرضية شكل قوى فوق أرضية" أما الله حسب التحليل النفسي فهو ضمير الإنساني الأخلاقي الذي يعذبه طول فترة اغترابه، إن إخفاء واقع الاستغلال وراء ستار أسود من التبريرات المستوحاة من النصوص الدينية بوصاياها وتعاليمها المنافية للعقل، والتسليم به كمعطى طبيعي ملازم للإنسان، كما فعلت الجبرية الإسلامية التي هيئت التربة الإيديولوجية اللازمة لحكم الأرستقراطيات العربية والإسلامية فيما بعد، هي مهمة رجال الدين وفقهاء السلاطين محدثي الانحطاط، تساعدهم في ذلك ارتباط الجانب العقائدي فيه بالجانب السياسي على نحو مباشر، كحالة الإسلام منذ نشأته الأولى مثلا.. حيث شكل تداخلهما تغول المؤسسات الدينية باعتبارها جزءا من أجهزة الدولة اللإيديولوجية ومن أهم دعاماتها، مما أعطاها القوة على إظهار كل هجوم سياسي يستهدفها ويستهدف بالتالي وظيفتها التثبيتية والتثبيطية، على أنه استهداف للدين كمعتقد، وإبطال فاعلية أي نقد يروم كشف تلك العلاقة الملتبسة بإشهار سلاح الدين نفسه، وجر معارضيها إلى معترك الحقل الديني عينه، والذي لها بالضرورة موقع القوة والسيطرة فيه، لأن من يملك السلطة السياسية يحتكر التأويل ويجد له مسوغاته النصية، وأي مواجهة من الموقع النقيض محكوم عليها بالفشل حتما، ولنا في اندحار الثورات الاجتماعية التي تلونت بالصبغة الدينية دليل على ذلك (الثورة البابلية، ثورة الزط، القرامطة..) وهو ما أشار إليه انجلز بصدد حديثه عن ثورة الفلاحين في ألمانيا التي تسربلت بغطاء ديني، كان أحد أهم إصابتها في مقتل.
ولما انبنى التاريخ كنقيض للأسطورة، فلا يمكن الجمع بينهما بأي حال من الأحوال بطرح بدائل هلامية تتنافى مع الواقع الذي يرفضها، فالارتفاع بالنسبي إلى درجة المطلق لإضفاء القداسة الأسطورية عليه سيرتد إلى مهزلة يسخر منها العقل، لاتسامة بالواقعية والموضوعية، ومن أسباب تخلف مجتمعاتنا العربية تدخل التفكير الغيبي في مختلف جوانب الحياة العامة وتداخله مع الملموس التاريخي، حيث يعكس التناقض الصارخ بين شكل تسيير الدولة والاقتصاد المستوحى من التحديث، والحياة الواقعية المرتبطة بالأرثوذكسية الدينية المتزمتة؛ واقع الأزمة التي تتخبط فيها البورجوازيات الحاكمة في منطقتنا العربية، وماله من تداعيات وخيمة على شعوبها المحكومة بالقمع والإرهاب الديني الذي يتصاعد يوما بعد يوم، ويتخذ أشكالا مسلحة بفعل عوامل داخلية، وتدخل العامل الخارجي الذي يؤججها ويزيدها احتراقا بإثارته النزعات الطائفية والعرقية التي تغذي التعصب الإسلاموي الموصوف بنزعتي "الجهاد الخارجي المقدس" المعروف بالإرهاب، والقومة الداخلية التي تساوي الفتنة (العراق، ليبيا، سوريا) كل هذا يحتم علينا كماركسيين لينينين من واجبنا إلى جانب باقي القوى التقدمية، الاستجابة لنداء العقل وللشروط التاريخية للمرحلة الراهنة التي تتطلب منا، كفاعل تاريخي، جرأة في التعاطي مع المسألة الدينية وإشكالاتها الحارقة، وذلك بتفادي انصاف الحلول "فالوسط سيف خشبي" بتعبير ماركس، وتجنب التردد والمواقف النفعية التوفيقية، كالمغازلة القائمة حاليا بين بعض التيارات الدينية الظلامية، واتجاهات انتهازية يمينية داخل القوى التقدمية، فكل المحاولات التي انطلقت في مختلف أنحاء العالم لخلق منظمات سياسية تمزج بين الإسلام والماركسية باءت بفشل ذريع إذ أن مصالحة العقل والإيمان مستحيلة استحالة الجمع بين العلم والخرافة، الفلسفة والدين، ولنا في التاريخ شواهد (حالة ابن رشد، مثلا أحد أكبر ممثلي الفلسفة التوفيقية من حيث الجوهر) وبعيدا كذلك عن النخبوية، والاختزالية بخصوص مطلب التحديث ـ التحديث المتحدث عنه هو: التحديث الاشتراكي الديمقراطي الشامل المغاير للتحديث الليبرالي الأحادي الجانب- ومطلب العلمانية بما هو انتماء إلى المستقبل، والذي أصبح ضرورة ملحة يستدعيه نمو وتعاظم الصراع الطبقي، ويضعه على رأس قائمة الأولويات في صراعنا الأيديولوجي مع الطبقة الحاكمة ورتلها الخامس المتمثل في التيار الديني المتأسلم، الذي يسندها كلما تصدعت مواقعها الإيديولوجية الأخرى، ويزودها بسلاح المواجهة الفكري، ويرفدها بمنومات يمكن أن تستعمل كذلك- للمفارقة التي تتضمنها- كمهيجات لمحاصرة المد الثوري وكبح تدفقه عند كل فورة أو تنامي يحركه، والأمثلة عديدة ومتنوعة: (الإمبريالية وخلق الجامعة الإسلامية في الجمهوريات السوفياتية لمحاصرة الثورة أيام لينين الذي تصدى لها بحزم؛ الحلف الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي لضرب المد التحريري المتصاعد آنذاك...).
إن فشل كل التجارب الثيوقراطية التي استفردت بالحكم على كافة المستويات والأصعدة، في تحقيق آمال الجماهير الحالمة بغد أفضل ومستقبل مشرق، بعد حملات التضليل والخداع الواسعة التي تعرضت لها، بل زادت كرست واقع التخلف والاستبداد وعمقت الاستغلال إلى هواة سحيقة يصعب ردمها، وجدرت التبعية إلى مستويات لا قرار لها؛ كل ذلك يعطي المشروعية لنضالنا من أجل العلمانية، بما هي فصل للدين عن الدولة: علمنة المستوى السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والمعرفي...كبديل عن المحاولات المتهافتة لأسلمة العلوم والمعرفة، وتشكيل القيم المجتمعية بواسطة التسطيح والتلقين على قاعدة التزمت والانغلاق، بجعل العلم يحتل مواقع اللاهوت فيها (المستويات المذكورة) وجعل العقلانية تزيح الميتافيزيقا من مواقع الحياة وأوجهها العامة، على درب النضال الطويل لتحقيق الاشتراكية؛ وإبراز أهميتها التي تنطلق من حاجيات مجتمعية داخلية (مطمح تقدمي اجتماعي يعكسه موقف سياسي بامتياز، يبقى مجال المقدس بعيدا عن الصراعات الاجتماعية وتفاعلاتها في إطار الوحدة الوطنية وضمان سيادتها) بتحفيزات ومحرضات خارجية( تهديدات أجنبية معادية- إسرائيل مثلا- التكتلات الإقليمية والعالمية...الخ) وتزداد ملحاحيتها –العلمانية- بالخصوص في البلدان التي لم تحقق الرأسمالية (المجتمعات الكولونيالية) لعوامل داخلية وخارجية، للقضاء على الصراعات الدينية، والنعرات الطائفية والمذهبية التي تشوه الصراع الطبقي وتشوش عليه، إضافة إلى أنها تهدد المجتمع بالتمزق والحروب الأهلية وتضعه على حافة التفكك والانهيار، إنها بهذا تدخل- العلمانية- ضمن ضروريات الوطن القصوى ليستمر في البقاء ويرتقي في الحياة، إن تحرير الدولة من الدين شرط ضروري لا محيد عنه لتوطيد اللحمة الوطنية والقومية، بما يسمح ببناء وإقامة وطن حديث قوي ومتماسك يضم مواطنين ينتمون إلى ديانات وطوائف مختلفة، ويتسع لنحل تنحدر من أعراق وقوميات شتى، تكون للجميع فيه حرية تبني المعتقد الذي يتلاءم مع حاجياته الروحية، ويناسب تشكله النفسي وتكوينه المعرفي، ويكفل حرية الضمير بالنسبة لغير المؤمنين (اللادينيين) الذين لهم حق عدم اتخاذ أي معتقد، كل بناء على قناعته المترسخة لديه على قاعدة احترام الآخر، والسماح للجميع على قدم المساواة بالتعبير عن أفكاره وآرائه بكل الوسائل المشروعة والممكنة، التي يجب أن تكون متاحة للكل دون تمييز أو إكراه، مع ما يستتبع ذلك من ملاحقات واعتداءات عنصرية، تزيدها نار الحقد والكراهية استفحالا وتأججا، وهذا هو مطلب ماركس في "نقد برنامج غوتا" لما كتب قائلا:" يجب أن يكون كل إنسان قادرا على تلبية حاجاته الدينية والجسدية، دون أن يحشر البوليس أنفه في ذلك".
وارتباطا بالموضوع ذاته، تجدر الإشارة مرة أخرى، إلى أن الماركسية اللينينية تنظر إلى الدين من زاوية موقفه من الثورة، يكون تقدميا بقدر وقوفه إلى جانب القوى الثورية، وينقلب رجعيا عندما يتخذ موقع العداء منها؛ وفي هذا الإطار دائما، يمكن أن يلعب دورا إيجابيا هاما في دعم الحركة الثورية خصوصا في مواجهة العدوان الخارجي والتصدي للاستعمار، ولعل نص لينين الآتي يوضح مسألة ظهور حركات دينية احتجاجية مناهضة للظلم والعدوان: "إن بروز الاحتجاج السياسي المرتدي ثيابا دينية هو ظاهرة تلازم جميع الشعوب في طور محدد من تطورها" إلا أنه في الغالب الأرجح كما دلت التجارب الماضية والحالية، يقف كحاجز في وجه الثورة، خصوصا لما بدأت تتضح معالمها الطبقية كثورة بروليتارية تستهدف نسف بنى المجتمع الطبقي، بوعي طبقي يؤسس له الفكر الماركسي ـ اللينيني.
من الضروري أن نشير كذلك إلى أن التاريخ لمكره وسخريته، قد ألقى- للأسف- على مسؤولية تحالف القوى الثورية بقيادة الطبقة العاملة في البلدان الكولونيالية، وهذا قدرها- إن جاز التعبير رغم نبرته الإيمانية- مهمتين مزدوجتين ومترابطتين في آن واحد:
1-مهمة تحقيق السيادة الوطنية كاملة، بالقطع الكلي والجذري، مع علاقة التبعية التي تجمعها بالإمبريالية من موقع التابع الضعيف.
2-مهمة القضاء على علاقات الإنتاج الكولونيالية بكل ما تتضمنه من هياكل وبنى قروسطية عتيقة ومعيقة للتقدم، وعلاقات بالية يعاد إنتاجها وقولبتها متجددة بتجدد علاقة التبعية المشار إليها أعلاه...وكلتا المهمتين فشلت فيهما البورجوازية التبعية فشلا ذريعا رغم مختلف التجارب والأطوار التي مرت منها، عكس البرجوازيات الرأسمالية الحديثة التي قضت عليها وبنت على أنقاضها علاقات إنتاج رأسمالية جديدة، ألغت بالضرورة الحروب الدينية والصراعات الطائفية في بلدانها بصورة عامة (مع بعض الاستثناءات الضئيلة جدا، الحالة الايرلندية...) لأن ذلك من مصلحتها الطبقية؛ وإن لم تلغي الفكر والتصورات الدينية لأنه لا يدخل في أجندتها، ولم تلغي الصراعات الاجتماعية، بل زادت كرستها؛ هذه الأخيرة لن تجد حلها النهائي حتما، إلا في إطار المجتمع الاشتراكي المفضي إلى الشيوعية حيث يستعيد الإنسان حرية كاملة دون نقص أو تجزيء، وتفاديا لكل التباس قد يحدث لدى المتتبع، وجب التأكيد أن الدولة العلمانية ليست بالضرورة دولة ديموقراطية بمضمونها الشامل، كحالة البلدان الرأسمالية التي تسيطر فيها البورجوازية سيطرة اقتصادية وسياسية وثقافية، وتمارس سياسة الكيل بمكيالين حيال المسألة الدينية:
أ- محاربة الدين، بمحاربتها بقايا الإقطاع، ولو على صعيد البنية الفكرية..
ب- استدعاء الدين في محاربتها للشيوعية بتنشيط جهاز قمعها الإيديولوجي وتشحيم دواليبه الدينية حتى لا يطالها الصدأ.
ومن هنا نستنتج أن العلمانية الحقيقية، وفي حدودها القصوى التي يجب الدفع في اتجاهها تعني: إلغاء التمايزات الطبقية عبر استئصال أسبابها، ونزع مولداتها، بالقضاء على نظام الملكية الخاصة، وإقامة نظام المنتجين الأحرار، ليستأنف التاريخ رحلته الإنسانية التي انقطعت منذ نهاية مرحلة المشاعية البدائية، يوم انقسم المجتمع إلى طبقات متناحرة سائدة وأخرى مسودة.



#خالد_بوزهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد بوزهر - نقد الإسلام السياسي من منظور ماركسي لينينيي