أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد جبر - فنيات القص في ادب رابلية / اضاءات على روائع الأدب الفرنسي















المزيد.....

فنيات القص في ادب رابلية / اضاءات على روائع الأدب الفرنسي


سعاد جبر

الحوار المتمدن-العدد: 1235 - 2005 / 6 / 21 - 11:23
المحور: الادب والفن
    



يعد الأدب صورة انعكاسية عن الواقع في كل آلامه وآماله ، ولغة ناطقة تعبر عن متضاداته وجمالياته ، وتركيبة مشفرة في نكهة لها خصوصيتها في ايدلوجية التعبير وسمت متفرد في منظومة إيحاءاتها حول هالة المجتمع وما يعتريها من إضاءات عاكسة . وقد ارتقى الأدب في صوره التعبيرية مع رحلة الحضارات في ألوان متنوعة من المثالية والواقعية ومدرسة تيار الوعي الإسقاطية ، لذا يعد الأدب لوحة مشرقة في وجه الحضارات المسفرة عن ثقافة الشعوب وتراثها ومنظومة مشاعرها وتصوراتها عن الحياة والواقع المشاهد واللامرئ من الأشياء ، ويشكل الأدب الفرنسي صورة ناطقة لتلك التحولات ، وقد تأجج في رحلة العصور الوسطى بلوحات فسيفسائية من البعد الأيدلوجي المكثف ، وحالة الرفض الاجتماعي بكل أبعادها ، ورسالة داعية للتغيير والإصلاح ، وتتناول هذه الوقفة النقدية نموذجاً مختاراً في الأدب القصصي في تلك الحقبة التاريخية ، للأديب الفيلسوف " رابلية " لاعتبارات عدة منها خصوصية أدبه الذي يشكل صورة ناطقة عن مجتمعه ، فضلاً عما ترسمه نصوصه من الرنو الجاد نحو رحلة انطلاق فضفاضة بما تحمل من حماسة وتفاؤل ، ويثري أدبه إعجابه الشديد بالفلسفة وروادها القدماء وحبه للحياة والارتواء بنهم من معين العلم ، إذ يعتبر رجل كنيسة رفض واقع الكنيسة وما يعتريها من تضادات ، واشبع فضوله في خوض غمار علوم متنوعة ، واتسم ادبه بخصوصية متشكلة في الروح الضاحكة التي تشرق في وحي السخرية المتهكمة اللاذعة من جانب وانطلاقات عشق الحياة من جانب آخر ، حتى أن القارئ يستشعر معها تعالي ضحكاته في نصوصه ، ولكنها تحمل في مكامنها الساخرة رسالة فلسفية ولغة خاصة في التعبير ، وتعكس البعد التراثي للمجتمع الفرنسي آنذاك ، في نكهة تحمل شيفراتها لغة ثورية على الواقع سواء في بعد الكنيسة او تربية الأبناء على وجه الاستشهاد لاالحصر ، وتسطع منها لغة الولاء لوطنه فرنسا ، لذا يشكل أدبه القصصي بعداً فلسفياً في لغة الإيحاء المعبرة عن منظومة رؤاه ونظرته للحياة ، التي تتسم ببعد نقدي للمجتمع ولغة ذاتية فلسفية في الإصلاح .
ويرفض" رابلية" النمطية السلبية في سلوك رجال الكنيسة ويدعو إلى الإيجابية والعمل الجاد ويقدم تلك الأبعاد في شخصية " جان ديزا نتومور " الذي يعتبره مثالا للقسيس المتفتح والمتحرر إذ يترك صلاته لمواجهة شرذمة لصوص قد سطو على الحقل الذي يحيط بالكنيسة في حين بقي زملائه القساوسة في الدير منشغلين بالصلاة والدعاء للصوص بأن يهديهم الله ويثنيهم عن عمل الشر ، لذا تنطلق كلماته في طيور عاشقة للحرية المطلقة وإدانة القهر التجبر في النظام الكنسي ، وترسم لوحات مطالبة بسيادة الفضيلة والعفة والاحترام المتبادل وفرصة الزواج في أي وقت لساكني الأديرة ، ويعبر عن تصوره في تلك القضايا بإشارات رمزية منها أن الأبواب المغلقة والقوانين الصارمة لا تؤدي إلا إلى القسوة والمرارة والحقد ، ويستشف القارئ في نصوصه ايضاً روحه الوثابة إلى حياة هادئة ومنها دعوته إلى إلى التحرر من قيود الوقت ، لذا منع وجود آيه ساعة او أجراس تنبئ عن الوقت داخل الأسقفة ، وأشار إلى أن الحياة النقية ليست مقصورة على الأديرة ، وللمرء أن يحيا حياة كريمة فاضلة نقية خارج الأديرة ، فهي ليست محصورة في تلك الأديرة واسوارها كما تصور رسالة النظام الكنسي ولغة المجتمع الببغاوية لها .
وقد وسم " رابلية " بالإلحاد من قبل الكنيسة بناءا على ما اعتبرته الكنيسة خروجا عن الكنيسة في لغة فلسفته الإصلاحية المنبعثه من ادبه القصصي ، بالرغم من انه كان يعبر في نصوصه عن إيمانه بقوة الله وعظمته .
ويتسم نقد رابلية في لغته القصصية بأنه لاذعاً وقوي الجرس في اللسع ويثير في نصوصه تساؤلات تثير إشكاليات دينية اجتماعية في مجتمعه الكنسي آنذاك ، مثل
هل من الأفضل أن يتزوج المرء او أن يبقى عازباً ؟ وترفض نصوصه التقليد في لغة المجتمع بكافة أشكالها ويعبر عنها من خلال نص " أغنام بانيرج " ، إذ يعد هذا النص رمزاً لغباء الناس وحبهم للتقليد الأعمى وتدور أحداث هذا النص في انه اشترى بانيرج وهو على الباخرة التي تقله إلى البلاد البعيدة خروفاً واحداً من ضمن قطيع كبير من الأغنام كان على ظهر نفس الباخرة ، ثم هم فرماه في أعماق البحر ولم يستطع صاحب القطيع ولا أعوانه إيقاف سيل قطيع الأغنام الذين القوا بأنفسهم وراء زميلهم في البحر .
وتتسم الانعكاسات الفلسفية في أدب رابلية بالمرح والتفاؤل والانطلاق ومهاجمة النفاق وضيق الأفق وعدم التسامح ، والحديث في ذلك يطول ، وانطلاقاٌ مما سبق؛ فأنه يمكن تحديد أبعاد فنيات القص عند رابلية في الآتي :
ـ استخدام الأسلوب الساخر من خلال استخدام الطرافة والدعابة في تصوير الأحداث وتشابكها ، فيستشعر القارئ في النص جرس الضحكات المجنونة التي تحمل في مكامنها لغة نقد المجتمع ولغة التغيير والإصلاح .
ـ تصوير الشخصية في اقل عدد من الكلمات والتصوير الفني البارع لمقاطع مجتمعه من الريف والرعاة وحواري باريس وما تحوي من لصوص وحراس .
ـ الدقة في تجسيد روائع فنيات التعبير لواقع الإحساس بالحياة من خلال مشاهده الاجتماعية إذ تسمع من خلالها رنين الضحكات وأصوات العواصف الهائجة في البحار والأصوات الحادة وطرقاتها في معارك الحقول ، فينقل القارئ إلى عمق الإحساس بالأحداث وتشكلها في لوحان ناطقة بالحياة بجمال وإبداع .
ـ التسلسل في المشاهد في انسياب ؛ في ثنائية مترابطة بين تسلسل الحدث وبراعة تشكيل منظومة المشاهد في اتساق منساب جذاب .
ـ تعتمد نصوص " رابلية " على حقيقة اعتبار أن الضحك هو الوسيلة الوحيدة الفعالة التي تفيق القراء من سباتهم العميق ، وتحثهم على الرؤية الواعية ، ويشكل هذا الأسلوب الساخر ـ الذي اختاره رابلية كخصوصية يتمايز فيها ادبه عن غيره ـ عنوانا للتفاؤل المطلق لديه وأيماناً برسالته في التغيير ، وتشكل تلك النصوص ثورة جادة في رسالة التغيير والإصلاح لمجتمعة في كافة الأبعاد الفكرية والكنسية والاجتماعية ، وبعداً معبرا عن منظومة فكرة وتصوراته الفلسفية في الحياة ولغة المجتمع .
وفي نهاية مطاف تلك الوقفة النقدية في هذه الهالة المختارة من روائع الأدب الفرنسي ، أرجو أن أكون قد وفقت في تلك الإضاءة النقدية ، ولعل هناك ملتقى يجمعنا في روائع الأدب المتلاحمة بين حضارات الشعوب في ارتشافات أدبية جديدة وأطياف قزحية تتناول الإبداعية الأدبية حيثما كانت وأينما حلت .

سعاد جبر / الأردن
كاتبة وناقدة في مجال سيكولوجيا الأدب
باحثة اكاديمية في مجال الدراسات التربوية والنقدية
اعلامية متخصصة في تحرير الندوات الثقافية
مستشارة تربوية في مجال هندسة الذات




#سعاد_جبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة والأبداعية الأدبية
- تماهيات الأدب في لغة السياسة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد جبر - فنيات القص في ادب رابلية / اضاءات على روائع الأدب الفرنسي