أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود بوعرفة - غربة الذات و إشكالية التواصل














المزيد.....

غربة الذات و إشكالية التواصل


داود بوعرفة

الحوار المتمدن-العدد: 4633 - 2014 / 11 / 14 - 00:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



لعل ما يميز ماهية الإنسان باعتباره ذاتية متفردة أنها لا ترنو إلى إقامة علاقة تواصلية حقيقة نظرا لتلك العلاقة الحميمية التي تكتنف ذاتية الإنسان. الأمر الذي يجعل من إقامة جسر التواصل بين الذات والآخر في غاية الصعوبة.
إن أهم مبدأ يمكن أن نأسس عليه هوية الإنسان هي ذاته، أي ذلك الإحساس بالحميمية الذي يحصن الذات ويحميها من الآخر، غير أن هذا الإحساس المنطوي على حميمية ذاتية يضع إمكانية التواصل في موضع الرفض الذاتي. صحيح أن الإنسان لا يمكنه العيش وحيدا، بل لابد له من الانخراط في الحياة الاجتماعية وسط الآخرين، إلا أنه لا يجد ذاتيته إلا مع ذاته عينها؛ فالفرحة بالحياة، والروح الفردية، والوعي الذاتي، والحركات والكلمات...إلخ كلها سمات وعلامات تعبر عن تجربة خاصة بالفرد صادرة عنه، وليس بمقدور الآخر أن يتملكها أو يستدمجها في ذاته.
يبقى إذن أن الوجود الحقيقي لا يكمن إلا في الذاتية، التي ترفض التواصل طبقا لطبيعتها وماهيتها المتفردة، وأما ما نلمسه من مظاهر النجاح في العلاقات الخارجية فينطوي في الحقيقة على فشل ذريع في التواصل مع الآخر الذي يسعى دائما إلى اختطاف فرادة الذات
وسجيتها عبر آلياته "التدجينية" والاستلابية القاهرة، إلا أنه يصطدم بذاتية محاطة بجدار عازل، وبحديقة خاصة تمثل سجنا حصينا يصعب اقتحامه. والحال هذه، ألا يمكن الحديث عن إمكانية للتواصل؟ ألا يمكن للإحساس والشعور الإنساني أن يوحدنا؟ ألا نثار نحن الإنسان إزاء مواقف تجعلنا في تواصل عاطفي مشترك؟
إن ما يميز عالم الإنسان هو أنه ينطوي على عوالم متعددة ومختلفة؛ فعالم الذات المتفردة ليس هو عالم الذات الغيرية، لأنه في الوقت الذي ينغلق فيه العالم الشخصي يكون عالم الغير قد أغلق من طرف الذات الأخرى، وهكذا فالفراق الغير قابل للالتحام هو ما يميز علاقة الذات بالآخر حتى في أعمق اللحظات الإنسانية مأساة وحزنا؛ فعندما أشاهد إنسانا مبثور الأطراف، أو ذا خلقة مشوهة، فإن إنسانيتي تثار وأحاول معانقة ما يعانقه، ولكن محال أن أشعر بذات الشعور الذي يكابده. وحتى لو اختبرنا نفس التراجيديا فإن الكييفيات التي تستدمج بها هذه الأحاسيس داخل ذواتنا تظل متباينة، لأن الإحساس لا يختبر حقيقته الكاملة إلا الذي أحس به، فهو مسألة شخصية نابع من تجربة ذاتية متفردة. ولكن ألا يمكن أن نتواصل حتى في أكثر المواقف مصيرية؟ ألا يشكل الموت حدثا استثنائيا تواصليا بين الناس قاطبة؟
لا شك في أن فكرة الموت تشكل أكبر هاجس وجودي يؤرق الذات، لكن تجربة موت الآخر تظل أكثر رعبا خصوصا إذا كان هذا الآخر ممن نحب؛ لأنها تجربة تولد، من جهة، أسئلة وجودية يستعصي على الذات أن تجد لها جوابا يطمئن نظرا لارتباطها بعالم آخر لا تستطيع الذات الوصول إليه. ولأنها من ،جهة أخرى، تحدث في الذات انشطارا عاطفيا رهيبا؛ فمن ناحية فزع و حزن الذات من نهاية قريبة تتربص بها، ومن ناحية أخرى شعور بالقلق والتوجس اتجاه مصير الآخر المائت، وكلتا الحالتان تضعان الذات في حالة تمزق. ومع ذلك كله تظل الذات غريبة ترقب الحدث أمام تجربة مهولة كهذه، لأنها تجربة ممتنعة عنها ولا تستطيع تغييرها أو التاثير فيها أو تقمصها مهما حاولت التخفيف من وقعها، فالموت لايهادن الذات مهما حاول الآخرون المهادنة.
إن فعل التواصل ينطوي على مفارقة كبرى؛ ذلك لأنه مرغوب فيه وليس في وسع الذات التنكر له، وفي الآن ذاته نجد الذات لا تأمن على ذاتيتها إلا بمعزل عن الآخر الذي يستحيل عليه التواصل معها ولو في إطار المؤشرات والتطابقات التي يستحيل التحقق من صحتها، فالمعاناة والمتعة والموت كلها تجارب وأحاسيس خاصة يستحيل على الآخر ان يتقمصها هي عينها.



#داود_بوعرفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما معنى أن يكون الإنسان شخصا؟


المزيد.....




- البنتاغون: انتصار روسيا في الصراع الأوكراني سيكلف الولايات ا ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر ملخص عملياته في رفح (فيديو)
- زخارف ذهبية وعرش خشبي.. مقاطع مسربة من -قصر بوتين- تكشف عن ...
- ممثلة إباحية تدلي بشهادتها عن علاقتها الجنسية بترامب في المح ...
- غموض يحيط بمقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر، ما الذي نعرفه عن ...
- محيطات العالم تعاني من -ارتفاع قياسي- في درجات الحرارة هذا ا ...
- بعد أشهر من المماطلة.. اتهامات تطال فون دير لاين بتجاهل وعرق ...
- اتفاق أوروبي على استخدام الأموال الروسية المجمدة لتسليح أوكر ...
- وزير مصري سابق يوضح سبب عدم تحرك جيش بلاده بعد دخول إسرائيل ...
- كيم جونغ أون يودع -سيد العمليات الدعائية- في كوريا الشمالية ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود بوعرفة - غربة الذات و إشكالية التواصل