أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أصيل الشابي - منظومة القيم واستراتجيات النضال في التجربة النسائيّة من خلال مذكّرات هدى شعراوي















المزيد.....



منظومة القيم واستراتجيات النضال في التجربة النسائيّة من خلال مذكّرات هدى شعراوي


أصيل الشابي

الحوار المتمدن-العدد: 4361 - 2014 / 2 / 10 - 23:00
المحور: المجتمع المدني
    





تصدير:".. وبالجملة حياتي الحقيقيّة...حياتي الشخصيّة التي اكون فيها أكون أنـــا..."
هدى شعراوي
مذكّرات هدى شعراوي ص:138.
تقديم:
ظلّت التجربة النسائيّة(1) تثير تساؤلات كثيرة عن طبيعة حضور المرأة في المجتمع ودرجة فاعليتها في الحياة بمختلف أبعادها، وقد مثّلت هدى شعراوي(2) في هذا السياق علامة بارزة في تاريخ المرأة المصريّة والعربيّة الحديثة إذ أنّها أثارت ردود فعل كثيرة في حياتها وبعد وفاتها لارتباط مسيرتها بتلك التجربة النضاليّة، فقد خاضت مجال السياسة الذي كان حكرا على الرجل، واطّلعت على خفاياه ومآزقه، وأسهمت في المجالين الاجتماعي والثقافي على نطاق واسع، ولكنّ الأهمّ من ذلك هو ما سجّلته في مذكّراتها باعتبارها شهادة(3) على تلك التجربة في بداياتها الفعليّة إذ أنّها قد أتاحت بفضل منجزها هذا إمكانيّة العودة إلى الماضي والبحث فيه للوقوف على تطوّره في ظلّ ما حفّ به من وقائع ومواقف.
وهكذا فإنّه من الطبيعي أنّ مقاربة التجربة النضاليّة تطرح كيفيّة تفاعل المرأة مع واقعها وتعاملها معه بمستوياته المختلفة، أي كيف دافعت عن أفكارها ومواقفها ساعية إلى توسيع حقوقها،وذلك للتعبير عن حضورها والإقناع بأهميّة أدوارها في مواجهة القيم التي تنسج حماية حول السائد وتحرص على تنميطه.
وما من شكّ في أنّ مسألة من هذا القبيل لها علاقة بخطاب المرأة المعبّر عن تجربتها، وهو خطاب له علاقة بالثقافة الرسميّة والمقدّس والعادات والتقاليد والأعراف، ومن ثمّ بالسلطة وما تؤمن به وممثّليها والمتمسّكين بتمثيلها. ولابدّ أنّ ذلك يتّصل بمحاولة تحصين تلك التجربة النضاليّة في إطار موثّق وواع بنفسه وبمحيطه خصوصا أمام العوائق والموانع، فكيف يمكننا مقاربة هذه التجربة النسائيّة في بعدها النضالي كما تستحضرها هدى شعراوي في مذكّراتها؟ وكيف تطوّرت في اتّجاه التعبير عن واقع مختلف يستجيب لطموح المرأة وتطلّعاتها.
نقترح معالجة هذه المسألة في ثلاثة محاور اهتممنا في الأوّل بمعضلة حضور المرأة يناء على جدليّة القيم والممارسات الاجتماعيّة، واهتممنا في الثاني بالنضال النسائيّ وتوظيفه لاستراتجيات دالّة على انتظامه وانتقاله ممّا هو وطني مشترك إلى طور المأسسة إلى طور الخطاب المكتمل، لنخلص في الثالث إلى الرؤى المنبثقة عن ذلك في مستويين هما هيكلة المجتمع والمفاهيم الجديدة التي تمّ إعلانها وإعلاؤها.
1ـ القيم ومعضلة حضور المرأة:
تطرح هدى شعراوي في محكيّ الطفولة من مذكّراتها الواقع الذي تربّت فيه، وتعتبر وهي تستعيد ماضيها البعيد عن اليسر المادي والإحاطة التي كانت تلقاها واختلاطها بشخصيات كثيرة، ولكنّها في مقابل ذلك تكشف عن شعورها وهي طفلة صغيرة أمام تفضيل الأسرة لأخيها عليها، وتصرّح أنّها لم تكن لتجرؤ على التصريح بذلك لو لم تكن علاقتها بزوجة أبيها نموذجيّة(4)، ثمّ تبيّن حرمانها، بعد ذلك، من دراسة النحو، وفي هذا تقول" وقد أثّرت هذه الصدمة الجديدة على نفسي تأثيرا شديدا. وبدأ اليأس يتسرّب إلى قلبي ويتولاّني الملل حتّى أهملت دروسي وصرت أكره أنوثتي لأنّها حرمتني متعة التعليم وممارسة الحياة الرياضيّة"(5). يكشف هذا عن وجود ضوابط تقرّ بوجود فوارق أساسيّة وجوهريّة بين الذكر والأنثى، كما تقرّ بأنّ لهذه الأخيرة حقوقا معلومة لا ينبغي لها أن تتجاوزها إذ يسمح لها بختم القرآن ولا تمكّن من تعلّم العربيّة ممّا اضطرّها إلى شراء الكتب خفية من الباعة المتجوّلين من أمام باب البيت(6).
ويشكّل البيت هنا المركز الذي تشعّ منه التعاليم التي ينبغي اتّباعها، وذلك وفق ثنائيّة ما يجوز وما لا يجوز لإعداد الأنثى على منوال معيّن تتّبعه في حياتها الباقية، أي في حياتها الزوجيّة وفي علاقتها مع الرجل عموما، ولا أدلّ على ذلك من أنّ هدى شعراوي وهي زوجة تمنع" من التسلية بالعزف على البيانو من قبل زوجها" ممّا جعلها ترتدّ إلى نفس مشاعر الطفولة حينما شعرت بتقييد حرّيتها وكره الأنوثة إذ تقول في نفس الصفحة" وهكذا شعرت أنّه يقيّد حريّتي تقييدا ظالما...وضاقت الحياة في وجهي"(7) كما أنّ اهتزاز علاقتها بسعد زغلول في مناسبات عديدة عاد إلى نفس العوامل ولكن بتلوينات أخرى.
وهكذا كانت المرأة بمنآى عن مركز الحياة، وهو أمر ناتج عن هيمنة مجتمع أبويّ محافظ أعلى من قيمة الذكورة، وقد انتقى لذلك الغرض ما يناسبه من مرجعيات تراثيّة، فأدّى ذلك إلى محاصرة المرأة في البيت. ويمكننا على سبيل المثال لا الحصر الإحالة على موقف مثقّف بارز هو عبّاس محمود العقّاد من المرأة، بوصفه دالاّ على سياق القيم، في كتابيه" نصف إنسان" وبعده" المرأة في القرآن" إذ اعتبر المرأة كائنا يتصرّف بالغريزة وليس بالإدراك والتنشئة والتربية الاجتماعيّة التي تتلقّاها وتحاط بها خاصة في البيت، وجعل الرجل مختصّا لوحده بما سمّاه الجهاد والسعي، فأثبت بذلك للرجل مكانة متفوّقة بل سامية مقارنة مع المرأة، فهي في منظوره" سريعة الانقياد للحسّ والاستجابة للعاطفة، يصعب عليها ما يسهل على الرجل من تحكيم العقل وتغليب الرأي وصلابة العزيمة" لينتهي به الأمر إلى الحكم على المرأة بأنّها أقلّ مرتبة من الرجل(8).
ويبيّن هذا أنّ المرأة لم تكن ذلك الشريك في المجتمع، ولم تكن معترفا لها بما يساعدها على النهوض ممّا أدّى إلى التصادم مع الذكورة بوصفها" قيمة قهريّة"(9)، وهي قيمة كانت تستغرق السلطة التي توجّه الإنسان في المجتمع، ومن ثمّ تحرم المرأة من قيم كالمساواة في التعليم والحرية والعدالة الاجتماعيّة، وقد ولّد ذلك الصراع في سبيل الحضور وإثبات الذات في البيت وخارجه، وذلك من خلال كسر الموانع وتجاوز العقبات، فأصرّت هدى شعراوي على القراءة والتعلّم لتكسر قيد الأميّة والجهل بشرائها للكتب خلسة ودخول مكتبة أبيها خفية للاطّلاع على ما فيها. والجدير بالذكر أنّ التربية المكرّسة في البيت، باعتباره إطارا رمزيّا متّصلا بمجال اجتماعي أوسع تتحكّم فيه السلطة، كانت تقوم على الفرض والإرغام والمحاصرة، لذلك انتقدته شعراوي وهي تتحدّث عن الصراحة التي اعتبرتها أساس التفاهم بين الناس، وتأسّفت لأنّ التقاليد القديمة تسبّبت في حرمان المجتمع من التمتّع بمزاياها وفوائدها(10).
إنّ تعليق هدى شعراوي في مذكّراتها على طريقة معاملتها وشكواها من غياب الحقوق، إضافة إلى وقوفها على هنات التربية الشرقية دلّ على علاقة القيم بالقدرات المعرفيّة للأفراد، فإذا وضعنا في اعتبارنا ثقافة الكاتبة المميّزة وإتقانها للفرنسيّة والتركيّة ومواهبها وتميّز نساء أخريات كثيرات اشتغلن معها على نفس الهموم والرهانات وكنّ مطّلعات على لغات أخرى كالألمانيّة والإنجليزيّة ومتقنات لها، أمكن لنا تقدير مواقفهنّ حيال القيم السائدة ورغبتهنّ في تقويمها والتعليق عليها وعدم الرضا بما تقرّه أو التسليم بها كما هو الشأن مع النساء اللاتي حرمن من التعليم إذ كنّ يجدن في تلك القيم المعطاة عاملا رئيسيّا يكفل لهنّ التوازن والانسجام مع المجتمع.
لقد قدّمت المذكّرات صورة عن النخبة النسائيّة من خلال المواقف والوقائع، فكشفت أنّ الوضعيّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة الجديدة جعلت المرأة تواجه القيم التي تعرقلها، ومعنى ذلك أنّ هناك مكاسب نسائيّة تراكمت على مدى السنين جعلت الرغبة في تغيير السائد أمرا منطقيّا ومعقولا، تقول هدى شعراوي في هذا فـ" الرغبة في إصلاح المرأة ..بدأت عندنا في مصر منذ خمسين سنة تقريبا، أو منذ فتحت المدرسة السنيّة للبنات"(11)، فهذه الإحالة تبيّن المرجعيّة التاريخيّة التي انبنت عليها مطالبة المرأة بالإصلاح، وهو ما أدّى بها إلى مجابهة منظومة القيم، وهي مرجعيّة أسّس لها محمّد علي باشا الكبير، فأقبلت البنات على" مدرسة القابلات الصحّية" و" مدرسة المعلّمات" ومصانع الغزل والنسيج ليعزّزها بعد ذلك حفيده الخديوى إسماعيل الذي ساندت زوجته إنشاء أوّل مدرسة حكوميّة لتعليم البنات في مصر في سنة 1873 كما أشارت إلى ذلك شعراوي.
وتعزّزت تلك المرجعيّة بمؤثّرات أجنبيّة غربيّة بالخصوص استطاعت أن تنقل تأثيرها إلى مصر من خلال الاستعمار الذي كان سببا في هجرة الأفكار ومنها الأفكار الخاصة بتحرير المرأة وخروجها إلى الحياة العامة بفعل الحاجة إلى مجهودها في البداية نتيجة الحروب وذهاب الرجل إلى جبهات القتال، ثمّ بفعل الإيمان بمقدرة المرأة واكتساب هذه الأخيرة لأدوار جديدة ذات شأن في المجتمع تتناسب مع الثورة الصناعيّة والثقافيّة الوليدة التي جعلت الآخرين" ذوي حيويّة نادرة ونشاط خارق"(12) فالوعي بتطوّر أوضاع المجتمعات الأخرى حاصل في الأذهان ومؤثّر في التطوّرات الاجتماعيّة للمرأة المصريّة، وتقول هدى شعراوي في موضع آخر متحدّثة عن مدام تيلور الأمريكيّة" ..أخذت عنها مذكّرات أظنّها تنفع البلد، وسأعرضها عند عودتي على أولي الشأن لتطبيقها بقدر الإمكان"(13)، فهنا يتّضح الربط بين تجربة المرأة الغربيّة والسعي إلى الاهتداء بها على سبيل الاقتداء بنجاح الأخريات في العالم المتمدّن، ويعتبر ما سبق ايذانا بالانتقال إلى الفعاليّة النسائيّة التي رمت إلى تغيير وضعيتها ممّا أثار مسألة استراتجيات النضال بعد أن أقرّ النضال في الأذهان والنفسيات.
2ـ استراتجيات النضال:
2ـ1ـ النضال الوطني المشترك:
ما كان للمرأة أن تشارك في الشأن العام تحت أيّ شعار وإن كان وطنيّا لو لم تتخطّى المرجعيات المحافظة التي كانت تنظر إلى المرأة بوصفها ذاتا قاصرة من الناحية المعرفيّة ومحدودة من حيث الكفايات التي تجعلها قادرة على التأثير، ولذلك كان التحصيل المعرفي بوّابة ضمنت للمرأة الخروج من دورها المنمّط المتمثّل في النشاط البيتي، فقد تمكّنت خصوصا، في ما يتّصل بالطبقة الأرستقراطيّة، من أن تكسر ذلك العائق الرمزي الذي نصّ في باب التعليم على ضرورة أن يكون تلقّيه بمقدار ولغاية معلومة كرفع الجهل ومعرفة الواجبات وحقوق الزوج لا للمشاركة في الحياة العامة، وهو أمر تعرض له المذكّرات في مناسبات عديدة لتكشف لنا أنّ النساء الرائدات، ومن بينهنّ هدى شعراوي، أريد لهنّ، في الأصل، أن يكنّ ربّات بيوت محدودات التكوين، ولكنّهنّ اجتزن ذلك العائق بضمان المعرفة والتميّز فيها بطرقهنّ الخاصة وإصرارهنّ الكبير، فتحوّلن إلى ذوات ثقافيّة sujets culturels بمعنى أنهنّ أضحين يعبّرن عن وظيفة لا عن المرأة الأنثى الموقوفة على خدمة غيرها.
لقد فسّرت هدى شعراوي بوعي المرأة المثقّفة أسباب اشتداد الثورة في مصر والحافز على الانخراط فيها، فقد" ارتكب الانجليز الفظائع، ومن ذلك أنّهم طافوا بالقرى يضربون الرجال بالسياط ويسطون على البيوت ويعتدون على الحرمات ويقتلون المواشي والطيور"(14)، وذلك بعد أن حاول أعيان المنيا، ومنهم ابن أخت الكاتبة توفيق اسماعيل بك، تهدئة الأمور. وهكذا انخرطت المرأة في النضال الوطني جنبا إلى جنب مع الرجل، فقد أتاحت لها ثورة 1919 الفرصة كي تخرج إلى المجتمع وتتفاعل معه.
وترى عفاف عبد المعطي هنا" أنّه لا يجب اعتبار أنّ الحركة الوطنيّة أعطت الحركة النسائيّة شرعيّة، بل نستطيع أن نقول إنّ الوعي النسائي قد اقترن بالوعي الإصلاحي والوطني في تلك المرحلة بشكل كبير"(15)، فقد أدركت المرأة المصريّة من خلال اطّلاعها على التطوّرات أنّ الخطر يهدّد مجتمعا بأكمله، وأنّ التكاتف هو الحقيقة المرحليّة القادرة لوحدها على إنقاذه من العدوان والاستعمار، فإذا كان النضال النسائي مرتبطا بما هو وطني مشترك فإنّه كان في عمقه ذا طبيعة اجتماعيّة وثقافيّة مؤجّلة، فقد تحدّد آنذاك بدرجة التشارك التي قبلت بها المناضلات الرائدات في مرحلة حرجة من تاريخ مصر، ودرجة التشارك تلك لم تكن نابعة من إرادة المرأة، بل من متطلّبات اللّحظة السياسيّة وتطوّرها الذي استدعى المواجهة مع الأجنبي.
وهكذا فإنّه كان لابدّ على المرأة أن تنظمّ إلى اتّجاهات سياسيّة عامة، وتجلّى ذلك في لجنة السيّدات أو ما عرف بحزب الوفد النسائيّ الذي قادته هدى شعراوي وكانت مهمّته" استمرار المطالبة باستقلال مصر استقلالا تاما"(16) ليصبح دور المرأة في المجتمع واضحا ومبرّرا على نطاق واسع، وهو دور تجلّى بموازاة العمل الحزبي والسياسي، ثمّ ضمن السياق الجديد للمرأة أن تكون ممثّلة في النشاط السياسي، تكتب باسمها الاحتجاجات والخطابات، ولعلّ أبرزها لك الخطاب الذي وجّهته لجنة الوفد المركزيّة للسيّدات لأعضاء لجنة اللّورد ملنر التي كانت تهدف إلى احتواء مصر ضمن المستعمرات البريطانيّة، وقد جاء فيه" قرّرت مصر، نهائيّا، ألاّ تفاوض لجنتكم الموقّرة ما دامت تشتمل على أن تكون مصر تحت الحماية البريطانيّةّ"(17).
ويلاحظ أنّ النساء يتحدّثن باسم الشعب لإدراكهنّ بأنهنّ منتخبات يحقّ لهنّ اتّخاذ القرارات التي تناسب التحدّيات المفروضة في الواقع، بل إنهنّ أتبعن ذلك بالتحرّكات الميدانيّة، ففي 20 مارس 1919 تكرّرت المظاهرات، ورفعت المتظاهرات الأعلام المكتوب عليها بالعربيّة والفرنسيّة عبارات الاحتجاج على سفك الدماء والاعتداء على الحرّيات والحرمان لتسقط شفيقة محمّد أوّل شهيدة في المعركة الوطنيّة.
ولمّا أراد المستعمر أن يشعل الفتنة بين أبناء الوطن الواحد وجعل الثورة تبدو كأنّها تصفية حسابات بين أكثريّة وأقلّيات من الأقباط والأرمن اليهود بكلّ ما يحمله ذلك في طيّاته من اتّهام المصريين بعدم التحضّر والتمدّن بادرت هدى شعراوي في ديسمبر 1919 إلى الاجتماع برفيقاتها في الكنيسة المرقصيّة حرصا على مبدإ الوحدة الوطنيّة الذي كان أهمّ مرتكزات الثورة آنذاك، وأصدرت المجتمعات بيانا تضمّن رأيهنّ في التمسّك بالاستقلال التام وتضافر قوى المجتمع بعنصريه القبطي والمسلم، واعتبرت هدى شعراوي أنّ ما قام به المستعمر لم يكن سوى محاولة لـ"تشويه الثورة"(18).
ولإعطاء العمل الوطني الدفع القويّ تبيّن صاحبة المذكّرات أهميّة المؤتمرات العالميّة في تمكين المرأة من إثارة قضايا وطنها وكسر الحصار الذي لطالما فرضته السلطة البريطانيّة للحيلولة دون التواصل مع الصحافة العالميّة والرأي العام الدولي. ولذلك اعتبرت مؤتمر روما" فرصة تتيح دحض الافتراءات التي أثيرت في الخارج حول حركتنا الوطنيّة وحاولت أن تنال من جلالها وعظمتها"(20)، فبدت لذلك أدوار المرأة متكاملة في إطار الحركة الوطنيّة المشتركة ومنظّمة لمواجهة التحدّيات الداخليّة والخارجيّة، بل إنّه يمكن القول بأنّ المرأة، أحيانا، كانت أكثر تشدّدا من الرجال في التمسّك بالمطالب كما هو الشأن بالنسبة إلى وحدة مصر والسودان، وكانت نظرتهنّ متميّزة بالوفاء للمبادئ الكبرى وغير خاضعة للمصالح الضيّقة التي تنتج، عادة، عن الصراعات بين الأفراد أو المجموعات الممارسة للسلطة من ذلك أنّ لجنة الوفد للسيّدات قرّرت" عدم تعضيد وزارة عدلي باشا لعدم رفعها للأحكام العرفيّة والرقابة الصحفيّة وعدم المطالبة بالاعتراف باستقلال مصر والسودان"(21). ولاشكّ أنّ هذا الأسلوب يشكّل ضغطا في اتّجاه تقويم الممارسة السياسيّة لا الانجراف وراءها وتنزيهها عن النقد الذي يحتاجه المجتمع للوصول إلى غاياته في نهاية المطاف.
وإذا كانت قيادات الحركة النسائيّة المنخرطة في النضال الوطني قد انتمت إلى الطبقة الأرستقراطيّة فإنّ تأثير المرأة بما هي ذات ثقافيّة قد امتدّ إلى الطبقة الوسطى والشعبيّة، فالشهيدات الخمس الأوّل في ثورة النساء في سنة 1919 كنّ من الأحياء الشعبيّة، وقد صوّرت هدى شعراوي في مذكّراتها كيف كانت قيادات الحركة النسائيّة تذهب إلى مكان المسيرة في مركبات فاخرة فيفاجأن بأنّ النساء الفقيرات قد سبقنهنّ مشيا على الأقدام، بل إنّهنّ كنّ يحملن اللاّفتات ويحمين القيادات العامة في المواجهات الميدانيّة مع المحتلّّة،كما تصوّر وقوف السيّدات" على أبواب الدواويين لمنع الموظّفين المتخاذلين من الدخول إلى مكاتبهم"(22) وذلك لإنجاح الإضراب رغم تهديد حكومة رشدي باشا للعاملين باستعمال القوّة والفصل من العمل، فهذا يبيّن وعي المرأة بقوّتها، وهي قوّة أقدرتها على قلب ميزان القوّة لصالح القوى الوطنيّة التي يتزعّمها الرجل.
ونلفت الانتباه، بعد ذلك النجاح، وقائع تستعرضها هدى شعراوي، وهي وقائع أشارت إلى بداية الاختلاف بين النساء والرجال أو زوال ذلك التشارك الذي حصل بدافع الوطنيّة، تقول الكاتبة" كنّا طوال الوقت نتابع أخبار الوفد ونؤازره...وقد ظلّت الأمور على هذا الحال إلى أن أرسل الوفد مندوبيه الأربعة لعرض المشروع على المصريين، وقد عرضوه بالفعل على جميع الهيئات فيما عدا هيئة لجنة السيّدات"(23). لقد كان ذلك تعبيرا عن التنكّر لمجهود النساء المصريات وانقلابا عليه رغم أنّ سعد زغلول(24) أسف لما حدث، ويتبيّن من تعليق الكاتبة على ذلك شعورها بالخيبة إذ أنّ مجهود المرأة لم يقدّر حقّ قدره، كما يتّضح لنا أنّ الساسة لم يكونوا راغبين في عرض مشاريعهم على عقول ناقدة وعاقلة(25) هي عقول النساء المناضلات والمثقّفات بقدر ما كانوا يرغبون في حشد الناس لصالحهم كما حدث بين سعد زغلول وعدلي باشا.
ونجد في المذكّرات وقائع أخرى تبيّن استهانة الساسة بالمرأة مثل رفض طلبها لحضور حفل افتتاح البرلمان في 1924 في الوقت الذي دعيت فيه سيّدات أجنبيات، ولكنّ الحادثة الصادمة والمبكّرة مقارنة بغيرها تمثّلت في منع الأزواج لزوجاتهم المناضلات من السفر لحضور المؤتمر النسائيّ الدولي في سنة 1920، وهو أمر تجاوزته هدى شعراوي في مذكّراتها بصفة تامة، بينما ذكرته في مجلّة الهلال قائلة" أقنعت بعض الصديقات بالسفر إلى المؤتمر، وأبرقنا إلى أوروبا بذلك، ولكنّ أزواجنا خذلونا في اللّحظة الأخيرة، ورفضوا، بعد قبول، أن يسمحوا لزوجاتهم بالسفر، فتحطّم أملي واضطررت إلى إرسال برقيّة أعتذر فيها بمرض المندوبات بالحمّى الإسبانيوليّة التي كانت منتشرة في مصر"(26).
وقد نقدت إنجي أفلاطون عذر هدى شعراوي ورأته معيبا قائلة" ما كان يجدر بالزعيمة الراحلة أن تنتحل عذرا تخفي به أمام المؤتمر الدولي حقيقة الأمر"(27) إلاّ أنّ الكاتبة في مذكّراتها، التي تقوم بطبعها على الانتقاء، ربّما كانت أحرص على عدم المساس بدور ثورة 1919 في الارتقاء بالمرأة رغم كلّ شيء مع وعيها بدخول المرأة في مرحلة جديدة من النضال لها خصوصيات مختلفة.
2.2ـ مأسسة المجتمع النسائيّ:
مثّل تأسيس الاتّحاد النسائي المصري(28)على يد هدى شعراوي حدثا في غاية الأهميّة لا يمكن قراءته إلاّ في ظلّ الوقائع التي سبقته وأدّت إليه، فمن جهة أكّدت المرأة أهميّة دورها في الحياة العامة، ومن جهة ثانية فعّل الرجل في وجهها سياسة المنع التقليديّة، ودفعها ذلك إلى أن تختار العمل المستقلّ في اتّحاد خاص بها تكون سيّدة القرار فيه والمسؤولة عن افتتاح مرحلة مختلفة.
وأمكن للمرأة، وهي تفكّر بشكل مستقلّ، أن تمرّ إلى قضاياها المؤجّلة، فكان مؤتمر روما في سنة 1923 "أوّل قبس اتّخذ أساسا لوضع قواعد الإصلاح الواجبة للمرأة عندنا لذلك فكّرنا في الإصلاح وتنظيم حالة العائلة"(29)، فلم تعد المرأة تتحرّك في المجالات المشتركة والمعلومة، وإنّما أصبحت تطرح مواضيع مخلخلة لما استقرّ في الأذهان، فقد كان الأمر يتطلّب اختراقا للبنية الاجتماعيّة الموجودة آنذاك، ومن هنا ركّز الاتّحاد النسائي المصري على أن يرد برنامجه في المذكّرات تحت عبارة" تنظيم حالة العائلة"(30)ما يعني أنّ العلاقات داخل ذلك المكوّن الاجتماعي وعلاقة المرأة، خصوصا، مع باقي الأفراد كانت في حاجة إلى صياغة جديدة وإصلاح، فالذي ترسّخ عند الناس هو أنّ علاقة الرجل بالمرأة سواء كان زوجا أو ابا أو أخا هي علاقة قويّ بضعيف، وهي إضافة إلى ذلك، نتيجة المنع، علاقة عارف بجاهل دون أن يحسب للظروف الاجتماعيّة وعوامل التنشئة بصفة خاصة أيّ حساب، فكان هناك إقرار بأنّ المرأة هي تلك على كلّ حال، فكان ذلك هو الوضع الذي وجدت النساء الناشطات في الاتّحاد أنفسهنّ مجبرات على التعامل معه والعمل على تغييره.

لقد كان الأمر، إذن، في غاية الصعوبة، فوضعيّة العائلة بمواصفاتها الخاصة وبيئتها وثقافتها كانت دائما مسيّجة بسلطة العادات وتأويلات النصّ الشرعي المتداولة، فالإصلاح يثير حلقات متتابعة من المسائل التي تتّجه نحو التعقيد، وكان هناك زعم بأنّ كلّ محاولة في هذا الاتّجاه هي في حقيقة الأمر إفساد للمجتمع وتجاوز لخصوصيّة الحالة الاجتماعيّة وتأثّر بما هو أجنبي وانتحال له، فكانت العمليّة الإصلاحيّة، بمقتضى ذلك، في تقابل لا فقط مع بنى مجسّدة، وإنّما أكثر من ذلك مع بنى رمزيّة لها ثقلها في الواقع والتاريخ.
ومن نتائج ذلك أنّ هدى شعراوي وجدت نفسها في مرّات عديدة مضطرّة إلى الردّ على اتّهامات مختلفة من ذلك ردّها على مقال للشيخ عبد العزيز جاويش في جريدة الأخبار إثر مشاركتها في مؤتمر روما إذ قالت" لم نذهب إلى ذلك المؤتمر لنلجأ إليه بطلب إلغاء تعدّد الزوجات أو تعديل نظام الخطبة أو تضييق دائرة الطلاق على الرجال كما ظنّ فضيلته"(31). ولاشكّ أنّ هذا يدلّ على أهميّة تلك المواجهة بين المناضلات والمرجعيّة الدينيّة ممثّلة في أطراف عديدة منها المشايخ بتكوينهم الأزهري التقليدي الذي كانوا أحيانا ينطلقون في اتّهاماتهم من الظنون التي لا ترتكز على حقائق يمكن التعويل عليها.
ولذلك كان لابدّ من توضيح ما قام عليه الاتّحاد النسائي حتّى يفهم المجتمع دوره، فقد" أخطأ الكثيرون فهم المبدأ الأساسي للاتّحاد النسائي بشأن المطالبة بالمساواة في حقوق السياسيّة للمرأة، فقد توهّموا أن غرضها من الحصول على حريّتها ومساواتها بالرجل في الحقوق هو الوصول إلى السفور ومزاحمة الرجل ممّا أدّى إلى تذمّر بعض الرّجال"(32)،فهذا يكشف التحدّيات الكبيرة التي واجهت العمل النسائي المستقلّ الذي كان يقاوم من قبل الرجل بالظنون، كما كان يقاوم بالأوهام، فإذا كانت النساء المناضلات يبنين تفكيرهنّ على أسس واقعيّة خاضعة للمعاينة والتقييم تطلّبت" ترقية مدارك المرأة عقليّا وأدبيّا"(33) في بيئة جاهلة، فإنّ المجتمع الذي تمثّله سلطة الرجل لم تكن له مقاربة عقلانيّة واضحة بقدر ما كان يعمد إلى الرفض والتذمّر والتخوّف من المزاحمة في الحقوق.
لقد استوجب العمل النسائي المستقلّ عمليّا اطلاع الناس على أدواره من خلال الردود والاجتماعات والمؤتمرات والاحتجاجات والمظاهرات، إذ أنّ المجتمع لم يعهد، بعد، أن تعمل المرأة بصفة مستقلّة. وهكذا فإنّ استراتجيّة العمل عندهنّ قامت كما ورد في المذكّرات على تجنّب الصدام المباشر من ممثّلي السلطة وطمأنة المجتمع، فالموازين لم تكن لتنقلب بين عشيّة وضحاها دون أن يعني ذلك التردّد في المطالبة بالحقوق فـ"في شهر يونيو 1923 أوفدت جمعيّة الاتّحاد النسائيّ وفدا إلى رئيس مجلس الوزراء يرفع إليه مطلبين مهمّين: تحديد سنّ زواج البنت، ومساواتها بالبنين في التعليم الثانوي والعالي"(34). وقد حقّق ذلك السعي نجاحا مهمّ في عهد وزارة يحيي إبراهيم باشا رغم المنشور الوزاري الذي جرّد، بعد ذلك قانون سنّ الزواج من مزاياه باعتباره شهادة الأبوين كافية ممّا أبقى الأمر" تحت حكم الرجل"(35)،ولكنّ الاتّحاد عمل إثر ذلك على تقديم مطالب أخرى أكثر حساسيّة لعلّ من أهمّها المطالبة بمنع تعدّد الزوجات في سنة 1926.
ويلاحظ أنّ المطالبة بحقوق المرأة قد اتّخذت نسقا تصاعديّا وذلك اعتمادا على نظام الأولويات، وهو ما أقرّته هدى شعراوي في سنة 1927 عند زيارتها لأمريكا، فقالت عن التعليم" إنّه أكثر أهميّة من المطالبة بحقوقهنّ الانتخابيّة"(36)رغم أنّ إشراك المرأة في الانتخابات عدّ مطلبا مهمّا، فإذا عدنا إلى الاجتماعات التي عقدت من البداية بين لجنة الوفد المركزيّة للسيّدات وجمعيّة الاتّحاد النسائي المصري وجدنا أنّ مطالب المرأة متعدّدة الأبعاد منها ما هو سياسيّ وما هو اجتماعي وما هو دستوري وما هو نسائيّ بحت. ونظر إلى الضغوط الاجتماعيّة والتحدّيات الجمّة فإنّه وقع الاتّجاه إلى" القضايا الاجتماعيّة والنسائيّة باعتبار أنّ المرأة هي نصف مجموع الأمّة، وكلّ ما تحقّقه ينعكس على الحياة العامة ويدفع إلى تطوّر المجتمع"(37). وقد اعتبرت هدى شعراوي أنّ الجهل كان أخطر عائق حرم النساء المصريات من التمتّع بحقوقهنّ المكفولة لهنّ أصلا في الشريعة الإسلاميّة ممّا جعل الأولويات السابقة مبرّرة بتجربة المناضلات الرائدات أنفسهنّ
وإضافة إلى ما سبق، تمكّنت المرأة من ترجمة أفكارها إلى واقع فعليّ من خلال نضالها في الاتّحاد النسائي، ويذكر في هذا الباب إحداث دار التعاون الإصلاحي لـ"معالجة الفقيرات وأطفالهنّ وصرف الدواء لهنّ مجّانا وتعليمهنّ بعض الأعمال اليدويّة ومبادئ الدين والمبادئ الصحيّة ومحاربة الخرافات"(38)،فساهمت تلك الجهود في ايجاد صلات أعمق بالمجتمع المصري وإقناع الناس بأنّ ما تقوم به المرأة هو، في واقع الأمر، إصلاح اجتماعي يعود بالنفع على الجميع دون استثناء، فكان صدى ذلك جيّدا في الصحافة إذ أثنت جريدة السياسة على جهود المرأة عندما كتب مندوبها عن مؤتمر باريس المنعقد في سنة1926"ازددت يقينا على يقيني بأحقيّة المرأة في ضرورة فتح باب المساواة المطلقة يدخل منه كلّ من يستطيع بمقتضى الأحقيّة لا بمقتضى النوعيّة لأنّ التمييز النوعي لا يفيد التفوّق في الكفاءة"(39).
وتمكّنت المرأة من خلال ما أتاحه الاتّحاد النسائي المصري من المشاركة في المؤتمرات العالميّة الخاصة بالمرأة والتعبير عن مواقفها لغير المصريين وللغربيين بصفة خاصة، وكان ذلك بمثابة التصحيح لما حاول الانجليز تشويهه، فقد كانت خطّتهم تقتضي لدوافع استعماريّة ضيّقة إظهار المصريين للعالم في صورة المتعصّبين والفوضويين الذين لا هدف لهم. وتمكّنت هدى شعراوي في هذا السياق الجديد من الانطلاق من قاعدة مجهولة أو محجوبة عند المشاركات الأخريات تمثّلت في أنّ المرأة الشرقية"منحتها الشريعة السمحاء حقوقا تكاد تساوي حقوق الرجل بل تفوقها في بعض المواطن"(40)ممّا مكّنها من اكتساب أهمّية بوصفها محاورا ذا مرجعيّة لا فقط متلقّ لآراء ونظريّات يقوم بتطبيقها لاحقا في إطار الاتّباع والأخذ بما عند الآخرين.
وإذا ما ربطنا هذا بأنّها حرصت على تحييد السلطة الدينيّة أمكننا معرفة إلى أيّ مدى عملت على اكتساب تلك المرجعيّة الرمزيّة بمكوّنيها الديني والتاريخي، ففي مؤتمر جراتز في سنة 1924 طالب الوفد النسائي المصري بغلق بيوت الدعارة معتبرا ذلك الداء الأساسي للاتّجار بالنساء والأطفال، ممّا جعل المطالبة النسائيّة تندرج في جوهر الانشغال الديني، إلاّ أنّ تلك المرجعيّة الرمزيّة لم تمنع المرأة من استحضار الأمثلة المشرقة للمرأة الغربيّة كما هو الشأن بالنسبة إلى مسز بانكهرت الانجليزيّة(41)وجين دارك الفرنسيّة، إضافة إلى علاقاتها بشخصيات نسائيّة مثقّفة مثل مرجريت كليمان التي ألقت سلسلة محاضرات بمنزل شعراوي والجامعة المصريّة.
وطالبت المناضلات في موضوع السياسة بضرورة إلغاء نظام الامتيازات الذي تمتّعت به القوّة المستعمرة لمصر لأنّه مثّل عائقا أمام كلّ تقدّم، وحاولت من خلال المؤتمرات النسائيّة التأثير في الرأي العام العالمي والمسؤولين الأجانب، وساعد على ذلك مستوى المرأة المناضلة، فقد كانت هدى شعراوي تتكلّم الفرنسيّة وماري كحيل تتكلّم الألمانيّة وسيزان براوي تتقن الانجليزيّة على سبيل المثال لا الحصر، ممّا أوصل وجهة نظرهنّ على نحو جيّد. ولاشكّ أنّ انتخاب هدى شعراوي ضمن مكتب الاتّحاد النسائي العام دليل على ما توصّلت إليه المرأة المصريّة باعتبار أنّ جهدها كان مميّزا في الشرق.
إنّ المسيرة التي أنجزتها المرأة في إطار نضالها المستقلّ بيّنت إلى أيّ حدّ يمكن للمرأة أن تؤثّر في مجتمعها، وذلك عن طريق مواقفها الخاصة بها،ولكنّ تلك المسيرة بوصفها نابعة من المرأة وغير منضوية إلى سلطة الرجل المباشرة كما كان الأمر نسبيّا في حزب الوفد النسائي طرحت مواجهات جديدة لعلّ أبرزها المواجهة بين هدى شعراوي من جهة وسعد زغلول من جهة ثانية، وهي مواجهة في حقيقة الأمر بين مرجعيتين رجاليّة ونسائيّة أو بين السلطة والمثقّف، ممّا جعل تحصين تجربة المرأة النضاليّة بخطاب يحميها ضرورة في الممجتمع.
2ـ3ـ الخطاب النسائي بدل خطاب الرجل:
هناك اعتقاد عند الكثيرين بأنّ قاسم أمين هو محرّر المرأة في مصر، وكأنّ ما حقّقته المرأة في حركتها النضاليّة الطويلة لم يكن سوى انعكاس لما نادى به، وقد انتشر ذلك الاعتقاد على مدى واسع إذ تذكر مارجو بدران أنّها سمعت في الستيّنات أحد خرّيجي أكسفورد يذكر اسم قاسم أمين ويتبعه بـ" كلمة الأب الروحي لتحرير المرأة في مصر"(42)،غير أنّ هناك خطابا آخر أنتجته المرأة لا تصحّ قراءة التجربة النسائيّة إلاّ في ضوئه لاعتبارات عديدة.
ومن هنا وجدت الكثير من الاسهامات التي عملت على التمييز بين خطاب المرأة والخطاب عن المرأة أي الذي أنتجه الرجل، دون أن يعني ذلك حطّا من شأنه،فهدى شعراوي تكبر في مذكّراتها ما تميّز به قاسم أمين من " الشجاعة الأدبيّة النادرة..في وقت كان النطق باسم المرأة يعدّ سبّة وخزيا"(43). والأكيد أنّ هناك قواسم مشتركة بين الخطابين نهضت على انتقاد النظام الاجتماعي المستبدّ وسلبه للمرأة حقوقها، إضافة إلى ضرورة تجاوز التقاليد البالية واستيعاب ما عرفه المجتمع المصري آنذاك من تغيّرات حتّمت التغيير والتطوير وخروج المرأة للتعلّم.
وإذا تجاوزنا تلك القواسم المشتركة أمكن لنا ملاحظة الفوارق، وهي في غاية الأهميّة، فلقد كانت التجربة والمعاناة الشخصيّة هي الحافز الأساسي بالنسبة إلى النساء، بينما كان سبب اهتمام قاسم أمين والطهطاوي وسلامة موسى وغيرهم بقضيّة المرأة متّصلا جذريّا بشرحهم لأبعاد تخلّف الأمّة وما يعوق تقدّمها. وانطلاقا من تلك التجربة الشخصيّة نفهم تأثّر هدى شعراوي وهي تتحدّث عن وفاة ملك حنفي ناصف أو باحثة البادية إذ تقول" ..وفي تلك اللّحظة انفردت في مخيّلتي صفحة بيضاء ذات إطار أسود لهذه السيّدة، وخيّل إليّ أنّني أسمع صوت باحثة البادية وهو يدوّي في قاعة المؤتمر الذي عقد عام 1910 مطالبا بحقوق عشرة نساء"(44).وملك ناصف هي التي أرسلت مجموعة من المطالب إلى المؤتمر المصري المنعقد في سنة 1919 لوضع استراتجيات الاستقلال، واشتملت تلك المطالب على حقوق المرأة في العمل والمشاركة في صلوات الجماعة في المساجد، ولم يكن باستطاعتها أن تظهر للناس فوجه المرأة وصوتها،آنذاك،كان ممنوعين، لذلك يمكن القول إنّ الخطاب النسائيّ كان يعمل على تحصين حقوق المرأة بإبلاغها إلى السلطة بالطرق المتاحة وتوظيف مناصرة الرجل لها والالتزام على وجه الخصوص بتمشّ عقلاني ومتّزن، فقد لاحظت مارجو بدران من خلال محاورتها مع الرائدات المصريات ومنهنّ سيزان براوي" أنّ المرأة،آنذاك،كانت تدرك أنّ النقاب ليس فريضة دينيّة، ومع ذلك فقد أدركت النساء الضريبة الباهضة التي عليهنّ هنّ وبناتهنّ دفعها إذا ما جاهرنا بهذه الدعوة، ومن هنا رأين أن يكون التغيير تدريجيّا من خلال الفعل لا القول"(45)،لهذا إذا ما أردنا تخصيص عقلانيّة ذلك الخطاب ذهبنا إلى صفتين فيه هما الاقتصاد بما يعنيه من تركيز على دور المرأة المركزي والتطوّر التدريجي في مواجهة تقاليد تجعل من وجه المرأة عورة وضغوط اجتماعيّة تتّهم المدافعين عن المرأة بدعاة التفرنج وأصحاب الهوى، وتنادي بوجوب التفريق بين مناهج تعليم البنات ومناهج تعليم الأولاد الذكور في المراحل الأولى ومحاربة حقّ الفتاة في التعليم حتّى المراحل العليا(46)،وهذا يفسّر أنّ هدى شعراوي وسيزان براوي نزعتا النقاب بعد أربعة وعشرين سنة من نشر كتاب تحرير المرأة ووفاة قاسم أمين باعتباره يرمز إلى قوّة الرجل الغاشمة و طريقته الخاصة في التعامل مع الدين.
ويمكننا تفكيك الخطاب النسائي كما ظهر في مذكّرات شعراوي بالنظر إلى طبيعة المرأة أوّلا وحقوقها ثانيا، وهما جانبان لا يمكن الوقوف على تميّز الخطاب المذكور دون تقدير ما بينهما من تفاعل، فقد كانت هدى شعراوي مؤمنة بأنّ جهل المرأة كان من أكبر الأخطار التي لها امتداد في المستقبل من خلال ما يلحق من أذى بالطفولة والأسرة والمجتمع عامة،ولهذا كانت المطالبة بالحقوق تجري بحذر،فانعدام الوعي النسائي على مستوى واسع قيّد بطريقة أو بأخرى الرائدات وجعلهنّ يتكبّدن المشاق المضاعفة في التدرّج بالمطالب بالمخاتلة في أحوال كثيرة فـ"جمعيّة الاتّحاد النسائي تتدرّج في معالجة المسائل"(47)و التجذّر في المحيط الاجتماعي.
ومن هنا ضمّ تلك الجمعيّة نادي الاتّحاد الذي تأسّس في 16 مارس 1923 واعترف به رسميّا مدرسة ومشغلا، وكانت العاملات فيه سافرات لا يجدن حرجا في الاختلاط بالرجال،ممّا يبيّن لنا ثمرات الخطاب الجديد وهي تتحقّق في إطار مدروس ومنطقي رغم محدوديته مقارنة بالمجال الاجتماعي العام، ولكنّ المرأة في ذلك الإطار كانت تتجاوز باستمرار الحدود والصفات والأدوار التي لطالما قيّدت وجودها من قبل الرجل، فكانت تلك الممارسة تترجم عن جوهر الخطاب النسائي الذي اعتبر أنّ المجتمع هو الذي يعلّم المرأة أن تكون امرأة بالمواصفات التي يريدها(48).
وهكذا كان مدى ذلك الخطاب تغيير المواقف من المرأة بما هي ذات، فكان بذلك يرفع جملة رهانات من أبرزها تغيير العقليات حتّى وإن تعلّقت تلك العقليات بأفراد من النخبة اللاّمعة، فقد ألّف قاسم أمين قبل كتابه المعروف" تحرير المرأة" بخمس سنوات كتاب" المصريون"بالفرنسيّة دافع فيه عن الحجاب وحرّم فيه الاختلاط وهاجم تحرّر المرأة الأوروبيّة، ولكنّه،بعد ذلك،تحوّل إلى خطاب مناصر للمرأة ورافد لخطابها نتيجة مراجعته للتحوّلات الكبرى الحاصلة واطّلاعه على ثقافة المرأة المصريّة في الصالونات وانبهاره بثقافتها العتيدة.
لقد رسخت في ذاكرة هدى شعراوي فكرة تميّز المرأة، ما عنى لها أنّها كانت قادرة على امتلاك خطاب حاسم إذا أرادت مقارنة بغيرها ممّن يخضعن للمعوقات لأسباب مختلفة، وقد وقفت مارجو بدران على الحضور المتميّز للشاعرة خديجة المغربيّة في بيت أهل شعراوي وإفلاتها من نفس القيود والحدود التي عانت منها بقيّة النساء(49)،وهي صورة بيّنت أنّ ما آمنت به هدى شعراوي ورفيقاتها في الاتّحاد النسائي وحاولن تكريسه له عمق احتواه محكيّ الطفولة من المذكّرات،وقد استطاعت تلك الصورة أن تتجاوز إطار الواقع المنساب إلى إطار الوعي الكتابي(50)المفتوح على القراءة.
إنّ خطاب المرأة ببعديه الخاص والعام وبملامحه الاجتماعية والاقتصاديّة والثقافية هو بعد كلّ شيء خطاب تحرّري من أيّ خطاب آخر بما في ذلك الخطاب الذكوري المؤمن بالمرأة والداعي إلى تحريرها(51)فالتطوّر الحقيقي الذي يمكن للمجتمع أن يبلغه مشروط بذلك.
ولا يعني هذا أنّ الخطاب النسائي منغلق على جنسه، فالمجلاّت النسائيّة التي تعدّدت وتنوّعت كالمصريّة بنسختيها الفرنسيّة ثمّ العربيّة(52)وغيرهما من المجلاّت الأخرى كانت تضمّ أقلام الرجال إلى جانب أقلام النساء، كما كانت تعرض الفكر المساند والمناهض للمرأة. ومن جهة ثانية فقد بيّنت المذكّرات باستمرار أنّ الخطاب النسائي كان منفتحا على الغرب في أمثلته المشرقة التي اتّصلت بإسهام المرأة في الارتقاء بالمجتمع وتمدينه، ولعلّ أبلغ ما عبّرت به عن حالها وهي في فرنسا قولها إنّها وجدت الفرنسيين" فخورين متباهين بحرّيتهم، متفانين في تقديسها"(53). ورغم ذلك فإنّ هدى شعراوي كانت مدركة في نفس الوقت لتقصير المرأة الغربيّة في الوقوف إلى جانب عدالة مطالب المرأة في الدول الضعيفة، من ذلك أنّها جوبهت بعدم اكتراث" لادي برونيت" حينما استنكرت وحشيّة الانجليز، وقد كشفت تلك الواقعة تبنيّ المرأة الغربيّة في المواقف لوجهة نظر القويّ المستعمر وعدم تعاونها مع نظيرتها على أساس المبادئ(54).
وأخيرا فإنّ الخطاب النسائي هو خطاب متنوّع في داخله، فبعد تأسيس الاتّحاد النسائي المصري بدأت الاختلافات في الظهور نتيجة اختلاف أساليب التفكير بين الأعضاء الناشطات، وكانت" الاختلافات ذات أساس ايديولوجي وديني"(55)فقد مالت إنجي أفلاطون إلى التوجّه اليساري الراديكالي، بينما اعتبرت زينب الغزالي مثال هدى شعراوي غير أصيل، وتركت الاتّحاد لتشكّل رابطة نسائيّة إسلاميّة في سنة1936.
3.الرؤى في التجربة النسائيّة:
1. 3 ـ هيكلة المجتمع هيكلة جديدة:
لقد رأينا،سابقا،كيف هيّأت المناضلات الرائدات لمراحل لاحقة،فقد عملن على المطالبة بحقوق المرأة واكتسبن خطابا خاصّا بهنّ نبع من تجربتهنّ الخاصة وأثرن في المجتمع من خلال الجمعيات النسائيّة والاتّحاد النسائي المصري والمجلاّت التي حرّرتها سيّدات على جانب كبير من الثقافة.
ولاشكّ أنّ حدوث ذلك قد أثّر في المجتمع تأثيرا قويّا، ويلاحظ في المذكّرات أنّ هدى شعراوي كانت مقتنعة بأنّه تأثير متدرّج في مصر مقارنة بأمريكا إذ قالت في سنة 1928 في كليّة الأمريكان للبنات"...ولكنّني كلّما اتّصلت بالمرأة الغربيّة وعلى الأخصّ الأمريكيّة ضعف ما كنت أشعر به من الارتياح لحركتنا لأنّني إذا قست خطواتنا بخطوات المرأة هناك...أجد ما تتقدّم إليه الغربيّة في عام قد لا تصل إلى مثله في جيل"(56)،وفي ذلك اعتراف صريح بأنّ تغيّر المجتمع المصري احتاج دائما إلى وقت طويل وعمل مستمرّ تعلّق جوهريّا بتوسّع الإصلاحات التي تمتّ فعليّا. وهي التي سمحت للمرأة كما في مثال ملك حنفي ناصف بالتقدّم إلى" الجموع العموميّة مباشرة خطيبة"(57).
وقد كسر ذلك واحديّة الصوت(58)الذي هو صوت الرجل، وغدا المجتمع بالتالي مهيّأ لإصلاحات أعمق وواعيا بأبعادها، خاصة، بعد إيمانه بدور المرأة في ثورة 1919 وتجمّع آلاف النساء بدون حجاب في سنة 1924 عند مدخل البرلمان المصري حاملات لافتات كتبن عليها" نطالب بمساواة الجنسين في التعليم: علّموا بناتكم" و" احترموا حقوق نساءكم" وهكذا فإنّ مجال الحياة العامة أصبح مهيكلا في مرحلته الجديدة وفق ما يتطلّبه حضور المرأة والرجل.
لقد استطاعت المرأة رغم المصاعب التي اعترضتها في طريقها إلى الإصلاح أن تكتسب مكانة رمزيّة جعلتها قادرة على التأثير المضاعف في محيطها والسلطة الماسكة بزمام الأمور،فقد" شكّلت هدى شعراوي رمزا ارتبط به نمط متّصل من الحركة الفاعلة ومجموعة كبيرة من النساء الناشطات سواء ممّن رافقنها في العمل الاجتماعي والخدمي أو من خلال لجنة الوفد ومن بعده الاتّحاد النسائيّ، فضلا عن السيّدات ممّن نلن تشجيعها أو مثّلت لهنّ أمّا كما تصفها دريّة شفيق أو مصدر إلهام بتعبير أمينة السعيد."(59)،وهو ما ساعد على طرح القضايا الملحّة واستيعاب التصوّرات الجديدة في المجتمع، وقد مكّنت شعراوي من تناول مسائل تنظيم العائلة وإعادة هيكلة بنية العلاقات بين أعضائها عبر إعادة تعريف الزواج وتعديل قوانين الأحوال الشخصيّة المتّصلة بتحديد السنّ الأدنى لعمر الفتاة عند الزواج وتقنين تعدّد الزواج وتنظيم الطلاق وتمديد سنّ حضانة الأطفال، وكانت واعية بأنّ ذلك هو بداية الإصلاح الحقيقي الضامن لنهضة المجتمع.
ومن ناحية أخرى، أدّى تعليم المرأة ودعمها في اقتحام الاختصاصات المختلفة إلى ظهور نخبة نسائيّة التفّت حول مجلّة" المصريّة"التي ترأّست تحريرها هدى شعراوي، وضمّت أسماء لامعة مثل عائشة عبد الرحمان وكوكب حفني ناصف وسميّة فهمي وغيرهنّ(60)من الرائدات المختصّات، وكان لذلك أبلغ الأثر في تعميق الرؤية النسائيّة المعنيّة بامتلاك أدوار بارزة في المجتمع، والعمل على نهضة الوطن، فقد حلمت هدى شعراوي بولادة" المرأة المصريّة الجديدة" رابطة ذلك بتعلّم المرأة(61).
ولذلك فقد احتفل الاتّحاد النسائي في سنة 1931 بأولى خرّيجات الجامعة احتفالا كبيرا شجّع الفتيات على طلب العلم وإقناع الرأي العام المصري بقدرة المرأة على التميّز والتفوّق والوصول إلى أعلى المراتب، ووقع دعم ذلك بإرسال الفتيات لإكمال دراستهنّ في أوروبا، وهو ما لقي دعم أعلام الفكر والثقافة من أمثال لطفي السيّد وطه حسين، وهكذا تكوّن اعتراف قويّ بالتغيّرات التي طرأت على وضعيّة المرأة نتيجة ما تمتّعت به" من قوّة وثقل في المجتمع"(62) ممّا أوجد علاقات جديدة بين المرأة والرجل أملته أدوارها الجديدة وخطابها المستقلّ، ففي سنة 1924 أحدث موقف المرأة المصريّة مقاطعة البضائع الإنجليزيّة ردّ فعل عنيف في الأوساط الشعبيّة، فقد أصدرت لجنة المقاطعة منشورات تحثّ فيها الجماهير على تنفيذ المقاطعة و" الاقتداء بموقف المرأة المصريّة لتحقيق المقاطعة الكاملة التي تعبّر عن استياء الأمّة وغضبها من موقف انجلترا بالنسبة للسودان"(63)،ولابدّ أنّ الاقتداء بالمرأة لم يكن مجرّد حادثة عرضيّة بقدر ما كان دليلا على أنّ المجتمع المصري تحوّل بعد إلى هيكلة جديدة، للمرأة فيها بفضل إنجازاتها وضع جديد وملفت.
3. 2 ـ مفاهيم جديدة:
أبانت التجربة النسائيّة عن عدّة مفاهيم جديدة، وتجلّى ذلك جيّدا في اجتماعات الاتّحاد النسائي ومشاركته العالميّة والنشاط الصحفي، فالإصلاحات التي وقعت المطالبة بها وأهمّها تلك التي تعلّقت بتنظيم العائلة دلّ على الحاجة إلى طرح مفاهيم جديدة من ذلك حلم هدى شعراوي بـ" المرأة الجديدة"،وهي المرأة المتعلّمة والفاعلة التي تستقلّ بشخصيتها ويحترمه الرجل(64) ولا يقهرها، وقد بيّنت أنّ مشكلة المرأة لا تكمن في تعاليم الدين بل في " التأويلات الاجتماعيّة والتاريخيّة لها"(65). وكانت رؤيتها هي ورفيقاتها، نتيجة لذلك، تهدف إلى جعل المرأة في منأى عن تلك التأويلات المفروضة والتي جعلت من المرأة مجرّد آخر مقابل للرجل من ناحية وأدنى منه ثانيا بسبب أنوثتها، هذه هي" الهوّة"(66) التي تردّت فيها المرأة، وحاولت الرائدات الخروج منها بإثبات أدوار المرأة والبرهنة عليها.
ونظرا لما أثاره ذلك من ردود أفعال رافضة ومشكّكة دافعت هدى شعراوي عن قاسم أمين نافية أن يكون نوى" المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في الميراث"(67)،وبيّنت أنّ الغاية من نضال المرأة هو" حسن تطبيق"(68)ما هو موجود، قاصدة بذلك روح القوانين المستلهمة للقوانين والشريعة.
إنّ مفهوم المرأة الجديدة هو المفهوم المركزي في التجربة النضالية النسائيّة بما أنّها تجربة قامت على تفعيل دور المرأة في المجتمع لبناء واقع عقلاني ومختلف، وطبيعي أنّ ذلك المفهوم تولّدت عنه مفاهيم أخرى تعلّقت بالعائلة والمجتمع والرجل والسلطة. وقد نصّ برنامج تنظيم العائلة الذي اشتغل عليه الاتّحاد النسائي على ضرورة إحداث التوازن بين أفرادها وإطلاق قدرات المرأة، وفي هذا الإطار تندرج تعليقات صاحبة المذكّرات على سلبيات التربية الشرقيّة.
وقد راهنت النساء الرائدات على ذلك باعتبار أنّ تطوّر وضعيّة العائلة هو المسار الصحيح المؤدّي إلى تطوير المجتمع وتحديثه وتعديل السلطة فيه، فلا تكون بيد الرّجل أداة قهر وأسطرة للذكورة وإنّما هي ما يتواضع عليه الرجل والمرأة في إطار قانوني لطالما عمل الاتّحاد النسائي على ضمانه. وما كان بمقدور الرائدات إقرار هذه المفاهيم لولا عملهنّ المستقلّ في جمعيّة الاتّحاد إذ تقول هدى شعراوي" إنّني في خدمتي لهذه النهضة أؤدّي واجبا معهودا إليّ من جمعيّة الاتّحاد النسائيّ التي شرّفتني برئاستها"(69)،أي أنّه لولا مأسسة نضال المرأة ما كان يمكن لها أن تطرح ما طرحت في سياق المطالبة بتعديل القوانين(70)متوجّهة بخطابها إلى مؤسّسات الدولة ورجال السلطة، كما أنّه لم يكن في استطاعة الرائدات إقرار هذه المفاهيم في الأذهان لولا ما قدّمنه من تبريرات لها أرضيّة اجتماعيّة واسعة، فإصلاح وضعيّة المرأة الهدف من ورائه" رفع الحيف وإحكام الرابطة العائليّة وسيادة الهناء فيها"(71)،كما أنّ الحركة النسائيّة المصريّة" تتّبعها في كلّ مظهر من مظاهرها"(72)،وهو أمر يمكن تفسيره بالتواصل بين الأمم.
خاتمة:
رصدت هدى شعراوي في مذكّراتها التجربة النسائيّة في مصر بوصفها شاهدة عاينت الأحداث والوقائع وشاركت فيها مشاركة فاعلة ومؤثّرة، فكشفت عن مسيرة المرأة الشاقة وهي تقاوم منظومة القيم المسيّجة لمجتمع تقليدي كان واقعا تحت ضغط التطوّرات الملحّة الناتجة عن المعطيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة الجديدة.
وقد عملت المرأة المصريّة مع جيل الرائدات على اكتساب أدوار فاعلة في المجتمع، فتطوّر نضالهنّ من الدائرة الوطنيّة المشتركة إلى دائرة المأسسة مع ولادة الاتّحاد النسائيّ المصري، ثمّ امتلكت التجربة بموازاة تقدّمها خطابها الخاص الذي دلّ على أنّها جزء لا يتجزّأ من الواقع والتاريخ المشكّل للأفراد والمجتمع.
ولئن أثار بعضهم اختلاف الناشطات الرائدات في الاستراتجيات وأساليب التفكير ما أدّى إلى خروج إنجي أفلاطون وزينب الغزالي عن خطّ هدى شعراوي، فإنّه لا محيد عن الإقرار بأنّ هدى شعراوي هي التي أسّست أوّل اتّحاد نسائي في مصر بكلّ ما عناه ذلك من مأسسة للمجتمع النسائي لتصبح، من ثمّ، مسيرة الناشطات الرائدات الخلفيّة الأساسيّة للنضال اللاّحق بخرقها لمنظومة القيم الرافضة بمواصفاتها التقليديّة. ومهما يكن من أمر فإنّ التجربة النسائيّة مع الرائدات تحتاج قبل كلّ شيء وبعد كلّ شيء إلى المراجعة والتأمّل إذ تعترف مارجو بدران في هذا الشأن قائلة" لقاءاتي المتكرّرة مع هذه النخبة من الرائدات المصريات جعلتني أدرك أنّ جزءا مهمّا من التاريخ تحفظه النساء في خزائنهنّ وعقولهنّ وروايتهنّ الشفاهيّة وللأسف الشديد فإنّ هذا التراث مهمل ومشتّت"(73)ممّا يعطي قيمة إضافيّة لمذكّرات هدى شعراوي بوصفها" تراهن على غرار الملفوظات التاريخيّة على انبعاث ماض مضى وانقضى، ولكنّه يبقى قائما"(74)يشغل الذاكرة الفرديّة ويمثّل، باستمرار، على صفحة المكتوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والإحالات:
1)مذكّرات هدى شعراوي(رائدة المرأة العربيّة الحديثة) كتاب الهلال، عدد 369، القاهرة، سبتمبر 1981.
2)تستعمل هدى شعراوي في الغالب مصطلح"النسائيّة"متحدّثة عن" الحركة النسائيّة المصريّة" و" النهضة النسائيّة" و" القضايا النسائيّة" وربطت بين مصطلح" النسوية" وأوروبا كما في الصفحة 420 من مذكّراتها دون أن تقصره عليها.
3)"les mémoires sont le récit d’une vie dans sa condition historique : un individu témoigne de son parcours d’homme emporté dans le cours des événement à la fois acteur et témoin, porteur d’une histoire qui donne sens au passé." GEAN LOUIS GEANNELL. ECRIRE SES MEMOIRS AU XXe SIECLE. P : 10 .
4)مذكّرات هدى شعراوي، ص: 33.
5)ن م، ص: 43.
6)ن م، ص: 45.
7)ن م، ص: 79.
8)عبّاس محمود العقّاد، المرأة في القرآن، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، د. ت، ص: 12.
9)جليلة الطريطر، كتابة الذات في السيرة الذاتية وتجلّياتها، حوليات الجامعة التونسيّة، عدد 53، سنة 2008.
10)مذكّرات هدى شعراوي، ص 52.
11)ن م، ص: 382.
12)ن م، ص: 372.
13)ن م، ن ص.
14)ن م، ص: 182.
15)عفاف عبد المعطي، المرأة والسلطة في مصر" الواقع السياسي والأدبي 1919 ـ 1981" نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة،د ـت، ص: 10.
16) مذكّرات هدى شعراوي، ص: 203.
17)ن م، ص: 204.
18)هذا عنوان فرعي في مذكّرات هدى شعراوي ورد في الصفحة: 176.
19)نورد فعل الكشف والبيان المتعلّقين بالمذكّرات في الحاضر" لأنّ الاقتحام القرائي للنصّ واقعيّا يمثّل تفعيلا للمرجع وإقرارا بفاعليّته الإحاليّة" جليلة الطريطر، أدب البورتريه" النظريّة والإبداع"تونس، دار محمّد علي الحامي للنشر ومؤسّسة الانتشار العربي، ط 1، 2011، ص: 109.
20)مذكّرات هدى شعراوي: ص: 248.
21)ن م، ص: 272.
22)ن م، ص: 181.
23)ن م، ص، ن ص.
24)سعد زغلول(1858 ـ 1927)
25)العقل هو الصفة التي تمدحها شعراوي في أبيها، انظر المذكّرات الصفحة: 27.
26)ورد هذا في مجلّة الهلال، أبريل، 1927 أخذا عن المرأة والسلطة لعفاف عبد المعطي، ص: 13.
27)إنجي أفلاطون، نحن النساء المصريات أخذا عن " المرأة والسلطة" لعفاف عبد المعطي، ص: 14.
28)هو أوّل اتّحاد مصري خاص بالنساء تأسّس في سنة 1923.
29)مذكّرات هدى شعراوي، ص: 345.
30) ن م، ص: 345.
31)ن م،ص: 266.
32)ن م،ص: 253.
33)ن م،ص: 387.
34)ن م، ص: 413.
35)KRISTINA NORDWALL, EGYPTIANS FIMINIM, bloc 1_ 2 / http://www.colorodocollege.edu.
36)مذكّرات هدى شعراوي، ص: 370.
37)ن م،ص: 243.
38)ن م، ص: 298.
39)ن م، ص: 355.
40)ن م،ص: 382.
41)الزعيمة الإنجليزيّة آملين بنكهرت (1857 ـ 1928) أسّست أوّل اتّحاد من نوعه في بريطانيا هو الاتّحاد الاجتماعي والسياسي للنساء، وهي المرأة التي عاشت حياتها كلّها تدافع عن حقوق بنات جنسها، انطلقت المسيرات النسائيّة بقيادتها في شوارع لندن، وسخط الرجال فقاوموا تظاهراتها بالحجارة والطماطم والبيض الفاسد، وضربت الشرطة رفيقاتها بالهراوات وسجنت المئات منهنّ، قالت أمام القضاء: إنّنا أيّها السادة لم نأت هنا لنخرق القانون، وإنّما جئنا في محاولة لكي نضع القانون.
42)حوار مع مارجو بدران، جريدة الأهرام المصريّة، عدد 41250 بتاريخ: 14/ 11/ 1999.
43)مذكّرات هدى شعراوي، ص: 396.
44)ن م، ص: 159.
45)حوار مع مارجو بدران، جريدة الأهرام المصريّة، عدد 41250 بتاريخ: 14/ 11/ 1999.
46)عزّة كرم، نساء في مواجهة نساء" النساء والحركات الإسلاميّة والدولة" ترجمة شهرت العالم، كتاب في سطور، القاهرة 2001 ، الفصل الأوّل، ص: 20. ورد هذا عند ذكر حسن البنّا مؤسّس الإخوان المسلمين في سنة 1928 ،ويذكر أنّ حسن البنّا حملت جنازته نساء بعد أن حضر على الرّجال الاقتراب منه لدواع أمنيّة حفّت بمقتله.
47)مذكّرات هدى شعراوي، ص: 383.
48)بيّنت الأستاذة جليلة الطريطر في مداخلتها"L’ECRITURE DE LA CONTESTATION : REFLEXIONS A PROPOS DU GENDER DANS LES ECRITS AUTOBIOGRAPHIQUES DE FADOUA TOUKAN ET AICHA AWDA " ضمن ندوة كتابة المرأة للتاريخ المنعقدة في كليّة 9 أفريل بتاريخ 10 و11 جانفي 2012 أنّ فدوى طوقان برهنت منذ صغرها على أنّها ليست أضعف من الولد، كما اكتشفت ضعف الرّجل من خلال خيانته في الشجون.
49)BADRAN(MARGOT) FEMINIST : ISLAM AND NATION" GENDER AND MAKING OF EGYPT" NEW YORK-PRINCETON-UNIVERSITY PRESS,1994, P: 37.
50)يقترن الوعي الكتابي بالولادة ذاتها، يقول غوسدورف في هذا المنحى" de meme que l’homme, par la femme, devient pére, de meme, par l’écriture, pris au mot de la parole donnée, il deviant auteur, c’est à ----dir----e créateur. Et non pas seulement créateur de l’œuvre littéraire, mais d’abord créateur de soi-meme."
ـ انظر:GUSDORF(GEORGES),LIGNES DE VIE2"AUTO-BIOGRAPHIE" édition.odile jacob 1993, P : 12.
51)ضمن هذا السياق يفهم اختلاف هدى شعراوي عن سلامة موسى في موضوع الميراث إذ تقول في مذكّراتها ص: 420" وإن كان لابدّ من إبداء رأي في هذا الموضوع، فأقول بصفتي الشخصيّة أنّي لست من الموافقين على رأي الأستاذ الخطيب فيما يتعلّق بتعديل نصيب المرأة في الميراث" .
52)أسّست هدى شعراوي الفرنسيّة في سنة 1925 والعربيّة في سنة 1937، ونلاحظ أهميّة التاريخين من حيث دلالة التواصل من النخبة إلى الانتشار عبر اللّغة الأم، كما نلاحظ أهميّة ذلك من حيث هو تحصين للّغة وتمتين لها.
53)مذكّرات هدى شعراوي، ص: 129.
54)ن م، تقول هدى شعراوي ص: 187" وكنت أنتظر من هذه السيّدة التي كان زوجها يشكّل أكبر مركز للسلطة الإنجليزيّة في مصر...أن يكون لها بعض التأثير على السلطة الغاشمة أو على خطابي، ولكنّها لم تفعل شيئا من ذلك، بل صارت تظهر لمعارفها وأصدقائها دهشتها من خطابي هذا وتقول أنّها لا تفهمه".
55)عزّة كرم، نساء في مواجهة نساء، ص: 136.
56)هدى شعراوي، ص: 384.
57)ن م، ص: 382.
58)يحلّل محمّد بنيّس غياب الفكر التعدّدي وسيطرة أحاديّة التفكير رابطا ذلك بطريقة فهم النصّ الديني وهو ما أدّى تحديدا إلى القبول بالمتعاليات التي تنمّط الناس، وهذا المنع من التعدّد ينسج انتشاريته" في عموم العالم العربي، يتجسّد اجتماعيّا في الأدب، وسياسيّا في القبيلة، وثقافيّا في صدى القبيلة وامتدادها" تعدّدية الواحد/ دراسة منشورة في الكرمل، عدد2، سنة 1984.
59)هند مصطفى علي، قضايا المرأة في خطاب الإصلاح الحديث والمعاصر/ ورقة قدّمت إلى مؤتمر اتّجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي في الفترة 19 ـ 21 جانفي 2009 مكتبة الإسكندريّة 2009.
60)بدأت عائشة عبد الرحمان الكتابة في المصريّة وهي بعد طالبة، وكانت كوكب حفني ناصف أولى الطبيبات المصريات ونعيمة الأيّوبي أوّل امرأة تخرّجت من جامعة فؤاد الأوّل من كليّة الحقوق سنة 1931 وفاطمة نعمة راشد مؤسّسة الحزب النسائي سنة 1942 ودريّة شفيق مؤسّسة مجلّة ثمّ اتّحاد بنت النيل.
61)تقول هدى شعراوي أمام طالبات كليّة الأمريكان" لي أمل عظيم في أنّ اللاّتي تخرّجن في هذا المعهد الجليل وتمرّنّ على المبادئ الأمريكيّة يكنّ طليعة المرأة الجديدة في بلادنا" المذكّرات، ص: 384.
62)عفاف عبد المعطي، المرأة والسلطة، ص: 22.
63)ن م، ص: 314.
64)ن م، ص: 384.
65)ثائر لبيب، النسويّة ومفهوم الجنوسة، مجلّة الآداب بتاريخ 3 ـ 4ـ 2003، ص: 46.
66)مذكّرات هدى شعراوي، ص: 382.
67)ن م،ص: 422.
68)ن م، ن ص.
69)ن م،ص: 420.
70)ن م، ورد في الصفحة 390 التالي" دفعت الجمعيّة تقريرا إلى أصحاب المعالي رئيس مجلس الوزراء ووزير الحقّانيّة".
71)ن م، ص: 390.
72) ن م، ص: 420.
73)حوار مع مارجو بدران، جريدة الأهرام المصريّة، عدد 41250 . بتاريخ: 14ـ 11ـ 1999.
74)جليلة الطريطر، أدب البورتريه" النظريّة والإبداع"، ص: 08.



#أصيل_الشابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الخارجية الأردنية تدين الاعتداء على مقر وكالة -الأونروا- في ...
- برنامج الأغذية العالمي يحذر من شلل جهود الإغاثة في لبنان
- مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يبعث رسائل لمسئولين أمميين حو ...
- الأونروا: استمرار غلق المعابر ومنع دخول الوقود سيصيب العمليا ...
- رأي.. جيفري ساكس وسيبيل فارس يكتبان لـCNN: السلام يبدأ بعضوي ...
- رسالة تهديد من مشرعين أمريكيين للمدعي العام بالمحكمة الجنائي ...
- الأمم المتحدة: لم تدخل أي بضائع إلى غزة اليوم عن طريق المعاب ...
- رئيس استخبارات إسرائيلي سابق: صفقة واحدة توقف الحرب وتحرر ال ...
- إيران تسعى لتشديد حملتها على اللاجئين الأفغان
- المغرب يهاجم منظمة العفو الدولية


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أصيل الشابي - منظومة القيم واستراتجيات النضال في التجربة النسائيّة من خلال مذكّرات هدى شعراوي