أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعاد جبر - رؤية نقدية للواقع من منظور نيتشه وجاسبرز















المزيد.....

رؤية نقدية للواقع من منظور نيتشه وجاسبرز


سعاد جبر

الحوار المتمدن-العدد: 1242 - 2005 / 6 / 28 - 12:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


رؤية نقدية للواقع من منظور نيتشه وجاسبرز*
سعاد جبر
تتسارع الأيام وتزداد الفجوات وتنكمش حيناً آخر لتلتقي عند مفصل زماني واحد ، فيغدو الأمس اليوم ، والغد فيهما واحد ، وذات الواقع بعينه الذي يحدد جيناته موروثات الماضي ودينامية الحاضر ونشوة استشراف المستقبل ، فيتشكل مقطعاً واحداً في ثلاثية ( الماضي ، الحاضر ، المستقبل ) في لحظة سبر عميقة عند الإطار العام للوحة الحياة وأركان وحداتها الرئيسة ، وتتشكل هنا التساؤلات في ظل تلك الثلاثيات الساكنة على مقاطع الزمان ، هل هي وجه الواقع في آنه أم هي عين لغة الحضارة في كافة أشكال مقاطع محياها في نضرة الجمال وشحوب الطلة ، وعند تلك الجدلية الحائرة تتحرك طرقات استلهامات الأوراق القديمة وانتثارات حروفها البحاثة الناقدة في عوالم تؤامية ، وترتسم في لغة نيتشه وجاسبرز ، في رؤية جمعية لمقاطع زمانية غابرة ، وكأنها لغة ناطقة في ديارنا العابرة نحو آفاق مجهولة مبهمة .
فيشير نيتشة في كلماته النقدية العتيقة لواقعه ، انه متأزم حتى النخاع ، سواء من سلسلة التفكك الأسري التي تتهاوى شيئاً فشيئا ، وانهيار التقاليد ، وتواجد تكتلات جمعية لأضعاف الفرد ، وبقائه حرف بلا معني في تركيبة المجتمع ، وظهور نوع من الزعماء المنافقين المتخصصين في التملق للجماهير وعبادة الدولة ، وتسخير الحضارة لغايات همجية ، وظهور اقتصاديات المنفعة التي انعكست في إيمان المجتمع بالقيم السوقية ، وتسخير غايات الحضارة للأغراض الشخصية ، وتبديد طاقات قدر كبير من طاقات الأفراد في هم الكدح ولقمة العيش ، حتى لا يكون هناك لغة تفكير في الأدمغة باستثناء هم لقمة العيش ، في متتاليات حرمان فكري ، وتحويل الفرد إلى عبد للميكانيكا ، وتدهور المعتقدات الدينية والأخلاقية ، إذ لم يعد الفرد مركزاً للكون ولكنه اصبح فكرة مسخرة في خدمة الأخر القوي .
فضلاً عن إهدار آدمية الفرد عبر قنوات التعليم وطغيان البعد التدريسي الجامد ، حيث يقهر العمل الخلاق ولا يولد البته ، فأنتشرت الضحالة فيه ، وأصبحت غايته تخريج عبيد من الموظفين السطحيين الملمين بالقراءة والكتابة فحسب في نتاجات سطحية وثقافة قاصرة ، لا تتذوق إلا الأعمال الرديئة من الموسيقى والشعر ، لذلك فأن أنظمة التعليم هذه هي أسوأ عائق لخلق حضارة نضرة ، وفي الفن طغت الصنعة على الأصالة والنعومة المخنثة على الفحولة واصبح شعاره التأثير بأي ثمن ، والجري وراء طرائف الموضوعات الغريبة أو المريضة أو المرعبة ، وتلفيق الأساليب المستعارة ، والخضوع الكامل لأذواق الجماهير أو المجهدين الباحثين عن المتعة أو الأغبياء .
وفي الدين تترأى لك بجلاء سلبية المتدين الذي ينأون بأنفسهم عن إيجابيات الدين والانغلاق في ظاهرية النصوص ، وركونهم نحو مطالب الدين عن الدنيا ، فضاعت الدنيا في سوء الفهم في سلوكهم الظاهر ، وبقيت دفينة الأعماق تعمل أثرها في الدمار للمنهج وحقيقة الفهم .
فضلا عن اختفاء عمالقة الإبداع ليحل محلهم نفر من الأقزام الذي لايليق انتسابهم للمهمة الجليلة التي تضطلع بها فلسفة الحضارة والحياة .فلسفة الحقيقة ، وتواتر استنساخي على الركون إلى الماضي ورواية تاريخه بنمطية مترهلة .
وفي البعد الأخلاقي بلبلة من المثل المتضاربة الحائرة بين النزعة الإنسانية والتفاؤل والإيثار والرحمة ونوع من الرخاوة والنفاق ومنظومة متناقضات ومنها من يدعو إلى مثالية زائفة تتجاهل الحقائق . وإهمال الذات في الهروب نحو المعاش والآمة وعدم الاستماع لنداءاتها في لغة الوجدان ، حيث يغدو الفكر فيها مشوشا ، ولاشيء يستطيع النفاذ إلى قاع الوجدان ، وظهور آدمية متناقضة من المتسامحين الضعفاء أو من المتعصبين الأغبياء ، وبروز أزمة عدم التكيف مع مشكلات العصر .

وبذلك اصبح الإنسان الحديث ألعوبة في يد المتغيرات الخارجية ، وتسبب ذلك الاضطهاد الخارجي في إحداث قلق مستبد في الحياة اليومية ، فالحضارة الحديثة أضعفت الإرادة الإنسانية في لغة الاستلاب ، واحكام نتشة عليها هي أنها في إطار التدهور والاضمحلال لما تعج فيه من تفكك وتضارب وإنهاك .
وينتقد جاسبرز واقعه المتأزم بشكل لاذع إذ وصفه بتدهور الروحية واصابتها بالهزال وبتنا مهددين باختفاء صفوة المثقفين الذين جاهدوا لترويض أفكارهم ومشاعرهم ، وخلقوا لنا كل مفاخر البشرية ، والجماهير العريضة محرومة من الفراغ مع الفكرة العاقلة ولاتهتم إلا بلقمة العيش والبحث عن المتع الرخيصة ، فلا عجب أن تحل الصحف المصورة مكان الكتب الجادة ، لأن الناس يقرأون على عجل مجرد شذرات مهمشة مشوشة ، ويطالبون بما قل ، ولايهم مزيته في الدلالة ، لأنه لم يعد هناك صلة عميقة بين القارئ ومادة قراءته ، فضلا عن حالة الانعزال الثقافي للمثقفين فكل غارق في جزئيات تخصصه دون تواصل بين التخصصات وتلاقيها معا في رحلة الفكر والتغيير ، إذ لم يعد هناك موضوعات جادة مشتركة تجمع بينهم ، مما عزز العزلة الثقافية بين المتثقفين في كافة التخصصات ، والمثقف بحاجة إلى حالة توعية لمعرفة طريقة التعاطي مع التاريخ ، إذ عليهم أن يدركوا أن قراءة التاريخ ليست وسيلة للهرب من الحاضر ومشكلاته أو بقصد متعة دراسة ما فعله جدودهم وأسلافهم . فيحب آلا يكون الإلمام بالماضي سببا في تحطيم الحاضر أو تصوره في صورة مزرية . إن ما نكتسبه من معرفة بالماضي يساعدنا على إعادة خلق الحاضر.
والتعلق بالتاريخ الذي يكتفي بالقراءة لاقيمة له على الإطلاق ، فالواجب أن يساعدنا تعمق التاريخ على اكتشاف المنابع التي تغذي الحياة الحاضرة بالأصالة.
وينسب باسبرز كل انحلال في الحضارة إلى الإعلام عبر صحفه ، لأن نفقات الجريدة ترغم صاحبها على بلوغ غايته في الكسب بأي ثمن ولو أراد العثور على سوق لسلعته فعليه أن يخاطب غرائز الملايين بالإثارة والتركيز على التوافه والصغائر ، والحرص على تجنب إجهاد قرائه باستعمال عقولهم والاكتفاء بجعلها معطلة تحت وطأة الحس بغرائزي ، لذا اتسمت الصحافة بالضحالة بل بالخسة ! وإذا أرادت الصحف الانتعاش فعليها أن تبيع نفسها لمراكز القوى السياسية والاقتصادية ، ومن هنا يفتن الصحفيون في تنميق الأكاذيب والتهويل في الدعاية على نحو منفر ، فتتعطل المراكز العليا من عقولهم لأنهم يكتبون ما يكلفون القيام به ، ولا يستطيع الكاتب الإخلاص إلا إذا سيطرت على ضميره مثل أخلاقية سليمة ، وإذا تحدثنا عن رسالة العلم فسنرى اختفاء الاهتمام بالنظرة الجامعة التكاملية منه والاقتصار على العلم بالجزئيات ، دون دراية بعلاقتها بالكل ، وتقدر قيمة المعرفة من ناحية نفعها بدلا من ارتباطها بفلسفة غايتها الاقتصار على الجزئيات ، وبذلك أصبحت نتائج العلم معلقة بالهواء بلا جذور في المعرفة بمعناها الصحيح ، لذلك اصبح العالم في موقف سئ فهو يعرف جزءا صغيرا للغاية مما ينبغي أن يعرفه ، لأن الحضارة الحديثة لم تلهمه الرغبة الحق في المعرفة بما كان ينبغي أن يعرف ، ويبرر جاسيرز نقده القاسي لواقعه بأنه هدف منه إنقاذ ذلك الواقع والحضارة معا مشيرا إلى أن من يهدف إلى المستحيل هو وحده الذي يستطيع بلوغ الممكن " .
وهذه المساحات النقدية لعمالقة الفكر الألماني في القرن التاسع عشر لماهية واقعهم المتأزم بالمتناقضات ، هي عين واقعنا في عين الألم والنكوص ، ولا يوجد تمايز بين الرؤى النقدية المطروحة في العرض السابق وواقعنا المعاصر بكافة أشكاله وتنوعاته في الفكر والسياسة والتربية والفنون والأدب ومسيرة العلم والعلماء والواقع الأخلاقي والرؤية للواقع الديني وأزمته في واقعنا المعاصر ، وهذا يعيدنا لمفاصل التقاء مساحات الزمان في الرؤية النقدية ، في عين المفكر التي تسبر أعماق هموم واقعه لترنو إلى المستحيل في الإبداعية المطلقة من خلال اجتياز محطات الممكن الإبداعي في سماءات العطاء والإنجاز ، على حد قول جاسيرز ، وتلك تناثرات استلهامات القراءات في أوراق عتيقة صفراء ، تنسكب بردا على قلوبنا في همة التطلعات وإبداعية المنجزات والرؤى التنويرية في فك أزمة الواقع بالفكر ولغة الحوار الهادئة وتشخيص الداء ومعالجته في التلاقي والتلاقح الفكري في مسيرة علمية عملية معطاءة تتسق النظرية فيها مع مسرحها العملي على ارض واقعنا ، وتطول محطات التجاوب مع تلك المعطيات الفكرية ولن تنتهي .
وعند هنا ينحني قلمي لك أيها القارئ الجميل تحية وتقديرا ، لأن الحروف لابد أن تصل إلى خط النهايات ولغة الوداع ، ولابد من محطة بنفسجية تجمعني معك في لقاء مستجد على الحب والسلام



#سعاد_جبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية نقدية لواقع الإعلام العربي في ظل معادلة الإبداع
- رؤية نقدية في المشهد الثقافي السياسي في عالمنا العربي
- فنيات القص في ادب رابلية / اضاءات على روائع الأدب الفرنسي
- المرأة والأبداعية الأدبية
- تماهيات الأدب في لغة السياسة


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعاد جبر - رؤية نقدية للواقع من منظور نيتشه وجاسبرز