أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - حسين مزعل - ملاحظات حول رواية ليلة الهدهد للاستاذ ابراهيم احمد















المزيد.....


ملاحظات حول رواية ليلة الهدهد للاستاذ ابراهيم احمد


حسين مزعل

الحوار المتمدن-العدد: 4331 - 2014 / 1 / 10 - 04:41
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


اشار علي الصديق العزيز امين ابو ديار بأقتناء هذه الرواية حيث سبق له ان قرأها ونصحني بالاطلاع عليها لما وجد فيها من اشياء ملفته للانتباه وهوغالبا ما يجود علي بالنصيحة بشأن الكتب التي تخص الثقافة العراقية على وجه الخصوص. وفعلا تركت الكتاب الذي كان بين يدي وبدأت بالتركيز على قراءة هذه الرواية الطويلة الموسومة بأسم-ليلة الهدهد- والى هنا ينتهي دور صديقي وتبدأ مسؤوليتي.
ان سبب اهتمامي بقراءة هذه الرواية هو انني كنت منتميا الى نفس التيار السياسي الذي يدور الكلام عنه حيث سقط في حومة النضال اصدقاء كثيرون. ولانني قرأت رواية رياض رمزي ( التيس الذي انتظر كثيرا) التي تدور في اجواء عراقية مشابهة واجريت معه مقابلة نشرت في الحوار المتمدن فأنفتحت شهيتي على قراءة الروايات العراقية الصادرة حديثا.
سبق لي ان قرأت القصص القصيرة جدا للاستاذ ابراهيم احمد واعجبت بها وعندما سمعت بهذه الرواية التي يبلغ عدد صفحاتها 675وبطباعة جيدة وجدت الامر يدعو الى الابتهاج والدهشة في ان واحد.فالامر يشبه الى حد بعيد عداء المسافات القصيرة الذي يقرر بعد تقدم العمر خوض سباق المارثون.
شعرت وانا اباشر القراءة بأن هناك جهدا كبيرا قد بذل على تجميع الوقائع وان هناك غصة دامعة على الاحلام والامال المجهضة, وعندما انهيت القراءة قررت ان اميز شعوري جيدا وان لا اتسرع بالحكم وان اكون موضوعيا كي لا احمل شعورا خاطئا نحو الرواية والتي كما اسلفت تعطيك انطباعا بأن هناك جهدا مضنيا انفق على انجازها فغزارة الواقائع مفيدة جدا لانها تعيد الى الذاكرة زمنا منسيا خاض فبه الرجال والنساء صراعا بطوليا وتعرضروا لانتكاسات ومؤامرات وخيبات انتجت الصورة الحالية لبلدنا المنهوب والمهان والمستهدف.
عندما قررت الكتابة طرحت على نفسي هذا السؤال: لماذا يقبل القارىء على مواصلة قراءة رواية ما او يغلق الكتاب ويقرر التخلي عنها؟
الجواب: ان الرواية الجيدة هي تلك الرواية التي رواها المؤلف لنفسه وقرر ان يشرك القارىء بهجة اكتشافاته ليس عن طريق الوقائع التي رواها بل كيف رواها. ان يكون الكاتب حكّاء جيدا يعني انه يوصل قرائه في سفره ممتعة الى مقصد اخير بحيث لايشك القارىء بوجود محطة اخرى لاستقباله.
ليس بوسعي القول ان السيد ابراهيم احمد قد اوصلني الى محطة ما رغم انه قد وفر لي عربة حشرها بأشخاص وحوادث وعندما ادرت وجهي في المحطة الاخيرة المفترضه لم اجد من يرافقني لاني كقارىء لا احيا وسط الافكار وبين اشخاص حتى لو كانوا ماركس او فهد او العطار او حسن طلقة او الجهنمي بل احيا وسط صور مبتكرة ومعاني جديدة لشخصيات تتمتع بصفة التكامل فبما بينها وليسوا غرباء يقطنون حيا اسمه حي ليلة الهدهد وهي شخصيات تكفلت كتب السيرة والتأريخ بالتصدي لها,اي لابد من الكلام عن حوادث تأريخية بلغة جمالية كما فعلت الروايات التاريخية لامين معلوف مثلا وفولكنر عندما تكلم عن مشاكل الجنوب الامريكي عن طريق خلق مقاطعة يوكناباتاوفا التي كتبت على مدار اربعة وثلاثين عاما , هدف الرواية التاريخية هو تقديم الاشخاص والزمن الذي تصارعت فيه الذوات لانتاج رواية تاريخية ننظر من خلالها الى تلك الفترة كي نتعرف على صانعي تلك القطعة التأريخية كما هو الحال في الحرب والسلم لتولستوي : اي لماذا حدث ما حدث وما هي العبرة والدروس المستقاة من ذلك.
الواقع ان المضمون هو ما يحدد جنس العمل الادبي فالعنوان قد يكون مضلل, في ليلة الهدهد شعرت بالحيرة فهل نحن ازاء رواية تاريخية ام كتاب تاريخ ام كتاب سيرة سياسية وبتقديري ان الرواية عجزت عن اعطاء اجابة واضحة.
ان فكرة المحاكمة في قبو وصالات تحت المقبرة ونهوض الشهداء والضحايا مع وجود جلاديهم هي فكرة مقتبسة من عمل ميخائيل بولكاكوف- المعلم ومارغاريثا- حيت تتم محاسبة الجلادين بحضور الضحايا في شقة تبدو عادية من شقق موسكو ولكن ما ان تدخل الشقة حتى تجد انها ذات ابعاد خيالية تتسع لالاف الضحايا وجلاديهم,انها رواية فنتازية بامتياز مع رمزية دينية مسيحية (وقد منعت ايام ستالين).
في ليلة الهدهد تكاد الرمزية ان تختفي تماما حيث ان السرد التاريخي الطويل قد حاصر الرمزية وخنقها. انه عمل مباشر الا اذا اعتبرنا ان تغيير الاسماء الحقيقية باسماء وهمية هو نوع من الفنتازيا, نعم هناك ذكر لبعض رموز المثالوجيا مثل عشتار وتموز وعودة الحياة للاموات واحداث بالمكسيك واسبانيا ولقاءات مع غانيات هنا وهناك ولكن كل هذا لم يرتق بالرواية لمستوى عال من الرمزية الفنية بل ان الحدث التاريخي كان دائما المرساة الثقيلة التي تهبط بالرواية من فضاء الرمزية والفنتازيا لسجن الواقع والسرد التاريخي. ان الواقعي الرتيب قد الغى كل امكانية للانعتاق نحو الفنتازيا والتجريد.
هناك بلاشك لمحات جميلة وصور فنية ولكنها محدودة لم يسمح الاستاذ ابراهيم احمد لها ان تكتمل اذ سرعان ما يحاصرها ويشظيها دونما رحمة تحت وطئة سرده للناريخ بحيث يصبح الحدث الواقعي هو الطاغي على مسرح الرواية اما الجمالية الفنية فانها تتراجع الى المقعد الخلفي او تكاد تختفي. هناك المشهد الفكاهي الجميل والذي نجح الاستاذ ابراهيم احمد في صياغته وهذا المشهد يدور في المقبرة حيث فقد المقص المخصص لقص شريط افتتاح المقبرة وعليه فقد استعيض عنه بمقص جز الصوف من راعي الاغنام وما حدث بعدها من هرج ومرج, انه مشهد موفق يشي بامكانية فنية عالية ولكنها مجهضة للاسف في ليلة الهدهد.
هناك ملاحظات لابد من ذكرها, ان عنصر الزمن في العمل الروائي عموما هو عنصر خفي لايشعر به القارىء وانا لا اقصد هنا سطح الزمن الذي تغطيه الرواية بل سرعة جريان الحدث داخل الرواية انه متناغم في وحدة متكاملة مع النص, انه قد يجري سريعا في ليلة لشبونه او بطيئا في الدون الهادىء, انه مثل دقات القلب موجودة ولكن المرء لايشعر بها الا اذا انتبه اليها او حصل خلل او خفقان وهذا الخلل موجود في ليلة الهدهد حيث يمر الزمن بطيئا متثاقلا يسبب الاعياء للقارىء. هناك عنصر خفي اخر لا يقل اهمية وهو ما اسميه هيكل الرواية الخارجي او السقالة الخارجية للنص او القالب الذي يتموضع فيه النص وهو ايضا في وحدة متناغمة مع النص انه مثل قدح الماء يتحمل سعة محدودة وما يزيد من الماء يطفح خارج القدح ولا يمكن شربه ,في ليلة الهدهد هذا القالب فضفاض ومرن –بالمعنى السلبي للكلمة- فلم يستطع كبح تمدد النص فاذا بنا ازاء نص متشعب الى درجة متعبة جدا يحتاج المطاردة للالمام به.
في الكثير من الروايات تبدء الحبكة الروائية بأحداث واشخاص لا رابط بينها وما ان تتوغل بالرواية حتى تبدأ الاحداث والابطال بالارتباط مثل حلقات سورة الماء التي تبدأ كبيرة غير مرتبطة ببعض ولكنها تتضال لتنتهي في بؤرة مركزية لتوصل الرواية الى ذروتها وهذا ملاحظ بوضوح في رواية( التيس الذي انتظر كثيرا-لرياض رمزي), في ليلة الهدهد بقيت الاواصر ضعيفة لم تستطع ان تشد الحلقات لتركزها في بؤرة واضحة بل كانت النتيجة باهتة المعالم ومشتته.
في اي عمل روائي هناك صوت هو صوت المؤلف الذي عادة ما تتكلم به شخصيات الرواية ولكن في ليلة الهدهد يكاد المونولوج ان يختفي ايضا بسبب السرد الواقعي للاحداث على لسان العطار والجهنمي ويونس فصوت المؤلف مختنق لايسمع وكأنما قد اقصي الى حيز ضئيل جدا يدور حول تجريم الماركسية. ان المنولوج الداخلي (المسموع) يوصل الى القارىء افكار وخلجات الشخصيات لكي يدرك خصوصياتهم الشخصية وبخلاف ذلك من هو الكدري ومن هو العطار والجهنمي وحمه سور ونكتماربس وحسن طلقه وسامر وو......
ان غياب التكامل بين الشخصيات يصيب القارىء بعدم الارتياح لوجود شخصيات مستفحلة تملأ الصفحات ثم تختفي قسرا برغم ان ما مارسته من نشاط كان يشي بأن هناك شيئا ما سوف تقوله لكنها تختفي قبل ذلك. ان الرواية ليست دليلا للهواتف تظهر فيها الشخصيات كي تختفي بمجرد ان تقلب الصفحة؛ ان ذلك قد سبب لي غربة عن الشخصيات التي بعد ان تعودت على وجودها علي ان اقطع صلتي بها حال اختفاءها, انا اذكر بطل رواية التيس التي سبق ان ذكرتها والذي يضل وجوده مشعا حتى عند غيابه وعندما يختفي احن الى وجوده, الشخصيات ليست غيوم تعبر السماء وتختفي بل لتغرق الارض بوابل مدرار كي يتذكرها الجميع , في( مائة عام من العزلة ) كان خوسيه أركاديو بونديا واورسولا يشاركونا في الطعام والمنام . القاعدة الجيدة في الكتابة كما يعرف الاستاذ ابراهيم احمد هي ان يكون لديك ما يقال وما يستحق ان يبقى عالقا في ذهن القارىء .
ان الشعور الشخصي بوجود الموهبة والمقدرة على كتابة عمل كبير ضخم ومترابط قد لايعني وجودها بالفعل (وانا لا اتحدث عما كتب الاستاذ ابراهيم احمد سابقا بل عن ليلة الهدهد فقط ) ان هذا الشعور المضلل الذي وقع فيه الاستاذ ابراهيم احمد على مايبدو وهذا ما دفعه بوضوح للاسراف غير المبرر بحيث افتقدت الرواية لكثيرمن عناصر الدراما المهمة والحيوية مما جعل الرواية عاجزة عن الاثارة والشحن العاطفي وبهذا تحولت السطور الى نص بارد دونما روح سرعان ما ينسى لانه غريب عن النفس.
هناك اشياء قيلت في الرواية تستحق التوقف عندها ولكن هناك اشياء لاترقى الى مستوى الحقيقة, اي ان هناك ذهن خصب وهناك حقائق ولكن الخلط بينهما ثمنه غال؛ بدت لي حادثة قتل منهل
مفبركة* وكأنها وسيلة لتحريك الاحداث ومنع القارىء من التثائب.فحسب علمي ان منهل مناضل شيوعي,محام ومثقف,قتل بسبب ذلك من قبل نظام لم يبخل على الشيوعيين بهذا الشرف.

لقد نفذ حكم الاعدام بالشهيد منهل نعمة بسرعة بعد محاكمة صورية في محكمة الثورة سيئة الصيت بناءا على وشاية من صاحب الدار التي كان الشهيد يستأجرها وليس بسبب ارسال جوازات مزورة له مع نسخة الى المخابرات كان قد بعثها نكتماربس كما تدعي ليلة الهدهد.ان خيال الاستاذ ابراهيم قد شطح كثيرا هنا وهذا مايجعل مصداقيته في موضع شك وتساؤل-;- للقارىء الكريم المعلومة التي ذكرتها والتي تنفي قضية الجوازات مصدرها مهيار نجل الشهيد منهل نعمة وكذلك الاستاذ جمال العتابي وشاهد الاعتقال صباح شاكر-راجع مقال رياض عيسى في الناقد العراقي حول منهل نعمة وكذلك الردود على مقالته عن مارينا سفتايفا.)
في ليلة الهدهد هناك حالة من عدم السيطرة على اسماء تاريخية مهمة تعتبر في العراق في مصاف الابطال القوميين كعباس الديك الذي يظهرتحت اسم احمد الديك- كتب رياض رمزي في روايته ( التيس الذي انتظر طويلا ) عن البطل الشعبي عباس الديك واستطاع ان يوظف اسطورة هذا البطل بشكل فني جميل وبأسلوب رشيق استفاد منها بطله حيث كان الديك ملهما له وقد البسه معنى وعمقا رمزيا, جرى هذا عبر صفحتين مع استخدام بارع للطباق والتلاعب بالالفاظ ليخدم المعنى وليتمم صورة بطله , في ليلة الهدهد يتطرق المؤلف بالحديث عن بطل المصارعة عباس الديك بأسم (احمد الديك) ببضعة سطور مبتسرة اراد الكاتب فيها ان يخبرنا ان مكان حلبة المصارعة قد تم فيما بعد تحويلة الى مطعم شريف وحداد وان السير كريمر ربما سيخرج من تحت الطاولة ليسدد لكمة للعطار. اين العبرة في هذا وما الذي اراد المؤلف قوله, انه مجرد اطناب لايحمل معنى.
في العمل الروائي عادة توجد شخصيات رئيسية تساهم بصنع الحدث الروائي او تحتل موقع متميز بالرواية وهناك الكومبارس, في هذا العمل يكاد ان تختفي الحدود مابين الرئيسي والثانوي؛ ويبدو لي ان من يروي التاريخ هو الرئيسي اما صانعوا التاريخ – ابطال الرواية-فهم مبعدون عن المسرح الى ما خلف الكواليس وتبقى المسألة عالقة هل ان ابطال الرواية هم الاشرار ام الشهداء والضحايا,في ليلة الهدهد لا توجد غلبة واضحة لشخصية على اخرى,نعم في العمل الروائي هناك غلبة واحدة هي للمؤلف الشبيه بحارس يقف على باب مسرح الاحداث يسمح للواقفين على الباب بالدخول ويأمر من في الداخل بالخروج والكل يتحرك في جو من الصراع والخديعة والتأمر بدون ان تكون هناك اسباب تؤخذ على محمل الجد اما في ليلة الهدهد فهي رواية من النوع المفتوح وحتى عندما يتم اشراك شخصيات عظيمة غيرت من شكل التاريخ بافكارها ككارل ماركس مثلا يتم الكلام عنه بصورة مبتسرة وساذجة وحتى عدائية وكأن هناك ماركس اخر تتوفر شخصيته لدى الاستاذ ابراهيم احمد فقط او كأنه غير معروف ولم تكتب عنه مئات الكتب والاف المقالات ليبدو مصدرا لتفسيرات جديدة , انا احيل الاستاذ ابراهيم احمد الى الكتاب القيم لفرانسيس وين الذي ترجمه الصديق الاستاذ سعدي عبد اللطيف والذي نشر على حلقات في جريدة المدى.
تكلم فرانسيس وين عن نزوع ماركس الهوسي نحو الكمال فهو قد درس الرياضيات وحركة الاجرام السماوية وعّلّم نفسه اللغة الروسية لكي يتمكن من قراءة كتب تتناول نظام الارض والقنانة في روسيا, انه واحد من عمالقة التاريخ المعذبين الى جانب سبينوزا وبتهوفن,غويا,تولستوي,دستيوفسكي,ابسن ونيتشه ممن عانوا ما عانوا من العذاب كي يصنعوا قدرا من الرأسمال الروحي الذي لا نزال نعتاش عليه. هذا الشخص الذي عمل في الجريدة الرينانية محررا قام بمهاجمة الحكم المطلق في بروسيا ثم في روسيا حيث طلب القيصر الروسي من ملك بروسيا شخصيا ان يوقف الجريدة فاغلقها, كان عمر ماركس حينها 24 عاما وكان قادرا على اقلاق بل ترويع طغاة اوربا,وعملاق كهذا لا ينظر الى العالم من خلال يهوديته كما يرد في ليلة الهدهد بل من خلال فكره الثوري الانساني؛طرد ماركس من فرنسا لانه كتب في مجلة-الى الامام-يسخر من ولهلم الرابع,هذا الرجل كتب –البيان الشيوعي-والذي اطلق اشارة البدء لادب البيانات في اوربا,ملركس هذا الذي بارك ثوار كومونة باريس قائلا انهم يحاربون السماء بأيديهم العارية,عظيم كهذا وهب نفسه لقضية الانسانية ماكان من الممكن ان تشغله يهوديته التي لايمكن ان يأخذها في مأخذ الجد وهو ينوي بناء عالم جديد. من خلال قراءة سيرة حياة ماركس, العلم الذي احاط به,وما فكر فيه من امور عظيمة يكتشف المرء بأن ماركس لم يكن في عوز للافكار كي ينشغل بيهوديته. لا اعرف هل قرأ الاستاذ ابراهيم احمد كتاب ماركس المهم-في المسألة اليهودية-الذي يدحض تماما اتهام الاستاذ- اشار الاستاذ ابراهيم احمد ان البيان الشيوعي وثيقة بائسة وان ماركس وانجلز قد كتباها بعد ليلة سكر شربا فيها بيرة رديئة وان ماركس شعر بالندم على ماكتب اي ان الوثيقة نتاج ذهن وعقل مرتبك ومشوش ولا اعرف اذا ماكان يقصد ان ماركس كان مدمنا على الكحول.
عندما اطبقت الكتاب نازعني شعور مرير وانا اقرأ عن والد زعيم حزب العمال البريطاني-مليباند-الذي كتب كتابا عن ماركس والماركسية بعنوان-الاشتراكية في زمن الريبة-والذي نفذ من المكتبات,وقد قيل عن الكاتب انه عقل عظيم وهم يقصدون لا يوجد عظيم الا بماهو اعظم, لانه احاط بفكر رجل عظيم مثل كارل ماركس.
مامعنى ان ينسب الشعار-المنجل والمطرقة-لترسبات يهودية مصدرها نجمة داود ومصطلح البروليتاريا المختارة لشعب الله المختار واستخدام ماركس لدلالات كثيرة من اليهودية لما سيصبح لاحقا رموزا للاحزاب الشيوعية. ان اصرار الاستاذ ابراهيم احمد على ان ماركس ظل في اعماقه ودون وعي مخلصا للكثير مما في اليهودية الغائرة في نخاعة-ليلة الهدهد ص 404-405لا يجد ما يؤيده لا في الواقع ولا في منشورات الادب السياسي-انه استنتاج اعتباطي تعسفي, وهذا ينطبق على فهد مؤسس الحزب الشيوعي العراقي في ثلاثينيات القرن الماضي الذي ينظر اليه الاستاذ ابراهيم احمد من شرفة 2013صارخا به" احرق ما لديك من مخطوطات الاترى اننا في سنة 2013". انها الجملة اتي اجابه فهد بها" يااستاذ ابراهيم دعني اختنق باوهامي واموت فيها, فلست زيوس صانع المستحيلات,انا مناضل بسيط احب شعبي".
ان الامم تمجد شعراءها وادباءها وفنانيها وتفخر بهم وتجعل منهم ايقونات وطنية وقومية سامية مثل بوشكين,سفتايفا,غوته,ريلكه,بودلير,بايرن,اليوت وطاغور؛ اما ما يدعونا اليه الاستاذ ابراهيم احمد فهو محاكمة شعراءنا(حاكموا الديواني وولديه الحر والشعبي- ليلة الهدهد). ان الديواني هو اسم وهمي لشاعر كبير وعندما يراد محاكمته والانتقاص منه ومن خلاله محاكمة الشعر الحر والشعبي فأن الهدف هو الهجوم على مجمل الثقافة العراقية وتسفيهها عبر الهجوم على ممثليها فهل نحاكم السياب وسعدي يوسف ونازك الملائكة ولميعة عباس عمارة والبياتي ومظفر النواب ووليد جمعه ام نحاكم رياض النعماني وعريان السيد خلف وكاظم اسماعيل الكاطع او من وهبنا اجمل الاغاني التي يرددها العراقيون مثل ابو سرحان وسيف الدين ولائي وزامل سعيد فتاح .
نحن نعرف ان الاستاذ ابراهيم احمد قد هجر عن وعي موقعه السابق كمثقف يدافع عن الفقراء والطبقات المسحوقة والتحق بناد اخر هو نادي المحافظين الجدد وهنتنجتن ونادي ميثاق91سيء الصيت؛ ولذلك فأن الاستاذ ابراهيم احمد يسدد طعنته النجلاء الى لون بعينه من الثقافة العراقية.
ويبقى السؤال الكبير لماذا نحاكم الثقافة العراقية وبأي جرم؟اي فنتازيا روائية تلك التي تبرر هذا؟
انا لا اعرف الاستاذ ابراهيم معرفة شخصية ولكني اتصور ان لديه مشاكل شخصية وعلى ما اعتقد انه يمتلك شخصية خصامية وانه ربما كان قد اصيب برض في نرجسيته سببها له احد ممثلي الثقافة العراقية هذا في احسن الاحوال او انه يعيش حالة من الوهم الكبير تجعل بصيرته زائغة.
في عام 2003وقبل احتلال العراق تطوع الاستاذ ابراهيم احمد ضمن مجموعة من المثقفين العراقيين للالتحاق بدورة اعلامية في الولايات المتحدة جاء بعدها بعد سقوط النظام البعثي المجرم ليعمل في المنطقة الخضراء لدى الامريكان لا اعرف طبيعة عمله ولكني استطيع ان اخمن وكذلك يستطيع القارىء اللبيب, اي انه في احسن الاحوال كان احد الركائز العراقية التي اعتمد عليها الاحتلال.
في صفحة الغلاف الاخيرة يتساّل الاستاذ ابراهيم احمد( لماذا حل فيه كل هذا الخراب-يقصد العراق-ولماذا وصل وطن يحمل الكثير من مقومات الخير والجمال الى هذا التمزق والشقاء والدمار؟-ليلة الهدهد-) اني اشعر بالعجز الكامل والدهشة ازاء سؤال كهذا!واترك للقارىء فرصة الاجابة عليه.
-من ميدان علم النفس الاجتماعي وضع عالم النفس الامريكي فستنجر سنة 1957نظرية (نشاز او تنافر الافكار) يقول فيها: عندما يحمل شخص ما افكار متنافرة او فكرتين متناقضتين او سلوك يناقض الافكار فأن هذا يسبب توترا وقلقا وعدم ارتياح, في هذه الحالة يلجأ الشخص اما الى الغاء واحدة من الفكرتين او اضافة معلومات جديدة لتقليل التنافر وهذا يتم بأرادة ووعي الشخص. بالنسبة الى الاستاذ ابراهيم احمد قد تكون الفكرة الجديدة ان امريكا ستدخل وتحتل العراق اذا تعاون هو مع الامريكان او لم يتعاون واذا لم يفعل ذلك هو سيفعل ذلك احد غيره وهذا لايغير شيئا من الواقع. هنالك حالات تبقى فيها بعض الرواسب الاشكالية عالقة بالذهن تتسبب في استمرار القلق والتوتر والاحتدام الداخلي حينها يلجأ الذهن الى تبديد هذا التوتر والقلق ولكن هذه المرة على مستوى اللاشعور وهي وسيلة يحمي العقل بها نفسه حتى لاينتهي بالمرض وهذا يتم عبر اليات الدفاع التي اكتشفها فرويد. من خلال التحليل النفسي يبدو ان الاستاذ ابراهيم احمد ( ربما بسبب اصفافه الجديد كان قد استخدم مرارا بعض اليات الدفاع النفسي هذه وهو يتكلم في روايته عن بعض الاشخاص والامور حيث استخدم الاسقاط النرجسي المنشأ وكذلك الازاحة(Displacement) .
مثلا لننظر فيما روى عن منهل نعمة حتى لتبدو القصة قد رويت ليس لادانته نكتماربس بل لادانة منهل نعمة نفسه حيث انه يعمل لدى شركات اجنبية واصبح ثريا (ليلة الهدهد) ما يعنيه الكاتب ان منهل قد انسلخ عن طبقته وعن الفقراء-المؤلف بدورة قد انسلخ من مواقعه وطبقته ليلتحق بجهة اخرى . منهل يعمل لدى شركة اجنبية (جهة اجنبية) ويتقاضى نقود . والمؤلف يعمل لدى جهة اجنبية(الاحتلال) ويتقاضى نقود هذا يعني (توازن) لكن الواقع ان منهل نعمة يعمل عمل شرعي لبناء الوطن وليس لدى محتل يهدم الوطن.
الاشكال الثاني هو ان الشيوعيين كانوا على خطأ ولهذا دفعوا الثمن بين الموت والاعدام وتهجير وسجون وهذا ما يعطي الاستاذ ابراهيم بعض العزاء لطلاق الشيوعية ولكن الاستاذ ابراهيم احمد لم يدن القاتل بل ادان الضحية.
فهمت من الرواية ان الاستاذ ابراهيم احمد يقول كان على الشيوعيين ان لايتدخلوا بالسياسة وكان عليهم الجلوس في بيوتهم وربنا احتساء الشاي لكن باسكال كان قد قال(ان اغلب مشاكل الناس تصيبهم لانهم مرتاحين في غرفهم).
الاسقاط الاخر هو ان الشيوعيين كانوا عملاء او متعاونين مع موسكو ولهذا فأنه ليس من الخطأ ان يكون المرء متعاونا او عميلا لامريكا فالكل يتعاون مع جهة اجنبية وكما يقول السوريون ما في حدا احسن من حدا (توازن). الجوهر الاساسي الذي عكسته الرواية هو خطأ الفكرة الاشتراكية والشيوعية لانها ضد الفطرة الانسانية وانه لا يصح الا الفكرة الرأسمالية كونها تنسجم مع الفطرة الانسانية ونهذا نجحت الفكرة الرأسمالية ممثلة بالولايات المتحدة الامريكية وهذا الموقف مفهوم في سياق تعامل الاستاذ ابراهيم واصطفافه الجديد مع المحتل.
الاستاذ ابراهيم احمد في ليلة الهدهد كان قد حاكم الفكرة الشيوعية وحاكم فهد وماركس وانجلز(وفي الزحمة اختفى حمه سور ونكتماربس)لقد حاكم كل هؤلاء لانهم ساهموا في دفع الشيوعيين العراقيين الى الموت.
وماذا عنه: الاستاذ ابراهيم احمد كان جزءا من احتلال قتل الناس وهدم بلادهم الا يجد الاستاذ ابراهيم احمد ان هناك تناقضا وفصام واضح بين ما كتبه في ليلة الهدهد وبين سلوكه وموقفه الواقعي والفكري. الا يعتقد الاستاذ ابراهيم احمد ان ما طلبه في محاكمة من سبق ذكرهم يصح عليه وكان من الاجدر به ان يحاكم نفسه في قبو تلك المقبرة. حسب فهمي المتواضع فأن الاديب او الروائي كما اسلفت يكتب من تجربة معاناته او معايشته للحدث او ما يتخيل عن الحدث وهو بالتأكيد ما يعكس خلجات ومشاعر الكاتب وهذا يعني ان البناء الفكري والروحي وسلوك الكاتب هو جزء لايتجزأ من عمله وتجربته الوجدانية في كتابة الرواية.
ان تولستوي ودستيوفسكي وتشيخوف كانوا يعيشون معاناة ابطالهم وما يحدث في واقع الحياة الروسية وقد صوروا بامانة ابطالهم من المعدمين وعاثري الحظ وهذا احد اسرار ابداعهم. ليلة الهدهد تتحدث عن خيبات واخفاقات الحركة السياسية التي دفعت الناس الى الموت ولكن موقف الكاتب الفعلي في حياته ومايمارسه يختلف تماما عن مصائر ومعاناة ابطاله وهنا يكمن الشرخ والفصام وانها لعمري فداحة كبيرة حينما تتحول الترجيديا الى ملهاة والروائي لا يمارس ولا يؤمن بما يكتب.
*امين ابو ديار: مثقف عراقي يعمل في مكتبة الساقي في لندن.
*ميثاق 91: وثيقة وقعها لفيف من العراقيين في لندن منهم استاذة جامعيين ومثقفون وكذلك اسماء غير معروفة ولكنها تسلمت مناصب رفيعة في ادارة بريمر بعد 2003سفراء ووزراء واستشاريون, الوثيقة مهمة لانها اصبحت خارطة طريق لما حصل بعد 2003حيث ورد فيها انهم(الموقعون) يسعون لاقامة عراق بلا جيش ولا اجهزة امنية ولا شرطة.



#حسين_مزعل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع رياض رمزي كاتب رواية(التيس الذي انتظر طويلا)


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - حسين مزعل - ملاحظات حول رواية ليلة الهدهد للاستاذ ابراهيم احمد