أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - تفروت لحسن - الإنسان الهجين و ثقافة - البغال -















المزيد.....

الإنسان الهجين و ثقافة - البغال -


تفروت لحسن

الحوار المتمدن-العدد: 4724 - 2015 / 2 / 18 - 20:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يقدم لنا تاريخ الفكر البشري عدة تعاريف لمفهوم الإنسان. هذه الحدود تحاول دوما إخراجه من دائرة الحيوانية المطلقة. فتصنفه كحيوان اجتماعي أو سياسي ( أرسطو )، أو حيوان عاقل( ديكارت )، أو حيوان أخلاقي ( كانظ )أو حيوان مريض ( نيتشه )، أو حيوان ناطق خلافا للحمار الناهق ( المناطقة )... بل نلاحظ أن الكثير من الفلاسفة لا يتداولون مفهوم الإنسان إلا في اقترانه ببعض الصفات، فنجد مثلا : الإنسان الأخير، الإنسان المتفوق، الإنسان الأعلى، الإنسان الصغير، الإنسان الجهول، الإنسان الظلوم والإنسان الحقير...و إذا كان هذا التباين في التناول يشهد على أهمية موضوع الإنسان، فإننا سنحاول أن ننظر في تعريف آخر للمفهوم. وهو تعريف نتميز به عن غيرنا. يتعلق الأمر بنعت البعض من الناس بصفة الهجين والبعض الآخر بالبغل. علما أن هاتين الصنفين تتميزان عن الإنسان الأصيل.
تبرير هذه المقاربة يقتضي تحديد دلالة الصفات المسندة للإنسان في هذا النظر. فماذا يقصد بحدي الهجين والبغل ؟ و ما هي المستندات التي تبيح هذا الإسناد ؟
التهجين - Hybridization -مفهوم فيزيولوجي، ينتمي إلى مجال علوم الأحياء. وهو عبارة عن إلقاح بين أفراد سلالتين نقيتبن تختلفان عن بعضهما بصفة واحدة أو عدة الصفات، والغرض منه هو الحصول على جيل أو فرد جديد يجمع بين صفات الأبوين معا، أو للحصول على فرد يزيد بصفاته على أبويه حيث كلما كان الفرق أكبر في الصفات كانت نتائج الهجين أكثر قوة و وضوحا، على شرط أن يكونا من صنف واحد. وكلما كان التزاوج بين أكثر من عنصرين يتحول التهجين إلى تشويه، فنكون أمام كائن مشوه – dégénré - ويطلق هذا المفهوم، في أصله، على المخلوقات الغريبة التي يصعب تحديد جنسها أو نوعها. بل تم نقل المفهوم إلى محال النعوت القدحية، ليقصد به الخلاسي. يل ليرمز إلى الكائن المنحط الذي هو في تراجع régression خلافا للمتقدم أو في طريق التطور généré.
وفي لسان العرب يحمل الهجين على مَنْ أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ أَعْجَمِيَّةٌ ، أَيْ كُلُّ كَائِنٍ حَيٍّ يَنْتُجُ عَنْ تَزَاوُجِ نَوْعَيْنِ أَوْ سُلاَلَتَيْنِ أَوْ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْن، والْهَجِينُ مِنَ الْخَيْلِ : مَا تَلِدُهُ بِرْذَوْنَةٌ مِنْ حِصَانٍ عَرَبِيٍّ.
ويشمل التهجين الدواب والطيور والنبات. وللتمثيل على ذلك نذكر :
- البغل Le grand mulet: حيوان أليف هجين ينتج عن تزاوج الفرس(أنثى الخيل) مع ذكر الحمار. أما الحيوان الذي أبوه حصان وأمه أتان (أنثى الحمار) فيسمى النغل. والبغل اكتسب العديد من صفاتهما المميزة أي من الفرس والحمار. وجمع البغل، بغال وأبغال، وتسمى انثاه البغلة والسفواء la mule. أما صوته فيسمى السحال والسّحيل والشّحاح والشّحيج.
-;- النغل Le petit mulet : هو حيوان هجين من سلالة الخيول يستخدم للركوب وحمل المتاع وينتج عن تزاوج الحصان وانثى الحمار (الاتان) ويسمى في بعض اللهجات بـ الشهري والفرق بين البغل والنغل ان النغل اصغر حجما واقل قوة من البغل لذلك يعزف الفلاحون عن تهجين هذا الحيوان.
-;- البغل الطائر Le mulet oiseau : وهو هجين طائر الحسون، والذي ينتج عن التزاوج بين أنتى الكناريcanari وذكر طائر الحسونchardonneret élégant, ويسمى في الدارجة المغربية مثلا : الميتسو.
-;- النبات الهجين : يلجأ المربي أحيانا إلى التهجين أو التلقيح الخلطي بين نباتين من سلالتين مختلفتين ليجمع الصفات المرغوبة في كل منهما فمثلاً يأخذ حبوب اللقاح من نبات معين وينشرها على ميسم نبات أخر بعد قطع أسدية هذا النبات حتى لا يحدث التلقيح الذاتي ثم يغلف زهرة النبات الذي نثرت عليه حبوب اللقاح بكيس نايلون حتى يمنع وصول حبوب اللقاح من نبات أخر وعندما تنضج البذور يزرعها فيحصل بذلك على نباتات جديدة تجمع الصفات المرغوبة في كلا الأبوين.
والمعروف عن الجنس الهجين أنه متصف بالعقم، فهو عقيم لا يتوالد ولا يتكاثر. فالبغل والنغل والبغلة لا يمكنهم التوالد. لدرجة تجعل العامة تربط بين فناء الدنيا وإنجاب البغلة. كما أن الطائر البغل – الميتسو – هو الأخر لا يتوالد. بل أكثر من ذلك يتصف الحيوان الهجين بالبلادة، إنه بليد. وهذا ما يجعل القوم في تجريحهم لشخص ينادونه بالبغل. وتتمثل صفة البلادة عند الهجين في البغل الطائر الذي يقلد بطريقة آلية كل الأصوات التي يسمعها دون تمييز. بل إن الهجنة تدل على انحطاط فرد أو نوعه. وقد يستخدم اللفظ لتعت فكر بالهجنة، أي الفكر الذي هو مجرد خليط من الآراء والمواقف. وهذا مثلا ما حكم به نيتشه على فلسفة سقراط، حيث اعتبرها إنتاج هجين ومنحط، بل انحطاط نموذجي.
فما علاقة الحيوان الهجين بصفاته، العقم والبلادة، بالإنسان ؟ وما مشروعية نعث بعض الإنسان بالهجين و البغل ؟
حتى لا نقع في الميز العرقي، يتطلب التعامل مع هذا الإشكال إبعاد مفهوم الإنسان الخلاسي، أي الناتج عن تزاوج عرقين مختلفين، لونا أو حجما...فما نقصده هو إعمال مجازي لمفهوم الهجين. فالمقصود هو التجوز باللفظ عن حقيقته الفيزيولوجية إلى المجال الثقافي. بمعنى أننا نستعمل اللفظ استعارا ومجازا في المجال الإنساني.
واستنادا لعلاقة التمثيل، فإن كل كائن بشري اجتمعت فيه صفة العقم، لا بمعناه الفيزيولوجي، وخاصية البلادة، أي التقليد، وعرف بالخلط بين الأشياء دون تمييز، يمكن تصنيفه بالهجين، بل بالبغل. وهدا للأسف حال الكثير من الجنس البشري، في لغته، ثقافته، سلوكه، مواقفه وأفعاله...
ويمكن أن نصادر على أن الإنسان الهجين، صاحب الثقافة البغلية، هو الذي اجتمعت فيه بعض الصفات أو كلها. بحيث أن هذه الصفات هي تلحقه بنوع الحيوانات الهجينة، والتي لا يتميز عنها إلا بالشكل والمظهر. ومن بين المميزات التي تضفي صفات الهجنة على الإنسان و البغلية على ثقافته، نذكر :
-;- للإنسان الهجين من البغال بدنها ومن العصافير عقلها، بل له بدن بغل وعقل طائر الحسون الهجين. بمعنى أنه يهتم فقط بسعادة البهيمة وينعم بالبلادة. وهذا الصنف موجود. انظر مثلا في مجتمعنا المعاصر، فالمظهر هو قيمة الشخص، والعقل هو جثته. وهذا ما أشار له أبو العلاء المعري، في لزومياته، بقوله :
وقد فتشت عن أصحاب دين..................... لهم نسك وليس لهم رياء
فألفيت البهائم لا عقول ............................تقيم لها الدليل ولا ضياء
-;- الإنسان الهجين هو ذاته الإنسان الأخير، إنه الجمل الذي يحمل الأوثان، أو البغل الذي يحمل الأسفار. إنه يظل يلوك لسانه بعبارات تصف الماوراء. فهو أشبه، في حديثه عن العالم العلوي، بسائح يصف في مذكراته ما رآه في رحلاته.
-;- الإنسان الهجين هو من يدعي أنه حطم عالم المطلقات، العالم الآخر، العالم الما فوق أرضي. فهو لا يعترف إلا بهذا العالم، عالم الهنا ةالان، لذلك تجده جامدا على الأوثان الجديدة التي خلقها. فيظل مشدود النظر وشارد الذهن في التفكير في المساواة والديمقراطية والمال والجريدة والكحول و...
-;- يصعب أن نميز، عند الإنسان الهجين، بين الذكر والأنثى، فالذكر يتشبه بالأنثى في روائحه، والأنثى تجري لتتطابق مع الذكر، في كل شيء، حتى في حلاقته وسيجارته...
-;- الإنسان الهجين هو المضاد للإنسان الأصيل. فالهجين هو اللئيم والحقير من الناس، علما أن الإنسان الحقير هو الذي ينسى الجميل عندما يجد البديل. فلا يعرف الهجين معنى الصداقة ولا المحبة. فصداقته هي مصلحته. ومثال ذلك علاقة الإنسان الهجين بصاحبه. فالمرأة عند للذكر الحقير والذكر بالنسبة للأنثى الحقيرة هي مجرد أداة جنسية يمكن تغييرها ونسيانها كلما توفر البديل.
-;- الإنسان الهجين هو الإنسان الصغير، الذي يؤمن بسلطة السيد والمعلم والأب. إنه العبد والتابع والمريد الذي لا يقوم له وجود إلا داخل القطيع، قطيع العبيد والرعية.
-;- الهجين هو خليط تتجمع فيه كل المواصفات، تقليدي في النهار وحداثي في الليل. مؤمن يوم ....وكافر يوم....ناقد لهذا النظام ومادح له. إنه منافق سياسيا وثقافيا واجتماعيا.
-;- لا يقتصر أمر الهجنة على الفرد، بل يشمل الجماعات الصغرى والكبرى. فنجد ثقافة هجينة، سياسة هجينة، حكومة هجينة، أسرة هجينة وتربية هجينة... وهده هي خصائص الإنسان صاحب الثقافة البغلية.



#تفروت_لحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - أنا مدمن، إذن أنا موجود، عفوا أنا معدوم -
- راهن الفلسفة ورهان الفكر النقدي
- إشكالية تحديد معايير اختيار الكتاب المدرسي بالتعليم المغربي
- نيتشه : الفيلسوف طبيب المجتمع
- لدروس الخصوصية لعلوم التربية : صورة جديدة لأزمة التعليم المغ ...
- - الفلسفة كما نحيا بها - : تجربة بيير أَضُو Pierre Hadot
- الفلسفة والتربية : الإبهام المزدوج
- في الحاجة الى -الفلسفة التطبيقية-
- الفلسفة في متناول الجمهور : انتعاش أم انكماش
- درس الفلسفة بين : - الأستاذ - الطبيب - و - الأستاذ - الكناشي ...
- بعض مفارقات - مفهوم العقل - عند عبد الله العروي
- في التربية على حقوق الإنسان


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - تفروت لحسن - الإنسان الهجين و ثقافة - البغال -