أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - زيد عيد الرواضية - متاهة الأعراب في مواجهة الإرهاب















المزيد.....

متاهة الأعراب في مواجهة الإرهاب


زيد عيد الرواضية

الحوار المتمدن-العدد: 4575 - 2014 / 9 / 15 - 00:23
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


بدأ الإنسانُ الأولُ رحلته على هذه الأرض كائناً بدائياً متوحشاً يصارعُ المخلوقات الأخرى من أجلِ البقاء. ولمَّا وُهِبَ مَلكةَ العقلِ بدأ مغامرته الأولى في البحثِ عن الحقيقة. واستمرَّ في أثناءِ ذلك يستخدمِ القوّةَ والعنف لترويضِ الطبيعة بما في ذلك الإنسان نفسه. أخطأ كثيراً وشعرَ بالذنب أكثر، وعادَ تائباً "للربّ" وقدَّمَ له القرابين، وفي رحلةِ البحث الطويلة تراكمت التجاربُ والأساطيرُ والطقوس واصطدمت بالكشفِ العلميّ والرقيّ العقليّ فخرجَ الإنسانُ من كهوفِ الظلامِ مستقبلاً أشعةَ شمسِ الحضارة الحديثة. وشهدتْ أوروبا خلال القرن الماضي حروباً وحشيّة نفضَ فيها الإنسانُ الأوروبي الغبارَ عن عينيه وتخلصَ من شهوته المحمومة للدم وترَّفعَ عن "حيوانيَّته" وأدركَ قدسيّةَ الإنسان، وباتتْ كلّ الطرقُ تؤدي إلى الله ما دُمْتَ لا تؤذي أحداً.
مع بداية القرن الماضي كان العالم قد شهد تغيرات كبيرة، وكانت الدولة العثمانية قد بلغت حالة من الضعف لا يمكنها معها الصمود أمام تحديات الداخل والخارج، وتمكن أتاتورك ورفاقُ دربه من الحفاظ على تركيّا من الاحتلال الأوروبي، فتأسست الجمهورية ونزعَ التركيُّ رداءه الشرقي وولَّى وجهه شطرَ الغرب. وبرغمِ تخلصِ العرب من الحكم التركي إلا أنهم لم يسلموا من الاحتلال الأوروبي، وبعدَ سني النضال وجلاءِ المستعمر ظهرَت طبقة من الحكام المحليين في بعضِ الدول أثبتوا في فترات وجيزة أنهم أسوأ بكثير من المستعمر الأجنبي، وكانت الانقلابات العسكرية هي الوسيلة الأكثر شيوعاً لبلوغ سدة الحكم.
ومع انتصافِ القرنِ الماضي، بدأت المنطقة العربية تعيشُ حروبها مع اسرائيل، وكانَت "أمريكا" بالنسبة للقومجيين والشيوعيين العرب محور الشَّر الأكبر، في حين كانَ الليبراليون والعقلانيون يرونَ فيها راعية السلم الدولي وضمانة الحرية وحقوق الإنسان في "العالم الحر". وكان العربُ دوماً، والمؤسفُ حقاً أنهم لا يزالون إلى اليوم، موقنين بحتميّة النصر على "أعداء الله"، وتحولتِ المساجد إلى منابر سياسية تؤجج مشاعرَ المؤمنين وتعدهم بنصر من الله قريب، ويختمُ الخطيبُ بالابتهال إلى الله أنّ يرمّلَ نساءَ اليهود وييتمَ أطفالهم، وهو أمر في ظنّي ينمُّ عن أرواح أقل ما يُقال فيها "شريرة". في أثناء ذلك تستمرُ إسرائيل بتحقيق انتصارات كبرى، وتبني دولة ديموقراطية توفرُ لمواطنيها (بمن فيهم العرب من سكان اسرائيل) حقوقاً لم تستطع أي دولة عربية أن توفرها لمواطنيها إلى اليوم. وتستمرُ الهزيمة، ويشعرُ العربي بحجم الذلّ، وتطفو على السطح تساؤلات كبيرة، لكنّ أمراً ما يستحقُ الملاحظة وهو أنه كانَ هناك دائماً طرفٌ ما يصلحُ لأنّ نحمله كاملَ المسؤولية عن هزائمنا. أعادَ ممتطو صهوةَ الدين ديباجة شديدة القدم وشديدة السذاجة مفادها أن الله يعاقبُ المسلمينَ حينَ يبتعدونَ عن دينه.
خلال الحرب ضد السوفيتيين، استغلَّ الأمريكيون الدعوة الوهابية ذات الطابع الإجرامي والفهم الضيّق للدين، والمال السعودي وحماقةَ الحكومات العربية ووظفت "الجهاديينَ" محاربين نيابةً عنها في أفغانستان. وكان الجهاديون بالنسبة للأمريكان مقاتلين بالغي الأهمية لأنهم يُقبلون على الموت أكثر من إقبالهم على الحياة. وكانَ هؤلاء مقتنعين بحربهم ضدّ عدوّ الله في حين كانوا في واقعِ الأمر يحاربون عدو أمريكا ويقدمون لها خدمات مجانيّة. وعاد المقاتلون إلى بلادهم وقد اكتسبَ أكثرهم خبرات قتالية وميولاً أقوى للعنف وقناعات راسخة بأهميتهم كحماة للدين، وساهمت المجتمعات العربية التي استقبلتهم كمجاهدينَ منتصرين بتعزيز هذه المشاعر لديهم. وكان الناسُ حينَ يريدون الإشادة برجل صالح يقولون "خَرجَ إلى أفغانستان". وتفرَّغ هؤلاء "الصالحون" للدعوة في بلادهم، ونجحوا على غفلةٍ من الدولة في خلق جيل من المتطرفين الذين ظهروا اليوم كلاعبين مؤثرين في ميادين الإرهاب.
حينما تفجرت شرارة الثورات العربية، وافضت الاحتجاجات في تونس ومصر وليبيا إلى سقوط أنظمة قمعية بنسب متفاوتة، شعرُ الكثيرون في المنطقة العربيّة بالتفاؤل، وأطلقَ المثقفون والإعلاميون تسمية "الربيع العربي" على هذه الفترة، وهي تسمية، في اعتقادي المتواضع، تجسدُ رومانسية تاريخيّة في الخطاب العربي لم نتشافَ منها بعدُ. والحقيقة أنّه في خضمّ الحماس الكبير لهذه الثورات نسيَ الكثيرون أنّ الشعوبَ أنفسها غير مستعدة للتعبير دونَ عنف، فثمَّةَ مخزون هائل من الكبت والغضب، وجاءت الثورة لتخرجَ إلى السطح ما نجحت الأنظمةُ القمعيّة في إخماده لعقود طويلة من الزمان.
الحالة السوريّة تصلحُ نموذجاً لما نطرحه هنا، فحينما بدأتِ الاحتجاجات في درعا استخدمت أجهزة الدولة إرهابها المعهود ضدّ المواطنين بإفراط شديد هذه المرة مما أجج الأمر ودفعَ إلى حالة من الفوضى في مدن مختلفة في سوريا وصولاً إلى المطالبة بإسقاط النظام واستخدام القوة المضادّة مما قادَ إلى ظهور قوى أخرى عسكريّة (الجيش الحر) ثمَّ إسلاميّة تمتطي، وهذا شأنها في التاريخ، صهوة الأحداث بانتهازيّة دنيئة وتمارسُ حرباً استئصالية ضدَّ كلّ الكفّار، وهي تسمية مطَّاطيّة تشملُ كلَّ من يعارضهم من النهج والتفكير والممارسة.
ونقلَ لنا الإعلامُ صوراً بشعة للغاية لبشر متوحشين يقتلعونَ قلوبَ بشر آخرين ويلتقطونَ صور تذكاريّة ومقاطع فيديو تخليداً "لبطولاتهم"، ومشاهد أخرى مروعة لإعدامات جماعية وذبح ونحر بالأسلحة البيضاء. ولقد اندهشَ العربُ، وما أكثرَ ما يندهشون، من حجمِ الوحشية هذه، وبتنا نسمعُ أصواتاً هنا وهناك من مثقفين وأناس بسيطين يتساءلون: من أين جاء هؤلاء بكلّ هذا العنف؟! وهذا سؤال برئٌ للغاية، لأننا قومٌ لا نقرأُ التاريخ، ولا نقرأُ، هذا إن قرأنا، سوى شعر محمود درويش عن "الحصان الذي تركناه وحيداً" وحكايات "الأسود الذي يليقُ بك". ففي تاريخنا، كما هو الحال في تاريخ البشريّة جمعاء، تراث هائل للعنف، ولكنّ الفرقَ بيننا وبينهم أننا نقدسُ هذا التراث ونعلمه للأجيال الناشئة فيصبحُ أطفالُ اليوم هم قتلة الغد.
في حالة الفوضى هذه، ظهرت فئة إسلاميَّة لها جذورها في التاريخِ الديني، والتاريخ الديني الإسلامي على وجه الخصوص، وهي فئة تشبه إلى حدّ كبير طائفة الحشاشين في الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلاديين، وأعلنت قيامَ "الدولة الإسلامية في العراق والشام" باسمها الحركي المُنفّر داعش، وأخذت هذه الفئة تستقطبُ أعداداً هائلة من الشباب الحالمين بعودة "الخلافة" وتطبيقِ شرعِ الله. وحينَ تنبه العالم إلى خطر هذه الفئة بدأَ يحشدُ قواه لمحاربتها والقضاء عليها.
حينَ يتحدثُ العرب عن الإرهاب يلقون في كثير من الأحوال باللائمة على أمريكا واسرائيل لأنهما وفرتا مبررات كافية لظهور جيل من المتطرفين العابرين للقارات والمستعدين دوماً للانتقام من هاتين الدولتين وحلفائهما في العالم بما فيه العالم العربيّ. لكنتا نتناسى أمراً مهماً جداً وهو أن الأنظمة العربيّة عموماً توفر بيئة خصبةً للإرهاب والتطرف، وهنا يجبُ أن ننبّه إلى أن المناهج المدرسية بل والجامعيّة المتعلقة بالتعليم الديني هي الوقود الذي يذكي لهيبَ التطرف لدي الأجيال الناشئة بما تقدمه هذه المناهج من قراءة سطحية عقيمة للتاريخ الإسلامي لا تفرقُ بينَ المقدس والبشري، وتخلطُ بين الدين والدنيا وبين مقاصد الله ومصالح العباد، وترسمُ صورةً أسطوريَّةً لزمنِ الخلافة لا يمتُّ للواقعِ التاريخي بصلةٍ، وبالتالي نجد أنفسنا أمام أجيال مُحبطة من الواقع تهربُ إلى الماضي "السعيد" كما وُصِفَ لها، فتجدُ في التطرفُ الديني ملجأً لسدّ هذا الفراغ وفضاءً لأحلامها البريئة الساذجة.
يتلقى أبناؤنا في معظم الدول العربية تعليماً دينيّاً يصرُّ على ازدراء الحضارة الإنسانية واحتقار الأديان الأخرى ويبثُّ روحَ الكراهية، ويقدمُ تصوراً مشوهاً للماضي، ويكررُ على أسماعهم لأعوام طويلة قصصَ الحروب والقتل ويقدمها على شكل بطولات ملحميّة بين الخير (الإسلام) والشر (المشركين) وبهذا تشوهُ هذه المناهجُ براءةَ الأطفال وتغرسُ فيهم بذرةَ العنف. لذا لا عَجبَ حينَ نرى شباباً في عمر "الورد" يتركونَ جامعاتهم ليلتحقوا في صفوف المقاتلين الإسلاميين ويتحولون إلى قتلة ومتطرفين بمناظر منفرّة. والحقيقة أن المحزنَ حقاً أن تجدَ مؤسسات البحث العلميّ تحتضنُ الإرهابيين وتقدمُ لهم مساحة للظهور والتأثير، فتحتفي بعضُ جامعاتنا بدُعاة "خطرين" من دولِ عربيّة شقيقة، وتتركُ المجالَ أيضاً لأكبر دعاة الكراهية المحليين لنشرِ خطابهم المريض للأجيال الشابة. فقبل أيام معدودة خصَّصَ موقع الكترونيّ لإحدى الجامعات الأردنيّة على صفحته الأولى رابطاً يقود إلى صفحة داعية وعضو من أعضاء كلية الشريعة تشبهُ إلى حدّ كبير صفحات الدعاة ومروجي "فقه النكد"، وهذا السيد (الدكتور؟) هو رجلٌ كرَّسَ حياته و(علمه؟) لحجاب المرأة ولباس المرأة وصوت والمرأة ولكلّ شيء يتعلقُ بهذا المخلوق الشرير! وهو شابٌ مؤمنٌ بالمؤامرة الكونيّة ضدَّ الإسلام، وعدو لدود للعلمانيين والليبراليين والشيوعيين والشيعيين ولكل شيء لا يتفقُ مع فهمه الضيقِ للدين.
وإلى جانبِ التعليم الديني، تساهمُ المساجدُ إلى حدّ كبير في خلق طبقة مجتمعية عنيفة من خلال تجييشِ مشاعر الناس البسطاء واستغلالِ حالة اليأس لديهم. فيتحولُ الجامعُ الذي يُفترضُ أن يجمعَ قلوبَ المؤمنين على حبّ الله إلى معهدٍ يخرّجُ القتلة والمجرمين.
علينا أن ندركَ اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، ونحنُ نواجهُ "لوثةَ عقل" وجرثومة سرطانيّة تهددُ الإنسانيّة جمعاء، أنّ هذا العالم بات أصغر من ذي قبل، وليسَ هناك من هو في مأمنٍ. ولهذا فإن تجفيف منابعَ الإرهاب لا يكونُ بالحرب، برغمِ حتميتها في ظلّ الظروف الحالية، بل بالتخلص من تراث الكراهية والعنف في مناهجِ التعليم الديني في المدارس والجامعات العربيّة، وبتعزيز المساءلة القانونية ضدَّ المُتنفِّعين من الدين ودعاة الكراهية وأصحاب الخطاب الديني المتطرف أملاً في بلوغ مجتمعٍ مدني حر يُقبلُ فيه الإنسانُ على الحياة والعمل والانتاج أكثرَ من إقباله على الموتِ والخنوعِ والابتهال. فالطريقُ إلى الله مفروشةٌ بالورد لا بالعبوات الناسفة، ولا شكَّ أن الحبَّ، ولو بعدَ حين، وحدهُ الحبّ سيحيا.





#زيد_عيد_الرواضية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - زيد عيد الرواضية - متاهة الأعراب في مواجهة الإرهاب