أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حفيظ بوبا - الخطاب الإنهزامي في شعر علي محمود طه















المزيد.....

الخطاب الإنهزامي في شعر علي محمود طه


حفيظ بوبا

الحوار المتمدن-العدد: 4385 - 2014 / 3 / 6 - 02:31
المحور: الادب والفن
    


مصطلح الرومنطقية أو الرومانسية هو مصطلح دخيل على الأدب العربي، فمهده الأول هو البلاد الأوربية حيث نشأ وترعرع، وهذا النشوء لم يكن من قبيل المصادفات بل تقدمته إرهاصات أولى منذ عصر التنوير، فالقيم الذي نادى بها كل من روسو وديدرو قد أتت أُكلها وساهمت في نشوب الثورة السياسية الفرنسية الكبرى التي اهتزت لها رقعة البلاد الأوربية وبالتالي جاءت الرومنطقية كثورة هي الأخرى في ميدان الفن والأدب والفكر، وكان لبروزها عظيم الأثر في ردع النزعة الكلاسيكية التي تدعوا إلى إعمال العقل والمنطق والميل إلى المحاكاة التي قوامها التشبث بالآثار الفنية والفكرية الإغريقية واللاتينية، وعلى غرار هذه التجربة التي ثارت على المضامين والأشكال المتوارثة تميزت الرومنطقية العربية التي تأثرت تأثراً واضحاً لا مجال للشك فيه بأختها الأوربية في ميدان الأدب وخصوصاً في فن الشعر
الحديث عن الرومنطقية حديث متشعب فهذه الظاهرة قد تأصلت في الأدب العربي بآثار أدبية ضخمة فعلت فعلها في ترسخ الروح الرومنطيقية، فإحصاء النصوص التي تدخل ضمن هذا السياق تعالج أغراضا متعددة تندرج ضمنها خطابات كثيرة لعل أهمها الخطاب الانهزامي المصحوب برؤية وجودية قاتمة وسؤال متجدد عن جوهر السعادة. لم يكن بوسع الشاعر الرومنطيقي عموماً والذي خرج من علاقة حب فاشلة والذي تلوث المجتمع الذي يعيش في كنفه بأدران المفاسد والشرور، والذي آثر العيش منعزلا ووحيداً كالمتصوف في أحضان الطبيعة، إلا أن يترسخ على إنتاجه الأدبي هذا الخطاب المفعم بالحزن والكآبة واليأس من الحياة والرغبة اللجوجة في تذوق طعم الموت.
قبل البدء في عرض مظاهر هذا التأزم في شخصية الشاعر الرومنطيقي ينبغي أولاً الإشارة إلى الظروف الثقافية التي مهدت لاكتمال هذا التوجه النوعي الفريد
لقد توفر لظهور هذه النزعة في الأدب مناخ ثقافي معين اتسم بجدلية العودة إلى الأصول وهذا ما مثلته مدرسة البعث، والرغبة الملحة في الاحتكاك بثقافة الغرب قصد تطوير الأدب العربي وعصرنته بآليات نظرية مستحدثة، وهذا ما اضطلع به المثقف المنفتح الذي يصبوا إلى التجديد وينبذ التقليد، ولعل أن أغلب رواد هذه النزعة من العرب قد سبق لهم أن ارتحلوا إلى بلدان أوربية قصد كسب العيش أو زيادة التحصيل، على العموم فما يهمنا في هذا الأمر هو مظاهر الاحتكاك وأسبابه وقد تحقق هذا الأمر
عند الشروع في التحدث عن الآثار الشعرية للشاعر علي محمود طه : (1901 1949) ينبغي أن ندرك أن لهذا الشاعر وزناً وتأثيراً لا يستهان به في حركة هذه المدرسة الشعرية الذي يندرج اسمه ضمنها، فقد كان من أبرز من ناهضوا بنية القصيدة الكلاسيكية ونادى بالتجديد، وأبدع معانٍ جديدة وتحرر على مستوى الشكل، وهذا كاف لكي يتسم بصفة المجدد وهذا التجديد قد تأسس على نظرة خاصة إلى الوجود يرجع الفضل في ذلك إلى التجربة التي مر بها في إحدى المجموعات الأدبية الأكثر شهرة والتي ظهرت في سنة 1932 والتي تحمل إسم جماعة أبولو، ثم من جهة ثانية القدرة المادية التي تتيح رؤية الجمال وعلى كل حال فإن حديثنا يتجه على وجه الخصوص إلى الخطاب الانهزامي الذي تتسم به بعض أشعار الشاعر، فهو يحضر بقصيدته صخرة الملتقى وقد صارت الحياة صحراء مقفرة يسير فيها وحيداً حائراً، غابت فيها الحقيقة واستترت.

صحراء الحياة كم همت فيها شارد الفكر تائه الخطوات
سرت فيها وحدي و قد حطم المقـ ـدار في جنح ليلها مشكاتي
و لكم أرمد الهجير جفوني و رمتني الحرور باللّفحات
لم أجد لي في واحة العيش ظلاّ أو غدير يبلّ حرّ لهاتي
أسفا للحياة أصلى لظاها و أراها و ريفة العذبات
بعدت عني الحقيقة فيها و أضلّت مسعاي للغايات
كلّما هاجت الرّياح صراخي هدّجت في هزيمها صرخاتي
غير ذاك الصّخر العتيد الذي ضجّ عليه العباب من أنّاتي
ظلّلتني ذراه منفرد النّفـ ـس أبثّ المحيط حرّ شكاتي
تجربة الوحدة هي تجربة حقيقية في حياة الشاعر إذا علمنا أنه لم يحظى بالزوجة التي ستبادله الحب وتزيل عنه الكمد والألم، فمعالم حياته واضحة إذا ما ألقينا نظرة متأملة في قصيدة غرفة الشاعر التي تحيلنا ليس فقط على أزمة الشاعر بل هي أعم من ذلك في الواقع، صورة الشاعر الرومنطيقي وهو في غرفته التي ترمز للمكان وربما تكون بعد ذلك الطبيعة تجري أنهارها وتغرد أطيارها وعلى كل حال فالأهم أن هذا المكان الذي يحتمل أن يوجد فيه الشاعر هو مكان شفاف يكشف عن شخصية الشاعر ويعبر عن ذاته أكثر مما يعبر عن كينونته التابثة فهو يتلون بألوان الشاعر ويصطبغ بعواطفه المتباينة، وهنا يظهر المكان كئيباً ومغلقاً لا يفتح بابه على الحياة لأن الحياة للمجون و الختل و الزيف و ليست للشّاعر الموهوب والموت هو البديل المختار، وحينما لا يظفر بضالته وتقبل الأشباح على بيته المهجور نرى الشاعر في حالته النفسية المنعزلة يحثها على الرحيل
أتركيني في وحشتي و دعيني *** في مكاني بوحدتي مستقلا
لست من تقصدين في ذلك الوا ***دي فعذرا إن لم أقل لك أهلا
لقد كانت للوحدة التأثير العميق في تشكيل الخطاب الاستسلامي واليائس عند الشاعر الذي آمن بأن نفسه شقية تظمأ إلى حنان أمه الأرض التي هي الأصل
لا تفزعي يا أرض : لا تفرقي من شبح تحت الدّجى عابر
ما هو إلاّ آدميّ شقي سمّوه بين النّاس بالشاعر
حنانك الآن فلا تنكري سبيله في ليلك العابس
و لا تضلّيه و لا تنفري من ذلك المستصرخ البائس
مدّي لعينيه الرّحاب الفساح و رقرقي الأضواء في جفنه
و أمسكي يا أرض عصف الرّياح و الرّاعد المنصب في أذنه
أتسمعين الآن في صوته تهدّج الأنّات من قلبه؟
و تقرأين الآن في صمته تمرّد الرّوح على ربّه؟


أنت له يا أرض أمّ رؤوم فأشهدي الكون على شقوته
وردّدي شكواه بين النّجوم فهو ابنك الإنسان في حيرته
ما هو إلاّ صوتك المرسل وروحك المستعبد المرهق
قد آده الدّهر بما يحمل فجاء عن آلامه ينطق
طغى الأسى الدّاوي على صوته يا للصّدى من قلبه الناطق
مضى يبثّ الدّهر في خفته شكاية الخلق إلى الخلق إلى الخالق
لا تعدني يا ربّ في محنتي ما أنا إلاّ آدميّ شقي
طردتني بالأمس من جنّتي فاغفر لهذا الغاضب المحنق



#حفيظ_بوبا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حفيظ بوبا - الخطاب الإنهزامي في شعر علي محمود طه