أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الرواية والمدينة: إشكالية علاقة قلقة















المزيد.....

الرواية والمدينة: إشكالية علاقة قلقة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1286 - 2005 / 8 / 14 - 10:20
المحور: الادب والفن
    


ليس الهدف من هذه المقالة تناول الكيفية التي تُصور بها الرواية المدينة، بل محاولة الإجابة عن التساؤل؛ كيف أصبح الفن الروائي ممكن الوجود مع انبثاق المدينة البورجوازية الحديثة التي ولدت إبان الثورة الصناعية؟. وكيف أن ثقافة المدينة من خلال شروطها الاجتماعية هي التي خلقت الرواية؟.
ـ 1 ـ
في بداية القرن السابع عشر ظهرت رواية ( دون كيخوته ) لسرفانتس تتويجاً لسلسلة من روايات الفروسية في إسبانيا. ولم تكن ( دون كيخوته ) امتداداً اعتيادياً محضاً لتلك الروايات، بل شكّلت قطيعة معها. فبطلها ( دون كيخوته ) لم يخرج لإزالة مظالم العالم إلاّ بعد أن قرأ عدداً هائلاً من روايات الفروسية، وتأثر بها عميقاً. والرواية بمجملها تعد محاكاة ساخرة لروايات الفروسية، وإعلاناً عن نهاية عهد البطولات المرتبطة بحقبة الإقطاع الآيلة إلى الانتهاء.
وكانت رواية ( باميلا ) لريتشاردسن في العام 1740 علامة أولى حاسمة في تاريخ الرواية دشنت لازدهار هذا الفن الأدبي، لا من طريق توسيع معرفتنا بالطبيعة البشرية فقط، وإنما بإطلاق العنان للخيال الإنساني كما يقول كولن ولسن، والذي يتطرف في رؤيته حد القول؛ (( لم يحدث أي شيء في أوروبا يمتاز بالثورية التامة حوالي العام 1740. أما بالنسبة للثورة الصناعية والثورة الفرنسية فقد جاءتا بعد مرور خمسين عاماً على ذلك، في وقت كانت فيه ثورة الخيال قد غيرت من أوروبا. لقد كانت تلك نتائج وليس السبب.
كلا. إن رواية ( باميلا ) لريتشاردسن هي التي أحدثت التحول العظيم )) ( 1 ).

ـ 2 ـ
إذا كانت الرواية واحدة من صناعات المدينة البورجوازية الحديثة فإنها لم تكتف بتصوير نمط الحياة في هذه المدينة، بل اخترقت فضــاء المدن الصغيرة ( البلدات ) والأقاليم والأرياف.
يرى جورج هنري لاري (( أن العلاقة بين المدينة والرواية هي قلقة وغير ثابتة )) ( 2 ) ويتحفظ على القول بأن الرواية ( كائن مديني ) ويقول؛ (( أنها مخلوق إقليمي في الأغلب أو أنها في التعبير الأمريكي مقيمة في البراري والبحار والأنهار أو ساكنة للماضي )) ( 3 ) ويستعرض أسماء روائيين عظام من القرنين التاسع عشر والعشرين منهم [ تورجنيف وفلوبير وستندال وأوستن والأخوات برونتي وتوماس مان و د. ه. لورنس وكونراد وفوكنر ] ليؤكد أن (( بؤرة الرواية هي الإقليم والبلدة والقرية والمقاطعة في معظم الأحيان )) ( 4 ) عند هؤلاء، وليست المدينة العاصمية الكبيرة. وأن النسيج الاجتماعي عندهم هو نسيج المدينة الصغيرة، حيث ينطبق هذا الأمر أيضاً على عوالم دستويفسكي وتولستوي.
مقابل أولئك، نستطيع أن نأتي بأسماء كثيرة أخرى لروائيين كانت بؤرة رواياتهم المدينة الكبيرة [ هنري ميلر، ألبرتو مورافيا، إيريس مردوك، آلان روب غرييه، نجيب محفوظ، ميلان كونديرا، الطاهر بن جلون، وعشرات غيرهم ] فالمدينة هي التي غذت الرواية لا بمناخ فضاءاتها فقط وإنما بما وفرته من أرضية لنشوئها كذلك.
ـ 3 ـ
من الحقائق التي لا يمكن التغاضي عنها أن الرواية بعدّها جنساً أدبياً مكتوباً يفترض انتشارها أن تطبع بنسخ كثيرة. وهناك رأي لا يفتقر إلى الصواب يجد أن ماكينة الطباعة ساعدت إلى حد بعيد في ولادة وازدهار الفن الروائي.
إن ماكينة الطباعة ترتبط بالعصر الصناعي الذي يكافئ وجود المدينة الحديثة. وماكينة الطباعة هذه هي التي مهدت لخلق الصحافة ( صحف ودوريات ) والتي هيأت لنمو أشكال أدبية جديدة، مثل القصة القصيرة والرواية المسلسلة التي يمكن للصحيفة استيعابها ونشرها. فضلاً عن أن ارتفاع مستوى المعيشة، وبروز الطبقة الوسطى قائدة للاقتصاد الصناعي، وانتشار التعليم، ولاسيما بين النساء، مع توسع أوقات الفراغ، قد أفرز جمهوراً شغوفاً بقراءة الروايات. ومن طريف ما يحكى بهذا الصدد أن نساء بطرسبورغ كن يرسلن خدمهن إلى مقر الصحيفة التي كانت تنشر رواية تولستوي ( آنا كارنينا ) ليسألوا المحررين فيها عن أخبار ما آلت إليه العلاقة بين آنا وعشيقها وزوجها ( شخصيات الرواية ) قبل أن تصدر الصحيفة وتوزع.
ـ 4 ـ
في المدينة التي راحت تتوسع يوماً بعد آخر، وتكتظ بالسكان القادمين، في الغالب، من الأرياف والإقطاعيات انتعش فن الرواية. فهذه المدينة شهدت تحولات سريعة في المناحي كافة لتكون (( المـركز العصبـي لحضارتنـا، وقلب العاصفة )) ( 5 ) كما يقول جوسيا سترونغ.
هاهنا غابت الطبيعة، وأقيمت الأكواخ المتلاصقة الممتدة للعمال إلى جانب فيلات البورجوازيين وعماراتهم الشاهقة. وتحدد أفق النظر، وتعكرت زرقة السماء بدخان المصانع. وفي خضم الحياة الصعبة، تحت وطأة علاقات اجتماعية واقتصادية جديدة، أفرزها العهد الصناعي، طرأ تغير على علاقة الإنسان بالزمان والمكان، واضمحل الحب العاطفي، وأصبحت المدينة مادية وفردية وقذرة.. بلا قلب.. بلا ضمير.. لامبالية، وقاسية.
هكذا صوّر الروائيون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر المدينة. وكانت رواياتهم تحمل نبرة الهجاء لها، والشعور بالازدراء تجاهها وعدِّها موطن الخطيئة والرذائل والشر. ولعل روايات أميل زولا وتشارلس ديكنز هي الأمثلة الأكثر تصويراً لمناخ المدينة الاجتماعي والثقافي في تلك الحقبة. فروايات ديكنز بخاصة ما هي إلاّ (( مقالات عن عدم وضوح لندن وعسر استيعابها )) ( 6 ).
في المدينة التي بات مصير البشر يُحسم فيها تولّد الحنين لحياة الماضي الريفية والرعوية، فكان الأدب الرومانسي تعبيراً عن هذه الحساسية، إلى جانب أن المدينة الجديدة قد غذّت نزعة السخرية والتهكم. وكما يقول أكتافيو باث؛ (( ليس هناك سخرية في كتابات هومير أو فيرجيل. يبدو أن أرسطو قد بشّر بها، ولكن لم تتشكل السخريـة قبل مجيء سرفانتس )) ( 7 ) ويستطــرد باث قائــلاً أن (( السخرية هي الاختراع العظيم لروح العصر الحديث )) ( 8 ).
ومع السرعة والتعقيد وانعدام السكونية وانهيار كثر من القيم القديمة، وصعوبة إيجاد سلالم بديلة لها ( للقيم ). وأيضاً مع بقاء الصراع بين القديم والجديد، راحت الرواية تغادر أشكالها التقليدية لتبتكر لنفسها طرقاً مغايرة للتعبير، ورؤية متجددة للحياة والعالم، وأسلوباً مبتكراً للتعامل مع الأشياء، وشكلاً حديثاً في الأدب، ولغة مختلفة.
ـ 5 ـ
منذ ريتشاردسن يمكن أن نكشف كما يوضح أيان وات (( بداية ما تعرفنا عليه مؤخراً بالعصابية الحضرية: حيث الاغتراب والقلق والتوتر والوحدة )) ( 9 ).
إن واحداً من العوامل الهامة في ظهور الفن الروائي هو ولادة الفرد قيمة حرة ومستقلة له مميزاته الشخصية والفكرية التي تُخرجه من هلامية القطيع وتجعله في مواجهة قدره وحيداً.. هذا الفرد برز مع بزوغ الفكر الليبرالي في عصر الأنوار، في أوروبا، والذي رُشح ليكون بطلاً ـ شخصية رئيسة ـ في الرواية، على الرغم من كونه إنساناً في المستوى الاعتيادي، لا يأتي بالخوارق ولا يصنع المعجزات، وإنما يمضي حياته وحيداً، في أكثر الأحايين، مع همومه وأفراحه ومصائبه.
إن شخصية المتشرد المنفصل عن كيان المجتمع، والتي تناولتها روايات القرنين السادس عشر والسابع عشر هي التي هيأت للشخصية الروائية المتفردة التي عرفناها، فيما بعد، فرصة أن تكون.
يقول الروائي التشيكي ميلان كونديرا:(( إن المجتمع الغربي يقدم نفسه بشكل اعتيادي كمجتمع تصان فيه حقوق الإنسان، ولكن قبل أن يستطيع أي إنسان أن يحصل على حقوقه فإنه كان عليه أن يؤسس نفسه كفرد. أن يفكر في نفسه ملياً كذات هائلة، وأن يتم التفكير به كذات هائلة من قبل الآخرين، لم يكن لذلك أن يحدث بدون التجربة الطويلة للفنون الأوربية وبشكل خاص فن الرواية، الذي يعلّم القارئ أن يكون محباً للاستطلاع والتعلم عن شؤون الآخـرين، وأن يحـاول أن يفهم الحقائق التي تختلف عن حقيقته )) ( 10 ).
ـ 6 ـ
إن الرواية، اليوم، تتحدث عن إشكالية وجود الإنسان وعلاقته مع ذاته والآخرين والعالم، ومع المؤسسات وأشكال السلطة، والتباس هذه العلاقة، وحيرة هذه الإنسان وقلقه وهو يتعامل مع مفردات الحياة في ظل الآخرين والمؤسسات وأشكال السلطة. فقد اعتمدت الرواية على الخبرة الحياتية المباشرة، واستمدت طاقتها الداخلية من سير البشر الاعتياديين الذين يولدون ويموتون.. يحبون ويكرهون ويكافحون وينشؤون العلاقات الحميمة، ويعادي بعضهم بعضاً.
(( ماذا نعني بالفرد؟ أين تكمن هويته؟ إن الروايات كافة تبحث للإجابة عن هذه التساؤلات )) ( 11 ). كما يقول كونديرا. وعند هذه النقطة يمكن القول أن الفرد المستقل، المميز الشخصية هو ابن المدينة الحديثة.. المدينة التي اقترحت حين تأسيسها، الرواية جنساً أدبياً يخصها ـ أي المدينة ـ قبل أن يخص غيرها.
الهوامش:
( 1 ) كولن ولسن ( فن الرواية ) ترجمة؛ محمد درويش ـ دار المأمون ـ بغداد / 1986.
( 2 ) جورج هنري لاري ( الرواية والمدينة ) مجلة الثقافة الأجنبية ـ العدد 3 / 1983 ـ ص 8.
( 3 ) ( 4 ) المصدر السابق ص 5.
( 5 ) نقلاً عن المصدر السابق ص 17.
( 6 ) المصدر السابق ص 22.
( 7 ) ( 8 ) نقلاً عن ( الطفل المنبوذ ) ميلان كونديرا.. ترجمة رانية خلاّف ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ القاهرة ط1 / 1998.
( 9 ) نقلاً عن ( الرواية والمدينة ) مصدر سابق ـ ص 7.
( 10 ) ميلان كونديرا ـ مصدر سابق ـ ص14.
( 11) المصدر السابق ص 17.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع الاستهلاكي.. انهيار مقولات الحداثة
- العولمة والإعلام.. ثقافة الاستهلاك.. استثمار الجسد وسلطة الص ...


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الرواية والمدينة: إشكالية علاقة قلقة