أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد عبدالسلام رؤوف - دور الجماهير في صمود الموصل سنة1156ه/1743م















المزيد.....



دور الجماهير في صمود الموصل سنة1156ه/1743م


عماد عبدالسلام رؤوف

الحوار المتمدن-العدد: 4581 - 2014 / 9 / 21 - 03:17
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


مقدمة
لعل أكثر الإتجاهات حداثة في مجال الدراسات التاريخية تلك التي تحاول تبيان دور الشعوب في صنع الحدث، أو- في الأقل- دور(القوى التحتية) في المجتمعات الإنسانية التي تدفع بعض الأفراد، أو الفئات، إلى صنع ذلك الحدث. بل ربما ذهبت بعض الاتجاهات إلى معالجة ردود الأفعال العفوية لتلك القوى، في مواجهة تحدٍ ما، ودراسة العوامل الخفية لهذا الموقف أو ذلك الفعل، عن طريق مقارنة ردود أفعال تلك القوى عبر حقب متعددة، أو مقارنتها مع غيرها من القوى المشابهة في مناطق وأمم أخرى، وهذا ما دعا بعض المؤرخين المحدثين إلى الإعلان عن أن المؤرخ تواجهه في كل لحظة حاجة مستمرة للنفاذ إلى (أسرار القوى الجماعية) التي تشكل حياة المجنمع والأفراد المكونين لذلك المجتمع في أية لحظة في التاريخ .
وهكذا فقد امتدت يد البحث، وفق هذه النظرة العلمية، إلى حقب التاريخ المختلفة، فحاولت استيضاح دور حركة الشعب، أو الناس العاديين، في رسم صورة حدث ما، وفي تقرير نتائجه أيضاً، كقيام ثورة، أو تغيير نظام سياسي، أو تحرير بلاد محتلة، أو الوقوف في وجه تحد خارجي، أو داخلي..الخ، مما لم تكن ملامح الشعب ظاهرة فيه من قبل، أو أنه كانت مختفية وراء دور هذا القائد العسكري، أو زعامة تلك الأسرة.
إن البحث في عوامل خفية كهذه يشبه ما يقوم به الجيولوجي في البحث عن الحركات التي تحدث في الأعماق السحيقة من باطن الأرض، والتي تنجم عنها تغييرات جسيمة على سطحها، كانفجار البراكين فجأة، أو زوال الجزر، أو تغيير المعالم الظاهرة، وهو أيضاً يشبه عملية التنقيب عن الأسس الخفية من البناء، لا مجرد تبين ملامحه الخارجية.
وبما أن البحث في الأعماق ليس ميسراً كخيره من ضروب البحث الأخرى، فربما استعان الباحث في عمله بما لم يفكر في استعماله اسلافه من المؤرخين السابقين، كعلوم الاجتماع، وعلم النفس الجمعي، والاقتصاد، وغير ذلك من علوم مساعدة تهديه إلى غايته.
ولا نشك في أن واقعة حصار الموصل من قبل الجيوش الإيرانية سنة 1156هـ/1743م/ هي من أكثر اللحظات التاريخية التي عبرت فيها القوى الشعبية عن نفسها في حدث ذي طابع سياسي وعسكري، حتى أنه من الصحيح القول بأن هذه اللحظة يمكن أن تكون نموذجاً دراسيا مهماً صالحاً لتبين ردود أفعال القوى المذكورة، إزاء ما مثله الغزو، ثم الحصار، من تحد خارجي عنيف، ومن المهم أن نذكر هنا أن الخروج بنتائج علمية، ومحددة، لا يمكن أن يكون إلا بدراسة اللحظات التاريخية التي سبقت نلك الواقعة، أي دراسة التطورات الداخلية العميقة، التي مر بها المجتمع الموصلي، منذ نصف قرن في أقل تقدير.

القوى الشعبية والسلطة
فمنذ أوائل القرن الثامن عشر، وربما قبله أيضاً، كانت القوى الشعبية الموصلية قد نجحت في إصعاد أسر ذات تراث ديني وثقافي، إلى مواقع الزعامة الحقيقية للمدينة، وكان آل العمري، تلك الأسرة الموصلية القديمة، يمثلون الأنموذج الأبرز لمثل هذا النوع من الزعامة المحلية، وفي الواقع كانت هذه الزعامات قادرة على منافسة ممثلي السلطة العثمانية المركزية، أو مقاومتها إن استدعى الأمر ذلك، ذلك لأنها تقف على نفس القاعدة الإقتصادية التي تقف عليها تلك السلطة، وتقوم هذه القاعدة على ملكية اقطاعية محلية قوية . وبتملكها العديد من القرى الزراعية المنتجة في ريف الموصل، أصبحت منافستها، أو مقاومتها، للنظام الإقطاعي- العسكري- الإداري العثماني فعالة ومؤثرة، بل أنها أصبحت تمثل القوى الشعبية الموصلية وتسيطر من ثم على أحياء مهمة من مدينة الموصل نفسها، وقادرة على إثارة الاضطرابات في وجه الولاة كلما شكلوا تهديداً لمصالح السكان، وبالفعل فإنها أعلنت الثورة غير مرة على الوالي العثماني سنة 1123هـ/1711م ، وسنة 1138هـ/1725م ، ودامت الثورة في المرة الأخيرة نحو ستة أشهر كاملة، ويكشف دوامها لهذه المدة عن مدى شعبيتها.
ويمكن القول أن تلك الأسر استطاعت أن تكون نوعاً من (الإقطاعية الوطنية) مقابل إقطاعية الدولة المركزية، وكان هذا اول تحرك سياسي مؤثر للقوى الشعبية في الموصل ضد سيطرة العثمانيين عليها في أوائل القرن السادس عشر.

تجلى روح الدينة
بيد أن النضال الذي قادته (الإقطاعية الوطنية) سرعان ما أخذ يضر بمصالح قوى شعبية أخرى كانت أهميتها الاقتصادية آخذة بالنمو في الوقت نفسه، فقد أدى استتباب حد أدنى من الأمن في المنطقة، إلى استعادة المدينة نشاطها الاقتصادي الذي يفرضه عليها موقعها الجغرافي، فنمت طبقة الحرفيين بتنظيماتها الاجتماعية المحكمة المسماة بـ(الأصناف)، كما نمت أيضاً طبقة التجار بنفوذها الواسع في سوق المدينة وعلاقاتها الممتدة إلى المدن الأخرى ، وكان طبيعياً أن يضر الصراع الدائر بين القوتين الإقطاعيتين، المركزية والمحلية، بمصالح هذه الطبقات الجديدة، فمركز ثقل الإقطاعية الوطنية هو الريف، بينما مركز ثقل الطبقات المذكورة في المدينة، وكان انتقال الصراع إلى داخل الأخيرة يعني إغلاق الأسواق، وتوقف الإنتاج، وتعطيل التجارة، وغير ذلك من الأنشطة الاقتصادية المدنية، فكان لابد لجماهير الحرفيين والتجار إصعاد الزعامات الأكثر تمثيلا لها إلى المستوى السياسي المؤثر، وهكذا فقد جرى تولي الأسرة الجليلية مقاليد الزعامة الشعبية العامة لتلك الجماهير، وهو الأمر الذي مهد لها الوصول إلى السلطة السياسية للمدينة، والإحتفاظ بمقاليدها مدة تزيد على القرن (1139- 1248هـ/1726- 1834م) ولم يكن التغيير يعني، في أحد جوانبه، إلاّ نجاح القوى الشعبية مرة أخرى في اختيار قيادتها الممثلة لمصالحها، وانتقال الزعامة من (الاقطاعية الوطنية) التي كان يمثلها العمريون وحلفاؤهم، إلى ما يمكن أن نسميه (البرجوازية الوطنية) التي كان يمثل مصالحها الجليليون وحلفاؤهم.
وكان وصول القوى الشعبية إلى السلطة السياسية قد عجل في عملية تحول أخرى كانت تجري في فرق الجيش الإنكشاري المتخذة مواقعها في محلات المدينة الرئيسة، وخلاصة ذلك التحول أن أعداداً غفيرة من السكان، ومعظمها من أبناء الحرفيين، قد أخذت بالانضمام إلى الفرق المذكورة، مستغلة ضعف الإدارة المركزية للجيش الإنكشاري، ويهذا أصبحت هذه الفرق، منذ النصف الأول من القرن الثامن عشر، لا تعني إلا أصناف الحرفيين بأزياء إنكشارية ، وبهذا نجحت جماهير الموصل، أو قواها الشعبية، مرة ثالثة في الاستحواذ على السلطة الاقتصادية، بفرقها (أورطاتها) الخمس الموجودة في الموصل، فاستوت لها بذلك السيطرة على السلطات السياسية (السراي) والعسكرية (الإنكشارية) فضلا عن التنظيمات الاقتصادية (الأصناف) والثقافية (العلماء)، وهكذا فإن من المجافاة للواقع التاريخي، البحث في تلك المرحلة بالذات، عن خطوط تفصل بين هذه السلطات، لا سيما ما يتعلق بصناعة القرار السياسي، وعليه فليس من الممكن تصور موقف شعبي، قد يتناقض أو حتى يختلف، عن موقف أي من السلطات والقوى المذكورة، وبخاصة السلطة السياسية،. وفي الواقع فإن (روح المدينة) كانت تتخلل كل شيء فيها، وتتمثل في تلك العلاقات الاجتماعية والإقتصادية المتينة بين فئات السكان، من ولاة وتجار وحرفيين وعلماء وضباط وجنود محليين، فلقد كانت الموصل كلآ واحداً له أوجه مختلفة، وليس إتحاداً أو توازناً بين أجزاء، وكان ذلك، على وجه التحديد، هو مبعث قوتها، وسر صمودها، في طول أيام الحصار الشاقة الطويلة.

المشاركة في قبول الحرب
إن دور الموصليين في ذلك الحصار إذن، هو دور الجماهير لا أقل ولا أكثر، ليس من فرق بين وال وجندي وتاجر وحرفي ومثقف، وهذا في الوقت نفسه هو منشأ الصعوبة عند الحديث عن دور محدد لأي من هؤلاء. فمن الناحية السياسية فإن مجرد الحديث عن الموصليين بعيداً عن دور قائدهم الحاج حسين باشا الجليلي يعني تجريد القوى الشعبية الموصلية من زعامتها الشرعية، وإذ سمى الموصليون هذا الوالي القائد- كما يذكر دومنيكو لانزا- بأبيهم ، يعني أن العلاقة بينه وبينهم كانت تسمو على أي اعتبار طبقي، أو أسري، أو إداري مفروض، فهي علاقة أبوية أولاً، ولا يهم- بعد ذلك- بأي إطار تكون.
وفي ظل العقلية السياسية السائدة في تلك العهود، لم يكن مألوفاً على الإطلاق أن يكون للجماهير الشعبية كلمة، أو رأي، في القرارات الرئيسة التي يفترض أن تخص الدولة مباشرة، كإعلان حرب، أو عقد هدنة، أو توقيع إتفاق ما، وإنما كان ذلك من مهام السلطان وحده، ومن يختارهم ممثلين له، من ولاة وقادة كبار، ولكن الوالي حسين باشا الجليلي لم يكن ممثل السلطان وحده، وإنما كان يمثل جماهير الشعب في الوقت نفسه، فإنه خرق هذا العرف عامداً، تاركاً لأدنى الفئات في المجتمع الفرصة لإبداء الرأي في أكثر الأمور فصلاً وأهمية.
وذكر الشيخ فتح الله القادري ، أن الحاج حسين باشا الجليلي، حينما وردت إليه أنباء تحرك نادر شاه بجيوشه الضخمة نحو الموصل، دعا إلى اجتماع جماهيري حاشد في دار الحكم، أي سراي المدينة، ولم تكن الدعوة مقترنة بأي قوة أو إلزام، بوصفه والياً، إّ يذكر:
فنادى في الناس هلموا واقبلو إن تسمعوا قولي وإلا فاهملوا
فكان مجرد حضور الناس إلى المكان المحدد، في الموعد المضروب، مع ترك الخيار لهم بعدم الحضور، يمثل أول استفتاء شعبي حول ضرورة اتخاذ موقف جماعي موحد من الأحداث، كما أن حضورهم "لسماع قوله" يعني أيضاً، قبولهم، في هذا الاستفتاء الحر، به، ليس بوصفه والياً رسمياً معيناً من قبل الدولة فحسب، فهذا أمر لم يكن يحتاج إلى استفتاء، وإنما كزعيم شعبي، أو كـ (أب) كما يذكر لانزا.
وفي الاجتماع الكبير لم يطرح الوالي رأيه، وإنما طلب من الجماهير التي حضرته رأيها، يقول القادري :
وقال: يا ناس فما التدبير؟ ما الفعل ما القول وما التقرير

واكتفى هو بتقديم تقرير فني حول إمكانات المدينة العسكرية، وبحسب القادري فإن ذلك التقرير جاء واقعياً تماماً، وبعيداً عن أي مبالغة في تقدير حصانة المدينة ومنعتها، وإنما قدم الحقائق كما هي، أو كما تبدو فعلا، فالسور (مدثور)، والخندق (من قدم مهجور) و(آلة الحصر) معدومة، وهكذا فقد واجه الجماهير بالحقائق، بكل ما كانت تبدو عليه من قتامة، مكتفياً بنصيحة، لا بأمر، بأنه لم يفقد الأمل بقدرة الله على التدخل لصالحهم، إذا ما قاموا، متكاتفين متوحدين، لا فرق بين خواص وعوام، بإنجاز ما أشار إليه التقرير من مواطن ضعف وخلل .

فلتخرج الخواص والعوام كذا خطب، وكذا إمام
نحفر خندقاً ونبني سورا ونحفظ العيال، ثم الدورا


أحد أبواب الموصل القديمة


ولا نشك في أن مواجهة الجماهير بالحقائق المجردة، كان الخطوة الصحيحة الأولى في طريق المشاركة الفعلية في اتخاذ القرار، وهو ما أدى- من ثم- إلى إطلاق كل طاقاتهم في سبيل تنفيذ ما توصلوا إليه من رأي مشترك. لقد أدركت الجماهير، بفطرة سليمة، أن المستهدف الأول هو وجودها نفسه، ومصير أجيالها المقبلة، قبل أن يكون نظاماً أو سلطاناً، فكان تعبير (حفظ الأولاد) و(العيال) و(الأطفال والعيال) و(الدور) هو السائد على ألسنة الموصليين، وهو ما أدى إلى إحساس كل واحد منهم، بأن الحركة إن هي إلا حركته هو، وأنه اتخذ قراره بنفسه في وجوب الدفاع عن مدينته حراً بلا إكراه ، وإن مصيره الشخصي ومصير أسرته مرتبط بنتائج قراره. ووفقاً لهذه الروح هيأت المدينة قواها واستعدت للمجابهة العسكرية.
وحينما أرسلت الدولة العثمانية مفتياً إلى الموصل يحمل فتوى شيخ الإسلام بوجوب محاربة الإيرانيين، فوجئ هذا المفتي بتهكم الجماهير الموصلية، فقد كانت هذه الجماهير أكثر وعياً مما افترض شيخ الإسلام، وبواعث الثبات والمقاومة أكبر شأناً مما أودع في تلك الفتوى. ويشير القادري إلى أن الناس طلبوا منه، إن كان صادق المقال، أن يثبت ليشلركهم القتال ، وهي إشارة مهمة، لأنها تدل على أن الناس كانوا يدركون، وهم يعيشون في عصر الفتاوى السياسية، أنه لا قيمة لقول دون عمل وقتال.
ولم تفت أنباء استيلاء نادرشاه، على كركوك وأربيل، وتوجهه إلى الموصل، من عضد الموصليين، بل زادت من تماسكهم، ودعا الوالي الجليلي الجماهير مرة أخرى إلى اجتماع حاشد، واجهها فيه بالوقائع المحددة، كما وردت إليه، وفي لحظة توحد وتلاحم شعبي حقيقي، أكد أن وحدة القيادة بالشعب - في حقيقة الأمر- وحدة عضوية. يقول القادري في أرجوزنه معبراً عن فحوى ذلك الخطاب:

فنحن منكم، ثم أنتم منا فلا تخافوا فشلا وجبنا
وعرضكم عرضي، وأنتم مني وطفلكم طفلي، خذوا ذا عني

وفي 21 رجب 1156هـ/ 9 أيلول 1743م وصلت طلائع الجيش الإيراني إلى القرى القريبة من الموصل، محرقة مهلكة مدمرة، ووفدت إلى المدينة سفارة من مقر الشاه في أربيل يرأسها مفتي كركوك السابق، وتحمل رسالة كتبها ملا باشي علي أكبر، الرئيس الديني للإيرانيين إلى مفتي الموصل، يحاول فيها استمالة الموصليين بتصوير الحرب على أنها وسيلة لحسم نزاع عقائدي مع السلطان العثماني لا شأن لمدينتهم فيه.
ومع أن أمر الرد على رسالة كهذه، كان يقع ضمن صلاحية الوالي وحده، إلا أنه فضل مرة أخرى اللجوء إلى ما يمكن تسميته بالدبلوماسية الشعبية، فدعا (سكان المدينة على اختلاف طبقاتهم) إلى اجتماع كبير في الفضاء الواقع خارج باب السراي، أحد أبواب السور الجنوبية، قريباً من الجامع الأحمر ، أحد أقدم المساجد الأثرية في الموصل وأهمها. ويدلنا اختيار الفضاء موضعاً للإجتماع على ضخامة عدد الجماهير التي جرى توقع مجيئها إلى حضوره. وعند الجدار القبلي للجامع الأثري، تمت تلاوة الرسالة التي بعث بها نادرشاه على مسامع الجمهور المحتشد، وكما كان متوقعاً، تعالت الهتافات من كل ناحية تدعو إلى ضرورة التمسك بالمدينة إلى الرمق الأخير، وإلى تفضيل الموت في الحرب على الاستسلام المشين .

الجامع الأحمر (المجاهدي)
حيث اجتمع الموصليون لاتخاذ قرار الدفاع والمقاومة


وعلى إثر ذلك الاجتماع، صيغت رسالة جوابية احتوت على أكبر قدر ممكن من معاني الإباء والشجاعة واستصغار العدو ، ووضح " أنه لن تسلم المدينة وفيها إنسان حي، ولن يرتكب أحد منا دناءة التسليم ولا يتحمل ذل مثل هذه الخيانة" ، وانتهزت الجماهير هذه الفرصة فبايعت قائدها "على القتل وقد تحالفوا لا ينقضن منا أحد".
ولسنا نريد هنا أن نستعرض واقع الحصار نفسه، بصفحاته المتعددة، فذلك ما يخرج عن نطاق بحثنا والغاية التي توخيناها من هذا البحث.

اعداد ساحة المعركة
وكان تحصين المدينة، الذي تعرض للإهمال إبان القرون الأخيرة، يمثل أول متطلبات التعبئة، فانطلقت الجماهير (الخواص والعوام) إلى فضاء الموصل لترميم ما تصدع من أسوارها، وتجديد ما اندثر من حصونها، وما انردم من خنادقها. ويشير القادري إلى أن خروج الناس كان (على الإطلاق)، وأن واحداً لم يستثن نفسه لأي سبب كان، وبضمنهم تلك الفئات التي اعتيد على عدم زجها في المعارك، كالعلماء والعلويين، وذوي المهن الدينية البحتة، كالخطباء وأئمة المساجد. ويذكر ياسين العمري أن الذين خرجوا هم أهل الموصل: الكبير والصغير، والغني والفقير، والعزيز والحقير. ويمكننا نتوصل من الإشارة إلى إغلاق الحوانيت والأسواق، إلى أن أغلب من خرج للعمل كان من أهل الحرف والكسبة والباعة والتجار، أي ما كانوا يسمون بالعامة، ويلاحظ أن خروجهم لم يكن عشوائيا، وإن كان عفوياً، إذ يذكر محمد أمين العمري أن الوالي"نصب على كل صنف من الناس واحداً من المتقدمين عنده" ، وهو ما يدل على أن حركتهم كانت تجري في نظاق تنظيماتهم الحرفية المعروفة بالأصناف. وفي مدينة كالموصل، ذات نشاط حرفي وتجاري كبير، كان أغلب السكان منتظمين في أصناف، وكان لكل صنف جمهوره المتمثل بعامة الفعلة والخلفات، وقيادته المنتخبة المتكونة من شيخه وكهيته (أي نائبه) ومجلس الصنف الذي يضم الأسطوات ، ولا نشك في أن أصناف البنائين والحجّارين والمعمارين والصقالين والجصّاصين والمكارين والخشابين والنجارين كانت في مقدمة تلك الأصناف العاملة، وقد تعاملت قيادة الولاية مع جماهير الأصناف وفقاً لأصنافهم، وكل ما في الأمر، أنها عينت على كل صنف مشرفاً عنها، من أجل تخطيط العمل وتنظيمه، وإقامة التنسيق بين الأصناف نفسها في إنجاز الأعمال المناطة بها.
وبتوجيه من القيادة الموصلية انطلفت الجموع إلى خارج أسوار المدينة لتزيل الروابي والأكمات المحيطة بها، وتجعلها فاعاً صفصفاً، خشية من أن يتخذها الأعداء سبباً في التسلط على داخل المدينة، ولنا أن نتصور ضخامة الأعداد التي خرجت ليلا وهي تحمل معاولها، و(زنابيلها) ، لتحيل مثل تلك المرتفعات أرضاً مستوية خلال وقت قصير .
يقول القادري :
ثم ترانا في ظلام الليلِ نرفع زنبيلاً كهطل السيل
وتسمع الصياح والضجيج كانما في مكة حجيج

الإعداد المعنوي
وكان للفنانين نصيبهم من التعبئة، أو التهيئة لها، فقد صدحت في فضاء المدينة أصوات الآلات الموسيقية، من الطبول والبوقات والنايات والمزامير ، وإذا افترضنا أن جانباً من ضاربي الطبول ونافخي الأبواق كانوا من فرقة الموسيقى العسكرية، المعروفة باسم (المهترخانه)، فإن النايات والمزامير كانت آلات شعبية تماماً، تنبئ بأن عازفيها لم يكونوا إلا موسيقيين عاديين من عامة أهل الموصل وفنانيها.

الإعداد المالي
ولما كانت أعمال ضخمة كهذه تستلزم أموالاً جمة، تزيد على إمكانات الخزينة المحلية، فقد تسارع الموسرون إلى بذل الأموال للإنفاق على مستلزمات التحصين المختلفة. وعلى الرغم من أننا لا نملك معلومات عن الفئات التي أنفقت، ومقدار المبالغ المنفقة، ففي وسعنا القول أن الأمر شمل جميع البيوتات الموسرة، والتجار، وشيوخ الأصناف، وذلك أن حكومة الولاية قد اعتادت، في حالات الضرورة، دعوة اولئك الموسرين للإنفاق على المشاريع الخدمية ذات النفع العام، وهو ما عبر عنه القادري بقوله :
بذلنا جهداً، وصرفنا مالا لحفظ الأولاد والعبالا

إن مشاركة الموسرين بالتبرع من أجل الإنفاق على مستلزمات المعركة المقبلة يكشف عن حقيقة مهمة، وهي أن إعداد هذه المستلزمات لم يكن يجري على سبيل السخرة، مع أنه لو جرى ذلك لما عد الأمر غريباً، فالمعركة قادمة والدفاع عن المدينة واجب أهلها، إلا أن المبادئ، على نبلها، لم تكن مبررا للتجاوز على الحقوق.

تأمين الغذاء
وبعد أن أنجزت أعمال التحصين والحفر، واستردت المدينة منعتها، أسرع الشعب، بتوجيه من قيادته، في حملة حصاد الغلال، بهدف خزن الغذاء الكافي للسكان في أثناء الحصار المقبل. ولم تكن الحملة بالأمر الميسر بأي حال، فحصاد كميات ضخمة من القمح في مساحات واسعة من الحقول، وبسرعة استثنائية مع ضيق الوقت، ثم نقلها، وهذا الأصعب، من القرى التي في شرقي الموصل إلى المدينة عبر جسر عائم وحيد، كان أمراً صعباً، لا سيما وأن هذا الجسر كان مشغولاً في الوقت نفسه بعبور أعداد كبيرة من أهل تلك القرى الفارين إلى المدينة للإحتماء بأسوارها، ومنهم عيال وأطفال لهم "عويل وصراخ". ويصور القادري هذه الحملة على أنها كانت صورة أخرى من صور التلاحم الشعبي، منقطع النظير، إذ قال :

فأخرج الناس إلى الحصاد أجابوا بالسمع بلا عناد
وقال: دوسوا ثم ذروا وانقلوا غلتكم وأحذروا نصحي تهملوا

مما دل على أن الذين قاموا بحملة الحصاد الكبرى تلك، لم يكونوا من فلاحي القرى فحسب، وإنما شاركهم من خرج إليهم من جماهير المدينة، وهم الذين سبق أن شاركوا في حملة البناء والتحصين من قبل. ولم تقتصر عملية خزن الغذاء على القمح فحسب، وإنما تم نقل كميات كبيرة من الخشب ربما بوصفها مصدر طاقة للطبخ ونحوه، فضلا عن البقول .
وحينما تفتق ذهن نادرشاه عن خطة جديدة تعتمد على إضعاف معنوات الموصليين عن طريق قطع مياه الشرب عنهم، بتحويل مجرى الماء الذي منه يستقون، لم يعدم الشعب توفير هذه المياه من مصادر أخرى مختلفة، ومن ثم "بقي الجميع كما كانوا في طابيات الحصن الحصين معتصمين بالصبر الجميل" .

إعداد السلاح
وجرياً على أسلوب تنظيم الحملات الشعبية، جرى إعداد حملة أخرى لإصلاح قطع السلاح المتوفرة في المدينة، ومن الراجح أن هذه الحملة شملت آلات الحصار، كما وصفها تقرير الوالي القازيقجي، فضلاً عن المدافع والأسلحة النارية والعادية الأخرى . ويدل توزيع الوالي قطع السلاح من (التفك) والسيوف على الجماهير، وتقسيم كميات البارود فيما بينها ، عن طبيعة المعركة كما فهمتها القيادة والجماهير معاً، فمسؤولية الدفاع لن تكون على عاتق الجيش النظامي وحده المتمثل بفرق الإنكشارية فحسب (رغم أن هذه الفرق لم تعد إلا أهل الموصل حصراً)، والحرب لن يتولاها الجنود المحترفون على الأسوار وفي الأبراج الحصينة، وإنما هي معركة الشعب كله، وعلى هذا ينبغي للسلاح أن يكون بأيدي الجميع، دونما تمييز.

التطوع الشعبي للقتال
ويمكن القول أن جميع ما حدث بعد ذلك من وقائع كان يعبر بجلاء عن حالة نادرة من التماسك الاجتماعي، فلم نسمع بانتماء غير الانتماء إلى المدينة، ولم يكن ثمة هدف إلا الثبات ودفع العدوان. واندمجت قوى الشعب المسلحة، والقوات النظامية والقيادة العليا، بحيث يعسر على الباحث أن يضع أي خط فاصل بين هذه القوى، ولاشك في أن القوات النظامية لم تكن تكفي للمقاومة الفعالة، فهذه القوات لا تزيد على ستة آلاف أو سبعة آلاف مقاتل في أقصى تقدير، بينما احتاجت الموصل إلى عدد يفوق هذا بأضعاف لتواجه جيشاً قدر بنحو ثلاثمائة ألف جندي. ولما كان عدد السكان في داخل المدينة قد بلغ نحو (50000) نسمة ، يضاف إليهم من قدم إليها من أهل القرى ، فإن المجموع كان يصل إلى (70000) أو (80000) نسمة. ونستطيع القول بأن عدد من كان يستطيع حمل السلاح من هؤلاء كان لا يقل عن (20000) أو (30000) رجل، وهو أقصى ما تستطيعه مدينة محاصرة أن توفره من جنود، وهكذا فقد كانت الموصل كلها في المعركة، وقد كشفت مجريات الحصار والعمليات العسكرية التي رافقته عن أهمية هذا العامل في رسم نتائج جميع الوقائع وصفحاتها المتعاقبة.
ولما لم يكن جميع المتطوعين مدربين على استعمال السلاح، لا سيما في مثل هذه المعركة الحاسمة، فقد عمدت القيادة الموصلية إلى تكليف فئة من العسكريين "يعلمون طرق الجهاد" و"يهدون ناساً سبل الرشاد" .


جانب من محلات الموصل القديمة

المشاركة في القتال
ويبرز دور (العساكر) النظامية في معركة الخيالة الخفيفة التي جرت عند مشارف الموصل بين (عساكر الإسلام المنصورة) بقيادة عبد الفتاح الجليلي (700 أو 800 فارس)، أخي والي الموصل وبين قوة كبيرة من الجيش الإيراني، قدرت بنحو عشرة آلاف مقاتل، وفيماعدا هذه المعركة، لم يعد ثمة دور مستقل لهذه القوات ، إلا بوصفها جزءً من قوى المدينة كلها، العسكرية والمدنية على حد سواء، ولم نعد نسمع إلا إشارات إلى (الناس) و(أهل الموصل) و(رجال الموصل) و(الجميع).
لقد استنفر الوالي الجليلي الشعب للقتال، فخرج الجميع حاملبن ما يملكون من أنواع السلاح.
ويقول القادري عن لسان حسين باشا الجليلي:
فقوموا يا قومي إلى السلاح وصاح فينا صائح: الفلاح!
وأعطي لكل مقاتل دوره في المعركة، فلم يكن ثمة جزء من الأسوار إلا وعليه مقاتل:
ورتب الناس على البروج وما ترى في السور من فروج

وحينما بدأ نادرشاه هجومه بقصف المدينة "بالمدافع الكبار والقنبر" في 8 شعبان 1156هـ/25 أيلول 1743م، كان أهل الموصل على الأسوار، مرابطين في الليل والنهار، لا يفترون عن الاستغفار. ولم تميز اطلاقات الجيش الهاجم بين أحد من أهل الموصل، فقد صارت المدافع تطلق قنابلها من إثني عشر جانباً على داخل المدينة. ويصف تقرير رسمي أثر تلك الإطلاقات بقوله إن "قطعها الهدامة للبيوت تسلب الراحة، وأصواتها الشبيهة بالصواعق تمثل حلول يوم القيامة" . ووصف مؤرخ موصلي أن الناظر كأنه كان يرى" أن السماء أمطرت ناراً على الأرض، وهاجت الحرب، وماجت الأرض، وعلا الصراخ، وكثر الرعد كالصواعق". وذكر أن هذه الإطلاقات هدمت كثيراً من الدور، و"دثرت بيوتاً لا يحصى لها عدد وأهلكت أنفساً كثيرة" . ولكن آثارها على الروح المعنوية للشعب كانت مختلفة تماماً، يقول هذا المؤرخ "ومع ذلك ما هالت قلوب الناس الغازين (أي المجاهدين) بل كلما زاد عليهم شديد ضرب المدافع والقنابر، إزدادوا شجاعة وثباتاً، وعلت أصواتهم بالتكبير والتوحيد للجليل الجبار إلى أن صاروا يعومون في بحر من نار كمثل طيور السمندر" .

الالتفاف الشعبي حول القيادة
وبعد ثلاثة أيام من القصف المتواصل، لاح للعيان فشل الصفحة الأولى من الهجوم في ترويع السكان بالقنابل لحملهم على الاستسلام، وافتتح نادرشاه الصفحة الثانية بتكثيف الهجوم بالمدفعية الثقيلة على برج (باشطابية) الأثري، حيث مقر القيادة الموصلية، وتمكنت قواته من إحداث ثغرة جسيمة فيه " تمكن الخيالة من اجتيازها فضلاً عن الرجالة"، فكان أن أمر الوالي الجليلي بسد الثغرة على الفور، وتولت فرقة معدة لهذا الغرض من البنائين، تسمى (المعمارية) العمل، فضلا عن سائر (الناس) وجازف هو بنفسه "وأحجار السور تهوى عليه كالمطر" ليحثهم على الإسراع بسد الثغرة، "فكلما انفتح جانب من السور سدوه بغرارات التراب، ووضعوا أجسام القتلى بدلاً من الحجارة" فأنقذت شجاعته، فضلا عن الموقف الشعبي المساند، الموقف، وتم إحكام البرج من جديد.


برج باش طابية حيث مقر قيادة
الحاج حسين باشا الجليلي


وتوالى هدير المدافع خمسة أيام أخرى دون انقطاع، قدر ما ألقي على الموصل خلالها بأربعين ألف أو خمسين ألف قنبلة مدفع، ومائة ألف قذيفة هاون، وكان الوالي الجليلي "من أول الليل إلى النصف الأول يدور حول البلد والبروج، ويقوي المجاهدين من الغزاة والثبات على الأعداء" ثم يقوم ولداه مراد ومحمد أمين بالسهر على الحصون حتى الصباح.
وازاء مقاومة الموصليين واستعدادهم عمد الإيرانيون إلى تكتيك عسكري كان متبعاً في حصار المدن المنيعة في ذلك العصر، وهو حفر أنفاق طويلة تحت الأرض، تتصل بأسس الأسوار، تسمى (ألغاماً) وتحشيتها بالبارود وتفجيرها لهدم تلك الأسوار، وهكذا فإنهم حفروا أنفاقاً من ناحية مرقد الشيخ قضيب البان، في خارج باب سنجار، وحشوها باروداً، إلا أن ذلك لم يؤد إلى الغاية المرجوة، إذ انفجر نفقان على الذين فوقهما، ولم يصل أثرهما إلى دعائم سور الموصل، فزاد ذلك في ارتفاع معنويات المدافعين، و"ثبت أهل الموصل أحسن ثبات" . ويصف القادري حال أهل الموصل في تلك الأيام الحاسمة بقوله :
فالتجأ الناس نعم للسور وفوضوا الأمر إلى الغيور
وأخلصوا لله بالنيات ووطنوا الروح على الثبات

قتال النفس الأخير
ولما لم يُجد القصف، ولا قطع المياه، ولا إطالة أمد الحصار، في الفت في عضد الجماهير المدافعة عن مدينتها، بدأت الصفحة الثالثة والأخيرة من العدوان، وذلك بالهجوم الكبير على الأسوار بأفواج كثيرة من الجند، تحمل نحو ألف سلم عال أعدت لتسلقها، وفي الواقع، فإن جماهير الموصل عبرت في صد هجوم السلالم هذا عن أروع معاني البسالة والتماسك الإجتماعي ، فحينما صد الجنود في الأسوار والمزاغل هجوم متسلقي السلالم بوابل من نيران بنادقهم، وبالقنابل اليدوية، وبالسلاح الأبيض، بل والحجارة ، وأوقعوا بمن كان في الخنادق، هبطت جماعات من الموصليين لتفتك بمن وجد في أسفل السور، فدارت معارك في الخندق "بالخناجر والسيوف"، وجرى سحب سلالم المهاجمين من على السور، "وكان كل واحد منهم كأنه أسد ضار" . ويصف مؤرخ معاصر، هو محمد أمين العمري، تلك الساعات العصيبة من تاريخ الموصل بقوله :

فنزل المسلمون وانقضوا عليهم انقضاض الشهب على الشياطين، وأعملوا فيهم السيف البتار، وفتكوا منهم ما لا عدد له، ولحق الغازون من خارج السور أثر الملحدين، كأمثال الذئاب، وقتلوا منهم ما لا يحصى عددهم، وأوقعوهم بالذل والخيبة، وكان يوماً على الكافرين عسيرا"

أذابت حمى الدفاع عن المدينة والاستبسال المتناهي عن كل حجر فيها، كل فرق بين من هو جندي في الجيش، وبين من هو فرد عادي من العامة، فلم نعد نقرأ عن جنود نظاميين، وأناس متطوعين، وإنما نقرأ عن (مسلمين) و(غزاة) و(شجعان موحدين) فحسب، يقاتلون بوصفهم كتلة متراصة واحدة.
وفي مساء ذلك اليوم "هبت نسائم النصر" إذ تأكد لنادرشاه، بما لا يقبل الشك، خسارة جيشه المعركة نهائياً، وعدم جدوى الوقوف تحت أسوار المدينة الصامدة، لتلقي المزيد من الخسائر، بينما كانت بوادر التململ السياسي قد أخذت تبين في داخل ايران نفسها. وفي اليوم التالي جرت مفاوضات قصيرة حول الإنسحاب، أريد بها الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهه إزاء جنده ، وبانتهاء ذلك، شرع الجيش الإيراني بالانسحاب غير مخلف وراءه إلاّ ذكريات الفشل والهزيمة المرة .


نادرشاه

خلاصة
لقد كشفت مجريات معركة حصار الموصل سنة 1156هـ/1743م عن أنها كانت – بالدرجة الأولى- معركة شعب يدافع عن وجوده، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وجميع ما ادعاه نادرشاه من أسباب الحرب، كشف الشعب بطلانه وزيفه. ولقد أدرك الموصليون، منذ اللحظة الأولى، أن الدفاع عن مدينتهم يبقى مسؤوليتهم هم، قيادة وجيشاً وشعباً، قبل أن تكون مسؤولية السلطان العثماني. لذا فقد استمات الجميع، دون انتظار لجيش أو مدد عثماني، من أجل الدفاع عن مدينتهم، ولذلك فإن النصر كله كان للجماهير الموصلية، على اختلاف أطيافها. ولم يجد معد التقرير الرسمي عن الحصار من فضل يُعزيه إلى السلطان سوى (دعواته المباركة)!.
لقد كانت- كما سماها باحث معاصر بحق- (ملحمة الموصل) كل الموصل، وهي بذلك تعد أنموذجاً نادراً لمدى ما يمكن أن تؤديه روح المدينة، المعبرة عن تماسك جماهيرها ووحدتها، من دور مؤثر في الاستجابة للتحديات .



#عماد_عبدالسلام_رؤوف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- قادة الفصائل الفلسطينية في منتدي -مغرب مشرق- في تونس
- السيناتور الأمريكي ساندرز يطالب بوقف تواطؤ بلاده في الكارثة ...
- تحرك في الكونغرس لعزل بايدن بتهمة شراء الأصوات من المتظاهرين ...
- رفح.. العدو على أبواب مصر
- “أمن الدولة” تجدد حبس معتقلي “بانر التضامن مع فلسطين” 15 يوم ...
- طلاب العالم اتحدوا ضد الصهيونية وداعميها الرأسماليين
- غزة: السابع من أكتوبر في المنظور التاريخي
- بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قض ...
- الشرطة تعتقل متظاهرين مناهضين للحرب الإسرائيلية على غزة في ج ...
- العدد 555 من جريدة النهج الديمقراطي


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد عبدالسلام رؤوف - دور الجماهير في صمود الموصل سنة1156ه/1743م