أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رمسيس فؤاد صادق - زي امبارح















المزيد.....

زي امبارح


رمسيس فؤاد صادق

الحوار المتمدن-العدد: 4631 - 2014 / 11 / 12 - 04:38
المحور: الادب والفن
    


في صباح يوم الاربعاء السابق لعيد القيامة، المسمي بأربعية أيوب، يبدأ الناس بالذهاب إلي الحقول وإحضار بعض من نبات الرُعريع أو رَعرَع أيوب الذي ينمو على ضفاف الترع و المجاري المائية. كل فرد في العائلة يستحم في ذلك اليوم و يستخدم عيدان الرُعريع الخضراء، التي تشبه نبات النعناع البلدي، لدعك الجسم، كما تستخدم الليفة في أيام الاستحمام العادية. أثناء الاستحمام يغني الفرد بصوت مسموع : يا رُعريعَة رَعرَعيني و زي اليوم نجحيني، يا رُعريعَة رَعرَعيني و زي اليوم جوزيني،.... وعلي هذا المثال تغني أمنيات العام أثناء هذا الطقس الموروث عن الأجداد القدامي الذي لا يعرف أحد متي بدأ.
في الغرفة التي يستحم فيها نزل إلي الطشت و أمسك بحزمة الرعريع في يده يتأملها و دعك بها جسمه كله اثناء ترديده لأمنياته مع غرف (بفتح الغين و تسكين الراء) كوز الماء من الحلة الكبيرة المملؤة بالماء الساخن و صبه فوق جسمه. كان سعيدا لان والدته تركته يستحم وحده هذه المرة فلن تعاقبه علي اي عمل. كانت الأم تقوم بتحميتهم و لكنها كانت تتذكر كل جرائمهم في هذا الوقت. كانت يدها تحدث صوتا مسموعا علي اجسامهمو هي تردد "تحرم تلعب الكره حافي؟. تحرم تحرض اصحابك يغايظوا ابو فايز؟". أكمل صاحبنا الطقس وغني كل أمنيه مُمكنة وغير ممكنة، لعل وعسي تتحقق واحدة أو أكثر منها.

في الغروب كان يلعب مع بعض الأصحاب من الأولاد و البنات لعبة الاستغماية التي كانت مُفضلة في ذلك الوقت.
كانت مريم قد تخطت الحاديه عشر و تكبره بحوالي ثلاث سنوات و كان عليهم أن يختبؤا في مكان لا يتوقعه أحد بسهولة. إقترحت مريم المكان و
قادته اليه جريا ليختبئا بداخله فقد قالت له انها تعرفه جيدا لأنها وتلعب فيه مع أصحابها بعيداً عن حرارة الشمس. كان عبارة عن مبني صغير مبنيا بشكل بدائي بارتفاع حوالي ثلاثه امتار و بطول سته امتار و عرض حوالي مترين و نصف. البناء من الطوب اللبن بطلاء من الطين و سقفه من جريد و سعف النخيل . المكان مقسم الي حجرتين تفصل بينهما حائط من الطوب. لكل غرفه باب
خارجي احدهما كبير جدا حيث يربط فيه جرجس جمله الذي يستخدمه في نقل المحاصيل من الحقول. اما الاخري فبابها اضيق و تكفي لدخول حيوان اصغر. قرر صاحبنا ان هذا المكان ما إلا إسطبل لان بكل غرفه مخول من الذي يوضع فيه علف البهائم و رائحه مخلفات الحيوانات كانت واضحه في الغرفه الاكبر. اما الغرفه التي اختبئأ فيها كانت نظيفه نسبيا و بها كوم من التبن في الجانب البعيد عن الباب. كانا يستطيعان ان يريا خارج الغرفه من خلال الفتحات دون ان يراهم احد. مكان مناسب جدا للأختفاء

بعد أن إستقرا في المكان، أخذت مريم في النظر من الطاقات أو الفتحات الموجودة بالغرفة الصغيرة لتتأكد أن لا أحد قد تبعهما. بعد دقيقة أو إتنتين، سألته إن كان لابساً لِباس، فقال: ايوه، لِباسي دَبلان، أهه تحت الجلابية. اقتربت مريم منه و شدت اللِباس إلي أسفل. هَـمّ بالصراخ خوفاً علي و من الأستك، فطمأنته و قالت له إنها فقط تريد أن تري ماذا بالداخل و مدت يدها و لمسته في "حمامته"، فـشعر بعدم الارتياح، وحاول الهروب، إلا أنها هددته بالضرب، فاستسلم لها.
اليوم التالي هو يوم خميس العهد الذي يعتبر تذكار للعشاء الاخير للسيد المسيح. كانت هناك الكثير من الطقوس في يوم خميس العهد. أهم هذه الطقوس تراه جلياً من الدخان المتصاعد من أفران القرية في كل بيت.
في الحقيقة، الاستعداد لخميس العهد يبدأ قبل ذلك اليوم، وذلك للإعداد لعمل العيش الشمسي ومأكولات العيد. تشتري امه القمح من سوق الأربع، حيث كان يُباع بالكيلة أو أجزائها. الكيلة تساوي إثنين مصري، والمصري أربعة أقداح. يُضاف لكل كيلتين قمح: شويه ملح البحر، وقدح حلبه ناشف و يسمونها حياقه التي تساعد علي حفظ الخبز لمة طويله و تضيف اليه طعما مستحبا. بعد خلط القمح و الحياقة والملح يوضع الخليط في أشوله، وتحضر الأم المسلة و تخيط الشوال من أعلي باستخدام المسلة و الدوبارة. يحملياتي من يضع شوال أو إثنين علي ظهر حمار،و يركب صاحبنا فوقهم، متوجها إلي ماكينة الطحين. يعرف جيدا كيف يقود الحمار إلي ماكينة الطحين في بلدتهم أو البلدة المجاورة. يجب أن يحفظ التوازن حتي لا يقع الشوال وتكون مشكلة تحميله مرة أخري. عندما يصل الي المطحن يعلن عن وصوله للوزّان الذي يرسل أحد الشيالين ليحمل القمح و يحضره لكي يوزنه. بعد أن يتم وزن الأشولة يدفع الصبي أجرة طحن الغلة و يذهب ليربط الحمار في الأماكن المخصصة لانتظار الحمير . في بعض الأحيان يدفع قرش او إتنين لعلف الحمار أثناء الانتظار. يعجبه صخب ماكينة الطحين و الطاحونة العملاقة ويعجبه كيف يدخل القمح في هذا القادوس و يخرج من أسفل دقيق ناعم. في الاسفل يري النساء، وجوههن و ملابسهن مغطاة بالدقيق المتطاير من الفوهة التي يخرج منها، ليستقر في المقطف الموضوع أسفلها. كلما إمتلا مقطف يضعن آخر مكانه . تمسك المرأة بعصاتين من الجريد و تدخلهما في الفوهة المستطيله وتحركهما يمينا و يسارا لتُخرِج كل الدقيق إلي مقطفها. البعض يحمل الدقيق في المقاطف علي الرؤوس عائدين الي بيوتهم، والاخرينيملأؤن الأشولة بما يكون في المقاطف، لتحملها الحمير أو البغال إلي البيوت.
أما هو، فكان يلقي عناية خاصة، فهو الولد الوحيد في متحف الشخوص المغطاة بلون الدقيق الابيض هذا، الذي ينتمي أعضاءه للجنس الآخر، فهناك من تداعبه و هناك من تتبرع لإنهاء مهمة تلقي الدقيق المطحون في مقطفها، وفي النهاية يأتي رجلان من العاملين ليضعا الدقيق في الأشولة، ويخيطونها، ثم يضعوه فوقها علي الحمار ليبدأ رحلة العودة التي ليست بالمستحبة لأن الدقيق عادة ما يكون ساخنا، بعد خروجه للتو من تحت تروس الطاحون، وجلوسه عليه لمدةساعة يظل يؤلمه ليوم أو أكثر.
العمليه التالية هي تحليل ( في اماكن اخري تسمي بالنخل بضم النونو تسكين الخاء) الدقيق في المنزل، وهي عملية فصل النخالة عن الدقيق بواسطة غربال مصنوع من الشاش في طشت كبير مصنوع من النحاسو قد تبدل في السنوات الأخيرة بالألمونيوم او كما يسمونه "المونيا". العملية مضنية وتستغرق وقتا ليس بالقصير، وعادةً ما تستعين الأم باحدي النساء لتقوم بالمهمة نظير أجر متواضع. كان يري السيدة كنيجاتيف الصورة عندما يغطي الدقيق المتطاير وجهها اثناء عمليه التحليل هذه.
في يوم خميس العهد الكل يتجمع في بيت الجد والجدة. الدقيق يُنقل الي خارج حجرة الفرن الكبيرة وتبدأ عملية العجين بوضع بعض الدقيق بطشت نحاسي كبير وخلطه بالماء واستخدام الأيادي لللت و العجن، حتي يتحول إلي عجين صالح للخبيز من درجه ليونته و ملمسه و كثافته. البعض يضيفون اليه الخميرة و يتركونه ليختمر لكن هناك انواع من الخبز لا تحتاج الي خميرة و يبدأ بها طقس الخبيز. يخبزون انواع كثيره ذلك اليوم. الكعك و المنين و البتاو. و الأهم للمناسبة هو "العيش الشمسي".
يستخدمون طبالي كثيرة. يُرش بعض الدقيق أو النخالة علي الطبلية إستعدادا لوضع قرص العجين عليها، حتي لا يلتصق بخشب الطبلية. بعد وضع العدد المناسب من أقراص العجين علي الطبلية بمسافات مناسبة، تقوم إحدي السيدات بتبطيط القرص ليتحول الي شكل دائري مناسب ويصبح فيما بعد عيش شمسي. كلما تم تجهيز طبلية، تُؤخَذ إلي سطح البيت لتجف في الشمس تحت حراسة الاطفال. بعد ذلك يتم خبز الأقراص في الفرن. والدة مريم تقوم بهذه المهمه التي تجيدها، نظير أجر يدفعونه لها. صاحبنا كُلِف بمهمةةالحراسة و قد إصطحبته مريم في هذه المرة. كان يؤدي وظيفته برغم أنه لم يكن يعرف مما يحرس العجين؟! من طيور، أو ذباب، أو شي خفي. فلم يفكر أن أحد سيأتي ويسرق أقراص العجين من أعلي سطح المنزل. بعد مرور بعض الوقت في كلام كثير من مريم، توجهت اليه وقالت: "تعالي نعمل زي إمبارح". أجاب: "لأ ، أنا مش عايز أعمل زي إمبارح". هددته بالضرب، فاصر على الرفض، لكنها جذبته بعنف، فجرى يبكي نازلاً إلي غرفة الخبيز، حيث والدته و جدته ووالدة مريم وزوجة خاله. جرت أمه ناحيته عندما رأته،وسالته: "مالك"؟. قال: مريم ضربتني. ليه؟. قال: "علشان مش عايز اعمل زي امبارح". سكت الجمي وثارت والدة مريم، مهددة أنها "حتجيبها من شعرها". لكن الجدة سألت: "هوه إنتم عملتم إيه إمبارح؟". فحكى لهم عن أن مريم شدت لباسه ومسكت حمامته. ضحك الجميع و كل واحدة كررت السوال لأيام عديدة بعد ذلك. بعد دقائق، سمع صراخ مريم فصعد أعلي البيت ليجد أمها ترزعها علقه سخنة.
عندما إنتقل بعدها بسنوات إلي المدينة، لم يجد أي من هذه الطقوس تُمارس. لم يفتقد الإستحمام بالرُعريعة ، لكنه إفتقد العيش الشمسى، وطقوس ذلك اليوم الملئ بالحركة. رائحه و طعم العيش الساخن الخارج من الفرن لا يُنسي، وهو لا ينسى عندما كان يُكافأ بطبق به قطعة كبيرة من السمن، تضاف إليها بتاوه طرية ساخنه طالعه من الفرن، تُقطع إلي قطع صغيرة. يكون قد اشتري قرطاس سكر من عم حبيب للبقال بقرش ليضيفه إلي الخليط. يعرف انه يفتقد كل هذه الاشياء لكنه لا يعرف إذا كان ما يزال لا يحب "يعمل زي امبارح".



#رمسيس_فؤاد_صادق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رمسيس فؤاد صادق - زي امبارح