يا سيدي المسيح

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4616 - 2014 / 10 / 27 - 21:37
المحور: حقوق الانسان
    

أدخل في حياتي أكثر من أي وقتٍ مضى, علمني حروف الحب والتسامح, قل لي من أين تبدأ مسيرة الدوران من أجل خلاصي وخلاص كل الناس, لا تفارق حياتي, كن أنيسي في وحدتي وفي منامي وفي مشواري الطويل الذي أشقه في الصخر, لي في هذا العالم ضيق كبير وحزنٌ شديد, لي في هذا العالم من يضطهدوني باسم الدين وباسم من يدافعون عنك, يدقون طبول الحرب على أبوابي, يشعلون حياتي أينما ذهبت وأينما سكنت, يراقبون كل تحركاتي وكل كتاباتي, يخافون من كتاباتي إذا ذكرت أسمك عليها, كن يا يسوع الفرج والنافذة التي تخلصني من هذا الضيق, لي في هذا العالم أعداء كثيرون, يتراكمون كل يوم على أبأبواب التي أعبر منها وعلى الطرقات التي أقفُ عليها, ليس لي في هذا العالم من رجاء غير رجاءك أنت, بك يحلو المشوار وبك تُفتح النافذة وبك ينتهي الضيق, ساعدني كي أرحل عن هذا العالم المملوء بالكراهية, أريد عالما يتسع للمحبة وللعواطف, أريد منك يا يسوع عالما آخر يشتهي كلماتك, بعتُ كل ما لدي من مواهب, بعتُ كل ما عندي من وسائل تجعلني غنيا وثريا واتبعت خطاك, خسرتُ هذا العالم الفاسد وكسبتك وحدك, فوحدك أنت من يعرفني ووحدك أنت من يخلصني, أنا لا أهذي, أنا بكامل قواي العقلية, ولكن هنا الشيطان يسكن قريبا من بيتي, يتدخل في كل شيء ويدخل نفسه في كل شيء حتى منشفتي القطنية وأساور أمي الذهبية وقلم أبي المصنوع من الحبر السائل, هنا الشيطان له متسع كبير وهذا ما يجعل حياتي ضيقة, أنت قلت: سيكون لكم ضيق في هذا العالم, وأنا فعلا أشعر بهذا الضيق.

هنا يروون القصص المزورة عنك, هنا يتبادلون أطراف الحديث عنك, يجعلون منك إنسانا عاديا , عاش ومات وهلك على الصليب, هم يقولون عنك ما لا يعرفونه أبدا, هنا يزورون الحقائق ولا يوجد مجال للبحث العلمي الدقيق, هنا يكرهون القراءة والكتابة, هنا يحاربون الحقيقة العلمية, هنا يدلسون عليك الأحاديث, هنا لا ينجو الباحثون عن الحقيقة من سيف الجلاد, هنا يقتلون ويقطعون الرؤوس, هنا يقطعون الأيدي ولا يعترفون بشريعة الفداء والمحبة والتسامح, هنا يسكن الشياطين في فلل على رؤوس الجبال, هنا في كل عام يعقدون للشياطين مؤتمراتٍ سنوية من أجل تطوير الاستبداد وتهجينه , هنا يغلقون العقول بالأقفال وبالمفاتيح وبالكلمات السرية, هنا يزرعون الألغام تحت أقدام العابرين إليك ويلاحقون المؤمنين بك بشتى وسائل الملاحقات الأمنية, هنا خلف كل جريمة يرتكبونها يصرخون(الله أكبر) والله أكبر عليهم وعلى كل ظالم, هل سمعت يا سيدي المسيح بأمم مثلنا تقدس قطع الرؤوس واغتصاب القاصرات؟ هل سمعت بأمم مثل أمتنا العربية الإسلامية تقدس العنف وتتخذ من الدعارة وتعدد الزوجات شريعة ورخصة سماوية؟ هل سمعت بمثلنا؟ هل رأيت في زمنك شعبا مثل شعوبنا العربية تنادي بقطع يد الجائع؟.

يا سيدي المسيح, أنا أكتب من أجل نفسي لأنني من ضمن المتعبين ومن ضمن الأناس المعذبين ومن أكثر الناس المحرومين من الحياة الكريمة, أنا أكتب عن الفقر لأنني فقير وأكتب عن الجوع لأنني جائع وأكتب عن الخوف لأنني من أشد الناس الخائفين من الخروج من باب المنزل, أنا أخاف هنا أن أمد أصبع يدي من النافذة, أخاف أن أطل برأسي من بين الرؤوس, أنا هنا من أشد المحرومين من الحياة الكريمة لأن شريعة الشيطان تطاردني وتعذبني وتصنع لي الجوع وتحفر لي الحُفر في الشوارع التي أمر منها, وبناء على فتوى (ابن تيمية) هنا يضيقون عليّ في الطريق التي أمرُ منها ولا يردون عليّ السلام, هنا تلاحقني سيوف الحاكم بأمر الله, أنا هنا بين ملايين المجانين, لي في هذا العالم ضيق, وفي السوق ضيق, وفي الطريق من البيت إلى العمل ضيق, أمشي وأنا أحمل رأسي بين يدي, يسبونني في الأسواق وفي المدارس وفي الشوارع, ومحرومٌ من أبسط وسائل الراحة, وممنوعٌ عني شم الهواء النقي, يفسدون عليّ حياتي, ينكدون صفو عيشتي, هنا لا ينفقون الأموال إلا على بيوت الخلاعة وعلى , هنا الكلمة الطيبة شوكة في الحلق وخشبة في العين, هنا ينفقون الملايين من الدولارات على توسيع قاعدة الجهل والتخلف, هنا لا يعترفون بأنصاف الحلول, هنا يعممون الجهل والفساد قاعدة لكل الناس, هنا الفساد طريقة حياة والغش شطارة والسرقة براعة في فن الحساب, هنا لا يُسمح للآخرين بنشر ديانتهم ولكنهم يسمحون لأنفسهم بنشر خزعبلاتهم ومذاهبهم الوثنية في كافة أنحاء العالم.

هنا أعتصر حزنا وألما على هذا العالم الذي ما زال يجهلك ولا يعرفك,هنا رأسي يؤلمني من شدة التفكير في حياة الناس, في آلامهم ومصابهم ومصائبهم وأحزانهم الطويلة , هنا كل شبر من جسدي يؤلمني, هنا روحي تصرخ طوال الليل للذي خلقها بأن يخلصني من جهل قومي, هنا قلبي يرتجف من شدة الخوف على حياتي وعلى حياة من أُحبهم , هنا شاب شعر رأسي , هنا مزايا الشياطين كثيرة ومتعددة, هنا يا سيدي المسيح لا يمكن للمفكر الحر أو المثقف الحر من أن يعيش بكرامة.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات