أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزية المرعي - أنا و الليل و العصفور















المزيد.....

أنا و الليل و العصفور


فوزية المرعي

الحوار المتمدن-العدد: 4458 - 2014 / 5 / 20 - 13:38
المحور: الادب والفن
    


غيوم الوحدة تتهافت ثلجا ً.. الصمت يتحول إلى بوق ٍ يبوح بأنغام الوحشة والغربة .. البرد غول يفقأ بمخالبه عيون الدفء, خرجت من غرفة الجلوس باتجاه غرفة النوم , توقفت أمام الباب , لفت انتباهي وجود كتلة سوداء في الزاوية اليسرى منه .. تأملتها بإمعان , تبادر لي للوهلة الأولى أنه خفاش , أضأت المصباح الموجود فوق باب الغرفة , وإذ بالكتلة تتحرك ببطء مفصحة عن مشهد عصفور , بدأ يدور فوق رأسي محلقا ًفأسرعت وأطفأت المصباح فعاد وحط بنفس الزاوية . تراجعت ببطء نحو الخلف واعتذرت له بصمت ثم أقسمت له بأنني لن أقوم بأي فعل يزعجه . فرحت وأحسست بشيء من الدفء , دخلت إلى الغرفة , أغلقت الباب خلفي بهدوء كي لا يجفل من حركتي ويترك عشه . تمددت في الفراش ورحت أنادم العتمة , ترى ما الذي قاد العصفور ليحط فوق بوابة غرفة النوم دون بقية الغرف ؟! ربما وجود غرفة النوم بزاوية آمنة عن تيارات الرياح , أو العتمة المحيطة بها , أو الهدوء الذي يسدله الغروب أو ربما جاء لمؤانستي ! جزاك الله خيرا ً أيها العصفور . لقد أدركت مالم تدركه البشر , شغلني الحوار معه عن استخدام المدفأة الكهربائية , فأحسست بأنامل البرد تطوق عنقي , دسست رأسي تحت اللحاف وخلدت إلى النوم . أفقت فجرا ًعلى زقزقات امتزجت بين الوعي واللاوعي وعلى إيقاع نقرات متتالية على الباب , فتحته فلمحت العصفور يحلق من غصن إلى آخر على أشجار الحديقة . ابتسمت وحلقت أجنحة روحي إلى فرح لم أعهده منذ دهر . أحسست بأنه كان يلقي عليّ تحية الصباح . تابعت أعمالي اليومية . اقترب المساء . خرجت من المطبخ إلى ساحة البيت بهدوء وحذر , تأملت بوابة غرفة النوم وجدت العصفور يحط في نفس المكان الذي اكتشفته بالأمس . تركت ساحة البيت دون إنارة واكتفيت بخيوط الضوء المنسربة من زجاج نوافذ الغرف والمطبخ . فوجئت برنين الجرس , خرجت مسرعة وإذ بإحدى الجارات تطلب مني حبة مسكنة , همست لها مشيرة بيدي بألا ترفع صوتها وسحبتها إلى المطبخ مشيرة لها باليد الأخرى إلى بوابة غرفة النوم وأمرتها ألا تتحدث بصوت مرتفع لأنه ينام هناك . دهشت المرأة وأومأت برأسها دون أن تسألني من يكون النائم , وهي تعلم بأنني أعيش وحيدة في البيت . أخذت مني الحبة ومضت شاكرة بصوت أقرب إلى الهمس
(1)
في اليوم الثاني زارتني جارتي الثانية في نفس التوقيت وطلبت مني فنجان قهوة , لكنني وجدتها تتلفت يمنى ويسرى في أرض البيت وكأنها تحاول الاستفسار عن أمر ما سألتني بغرابة لماذا ساحة البيت معتمة , هل النور معطل ؟ هل ؟ قلت لها خذي ما طلبت ولا تكثري من الأسئلة , إنه نائم ولا أريد إزعاجه . حاولت أن تحشر أنفها بأسئلة كثيرة لكني قطعت حبال تساؤلاتها واعتذرت عن استقبالها بحجة أنني سأغادر البيت بعد لحظات , غادرتني بدهشة تومض بها عينيها وفمها يطبق على بركان من الغضب . تابعت مراقبتي اليومية لمكان العصفور , وأصبح وجوده تغريدة تنبثق من حنجرة الغروب على شرفة مساءات تجهش بألاء التساؤلات . أصبح هاجسي الوحيد . بت أتفقده كل مساء . أحاول أن أصعد إليه لأدثره من البرد لكنني خشيت أن أفزعه ويغادر المكان . حاولت جاهدة أن أضع له الحبوب وقطعا ًمن الخضار والفاكهة , فأجده يخفي منقاره بريش صدره فأتراجع خشية إجفاله .. كم تشهيت أن يتآلف معي ويشاركني قهوتي الصباحية أو ينضم إليّ في فطوري وعشائي .. لكن لغة الحوار المستحيلة جعلتني أتقاسم مع الصمت رغيف خبزي وتذكرت النبي سليمان فحسدته إذ كان الوحيد الذي أتقن لغة الحوار مع الطيور . بعد مرور خمسة أيام دقت على بوابة المساء جارة تسكن في آخر الحي لا تجمعني بها علاقة سوى أنها تقطن في الحي , استقبلتها .. فطلبت مني خبزا ًوبدأت بتبرير طلبها بحجة مباغتة بعض الضيوف على العشاء , فارتفع صوتها , اقتربت منها ووضعت يدي على فمها لتسكت , لكنها احتجت بصوت أكثر ارتفاعا ً, لماذا تريدين إسكاتي , الكل يعلم أنك وحيدة , وباغتتني بالسؤال هل لديك ضيوف ؟ - نعم .. إنه ضيف عزيز جدا ً.. أرجو ألا تضايقيه بصوتك الجهور وترغميه على الفرار . وإذ بها لاتبخل بالإجابة مزمجرة ( إذا كان متحجج ... الله لا يرده ) أعطيتها الخبز , وطلبت منها أن تمضي إلى شأنها وأغلقت الباب خلفها .. أصغيت إليها تتابع الحديث مع نفسها بصوت مرتفع ( المسكينة جارتنا لا أدري ماذا جرى لعقلها ! ) ضحكتُ من كلامها , دخلتُ إلى المطبخ , شربت كوبا ًمن الشاي , امتطيت صهوة الشرود وإذ بصوت غريب وحركات مريبة تشدني للخروج إلى ساحة البيت , وإذ بقطة تنطلق كالسهم تحاول التسلق على باب غرفة النوم لاصطياد العصفور , قذفتها بكوب الشاي , تناثرت شظاياه على الجدار والأرض ولاذت القطة بالهرب ... جفل العصفور , تحرك حركات خفيفة ثم عاد إلى سباته , وقفت لحظات أتأمله وطمأنته بألا يخشى أحدا ًوسأبذل قصارى جهدي ليشعر بالأمان ..
(2)
في اليوم التالي جمعت قطعا ًمن الحجارة , وضعتها في زاوية الحديقة وكلما شعرت بمداهمة القطة للعصفور أقوم بانتفاضة و أرجمها بالحجارة حتى اختفت نهائيا ًعن البيت . بعد بضعة أيام قرع الباب , فتحته وإذ بحشد من نساء الحي تسمرت أمامهن مذهولة وتساءلت ما الخبر ؟ قالت إحداهن بأنها سمعت بأنني متوعكة وجاءت مع الجارات للإطمئنان على صحتي , رحبت بهن وأمليت عليهن شروطي السابقة , أشرت إليهن بالدخول إلى غرفة الضيوف لكن جميعهن أبدين رغبة الجلوس في الحديقة , - لكن الطقس بارد , أجبتهن - لا يهم نحن لن نطيل الزيارة , جئنا للاطمئنان فقط قرأت في عيونهن تساؤلات ونظرات غريبة , لكنني تجاهلت كل شيء ودخلت إلى المطبخ لأصنع القهوة , فلحقت بي إحداهن وهمست لي أنهن كاذبات وجئن ليستفسرن عن الضيف الذي قلب كيانك بهذا الشكل . - ماذا , الضيف ؟ أي ضيف تقصدين العصفور ؟؟ - أي عصفور ؟ - خرجت لحظتها من المطبخ وناديت عليهن وأشرت بيدي إلى العصفور فتسمرن بين مصدقات ومكذبات وبصوت واحد رددن هل هذا هو الضيف ؟! - نعم إنه أجمل ضيف استقبلته منذ ولادتي حتى اللحظة . - وهل هذا من كنت تخشين عليه من الضجيج والنور و ....؟! - نعم . تسللن الواحدة تلو الأخرى من الباب وختمت اللقاء احداهن قائلة : هذا حال المرأة المسكينة التي لم تنجب أطفالا ً, تتخيل العصفور وأي كائن آخر أنه طفل لكي تمنحه حنان صدرها. لا حول ولا قوة .. هيا, كل واحدة تذهب لبيتها واتركن المسكينة بهمها. - شكرا ً لمشاعرك الرقيقة يا سيدتي . أغلقت الباب خلفهن وأحسست بانزياح كابوس ثقيل عن كاهلي . في اليوم الأول من شباط عدت في الواحدة ظهرا ً إلى البيت , لفت انتباهي مشهد العصفور وهو يحوم في ساحة البيت , تسمرت في مكاني أتأمله فسقطت من منقاره زهرة بنفسجية اللون , اقتربت منها التقطتها وجدتها ذات تويجات أربع وقد اكتشفت سقوط تويجة خامسة عنها , تأملته بعد أن حط على الشجرة وجدت التويج الخامس عالق بمنقاره ,
3
وضعت الزهرة في كأس ماء , على الطاولة , فرحت كثيرا ًوغصت في عالم من الدهشة متسائلة : كيف اكتشف العصفور عشقي للزهور وبدأ يجلب لي زهور البراري البعيدة . يا لك من كائن رائع وتدحرجت من عيني دمعتان و وإذ برنين الهاتف , يحمل لي صوت أختي الصغرى . - نعم . - كل عام وأنت بخير - لقد انتهى العيد منذ أيام , ماذا دهاك ؟! - أعرف أنه انتهى ولكن اليوم هو عيد ميلادك وقد أرسلت لك باقة زهور ستصلك بعد قليل وأعتذر عن الحضور لانشغالي بتدريس الأطفال . - ماذا ؟! عيد ميلادي !؟ إذا ًهناك من علم به قبلي وقبلك وبادرني ببنفسجة . الآن أدركت سر هدية العصفور , يا الهي , لم يعد عقلي يحتمل أي تفسير لهذا الكائن العجيب ! سقط الهاتف من يدي ولم أعد أدرك ما يحيط بي من أحداث . أقبل المساء هادئا ً, أشعلت النار في موقد صغير , وضعت طاولة قرب باب غرفة النوم وبالتحديد تحت عش العصفور , أحضرت الوردة البنفسجية وضعتها على الطاولة , أشعلت شمعة بقربها واحتفلت بعيد ميلادي أنا والليل والعصفور , وأحسست بأنه أجمل عيد احتفل به منذ ولادتي حتى هذه اللحظة وكانت ليلة حالمة اختلطت فيها دموع الفرح والدهشة مع نثيث الشمعة وزخات المطر الخفيفة واشتعلت مساماتي بدفء ٍ غريب رغم برودة الطقس . بعد ثلاثة أيام جاء يوم الجمعة مشمسا ًفأغراني بالخروج من البيت بقصد النزهة , تذكرت أحد الأصدقاء القاطنين عند ضفة النهر وصلت , وبعد الحفاوة والترحيب بي , قال : لقد ذكرتك قبل أيام والفضل كان لأحد العصافير الذي حام فوق الأشجار , وأشار إلي بالنظر إلى الزهور المتناثرة على مقربة من المكان وبدأ الحديث بابتسامة تغلف كلماته قال : تأملت أحد العصافير يحط على تلك الزهور البنفسجية وقد علقت زهرة بمنقاره , ثم حلق لا أعلم إلى أين , فتذكرتك , وصرخت بأعلى صوتي مخاطبا ً إياه ليتك تذهب بالزهرة إلى صديقتي لأنها العاشقة الأزلية للزهور وهذا ما جاء على ذكرك . - ماذا ...! تسمرت مذهولة أتأمله ثم اقتربت من الزهور البنفسجية قطفت واحدة , تأملتها , صرخت يا الهي إنها ذات الزهرة التي جلبها لي العصفور
4
ذهل صديقي أيضا ًوراح يدقق بكلماتي فطلبت منه أن يصحبني بسيارته إلى بيتي , وحين دخلنا , قدته إلى المطبخ , تأمل معي الزهرة التي مازالت محتفظة برونقها حدثته عن طريقة وصولها إليّ , وعن الأحداث التي رافقتها وعن عيد الميلاد و ... ضغط على رأسه بكلتا يديه , دار حول نفسه , صعقته المفاجأة , تسمر في مكانه كالتمثال .. وأنا في حالة أكاد أودع عقلي بها .وفرتّ الأسئلة من فمي و فمه في آنٍ معاً كسربٍ من العصافير وحلقت نحو الغيم تبحث عن إجابات
_____________
كاتبة وشاعرة سورية



#فوزية_المرعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هديل على مقام النوى
- تهجدات في محراب الألم


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزية المرعي - أنا و الليل و العصفور