أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - حبيب الخليفي - الجبهة الشعبية و مشروع الجمهورية الديمقراطية الشعبية















المزيد.....


الجبهة الشعبية و مشروع الجمهورية الديمقراطية الشعبية


حبيب الخليفي

الحوار المتمدن-العدد: 4464 - 2014 / 5 / 26 - 16:12
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    



تشكلت الجبهة الشعبية حول مضامين مشتركة لعديد القوى السياسية التقدمية والثورية ، وفي إطار التفاعل الإيجابي مع مستجدات واقع البلاد السياسي ، بما يمكن من تأسيس لمشاركة لفعلية في الحياة السياسية لجماهير شعبنا على إثر إنتفاضة 17 ديسمبر ، المحطة النضالية التي غيرت وجه الخارطة السياسية ، وإن ظاهريا ، بما خلق هامشا لا بأس به من حرية الفعل الميداني الشرعوي ، ويدفع باتجاه القطع مع واقع انعزال القوى الثورية ، الذي كان بدوره ناتجا على نرجسية ثورية تربى عليها الغالبية العظمى المشكلة لقوى الجبهة الشعبية ، والتي بات من الضروري مراجعتها في عملية نقد ذاتي تبدأ بإعادة النظر في علاقة التكتيك بالإستراتيجيا ، الذي كان منتهجا من طرف القوى الثورية بطريقة أثبتت خطأها وعدم قدرتها على مواكبة اليومي السياسي بكيفية تضمن التأثير على المجريات اليومية للسياسة الاقتصادية للبلاد والعباد.
إن انتهاج هذا المسلك للعمل السياسي ، بما هو عمل جبهوي مشترك ، يفترض التأسيس له بطريقة تضمن له الفاعلية والمردودية في الدعاية والتنظيم وتأسس لضمان الاستمرار في الفعل الثوري للأجيال القادمة ، وذلك اعتمادا على المخزون السياسي والنضالي الثوري لجميع المكونات المؤسسة لهيئة أركان الجبهة الشعبية باعتبارها بديل سياسي نقيض لما هو سائد وهو فعلا البديل السياسي الثاني كما وصفه الشهيد شكري بالعيد ، فالبديل السياسي السائد ورغم اختلاف وجهتي العملة فيه ظاهريا وشكليا فإن التعبيرة الدينية والمدنية جوهرها واحد وهو ليبرالي في اختياراته الاقتصادية ولا شعبيا في اختياراته الاجتماعية ولا وطنيا في ارتباطه بالدوائر الدولية وإملاءاتها بصدد منوال التنمية المنتهجة محليا وإقليميا. أما خيار الجبهة الشعبية بما هو البديل النقيض فهو في تعارض جوهري مع المنحى الاقتصادي القديم الذي بانت مساوءه وأظهر فشله في التنمية بعد أكثر من أربعة عقود من التجربة. وحتى يتسنى لعموم أبناء شعبنا التمييز بين الخط السياسي للجبهة الشعبية والخط السياسي السائد لليبرالية ، بشقيها الإسلاموي والدستوري ، ومن باب فرز أصدقاء الشعب من أعداءه ، وجب تبسيط جملة أوجه الاختلاف بصدد أمهات المسائل بدءا بالمسألة الوطني والموقف من مقترحات منوال التنمية في علاقة بالمحيط الوطني والإقليمي والدولي ، وكذلك بمراكز القرار المالي الدولي ، وصولا للمسألة الديمقراطية باختلاف مفهوميها الليبرالي والشعبي.
في المسألة الوطنية
إن الارتهان للدوائر المالية العالمية هو البوابة الحقيقية لهيمنة الاستعمار الجديد على مقدرات الشعوب ، وهو في الجوهر انتقاصا للسيادة الوطنية ، فبرغم احتياج الاقتصاد التونسي لمصادر تمويل ضخمة،تكون القاطرة الفعلية لدفع عجلة الاقتصاد المعطلة أصلا،لتحقيق النمو و معالجة إشكالات البطالة والتضخم و التصدي لكل الآفات التي تنخر الاقتصاد كغلاء المعيشة الناتجة على الارتفاع المتواصل للأسعار،و المضاربة و التهريب،وغيرها... بغاية الخروج من الوضع ألمأزقي الذي تسببت فيه كل الحكومات المتتالية منذ الستينات حتى حكومات الترويكا ،ومنظومة 23 أكتوبر البالية ،في تواطأ متصل مع منظومة الفساد الدولية المشرفة على صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و سائر الدوائر المالية المانحة. فان اللجوء للاقتراض الخارجي سيكون ،بحسب وجهة نظر الجبهة الشعبية ،مرفوضا وغير مقبولا ،قبل إتمام عملية مراجعة و تدقيق في جملة الديون المتخلدة في رقاب أبناء شعبنا ،وهو ما طالبت به الجبهة الشعبية ،في إطار تحديد المسؤوليات بين الدائن و المدين،نحو ترشيد المديونية كضامن لاستقلال قراراتنا السيادية الوطنية وكذلك ،و في نفس السياق طالبت الجبهة الشعبية بإعادة جدولة جملة الديون المتخلدة ،مع مدة إمهال في الدفع لا تقل عن 3 سنوات ، حتى يمكن إعادة استثمار جملة المبالغ المرصودة لتسديد الدين الخارجي في دعم و رسم منوال تنمية ملائم لخصوصية اقتصاد تونس ،باعتباره اقتصاد فلاحي بالأساس ،دونما اللجوء لمزيد الاقتراض لارتفاع حزمة الشروط فيه ،وبالتالي غلاء تكلفته،إن إنقاذ الاقتصاد التونسي وإنعاشه ، ممكن ويجب ان يكون بأقل الأضرار ،فلا مزيد من المديونية ،حتى يتم تسديد القسط الأكبر من الديون .
إن التركيز على المسألة الوطنية ،تبدأ من باب القطع مع الارتهان للدوائر المالية المانحة،فنحن إذ لا ننكر تقاطع المصالح الاقتصادية و السياسية ،إقليميا و دوليا ،فإننا نرفض و من موقع المسؤولية الوطنية ،الهيمنة و التبعية التامة للرأسمال المالي العالمي،و نقدر بموجب ذلك ،حقنا في الدفاع على قدراتنا التنافسية في الأسواق الدولية وفي كل المجالات المنتجة و خصوصا منها الفسفاط و البترول و المواد الفلاحية البيولوجية ذات القيمة المضافة العالية و المنتجات البحرية بما يعني مزيد ضبط مواردنا الطبيعية وحسن مراقبتها و مراجعة ترشيد التصرف فيها ، ومراجعة كل الاتفاقيات المبرمة و المتعلقة خصوصا بالقطاعات الصناعية و الفلاحية المنتجة،لذلك كان الموقف من حملة مهدي جمعة ،موقفا مبدئيا من حيث رفض الجبهة الشعبية ،لمزيد الارتهان لهيئات الرأسمال المالي الدولية،لما يمثله من سلب لحرية القرار السياسي و استقلاله.
إن مطلب الدوائر المالية الدولية ، لتزعم القطاع الخاص في قيادة قاطرة الاقتصاد التونسي و إلغاء دور القطاع العام فيه ،هو من باب المجازفة خصوصا إن المنظومة القانونية الحالية المعتمدة لا تسمح بهكذا تغيير هيكلي فوري و مفاجئ ،و التفكير في تغيير هذه المنظومة القانونية ،باعتبارها الأساس البنيوي لكل منوال تنموي ،له تكلفة باهظة الثمن ،نحن في غنى عنها،و لسنا مؤهلين لتحملها في الحال ،فالجبهة الشعبية تعتبر إن للدولة الدور الرئيس في إنقاذ الاقتصاد ، و تقترح للقطاع العمومي دور القاطرة في عملية الخروج من دورة الأزمة الاقتصادية ،و ذلك لما تمثله استثماراتها من حجم و ثقل مالي كبيرين.
إن الوضع الاقتصادي الراهن للبلاد التونسية، بما هو وضع مأزقي، يتميز بارتفاع مؤشرين خطيرين في نفس الوقت ()البطالة و التضخم() ،ما يستدعي تضافر كل الجهود مع مساهمة كل القطاعات المنتجة ،العامة منها و الخاصة أيضا ، على حد السواء حتى نتمكن من عبور الأزمة بسلام و بأقل الإضرار وعلى فترة زمنية متوسطة المدى ، حتى لا نقول قصيرة المدى.أما إن نعول فقط على القطاع الخاص كما تأمر به الدوائر المالية الدولية ،فذلك كمن يحاول التحليق بجناح واحد.
في المسألة الديمقراطية
تختلف التعريفات في المسألة الديمقراطية من الفهم الليبرالي إلى الفهم الثوري ، فالأحزاب الليبرالية بشقيها تعرف المسألة الديمقراطية بحسب فهمهم الليبرالي لها ، فهي لاتعني عندهم سوى منظومة الحريات الفردية والعامة ، كحرية التعبير وحرية التنظيم وحرية الصحافة وحرية تنقل الأفراد والأموال والحقوق الأدبية وكافة مبادئ حقوق الإنسان الكونية المعتمدة محليا ، إقليميا ودوليا.
إن الفهم الثوري الذي تتبناه كافة مكونات الجبهة الشعبية هو كل ذلك الذي ذكر في التعريف الليبرالي للمسألة الديمقراطية ، باعتبارها الشكل الظاهر لها ولكن وبكيفية أعمق تكون المسألة الديمقراطية في عمقها الشعبي ، المرتكز الأساسي في التوزيع العادل للثروات بين جميع أبناء الوطن وفي التنمية المستديمة بطريقة عادلة جهويا وفي الإصلاح الزراعي بما يضمن خلق قيمة فعلية يمكن أن تدفع من أجل ضمان الأمن الغذائي الوطني ويدفع بفوائضه إلى دعم القدرة التنافسية في السوق الدولية ، ما يرفد الميزان التجاري الوطني ويغذي المقدرات المالية للعملة الصعبة في البنك المركزي.
إن الفهم الصحيح للمسألة الديمقراطية الشعبية تتطلب إصلاحا جبائيا ليحقق العدالة الجبائية ويتصدى للتهرب الجبائي وهو كذلك يستدعي بصورة ملحة إصلاح المنظومة البنكية بما يمكن من سرعة تدفق السيولة المالية لتتلائم والقيمة الكمية النقدية الموجودة بالقطاع البنكي ، ما يساعد بطريقة شفافة لحسن مراقبة التعاملات المالية بتنوعها ، إن السياسة المالية اللاشعبية التي انتهجتها كل الحكومات السابقة وأخيرا حكومة الترويكا 1 و 2 و 3 لكونها لم تعالج مسألة النقص الفادح في النقد المتوفر للقطاع البنكي الناتج بدوره لواقع الاقتصاد المتأزم ،ما أفرز عدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها مع الدوائــر الدولية المانحة،وهو ما أدى إلى الترفيع في خزان الشـــروط المتعلقة بالحصول على قروض جديــدة تصنيف BB- سلبي ليقع الترفيع في نسبة الفوائض، وهو ما انعكس محليا على المستثمر الوطني ليجبره على التراجع في إنجاز المشاريع واللجوء إلى الاستثمار بالسوق الموازية بما يوفره من مرابيح سهلة وغير مراقبة جبائيا .
وهو ما أفرزه واقع الإنفلات الأمني وحالة غياب الدور الرقابي للدولة فكان على الحكومات المتتالية أن تختار بين حل ديمقراطي شعبي وآخر ليبرالي لاشعبي ،فإما إن تحرس الحدود و تحارب التهريب المخرب للاقتصاد الوطني ،فتغلق الحدود بطريقة محكمة و فعالة ،تجبر أصحاب رؤوس الأموال إلي إعادة أموالهم إلى السوق المالية عبر القطاع البنكي الرسمي،ثم تسارع بإصلاح القطاع البنكي لضبط ميكانيزمات و آليات جديدة تضمن سرعة ملائمة لطبيعة دواليب الاقتصاد الوطني الخاصة ،لتكون مرتكزة بنسبة اكبر على العملة المكتوبة monnaie -script-urale على عكس ما هو كائن ،التعويل أساسا على العملة النقدية monnaie judiciaires ،مع الاعتماد بشكل كامل على البطاقات الممغنطة دون تكلفة في كافة المبادلات التجارية الاعتيادية - صفر تكلفة- مع العلم إن تكلفة إرساء هذه المنظومة ،ستكون دون تكلفة طبع الأوراق النقدية ،التي اعتمدتها حكومات الترويكا المتتالية،لما لها من مصلحة في الإبقاء على حالة الانفلات ،تضمن من خلاله تهريب الأسلحة وتسهل مرور الإرهابيين وتهريب و تبييض الأموال. وفي خلاف ذلك يكون على الحكومة اختيار الحل الأسهل لمعالجة مشكلة السيولة النقدية المذكورة أنفا،و بطريقة ليبرالية لا شعبية،وهي طبع الأوراق النقدية ،لمجابهة ميزانية التصرف الملحة كتسديد الأجور و غيرها،وهو ما تم في مناسبات متعددة .إن مثل هذه الحلول هي اجرائات لا ديمقراطية و لا شعبية ،فعملية ضخ الأموال في النظام البنكي التونسي عبر صك الأوراق النقدية ،على الشاكلة التي انتهجتها حكومات الترويكا ،إضافة إلى تكلفتها الباهظة التي تزيد وضع الأزمة تدهورا، على المدى القصير ،فهي على المدى المتوسط و البعيد ،و بصفتها إجراءات مقصودة ،واعية و مسؤولة،تم اتخاذ هذه الحلول في طبع الأوراق النقدية ،بغاية إدامة الوضع الاقتصادي الراهن و الذي تحضى فيه التجارة الموازية بنصيب الأسد،ليصبح من الصعب على أي حكومة ديمقراطية شعبية قادمة،التصدي لعصابات التهريب ولشبكات الاقتصاد الموازي .
إن الوضع المالي للسوق المالية التونسية ،بعد عمليات الضخ المتكررة للأوراق المالية التي قامت بها حكومة الجبالي و العريض ،لن تسمح للحكومة القادمة ،إن توفرت لها الإرادة الوطنية ،إن تتعاطى مع الاقتصاد الموازي بطريقة فعالة ،و في حال تم ذلك ،فسيجبر أصحاب الأموال إلى إعادة ضخ أموالهم في السوق المالية و اعادت تدفقها بالنظام البنكي الرسمي ،ما قد ينجر عنه استفحال حالة التضخم و ينذر بمزيد تأزم الوضع الاقتصادي ،و ستكون معالجة الوضعية المالية للبلاد التونسية ،من أصعب المسائل إن لم تكن من المستحيلات ،فلن يسهل التصدي للتهريب و المهربين ،و محاصرة الاقتصاد الموازي ،على هذه الخلفية المحلية ،و كذلك لاعتبارات إقليمية و دولية تتعلق خصوص بالوضع المتفجر على الحدود الشرقية مع ليبيا ،ستكون صعبة المنال،و سيتواصل الأمر على هذا الوضع المازقي إذا لم تتجند كل الطاقات الوطنية ،في إعادة تشغيل ماكينة الإنتاج بأقصى قدراتها الإنتاجية ،عسى إن تستوعب كل الكم النقدي المتدفق بعد انتهاج سياسة حدودية حمائية ،تستهدف ركائز الاقتصاد الموازي المخرب لمقدرات الدولة الوطنية ،و تقف صدا منيعا ضد المهربين و الإرهابيين على السواء.
من هو حاكم تونس القادم ؟وهل الجبهة الشعبية مؤهلة لحكم تونس؟
للإجابة على مثل هذه الأسئلة الملحة والمطروحة من طرف عموم أبناء شعبنا ، وخصوصا منه طليعتهم الثورية والمنحازة إلى مصالح المفقرين والكادحين والمضطهدين ، باختلاف مرجعياتهم الفكرية من الماركسية إلى المأوية مرورا بالتروتسكية والخوجية والستالينية ، نزعم أن مثل هذه الأسئلة كان لها نفس الإجابات من طرف الجميع باختلاف تلويناتهم الإيديولوجية ، وهي رفض المشاركة في سلطة سياسية رجعية خادمة لمصالح أعداء الوطن والشعب ، ومنفذة لإملاءات الدوائر الدولية الاستعمارية ، عبر تنفذ رأس المال المالي العالمي ، فلا مكاسب وطنية في ظل نظام لاوطني !!! كان الشعار المركزي الذي تبنته كافة الأطراف السياسية اليسارية والتقدمية والثورية وهو من أبرز مسببات واقع انعزال هذه القوى الوطنية ، برغم وجود استثناءات غالبا ما نعتت بالتحريفية والإنتهازية > ، وبالإصلاحية > ، وبالشرعوية <<مجموعة الشعلة وباقي تخريجاتها>>.
من يحكم تونس هو في الأصل من يدافع على تقدم أبناءها ، اقتصاديا ، سياسيا واجتماعيا ويذود على مقدرات الوطن الاقتصادية على قاعدة المسك بزمام المعرفة والتكنولوجيا ، صمام أمان القوة والقدرة في مزاحمة الشعوب الغنية و المتقدمة ، والحاكم المفترض هو من يكرس بكل وفاء كافة استحقاقات انتفاضة 17 ديسمبر التواقة للحرية والتحرر والداعية لتثوير البنية التحتية محليا وجهويا باتجاه مزيد تشجيع الاستثمارات الوطنية واستقطاب الأموال والمستثمرين الأجانب باعتبارها مطورة للمهارات الحرفية لأبناء شعبنا ضمن إرساء حجر الزاوية لمنوال تنمية اقتصادية بديل ذات عمق اجتماعي ، خدمة للمصلحة الوطنية العامة وهو الذي يؤسس الجهاز تعليمي ومعرفي ديمقراطي في فضاءات شعبية متاحة لعموم أبناء شعبنا بالمجان ، ورافدا حقيقية لثقافة وطنية متأصلة في إرثها الحضاري المستنير. وهو ذاك الحاكم الذي ساهم ويساهم و بشتى الطرق في مراكمة تجربة في الحوكمة المؤسسة على إستراتيجية أسبقية المسألة الوطنية على المسألة الديمقراطية ، بل تحديد الأولى للثانية في علاقة ترابط جدلي . إن الامتناع عن مزاولة الحكم من أبسط خلاياه المحلية إلى أرقى مؤسساته التنفيذية هو استقالة من خدمة الصالح العام وهو خدمة مجانية واعية ولامسؤولة مارسها ولازال يمارسها غالبية مكونات الطيف السياسي الثوري لفائدة أعداء الشعب الاستعماريين وحلفائهم المحليين من ممثلي البورجوازية العملية <<السمسارة ، الكمبرادور>> وكبار الملاكين العقاريين وكبار الفلاحين الإقطاعيين.
لقد قدم الثوريون في تونس طيلة خمسة عقود من الزمن خدمة مجانية لأعداء شعبهم عبر تسليمهم في حق شعبهم في الحوكمة الرشيدة وفي استسلامهم في الدفاع على مكاسبهم الشعبية في العيش الكريم و المسكن اللائق و في مجانية التعليم والصحة وذلك بتخليهم على دورهم الطليعي في الدفاع على أبناء شعبهم عبر بوابة المشاركة في الحكم ، بتعلة عدم المشاركة في الحكومات الرجعية ، ومن ينخرط في الحكم يخون ويستعدى أكثر من رأس الحكم ذاته بتعلة استهداف الانتهازيين والنضال ضد الانتهازية << فالنضال ضد الرجعية يمرّ حتما بالنضال ضدّ الانتهازية !!! >> كلمة حق يراد بها باطل. إن امتناع الثوريين في المساهمة في بناء الدولة الحديثة في تونس ، طيلة أكثر من خمسة عقود ، كان خطأ استراتيجيا فضيعا في حق القوى الثورية ذاتها ، باعتبار حرمانهم من صقل موهبتهم في الحوكمة والتمرس على الحكم خدمة لمصالح أبناء شعبهم المفقر ، وهو في المحصلة تخلي بطريقة واعية وممنهجة على دور الثوريون الطليعي في مؤازرة المضطهدين والكادحين ولمصلحة الائتلاف الطبقي السائد . <<فالقلاع الحصينة لا تأخذ إلا من الداخل>>.
إن اكتفاء القلة منهم بالانخراط في المنظمات العمالية "UGTT" والمنظمات الشبابية "UGET" والهيأت الثقافية "نادي السينمائيين الهواة" ودور الثقافة وغيرها من المنظمات المدنية التي لعبت دورا فعالا في توجيه دفة الصراع السياسي بعد انتفاضة 17 ديسمبر 2010 ، واستكانة الغالبية العظمى في أبراجهم العاجية تحت مسميات ثورجية منعزلة باسم السرية والكفاحية والتآمرية ومحاربة الشرعوية التصفوية والعلنية الإصلاحية والانتهازية التحريفية. قد دفع برفاقنا القدامى الثوريون جدا، إلى انتهاج نفس التصور والنسق والسلوك السياسي الكفاحي جدا والتآمري جدا، ليراوحوا في نفس المكان لأكثر من أربعة عقود، فعدم قدرتهم على الفعل والتواصل والانغماس صلب جماهير شعبنا هو من جوهر أزمتهم البينياوية، وما قصر قامة صوامعهم إلا تحاشيا لاستهدافهم اليومي من طرف أعدائهم الطبقيين، ما يؤشر إلى عدم قدرتهم على التأقلم كالسمكة في الماء، والتلون كالحرباء، مع واقعهم المتكلس أصلا، فهل الكبار كبارا إلا بركوعنا أمامهم ؟ إن المشكلة الأساسية هي كيفية تعاطي الثوريين مع الواقع السياسي المتغير والمحاصر محليا، إقليميا ودوليا وهو جوهر المسألة التي طالما تفاد الثوريون الخوض فيها، فالحوكمة باعتبارها العصب الرئيسي في عملية تجسيد النظري في الواقع "PRAXIS" ، باتت من اوكد المواضيع الواجب الخوض فيها والإتيان عليها بالنظر والتمحيص بكل شجاعة وجرأة ووضوح رؤية ، فهل يمكن لثوريون في تونس باعتبارهم كذلك أن يشاركوا في السلطة القادمة؟
هذا ما أجابت عليه الجبهة الشعبية على لسان قادتها بكل شجاعة وذكاء، فنظريا الجبهة الشعبية هي المؤهلة أكثر من غيرها للمساهمة في الحوكمة الرشيدة وتحرص من موقعها كمكون رئيسي للخارطة السياسية الوطنية، على استقلال القرار السيادي والتعويل على القدرات الذاتية في حسن التسيير الحكم، وهي الأحرص على إصباغه بالعمق الاجتماعي، ما يؤسس إلى إرساء دعائم دولة ديمقراطية شعبية، اجتماعية المنحى، وطنية التوجه، وهو ما لا يتعارض مع جوهر بعض الدوائر المالية الدولية مثل منظمة "PNUD" برنامج الأمم المتحدة للتنمية وعديد الجهات المانحة الدائرة في فلكها، ما يعني عمليا إمكانية قبول انخراط الجبهة الشعبية في الحوكمة الديمقراطية "الرشيدة".

أما واقعيا فإن معوقات وصول الجبهة الشعبية إلى سدة الحكم في تونس هي متعددة ومتنوعة من الذات إلى الموضوع، فالنقائص ليست في جملة التحالفات التي أبرمت مع الجبهة الشعبية في إطار جبهة الإنقاذ ومكوناتها، وليست في ارتهان الجبهة الشعبية بأحد أبرز حزبيها الأكثر تنفذا "الوطد الموحد وحزب العمال" كما يقدر بعض النقاد، بل في عدم توفير الإطار التنظيمي الملائم لإفتكاك السلطة برغم وضوح الرؤية بصدد جل المسائل الجوهرية فإن قيادات الجبهة الشعبية إلى حد اللحظة بالرغم كل المجهودات التي مافتئت قواها الحية في إضفائها على فعالياتها اليومية، لم ترسم برنامجا عمليا بالانغماس في العمق الشعبي والتواصل مع الطبقات الاجتماعية الأكثر اضطهاد ويعود ذلك لحداثة وجود الجبهة الشعبية من ناحية ولضعف الإمكانيات المادية من ناحية أخرى، وهو ما كان يمكن معالجته بطرق عديدة لو توفرت الإرادة لذلك فالأصدقاء حول العالم كثر والدعم قد يأتي من القريب والبعيد، يكفي أن يتوفر البرنامج الملائم والمتكامل وأن ترسم الخطط لخوض المعارك الانتخابية القادمة بغاية المشاركة في السلطة القادمة،نحو إرساء دعائم الحوكمة الرشيدة،و لو عن طريق المشاركة البسيطة في مراكز القرار ،تكون بوابة حقيقية في صهر الطاقات الثورية وصقل مواهبها وتربية ملكاتها في الحوكمة و التسيير،ولكن ايضا في خلق هامش عملي للحراك الثوري الحقيقي، في إطار رؤية إستراتيجية كفاحية و تآمرية.
إن ما يعوز قيادات الجبهة الشعبية إضافة إلى هذه الرؤية الإستراتجية الكفاحية، والتي لا تعيق، وعلى أهميتها الجوهرية، نشاطها السياسي في مواجهة اليومي المتطور، هو ذاك البرنامج العملي والدعائي بين الأوساط الشعبية، فلتشحذ كل الهمم من أجل الدفاع على حق المفقرين والمضطهدين من أبناء شعبنا، في العيش الكريم وأيضا على حق كل قوى تونس المنتجة في حرية التنقل والحركة من أجل خلق الثروة ، باتجاه توزيعها توزيعا عادلا "لكل حسب طاقته ولكل حسب حاجته" . ولتتضافر الجهود من أجل إنجاح حملة انتخابية لفائدة الجبهة الشعبية تنحاز إلى صفوف الطبقات الأكثر اضطهاد وأيضا إلى جانب الرأس المال الوطني في معركته من أجل دعم قدرته التنافسية ودعما لتنمية جهوية عادلة لخلق الثروة والقيمة المضافة. إن شباب الجبهة الشعبية هو رأس مالها الأكثر فاعلية، فليبادر أبناء الجبهة الشعبية من الشباب خصوصا إلى تشكيل لجان شعبية دعائية في كل أنحاء الوطن. وليتوفر لكل فريق جهوي منظومة لوجستية للدعم المالي والمادي "توفير المطويات الدعوية والمناشير التحليلية والتحريضية" وكذلك كل الدعم من أجل خلق إمكانية التنشيط الثقافي الاحتفالي " من فرق موسيقية وغيرها" ، لتتواصل الحملة الانتخابية في كل الجهات باعتبارها عرسا متواصلا حتى إحراز النصر الانتخابي الملائم لدماء شهدائنا ،القادة شكري بلعيد، الحاج محمد البراهمي ومحمد بالمفتي وكل قوافل شهداء الحرية والتحرر.



#حبيب_الخليفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - حبيب الخليفي - الجبهة الشعبية و مشروع الجمهورية الديمقراطية الشعبية