أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الجلالي - من الفعل الإجتماعي إلى الفعل الإستهلاكي















المزيد.....

من الفعل الإجتماعي إلى الفعل الإستهلاكي


محمد الجلالي

الحوار المتمدن-العدد: 4383 - 2014 / 3 / 4 - 22:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


انتقل الانسان بحكم التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي مست الظروف المحيطة به من نسق للعلاقات قائم على التفاعل الاجتماعي المباشر بين الأفراد عبر إضفاء معنى التواصل والاستمرارية على المبادلات الاجتماعية والرمزية ومن خلال تداول السلوكات الاجتماعية التي تحيل على الانفتاح والرغبة في بناء شبكة من التقاطعات المحددة لوضعية الانسان داخل المجتمع؛ حيث تؤكد الأدبيات الفلسفية والاجتماعية منذ بداياتها الأولى مع اليونان على الخاصية الاجتماعية للإنسان؛ إذ أعلن أرسطو بأن الإنسان "حيوان اجتماعي بطبعه"، ومعنى ذلك أن هذا الأخير لا يمكنه أن يعيش في عزلة وعلى انفراد ومن تم فإنه يعمل على خلق الظروف المناسبة لتحقيق التفاعل والتواصل وبالتالي ضمان الاندماج داخل المجتمع.
يتأسس المجتمع البشري إذن على شبكة من العلاقات الاجتماعية، بحيث يسهر الأفراد على القيام بأفعال اجتماعية معقولة ذات بعد انفتاحي يكون الهدف من وراءها تحقيق التواص والاندماج داخل جماعة لغوية وثقافية معينة.
وبالرجوع إلى الأبحاث التي أجراها مارسيل موس حول ظاهرة التبادل الرمزي في كتابه "محاولة في الهبه"Essai sur lr don forme et raisons d’échange dans les sociétés archaïques نجد أن التبادل الرمزي كفعل مؤسس للجماعة وللمجتمع يخلو من أي غاية اقتصادية كما تنعدم فيه معايير الربح والخسارة والمصلحة الفردية. وبالتالي يمكننا أن نؤكد هنا بأن الإنسان البدائي بشروطه التقليدية يجسد أسمى تعبير عن الفاعل الاجتماعي المهموم بإشكال الاندماج والحفاظ على النظام الاجتماعي.
لهذا إذا انطلقنا من عنصر النظام كمحدد لدرجة تقدم المجتمعات فإننا سنكتشف حقيقة أساسية وهي كون المجتمعات البدائية وإن كانت لم تعرف بعد العقلنة والترشيد على مستوى التدبير الاجتماعي لأنها لا تمتلك مؤسسات بالمعنى الحديث للكلمة. فإنها تختزل أشكال تنظيمية في غاية التنظيم من التعقيد يصعب اتباعها في المجتمع المعاصر.
يعلي جون بودريار من قيمة دراسات وأبحاث مارسيل موس؛ بحيث يعتقد أنها تحمل أهمية قصوى في سياق تحليل الأوضاع الاجتماعية. بالرغم من أنه تم قمعها من قبل الأطروحات الإمبريالية الفرويدية والماركسية التي استبدت بالحقل النظري المعاصر .
تكشف لنا نظرية مارسيل موس حول الهبة ونظرية باطاي حول الإنفاق انه لا يمكن للاقتصاد البشري أن يختزل فقط إلى قاعدة منفعية مزعومة بحيث يكون التوازن هو حالتها الطبيعية. فعلى العكس من ذلك فإن مؤسسات مثل الكولا• kula والبوتلاتشPotlatch تبين أن تدمير وإهدار الخيرات بدافع الحصول على الهيبة والمقام المحترم هو الأساس اللانفعي للاستهلاك.
على هذا الأساس يكون التصنيف الذي يقدمه الاقتصاد السياسي للأشياء حسب قيمة الاستعمال وقيمة التبادل محدودا تماما وقاصرا عن إدراك الخصائص الجوهرية للأشياء، إذ لا بد من فهم الموضوع على أنه يمتلك قيمة رمزية مستقلة لا يمكن اختزالها إلى القيمة القيمة الاستعمالية أو القيمة التبادلية، فالهدية مثلا)هدايا رأس السنة( هي موضوع له هذه الطبيعة التي تجعله يختلف عن المواد التي تدخل ضمن فضاء اشتغال العناصر المشكلة للاقتصاد باعتباره حالة توازن .
نستنتج إذن بأن الإنسان البدائي هو فاعل اجتماعي بالأساس بحيث يجهل مجمل السلوكات القائمة على المنفعة الفردية أو الغاية في الربح.
وإذا كان النموذج الموجه لسلوك الإنسان البدائي يقتصر على كل ما هو اجتماعي وعلائقي. فما هي خصائص الفاعل الاجتماعي في المجتمع الاستهلاكي؟

للإجابة على هذا الإشكال يمكننا أن نستند على كتابات جون بودريار الذي وضع هذه الإشكالية في قلب الدراسات الفلسفية والاجتماعية المعاصرة في كتابه المعنون بــ"مجتمع الاستهلاك"(la société de consommation)، الذي بلور من خلاله نقد جذري للمجتمع المعاصر، وللإنسان المستهلك الذي أصبحت تتحكم فيه معايير جديدة جعلته ينتقل من نسق العلاقات الاجتماعية والرمزية إلى نسق العلاقات المادية الاستهلاكية؛ بحيث أضحت الأبعاد الاجتماعية والرمزية والثقافية مرتبطة بمنتوجات محددة؛ لدرجة أصبح معها المركز الثقافي مندمج مع المركز التجاري على اعتبار ما يحتويه المركز التجاري (DRugsture)من منتوجات ومواد استهلاكية ترتبط بطبقات اجتماعية محددة .
عمل بودريار على تحليل النظام الاجتماعي والايديولوجي للاستهلاك وعلى رصد مكوناته المختلفة وأكد بأن "مواضيع الاستهلاك صارت اليوم أكثر تعقيدا من سلوك الناس المتعلق بها" وعلى هذا الأساس تحول الاستهلاك إلى "أسطورة قبلية توجه أخلاق العالم المعاصر فهو طريقة تسعى لتدمير كل أسس الكائن الإنساني" . بحيث تدفعه إلى القيام بسلوكات مضبوطة تحكم "نظام الأشياء" في المجتمع وتساهم في إضفاء الشرعية والقيمة على "مجتمع الاستهلاك"(société de consommation) الذي يخلق في كل مرة ضحايا جدد وقعوا تحت تأثير الإشهار الذي تروجه الوسائط الإعلامية وبالتالي أصبح الإنسان لا ينتج الرموز والعلامات من أجل المساهمة في خلق مجتمع قائم على الانفتاح والتواصل الرمزي المباشر بل يكتفي فقط بلعب دور التابع للأشياء من خلال الاستهلاك الرمزي للعلامات التي تعمل وسائل الاعلام على إعادة انتاجها وجعلها أكثر راهنية وتأثيرا على حياة الإنسان؛ بحيث يسعى هذا الأخير إلى مطابقة سلوكه وحياته مع المستجدات الاستهلاكية الجديدة ويؤكد جون بودريار ذلك حيث يقول: "نحن نحاول أن نخلق تطابقا بين حياة بيوتنا وصباغة الأسر السعيدة التي يقدمها لنا التلفزيون، والحال أن هذه الأسر ليست سوى مختصرا مسليا لكل اسرنا" .
ويرى بودريار أن الاستهلاك ساهم في تدمير وتحطيم القواعد الاساسية للانسان. وهو يعني بهذه القواعد الاساسية التوازن الذي ظل الفكر الاوروبي يحتفظ به منذ الاغريق بين الجذور الميثولوجية وعالم اللوغوس. ويقول جان بودريار: "طالما ان العصور الوسطى كانت تقيم توازنها على الاله والشيطان، فإن عصرنا الراهن يقيم توازنه على الاستهلاك وإدانته" . ويرى هذا الأخير بأن الاستهلاك تحول الى ميثولوجيا حقيقية. حيث أن آلة الغسيل مثلا تستعمل كآلة وتلعب دور عنصر رفاهية وهيبة. وهذا هو الهدف الحقيقي من الاستهلاك. إذ أن هناك أشياء كثيرة يمكن ان تعوض آلة الغسيل كعنصر دال. في منطق الدلائل كما هو الحال في منطق الرموز، فالأشياء ليست مرتبطة بمهمة معينة أو بضرورة محددة ذلك أنها تستجيب لمتطلبات أخرى التي هي إما المنطق الاجتماعي أو منطق الرغبة.
يسعى الإنسان إذن إلى مسايرة أوامر حكام "إمبراطوريات الاستهلاك" حتى يتسنى له إشباع الحاجيات الثانوية التي خلقها النظام الاستهلاكي وجعلها بفعل أدواته الإغوائية تأخذ مكان الحاجات الأساسية. فعندما يقبل المستهلك على اقتناء منتوج ما فإنه لا يسعى إلى الإستفادة من وظيفته وصلاحيته الموضوعية بالمعنى الذي يصفه علماء الاقتصاد بقدر ما يتزود في بداية الأمر بــ"العلامات الاجتماعية"، بحيث "لا يوجد موضوع للاستهلاك إلا ابتداءا من اللحظة التي يكون فيها قابلا للتبادل، وابتداءا من اللحظة التي يكون فيها هذا التبادل محددا من قبل القانون الاجتماعي الذي يعتبر قانونا لتجديد المواد الفارقة، وقانونا لتثبيت الأفراد في هذا المستوى من الوضعية تثبيتا إجباريا، وتعبر الوضعية الاجتماعية في هذا النظام الصرف من خلال الوساطة التي تضطلع بها حاجاتهم، وارتباطا بعلاقاتهم بالجماعات الأخرى" .
ويؤدي استهلاك بعض المنتوجات الغذائية)ماكدونالدز مثلا( إلى التأثير على رؤية الإنسان لخصوصيته وطريقته في التعبير عن نفسه ونمط العلاقة الجديدة بينه وبين الكثير من الكائنات البشرية. وبالتالي فإن الاستهلاك يفرض علينا منطقه وعالمه الخاص. وإن بدا لنا في بعض الأحيان أننا نقوم بفعل إرادي يمكننا الامتناع عن إتيانه فإن الواقع يكشف عكس ذلك لأن ثقافة الاستهلاك أصبحت هي حقيقة العالم الذي نعيش فيه. والحقيقة أن دراسة بودريار لمجتمع الاستهلاك تدلنا على كيفية التحول من الليبرالية باعتبارها الصورة التي يرى عليها الغرب الرأسمالي نفسه إلى مجتمع الاستهلاك الذي هو الواقع الحالي و النهاية الأخيرة التي وصل إليها المجتمع الغربي؛ إذ يوضح لنا كيف تحولت القيم و المثل البورجوازية و الأيديولوجيا الليبرالية إلى قيم و معايير استهلاكية تتحكم بها المؤسسات الكبرى ووسائل الإعلام، و إلى نسق من الرموز و العلامات التي لها منطقها الخاص و حياتها الخاصة التي تلغي الحياة الواقعية للبشر، و كيف يصنع الإعلام و الاتصال عالما صناعيا يمثل واقعا فائقا Hyperreel أكثر واقعية من الواقع نفسه .



#محمد_الجلالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الجلالي - من الفعل الإجتماعي إلى الفعل الإستهلاكي