أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد نعيم فرحات - الكارثة تاتي من الايديولوجيا اولا















المزيد.....

الكارثة تاتي من الايديولوجيا اولا


محمد نعيم فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 4657 - 2014 / 12 / 9 - 20:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إن العقل السياسي السّوي ومنطقه وخصائصه واليات عمله كما تعهدها الدول الحقيقية ، لا تستطيع أن تفسير السياسة التي تنتهجها القيادات الاسرائيلية المتعاقبة في السنوات العشرين الاخيرة على وجه التحديد، لا بشأن القدس، ولا بشان استمرار الاستيطان، ولا إزاء التسوية السلمية كفرصة ثمينة ستعض عليها إسرائيل "العاتية" النواجذ بعد فوات الأوان ، كما لا يستطيع العقل ذاته أن يبرر حروبها المدمرة والخاسرة، وصولا إلى إفصاحها الأخير عن جوهرها الحقيقي من خلال القانون الحكومي الداعي لتأكيد يهودية الدولة، الذي تثبت من خلاله بأنها تشارك "داعش" نفس المنطق، ولا في إدراكها للمتغيرات الخطرة التي يشهدها الاقليم، التي تقطع كل يوم مسافة 24ساعة نحو حرب اقليمية عظمى( ستكون إسرائيل في قلبها بالقوة) باتت ضرورة وحاجة ماسة لإيجاد حلول لملفات الوجع والظلم والقهر والعدوان والاستباحة والهيمنة التي عانت منها المنطقة كثيرا، والمثير بان الطرف القادر على خوضها، والمستعد لأثمانها ، والذي يراها ويعد لها هو الذي يؤجلها ، في عين اللحظة التي يتعامل الجميع مع هذه الاحتمالية وكأنها واقعة غدا.ً

إذا، ثمة شيء اخر غير العقل السياسي وحكمته المفترضة، هو الذي يجب سؤاله لتفسير سلوك قادة إسرائيل من جهة ، وكذلك لفهم النزوع اليمني الذي يتجذر على نحو واسع عند التيار الرئيسي الغالب في رأيها العام من جهة أخرى، هو بالضبط رواسب الايديولوجيا والثقافة وأوهامهما الخطرة والمدمرة، وكارل ماركس الذي انتج واحدة من أعتى الايديولوجيات الوضعية، هو نفسه الذي قال محذرا "بان الايدولوجيا مصابة بزكام عدم التحول الى واقع" فكيف سيكون عليه الحال عندما يتعلق الامر برواسبها الصلبة وأمراضها وهلوساتها وتهويماتها، هنا بالضبط يمكن العثور على حشد من الأدلة التي تشير لغيبوبة الوعي الاستراتيجي عند قادة إسرائيل وعمى شامل في البصر والبصيرة يتحكم بهم.

ويستطيع عابر سبيل في السياسة ان يستنج بان مصلحة إسرائيل الإستراتيجية والوجودية، لا تحتاج للتمادي في تهويد القدس، ولا إلى خنق أهلها الأصليين، ولا إلى ارتكاب المجازر الجغرافية والقانونية والإجرائية التي تمس حياتهم وعواطفهم وروابطهم وعلاقتهم بالمحيط وبالأفق وبالهواء وبالأمل وبالسماء معا، كما أنها ليست بحاجة لاقتحام المسجد الاقصى، الذي هو، كما القدس وأكنافها، وديعة للسماء تركتها في الارض وفي خيال الناس ، اكثر مما هي حيز ارضي له معنى سماوي مكثف. بل على العكس لقد كان من مصلحة اسرائيل ودهاء تحققها اتباع سياسة تحاول ما استطاعت لذلك سليلا، ألا تذكر الناس في كل لحظة بأنها تحتل القدس ، وأن تعمل جاهدة على تجنب عودتها كبؤرة جذب وتوتر وتعبئة تتجه لها الأنظار من خلال ممارسات لا طائل من ورائها.

كما أن وضع إسرائيل غير مناسب لبناء مستوطنة، لا وظيفة سياسية او امنية لها، وليس من البراعة ولا من الذكاء في شيء، ابتداع "أدلة" وهمية تقنع بها نفسها، من أن محمود عباس والفلسطينيين لا يريدون السلام، وليسوا شركاء في صنعه، فيما الرد على المتغيرات الحاصلة في المنطقة عبر الاعلان عن اسرائيل "كدولة يهودية" هو تعبير عن وصول غباء القوة عند إسرائيل إلى ذروة مجنونة.

وعلى ضوء ذلك فإن كافة إجراءات إسرائيل وخياراتها في السياسة إزاء الفلسطينيين وحقوقهم، وفي تعاطيها مع اللحظة التي تمر بها المنطقة، لا تعبر عن وعي سياسي أو استراتيجي مناسب من زاوية مصالحها ، بمقدار ما تعبر عن استفحال مرضي إيديولوجي يجري تحويله لدليل عمل يحكمها ، يذكر العالم والعرب والمسلميين والمسيحيين الشرقيين ومعنيين آخرين بحقيقتها كدولة محتلة.
وبناء سياسات استنادا لمنظور إيديولوجي كما تفعل إسرائيل ،سيفضي بها كي تسجن نفسها داخل جدران خديعة، سيكون بوسعها فقط أن تتعقب من خلالها بنجاح كل فرض الهلاك لما انجزته سياسيا ، وفي مكان ما تثبت إسرائيل التي تحتل القدس منذ 47 عاما كتأكيد على صورتها في الخيال اليهودي منذ الفي عام، بأنها لا تعرف المعنى الكامن للقدس في الوعي والمخيال الجمعي لشعوب المنطقة، ولا في وجدان السماء معا، لقد ادت القدس كما فهمها وأرادها ووظفها الوعي الصهيوني غرضها وقسطها نحو العلا السياسي في الحشد والتعبئة من اجل اقامة دولة إسرائيل، واليوم ها هي تتحول لكتلة من لهب بين يدي إسرائيل أكثر مما هي غنيمة ثمينة كما كانت في زمن التأسيس للاحتلال كفكرة، ثم مرحلة العمل عليه كمشروع يقوم على الأرض.
ومن يخرب ممكنات السياسة ويهددها من خلال استيطان إيديولوجي ، ويحمي تماسك الايديولوجيا بثمن المغامرة في الاستراتيجيا والمصالح الملموسة،ويذهب من حرب خاسرة الى أخرى، ليعود بمزيد من الجروح العميقة في وعيه وفي قدرته، هو بالتأكيد "عبيط" يلعب بمصيره، بثمن باهظ يدفعه ضحاياه، وبثمن راهن يدفعه هو نفسه اليوم ، وسيدفعه غدا، دون أن تكون له المناعة الوجودية التي تمكنه من رصيد كاف للاستمرار في ممارسة "العباطة" وما يترتب عنها من أثمان، وإسرائيلي حصيف اسمه يهوشعفاط هركابي قال يوما"إن إسرائيل بحاجة إلى الإيديولوجية قليلا والى العقلانية كثيرا، وأنها بحكم طبيعتها لا تتحمل أي خطا وجودي" والعبيط المدجج بالايديولوجيا، هو خطر على نفسه وعلى غيره ولعبته مكلفة ومدمرة في آن.

***
في التراث الاسرائيلي ثمة سرديات كثيرة عن الكارثة، منها أن "الكارثة تأتي من الشمال" بالمعنيين: الحقيقي والمجازي للشمال، فيما خبرة الاحتلال الاسرائيلي المُستجدةِ تتطلب أن يضيف الاسرائيليون في سفر أقولهم، بان الكارثة قد" تأتي من الايدولوجيا أيضا"
وفي دولة لديها مشاكل عميقة في القدرة رغم حقائق قوتها الهائلة، فإن تحالف "العباطة" مع "ظلامية " إيديولوجية صلبة، مع "تكفير" سياسي وثقافي معا تشتغل في الزمن الخطأ وبالطريقة الخطأ، وتحويل هذا التحالف ومخرجاته لقيمة إجماع تحكم العمل السياسي الإسرائيلي والوعي الجمعي معا، وإلى عادة ذهنية وممارسة راسخة، هو أمر خطير يحصل بينما الزمن يتغير في اتجاه أخر تماما.

في دولة كهذه سيبدو من الجنون القول، بأن خلاص إسرائيل من مأزقها له طريق واحد فقط،، هو أن يَعتَرف الإسرائيليون بأن الدولة التي أنتجوها هي دولة احتلال، تهدد غيرهم كما تهددهم في العمق ، وان يؤمنوا بالتخلص من الاحتلال كثقافة وكممارسات وكمخرجات وكتعبيرات وكموروثات وكتراكمات، والذهاب نحو خيار الاندماج في السياقات التي يعيشون فيها، وفقا لمنطق الدولة الحديثة التي هربوا منها لإقامة " الدولة / الغيتو" مع ما يتطلبه ذلك من استحقاقات. والقول الذي يبدو جنونا من زاوية نظر المجنون هو الذي يتعين قوله له ، لحثه على التخلص من جنونه!!!
------------------
* كاتب وأستاذ جامعي من فلسطين



#محمد_نعيم_فرحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس: كأنها عودة-لشاهد- العقل السياسي!
- يا سميح القاسم-على دمشق الشام روحك راجعه-


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد نعيم فرحات - الكارثة تاتي من الايديولوجيا اولا